الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

روسيا وإعادة إكتشاف أفريقيا من جديد: سيناريوهات”التعاون والمصالح والمخاطر”

اعداد الباحث: حسني عماد حسني العوضي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بإنهيار الإتحاد السوفيتي  واجهت روسيا عدد من الصعوبات والمشاكل الداخلية والخارجية والتي أثرت علي تواجدها في مناطق نفوذها وخاصة في قارة أفريقيا ، ومنذ مطلع عام 2000م وتولي فلاديمر بوتين السلطة رسمياً في روسيا بدأت بوادر العودة القوية للإهتمام الروسي بالقارة السمراء، في محاولة لإستعادة مناطق النفوذ في القارة الأفريقية ، والتي غابت عنها بشكل كبير عقب إنتهاء الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإنهيار العملاق السوفيتي.

أولاً: تراجع الدورالروسي في أفريقيا:

كان الإنهيار الإقتصادي الذي أصاب الإتحاد السوفيتي ، له التأثير الكبير علي التواجد الروسي في أفريقيا وغيره من مناطق نفوذها ، حيث بدأت روسيا تجد لها مكان جديد في العالم ونشرت بعثاتها الدبلوماسية في الخارج ، وركزت مواردها علي بعض الدول وذلك لبناء الدولة من جديد، وبالنسبة لأفريقيا فعلي الرغم من أن السفارات التي نشرتها روسيا في جميع أنحاء القارة أغلقت الكثير منها بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي حيث أنه في عام 1992م أغلقت روسيا حوال 9 سفارات ، وتم وقف أغلب مراكز الثقافة والفكر في بعض الدول الأفريقية ،كما تراجعت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ودول أفريقيا حيث كانت الدوله حينها في مرحلة الخروج من الأزمة والبناء من جديد، لذلك لم تكن هناك أي زيارات من قبل المسؤليين الروس إلي أفريقيا ، وتم قطع بعض البرامج العسكرية والتعليمية وغيرها من المساعدات للدول الأفريقية ،ونتيجة لذلك تراجع الدور الروسي في أفريقيا لحساب بعض الدول منها الصين والولايات المتحدة الأمريكية .

ثانياً:الإهتمام الروسي بأفريقيا :

بتولي فلاديمير بوتين السلطة في روسيا في الإنتخابات الرئاسية الروسية عام 200م ،بدأ يحاول إعادة بناء الدولة الروسية من جديد من الداخل أولاً ثم إتجه بعدها إلي الخارج ، حيث كانت أول خطوة في تغير الموقف الروسي في أفريقيا كانت الزيارات الرسمية التي قام بها بوتين إلي عدد من دول المنطقة خصوصاً في عام 2006م ،وكانت هذه الزيارات نقلة في العلاقات الروسية الأفريقية ، حيث تم فيها التوقيع علي عدد من الإتفاقيات الدولية والعقود المبرمه بين روسيا وبعض الدول الأفريقية.

 

ثالثاً :مجالات التعاون والمصالح بين روسيا ودول القارة:                                

.هناك مجالات متنوعة للتعاون بين روسياودول أفريقيا منها :

1– تنظر روسيا إلي عدد من البلدان الأفريقية علي أنها غنية بالموارد الطبيعية منها الذهب والماس والحديد ….وغيرها.

2- مجال الطاقة والصناعة النفطية حيث بلغت حصة أفريقيا من إنتاج النفط العالمي 11% ،و موسكو الدولة الأولي في العالم في تصدير الغاز الطبيعي إلي دول العالم ، لذلك ربما يزيد التعاون بين الدولتين في هذا المجال.

3- مجال التسليح العسكري وتجارة الأسلحة والطائرات ،حيث تسعي روسيا إلي فرض نفسها كمصدر أساسي للأسلحة الروسية إلي أفريقيا وخاصة إلي مصر والجزائر .

4- مجال الإستثمارات والمشروعات الإقتصادية ، حيث الأهم لروسيا هو زيادة الدعم الحكومي لقطاع الأعمال ، وزيادة إستثمار الشركات الروسية في دول أفريقياومنها  شركات “روس أتوم” ، “غازبروم” ، “روسنفت”.

وقد بلغ التعاون بين روسيا وأفريقيا درجة كبيرة في السنوات الماضية ،حيث إزداد النشاط التجاري بين روسيا وبعض الدول وعلي رأسها جنوب أفريقيا وخاصة أن كلا الدولتين عضوان في مجموعة دول البريكس ، وطبقاً لوكالة سبونتيك الروسية للمعلومات “إرتفعت الإستثمارات بين روسيا وجنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة ، بالإضافة إلي زيادة الصادرات الروسية إلي جنوب أفريقيا وكان الجزء الأكبر منها خاص بالمواد الغذائية والمواد الخام الزراعية والمنتجات الكيميائية بينما تستورد روسيا من جنوب أفريقيا المعادن ، ويسعي الكرملين إلي تعويض العقوبات المفروضة علي روسيا من خلال التعاون مع عدد من الدول منها جنوب أفريقيا في مجالات التصدير والإستيراد بالإضافة إلي توقيع عقود مع بعض الشركات الروسية العالمة في مجال الطاقة النووية السلمية لإنتاج الطاقة النووية في جنوب أفريقيا.

وتعتبر دول شمال أفريقيا ومنها مصر وليبيا والجزائر من حلفاء موسكو حيث تم التوقيع علي الإتفاقية بين القاهرة وموسكو في عام 2013م لتحديث نظام الدفاع الجوي المصري  ، وكذلك في عام 2016م السماح لمصر بشراء حاملات الطائرات الفرنسية المستيرال(جمال عبد الناص– أنور السادات ) وتزويدهما بطائرات التمساح الروسية ، وتوقيع عقود مع الجزائر وتونس علي شراء بعض المقاتلات من طرز سوخوي 30 .

وتشير بعض التقارير الصادرة عن وكالة سبونتيك الروسية للمعلومات “أنه في عام 2013م إزداد الرواج الكبير للأسلحة الروسية في أفريقيا ، حيث أمضت دول أنغولا علي توقيع عقد بقيمة تتجاوز المليار دولار للتزود بمعدات منها مقاتلات سوخوي ، وأنه للمرة الأولي منذ 15 عاماً وقعت كل من روسيا ونامبيا عقداً تحصل بمقتضاه نامبيا من روسيا علي صواريخ مضادة للدبابات وقذائف الهاون و ذخيرة ،وعقد أخر وقعته روسيا مع غانا لتسليم غانا مروحيات ومقاتلات سوخوي بلغ كلفتها الإجمالية 66 مليون دولار ،هذا وتبيع روسيا الأسلحة إلي مالي حيث وقع عقد في عام 2012م بين روسيا ومالي بلغ تكلفته الإجمالية حوالي 12مليون دولار ويتم بمقتضاه تسليم مالي بنادق ومدافع رشاشة وذخائر ولعل ما قاله فلاديمير بوتين في بداية تدخله في الأزمة السورية “أن هذه الحرب ستكلف روسيا أموالاً باهظة إلا أنها فيما بعد ستعود بالنفع علي روسيا وخاصة في مجال صادرات السلاح ، حيث سينتعش سوق السلاح الروسي إلي معظم دول العالم ” .

لم يقتصر الحضور الروسي في أفريقيا علي المجلات العسكرية والإقتصادية فقط بل إتسع ليشمل المجال الفكري والثقافي حيث أصبح لروسيا 40 سفارة ومقر دبلوماسي وبعثات تجارية في الدول الأفريقية، ولقد إزدات العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ودول أفريقيا وبدأت تشهد زيارات رسمية من قبل عدد من المسؤلين الروس إلي أفريقيا ، وبدأت روسيا في إنشاء العديد من المراكز الثقافية الفكرية الروسية من جديد في الدول  الأفريقية ، وأرسلت نخبة من مثقفيها من أجل تدريس وتعليم اللغة الروسية في دول أفريقيا ، وهذا وتوفر روسيا سنوياً العديد من المنح التعليمية إلي بعض البلدان النامية ومنها الدول الأفريقية من أجل الدراسة في روسيا ، وهذا تزداد القوة الناعمة الروسية في التأثير علي العلاقات الروسية الأفريقية .

رابعاً:العقبات التي تواجه العلاقات الروسية الأفريقية:

هناك عدد من المشكلات والعقبات التي تواجه روسيا في أفريقيا والتي تعيق إقامة العلاقات بين روسيا والدول الأفريقية منها :

1- عدم وجود الإستقرار السياسي والعسكري في معظم الدول الأفريقية ،حيث روسيا لا تملك خطط لمساعدة هذه الدول في تحقيق الإستقرار السياسي والتكامل ، فروسيا تولي إهتمام فقط بالتعاون الإقتصادي والعلاقات الإقتصادية الفعالة.

2-الأولوية بالنسبة للدولة الروسية هي إعادة بناء الدولة وإستعادة المجد السوفيتي من جديد والإهتمام بالمشكلات الداخلية ، وتحسين العلاقات مع دول الجوار ، لذلك تبقي مشاركة روسيا في الشؤؤن السياسية الأفريقية ضعيفة جداً ، بالمقارنة بالدور الأمريكي أو الفرنسي لهذه الدول .

3- غياب الإستراتيجية الروسية تجاه أفريقيا عامل كبير سيؤثر علي التواجد الروسي في افريقيا.

4-الإختلاف في التنمية الإجتماعية والإقتصادية والسياسي في أفريقيا ربما يسبب عدم توازن للسياسة التي تتبعها روسيا منع هذه الدول.

5-إختلاف الثقافة بين الأفارقة ورجال الأعمال الروس يسبب مشكلات كبيرة جداً.

6- قلة وسائل الإعلام الروسية التي تم إرسالها لأفريقيا وأيضاً قلة المنظمات الغير حكومية الروسية داخل القارة.

7- الوجود الكبير للقوي الكبري في أفريقيا وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين ..وغيرها ، لذلك غيرت روسيا سياستها من المواجهة إلي المنافسة وتبادل المصالح .

ولقد نشرت وزارة الخارجية الروسية نص خطاب لنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في يوليو 2013م والذي سلط الضوء علي المشكلات القديمة التي تواجه تطوير العلاقات بين روسيا وأفريقيا في دورة المنتدي بين الأورال وإفريقيا في يكاترينبوغ ، حيث قال” يجب أن أعترف أنه خلال عملي للعمليات التجارية للشركات الروسية في أفريقيا كان لدينا تقصير في قدرتنا علي التصدير للقارة الضخمة الغنية بالمواردالطبيعية الهائلة ، وأضاف أنه واحدة من العقبات هي أن الأفارقة ليسوا علي قدر كاف بقدرات الشركات الروسية، وأضاف أن المهمة الرئيسية الأن أما روسيا هي التحول إلي نهج أكثر شمولاً ، بإستخدام الشبكة الإقليمية الواسعة من غرفة التجارة الروسية ، وتوفير المعلومات الكافية عن التنمية الإقتصادية في البلدان الأفريقية ، وزيادة دور وسائل الإعلام الروسية والمنظمات الغير حكومبة الروسية داخل القارة الأفريقية “.

خامساً: سيناريوهات ومستقبل الدور الروسي في أفريقيا:

لاشك أن روسيا حاولت العودة من جديد إلي القارة الأفريقية في ظل الإرث الثقيل التي ورثته من إنهيار الإتحاد السوفيتي وهناك عدد من السيناريوهات للدور الروسي الجديد في أفريقيا منها:

1- سيناريو التعاون والمصالح:  ربما تصبح أفريقيا مجالاً جديداً لزيادة التعاون الروسي الأفريقي في شتي المجالات ، وتتتطور العلاقات بين روسيا ومظم دول القارة ،وذلك لان روسيا هدفها هو المصالح الإقتصادية والعسكرية ، وروبما تتجه روسيا إلي زيادة المساعدات والمعونات العسكرية إلي بعض الدول في أفريقيا ، وتزداد الإهتمام بالشوون السياسية الأفريقية ، وربما تقوم روسيا ببناء قاعدة جديدة لها علي غرار قاعدة الأفريكوم الأمريكية ، وقاعدة البحرية الروسية في طرطوس علي البحر المتوسط .

2-سيناريو التنافس:إتجهت روسيا إلي الإعتماد علي سياسة التنافس وتبادل المصالح خصوصاً مع زيادة القوي الدولية والإقليمية في القارة الأفريقية وأهمهما حالياً الولايات المتحدة الأمريكية والصين وغيرها ، لذلك ربما تصبح القارة الأفريقية مجالاً للتنافس بين هذه الدول، وربما تصبح قارة أفريقيا مجالاً للصراع كما كان في السابق بين بريطانيا وفرنسا وأمريكا.

3-سيناريو المخاطر: إحتمال فقدان روسيا للدور القوي لها في القارة ،وفقدان علاقتها مع الدول الحليفة لها ،نتيجة زيادة الإضطرابات وحالات عدم الإستقرار السياسي التي تشهدها بعض الدول في أفريقيا ،مثلما حدث في ثورات الربيع العربي وفقدت روسيا حليفها ليبيا نتيجه الموافقة علي قرارا مجلس الأمن 1973 ، مما سمح لتدخل الدول الغربية وعلي رأسها أمريكا –بريطانيا –فرنسا ..،علي حساب مصالحها .

لقد شهدت السنوات الأخيرة حضوراً قوياً للدور الروسي في بعض القضايا الدولية في ظل تعددية النظام الدولي، وإتضح هذا الدور في التواجد في قارة أفريقيا ، لذلك هناك حاجة ملحة لدي القادة الروس للعودة من جديد إلي أفريقيا لإستعادة مجد السوفيت من جديد ، لذلك هناك الكثير يتوقع أن تتطور العلاقات الروسية الأفريقية ويقول سيرجي لافرورف في أحد تصريحاته أن أفريقيا في صلب السياسة الخارجية لروسيا.

Email yahoo:  hosnyelgendy29@yahoo.com

Hotmail:   hosny_elgendy@hotmail.com

Twitter:  hosnyEmad (Russian)

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى