الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

تطبيق التيك توك … هل فعلا هو ملاذ آمن للثراء ؟

بقلم: يوسف بوغرارة  – باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة وهران2/الجزائر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

في ظل تصاعد العولمة، وتسابق العالم نحو البوابات الإفتراضية التي تضمن لها العيش في عالم موازي مبني على التناظر الفلسفي للحياة الحقيقية لوجه آخر افتراضي يعيش فيه الفرد حياة عادية مبنية على التفاعل الكوني؛ اقتصاديا وسياسيا وعلميا واجتماعيا…، تبرز ظاهرة في عالم المال والإقتصاد لطالما طرحت تساؤلات اجتماعية لم تجد دلالات وتفسيرات منطقية، وحتى أنها لم تتصدى لها إجابات سواءا من أكاديميين أو إعلاميين وربما حتى المختصين  سوى من بعض صناع المحتوى.

نحن نتحدث عن فلسفة نظام وخوارزمية تطبيق التيك توك، وفي هذا السياق، يعرف العام والخاص الدور الذي تلعبه منصات التيكتوك في معالجة القضايا العالمية البيئية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وتشكيل هويات وقيم معينة تتعدى وتزاحم القنوات الرسمية، وانتاج مؤثرين وصناع المحتوى خارج النطاق التقليدي للإعلام، وحيث أن التعليم والتجارة والتسويق والسفر والتفاعل المجتمعي أصبح ضرورة افتراضية واكب عليها العالم منذ أزمة كوفيد 19.

ولكن يبقى التساؤل مطروحا حول بعض الظواهر التي أصبحت صورة نمطية تستقطب الشباب بغية تحقيق الحرية المالية والثراء بطريقة قد تبدو سهلة وبسيطة في آلياتها وغامضة في منطقها العملي. فمن منطلق أن تحول تطبيق التيك توك إلى محرك اقتصادي حيوي يدعم الإقتصاد الإبداعي وقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تشير التقارير إلى أن التطبيق  قد ساهم بنسبة كبيرة في الإقتصاديات المحلية، كمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، وكذا توفير نسب عالية من الوظائف، ويبقى الغموض مطروحا حول حركية الأموال ومدى شفافية المكاسب المالية للمنضمين.

وفي هذا السياق، تحت عنوان :”رجال أعمال خرجو من التيك توك”، نسلط الضوء على نظام الجولات أو ما يسمى TiK Tok Live Battles، باعتبارها ميزة تفاعلية مباشرة على تطبيق التيك توك؛ يتحول البث المباشر فيها إلى منافسة حماسية بين لإثنين من المضيفين أو صناع المحتوى، حيث يظهران في بث مشترك يتم على أساسه تقسيم الشاشة إلى نصفين متساويين لكل متسابق، ثم تبدأ الجولة بمنافسة زمنية محددة؛ ليتم جمع النقاط من طرف المتسابقين والتي تحتسب طبقا للهدايا الإفتراضية التي يرسلها المشاهدون والداعمون إلى المتسابق الذي يدعمونه، لتنتهي بفوز المتسابق الذي يجمع أكبر نقاط من خلال الهدايا.

يرجع الدافع الأساسي والإقتصادي لنظام الجولات هو الربح المادي لصناع المحتوى عن طريق الهدايا الإفتراضية (كالأسد، القفازات، الغيمة …) التي يرسلها الداعمون والتي يتم شراؤها بأموال حقيقية باستخدام عملات التيك توك، حيث يقوم التطبيق بخصم جزء منها وتحويل الجزء الآخر من قيمتها إلى المتسابقين.

وتجدر الإشارة أن اللبس والغموض حول ما يتم تداوله من مبالغ مالية طائلة في الجولات تحدث تساؤلات عن الهدف من دعم المتسابق من طرف داعمين مشهورين وأحيانا تحت اسماء مستعارة بمبالغ مالية ضخمة؛ وفي هذه العملية يقوم تطبيق التيك توك بخصم ربما نصف هذه المبالغ.

وفي السياق القانوني، تقوم بعض الدول على وضع أليات الرقابة القانونية والشفافية على في منظومة المجالات الرقمية تجعل من المؤثرين وصناع المحتوى يتوجهون إلى بعض البلدان التي توفر أطر قانونية وتسهيلات في هذا المجال لإنعاش إقتصادياتها من خلال الضرائب، وجلب حركة رؤوس الأموال.

ويبقى السؤال ساريا ومطروحا لماذا يقوم الداعمون بإرسال هدايا للمتسابقين تتضمن أموال ومبالغ طائلة يقوم تطبيق التيك توك بخصم جزء منها وتحويل المبالغ الأخرى لحسابات المتسابقين، وتشير المعطيات من خلال عامل التصنيف، أن الفئة العمرية الأكثر مشاركة تكون في العقد الثاني، أما بخصوص عامل الشهرة؛ لاحظنا تفاعل شرائح بسيطة وتقتصر في بعض الأحيان على المجال الفني والغنائي، في غياب متسابقين ذوي الخلفيات العلمية والسياسية والإقتصادية بنسبة كبيرة، ويبرز سؤال حول غياب هذه الفئات التي لها وزن اقتصادي وسياسي وعلمي عن هذه الممارسة التي تعتبر ظاهريا عملية خصبة لمكاسب مادية ومعنوية ضخمة، وربما يبقى المجال مفتوحا لمختصين أكاديميين وباحثين لإعطاء تفسيرا علميا وعمليا للظاهرة من أبعاد وزوايا تندرج ضمن مجال اختصاصهم.

ومن خلال استنباط بعض آراء صناع المحتوى على وسائل التواصل الإجتماعي ومستعملي تطبيق التيك توك، صرح البعض أن العملية تندرج في إطار علم التسويق باعتبار أن عملية تحفيز الجمهورتندرج تحت ما يسمى بمصطلح ”التلعيب المالي”  Gamified Monetizationأو ”التسويق باللعب” Gamified Marketing باعتبارها استراتيجية تسويقية [1] تهدف إلى تطبيق عناصر تصميم الألعاب وذلك لتحقيق مكاسب مالية ومعنوية بطرق مشروعة، وجاء تفسير البعض الآخر على أنه عملية تصميم وهندسة للشهرة وذلك لإستعمالها في مجالات أخرى كالترويج للإعلانات بجميع أبعادها[2]، في حين اعتبرها بعض الناشطين على أنها آلية إستغلال لتبييض الأموال؛ من خلال استخدام الأموال غير المشروعة في شراء كميات من العملات الإفتراضية وإرسالها بشكل هدايا باهضة الثمن لصناع المحتوى المتواطئين مع مجرمي تبييض الأموال، وقد أشارت تقارير إلى أن البث المباشر على التيك توك يستعمل في أنماط إجرامية كبرى لغسيل الأموال، وأشارت أيضا التقارير إلى وجود وكالات وسيطة تعمل على تسهيل هذه العمليات، وقد تهدد النظام المالي لأن هذه التحويلات يصعب على الأجهزة الأمنية والرقابية مراقبتها[3]، حيث أن ضخ الكميات الكبيرة من الهدايا في الجولات خلال فترات زمنية قصيرة (5 دقائق) يقوم بعملية الإسراع في التمويه والغسيل في نفس الوقت، وتعتبر غطاءا شرعيا تنافسيا وتفاعليا لهملية الإهداء وسط الجمهور المتتبعين[4].

ومما سبق، يمكن القول أن العالم الإفتراضي فبعدما أصبح ضرورة ملحة في إطار التفاعل الكوني له إيجابيات، تطفو بعض المشاكل والسلبيات؛ كالعالم الحقيقي المعزز والذي يسعى دائما لإيجاد الحلول ووضع الآليات القانونية والأخلاقية والقيمية لضمان النظام والسلم العالمي والدولي والإقليمي.

[1] https://www.blog.udonis.co/mobile-marketing/mobile-apps/gamification

[2]  https://billo.app/blog/social-media-content-creator/

[3]  https://www.theguardian.com/us-news/2025/jan/04/tiktok-knew-its-livestreaming-feature-allowed-child-exploitation-state-lawsuit-alleges

[4]  https://oregoncapitalchronicle.com/2025/01/03/new-court-records-claim-tiktok-knew-its-live-feature-was-used-to-groom-children/

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى