الدراسات البحثيةالمتخصصةتقارير استراتيجيةعاجل

الولايات المتحدة تُعــد قبرص اليونانية لدور في منطقة الشرق الاوسط

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

في بادرة مفعمة بالمعاني السياسية الإستراتيجية ألتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس القبرصي /اليوناني نيكوس خريستودوليدس بالمكتب البيضاوي في 30 أكتوبر 2024 في إطار زيارة الأخير للولايات المتحدة الأمريكية وهي الزيارة الثالثة من نوعها لرئيس قبرصي /يوناني إلي واشنطن فقد كانت الأولي للرئيس الأسقف مكاريوس في عام 1970 والثانية للرئيس جلافكوس كليريدس في عام 1996وبعد 28 عام جاءت هذه الزيارة الثالثة لكنها هذه المرة جاءت مصحوبة بتطور غير مسبوق فرضته عدة تطورات أخري متتابعة وغير معهودة سواء في مسير العلاقات الثتائية بين الدولتين في الفترة الأخيرة التي أعقبت توالي تداعيات طوفان الأقصي في غزة في 7 أكتوبر 2024 والتي بسببها أولت الإدارة الأمريكية عناية خاصة بموقع قبرص القريب جداً من مسرحي الحربين الدائرتين في غزة وفي جنوب لبنان هذه العناية التي تُرجمت في قرارين مؤثرين علي علاقة الولايات المتحدة بتركيا عضو حلف الأطلنطي وعلي الموقف في الشرق الأوسط  إتخذتهما الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس بايدن وهما (1) قرار رفع الحظر علي قيود السلاح لقبرص الذي أعلن عنه في سبتمبر2024 وأُعتبر نافذاً إعتباراً من أول أكتوبر2024والذي من المتوقع أن يزيد من التسلح في الجزيرة ويضر بالتوازنات الحساسة في المنطقة و(2) قرارعقد اتفاقية التعاون الدفاعي والحوار الاستراتيجي بين قبرص والولايات المتحدة بتاريخ 9 سبتمبر2024 وهذه التطورات كلها أدت إلي التأثير كذلك علي مستوي الموقف الأمريكي من القضية / الأزمة القبرصية التي أطرافها الثلاث هي الدول الثلاث تركيا / اليونان وبريطانيا الضامنة لإستقلال الجزيرة القبرصية بطائفتيها اليونانية والتركية .

هذه الزيارة يُروج الجانب القبرصي اليوناني بأنها تنعش الأمال في إستعادة وحدة الجزيرة المُقسمة منذ يوليو1974 لكنها في تقديري وبصفة قاطعة ستؤدي إلي عكس ذلك إذ ستكون مع التطورات الممُشار إليها سابقاً مُحرضاً لمزيد من التسليح والتوتر بالجزيرة فتركيا تخطط لإنشاء قاعدة جوية للطائرات المسلحة بدون طيار وأيضا قاعدة بحرية شمال الجزيرة كما سيؤدي ذلك إلي مزيد من الإستقطاب الدولي والتباعد النسبي في موقف تركيا عضو حلف شمال الأطلنطي عن الولايات المتحدة التي تقود تحالفين دوليين ضد روسيا والصين الشعبية ومما يؤكد ذلك  :-

(1) أشاد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بإجتماع الرئيس القبرصي /اليوناني خريستودوليديس مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ونهج السياسة الخارجية القبرصية/اليونانية  خلال محادثاتهما في أثينا في 31 أكتوبر 2024بعد زيارة خريستودوليديس للبيت الأبيض وناقشا نتائج محادثات الرئيس القبرصي خريستودوليديس في واشنطن وتبادلا وجهات النظر قبل اجتماع مقبل بين وزيري الخارجية اليوناني والتركي وترى أثينا ونيقوسيا أن التطورات الأخيرة تخلق زخما إيجابيا للحوار اليوناني التركي كما ترى الحكومة القبرصية/اليونانية أن نهج واشنطن في التعامل مع القضية القبرصية له أهمية خاصة خاصة ارتباطه بحل النزاع والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط   فنيقوسيا تعتقد أن هذا الموقف الأميركي قد يضغط على أنقرة لتعديل مواقفها بشأن قبرص مما قد يؤدي فعليا إلى استبعاد اقتراح تركيا بحل الدولتين المُعلن من جانب تركيا وحكومة شمال قبرص التركية وفي حديثه خلال اجتماع لمجلس الوزراء اليوناني سلط ميتسوتاكيس الضوء على أهمية هذه الزيارة فقال: “هذا دليل مهم على العلاقات المتطورة بين قبرص والولايات المتحدة وأهميتها كقطب للاستقرار في بيئة الصراع غير المستقرة التي تستمر للأسف في الشرق الأوسط”وأشار ميتسوتاكيس إلى أن صوت الولايات المتحدة “يعترف بأن الوقت قد حان للتوصل إلى حل عادل وقابل للتطبيق للقضية القبرصية في إطار قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”ووصف اجتماع بايدن وكريستودوليديس بأنه لحظة مهمة “تضيف إلى الزخم الذي تطور في الأشهر الأخيرة”.

(2) تعليق نُشر في الإعلام القبرصي اليوناني للصحفي القبرصي اليوناني المتخصص في العلوم السياسية كيرياكوس ياكوفديس الذي وصف الاجتماعبين الرئيسين الأمريكي والقبرصي/اليوناني بأنه “خطوة حيوية ليس فقط من حيث أهميته ولكن أيضًا للدعم القوي الذي أظهره لقبرص” ووفقًا لياكوفديس فإن تركيز بايدن على المشكلة القبرصية أرسل “رسالة واضحة إلى تركيا والجانب القبرصي التركي مفادها أن الولايات المتحدة تقدر الحل الذي يحترم استقلال قبرص وسيادتها”وقال ياكوفديس “ربما حصل الرئيس القبرصي(اليوناني) على أكثر مما توقع” مضيفًا قوله : أن تصريحات بايدن تؤكد اعتراف الولايات المتحدة بقبرص كشريك استراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط وأشار ياكوفديس إلى أن الولايات المتحدة تتحرك لتعزيز العلاقات الدفاعية حيث من المقرر أن يتلقى أفراد الحرس الوطني القبرصي تدريبًا في الولايات المتحدة – وهي المرة الأولى التي تتلقى فيها قبرص تدريبًا كدولة غير عضو في حلف شمال الأطلسي – وقال ياكوفديس “بالنسبة للقبارصة (اليونانيين) الذين يأملون في حل فإن هذا مهم إذ يعكس التزامًا بالدعم طويل الأمد وليس مجرد كلمات  .

صدر بيان رسمي عن البيت الأبيض بشأن هذه الزيارة تضمن أن الاجتماع بين بايدن وكريستودوليدس تم مباشرة بعد تنفيذ آلية الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وجمهورية قبرص في 23 أكتوبر2024 وخلال الاجتماع نُوقشت قضايا مثل تنويع موارد الطاقة والأمن الإقليمي والوضع الحالي في أوكرانيا وأن الرئيس الأمريكي شكر جمهورية قبرص على مساهمتها في الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزةوفي إشارة إلى الذكرى الخمسين للتقسيم الفعلي لجزيرة قبرص تم التأكيد في البيان على أن بايدن يدعم إنشاء اتحاد فيدرالي ثنائي المنطقة وثنائي الطائفة على أساس المساواة السياسية بين جميع القبارصة بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي .

كذلك يُذكر أنه في بيان قصير قبل الاجتماع استذكر بايدن العملية العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة التركية على الجزيرة عام 1974 وقال فيه أنه : “كان يومًا سيئًا للغاية في ذلك العام  و”بالنسبة لي كان هذا هو عامي الأول كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي” ومع ذلك ذكر أنه لا يزال متفائلا بشأن التوصل إلى حل فيدرالي للجزيرة .

من جانبه أشار الرئيس القبرصي /اليوناني خريستودوليدس  إلي أن جمهورية  شمال قبرص التركية التي أعلنها الأتراك من جانب واحد عام 1983في شمال الجزيرة لا تعترف بها أي دولة أخرى غير تركيا وأوضح خريستودوليدس أن العلاقات بين البلدين الولايات المتحدة وقبرص على أعلى مستوى تاريخيًا واستراتيجيًا وشدد على التعاون في مجالات مثل الدفاع والأمن والطاقة وأنه في معرض تبادل أفكاره حول المشكلة القبرصية ذكر كريستودوليدس أن بلاده “تحتلها” تركيا وطلب الدعم من الولايات المتحدة لحل المشكلة في إطار معايير الأمم المتحدة فمن ناحية أخرى ذكّرت تركيا بأن خطة عنان لعام 2004 وعمليات حل كران مونتانا لعام 2017والتي تم تنفيذها في إطار معايير الأمم المتحدة قد تم رفضها من قبل الطائفة القبرصية اليونانية وشددت تركيا على أن المفاوضات المستقبلية يجب أن تستند إلى مبادئ “المساواة في السيادة وتسجيل الوضع الدولي المتساوي” , إذ صرح القادة الأتراك في كل من تركيا وقبرص / التركية أنهم يصرون على حل الدولتين .

قال المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس في الأول من نوفمبر2024 أن الرسائل التي تم تبادلها خلال الاجتماع الذي عقد يوم30أكتوبر2024في البيت الأبيض بين الرئيس القبرصي  نيكوس خريستودوليديس والرئيس الأمريكي جو بايدن أكدت على الدور المتطور لقبرص ومن جهة أخري أشار الإعلام القبرصي /اليوناني إلي أن مصادر دبلوماسية أكدت هذا الشعور مشيرة إلى أن توقيت الإعلان عن الاجتماع في اليوم الوطني التركي كان مقصوداً وربما يساهم في تحول الموقف التركي بشأن المشكلة القبرصية وأشارت هذه المصادر   إلى أنه لن يكون مفاجئاً أن يتم استدعاء السفير الأميركي في تركيا لتقديم توضيحات فهناك – وفقاً لل‘علام القبرصي ا/اليوناني تقديرات من الجانب اليوناني تشير إلي أن زيارة الرئيس القبرصي اليوناني للولايات المتحدة من شأنها أن تُثير مخاوف من احتمال ظهور مشاكل جديدة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن وحسب تقارير في الصحافة اليونانية فقد أفادت أنه تم إحراز تقدم كبير في مجالات الطاقة والاقتصاد والاستثمارات خلال الاجتماع بين الرئيسين إذ لجمهورية قبرص احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط وتتعاون مع العديد من الشركات العالمية لاستخراج هذه الموارد وإيصالها إلى الأسواق العالمية

جددت هذه الزيارة ترديد تركيا إتهاماتها للولايات المتحدة الأمريكية بشأن القضية القبرصية إذ تتهم تركيا واشنطن بتغيير السياسة المتوازنة التي اتبعتها تاريخيا تجاه القضايا التركية اليونانية وقضية قبرص ذات الصلة لصالح اليونان وجمهورية قبرص في السنوات الخمس الماضية وتحذر أنقرة من أن هذا الوضع سيكون له آثار سلبية على الجزيرة والمنطقة كما أشارت تركيا إلى أن هذه الخطوات ستضر بالجهود الرامية إلى إيجاد حل دائم للمشكلة القبرصية وتقول تركيا إن التطورات ستقلل من دوافع القبارصة اليونانيين لتقاسم إدارة الجزيرة مع القبارصة الأتراك بعد أن أصبحوا عضوا في الاتحاد الأوروبي ولذلك وبناء علي التقييمات التي تم إجراؤها في أنقرة تم التأكيد على أن العلاقة التي طورتها الولايات المتحدة مع قبرص/اليونانية يجب أن تؤخذ في الاعتبار جنبًا إلى جنب مع التعاون الدفاعي والأمني ​​المتزايد مؤخرًا مع اليونان فهناك توقعات تركية  تشير بأن واشنطن تعتزم تعزيز التعاون الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​مع الثنائي اليوناني وقبرص/اليونانية بدلاً من تركيا  .

لا يقتصر الأمر علي هذه التطور الإيجابي لقبرص/اليونانية في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية  هذه العلاقة التي تراها تركيا سلبية بالنسبة لها بل يُضاف إلي ذلك موقف الإتحاد الأوروبي السلبي في مجمله إزاء تركيا والداعم لقبرص اليونانية وهو الموثقف الذي تقوده فرنسا ففي الآونة الأخيرة صدر تقرير التقدم السنوي للاتحاد الأوروبي لعام2024حول عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والذي نشر في 30أكتوبر2024ووُجه فيه إتهام لتركيا مرة أخرى باتباع سياسة عدوانية في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​وقبرص وأشار التقرير المرحلي السنوي للاتحاد الأوروبي إلى أن تركيا تظل شريكًا رئيسيًا ودولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكن مفاوضات الانضمام متوقفة منذ عام 2018 بسبب استمرار المخاوف الجدية بشأن عمل مؤسساتها الديمقراطية كما أشار هذا التقرير إلى أنه منذ فبراير 2023 انخفضت الانتهاكات التركية للمجال الجوي اليوناني بشكل كبير ولم يتم الإبلاغ عن أي رحلات جوية فوق المناطق السكنية اليونانية بينما استمرت التقارير عن الانتهاكات في المياه الإقليمية اليونانية في عام 2024وتزايدت مقارنة بعام 2023 وسلط التقرير الضوء على أنه في أبريل 2024أكد المجلس الأوروبي مجددًا التوجه الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي نحو شرق البحر الأبيض المتوسط ​​المستقر والآمن وتطوير علاقة تعاونية ومتبادلة المنفعة مع تركيا ونوه التقرير بأنه يجب على تركيا تجنب التهديدات والإجراءات التي تضر بعلاقات حسن الجوار وتطبيع علاقاتها مع “الإدارة اليونانية لجنوب” قبرص واحترام الحقوق السيادية لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المياه الإقليمية والمجال الجوي وجهودها لاستكشاف/استغلال مواردها الطبيعية وفقا للقانون الدولي خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار  .

يُضاف إلي تطوير الولايات المتحدة موقفها من قبرص اليونانية الموقف  الأوروبي المُساند لقبرص /اليونانية فتقرير الاتحاد الأوروبي لعام 2024عن تركيا تـضـمـن انتقادات للسياسة الخارجية التركية وخاصة لعدم توافقها مع مصالح الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية فيسلط التقرير الذي أعدته المفوضية الأوروبية الضوء على المجالات التي يُنظر فيها إلى تصرفات تركيا التي تتعارض مع قيم وسياسات الاتحاد الأوروبي بما في ذلك نهجها تجاه قبرص وعلاقاتها الداعمة لحماس فهي جماعة فلسطينية يصنفها الاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية وأشار هذا التقرير إلي أنه في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في عام 2023 دعمت تركيا حماس علنًا وهو الموقف الذي يقول تقرير الاتحاد الأوروبي إنه يعارض بشكل مباشر موقف الاتحاد الأوروبي من الإرهاب في الشرق الأوسط ويزعم الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا تنظر تركيا إلى حماس باعتبارها منظمة إرهابية بل تنظر إليها باعتبارها حركة تحرير ويؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوجان مراراً وتكراراً أن تصرفات إسرائيل تتجاوز مجرد احتلال غزة مؤكداً أن حماس لا تدافع عن غزة فحسب بل وأيضاً عن الأراضي الإسلامية بما في ذلك تركيا ووفقاً لهذا التقريرأن هذه المواقف  يُسلط الضوء على السياسة الخارجية “الشاملة” لتركيا والتي تعطي الأولوية لمصالحها الاستراتيجية على التحالف مع الاتحاد الأوروبي  .كما إنتقد التقرير موقف تركيا من روسيا فالتقرير يذكر أن تركيا استمرت في إقامة علاقات اقتصادية وسياسية مع روسيا بما في ذلك توسيع اتفاقيات التجارة والطاقة وهو تقرير تراه أنقرة غير عادل لكنها اختارت الصمت بشأن الانتقادات المتعلقة بحماس وروسيا على عكس ما فعلته في السنوات السابقة وبحسب التقرير فإن قرارات السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة  .

تناول هذا التقرير أيضاً رفض تركيا المستمر للاعتراف بجمهورية قبرص وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي واعتبارالإتحاد الأوروبي أن هذا الموقفالتركي يمثل عقبة خطيرة في العلاقات مع الإتحاد الأوروبي الذي إدعي ​​أن مقترحات تركيا بشأن مستقبل قبرص تتجاهل رغبات القبارصة وتتجاهل الأطر الدولية لحل النزاعات من خلال الدفع نحو حل الدولتين وزعم الإتحاد الأوروبي أن تركيا بهذا الموقف تتحدى مبادئ الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بشأن  القضية القبرصية التي يسلط الاتحاد الأوروبي الضوء علىها باعتبارها قضية رئيسية تعيق “علاقات حسن الجوار” التي تشكل أهمية حيوية لتقدم تركيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأختتم تقرير الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على أن تركيا يجب أن تجري تغييرات أكثر أهمية في هذه المجالات إذا كانت تريد التوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي والمضي قدمًا في عملية الانضمام ولهذا يدعو الاتحاد الأوروبي تركيا إلى إعادة تنظيم سياستها الخارجية وتلبية توقعات الاتحاد الأوروبي بشأن الأمن والتعاون وتحسين العلاقات مع قبرص لدعم السلام والاستقرار في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وبالإضافة إلى قضايا السياسة الخارجية أشار تقرير الاتحاد الأوروبي إلى مخاوف جدية بشأن استقلال القضاء في تركيا وسجل حقوق الإنسان بها ومعاملة منظمات المجتمع المدني وردد الإتحاد الأوروبي مزاعمه في أن القضاء في تركيا يفتقر إلى الاستقلال مستشهداً بضغوط الحكومة على القضاة والمدعين العامين والتي أدت وفقاً للتقرير إلى إضعاف سيادة القانون وعلاوة على ذلك إنتقد التقرير القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني في تركيا فوفقاً للاتحاد الأوروبي تواجه هذه المنظمات ضغوطاً شديدة وتمويلاً محدوداً وعمليات تدقيق متكررة وخاصة إذا كانت تدافع عن حقوق الإنسان أو تتلقى تمويلاً أجنبياً ويزعم الاتحاد الأوروبي أن هذه القيود تخنق حرية التعبير والتجمع وهي القيم الأساسية التي يتوقعها الاتحاد الأوروبي من الدول المرشحة  .

رفضت وزارة الخارجية التركية في بيان مكتوب نُشر في 31 أكتوبر2024تقرير الاتحاد الأوروبي بشأن تركيا لعام 2024ووصفته بأنه “غير عادل” في تقييمه للوضع السياسي في تركيا وعلى عكس السنوات السابقة لم ترد الوزارة برد فعل قاسٍ وسلطت الضوء على الاعترافات الإيجابية في التقرير وخاصة الإنجازات الاقتصادية لتركيا والتوافق التشريعي مع معايير الاتحاد الأوروبي وأعربت الوزارة عن ارتياحها لذكر التقرير للدور البناء لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​​​وتحسن علاقاتها مع اليونان وحثت الاتحاد الأوروبي على رفع الحواجز السياسية القائمة منذ فترة طويلة أمام العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ويـــُلاحظ أن رد الخارجية التركية لم يتطرق إلى انتقادات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بمواقف تركيا تجاه حماس وروسيا  .

في تركيا نفسها انتقد ناماك تان النائب عن حزب الشعب الجمهوري التركي في إسطنبول سياسة تركيا في قبرص إذ قال أن الدفاع عن فلسطين يتعارض مع مصالحنا في قبرص وفي منشور له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي X أوضح أن”موقف تركيا من كونها حامية لحماس وممثلة لحزب الله يمنح اليونان الفرص التي كانوا يبحثون عنها ولم يجدوها وهو سبب أدي إلي مراجعة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لسياستهما في شرق البحر الأبيض المتوسط فقد وقعت الولايات المتحدة مؤخرًا اتفاقيات تعاون دفاعي ثنائي وحوار استراتيجي مع قبرص /اليونانية وأضاف :” لقد أدرنا رؤوسنا بعيداً عن هذه التطورات التي تتعارض بشكل أساسي مع الوضع الراهن في قبرص وجوهر عملية المفاوضات الفاشلة الآن ويتزامن هذا التطور الذي ليس من قبيل الصدفة مع تقارب العلاقات الأمريكية مع اليونان الذي ظهر في السنوات الأخيرة  “.

زيارة الرئيس القبرصي /اليوناني وتأثيرها المُتوقع علي العلاقات التركية /الأمريكية :

من المؤكد أن الولايات المتحدة قررت سلوك طريق إستراتيجي جديد ومختلف مع تــركـــيـــا والسبب واضح وهو السياسات الخارجية المستقلة نسبياً لتركيا في مســائل عدة كالحرب الأوكرانية الروسية إذ لم تُشارك تركيا – حليفة الولايات المتحدة في حلف الأطلنطي – نظام العقوبات التي فُرضت علي روسيا كما أن مسير العلاقات الأمريكية/التركية جنح عن سبيله المستقيم إبان عهدة الرئيس دونالد ترامب الأولى فقد كانت فترة هذه العهدة مليئة بالانحرافات غير العادية وغير المتوقعة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية مع المجتمع الدولي وضمنه تركيا فبينما كان ترامب يحاول إقامة علاقات ودية مع تركيا كان من ناحية أخرى يضر بالعلاقات معها من خلال العقوبات القاسية والتهديدات بالحظر فعلى سبيل المثال أدى فرض الولايات المتحدة لعقوبات الــ (Countering America’s Adversaries Through Sanctions Act ) CAATSA على شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا إلى خلق نقطة انهيار كبيرة في العلاقات وخلال عهد ترامب الأول أيضاً دعمت الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية في سوريا فزاد هذا من مخاوف أنقرة المتعلقة بالأمن القومي , وتبرز الأزمة السورية باعتبارها واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في العلاقات التركية الأمريكية في السنوات الأخيرة فالوجود العسكري الأمريكي في سوريا ودعمها لوحدات حماية الشعب يؤثر بشكل خطير على مخاوف الأمن القومي التركي وخلال فترة ولاية ترامب الأولى كرئيس أدلى بتصريحات حول الانسحاب من سوريا لكن هذا الانسحاب لم يتحقق بشكل كامل لذلك فاستمرار وجود وحدات حماية الشعب في شمال سوريا يزيد من تصور التهديد الأمني لتركيا فعلى سبيل المثال فإن توفير الولايات المتحدة للأسلحة والدعم اللوجستي لوحدات حماية الشعب تعتبره تركيا دعمًا للإرهاب وسيبرز انسحاب ترامب الكامل من سوريا ووقف دعم وحدات حماية الشعب خلال فترة ولايته الثانية كرئيس أحد أهم توقعات تركيا من الولايات المتحدة  وتتوقع أنقرة خطوات إيجابية في ولاية ترامب الثانية بشأن قضايا مثل الانسحاب من سوريا وإنهاء الدعم لوحدات حماية الشعب ورفع العقوبات. ومع ذلك فإن نهج ترامب الموجه نحو المصلحة الوطنية الأمريكية قد يكون محدودا في تلبية هذه التوقعات التركية لكن زيارة الرئيس القبرصي اليوناني أعتقد أنها تشكل وستشكل تهديد إضافي لأمن تركيا القومي الذي تعد حمهورية شمال قبرص التركي أحد أهم مكوناته وتوازناً في علاقات تركيا مع خصمها التاريخي :اليونان ومع ذلك من جهة أخري فإن استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة في إبقاء موارد النفط في سوريا تحت السيطرة وجهودها للحفاظ على نفوذها الإقليمي تجعل هذا التوقع صعباً وقد يظل فشل واشنطن في إحداث تغيير في سياستها بشأن هذه القضية مصدرًا للتوتر في العلاقات التركية الأمريكية إضــافـــة لسياستها الجديدة ذات البعد العسكري مع قبرص اليونانية والتي تُوجت بزيارة الرئيس القبرصي اليوناني لواشنطن في 30 أكتوبر2024  .

عمدت الإدارة الأمريكية من جانبها علي توجيه رسالة لمن يعنيهم أمر تطور العلاقة القبرصية اليونانية / الأمريكية وهم بطبيعة الحال الأتراك ولذلك فقد نــُشر في الأول من نوفمبر2024تـصـريـح لمسؤول أمريكي كبير عقب اجتماع   البيت الأبيض بين الرئيس بايدن ونظيره القبرصي نيكوس خريستودوليديس أن إدارة بايدن تخطط لتعزيز شراكتها مع قبرص في قطاعات الطاقة والاقتصاد والأمن ووصف مايكل كاربنتر المستشار الأول لشؤون أوروبا في مجلس الأمن القومي الاجتماع بأنه كان مثمرًا للغاية ويعكس تعميق العلاقات الثنائية وسط ديناميكيات متغيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط وأضاف كاربنتر في تصريح خاص لـ “TO VIMA” أن : ” الرئيس بايدن عقد اجتماعًا ممتازًا مع الرئيس كريستودوليديس اليوم ولقد نمت علاقتنا الثنائية في السنوات الأخيرة ونحن نتطلع إلى توسيع علاقاتنا في كل المجالات  الطاقة والاقتصاد والاستثمار وما هو أبعد من ذلك” كذلك ناقش الوفد الأميركي الذي ضم وزير الخارجية أنتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان سبل التعاون وسط تزايد المنافسة على النفوذ في البحر الأبيض المتوسط  وقد تواكب هذا الاجتماع مع سعى واشنطن إلى تعزيز تحالفاتها مع الشركاء في البحر الأبيض المتوسط لمعالجة التحديات الإقليمية المعقدة (بسبب حربي غـزة وجـنـوب لـبـنـان) بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط وتحديداً في غزة وأمن الطاقة وسيلعب الموقع الاستراتيجي لقبرص دوراً في تصعيد واشنطن للعلاقات مع نيقوسيا عقب طوفان الأقصي في 7 أكتوبر2023 بما يؤهلها للعب دور مُساند للكيان الصهيوني في اليوم التالي لحربي غزة وجنوب لبنان   .

من الأطراف الداخلة في التأثير علي نتيجة الإنتحابات الرئآسية الأمريكية الأيــبـــاك وشــركات البــترول الأمريكية العملاقة فهي تمول المرشح المُفضل لديها كشركة شيفرون وهاليبرتون مثلاً وهذه الشركات لها مصالح في كافة بقاع العالم كشرقي البحر المتوسط الذي تتصارع فيه قوي إقليمية أهمها تـــركيا والكيان الصهيوني وآخرين وتنتظر هذه الشركات من الرآسة الأمريكية مساندة سياسية في هذا الفضار المُضطرم المُحتدم في عند اللزوم وفي الوقت المناسب وتحتل المنافسة على موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط مكانة مهمة في أجندة السياسة الخارجية التركية ومن خلال الحفاظ على علاقات وثيقة مع اليونان وجنوب قبرص ساهمت الولايات المتحدة في تشكيل كتلة مناهضة لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط وهذا الوضع يهدد مصالح تركيا في قبرص ومواردها من الطاقة وقد يؤدي استمرار دعم ترامب لليونان والإدارة القبرصية اليونانية في ولايته الثانية إلى تعقيد جهود تركيا لحماية مصالحها في شرق البحر الأبيض المتوسط فعلى سبيل المثال في حين تطالب تركيا بحقوقها في احتياطيات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، فإن انتهاج الولايات المتحدة سياسة معارضة قد يؤدي إلى تعميق تضارب المصالح خاصة وأن سعي تركيا لتحقيق استراتيجية أكثر استقلالية في شرق البحر الأبيض المتوسط قد يخلق توتراً جديداً في العلاقات مع الولايات المتحدة .

إلتقي رئيس جمهورية قبرص Nicos Anastasiades في 21 فبراير 2018سفيرة الولايات المتحدة لدي قبرص Kathleen A. Doherty بالقصر الرئاسي بنيقوسيا , وبعد هذا اللقاء أدلت السفيرة الأمريكية بتصريحات للصحافة أشارت فيها إلي ما نصه ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة الهيدروكربونات , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة EEZ وأننا (الولايات المتحدة) , وأكدنا للجانب التركي لدي زيارة وزير الخارجية Tillerson لأنقرة الأسبوع الماضي إنخراطنا في المسائل المُتعلقة بشرق المتوسط  طرح عليهم هذه المسألة (الإستكشاف البترولي أمام سواحل جمهورية شمال قبرص التركية ) , لذلك فنحن نرقب هذه الأحداث , فنحن مُنخرطون أيضاً فيها ويحدونا الأمل في أن تُحل هذه المسألة , حتي يمكننا التحرك للأمام ونبدأ في المحادثات مرة أخري (تقصد محادثات حل القضية القبرصية) ” ورداً علي سؤال حول التواجد المُتوقع لشركة ExxonMobil (الأمريكية للبترول) للعمل في الإستكشاف البترولي بالمنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص (وفقاً لإدعاء جمهورية قبرص اليونانية) , قالت السفيرة نحن نتحدث عن المسائل الفورية اليوم وسوف ننظر ما الذي عساه أن يحدث ”   *(IBNA Newsroom . وكالة أنباء البلقان المستقلة بتاريخ 21 فبراير 2018) وفي إجابته عن سؤال وجهه Bob Menendez النائب الديموقراطي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بشأن موارد الغاز والبترول بجمهورية قبرص أجاب  Jonathan Cohen نائب مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية والآسيوية قائلاً ” ينبغي تقاسم موارد النفط والغاز القبرصية بصورة متساوية بين الطائفتين في الجزيرة في سياق تسوية شاملة” ، وأضاف قوله ” إن الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط يُشكل أولوية قصوى بالنسبة للإدارة , وإذا ما تأكد ذلك فسأكون على استعداد لاتخاذ خطوات لتعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وجمهورية قبرص”. *(صحيفة Ekathimerini.com القبرصية اليونانية بتاريخ 21 مايو 2018)

يتصل بزيارة الرئيس القبرصي اليوناني الأخيرة للولايات المتحدة في 30 أكتوبر 2024 ولقائه بالرئيس بايدن قبل أن يغادر البيت الأبض يثور سؤال مركزي بشأن تبني إدارة ترامب الجديدة في يناير2025 للنهج الصاعد في علاقات قبرص اليونانية بالولايات المتحدة وفي الواقع أن الإجابة سبق ةوأشرت إليها في أن المتغير الذي فرض هذه الزيارة ناشئ عن الدافع الرئيس لتصعيد الولايات المتحدة لهذه العلاقات علي غير المعهود فالمعهود أن الولايات المتحدة كانت حرليصة علي عدم التأثير سلباً علي علاقاتها بتركيا لكن متغيرات حرب أوكرانيا ثم حرب غزة وجنوب لبنان وأمن الكيان الصهيوني ألزموا الولايات المتحدة بتغيير نهجها المعهود عنها إزاء قبرص اليونانية فهي الآن لازمة لأمن الكيان الصهيوني ومن ثم يمكن القول أن إعادة انتخاب ترامب قد تُوجد فرصاً ومخاطر في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وقد تتعارض المخاوف الأمنية الإقليمية والمصالح الاستراتيجية لتركيا مع سياسات ترامب الوطنية الموجهة نحو المصالح ومع ذلك على الرغم من أن العلاقات الشخصية الودية بين ترامب والرئيس رجب طيب أردوجان قد تكون متوترة من وقت لآخر إلا أنها يمكن أن يكون لها تأثير وقائي على هذه الصراعات وتينشأ عنها فرص قليلة وقد تدفع هذه العمليات تركيا إلى إعادة تحديد علاقاتها مع الولايات المتحدة ومن المهم أن يجد البلدان أرضية مشتركة من أجل الحفاظ على علاقات صحية  فعلاقات الولايات المتحدة علي المدي البعيد أكثر إستراتيجية من علاقاتها باليونان أو بقبرص اليونانية .

تــــــقـــــديـــــر مـــــوقــــف :

1- بداية تحــســن الإشارة إلي أن التوقيت الذي تمت فيه زيارة الرئيس القبرصي اليوناني هام جداً في إستنتاج موقعها في مخطط الولايات المتحدة التالي لحربي غزة وجنوب لبنان والشرق الأوسط بمفهومه العريض فالزيارة تمت في آخر عـهـدة الرئيس جو بايدن الآتي من معسكر الحزب الديموقراطي وقبل تولي الرئيس دونالد ترامب القادم الجديد والفائز في الإنمتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في نوفمبر2024 فهل ستكون نتائج هذه الزيارة ملزمة للرئاسة الجمهورية أي لفريق الرئيس الجديد ترامب ؟ الأجابة علي هذا السؤال يسيرة إلي حد ما فهناك ثلاث متغيرات إثنان منهما غير ثابتين والثالث ثابت تؤدي إحداها لإجابة ما والأثنان غير الثابتين هما متغير العلاقة الأمريكية / القبرصية اليونانية والمتغير غير الثابت الثاني هو العلاقة التركية /الأمريكية أما المتغير الثالث والثابت فهو العلاقة الصهيونية / الأمريكية فهذا المتغير ثابت ثبات الدستور الأمريكي ويمتد ثباته إلي العلاقة بين الحزب الجمهوري الأمريكي والحزب الديموقراطي الأمريكي فهذين الحزبين مُلتزمين بأمن الكيان الصهيوني مهما كانت أهمية وخطورة متغيرات مسألة أو قـضـيـة ما يتناولها رئيس جمهوري أو ديموقراطي وبالتالي فزيارة يمكن القول بناء علي كون زيارة الرئيس القبرصي اليوناني في 30 أكتوبر2024 لواشنطن تأسست أسبابها علي ضمان وصيانة أمن الكيان الصهيوني مع أن عنوانها المعلن هو : “العلاقات الأمريكية /القبرصية اليونانية” وبالتالي فإن قيمة هذه الزيارة للحزب الديموقراطي الأمريكي ستظل آخر بيان يؤكد ولاء هذا الحزب لأمن الكيان الصهيوني حتي لو أدي هذا إلي الإضرار بالعلاقات التركية / الأمريكية وبالمناسبة فهذه الزيارة كانت ستتم حتي لو لم تتخذ تركيا موقفاً داعماً لحمـــاس وبمعني آخر لو كان الحزب الجمهوري التركي هو من يتولي السلطة في تركيا كانت الولايات المتحدة ستسعي لإتمام زيارة الرئيس القبرصي اليوناني لواشنطن علي قاعدة أهمية قبرص الإستراتيجية لضمان وصيانة أمن الكيان الصهيوني ومما يؤكد ذلك التطورات الثلاث آنفة الذكر فالعلاقات الصهيونية الأمريكية تسمو علي أي علاقات أمريكية مع أي قوة دولية أو إقليمية أخري فمكوناتها ديــــــنــــــيــة ومصلحية فهي علاقات تديرها أقوي جماعـة ضغــط في عالمنا المـعـاصـر علي وجه الإطلاق وهي The American Israel Public Affairs Committee المعروفة إختصاراً بـ IPACوهي التي للأسف تمارس أدوارها منذ تكوين السياسي الحزبي الأمريكي مروراً بإنتخابة علي مستويا مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي وإنتهاء بإنتخابه رئــيسـاً للولايات المتحدة بل وحتي إنتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وكافة المناصب الحكومية ورؤساء الحكومات في كثير من دول العالم ومنهم الكثير في العالم العربي والإسلامي بمساعدة المجلس اليهودي ووكالات المخابرات في الكيان الصهيوني لذلك فزيارة الرئيس القبرصي كانت نتاجاً لجهود مُشتركه للـ IPAC المعهد الهيليني الأمريكي و ولجنة التنسيق HALC , ومعروف أن شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا تسبب في واحدة من أكبر الأزمات في العلاقات مع الولايات المتحدة فبسبب هذا الشراء قامت الولايات المتحدة بإزالة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة من طراز F-35 ونفذت عقوبات CAATSA وأثناء محاولته إقامة علاقات جيدة مع تركيا نفذ ترامب هذه العقوبات تحت ضغط الكونجرس ولا يزال من غير الواضح كيف سيتم حل هذه الأزمات خلال فترة ولاية ترامب الثانية وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تنظر إلى تركيا كحليف في حلف شمال الأطلسي (الناتو) فإن زيادة التعاون العسكري مع روسيا تثير الانزعاج في واشنطن وتقول تركيا إن من حقها السيادي باعتبارها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي شراء أنظمة دفاعية من روسيا ومع ذلك فإن إصرار الولايات المتحدة على فرض العقوبات يسرع جهود تركيا لتطوير سياسات دفاعية مستقلة فعلى سبيل المثال تحاول تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة من خلال اتخاذ مبادرات مثل الاستثمار في صناعة الدفاع المحلية وإنتاج طائراتها الحربية الخاصة وستظل كيفية تعامل ترامب مع هذه الأزمة في عهدته الثانية سوف تؤثر بشكل مباشر على التعاون العسكري المستقبلي بين البلدين  .

2- زيارة الرئيس القبرصي اليوناني ذاتها بالإضافة إلي ماسبقها من تطورات إيجابية في العلاقة القبرصية اليونانية / الأمريكية مُضافاً إلي ذلك النتائج غير المُعلنة لهذه الزيارة والتي من المتوقع ألا تخرج عن التطورات الإيجابية  السابقة علي الزيارة ¸فإن كل ذلك أعتقد أنه سيكون مُــقـــدمـــة لدور تـــُعـده الولايات المتحدة لتقوم به قبرص اليونانية في الصراع الفلسطيني / الصهيوني والذي تضطلع فيه إيـــران واليمن والعراق ولبنان بواجب الــمـــســانـدة والدعم العسكري والسياسي لفلسطين ويتضمن هذا الدور الـــمــُـعــد أمـريــكـــيـــاً لـقـبـرص اليونانية  لتؤديه هو أن تتحول قـــبـــرص الـيونـانـيـة إلي قـــاعـــدة أمريــكــيــة عـــســـكــرية وبــحـــريــة ثــابـــتــة إحـــتـــيـــاطـــيـة  بجانب القاعـــدة الأســاســية في الكــيــان الصهــيــوني للــعـــســـكـــريـــة الأمريكية وتتمتع بمعظم المميزات والمنح الأمريكية التي للكيان الصهيوني ومن المـــُتصور وفقاً لهذا التوقع أن يقرر البنتاجون في توقيت لاحق ضــم قبرص اليونانية إلي ولاية القيادة العسكرية المركزية الأمريكية  USCENTCOM (قبرص  حالياً تحت ولاية القيادة العسكرية الأمريكية الأوروبية) فالدور المستقبلي الذي يُعد بواسطة مخططي السياسة والعسكرية الأمريكية حالياً لقبرص اليونانية هو أن تتبوأ موقعاً حاكما في إدارة صـــــراع طويــل في الشرق الأوسط إذ لا يمكن التسليم بإن قرار رفع قيود الحظر علي السلاح عن قبرص بعد 50 عام من غزو تركيا وتقسيمها قرار دافعه تطوير العلاقات الأمريكية / القبرصية اليونانية فالمنطق السليم لابد وأن يقودإلي ربط هذا القرار الأمريكي إستراتيجي الطابع بتبعات حربي جنوب لبنان وغــزة وتقييم الإدارة العسكرية الأمريكية لهما والتي أولها تحطم مفاهيم كانت ثابتة عن القوة العسكرية الصهيونية التي كانت العسكرية الأمريكية تعول عليها لإدارة البلديات وليس الدول العربية فحربي غزة وجنوب لبنان والكفاءة والفعالية النسبية لجبهات الإسناد أثبتت بما لا يدع مجال للشك أن جيوش الشرق الأوسط بما فيها الجيش الصهيوني ليس بجيوش بل تكوينات عــــصـــابية للحراسة ولا يمكن وصفها بأكثر من ذلك وكنتيجة لابد من تموضع عـسـكـري أمريكي ثابت أمريكي قريب جغرافياً للكيان الصهيوني لحمايته مستقبلاً  و أنسب وأقرب مكان لهذا التموضع العسكري الأمريكي قبرص ولهذا وقعت الولايات المتحدة مع قبرص اليونانية في 9 سبتمبر2024 علي اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والتي أن يليها إتفاقيات ذات طابعين عسكري وغير عسكري أخري ذات صلة ترتب لعلاقات عسكرية امريكية مع قبرص اليونانية  وتخدم في النهاية غرض عام وهو الأمن الاقليمي في الشرق الأوسط المتاخم لروسيا ووعرض خاص هو ضمان وتأمين أعلي مستوي ممكن لأمن الكيان الصهيوني الذي ثبت عـمـلــيــاً عجزه عن تحقيقة للحد الأدني من الأمن للكيان الصهيوني .

3- في الواقع أن زيارة الرئيس القبرصي اليوناني لواشنطن في 30 أكتوبر 2024 تأتي كإضافة لنقاط إختناق متعددة في العلاقات التركية / الأمريكية لكنها في تقديري إضافة ثقيلة قد لا تتحملها تركيا خاصة وأن طلب تركيا من الولايات المتحدة تسليم فتح الله جولن والذي كان يشكل مصدر للتوتر المزمن منذ فترة طويلة في العلاقات بين البلدين فتركيا كانت تقول أن جولن يقف وراء محاولة الانقلاب في 15 يوليو2016 وكانت تركيا تتوقع تعاونًا من الولايات المتحدة في هذه القضية لكن هذه المطالب لم تتم تلبيتها خلال ولاية ترامب الأولى  وعلى الرغم من وفاة جولن إلا أن طلبات تسليم تركيا للعديد من الأشخاص الذين تدعي أنهم أعضاء في منظمة فتح الله جولن لا تزال قائمة ومع هذا  يمكن القول أن أزمة جولن خف وزنها كذلك تسببت المحاكمة التي أجريت على الرغم من طلب إطلاق سراح القس أندرو برونسون في حدوث توترات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية فخلال هذه الفترة أحدثت رسالة ترامب إلى تركيا التي لم تمتثل للممارسات الدبلوماسية صدمة خطيرة في العلاقات وكان رد فعل الولايات المتحدة قاسياً على اعتقال برونسون  فقد هددت بفرض عقوبات على تركيا لكن في النهايةتمت تسوية هذه الأزمة التي إعترضت العلاقات بإطلاق سراح برونسون أخيراً وقد يستمر فشل ترامب في اتخاذ خطوات ملموسة بشأن هذه القضايا خلال فترة ولايته الثانية في زعزعة ثقة تركيا في الولايات المتحدة وإذا لم تتمكن تركيا من العثور على إجابة لمطالبها فيما يتعلق بمنظمة فتح الله جولن فقد تتجه إلى مسار أكثر استقلالية في علاقاتها مع الولايات المتحدة وقد يدفع هذا الوضع تركيا إلى تبني خط أكثر قومية في سياستها الداخلية والخارجية وبشكل خاص فإن النهج المزدوج الذي تتبناه الولايات المتحدة في التعامل مع المنظمات الإرهابية يزيد من عدم ثقة الرأي العام التركي في الولايات المتحدة , لكن من الواضح أن نشوء إتجاه أمريكي ثوري أدي إلي تصعيد العلاقات الأمريكية / القبرصية اليونانية أعتقد أنه سيشكل عقبة كؤود في العلاقات الأمريكية / التركية حتي ولو تمت تـــســويـة المشاكل أو الأزمات الأخري في العلاقات الأمريكية / التركية فمن الواضح أن تصعيد العلاقات القبرصية اليونانية / الأمريكية يتم في المضمار العسكري الإستراتيجي لإعداد قبرص اليونانية لأداءدور يخدم مجمل الإستراتيجية العسكرية /الأمنية في الشرق الأوسط لتكون جـــبـــهـــة إســـنـــاد للكيان الصهيوني اكـــثــر من كونها لخدمة أو الوفاء بآمـــال القبارصة اليونانيين من أجل تسوية القضية القبرصية علي أساس من وجهات نظرهم في الـــتــسـويــة وبالطبع ليس علي أساس وجهتي نظر تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية القائلة بقيام دولتين متساويتي السيادة علي الجزيرة الـقـبـرصــيــة فتصعيد العلاقات القبرصية اليونانية يتم للوفاء بإستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية والأمنية الأســع مدي في الشرق الأوسط وليس من أجل قبرص اليونانية التي قبلت ذلك لخشيتها الدائمة من الوجود العسكري التركي الكثيف علي القسم القبرصي التركي من الجزيرة فلتركيا30 ألف جندي في جمهورية شمال قبرص التركية , كذلك فالرئيس التركي الطيب أردوجان صرح بمناسبة حضروره في 21 يوليو2024الاحتفال بالذكرى الخمسين “لعملية حفظ السلام” التي نفذها الجيش التركي في قبرص وسيطر بنتيجتها على شمال الجزيرة لصالح حماية القبارصة الأتراك من إعتداءات اليونانيين والقبارصة اليونانيين وقال بأن تركيا ستقوم إذا لزم الأمر بتشييد قواعد بحرية ومنشآت بحرية في جمهورية شمال قبرص التركية وإضافة لذلك تقوم القطع البحرية التركية الحربية بمرافقة سفن التنقيب التركية عن الغاز والنفط التي تنشط في المياه الاقليمية لقبرص رغم معارضة المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي باعتبار أن هذه الإجراءات ستبدد الآمال في التوصل إلى حل سياسي لأزمة قبرص وتوحيد الجزيرة المقسمة  والأمر الغريب أن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اللتان ساعدتا ومولتا دعم التمرد الجنوبي المُسلح وهو ما أدي في النهاية لإنفصال جنوب السودان عن شماله في يوليو2011 هما اللتان تدعوان إلي التمسك بوحدة الجزيرة المُقُسمة : قبرص .

يشكل طلب تركيا من الولايات المتحدة تسليم فتح الله جولن مصدرا للتوتر منذ فترة طويلة في العلاقات بين البلدين وتقول تركيا إن جولن يقف وراء محاولة الانقلاب في 15 يوليو2016 وتتوقع تركيا تعاونًا من الولايات المتحدة في هذه القضية لكن هذه المطالب لم تتم تلبيتها خلال ولاية ترامب الأولى  وعلى الرغم من وفاة جولن إلا أن طلبات تسليم تركيا للعديد من الأشخاص الذين تدعي أنهم أعضاء في منظمة فتح الله جولن لا تزال قائمة , كما تسببت المحاكمة التي أجريت على الرغم من طلب إطلاق سراح القس أندرو برونسون في حدوث توترات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية فخلال هذه الفترة أحدثت رسالة ترامب إلى تركيا التي لم تمتثل للممارسات الدبلوماسية صدمة خطيرة في العلاقات كان رد فعل الولايات المتحدة قاسياً على اعتقال برونسون  فقد هددت بفرض عقوبات على تركيا ونتيجة لذلك تم إطلاق سراح برونسون أخيراً .

قد يستمر فشل ترامب في اتخاذ خطوات ملموسة بشأن هذه القضايا خلال فترة ولايته الثانية وهو ما سيُزعزع ثقة تركيا في الولايات المتحدة فإذا لم تتمكن تركيا من العثور على إجابة لمطالبها فيما يتعلق بمنظمة فتح الله جولن فقد تتجه إلى مسار أكثر استقلالية في علاقاتها مع الولايات المتحدة وقد يدفع هذا الوضع تركيا إلى تبني خط أكثر قومية في سياستها الداخلية والخارجية وبشكل خاص فإن النهج المزدوج الذي تتبناه الولايات المتحدة في التعامل مع المنظمات الإرهابية يزيد من عدم ثقة الرأي العام التركي في الولايات المتحدة  .

4- تطور العلاقات الأمريكية /القبرصية اليونانية والتي تُوجت بزيارة الرئيس القبرصي في لواشنطن في 30 أكتوبر20924 ورفع الحظر الأمريكي علي تسليح قبرص اليونانية وتوقيع قبرص اليونانية والولايات المتحدة إطار إتفاق دفاعي بالتأكيد سيدفع إلي سباق تسلح بين تركيا الداعمة لجمهورية قبرص اليونانية وبين اليونان الداعمة لقبرص اليونانية خاصة مع وصول جهود تسوية القضية القبرصية لحائط الصد الأخير بتمسك تركيا بحل الدولتين القبرصيتين  وفي تأكيد لهذا الموقف صرح تحسين أرطغرلوغلو وزير خارجية شمال قبرص التركية لوكالة الأنباء القبرصية التركية في 11 نوفمبر2024 معلقا على الاجتماع غير الرسمي لرئيس الجمهورية نيكوس خريستودوليديس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان بإنه لا يوجد تغيير في موقف تركيا من المشكلة القبرصي وأوضح قوله :”لا تعترف جمهورية تركيا بالإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص التي اغتصبت الحقوق المتأصلة لـ “الشعب” القبرصي التركي مثل المساواة في السيادة والمركز الدولي المتساوي لذلك لا يمكن لأي اجتماع بين جمهورية تركيا ومسؤولي الإدارة القبرصية اليونانية أن يكون له وضع رسمي” ثم قال: “على الرغم من أن مثل هذه الاجتماعات لها تأثير كبير على الصحافة إلا أننا نعتقد أنه ليس من الصواب إيلاء أهمية كبيرة لها” وهذا الموقف الــتـــركــي بالطبع يرفضه مطلقاً الجانب القبرصي اليوناني ويضيف إلي سباق التسلح المتوقع علي أرض الجزيرة الـمُـقسمة أن الموقف التركي بعدم الإعتراف بجمهورية قبرص اليونانية التي أصبحت عضواً كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي في عام 2004 يظل يُشكل عائق أمام قبرص اليونانية للتعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي يمنعها من المشاركة في عمليات الناتو كما أن الإتحاد الأوروبي لا يضم تركيا إلى وكالة الدفاع الأوروبية والبرامج التي يطورها في هذا النطاق وبهذا الشأن أكد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن العقبة أمام التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي تتمثل في رفض تركيا السماح لجمهورية قبرص بالمشاركة في أي برنامج داخل الناتووفي التقرير الذي أعده العام الماضي حول مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وأضاف بوريل أيضًا أن تركيا من بين الدول التي تساهم بشكل أكبر في عملية ALTHEA التي ينفذها الاتحاد الأوروبي في البوسنة ويؤكد الاتحاد الأوروبي أن عرقلة تركيا لمشاركة جمهورية قبرص في برامج الناتو تخلق مشاكل للتعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي وقدعقد الأمين العام لحلف الناتو روته اجتماعه الأول مع رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في بروكسل في الأول من أكتوبر بعد توليه منصبها في 29 أكتوبر2019 وفي بيان مشترك صدر بعد هذا الاجتماع تم التوصل إلى اتفاق لزيادة العلاقات بين الناتو والاتحاد الأوروبي ورفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية , وبالتالي فالولايات المتحدة التي صعدت علاقاتها بقبرص اليونانية خاصة في المجال العسكري والدفاعي لن تستطيع وفقاً لعدم إمكانية ضم قبرص اليونانية للناتو بسبب الــفـــتـــو الـــتــــركي سوف تكون مضطرة للتعاون العسكري مع قبرص اليونانية وإجــراء الإتصالات العسكرية معها من خلال الإطار الثنائي أو القيادة العسكرية الأمريكية الأوروبية أو الاقيادة العسكرية الأمريكية المركزية والأخيرة هي الأنسب والحالة هذه فالولايات المتحدة صعدت العلاقات مع قبرص اليونانية لأسباب عـــســكـرية / مخابراتية بــحــتة وليس لشيئ آخر مهما حاولت الولايات المتحدة أن تروج فعملية تصعيد العهلاقات مع قبرص اليونانية تمت بعد وبسبب طوفان الأقصي في غـــلاف غـــزة في 7 أكتوبر 2024  وهذا ما يجب أن تلتفت إليه وتنتبه دول الشرق الأوسط العربية المعنية خاصة لــبـنـــان وغـــزة  .

لا يمكن النظر ببساطة إلي زيارة الرئيس القبرصي اليوناني Nikos Christodoulides إلي واشنطن وإجتماعه مع الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض في 30 أكتوبر2024 فهي زيارة توجت تطورات مهمة متتابعة في  مدة قصيرة بدأت منذ إنطلاق طوفان الأقصي في غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023 والذي أدي إلي هذه التطورات المتتابعة في العلاقات الأمريكية /القبرصية والتي أهم محطاتها :

(1) عملية ” “أمالثيا ” التي أعلن عنها الرئيس القبرصي /اليوناني نيكوس خريستودوليدس في 9 نوفمبر 2023 والتي عرضها الرئيس القبرصي /اليوناني خلال مؤتمر باريس الدولي للمساعدات الإنسانية  كمبادرة قبرصية لإنشاء ممر بحري قـــرص – غــــزة لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة , وتكاملت هذه المبادرة القبرصية /اليونانية مع ما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن في 7 مارس 2024 ضمن خطابه عن حالة الاتحاد من سيأمر الجيش الأمريكي ببناء ميناء مؤقت في غزة لزيادة لتدفق المساعدات إلي غـــــزة للفلسطينيين المحتاجين إليها وهو ما حدث فعلاً  .

(2) إستغلالاً للفرصة المواتية لقبرص حالياً لإكتساب أهمية لدي متخذ القرار الأمريكي من أجل دعم أمن الكيان الصهيوني عسكرياً ومخابراتياً في حربي غـــزة وجنوب لبنان إنطلاقاً من القاعدتين البريطانيتين أكروتيري وذيكيليا الرابضتين علي أراضي قبرص اليونانية تقدم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في مايو2024 للكونجرس الأمريكي بدعم من المعهد الهيليني الأمريكي واللجنة اليهودية / الأمريكية ولجنة التنسيق HALC والجهد الهيليني المنسق وحركة جبهة الدفاع عن الديموقراطية ومجلس القيادة الهيلينية الأمريكية العالمية للنضال من أجل الديموقراطية , تقدم الحزبان ومعهم هذا الدعم بمشروع قانون بصفة مشتركة من قبل أعضاء الكونجرس الأمريكي كريس باباس جوس بيليراكيس و نيكول ماليوتاكيس ودينا تيتوس بهدف تمديد رفع حظر الأسلحة الأمريكي عن قبرص سنة واحدة في خمس سنوات ومشروع القانون الجديد المقدم من الحزبين مدة القرار من سنة واحدة إلى خمس سنوات وهذا يعني أن الرئيس الأمريكي سيتخذ قرار التجديد كل خمس سنوات بناءً على هذا التشريع , وبموجب قانون شراكة الأمن والطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​لعام 2019أذن الكونجرس للرئيس الأمريكي برفع الحظر على سـنوياً بعد المراجعة , وإتصالاً بهذا القرار الأمريكي يُذكر أن وزير الدفاع القبرصي فاسيليس بالماس كان قد أعلن في أواخر يوليو2023 أنه سيتم نشر مروحيات من طراز«شينوك» تابعة للجيش الأميركي في قاعدة مروحيات يتم بناؤها قرب مدينة لارنكا بقبرص اليونانية دون تقديم مزيد من التفاصيل وقالت وقتها وسائل الإعلام القبرصية إن القاعدة ستُمنح للولايات المتحدة وإن الجيش الأميركي سينشر مروحيات «شينوك» لاستخدامها في النقل والخدمات اللوجستية  .

في الواقع أن الجهود التي بُذلت لرفع حظر السلاح عن قبرص اليونانية لم تتوقف ففي عام 2018 طلب  مجلس النواب الأمريكي في تحرك قاده النائب الديموقراطي Robert Menendez في لجنة العلاقات الخارجية وكذا طلب السيناتور الديموقراطي David Cicilline بمجلس الشيوخ علي التوازي بإنهاء الحظر علي السلاح الأمريكي لقبرص , كما طلبا من وزارة الخارجية والبنتاجون تقديم تقرير حول حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة على قبرص فقد أدرج بند يتعلق بالعلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وقبرص وحظر الأسلحة الأمريكي على قبرص في مشروع قانون الدفاع الذي تبلغ قيمته 717 مليار دولار والذي وقعه الرئيس الأمريكي  Trump في  13 أغسطس 2018 , ويتضمن نفس هذا القانون تعديلًا يمنع مبيعات طائرات F-35 Joint Strike Fighter لتركيا , وينص مشروع هذا القانون على أنه في موعد لا يتجاوز 180 يومًا من تاريخ إصداره سيقدم وزيرا الدفاع والخارجية بشكل مشترك إلى اللجان المختصة في الكونجرس تقريراً عن العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة وقبرص , وإتصالاً بهذه الخطوة المُتوقعة والتي ستضيف وستكشف إلي حد ما عن ما أراه في تقديري تعديلاً في الموقف الأمريكي إزاء القضية القبرصية , فقد صرح رئيس رئيس اللجنة الفرعية للشئون الخارجية وحقوق الإنسان بمجلس النواب الأمريكي مؤخراً بأن ” الولايات المتحدة يجب أن ترفع الحظر علي السلاح لقبرص والذي عفي عليه الزمن , إذ ما من سبب وجيه يجعل الولايات المتحدة تنكر حق حليف حقيقي كقبرص في التسليح الأساسي * ( موقع صحيفة   ekathimerini  بتاريخ 12 أغسطس 2018) , وفي الواقع هناك ثمة علاقات عسكرية نشأت في الفترة السابقة بين الولايات المتحدة وجمهورية قبرص إذ أعلن وكُشف النقاب في أكتوبر 2018 عن أن السلطات الأمريكية قررت إغلاق قاعدة للقوات الجوية التابعة للولايات المتحدة في قبرص وأن الإغلاق تم عام 2017ويبدو أن القرار كان لأسباب مالية  , إذ أشير في متن خبر الإغلاق أن هذه القاعدة أُنفق عليها 70 مليون دولار (Times . 10 أكتوبر 2018) ,  ومن المعروف أن الولايات المُتحدة  وضعت في عام 1987 قيودًا على نقل الأسلحة والمواد الدفاعية إلى قبرص في محاولة لتشجيع جهود إعادة التوحيد وتجنب سباق التسلح في الجزيرة , وكما تدعي المصادر اليونانية والقبرصية اليونانية فإن تركيا إلتفت على هذا الحظر علي الأسلحة عن طريق وضع عشرات الآلاف من القوات التركية المسلحة بأسلحة أميركية في الجزء الشمالي من قبرص , ولم يكن هذا الحظر مُؤثراً في الواقع علي القبارصة اليونانيين الذين تربطهم بروسيا وحدة الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية  حيث أمدت موسكو القبارصة اليونانيين بما يحتاجونه من أسلحة مختلفة . * ( موقع صحيفة Cyprus Mail القبرصية بتاريخ 18 أكتوبر 2018) .

(3) وقعت قبرص والولايات المتحدة في 9 سبتمبر2024 في حفل خاص بوزارة الدفاع القبرصية بحضور رئيس أركان قوات الدفاع القبرصية الفريق جورج تسيتسيكوستاس والسفيرة الأمريكية لدى قبرص جولي فيشر علي اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي تحدد الطرق التي يمكن للبلدين من خلالها –  كما أعلن – تعزيز استجابتهما للأزمات الإنسانية الإقليمية والمخاوف الأمنية بما في ذلك تلك الناشئة عن تغير المناخ وعقب التوقيع علي هذه الإتفاقية الإطارية ولإدراك أهمية هذا التطور في علاقات أو رؤية الولايات المتحدة لعلاقاتها مع جنوب قبرص اليونانية فيكفي أن نعرف أن هذه الإتفاقية الإطارية تنهي سياسة أمريكية استمرت 50 عامًا لفرض حظر على الأسلحة فرضته الولايات المتحدةعلي جمهورية قبرص اليونانية  بناء علي وضع ورؤية سياسية كانت مستقرة حتي إندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير2022 وبعدها الحرب في غزة في 7 أكتوبر2023والتي هـدمت وحطمت نظرية الأمن الصهيوني تماما ومن الواضح أن نتائج هذين الحربين اللتان لم تنتهيا بعد وأدتا لإن ينظر المخطط العسكري الإستراتيجي الأمريكي مـلـيـاً إلي خريطة شرق المتوسط مـرة أخري علي ضوء ما يحدث حالياً بإعتبارها المدي الأوسع لحربي غزة وجنوب لبنان والمتاخم للبحر الأسود الفناء البحري لروسيا في حرب أوكرانيا ليعيد النظر في قابلية الإستفادة من موقع قبرص الجيوستراتيجي لتأمين الكيان الصهيوني الذي تداعي مركزه العسكري لدرجة حاجته الماسة لتدخل وعون عسكريبل وديبلوماسي مباشر من الولايات المتحدة التي تعمل بسرعة لتجهيز قبرص كلاعب إحتياطي في مباراة غــزة التي سجل فيها الصهاينة خـــسارة بينة حتي الآن وقد أشاد وزير الدفاع القبرصي فاسيليس بالماس ومساعدة وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأمنية الدولية سيليست والاندر بهذا الاتفاق باعتباره علامة فارقة أخرى في العلاقات القبرصية الأمريكية المزدهرة في السنوات الأخيرة والتي شهدت رفع حظر الأسلحة الأمريكي الذي فرضته الولايات المتحدة على الدولة الجزيرة الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​منذ عقود في عام 2022وقالت والاندر بعد محادثاتها مع بالماس: “إن جمهورية قبرص شريك قوي للولايات المتحدة في أوروبا وشرق البحر الأبيض المتوسط وتلعب دورًا محوريًا في تقاطع أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط”و أشادت المسؤولة الأميركية بقبرص بدور قبرص كملاذ آمن للمدنيين الأميركيين الذين تم إجلاؤهم من السودان وإسرائيل العام الماضي ودورها الرئيسي في إنشاء ممر بحري إلى غزة تم من خلاله شحن أكثر من 20 مليون رطل من المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية وقال وزير الدفاع القبرصي فاسيليس بالماس من جانبه: “إن التوقيع اليوم على خارطة طريق التعاون الدفاعي الثنائي بين وزارتي دفاع الولايات المتحدة وجمهورية قبرص هو مؤشر قوي على التزامنا بمواصلة تطوير وتعميق علاقتنا”, فيما تحدثت مساعدة وزير الدفاع الأمريكي عن معلم مهم في العلاقة الدفاعية الثنائية بين جمهورية قبرص والولايات المتحدة  .

(4) مما يؤكد الطبيعة الخاصة التي تسبغها الولايات المتحدة  لعلاقتها الحالية مع قبرص /اليونانية أقامة الولايات المتحدة حواراً إستراتيجيا مع قبرص وهو حوار يعُعقد بين الإدارات الأمريكية المتتابعة وعدد قليل من الدول أختيرت قبرص اليونانية لتكون من ضمنهم مع تطور العلاقات الأمريكية / القبرصية اليونانية في أعقاب – وربما بسبب –  تداعيات حربي غزة وجنوب لبنان وتقييم الجهات المعنية بالإدارة الأمريكية لها وبناء عليه فقد عُقدت   الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي القبرصي الأمريكي في 23 أكتوبر2024التي ركزت على أربعة موضوعات هي “التعاون الدولي والإقليمي”و”الأمن وإدارة الأزمات وإنفاذ القانون”و”التعليم/العلاقات بين الشعبين”و”الطاقة والتجارة والبحث والتكنولوجيا” وقالت وزارة الخارجية القبرصية /اليونانية في بيانها أن بدء الحوار الاستراتيجي بين قبرص والولايات المتحدة والذي تم الاتفاق عليه خلال اجتماع وزير الخارجية مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في يونيو2024 في واشنطن يؤسس لعقد اجتماعات سنوية رفيعة المستوى على أساس المواضيع والأولويات المشتركة وجاء في البيان أن هذا الحوار “سيقوم بتعميق التعاون بين قبرص والولايات المتحدة على أساس القيم والمصالح الديمقراطية المشتركة بهدف توسيع الشراكة متعددة المستويات” وقد رأس هذه الجولة عن الجانب القبرصي اليوناني   السكرتير الدائم لوزارة الخارجية أندرياس كاكوريس وقال نائب وزير البحث والابتكار والسياسة الرقمية أن هدف هذه الجولة هو “تعميق وتوسيع العلاقات بين البلدين في عدد من القطاعات ذات الأولوية بما في ذلك التكنولوجيا والرقمنة”وقضايا الفضاء من أجل خلق مستقبل ينعم بالسلام والبركة والرخاء” وعلي هامش هذه الجولة من الحوار الإستراتيجي وقع وزير البحث والابتكار والسياسة الرقمية القبرصي /اليوناني نيكوديموس داميانوس نيابة عن جمهورية قبرص على “اتفاقية أرتميس” Artemis for Space وأُقيم حفل التوقيع عبر الإنترنت مع وكالة ناسا في الولايات المتحدة .

أثار المكون العسكري لعملية تصعيد الولايات المتحدة لعلاقاتها مع قبرص اليونانية الأعلام التركي الذي حاول أن يخترق حجب السياسة الأمريكية المختلفة تجاه قبرص اليونانية ولهذا نجد  صحيفة أيدينليك Aydınlık القومية التركية تنشر في 11 نوفمبر2024عن “وصفة أمريكية” لطرد تركيا من قبرص مستشهدة بمقال “جريء” لمسؤول البنتاجون السابق مايكل روبين الذي يصنفه الإعلام التركي ممثلاً للجيوستراتيجية الأمريكيةالذي يزعم أنه ألقى على الطاولة خطة طموحة تذكرنا برقعة شطرنج الحرب الباردة فروبين وفقاً للصحيفة يقترح نقل القواعد البريطانية الموجودة في قبرص إلى الولايات المتحدة واحتمال تأجير المنشآت التركية من قبل أردوجان نفسه إلى الولايات المتحدة  حتى تتمكن واشنطن من السيطرة العسكرية الكاملة على قبرص كلها وهو أمــر غــيـــر يـــســـيـر .

وفقا لصحيفة Aydınlık التابعة للحزب الوطني التركي التي يملكها دوجو برينجيك نشر المسؤول السابق في البنتاجون والمحاضر في كلية الحرب البحرية مايكل روبين مقالا جديدا في 8 نوفمبر في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” وهي مجلة تابعة لمركز أبحاث للمحافظين الجدد قدم فيه اقتراحات بشأن قبرص كشف المسؤول السابق في البنتاجون مايكل روبين عن حلمه بطرد تركيا من قبرص وفي إشارة إلى أن بريطانيا تضعف ويمكنها نقل قواعدها في جنوب قبرص إلى الولايات المتحدة للإيجار جادل مايكل روبين بأنه يمكن استخدام نموذج مماثل للنقاط التركية في شمال قبرص من قبل الرئيس رجب طيب أردوجان وأوضح مايكل روبن بأمثلة من التاريخ الحديث أن المملكة المتحدة أضعفت وتخلت عن قواعدها الخارجية في إشارة إلى مناطق القواعد البريطانية في أكروتيري وديكيليا في وسط جزيرة قبرص وتساءل مايكل روبين:”إذا كان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لا يستطيع حتى الوقوف في جزيرة موريشيوس للدفاع عن مصالح المملكة المتحدة في ديجو جارسيا فكيف سيقف في وجه التحديات القوية التي تواجهها تركيا في شرق البحر المتوسط؟” وأضاف”حتى وقت قريب كان هناك 14 إقليما بريطانيا فيما وراء البحار لكن في سبتمبر 2024  وافق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على إعادة السيادة على جزر شاجوس  في قلب المحيط الهندي إلى دولة جزيرة موريشيوس وأشار إلي أن القوة البريطانية في الشرق الأوسط إنهارت عام 1970″ وقال “بدلا من إغلاق القواعد سلم الجيش البريطاني معظم المنشآت إلى نظرائه الأمريكيين في عام 1971” محذرا من أن الوضع الجديد لبريطانيا يقوي يد تركيا وروسيا وسوريا وحزب الله وحماس وأضاف قوله :  “إن استعداد ستارمر للانحناء لموريشيوس يثير عددا من الأسئلة إذا لم تستطع حتى الوقوف في وجه جزيرة موريشيوس للدفاع عن مصالح المملكة المتحدة فكيف ستقف في وجه التحدي القوي من تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط؟ هذا لا ينبغي أن يعني وجود فجوة أمنية التهديدات ليس فقط من تركيا منقذ القبارصة الأتراك ولكن أيضا من حماس وحزب الله وروسيا المنبعثة باستخدام الموانئ السورية تعيد المنطقة إلى خطر الحرب الباردة” ثم كشف عن خطته فأشار إلي أنه يمكن للمملكة المتحدة أن تسلم السيطرة على قواعدها في قبرص إلى الولايات المتحدة كما فعلت في البحرين وفي إشارة مهمة قال روبين أن الرئيس خريستودوليديس أكد خلال زيارته للبيت الأبيض في 30 أكتوبر 2024 أن عقد إيجار الولايات المتحدة لقاعدتي أكروتيري وديكيليا في قبرص اليونانية يمكن أن يزيد من تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وقبرص وأن إنهاء استعمار قبرص من خلال استئجار الولايات المتحدة لمنطقة قاعدة بريطانية يمكن أن يكون بمثابة نموذج لإنهاء الاستعمار الكامل لقبرص واليوم احتلت تركيا نصف الجزء الشمالي من الجزيرة لمدة خمسين عاما وعلى الرغم من طموحات الرئيس التركي أردوجان فإن المجتمع الدولي لن يضفي الطابع الرسمي على استيلاء تركيا على الأراضي في قبرص وفي نهاية المطاف فإن استئجار الولايات المتحدة للقواعد التركية في شمال قبرص المحتلة يمكن أن يكسر الجمود الدبلوماسي إن لم يكن في عهد أردوغان، ففي عهد خليفته”.

الحقيقة النهائية في المدي القصير تشير إلي أن عهد جديد للعلاقات الأمريكية /القبرصية اليونانية قد نشأ ومكونه الرئيسي عسكري / مخابراتي ستتحول قبرص اليونانية معه بإرادة أمريكية قوية إلي قاعدة إسناد للكيان الصهيوني وستغــض تــركيا الـطرف عن هذه الخطورة الموجهة أساساً لدول الشرق الأوسط الهشة الضعيفة طالما تأكدت أن أمنها الــقومي في مــأمن وأن التقدم في العلاقات مع القبارصة اليونانيين سيظل بمنأي عن القضية القبرصية التي تؤسس تركيا موقفها من تسويتها علي حـــل الدولتين دولة للقبارصة الأتراك تكون متساوية السيادة مع دولة أخري للقبارصة اليونانيين علي أرض نفس الجزيرة  ولكن إذا ما بدأن هناك مساس بالأمن القومي التركي ولو كان موجهاً لجمهورية شمال قبرص التركية فلن تدع تركيا الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في قبرص أن تعمل بكفاءة أو تعمل علي الأطلاق وهي قادرة علي ذلك فهناك 30 ألف جندي تركي متمركز في القسم التركي من الجزيرة القبرصية وهناك خطط تركية لإقامة قاعدة بحرية في الجزء التركي من الجزيرة ولكن ما ينبغي أن نلتفت إليه هو أن قبرص اليونانية لم تعد آمنة بالنسبة لأمن الدول العربية المتوسطية سوريا ولبنان ومصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب فهي أصبحت جزء ضروري لتحقيق وصيانة وتطوير أمن الكيان الصهيوني ومن المهم بل من المنطقي أن تبدأ الدول العربية المتوسطية وخاصة مصر ولبنان في إعادة النظر وتقييم علاقاتها بقبرص اليونانية والنظر في الإعتراف بجمهورية قبرص التركية التي نالت حق المشاركة في قمة الدول المتحدثة بالتركية مؤخراً وذلك مقابل مساندة تركية عسكرية وسياسية للدول العربية المتوسطية فالتحالف الــمُتقادم مع اليونان وقــبرص اليونانية لا يقدم ولايؤخر ولا مردود سياسي أو عسكري له مالم تكن الدول العربية المتوسطية تخشي السطوة الأمريكية الممُانعة لذلك .

هناك محاولات تركية وأمريكية للإبقاء علي حالة من التوازن في العلاقات الثنائية وهي محاولات مُجهدة وتحتاج إلي تذرع الجانبين بالصبر ووضوح الرؤية والقدرة علي العزل وفض إلإشتباك بين تداخل المعاملات السياسية في التحالفات التي  نشأت وتنشأ بين تركيا وقوي دولية غي الولايات المتحدة وبين الولايات المتحدة نفسها والقوي الإقليمية بإقليمي شرق المتوسط والشرق الأوسط , فإن هناك بالفعل أزمات علي المدي الأوسع نطاقًاً تواجه العلاقات التركية / الأمريكية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا عام 2002 أضيف إليها مُؤخراً الموقف الأمريكي غير الواضح من النزاع علي الإستكشاف البترولي بمياه المتوسط بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونيين وبالتبعية تركيا واليونان , وهناك ثمة تضارب في الموقف الأمريكي من القضية القبرصية فبعد أن كان الموقف الأمريكي مؤسس علي قاعدة دولة قبرصية بمنطقتين لطائفتين وعلي أساس فيدرالي , إذ بالسفيرة الأمريكية لدي قبرص Kathleen A. Doherty تقول للصحافة القبرصية (اليونانية) عقب لقاءها بالرئيس القبرصي في21 فبراير 2018 ” لقد كانت مناقشة جيدة مع الرئيس تضمنت الأحداث الجارية بما فيها مسألة البترول , ولقد نقلت للرئيس (القبرصي) أن الولايات المتحدة تشعر وبقوة بأن لجمهورية قبرص (اليونانية) الحق في إستكشاف وإستغلال مواردها في المنطقة الإقتصادية الخالصة  ” EEZ

منطقة شرق المتوسط يجب أن تتغير تحالفاتها بشكل ثوري متدرج فقبرص اليونانية التي كانت قاعدة عسكرية مُستترة أصبحت قاعدة عسكرية / مخابرتية مــُعلنة كما أشرت وبينت .

الخطــوة الــقــادمــة منتظرة من الدول العربية المتوسط التي لا يجب أن تنتظر أكثر من ذلك فالولايات المتحدة ترتب شؤون شــــرق الــمـتـوسط لتأمين الكيان الصهيوني ففيم إنتظارنا ؟

الـــــــــــــــــــــــســــــــــــــــــــفـــيـــر : بـــــــــــــلال الـــــــمـــــصـــــــــــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقــــاهـــــرة / تــحـــريـــراً في 13 نـــوفـــــمــــبـــر 2024

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى