الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

ســــــــــيـــــنــــاء: الـــــــنــــكــــبـــة الــــثـــانيــة الـــمـــحـــتـــمــــلــة في مـــــــصــــــر

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

على الرغم من رفض الرئيس المصري والعاهل الأردني علنا أي خطط للتهجير القسري للفلسطينيين بشدة إقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن عنه في أعقاب وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحماس في 19 يناير2025 والذي تضمن خطة لإستقبال / أو توطين النازحين الفلسطينيين من غزة في مصر والأردن وذلك”لتطهير” غزة ونقل سكانها إلى مواقع “أكثر أمانا” بما في ذلك مصر والأردن إذ وصف غـــزة المحاصرة بأنها “موقع هدم” بعد 15 شهرا من الحرب ولبيان تصميمه كرر نفس هذا الإقتراح ثلاث مرات مــُتتاليـة مؤكداً في 30 يناير2025 أن مصر والأردن ستستقبلان هؤلاء النازحون بـل إنـه قال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي عندما سئل عن رفض مصر والأردن “سيفعلون ذلك” مضيفا :”نحن نفعل الكثير من أجلهم وهم سيفعلون ذلك”.

فيما بدا في تقديري أنه تعهد بذله الرئيس الأمريكي ترامب لعصابة الكيان الصهيوني الحاكمة في تل أبيب وللأيباك الصهيوني في واشنطن فقد كرر الرئيس الأمريكي دعوته لمصر والأردن لإستقبال النازحين الفلسطينيين من غـزة وتوطينهم في مصر والأردن بصفة مؤقتة أو دائمة – كما أدعي – رغم إصدار الخارجية المصرية بيان في 26يناير2025 وبعد ساعات من تصريح الرئيس الأمريكي أكــدت فيه رفضها لأي محاولات لنقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء محذرة من أن مثل هذه الأعمال من شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة وتطيل أمد الصراع ووصفت الخارجية المصرية أي محاولة لتهجير الفلسطينيين بأنها “انتهاك للحقوق غير القابلة للتصرف”  , كما أعــلن وزير الخارجية الأردني كذلك رفض بلاده القاطع لأي تهجير للفلسطينيين من الأراضي المحتلة لإن “حل القضية الفلسطينية في فلسطين فالأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين”.

الدعم الــعـــربي للكيان الصهيوني في حرب غــزة التي أعقبت مباشرة “طوفان الأقصي” في 7 أكتوبر2023 أغري الأمن الصهيوني ببث موجات من الرعب والتخويف للفلسطينيين والمصريين في غــزة مع تساقط القنابل الأمريكية علي مباني غــزة وبناها التحتية لهدمها وإبادة سكان غـــزة ومن بين موجات الرعب والحرب النفسية ما نشرته مجلة Mekomit الثقافية الصهيونية في 28 أكتوبر2024 عن وثيقة مسربة مكونة من 10 صفحات أصدرتها وزارة المخابرات الصهيونية ( التي ترأسها جيلا غ جمليئيل من حزب الليكود) توصي باحتلال غزة ونقل سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وتدعو هذه الخطــة التي وُصفت بالمسربة إلى الترحيل القسري لسكان قطاع غزة إلى سيناء بشكل دائم والاستفادة من المجتمع الدولي للمساعدة في هذه الخطوة وتحدد الوثيقة التي صدرت في 13أكتوبر2024 خطة نقل جميع سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء كخيار مفضل من بين ثلاثة بدائل تتعلق بمستقبل الفلسطينيين في غزة في نهاية الحرب الحالية بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس وتوصي الـخــطــة  الكيان الصهيوني بإجلاء سكان غزة إلى سيناء خلال الحرب وإقامة مدن خيام ومدن جديدة في شمال سيناء لإيواء السكان المبعدين ومن ثم إنشاء منطقة أمنية مغلقة تمتد لعدة كيلومترات داخل مصر بحيث لن يُسمح للفلسطينيين المرحلين بالعودة إلى أي مناطق قريبة من الحدود  الصهيونية وتنقسم خطة النقل إلى عدة مراحل : المرحلة الأولى /  يجب إجبار السكان في غزة على الانتقال إلى جنوب غزة بينما ستركز الضربات الجوية  الصهيونية على أهداف في شمال غزة وفي المرحلة الثانية/ سيبدأ دخول الجيش الصهيوني البري إلى غزة مما سيؤدي إلى احتلال القطاع بأكمله من الشمال إلى الجنوب و”تطهير المخابئ تحت الأرض من مقاتلي حماس وفي نفس الوقت الذي يتم فيه احتلال قطاع غزة سينتقل مواطنو غزة إلى الأراضي المصرية وسيمنعون من العودة بشكل دائم , كما جاء في الوثيقة: “من المهم ترك الممرات المرورية باتجاه الجنوب صالحة للاستخدام للسماح بإجلاء السكان المدنيين باتجاه رفح وتوصي هذه الوثيقة ببدء حملة مخصصة من شأنها “تحفيز” سكان غزة على “الموافقة على الخطة” وجعلهم يتخلون عن أراضيهم  ووفقاً لهذه الخطة يجب أن يقتنع سكان غزة بأن “الله حرص على أن تخسروا هذه الأرض بسبب قيادة حماس – لا خيار سوى الانتقال إلى مكان آخر بمساعدة إخوانكم المسلمين” , كما تنص الخطة على أنه يجب على الحكومة الصهيونية  إطلاق حملة علاقات عامة من شأنها الترويج لبرنامج النقل إلى الدول الغربية بطريقة لا تعزز العداء للكيان الصهيوني أو تضر بسمعتها(منتهي الـــســـفاهة) ويجب تقديم ترحيل السكان من غزة باعتباره تدبيرا إنسانيا ضروريا لتلقي الدعم الدولي ويمكن تبرير مثل هذا الترحيل إذا كان سيؤدي إلى “عدد أقل من الضحايا بين السكان المدنيين مقارنة بالعدد المتوقع للضحايا إذا بقوا”، كما تقول الوثيقة كما تنص الوثيقة على أنه يجب الاستفادة من الولايات المتحدة للضغط على مصر لاستقبال سكان غزة وتشجيع الدول الأوروبية الأخرى وخاصة اليونان وإسبانيا وكندا على المساعدة في استقبال وتوطين اللاجئين الذين سيتم إجلاؤهم من غزة وأخيرا تدعي الوثيقة أنه إذا بقي سكان غزة في غـــزة فسيكون هناك “العديد من القتلى الـــعــرب خلال الاحتلال المتوقع لغزة من قبل الجيش  الصهيوني وهذا سيضر بصورة الكيان الصهيوني الدولية (بإفتراض أن ذلك يعني الصهاينة) أكثر من ترحيل السكان  .

في الواقـــع أن الخارجية المصرية والخارجية الأردنية ردتا علي الرئيس الأمريكي بلغة القانون الدولي والمنطق الإنساني السليم وهي لغة يأبي أن يفهمها هذا الرجل الـــمـــغــرور الــــســـمــج المختل عـــقــلــيــاً ونــفـــســـيـــاً ناهيك عن إستعاب مـــثــل هذا المعتوه مختل القوي العقلية لـتـلـك اللغة , فقد كان كافياً علي نحو أو آخر أن يكون الرد المناسب علي غـــرار: ما الذي يعنيك من غـــزة ؟ لا شأن لك بها أو دعاك أحدهم للتدخل ؟ فـــلــتقــل خـــيــراً أو لــتــصــمــت , فكان الأحري والأبلغ إهــمـــالــه كــلــيــة وعــدم الرد عليه , فهذا الرجل ليس برئيس جمهورية مُحترم أو عـــاقـــل إنه علي أقصي تقدير تـــاجـــر عــقــارات أو مــــقـــاول هــدم وخـــردة فهو لا يتحدث عن غــزة بإعتبارها وطـــنــاً لـــشعــب ولكن بإعتبارها  مـــثـــجــمــع عــقــارات  لـــشــركــة ما في مــوقـــع ســـيــاحي هو المطور العقاري أو المرشد السياحي لها ,إذ قال بعد يوم من تنصيبه رئـــيـــســاً :”يجب إعادة بناء [غزة] بطريقة مختلفة فغزة مثيرة للاهتمام فموقعــهــا استثنائي على البحر وبـها أفضل طقس ويمكن القيام ببعض الأشياء الرائعة مع غزة ففي الواقع وبعد تدمير حماس ونزع سلاح قطاع غزة ونزع التطرف من السكان يمكن لغزة أن تستضيف ملعبا للــجــولــف تــــُحسد عليه مع منتجعات فاخرة على الشاطئ ويمكن أن يصبح هذا الملعب أعظم ملعب جولف على وجه الأرض”.…لا يمكن أبداً تصديق أن هذه لـــغــة خــطـــاب رئيس جمهورية …. لا يمكن …والمدهش أن خارجيتي مـــصــر والأردن ردت علي هذا الـــعـــتــل الــزنـــيــم بصفته رئـــيـس أو أنـهـا ردت عليه بمنطق القانون الدولي وبصيغ رخـــــوة لا مـــذاق لها فــهــي صـــــيغ تشبه إلي حــد كـــبـــيــر صــيغ خــطــابــات الدول أعضاء الجامعة العربية البالية الباردة الخالية من نبض الجماهيير العربية , فقد كان الأحـــري بخارجيتي القاهرة وعمان أن يكون ردهما علي مستوي فعل وحرارة الــمـــقــاومة التي لفرط هـــيــبــتها وحرفيتها كتبت خطابات حارقة للكيان الصهيوني  في أثـــيــر غــزة وليس علي أوراق كانت أبلغ ومُفعمة بالرموز والمعاني التي وصلت لقادة ومجتمع الصهاينة وأفقدتهم توازنهم النفسي المدعوم من طبيب البيت الأبيض الأمريكي وهذه الرسائل عـــجـــزت بيانات خارجيتي القاهرة وعــمان أن تـحــتويــهـا فولذلك لم يأبه بها لا الكيان الصهيوني ولا ذلك الأفاق القابع في واشنطن بدليل أنه كــرر دعواه بتــهــجـــير شــعب لا مــثـــيــل له في البطولة والتضحية إلي مـــعـــتقلات تــعد له في ســيــنــاء والأردن سيشرف عليها الأمريكون والصهاينة إلي أن يتم تهجيرهم لمكان آخــر فـــســـيـــنــاء لن تكون سوي مـــحــطــة مــؤقـــتــة فقد أعـــلن المنحطين الصهاينة غير مـــرة جـــهـــاراً أنها أرضـــهــم !!! لمــاذا لانه في عهد مـــبارك بدأ مـــســلـــســل إخـــلاء ســـيـــناء بصمت مؤسسات الدولة المصرية إنتظاراً لهذا اليوم الأثــــيـــم علي نحو ما سأوضحه بإختصار .

ســــيــــنـــاء في نـــظــريـة الأمـــن الـــقـــومــي الـمـصـري :

أعتقد أن الدرس الذي لم يستوعبه القادة المصريون في العهدين الملكي والجمهوري(الثوري) هو أن سيناء من وجهة نــظــر أمــنـــيـة مــيـــدانــيــة تعتبر بل يجب أن تُعــتــبــر خــط المواجهة الأول والأخــيــر في الــدفـــاع عن مـــصــر وأن تركها بدون سكان ومعاملتها كمنطقة حدودية مُلقاة بكل إهمال (مُتعمد) في أســـفل قاع اللاوعي المصري هو المقدمة المنطقية لأي هـــزيمة قادمة من الصهاينة وأنه قد آن آوان التخلص من قاعدة مازالت غير قابلة للغيير أوالتعديل في وضع سيناء في نظرية الأمن القومي المصري مفادها أن ســـيـــنـــاء خـــط الــدفـــاع الأول فقط عـن مـــصـــر , فالقول بأن سيــنــاء خــط الــدفــاع الأول يعني بصفة غير مباشرة أن هناك خـــط دفاع ثـــان وهذا في إعتقادي غير صـــحـــيح لأنه غير ممكن وغير مـــُتــاح لأسباب أعـــتقــد أنه يجب الــنظـــر إلــيــهـــا بـجــديـة وهي  :

1- إن القوات المسلحة المصرية المتموضعة في سيناء تتواجد فيها وهي تكاد أن تكون فارغة من السكان الذين يجب توطين ما لا يقل عن 5 ملايين منهم في سيناء للدفاع عنها وإيجاد حاضنة للجيش المصري به والأهم ليكون هذا الماعون البشري هو مستودع الشباب الذين يتم تجنيدهم للدفاع عن أرضهم فهم من سيناء ويدافعون عن سيناء كما هي حالة حماس ومن ينخرطون فيها من شباب غـــزة . فمن سيكون أكثر عناداً وتصميما في الدفاع عن سيناء إلا أهلها  ؟ وأمامه القوات المصرية في ســيــنــاء ووراءها ثقلين سكانيين أحدهما في غـــزة والآخر علي الجانب الغربي من قناة السويس موزعين علي 3 مدن رئيسية التي بلغ عدد السكان فيها وفقاً لتعداد2001 : بورسعيد(505 ألف نسمة) والإسماعيلية (790 ألف نسمة) والسويس (452 ألف نسمة) وهذه المدن الثلاث يجب إحاطتها بمستوطنات شبه عسكرية للدفاع عنها وهذا النظام يجب إعتمادها في حالة سيناء فحرب غـــزة لابد  وأن نتعلم منها ما يؤدي إلي ضبط أداء الدفاع والهجوم العسكري علي الخصم كما أنه وراء مدن القناة الثلاث مدن أخري علي وادي نهر النيل وفي خلفيتها الصحراء الغربية وتعتبر قناة السويس كممر بحري دولي مدر للدخل القومي ونهر النيل بجسوره وبشريطه الزراعي الذي يضيق بعد الدلتا نقطتي ضعف كما أنهما لا يصلحان لأن يُعتبرا ميداناً للمعارك الحربية ولذلك تعتبر سيناء خط المواجهة الأول والأخير ويجب (1) العمل علي توطينها بالسكان ليكونوا حاضنة للجيش المصري وخط إمداد وتموين دائم وحافز للقوات المسلحة للدفاع عنهم كما يجب (2) العمل علي إقامة خط دفاع قوي وثابت ونقاط حصينة(وهي بالتأكيد موجودة الآن) عند منطقة الممرات الجدي ومتلا وصدر الحيطان والخاتمية والكونتلا (وهوممر طويل متعرج طوله 32 كم)  .

2-  أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة توصلا إلي عقيدة عسكرية مُشتركة وإضافية في صراع الشرق الأوسط يعتنقها الآن القادة العسكريون في الكيان الصهيوني مفادها تمديد جبهة المواجهة العسكرية مع اللبنانيين والفلسطينيين والمصريين بضم قبرص اليونانية بشرق المتوسط إلي تحالف صهيوني / أمريكي قبرصي يوناني وتم عمل ما يلزم لتوطيد هذا التحالف بحيث تحولت قبرص إلي جبهة إسناد للعسكرية الصهيونية وقاعدة عسكرية أمريكية خاصة في مدينة بافوس (أنظر دراسة : توقيع الولايات المتحدة إتفاقية إطارية للدفـــاع مع قــبــرص الـــيــونـانـــيـة : النتائج المُتوقعة علي الصراع في الشرق الأوســـط بتاريخ 17 سبتمبر2024) ومن ثم فجبهة سيناء علي المتوسط وطولها حوالي 200 كم أصبحت الآن أكثر أهمية من ذي قبل لسلاح البحرية المصري وللدفاع الجوي المصري (تنطلق الطائرات القاذفة والمقاتلة البريطانية / الأمريكية والصهيونية من قاعدتي  ذيكيليا وأكروتيري في قبرص اليونانية) أنظر : مـغزي وصول الدفعة الأولى من نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية” إلى قبرص دراسة بتاريخ 8 ديسمبر2024 )  .

3- أن مصر كلها وليست سيناء وحدها بحاجة ماسة حالياً إلي الإستفادة القصوي من سيناء إقتصادياً وديموجرافياً خاصة بعد التطورات السلبية علي مصر جراء إنجاز إثيوبيا لسد النهضة وإنضمام جنوب السواب لإتفاقية عنتيبي التي ترفضها مصر والسودان لضررها علي وضعهما وسياستهما المائية ولذلك هناك ضرورة قصوي لإستئناف مصر للمشروع القومي لتنمية سيناء الذي لوحظ في شأنه عدم قابليته للتمويل الدولي سواء من المؤسسات التمويلية الدولية أو الدول المانحة وهذا بالطبع بسبب ضغوط صهيونية ولذلك ولأهمية سيناء في نظرية أمن مصر القومي فإنه من الممكن عرض مشروعات التنمية فيها للإكتتاب العام فهذه المشاريع ستضيف لأمن مصر القومي علي المدي البعيد  .

4- يجب علي مـــصـــر إستخلاص العبر والدروس من حرب غــــزة فالصهاينة إنتهكوا معاهدة السلام في شقها العسكري وبالتالي لابد من موائمة أوضاع الجيش المصري في نطاق ســيــنــاء مع مجريات ونتائج حرب غـــزة ويكفي إنتهاك الجيش الصهيوني لحور فيلادلفيا لندرك مدي الإستهانة الصهيونية بهذه المعاهدة وتطويعها لتناسب الخطط العسكري الصهيونية فقد إستغلت المعاهدة لإحكام العدوان الصهيوني علي أهلنا في غـــزة وهذا ما لا يجب تكراره  .

5-أن غـــزة أثبتت بما يدع مجالاً للشك أنها خــــط دفــــاع مُتقدم عن نفسها وعن مصر وحطمت تلك الصورة الزائفة للجيش الصهيوني وبناء عليه يجب علي مصر مراعاة هذه الحقيقة وبناء روابط علنية معلنة مع غــــزة في مختلف الشؤون بغض النظر عمن يـكـون من سيتولي السلطة في داخلها فـــغزة دائرة من دوائر أمن ســيــنــاء وبالتالي فهي دائرة من دوائر أمن مـــصـــر الـقـومي ومن المنطقي تطوير وتمتين علاقات مصر معها فالسودان وغـــزة غــــطاء أمن مـــصـــر الـقومي وعلي مصر صيانة وخدمة أمنهما القومي لتكون علاقة مصر مع غــزة والسودان تــبــادلـــيـة وليست في إتجاه واحد   .

6-لإن سيناء خط الدفاع الأول والأخير عن مصر فمن الضروي التعامل مع ســـيــنــاء بـنـاءعلي قاعدتي الأولوية والجدارة وعليه فيجب أن تكون نظم التعليم ومناهجه ونظم الإدارة المصرية في سيناء مـخـتـلـفـة وذات خصوصية ومتميزة لتتناسب مع كون سـيـنـاء خط الدفاع الأول والأخير عن مصر ويجب إهمال أي وجهات نظر صهيونية في كل ما يتعلق بسيناء وعدم الإلتفات إليها  فلا رأي لهم في شـــأن مــصـــري خـــالـــص .

7 – إن ســـيـــنــاء هي الرتــــاج أو القفل الذي تحكم به مصر جغرافيا إغـلاق الخزينة الجغرافية علي سيادتها علي قـــنــاة الــســويـس  , وبناء علي هذه الحقيقة الجغرافية فقد آن آوان إطلاق الصرخة لنطالب الإدارة المصرية بإعادة النظر ولو حتي من جانب واحد(جانب مصر) في معاهدة السلام مع الصهاينة مـعاهـدة تقول بنودها الجديدة : (1) لن تسمح مـــصـــر بالإقتراب من غـــزة والغزاويين مــرة أخـــري (2) لن تعود ســــيـــنــاء بهذا الإنتشار العسكري الضعيف الــخـــافــت فالتوحش الصهيوني نبه مـــصــر إلي أن ضعف إنتشارها العسكري أغري الصهاينة بممارسة الإبادة في غزة دون رادع كما أغراهم ذلك أيضاً بتحقيق حـــلــم إبتلاع سيناء نعم إبتلاع سيناء فنحن يوم أن إرتضينا بأن يتقزم جيشنا في ســـيـــنــاء وهو العملاق في كل أراضي مصــر رأينا ما يحدث في غـــزة وسمعنا منهم أضغاث أحـــلام التهجير إلي ســـيــنــاء , لكل هذا يجب أن يشعر الصهاينة أن قريباً منهم من هو أكثر توحشاً فلا إبادة إلا مقابل إبادة  ويجب حماية قناة السويس .

8- حرب غـــزة وتداعيتها لابد أن توقظ الدبلوماسية والعسكرية المصرية بطلب مراجعة معاهدة السلام الموقعة مع الصهاينة في 26 مارس 1979 لأن طلب المراجعة في حد ذاته خطوة مصرية إستباقية لمنع حرب قد تشتعل مع الصهاينة ولننتهز فرصة اليقظة الدولية وإنفتاح الضمير الدولي فالكيان الصهيوني قوة شـــر مُستــطـــيـر في نظر الرأي العام الدولي ووزارات خارجية كثير من الدول أعضاء الأمم المتحدة .

9 – تنظيم حركة الأجانب في سيناء وإخضاعها لترتيبات أمنية مختلفة تتناسب مع دروس حرب غزة وبحيث لا تؤثر علي التدفقات السياحية وفرض رسوم قنصلية علي الصهاينة وعلي الجانب الآخر تمتين وتيسير حركة الفلسطينيين وسكان غـــزة ومساواتهم بالأشقاء السودانيين فـــزة والسودان وللمرة الثانية أؤكد أنهما غطاء أمن مصر القومي ولا يجب التعامل معهما بعكس ذلك أبداً فدمج غـــزة والسودان في نظرية أمن مصر القومي سيوفرعلي المدي البعيد جانب من نفقات الدفاع   .

10- أثارت مصر قضية الخلاف مع الصهاينة علي موضع العلامة الحدودية 91 في طــــابـــا مع الكيان الصهيوني ووافقت مصر والكيان الصهيوني  في 11 سبتمبر1986 علي أن يُحال النزاع علي 14 علامة حدودية منها العلامة الحدودية رقم 91 وعلامات اخري للتحكيم الدولي وتبدأ كل هذه العلامات من نقطة علي الحدود الدولية بالقرب من رفح إلي نقطة تُسمي رأس طــابــا تقع علي الساحل الغربي من خليج العقبة ونصت مشارطة التحكيم في مادتها الرابعة عشر علي أن مصر والكيان الصهيوني إتفقتا علي قبول حكم المحكمة بوصفه نهائياً ومُلزماً  لهما وتنفيذ الحكم بأسرع ما يمكن وبالفعل أصدرت المحكمة حكمها النهائي لصالح مصر وتم تنفيذ الحكم , ومن غير المعقول أن تقبل مصر التي نازعت الكيان الصهيوني علي موضع علامة حدودية إستردت بسبب هذا النزاع حوالي كيلو متر مربع من أراضيها ’ منح الكيان الصهيوني أرض غـــزة مُضافاً إليها جزء مُقتطعاً من أراضي مصر لإستيعاب تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه لتعين الصهاينة علي تنفيذ نكبة ثانية وأخيرة لشعب فلسطين البطل في غـــزة كما تعينهم أيضاً وتحت سمع وبصر القوات المُسلحة المصرية هذه المرة علي إقتراف نفس الأثم وتنفيذ نـــكـــبــة أخــري في ســـيــنــاء لمجرد أن رئيس معتوه قابع في مكتبه البيضاوي في واشنطن وثلة من المُجرمين في مكان ما بتل أبيب أرادوا ذلك إستناداً علي تـــرهــات وأساطـــيــر يهلوسون بها . إن مجرد التجرؤ الصهيوني الأمريكي علي إمكانية الإتيان بهذا الفعل الآثم في غـــزة وســـيـــنـــاء يـعني مباشرة أنهم يــســـتــهــينوا بقدرات ووطنية القوات المسلحة المصرية وبشعب غـــزة والمقاومة الفلسطينية وكنتيجة علي هذه الإساءة الآثمة في تقدير وطـــنــيـــة ووعــــي الجيش والشعب المصري يجب أن يكون رد الجيش المصري مُزلزلاً ليوقظهم من غـــفـــلتهم وردهم عن فجورهم  .

خــــطـــة الـتهجيرالقسري/الطوعي للفلسطينيين في غـــزة هدفها النهائي مصر :

المُعلن من خـطـة الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكيين أن المرحلة الأخيرة من هذه الخطة تستهدف دفع الغزاويين إلي الركن فلا يكون أمامامهم غير الحائط المصري وهم حتي الآن لم يذوقوا طعم المر المصري فالجيش المصري ظل رابط الجأش أو لنقل سلبي أمام المذابح الصهيونية لأهلنا في غزة رغم أن الضمير الغزاوي وقر فيه أن لمصر مسؤلية سياسية وعسكرية بالتبعية وأخلاقية إزاء كل قطاع غـــزة والصمت المصري العسكري جعل الصهاينة يستمرأون هذه المذابح فلا رادع ولا زاجر من الزواجر الأخلاقية أو القانونية حتي المحكمة الجنائية تحولت في  نظر شذاذ الآفاق الصهاينة مجرم بسبب الدعم الأمريكي من مشرعي الولايات المتحدة الجهلة الذين فقدوا للابد حياؤهم , والخطير في الخطة الصهيونية أنهم تهدف إلي دفع الغزاويين إلي اللجوء لســـيـــنــاء قريباً من العريش في نقطة إيــواء وهذه المحطة مــــؤقتـــة فهي فقط لتجميع الغزاويين لوقت ما معلوم لدي الصهاينة وداعميهم الأمريكان يتم أثناء ذلك فرزهم وإعادة توزيعهم علي المدن المصرية وطبعاً معاملتهم فيما بعد كالمجرمين أو المُشتبه فيهم وبدء خــطــة أخري لإستيلاء الصهاينة علي سيناء لتحويل خرافاتهم السمجة الرثة إلي حقيقة وهم لديهم ألف وسيلة لتسويغ إجرامهم , وبعد ذلك سيجد الجيش المصري أن قواته موزعة بين السكان المصريين في وادي النيل فوفقاً لهذا السيناريو الأسود بالغ التشاؤم – والذي مداه هو الأجل الطويل – سيجد الصهاينة من المبررات ما يكفيهم للإدعاء بالحق في مشاركة مصر في قناة السويس بل وحق آخر في مطالبة مصر بإعادة إنتشار الجيش المصري وحظر إنتشاره علي  الضفة الغربية لقناة السويس ليتوزع وينتشر بين الكتلة السكانية المصرية في وادي النيل مثلما هو الأمر مع قوات التنسيق الأمني التابعة لممحمود عباس في الضفة الغربية ….. إنه سيناريو أسود لكنه تحقق في الضفة الغربية فمن منا كان يتصور أن جبهة التحرير الفلسطينية ستتحول بقدرة قادر إلي خــــفـــر يأتمرون بأوامر الجيش الصهيوني ويسيطروا علي الضفة الغربية هكذا من منا ؟؟

مازال هناك القليل من الوقت لضرب الصهاينة باليد الباطشة للجيش المصري وبعثرة هذه الصفحات القذرة التي تحتوي علي أساطيرهم وترهاتهم فلا شأن لنا في مصر بهذا المعتوه الذي يردد ترهاتهم ويبغي تهجير شعب بكامله من أجل عيون شعب لا خلاق له ولا أخلاق .. معدوم الإنسانية فالله سبحانه وتعالي قاهراً فوق عباده   …

إن نجاح الصهاينة بمعونة الأمريكيين في تنفيذ مخطط التهجير لشعب غـــزة الفلسطيني معناه المباشر علي الأجل البعيد أن ســـيـــنــاء لن تكون جـــبــهــة قـــتــال للجيش المصري الذي لن يجد جبهة ليدافع فيها عن مـــصـــر فـســيـــنــاء كما أشرت وأكدت هي الجبهة الأولي والأخيرة للجيش المصري الذي سيفقد ساحة وميدان حــربه ضد الصهاينة أعداء مـــصــر الوحيدين فهدف الصهاينة مــزدوج (1) الإستيلاء علي أرض مصر بترديد ترهات صهيونية و(2)  التخلص مرة واحدة وللأبد من الجيش المصري مصدر رعبهم الرئيسي ,,,, أعتقد أن وقت الصمت المصري سيتحول إلي خنجر ننحر به أنفسنا لو إستمر هذا الصمت بعد الآن فسيكون صـــمـتــاً قـــاتلاً ولا نلومن إلا أنفسنا .

إن الأسلحة الأمريكية المتاحة للرئيس الأمريكي في معركة التهجير للفلسطينيين الغزاويين كرهاً أو طوعاً لســيــنــاء قليلة فهي لن تتجاوز وقف المعونة الأمريكية التي عمل الأمريكيين علي أن ندمنها كالمخدرات وإصدار أوامر أو توجيهات من الإدارة الأمريكية لمؤسستي بريتون وودز لوقف قروضهم وتمويلاتهم لمصر  وربما تكون هذ الأسلحة وما قد يرتبط بها مؤذياً لمصر لكن هذا الأذي المحتمل ليس بقدر الأذي الذي سيتحقق فعلاً بتهجير الغزاويين لمصر فهي نكبة ثانية وأخيرة لهذا الشعب البطل وهي نكبة أولي لمصر قد تتلوها نكبات ثم هي حكم بإعدام الجيش المصري بلا حرب أو قتال  , إن خطة التهجير تلك ليست عملاً بسيطاً فهي عمليات متداخلة وتراتبية نهايتها القضاء علي مصر والجيش المصري وتفتيت وتقسيم مـــصـــر تلك الدولة المركزية التي أشرق التاريخ بوجودها من الآف السنين قبل ولادة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة بعمليتين قيصريتين سال بسببهما دم الفلسطينيون والهنود الحمر دون ذنب أو جريرة .

ســـاركز هذه الدراسة الموجزة علي النكبة المصرية المنتظرة في ســيــنــاء التي يُعد لها الأمريكيون والصهاينة مستخدمين كل الألعاب والحيل المخابراتية التي نعرفها وأستخدمها الأمريكون والصهاينة في تكرار ممل حتي أني مثلاً أبلغت وزارة الخارجية المصرية ذات مرة بأن الكيان الصهيوني سيغتال شخصية مؤثرة في غـــزة قبل إغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حـــمـــاس في غـــزة قبل إغتياله بثلاثة أسابيع ولم تستجب أو تــعي وزارة / وزير الخارجية المصرية ما أرسلته برقياً رغم وضوحه فالصهاينة ليسوا بمعجزين فتفكيرهم بقدر ما هو شرير ومكرر وبقدر إدراك المرء لنزعة الشر المتاصلة فيهم مما يمكنه وبكل يسر التبؤ بالخطوة القادمة لهم  فهــأنتم تـرون حـــماس مسحت بالجيش الصهيوني أرض غـــزة ودست أنوفهم القذرة في رغامها ومعه أجهزتها الأمنية , كل ما في الأمـــر أن هناك ضرورة لأزالة طبقة الخائفين والموظفين وغير المؤهلين في مؤسسات دولنا العربية وإلي أن يأتي هذا اليوم فسنلقي نـــظـــرة علي الـــنـــكـــبـــة المُحتملة التي يـــُراد أن تــقــع وتحطم الدولة المصرية التي مازالت حدودها مع فـــلـــســـطين كما هـي منذ الفراعنة وكما ورد في قصة الطبيب /الجاسوس الفرعوني ســـنـــوحـــي المـــصـــري في عهد إخناتون  .

الــــمُــــتاح لــــمـــصـــر في مواجهة خطة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني للــتــهــجـــيــر :

1- بدء الإعلام والإعلان تدريجياً عن إستئناف المشروع القومي لتنمية ســيــنــاء علي التوازي مع الترويج الفعلي للإكتتاب العام لتمويل هذا المشروع شعبياً وتكوين هذا الزخم الجماهييري الحي أضل بألف مرة من تنظيم مظاهرات مثيرة للجدل وعائدها قـــلـــيـل بل ربما عكسي , كما هذا ال‘لان عن إستئناف المشروع القومي لتنمية سيناء وكذا مرافقته بالترويج للإكتتاب العام لتمويله هو الرد العملي الوحيد وذو الأثر التراكمي لإنهاء الهوس التوراتي الصهيوني للقبض علي سيناء وفي نفس الوقت فيه فوائد إقتصادية وديموجغرافية بعيدة المدي لمصر شعباً وإقتصاداً وعسكرياً .

2- بدء حملة دبلوماسية مصرية من الآن iدفها الرئيسي بناء تحالفات رئيسية مع القوي الكبري مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران (لابد أن تشمل  هذه الحملة إيران لاسباب مختلفة وكفي إنغلاقاً) فلكل من هذه القوي موقف معرض للولايات المتحدة والصهاينة وهذا الموقف بنيانه إما إستراتيجي أو   سياسي أو مصلحي أو أخلاقي أومزيج من كل ما سبق فمثلاً للصين وروسيا حالياً موقف مصلحي يبررلهــمـا الوقوف في مواجهة الولايات المتحــدة والكيان الصهيوني معاً وبقوة كــمــا يــلـي  :

الــف : دافعية الصين لمعارضة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني   :

تقاتل الصين بشراسة خطة تهجير الفلسطينيين لإبطال مشروع بن جوريون الصهيوني فهذه السرية في تفاصيلها أخطر خطة سرية تحاول الصين فضح أساليبها المقنعة التي تتستر وراء الحرب أوإيجاد ( كما يدعي الرجل الإنسان ترامب!!!) وطـــن بــديل للشعب الـفـلـسـطـيـــنـي في غـــزة في حين أن الحقيقة الاستخباراتية الوحيدة في هذه اللعبة الاستراتيجية والدولية الخطيرة وفقا لمعلومات مؤسسات الاستخبارات الصينية المنضوية تحت لواءمجلس الدولة الصيني المسؤول عن عمل جهاز المخابرات الصيني هي كذلك وهذه الخطة الصهيونية تتم بإشراف وعناية أمريكية للاستيلاء على ميناء غزة بالكامل وربطه بميناء بن جوريون الإسرائيلي (حماس تعي ذلك جيداً ولذلك سلمت الرهينة الأمريكي في ميناء غــزة) كبديل لمشروع الــصـــين الـمُـسمي الحزام والطريق للتجارة الدولية   ولذلك سيقاتل الأمريكيون بشراسة مع الصهاينة يداً بيد لمواجهة مشروع طريق الحرير الصيني والحد من نفوذ قناة السويس المصرية فسيربط هذا المشروع الهند بأوروبا عبر السكك الحديدية والنقل البحري عبر الشرق الأوسط  كذلك حاول فإن خطورة هذه التحركات العسكرية الصهيونية لإزهاق أرواح مئات الآلاف من سكان قطاع غزة ودفعهم إلى اليأس التام ومن ثم مساعدتهم على الهروب من جحيم الحرب في قطاع غزة إلى دول الجوار في مصر والأردن إنما يتم للتمهيد لدمج ميناء غزة بالكامل مع ميناء بن جوريون  الصهيوني ليكون هذا بديلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس المصرية وبناء على ذلك فإن الصين تدرك خطورة التهجير القسري لأهالي غزة واستيلاء الكيان الصهيوني على قطاع غزة وخاصة ميناء غزة تمهيدا لضمه لميناء بن جوريون  الصهيوني وإنشاء طريق مواز للحزام والطريق الصيني وضرب مشروع قناة السويس المصرية وجميع المشاريع الصينية في المنطقة لذلك فإن رفض الصين التام لجميع محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة جاء لمنع الكيان الصهيوني من الاستيلاء الكامل على ميناء غزة على وجه الخصوص وربما يكون هذا هو الجزء الأكثر خطورة وإخفاء في القضية وهذا هو الوجه الخفي الآخر لحرب غزة وأسبابها وهذا ما برر التصميم الصيني والروسي الواضح على عدم إدانة حركة حماس في الأمم المتحدة والمحافل الدولية وقداستضافت الصين جميع فصائل المقاومة الفلسطينية عدة مرات في العاصمة الصينية “بكين” بما في ذلك قادة حركة الجهاد الإسلامي التي تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن كجماعة إرهابية دولية فالصين تدرك خطر إفراغ قطاع غزة من سكانها وخاصة خطر سقوط “ميناء غزة” بالكامل في أيدي الجيش  الصهيوني لذلك واجهت جميع مؤسسات الدولة الصينية والمراكز الفكرية والإعلامية خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وفي هذا الصدد اعتبرت مراكز الأبحاث الصينية المعنية بشؤون الشرق الأوسط خطة النزوح جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب وتنافست وسائل الإعلام والصحافة الصينية على إبطال الحلم الصهيوني بالاستيلاء على ميناء غزة من خلال تهجير وتفريغ سكانه لتسهيل المشروع  الصهيوني كبديل للحزام والطريق الصيني وقناة السويس المصرية مع وضع عناوين صينية من خلال جميع مسؤوليها وأكاديمييها ووزارة الخارجية تشير إلي أنه : “إذا تم تهجير سكان قطاع غزة قسرا في سياق نزاع مسلح فهذا يُعد جريمة حرب”وبهذا الإصرار الصيني على إدانة  الكيان الصهيوني في جميع المحافل الدولية والقانونية استنادا إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يعتبر أن “الترحيل أو النقل القسري للسكان” مدرج كجريمة ضد الإنسانية نظرا لأن القادة لا يحتاجون إلى إصدار إعلان صريح بأنه يجب على الناس المغادرة حتى يعتبر ذلك نزوحا قسريا خاصة إذا كانت الظروف المعيشية تجعل من المستحيل على الناس العيش فلن يكون أمامهم خيار آخر كما سعت الصين إلى الحصول على إدانات متعددة ناجحة فيما يتعلق بالتهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين مستشهدة بأحكام إدانة دولية سابقة في هذا الصدد بما في ذلك في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة لسيراليون والمحكمة الجنائية الدولية     وتعرف وتدرك كل دوائر الاستخبارات الصينية من خلال جهاز “مجلس الدولة الصيني” الذي يعمل كجهاز استخبارات صيني ما وماذا وراء هذا الدعم الأمريكي والغربي الكامل لخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة   إذن فمن اليسير جداً علي مصر بناء تحالف قوي ومبررمع الصين الشعبية وروسيا ضد خطة الصهاينة المشتركة مع الأمريكان والأوروبيين وإحباطها فمن مصلحة مصر الدفاع عن سيناء وقناة السويس وإقتصادها الذي ستهدده الولايات المتحدة في حزمة واحدة من التحالف المصري / الصيني  .

بــــاء : دافعية روســـيــا في معارضة الصهاينة والأمريكيين :

الموقف المصري المرواغ من الصراع الدائر في أوكرانيا آن له أن ينتهي فالأمريكون كما هي عادتهم في التخطيط السياسي لا يعلمون أن كرتهم الرابحة في البلياردو مختلفة عن كرتهم الأخري في لعبة الكرة الأمريكية لتي يفضلونها فالبيالياردو يقاس حرفية لاعبيه بثبات الأعصاب مع قليل من الذكاء والصحة الجيدة أما كرة القدم الأمريكية فتحتاج لقوة ثور فقط وهذا ما يفعله بعض الرؤساء الأمريكيين في الشرق الأوسط فمن أجل دولة دنيئة لا شرف ولا خلاق لها يدعمونها علي حساب شرف وكرامة وجيب المواطن الأمريكي لمجرد أن رئيسهم يؤمن بخرافات مجيئية عن إرتباط مــجـــئ المـــســيــح بعد ” قــيــام دولة إســــرائــيــل ” و تـرامــب تاسع رئيس أمريكى مرتبط بالكنيسة البروتستانتية المؤمنين بهذه الخرافة , والرئيس المتطرف ترامب سيسعي إلي إرضاء الكيان الصهيوني لآخر مدي يستطيعه وفي سبيل ذلك سيوقف تدفق السلاح والمعونة الأمريكية التي بدأت في أعقاب توقيع مصر معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني في مارس 1979 وإزاء ذلك ستتوجه مصر لإستئناف تعاونها العسكري بقوة وربما يتطور هذا الأمر لبناء تحالف طويل الأمد مكع الروس الذين يكونون بذلك قد ملأوا الفراغ الأمريكي وسيذلون قصاري جهدهم ليستديم هذا التحالف حتي لا يفسد بعودة مُحتملة للعلاقات الأمريكية / المصرية لسابق عهدها ولهذا الأمر تداعياته علي معاهدة السلام مع المكيان الصهيوني في مرحلة تالية لكنها قادمة لا محالة , وكنتيجة للتحالف الروسي المصري فستدفق السلاح الروسي (الذي إنتصرت به مصر في حرب 1973) ويتوجه الإستثمار الروسي في مشاريع متنوعة لكن النتيجة القاسية التي سيعرفها الأمريكيون قريباً أن الموانئ المصرية ستستقبل الوحدات البحرية العسكرية الروسية للتمون من هذه الموانئ  بعد أن رحل الروس عن الموانئ السورية فهم في سبيلهم لتفيكيك قاعدتي اللاذقية وطرطوس البحريتين وقد يتوجهوا إلي شـــرق ليبيا أو / و إلي مصر فقد أتاح لهم الأمريكان من أجل إرضاء الصهاينة وتنفيذ مشروع ربط مينائي بن جوريون وغزة أتاحوا لهم موانئ مصر علي البحر المتوسط وتلك التي علي البحر الأحمر والوجود البحري العسكري الروسي أخطر علي المصالح الأمريكية من الوجود الإقتصادي الصيني الكثيف في مصر فمصر أهم دولة للعسكرية الأمريكية أي للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط وللقيادة العسكرية الأفريقية الأمريكية جزئياً أيضاً اولذلك يمكن القول أن العسكرية الأمريكية تكاد أن تحتكر السماء والبحر والأرض المصري خدمة للإستراتيجية العسكرية الأمريكية وللصهاينة .

الحركة الدبلوماسية والسياسية الإبتكارية والسريعة لمصر مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضي ولابد لمصر أن تمارس دبلوماسية يتولاها دبلوماسيون عمليون لا موظفون .

3- مبادرة مـــصـــر للتخلص من أغلال القوة متعددة الجنسيات والمراقبين في ســيــنــاء (ق.م.ج.م.س)التي تقودها الولايات المتحدة فهذه القوة نشأت نشأة أمريكية بمجرد إصدار مجلس الأمن الدولي بجلسته رقم 1747للقرار 338 بتاريخ 22 أكتوبر 1973برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبموافقة 14 صوتاً مقابل لا شيء ولم تكن مصر براغبة في إيجاد قوة رقابة ومتابعة لتنفيذ نصوص معاهدة السلام المُوقعة مع الكيان الصهيوني في 26مارس 1979 من خارج نظام الأمم المُتحدة , لكنها قبلت بالأمر الواقع الناشئ عن موجبات ونتائج إستمرارالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي , ومع ذلك فقد إتفق القطبان علي أن يكون إتفاقي الفصل الأول والثاني للقوات المصرية والصهيونية في جينيف أو داخل مؤتمر جينيف للسلام وليس خارجه كما فعلت الولايات المتحدة بإخراجه لاحقاً من هذا الإطار والتكوين الحالي للقوة المُتعددة الجنسيات والمُراقبين في سيناء قوامه من 13 دولة منهم دول أعضاء في حلف الأطلسي وتمثل القوات الأميركية وحدها ما يقرب من 40 % من تعداد القوة الذي لا يزيد على 2000 جندي ، يليها من حيث الحجم كولومبيا وفيجي وتقدر الميزانية السنوية للقوات في أحد التقديرات ما يقرب من 65 مليون دولار أميركي تتقاسمهما كل من مصر وإسرائيل أما على الجانب الآخر في المنطقة (د) فيوجد ما يقرب من 50 مراقباً كلهم من المدنيين وتُدار القوة من مقر قيادتها الرئيسي في روما بالإضافة إلي مقرين إقليميين في القاهرة وتل أبيب وتتمركز هذه القوة في قاعدتين : الأولى في الجورة في شمال سيناء في المنطقة (ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة في جنوب سيناء وتتوزع عمليات المُراقبة علي ثلاثين مركز مراقبة في سيناء ومركز إضافي في جزيرة تيران بمدخل خليج العقبة .

إن نشأة ق.م.ج.م.س من وجهة نظر أمريكية صرفة مُؤسسة علي مفهوم ضمان أمن إسرائيل الذي يُعد في تقديرالإدارات الأمريكية المُتعاقبة مصلحة أمريكيةعُليا تتضمنها “إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي” , لذلك فقد خضع إستمرارها لأسس هذه الإستراتيجية , لذلك كانت ومازالت ق.م.ج.م.س أحد أدوات الولايات المُتحدة في دعم امن الكيان الصهيوني , وهو ما يزيل عنها الكثير من مضمون مفهوم كونها “مجرد قوة حفظ سلام ” كما تفترض مصر فيها أن تكون , وهناك ثمة أدلة مُتنوعة عن إستخدام الولايات المتحدة عدة وسائل تتضمنها علاقاتها الثنائية مع مصر لتطويع بعض السياسات المصرية منها المعونة الأمريكية و “ق.م.ج.م.س” , فالقوة وظفتها الولايات المتحدة لتكون أداة ضغط كغيرها من مكونات علاقاتها بمصر ومن أمثلة ذلك التصريح الذي أدلي به وزير الخارجية المصري الراحل أحمد ماهر عقب لقاءه بمدير عام ق.م.ج.م.س أرثر هرجز بمناسبة  التجديد له لمدة عام في المنصب نفسه بموافقة مصر وباقي الأطراف المعنية فقال إيضاحاً لما صدر عن الإدارة الأمريكية بشأن خفض مساهمتها في  ق.م.ج.م.س ما نصه ” إن ما هو مطروح حالياً هو تعديل هيكلة المُشاركة الأمريكية في القوات المُتعددة الجنسيات وهو موضوع طرحه وزير الدفاع الأمريكي وأنه مازال محل مناقشات داخل الإدارة الأمريكية ” , لكنه أي الوزير / ماهر أكد “أن هذا التوقيت غير مناسب لإتخاذ مثل هذا الإجراء “, وظلت هذه “الأزمة المكتومة ” قائمة ويجري تناولها داخل أروقة وزارة الدفاع الأمريكية وبالتنسيق المُسبق مع الكيان الصهيوني إلي أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن محادثات رسمية بمشاركة مسئولين مصريين وأمريكيين وصهاينة قد بدأت حول تخفيض المُشاركة العسكرية الأمريكية في قوات حفظ السلام مُتعددة الجنسيات في سيناء وأضافت أن مصر وإسرائيل تتفهمان الحاجات والمُتطلبات العسكرية للولايات المُتحدة في عدة مناطق بالعالم خاصة عقب هجمات 11 سبتمبر والحرب علي الإرهاب وقد علق  وزير الخارجية المصري / أحمد ماهر علي ذلك بقوله ” إن واشنطن تري أنه ليس لهذه الخطوة أي مدلول سياسي وأنها ترتبط بإعادة هيكلة القوات الأمريكية ودورها في الخارج , لكن هذا لا يُقلل من الإلتزام الأمريكي بدعم “السلام المصري / الإسرائيلي” وبعد نحو ثلاث أشهر نشرت صحيفة الأهرام في صفحة “أوراق دبلوماسية” ما يلي : ” أكد مسئول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية أن هناك حواراً بين الإدارة الأمريكية ومصر بشأن الطلب من الكونجرس تقديم مساعدات إضافية (لمصر) مُشدداً علي أن الإدارة الأمريكية حريصة علي علاقة قوية مع مصر برغم وجود بعض الخلافات في وجهات النظر تجاه قضايا مُعينة , كما أكد أنه لا تعديل في المُشاركة الأمريكية في القوات مُتعددة الجنسيات في سيناء دون موافقة مصر وأن الولايات المُتحدة تُقدر تعاون مصر معها في مكافحة الإرهاب (من وجهة النظر الأمريكية) وتعمل من أجل رد الجميل لها ….. وأعترف المسئول بأن “العلاقات تتعرض من وقت لآخر إلي ضغوط وتقاشات جادة بسبب بعض القضايا الخلافية ” (التي لم يحددها) , لكنه شدد علي أن الخلاف في وجهات النظر شيئ طبيعي في العلاقات السياسية كما أن هناك إقتناعاً من قبل الولايات المُتحدة بضرورة الحفاظ علي علاقات قوية مع مصر برغم وجود هذه الخلافات والضغوط , ونفي المسئول وجود مساع لسحب القوات الأمريكية العاملة في إطار قوات حفظ السلام المُتعددة الجنسيات بين مصر وإسرائيل في سيناء مُؤكداً أن ما نتحدث عنه هو إجراء تعديلات , وأضاف أن هذه التجربة ناجحة ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة مُؤمنة بأن هذه التجربة يجب أن تستمر وأن يتم دعمها , مُشيراً إلي أنه في نفس الوقت فإن وزارة الدفاع الأمريكية تنظر حالياً إلي حاجاتها العسكرية في العالم وتحاول أن تُدقق في إنتشار قواتها في البلدان الأجنبية خارج الولايات المُتحدة في ضوء الوجود (العسكري) في أفغانستان الذي يُحمل البنتاجون أعباء إضافية , وقال أنه في الوقت الحاضر ليس هناك تغيير بالنسبة للوضع في سيناء ونحن مُلتزمون ولن يكون هناك تغيير دون موافقة حكومات الدول الثلاث مصر وإسرائيل والولايات المُتحدة , مُشيراً إلي أن هناك نقاشات مُستمرة بين هذه الأطراف …هذا وتكررت هذه الأزمة مرة أخري عام 2003 عندما أعلنت الإدارة الأمريكية في يناير 2003 عن نيتها مراجعة حجم مُشاركتها في هذه القوة في يوليو 2003 وأبدي مدير القوة أرثر هيوز قلقه من تأثير القرار الأمريكي – لوتحقق – علي أداء القوة وعلي مساهمات الدول الأخري في القوة لاحقاً , وأكدت الولايات المُتحدة إتجاهها بخفض مشاركتها بقيام وكيل وزارة الدفاع الأمريكي آنئذ دوجلاس فايث بجولة تضمنت لقاءات مع كبار العسكريين في اليونان وأسبانيا وإيطاليا لبحث إمكانية تعويض مشاركات هذه الدول في القوة للنقص العددي في القوة الناتج عن الخفض الأمريكي وهو الثاني من نوعه لكن تبين – لاحقاً-أن هذه الدول لم تبد تجاوباً للطلب الأمريكي , ثم وفي عام 2006 تكرر نفس الموقف لكن كان الجديد فيه أن الولايات المُتحدة عزت نيتها تخفيض مُشاركتها في القوة هذه المرة مباشرة وبوضوح بسبب التمويل حيث أن الميزانية العامة للحكومة الأمريكية للأعوام التالية لعام 2006 ستتجه إلي تقليص بعض أوجه الإنفاق وكان من بين هذه الأوجه المُشاركة المالية الأمريكية المُقدمة إلي ق.م.ج.م.س , وكان الخفض الأمريكي يُعزي قبل ذلك بسبب التمويل لكن كان الأمر يُصاغ بأسلوب غير مباشر فيُقال أنه” لمراجعة التواجد العسكري الأمريكي في البلدان الأجنبية”وقد تناول الجانبان المصري والأمريكي هذا الموضوع  بالإسلوب النمطي في تناول “الأزمات” التي تطرأ بينهما أي بإستخدام مُصطلحات تمويهية كـ”إعادة هيكلة المُشاركة الأمريكية” بدلاً من مُصطلح ” تخفيض المُشاركة الأمريكية في القوة ” .

في تقديري أن الأمريكيين لن يقرروا سحب إر إلغاء هذه القوة فأمن الكيان الصهيوني بسبب غــزة يقتضي الإحتفاظ والتمسك بها ولذلك فهي ســـلاح في يد مــصـــر يمكنها أن تستخدمه ويكون من الأفضل إستخدامه للخلاص من أداة رقابة وتحكم لا ريب في أنها تخدم أغراض الصهاينة بالإضافة إلي أنها عنوان عريض علي إنتقاص السيادة المصرية وسيناء لابد أن تتخلص من رموز إنتقاص السيادة وهذه فرصة مواتية تماماً فقد أوضحت حرب غـــزة للأعمي أن الكيان الصهيوني سياسيوه وعسكريوه لا يقيمون وزنا لأي هيئة دولية أو شبه دولية ثم أن ق.م.ج.م.س لا تعمل في خدمة مصر بالقطع وكلنا يعرف ذلك والأفضل لمصر حتي لو تحسنت العلاقات مع الولايات المتحدة أن تكون الجسور قليلة وأقل ما يمكن وأقصر في المسافة لأنها ليست جـــسور بل أدوات ضـــغــط في الواقع والولايات المتحدة تعي ذلك  كــمــا أنه بعد كل ما حدث من الصهاينة من إنتهاكات في غــزة وسـيـنـاء لم تواجهها هذه القوة فلا مبررأو جدوي إذن من بقاءها فهي خطر ماثل علي أمن الجيش المصري في سيناء بل ولتحركاته فهذه القوة أثبتت حرب غزة أنها قيد في يد وقدم مصر لا مسوغ لإستمراره .

الــ ق.م.ج.م.س سلاح يحسن أن تستخدمه مصر بصفة إستباقية بمجرد أعلان الولايات المتحدة عـن بدء معركتها العقابية ضد مــصــر بسبب رفضها خطة التهجير القسري / الطوعي لأهلنا في غـزة وستكون ضربة مزدوجة رادعة للكيان الصهيوني ومثيرة لتردد الولايات المتحدة في المضي في مسلسل عقوبات آت .

4- بدء دراســـة مـــصـــريــة لإصدار قـــانون جديد للجمعيات والمنظمات غير الحكومية NGO الأجنبية والمصرية العاملة أو التي تريد العمل في مصر بحيث يكون يقوم فريق منتخب بهذه الدراسة يضم علماء إجتماع وخبراء في مجال الصحة العامة والوقائية ورجال دين وأمنيون وعسكريون وبحيث يحقق مثل هذا القانون الفائدة للمجتمع المصري وصيانته وتأمينه ولا يكون مرجعه إلا المصلحة الوطنية فلا مرجعيات الأمم المتحدة تصلح ولا المعايير الأوروبية والأمريكية تلزم المشرع المصري والإعلان عن إصدار هذا القانون سيعد أحد السبل المصرية للرد السياسي علي الولايات المتحدة في هذه المعركة إن بدأت .

ســـــيــــنــــاء :

مساحة سيناء تبلغ حوالي 61 كم مربع وهي مساحة أكبر من غـــزة التي تبلغ مساحتها حوالي 56 كم مربع كما أن مساحة سيناء أكبرمن ضعف مساحة الــكـــيــان الــصــهـــيــوني البالغة ما بين 20 و22 ألف كم مربع لكن سيناء يقطنها عدد قليل من السكان لا يتجاوز 300 ألف نسمة علي أقصي تقديرمما يجعلها واحدة من أكثر الأماكن ندرة بالسكان في المنطقة  .

ســـيـــنـــاء تـــنــقــســـم إلي محافظتين هـمـا (1) محافظة شــــمــال ســيــنــاء / وتقع في الشمال الشرقي لجمهورية مصر العربية ويحدها شمالاً البحر المتوسط بطول 220 كم وجنوباً محافظة جنوب سـيـنـاء وغرباً محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وشرقاً الحدود الدولية مع فلسطين المُحتلة وتبلغ مساحة محافظة شمال سيناء نحو 27,6ألف كم مربع ويبلغ عدد سكانها التقديري في يناير2001 حوالي 280 ألف نسمة وتضم 6 مراكزبست مدن و82 وحدة محلية قرويةو458 تجمعاً بدوياً وتعتبر شمال سيناء مخزناً هائلاً للثروات المعدنية فيتوافر فيها الرخام ورمل السيليكون والحجر الجيري والطفلة  والرمال الصفراء والدولوميت والتربة الزلطية والفحم بمنطقة المغرة والرمال السوداء وملح الطعام والكبريت والغاز الطبيعي بشرق العريش وتعتمد الزراعة علي المطر وتقدر مساحة الأراضي الزراعية بنحو 132 ألف فدان معظمها بدلتا وادي العريش . (2) محافظة جنوب ســيــناء / تقع في النصف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء وهي عبارة عن مثلث قاعدته الشمالية بئر طـــابــأ علي خليج العقبة شـرقـاً حتي رأس مسلة علي خليج السويس غــربـاً وضلعاه علي إمتداد خليجي العقبة والسويس حتي يلتقيان في رأس محمد جنوباً وبلغ عدد السكان بها 60 ألف نسمة فيما تبلغ المساحة الكلية للمحافظة 31272 كم مربع ويغلب علي مساحتها الجبال التي تتوسطها والتي يصل إرتفاعها إلي 2639 م في جبل سانت كاترين وتنقسم المحافظة إدارياً إلي 5 مراكز و8 مدن و9 وحدة محلية قروية و9 قري تابعة بالإضافة إلي 74 تجمع بدوي وتعتبر هذا المحافظة محافظة سياحية بإمتيازوتنتج 20% من إنتاج مــصـــر من البترولبالإضافة إلي خامات تعدينية مختلفة .

دأبت السلطات المصرية في عهد الإحتلال تدريس كتب الجغرافيا للتلاميذ المصريين بدون أي إشارة لـــسيـــنــاء وبعد إستقلال مــصــر عن بريطانيا في 22 فبراير1921 ظلت مناهج التعليم خالية من الإشارة لسيناء بل إن مؤلفاً لكتاب عن بحيرات مـــصــر وضعه اللواء عبد المنصف محمود نُشر عام1967 لم يتضمن بحيرة البردويــل رغم أنها من كبري بحيرات مصر وتقع حالياً في محافظة شمال سيناء كما أن الصحفي الناصري والمدافع الفريد عن معبد الناصرية الخرب في مصر ويدعي محمد حسنين هيكل درج علي إستخدام مصطلح : ” صـــحـــراء ســيـــناء” بدلاً من شبه جزيرة سيناء وذلك في معظم كتبه ومقالاته الإسبوعية في صحيفة الأهرام في فترة الستينات ونصف عقد السبعينات كـــنـــاية عن كونها أرضاً صحراوية / حدودية لا يطأها المواطن المصري إلا بتصريح خـــاص من ” الحاكم العسكري ” والأهم والأقصي خطورة أن المشروع القومي لتنمية سيناء الذي أصدرت هيئة الإستعلامات المصرية الحكومية بشأنه كتاباً رسمياً وشرعت الحكومة المصرية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات لتنفيذه فعلاً توقف بقرار من الرئيس حسني مبارك الذي حول تميله إلي مشروع فاشل في أقصي جنوب وادي نهر النيل هو مشروع “توشكي” توقف هو الآخر لكن هذه المرة بسبب فشله والصعوبات التي حالت بينه وبين النجاح في أواخر عهد مبارك .

الــمشــروع القــومـــي لـــتـــنـــمـــيـة ســـيـــنــاء :

كانت النتيجة الـــحـــتـمــيــة لحذف سيناء من مناهج التعليم ومشروعات الحكومة وإهتمام المسؤلين والإعلام بها أن ســــيـــنــاء طُمـــرت في أعـــماق لا وعــي المــواطــن المــصري والأجدر لخطورة وأهمية مـــوقــعــهـا أن تكون في بـــؤرة وعـــيــه ,  إن القيمة الحقيقية لـــســـيـناء ليست في موقعها الجغرافي علي أهميته ولا فيما هو في باطن أرضها علي ثراءه ولا في إطلالتها علي شـــرق المتوسط وإنما في كـــونـــهــا خـــط الدفاع الأول بل والأخـــيرعن مصر وتشير صفحات التاريخ الحديث لمصر بدءاً من نهاية أكتوبر1956 إبان العدوان الثلاثي علي مصر أن مــــصـــر لم تع أو تتعلم شيئاً من هذه الصفحات فقد إســـتطاع الكيان الصهيوني تحقيق معظم ما طـــمــح إلي تحقيقة من إحتلاله لشبه جزيرة سيناء في أكتوبر1956 وبعض هذه الطموحات تحقق في الأمد القصير وبعضها تحقق بالصبر الصهيوني الإستراتيجي علي الأمد الطويل أثناء خطب الزعيم جمال عبد الناصر وكانت مجموعة الطموحات الصهيونية تتضمن :

  • – إنهاء حالة الحــرب وما يعنيه ذلك من الإعتراف بالكيان الصهيوني كدولة .
  • – حـــرية المــرور في الممرات البحرية الدولية أي في خليجي العقبة وخليج السويس وبينهما قناة السويس .
  • – إعتبار إتفاقيات الهدنــة كـــان لـم تـكـن .
  • -عقد معاهدة صـــلــح بعد عملية تفاوضية مباشرة (أو بالتمرير) .
  • – إنــهــاء المقاطعة الإقتصادية . (إلغاء مكاتب المقاطعة العربية)

لم يتحقق الإنسحاب العسكري من أرض سيناء بمكانة عبد الناصر ولا خطبه الحماسيـة ولا إلتفاف الجماهيير المصرية حوله فهذه الجماهيير للأسف ظلت منذ توليه السلطة رسمياً في القاهرة عام  جماهيير مدجنة ولا تصلح لأن تكون قوة ضاغطة  يخشاها الصهاينة إلا علي سبيل حالات  إستثنائية لمصريين نجوا بوطنيتهم من براثن زعامة ديماجوجية كزعامة عبد الناصر 1954فالإنسحاب العسكري الصهيوني حدث لأنه في 7 نوفمبر1956 وجه الرئيس الأمريكي داويت إيزانهاور رسالة إلي رئيس وزراء الكيان الصهيوني بن جوريون يطلب من الأخير الإمتثال لقرار الجمعية العامة بالإنسحاب لما وراء خط الهدنة العام وأشار ايزنهاور إلي أن الولايات المتحدة قدمته الولايات المتحدة ولقي تأييداً شاملاً في الجمعية العامة مما أدي إلي الخضوع الصهيوني لبدء الإنسحاب ورد  امين عام الأمم المتحدة داج همرشولد علي مصر في 21ديسمبر1956 بأن  القوات الصهيونية ستنسحب علي مرحلتين المرحلة الاولي حتي الأسبوع الأول من يناير1957 والمرحلة الثانية في موعد غير مُعين وتلكأ الصهاينة بالطبع في إنسحابهم من قــطــاع غــــزة وفي 20 فبراير 1957 وجه الرئيس الأمريكي خطاباً مُشابها لخطابه السابق إلي بن جوريون أشار فيه إلي أنه يعلق أهمية قصوي علي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإنهاء الأعمال العدائية في 2 نوفمبر1956إلي أن أعلنت جولدا مائير وزيرة الخارجية في الجمعية العامة في أول مارس1957أن الكيان الصهيوني علي إستعداد للإنسحابمن قطاع غزة ومنطقة شرم الشيخواكدت الولايات المتحدة أن مستقب قطاع غزة يجب أن يتحدد في إطار إـفاقية الهدنة وفي 7 مارس 1957 إنسحب الجيش الصهيوني من قطاع غــزة ودخلت قوات الطوارئ الدولية منطقة شرم الشيخ وأقتنص الكيان الصهيوني حق المرور في مضيق تيران وفي 12 مارس 1957 تسلمت مصر قطاع غزة وباستخدام جهازه الدعائي إستطاع عبد الناصر خداع الجماهيير المصرية وإقناع أغلب قطاعات الشعب المصري أن مصر لم تنهزم في حرب 1956 بل إنها حققت نصراً سياسياً واخفي القاعدة الصلبة التي يعترف بها المجتمع الدولي وهي أن الحروب تقف وبعدها يبدأ الفعل السياسي الذي يعمل بناء علي ما حققته الحرب علي الأرض وهو قد إنسحبت قواته إلي غرب قناة السويس حتي قبل أن يبدأ القتال مع الجيش الصهيوني مما أتاح شبه جزيرة سيناء وفتح باب غزوها بيسر من قبل الكيان الصهيوني الذي لم قد مضي علي تأسيس جيشه سوي ثماني سنوات ومع ذلك هزم الجيش المصري بدون قتال تقريباً وهو نفس الجيش الذي دخل به عبد الناصر حرب 5 يونيو 1967 فكانت الهزيمة المحققة هي النتيجة الحتمية التي تحملتها مصر حتي إنتصرت في 6 أكتوبر1973 بجيش فريد في عقيدته القتالية وتنظيمه وحرفية قياداته .

ســـيـــنـــاء ليست صحراء جرداء كما حاول البعض في مـــصـــر أن يوحي للشعب بهذا بل هي نطاق جغرافي متنوع يجمع بين الإقتصاد الزراعي والبحري والسياحي المُدر للعملة الصعبة التي تضيف إلي موارد الدولة إن كانت واعية لإقتصاديات المشروعات المختلفة في الـ60 ألف كم مربع لـــســيــناء ولهذا كان مقدراً النهوض بتنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء المشروع القومي لتنمية سيناء في عهد الرئيس الراحل السادات فقد بدأ التفكير في هذا المشروع قبل إتمام الإنسحاب الإسرائيلي من سيناء في 25 أبريل 1982 , فقبل هذا الإنسحاب قامت السلطات الإسرائيلية بتدمير مدينة (مستوطنة) ياميت بشمال سيناء وطال التدمير مرافقها من خزانات مياه وشبكات كهرباء , وقد أشار محافظ شمال سيناء الأسبق اللواء / أحمد عبد الحميد أن التخطيط المصري الشامل فيما يتعلق بسيناء كان علي مراحل رئيسية بدأت المرحلة الأولي منها عام 1979 حيث تم وضع خطة العودة بتوفير الخدمات والمرافق والسلع للسكان العاديين وإعادة توطين المُهجرين , وبدأت المرحلة الثانية عام 1982 عند إنسحاب إسرائيل حيث تم مد مجموعة من الطرق وتوفير الخدمات وإزالة مظاهر العزلة وقبل الإنسحاب مباشرة اُتخذ قرار بإعادة رسم الخريطة الإدارية لسيناء بتقسيمها إلي محافظتين وضم أجزاء منها شرق قناة السويس إلي محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس في إطار خطة متكاملة لتركيز جهود التنمية لكل شبر في سيناء فصدر القرار الجمهوري رقم 84 لسنة 1979 بتقسيم شبه جزيرة سيناء إلي محافظتين محافظة شمال سيناء ويتعدادها 213 ألف نسمة ومحافظة جنوب سيناء وتعدادها 34 ألف نسمة ( المشروع القومي لتنمية سيناء – وزارة الإعلام . الهيئة العامة للإستعلامات . ابريل 1996 . صفحة 13)  ويضما 6 مراكز هي العريش ورفح والشيخ زويد وبئر العبد والحسنة ونخل و82 قرية و458 تابعاً , وفي المرحلة الثالثة بدأت الدولة في وضع الخطة الإستراتيجية الشاملة لتنمية شمال سيناء . ( الأهرام تحقيق بعنوان ” فجر التنمية يشرق في سيناء . 24 أبريل 2003 . صفحة 18)

أقر مجلس الوزراء المصري في 13 أكتوبر 1994 المشروع القومي لتنمية سيناء ونشر الإعلام المصري أن الرئيس مبارك أقر هذا المشروع في 14 أكتوبر 1994 , والذي أشار محافظ شمال سيناء إلي أنه يعتبر أول مشروع تنموي قومي لسيناء بهدف تحويلها لمنظومة تنموية مُتكاملة ضمن برنامج متكامل لتنمية سيناء من خلال إطار عام للمشروع يتحدد إجمالي التكلفة الإستثمارية له بحوالي 110,6 مليار جنيه لشمال سيناء منها 64 مليار جنيه لشمال سيناء و46,4 مليار جنيه لجنوبها وإجمالي سكان سيناء المُستهدفين بالتنمية حتي عام 2017 ومجموعهم يُقدر بـ 3,25 مليون نسمة بإجمالي فرص عمل التي تنتج عن هذا المشروع القومي تبلغ 837 فرصة عمل , طبعاً بالإضافة لتنمية الموارد الطبيعية وخاصة المائية والمساهمة في تحقيق التوازن السكاني علي مستوي الجمهورية من خلال جذب وتوطين ما يزيد عن 3 مليون مواطن مع تحقيق تنمية بشرية فعالة وتحقيق العدالة الإجتماعية . ( الأهرام 24 أبريل 2003 )

أشار علي حفظي محافظ سيناء الأسبق في الفترة من 1997 حتي 1999 إلي أنه وفي سبيل تحقيق المشروع القومي لتنمية سيناء فلابد من التعامل مع القطاعات والموارد بشكل متكامل وألا نتعامل مع قطاع أو نشاط علي حساب الآخر حتي نحقق أقصي جدوي إقتصادية للأنشطة ككل , فيما يتعلق بالمياه أشار قوله أنه من غير المعقول التركيز علي الزراعة في منطقة وسط سيناء في الوقت الذي تفتقر فيه تلك المنطقة إلي موارد مائية كافية حيث تتوافر المياه في هذه المنطقة علي أعماق تقترب من 1200 متر تحت سطح البحر وتبلغ تكلفة البئر الواحدة من مليون جنيه . ( المرجع السابق )

يري محافظ سيناء الأسبق / علي حفظي أن خريطة التنمية لسيناء يمكن تقسيمها لثلاثة محاور الأول يتضمن الشريط الساحلي من بالوظة إلي رفح مروراً ببئر العبد والعريش والشيخ زويد ويعتمد علي التنمية الزراعية بشكل رئيسي والمحور الثاني مجاله الجزء الأوسط من سيناء ويشمل الإسماعيلية فالعوجة مروراً بالحسنة وبغداد وتقوم تنميته أساساً علي النشاط الصناعي لتوافر الموارد التعدينية به , أما المحور الثالث فيبدأ من السويس حتي طابا ماراً بمنطقة التمد ونخل والنشاط السياحي عماد تنميته لأن به طريق الحج القديم كما أنه يربط الوادي وسيناء من خلال مينائي نويبع وطابا بالسعودية والأردن .( المرجع السابق)

يستهدف المشروع القومي لتنمية سيناء كما يقول محافظ سيناء الأسبق / محمد دسوقي الغاياتي في الفترة من 1996حتي 1997 , زراعة 400 ألف فدان منها 50 ألف فدان في سهل الطينة جنوبي بورسعيد و75 ألف فدان جنوبي مدينة القنطرة شرقي الإسماعيلية وهذا هو المخطط في المرحلة الأولي أما المرحلة الثانية من المشروع القومي فتشمل 70 ألف فدان في منطقة رابعة إضافة إلي 70 ألف فدان أخري في بئر العبد أما المرحلة الثالثة فهي تتركز في زراعة 135 ألف فدان في منطقة السر والوارير ليستوعب المشروع توطين 3,2 مليون مواطن من خلال إنشاء 45 قرية نموذجية حتي عام 2017 مع 11 منطقة صناعية أكد سيادته أنه لم يُنفذ منها شيئ حتي الآن , وبدوره أكد / اللواء منير شاش محافظ الأسبق لسيناء في الفترة من 1982 حتي 1996 أن مشروع تنمية سيناء تم إختزاله من مشروع قومي شامل قومي إلي مشروع لتوصيل ترعة السلام إلي سيناء فقط والتي تحولت في العديد من الأماكن التي وصلت إليها إلي مزارع سمكية وهو مُخالف لما خُطط له , وبالرغم من من الحاجة للتنمية الزراعية في سيناء إلا أنه لا يوجد بسيناء خبراء زراعة فالخبراء المختصون هناك هم خبراء ري وهناك سؤالان هما : لماذا تسلم وزارة الزراعة مشروع ترعة السلام لوزارة الري التي يقوم خبراؤها بالتخطيط وتوزيع الأراضي ؟ لماذا يغيب دور وزارة الزراعة بالرغم من كونه دوراً رئيسياً لقيام مجتمعات التنمية الزراعية  الحقيقية ؟.( المرجع السابق)

نسبت الحكومة المصرية كالعهد بها المشروع القومي لتنمية سيناء لرئيس الجمهورية / محمد حسني مبارك 1981- 2011 وهذا ليس صحيحاً بالمرة لكنها عادة فرعونية, فقد ذكرت الهيئة العامة للإستعلامات في مقدمة إصدارها المُعنون ” المشروع القومي لتنمية سيناء ” الصادر في أبريل 1996 أن الرئيس / مبارك ” حدد إستراتيجية جديدة متكاملة الملامح والأبعاد لمرحلة قادمة من العمل الوطني بقوله ” أنه آن الأوان لنبدأ ودون إبطاء في تنفيذ المشروع القومي لتنمية شبه جزيرة سيناء الذي يهدف إلي دمج سيناء في الكيان الأإقتصادي والإجتماعي لبقية الأقاليم المصرية من خلال برنامج طموح يركز علي زيادة العمران البشري والإرتقاء بمستوي الحياة في سيناء ”  .

وضعت الحكومة المصرية المشروع القومي لتنمية سيناء ضمن الخطة الخطة الخمسية الثالثة 1992 – 1997علي أن تنتهي آخر مراحله المتتالية عام 2017 , وقد أشار وزير التخطيط الإقتصادي في حديثه مع صحيفة الأهرام أن مشروع تنمية سيناء يعتمدعلي مياه ترعة السلام ( التي أُطلقت المياه فيها لأول مرة عام 1997)  خُصص له 3 مليارات جنيه  , كما خُصص لمشروع شمال غرب خليج السويس نحو 200 مليون جنيه ومشروع شرق بورسعيد 1,5 مليار جنيه في الخطة الخمسية الحالية 2007 ( صحيفة الأهرام 28 سبتمبر 2002) وبعد هذا التصريح بأسبوع أشار بأنه سيتم الإنتهاء خلال الخطة الخمسية الحالية 2002/ 2007 من تنفيذ أكثر من 95% من أعمال مشروع تنمية شمال سيناء , وأن الخطة خصصت للمشروع إستثمارات قدرها 3 مليارات جنيه منها 350 مليون جنيه إستثمارات العام الأول من الخطة وأن بنك الإستثمار القومي يقوم بتوفير 330 مليون جنيه منها ” ثم أوضح قوله ” إن إجمالي تكلفة هذا المشروع تبلغ نحو 6,8 مليار جنيه تم تنفيذ أعمال منها خلال الخطة الخمسية الرابعة 1997/2002 بما قيمته نحو 3,2 مليار جنيه والحكومة مُلتزمة بتوفير التمويل اللازم للمشروع حتي بعد تحويل جهاز تنمية سيناء إلي شركة قابضة بقرار جمهوري صدر في فبراير 2002 ”  .

حددت الحكومة أبعاد مشروع تنمية شمال سيناء بأنه سيرتكز علي الإستفادة من موقع سيناء المميز من خلال توطين مشروعات التخزين والتجميع وإعادة التصدير وما سيصاحب ذلك بالضرورة من تطوير للخدمات الملاحية والشحن والتفريغ والتغليف وإقامة المعارض الدولية , وكذلك الإستفادة من المشروع بتطوير النشاط الصناعي والإهتمام بالنشاط الزراعي بإنتاج المحاصيل التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه وأخيراً الإستفادة من النشاط السياحي , علي ان يكون ذلك أو يؤدي إلي دمج سيناء في الكيان الإقتصادي والإجتماعي لبقية الأقاليم المصرية من خلال إيجاد محور تنموي رئيسي يضم ثلاثة أقطاب رئيسية ( العريش – الطور – نويبع) مع وضع قطب مركزي في نخل التي تتوسط شبه الجزيرة , وضعاً في الإعتبار أن التنمية الشاملة لسيناء وهياكلها الإقتصادية تعتمد علي المحورين التنمويين الشمالي والغربي واللذان يضمان كلاً من قطاع العريش وخليج السويس ( محور العريش – الطور) فيما هناك أيضاً محور تنموي شرقي يتمثل في قطاع العقبة والذي يعتمد أساساً علي السياحة الدولية وأخيراً المحور التنموي الأوسط في قطاع نخل والذي من المفروض أن يُقام فيه وادي التكنولوجيا ومعاهد متخصصة ومراكز أبحاث ومركز للحج وسياحة السيارات والسفاري ألخ  .

فيما يتعلق بالجزء المتعلق بإرتباط المشروع القومي لتنمية لسيناء بالسياسة المائية لمصر فلأن هذا المشروع تضمن عملية تدعيم الإنتاج الزراعي والمساهمة في زيادة نسبة الإكتفاء الذاتي من الحاصلات الزراعية بالإضافة إلي توطين سكان سيناء الحاليين وإستيعاب 165 ألف فرصة عمل كان من الضروري العمل علي الإستخدام الأمثل للموارد المائية حيث يستهدف المشروع زيادة الرقعة الزراعية بمقدار 772 ألف فدان شاملة المساحات المُستهدف زراعتها بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل وتبلغ 250 ألف فدان بالإضافة إلي ما هو قائم ويُقدر بنحو 175 ألف فدان , وبناء علي ذلك حدد القائمين علي تخطيط المشروع القومي لتنمية سيناء في القطاع الزراعي وضع ثلاثة مشروعات مُستهدفة علي مدي نهايته عام 2017 لإستغلال مياه النيل المنقولة لتحقيق التوسع الزراعي بشبه جزيرة سيناء وهي  :

  • المشروع الأول : ويتضمن إستصلاح 400 ألف فدان بشمال سيناء إعتماداً علي مياه النيل عبر ترعة السلام بواسطة يسحارة عند كم 28 جنوب بورسعيد بطاقة 3 مليارات متر مكعب / عام , وقد خصصت خطة عامي 1995/1996 للمشروع القومي لتنمية سيناء لهذا المشروع إستثمارات بلغت 150 مليون جنيه
  • المشروع الثاني : يستهدف إستصلاح 77 ألف فدان بشرق قناة السويس من خلال نقل مياه النيل عبر سحارة الدفرسوار أسفل قناة السويس بطاقة 420 مليون متر مكعب/ عام .
  • المشروع الثالث : يستهدف إستصلاح 250 ألف فدان علي المدي الطويل بشرق قناة السويس بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل .

ويجدر بالذكر أن المشروعين الثاني والثالث كانت الحكومة قد أقدمت علي تنفيذع منذ خمسين عاماً خلت عندما بدأت المؤسسة العامة لتعمير الصحاري في تنفيذ مشروع شرق السويس والذي يمتد علي الضفة الشرقية من قناة السويس من شرق مدينة السويس جنوباً وحتي منتصف البر الشرقي ومن البحيرات المرة الكبري شمالاً بمساحة قدرها اربعين ألف فدان وبعد إنسحاب القوات الإسرائلية في أبريل 1982 أُستؤنف العمل بالمشروع وأُضيف إليه إمتداد من ناحيته الشمالية فيما أُطلق عليه ” مشروع إستصلاح شرق البحيرات المرة ومساحته 30 ألف فدان تصل بالمسطح الأخضر إلي شمال مدينة الإسماعيلية علي الضفة الشرقية من قناة السويس ويُروي هذا المشروع من خلال نقل مياه النيل عبر سحارة أسفل قناة السويس عند منطقة سرابيوم . ( الأهرام 27 أبريل 2002)

تُقدر الإستثمارات الإجمالية لتنفيذ هذه المشروعات بحوالي 7,7 مليار جنيه بالإضافة إلي 3,3 مليارات لمشروعات أعالي النيل , لكن هناك عمليات إستصلاح للأراضي تعتمد علي المياه المحلية وتتضمن الخطة ثلاثة مشروعات أساسية تبلغ تكلفتها الإجمالية 290 مليون جنيه وهي :

المشروع الأول : إستصلاح 7 الآف فدان علي المياه الجوفية بمناطق وسط سيناء بالمغارة والخرم وصدر حيطان والكونتلا وعريف الناقة والتمد ونخل والبروك .

المشروع الثاني : إستصلاح 8 الآف فدان علي المياه الجوفية بجنوب سيناء بوادي فيران والمالحة وسهل القاع وغرندل .

المشروع الثالث : إستصلاح 50 ألف فدان علي مياه السيول ويشمل إنشاء سدود للتخزين والإعاقة بمناطق وادي البروك والجيرافي والعريش و الجيريا والعقبة ووتير . ( المشروع القومي لتنمية سيناء . وزارة الإعلام . الهيئة العامة للإستعلامات . أبريل 1996 . صفحة 17 و19 و20 و29 و 30 و31 )

صرح اللواء / أحمد عبد الحميد لصحيفة الأهرام في أبريل 2002 أن المياه بدأت في التدفق لري أكثر من 400 ألف فدان علي ترعة الشيخ جابر في 5 مناطق بشمال سيناء و85 ألف فدان في منطقتي السرو والقوارير , وأنه تم الإنتهاء من تحديد كردونات القري التابعة لمركز بئر العبد والواقعة في نطاق الترعة وذلك للأراضي المُستصلحة في هذه المنطقة التي تبلغ 140 ألف فدان من أجل إستيعاب المواطنين بها  . (الأهرام 25 أبريل 2002)

أعلن وزير الري والموارد المائية في 29 أبريل 2003 أن وزارته قررت إنشاء 7 سدود و14 خزاناً أرضياً وبئرين إنتاجيتين في محافظتي سيناء بتكلفة 110 مليون جنيه  وذلك خلال خطة العام المالي الحالي وأوضحت الوزارة أن خطتها المستقبلية تشمل إنشاء 60 خزاناً أرضياً و20 سداً بتكلفة 90 مليون جنيه , وأوضح الوزير أن نسبة التنفيذ في مشروع تنمية شمال سيناء تتماشي مع البرنامج الزمني خاصة عملية إطلاق المياه في أراضي منطقتي سهل الطينة وجنوب القنطرة شرق حيث تمت الزراعات الإستصلاحية في مساحة 3 الآف فدان بالمحاصيل والخضر والفاكهة , مُضيفاً قوله أنه تم حفر 97 بئر للزراعة بالعريش والحسنة ونخل و17 بئر لمياه الشرب في مركزي الشيخ زويد ورفح بتكلفة 82 مليون جنيه وتنفيذ 7 سدود صغيرة لحجز المياه تكلفت 20 مليون جنيه و15 خزاناً أرضياً بتكلفة 3 ملايين جنيه بإجمالي إستثمارات 105 مليون جنيه وأنه سيتم خلال العام الحالي حفر 19 بئر جديدة وتجهيز 12 بئر أخري بتكلفة 10 ملايين جنيه . ( الأهرام 29 أبريل 2003)

فيما يتعلق بالمشروعات المُعتمدة علي المياه المنقولة من نهر النيل أشار وزير الموارد المائية في 26 أبريل 2002 أن العمل في مشروع إستزراع 620 ألف فدان غرب وشرق قناة السويس يسير بجدية تامة خاصة في سيناء لزراعة نحو 400 ألأف فدان في عدة مناطق عقب الإنتهاء من 95% من جملة الأعمال المطلوبة لهذا المشروع ( الأهرام 26أبريل 2002) , ثم وفي الإجتماع الوزاري المُوسع الذي رأسه الرئيس مبارك في 7 يوليو 2002 ” أت نسبة التنفيذ للمرحلة الأولي من مشروع تنمية سيناء والتي تشمل 220 ألف فدان غرب قناة السويس بلغت 100% بتكلفة 300 مليون جنيه , أما المرحلة الثانية للمشروع والتي تشمل 400 ألف فدان والتي تتكلف 465 مليون جنيه فنسبة تنفيذها بلغت 85%.( الأهرام 8 يوليو 2002)

كانت ترعة السلام هي العمود الفقري للتمية الزراعية لسيناء فهي ستعين علي زراعة نحو نصف مليون فدان من خلال إستثمار مبلغ 6,8 مليار جنيه مصري والتي وصف محافظ شمال سيناء اللواء / أحمد عبد الحميد مدها لسيناء بالضرورة الإقتصادية والإجتماعية والأمنية لري 135 ألف فدان بجانب 170 ألف فدان تتم زراعتها بواسطة المياه الجوفية و100 ألف فدان أخري تُزرع بمياه الأمطار , وأشار المحافظ أنه بوصول ترعة السلام فسيصبح مجموع الأراضي الممكن زراعتها بمحافظة شمال سيناء أكثر من 600 ألف فدان يمكن مضاعفتها بإستخدام تقنيات الري المُتطورة .

الوضع الإقتصادي المحيط بالمشاريع القومية  :

الواقع يشير إلي أن مشروع تنمية سيناء تم إختزاله بالفعل في ترعة السلام , ويؤكد ذلك أمور كثيرة من بينها مصاعب التمويل فلا يجب أن يغيب عن تقدير المرء للمشهد العام في مصر فيما يتعلق بالقدرة علي تنفيذ المشروعات القومية خاصة تنمية سيناء وتوشكي أولهما أن هذه المشروعات علي لائحة التنفيذ دفعة واحدة أو علي الأقل في أوقات وأعوام مالية متتابعة وهو ما يصطدم وبقوة مع أحد مبادئ الإدارة العلمية وهو محدودة القدرة علي الإدارة والتمويل معاً  span of management and finance وثانيهما العجز المُزمن في الموزانات العامة للدولة والذي أُشير إليه في مشروعات الموازنة العامة لسنوات متتالية , وقد أشار إلي ذلك تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات التي يمكن إيراد بعض مما ورد بها وتشير إلي صعوبة الوضع الإقتصادي طالما ظلت هذه المؤشرات متكررة في موازنات الدولة , وسأكتفي هنا ببعض مما أوضحه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في عرضه لملاحظات الجهاز عن الحسابات الختامية للعام المالي 2003/2004 (مضبطة الجلسة 49 لمجلس الشعب للفصل التشريعي التاسع – دور الإنعقاد العادي الأول – بتاريخ 2 أبريل 2006) كما يلي :

– أسفرت نتائج التنفيذ الفعلي للموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2003/ 2004 عن إستخدامات فعلية قدرها 164,9 مليار جنيه فيما بلغ المُحقق الفعلي للإيرادات 109,5 مليار جنيه بنقص قدره 55,4 مليار جنيه , وبإستقراء الحسابات الختامية للسنوات السابقة يتضح زيادة الفجوة بين الإستخدامات والإيرادات الفعلية عاماً بعد عام فكانت الفجوة السلبية عام 2000/ 2001 نحو 34,2 مليار جنيه أصبحت 45,3 مليار جنيه عام 2001/2002 ثم 52,1 مليار جنيه عام 2002/2003 .

– عدم تحقيق المُستهدف من الإيرادات وإستمرار النقص في الحصيلة الفعلية للإيرادات من الضرائب والجمارك وعناصر الإيرادات السيادية , فقد بلغ المُحقق الفعلي من الإيرادات 109,5 مليار جنيه بنقص 7 مليارات جنيه عن الربط الأصلي وبنحو 16,1 عن الربط المُعدل .

– أسفرت نتائج التنفيذ الفعلي للموازنة عن عجز كلي فعلي بلغ 55,4 مليار جنيه , وتم تمويل جزء منه بنحو 15,9 مليار جنيه من القروض والتسهيلات الإئتمانية الداخلية والخارجية ومن الأوعية الإدخارية .

– بلغ العجز الصافي للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2003 / 2004 نحو 39,5 مليار جنيه وقد تم تمويله بأذون وسندات علي الخزانة العامة ومن الجهاز المصرفي وأن هناك إتجاهاً مُتزايداً نحو العجز الصافي .

– بلغ إجمالي المديونية الخارجية لمصر نحو 29,9 مليار دولار أي ما يعادل 184,9 مليار جنيه .

– بلغ الدين العام الداخلي الحكومي 292,7 مليار جنيه عن العام المالي 2003/2004 تلتهم أعباء خدمته نحو ثلث إيرادات الموازنة العامة للدولة و إذا أضفنا له الدين الخارجي فسيكون مجموعه 609,5 مليار جنيه .

– شاب تنفيذ مشروعات الخطة مآخذ ومخالفات , وقد بلغت الإستخدامات الإستثمارية في الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2003/2004 نحو 22,8 مليار جنيه تمثل نحو 14% من إجمالي إستخدامات الموازنة العامة البالغة 164,9 مليار جنيه , وأنه قد تبين للجهاز تعثر تنفيذ بعض المشروعات بالخطة ويرجع ذلك أساساً إلي أمور عديدة ووزارة التخطيط ليست مسئولة ولكن المسئول الجهات المُنفذة للأسف الشديد علي مدي سبع سنوات نقول عدم كفاية الدراسات الأولية , وعدم كفاية دراسات الجدوي الإقتصادية وعدم كفاية الدراسات الخاصة بأبحاث التربة ومواصفات الأساسات .

– إتفاقيات المنح الخارجية بلغ عددها 162 إتفاقية قيمتها الإجمالية 8 مليار دولار تم سحب 6,7 مليار دولار منها أي أن هناك نقصاً من جانب الحكومة في كفاءة إستخدامها للمنح والقروض الخارجية .

من الواضح أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قد أشار إلي مشكلة ما تواجهه ما تسُمي بالمشروعات القومية التي ألمح إليها بقوله ” أنها تلك التي تتم علي مدي سبع سنوات مضت “, وذكر أن ذلك مرجعه عدم كفاية الدراسات الخاصة بالتربة وعدم كفاية دراسات الجدوي الإقتصادية , وكما سبق أن أشرت أن مشروع توشكي علي نحو خاص لم يُناقش بمجلس الشعب إلا بعد أن مضي عليه ثماني سنوات وأكثر فهو قد تقرر تنفيذه بقرار فوقي .

حظي مشروع توشكي بمباركة رئاسية وأحتفل القوم به إعلامياً أيما إحتفال فيما أنزوي المشروع القومي لتنمية سيناء في ركن مُظلم إعلامياً , إلا أنه في الواقع وعند إعداد الموازنة العامة للدولة نجد أمراً مغايراً فالمشروعين بدرجة أو بأخري مُتعثران لكن لكل مشروع أسباب مختلفة عن الآخر لتعثره , فبالرغم من أنه ليس هناك ثمة شك في أن المشروعات القومية خاصة توشكي وتنمية سيناء يمثلان مرحلة من مراحل إستراتيجية الحفاظ علي إبقاء مصر قوية , وأنه لهذا يمكن أن نضعهما في صدارة نظرية الأمن القومي لمصر , لكن ولتقييم صارم عادل لصحة هذه الرؤية , علينا تنحية العبارات والمعلومات الوصفية جانباً وإستبدالهما باللغة الأكثر حدة وإنضباطاً أعني لغة الأرقام فقد أعلن وزير التخطيط في يوليو 2002 أن الخطة الجديدة 2002/2003 تستهدف رفع حجم الإستثمارات إلي 73 مليار جنيه للحكومة والقطاع الخاص , وأنه يتوقع زيادة الإستثمارات الحكومية في بداية هذه الخطة إلي 30 مليار جنيه مقابل 20,8 مليار جنيه العام الماضي مُوضحاً أن الإستثمارات الموجهة إلي قطاعات الزراعة وإستصلاح الأراضي والري تبلغ حوالي 4,1 مليار جنيه ( صحيفة الجمهورية 4 يوليو2002) , لكننا نجد أن الأمر ليس علي هذا النحو حين نستعرض الجدول رقم (1) الخاص بتوزيع الإنفاق العام علي قطاعات الموازنة العامة في الحساب الختامي لعام 2003/2004 نجد أن الإجمالي العام للإنفاق بلغ 164884,2 مليون جنيه , خُصص من هذا المبلغ ما نسبته 2,3% أي مبلغ 3865,3 مليار جنيه علي الموارد المائية والري , فيما نجد مثلاً بند الخدمات الرئاسية مُخصص له ما نسبته 2,7% أي مبلغ 4451,5 مليار جنيه ,(الفصل التشريعي 9 – دور الإنعقاد العادي الأول- مضبطة الجلسة 49 .بتاريخ 2 أبريل 2006) وبغض النظر عن القدرة علي تشريح المبلغ الذي خُصص للرئاسة فإنه في كل الأحوال لا منطق يسنده ليكون المبلغ المُخصص للخدمات الرئاسية مساوياً بل يزيد عن ما تم تخصيصه للري والموارد المائية خاصة فنظرة لللجدول رقم (1) ستفتح الباب علي مصراعيه لرؤية مفارقات متعددة تؤكد ذلك بل وستقود المتأمل للفجوة ما بين التصريحات الحكومية والواقع المُعاش وذلك بالضبط أحد نقاط ضعف نظرية الأمن القومي حيث أن الحكومة لا تكترث بالرأي العام بل تكاد لا تعترف به وإلا لما رأينا هذا الكم الهائل من التناقضات بالموازنة العامة للدولة سنوياً   .

بالرغم من المعلومات التي أوردها بعض نواب مجلس الشعب عن تعثر وربما توقف مشروع توشكي إلا أننا نجد مع ذلك أن مشروع توشكي مضي قدماً ففي تقرير لجنة الزراعة والري عن مشروع خطة التنمية الإقتصادية والإجتماعية لعام 2008/2009 ورد به أن المُقترح الذي تقدمت به وزارة الري والموارد المائية لمشروع الموازنة عن هذا العام قدره 6,061 مليار جنيه بينما ورد بالموازنة مبلغ 3,914 مليار جنيه أي بتخفيض 2,147 مليار جنيه بنسبة 36% , وتقديراً للتوجهات العامة للدولة إكتفت وزارة الموارد المائية والري بمتطلباتها الحتمية فقط والبالغة 4,833 مليار جنيه منها مبلغ 499 مليون جنيه تتبع وزارة التنمية الإقتصادية (باب 6) مطلوبة بصفة حتمية لتمويل الخطة الإستثمارية للوزارة لإمكان تنفيذ المشروعات القائمة , وعليه نجد في شأن مشروع تنمية الوادي (توشكي) أن إجمالي ما أقترحته وزارة الموارد المائية له كان 120 مليون جنيه فيما إقترحت وزارة التنمية الإقتصادية مبلغ 27,5 مليون جنيه أي أن مقدار العجز كان 92,05 مليون جنيه وهي مبالغ مطلوبة لإستكمال الأعمال الصناعية وعمليات إنشاء المآخذ المتعددة والسحارة أسفل قناة مفيض توشكي ,  كما نجد في شأن مشروع تنمية شمال سيناء أن المقترح الحتمي الذي تقدمت به وزارة الموارد المائية كان مبلغ 175 مليون جنيه فيما كان مقترح وزارة التنمية الإقتصادية بمبلغ 125 مليون جنيه أي بعجز قدره 50 مليون جنيه , وهي إستثمارات مطلوبة لتنفيذ أعمال الإستكمالات للعقود القائمة والأعمال التي تم إعادة طرحها , وكذلك السير في أعمال الإستصلاح والإستزراع بالمناطق التي تم الإنتهاء من أعمال التنفيذ بها .(مضبطة الجلسة التاسعة بعد المائة للفصل التشريعي التاسع بدورالإنعقاد العادي الثالث . بتاريخ 2 يونيو  . 2008)

تعرض مشروع توشكي لهجوم وإنتقاد حادين عندما نوقش في جلسة لمجلس الشعب عُقدت في صباح يوم الإثنين 3 إبريل 2006 بناء علي تقديم خمسة وثمانون  طلب إحاطة من نواب المجلس إضافة إلي سؤال وإستجوابان من نواب آخرين لرئيس مجلس الوزراء ووزاء الموارد المائية والتخطيط والتنمية المحلية والزراعة وإستصلاح الأراضي عنوانها ” عدم تحقيق مشروع توشكي للمُستهدف منه ” , وستيتضح من العرض الآتي أن المشروع غلبت عليه النزعة السياسية لا الفنية وكان الدفاع عنه هو في نفس الوقت دفاع عن النظام السياسي برمته , فالمشروع يمكن إستنتاج إنخفاض بل تناقص جدواه من متابعة مشروع ” مفيض توشكي ” الذي جاء كأحد المنتجات العرضية By – product   لمشروع السد العالي , حيث انه لم يرد بخلد خبراء الري المصريين وقت أن وضعوا مشروع مفيض توشكي موضع التنفيذ أن يتجاوزوا محددات إقتصاديات المشروع , بمعني أن مشروع ” مفيض توشكي ” لم يتم تطويره ليحقق تنمية لجنوب الوادي وإنما إقتصر علي تحقيق الأهداف الثلاثة المُشار إليها آنفاً والتي لا علاقة لها  بإستصلاح أراض زراعية جديدة بل تغذية الخزان الجوفي بجنوب الوادي الجديد فحسب وبما يمكن من زيادة السحب منه لصالح التوسع الزراعي بالري من المياه الجوفية ليس إلا

لُوحظ التباطؤ في وتيرة تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء ومن بين المؤشرات علي ذلك ما أشار إليه  اللواء / منير شاش محافظ شمال سيناء الأسبق من أنه تم إختزال المشروع القومي لتنمية سيناء في ترعة السلام (والتي إنحرف تنفيذها بحيث لم تسر في المسار المُخطط لها بل إنحرفت لتقترب من الأراضي التي تتميز بدرجة أكبر من الملوحة ) , كما أن وزارة الموارد المائية والري أصدرت نشرة صادرة عن الجهاز التنفيذي بها لمشروع تنمية شمال سيناء بمعني أن التنمية لا تنسحب علي كل سيناء بل شمالها وفي هذا المنشور أشار الجهاز التنفيذي إلي أن المشروع يستهدف إقامة مجتمع زراعي جديد ومتطور علي مساحة 400 ألف فدان بأراضي شمال سيناء وجعل سيناء إمتداداً طبيعياً لوادي النيل وتقوية وتدعيم سياسة مصر الزراعية وجذب أعداد كبيرة من سكان الوادي الضيق للإقامة في سيناء , وأنه في سبيل ذلك قُدرت إحتياجات ري 620 ألف فدان بمشروع تنمية شمال سيناء من مياه النيل لتغذية ترعة السلام التي أفتتح الرئيس / مبارك سحارتها في 26 أكتوبر 1997 لتضخ كمية مياه قدرها  4,5 مليار متر مكعب / عام بتكلفة كلية قُدرت بمبلغ 5,742 مليار جنيه منها تمويل من الصندوق الكويتي للتنمية بما يعادل 655 مليون جنيه ومن الصندوق السعودي للتنمية بما يعادل 84 مليون جنيه مصري , ومما قيل في تبرير التباطؤ في تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء أن نظام مبارك أوقف مشروع تنمية سيناء عام 1997 وحول تمويله لمشروع طموح آخر وهو مشروع توشكي , يُضاف إلي ذلك أن وتيرة التناول الإعلامي بشأن مشروعي توشكي وتنمية سيناء إنخفضت فنجد مثلاً أن رئيس مجلس الوزراء د / عاطف عبيد عندما أدلي ببيان تفصيلي لحكومته أمام مجلس الشعب في 29 ديسمبر 2002 لم يذكرهما بالأسم وآثر أن يدخلهما في عبارة عامة ومقتضبة عندما قال ” أكملنا جميع المشروعات القومية الكبري وأصبحت جاهزة الآن للمشاركة في التنمية ” ثم أشار للقطاع الزراعي تحت عنوان موحي هو ” الإندماج في السوق الأوروبية “ حيث قال ما نصه : ” مصر لديها قطاع زراعي يتم تحديثه بشكل مستمر ويستطيع أن يوفر لأوروبا إحتياجاتها الموسمية من الخضر والفاكهة خاصة الأصناف التي تُنتج في ظروف طبيعية وخالية من إستخدام الكيماويات ” كما أشار بإقتضاب شديد في موضع آخر إلي أنه تمت إضافة مليون و50 ألف فدان دون أن يوضح كيف وأين ؟ لكن من المثير للحيرة الكاملة أن رئيس مجلس الوزراء يعلن بيقين أن المشروعات القومية ( ومنها توشكي وتنمية سيناء) إكتملت وأصبحت جاهزة للمشاركة في التنمية “, ثم نجد تصريحاً آخر أدلي به نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة وإستصلاح الأراضي د . يوسف والي في 29 ديسمبر 2002 وهونفس اليوم الذي أدلي فيه رئيس مجلس الوزراء ببيانه هذا لمجلس الشعب , حيث أشار د . والي  إلي ما نصه ” تبدأ وزارة الزراعة الأربعاء المقبل الإجراءات التنفيذية لإستصلاح وإستزراع نحو 3,4 مليون فدان وذلك خلال العشرين عاماً المقبلة وأن إستصلاح تلك المساحة سيتم من خلال المشروعات الكبري في كل من توشكي وشرق العوينات ودرب الأربعين ” ( الأهرام 29 ديسمبر 2002) ,  وهو كلام يتناقض مع الرد الذي أدلي به وزير الري والموارد المائية بمجلس الشعب وتضمنته مضبطة جلسة 3 أبريل 2006 حيث ذكر أن ” هذا المشروع لن يتم في سنوات قليلة ولكن تنمية 840 ألف فدان تزيد مساحتها علي مساحة محافظتين يأخذ سنوات طويلة ” فكيف يمكن فهم ما قاله رئيس الوزراء المصري في 29 ديسمبر 2002 من أن المشروعات القومية الكبري إكتملت وجاهزة للمشاركة في التنمية ؟ , هذه العبارة وحدها كفيلة بتأكيد ما ذكره بعض أعضاء مجلس الشعب عام 2006 من أن المشروع لم يكتمل ولم يحقق أي عائد علي ما أُنفق عليه .

تبنت الحكومة المصرية بالإضافة إلي مشروعي توشكي وتنمية سيناء المشروع الذي أُطلق عليه ” تنمية الساحل الشمالي الغربي وظهيره الصحراوي ” بإعتباره مشروعاً قومياً ” نطاقه تبلغ مساحته 287 ألف هكتار ويمتد من غرب الأسكندرية حتي الحدود المصرية / الليبية , لكن تنفيذه مرتبط بإزالة نحو 20 مليون لغم أرضي زُرعوا في المنطقة أثناء الحرب العالمية الثانية وقامت وتقوم مصر بجهود لإزالة ومحاولة الحصول علي الخرائط من الدول التي زرعتها ( بريطانيا / ألمانيا / أيطاليا) لكن للآن لم تتمكن مصر من تنظيف أراضيها بالرغم من أني عندما كنت سفيراً في أنجولا تابعت التعاون المثير للإعجاب للدول الغربية مع أنجولا لنزع الألغام الأرضية وتبلغ نحو 9 مليون لغم زرعها أطراف الحرب الأهلية الأنجولية ( فريق MPLA وفريق UNITA أساساً ) وهم أنجوليين , ومع ذلك تسعي الدول الغربية ومنها اليابان للتعاون مع أنجولا لنزعها فيما يتباطئون ويسوفون رغم مسئوليتهم المباشرة في الحالة المصرية , وأتعجب من إستسلام الحكومة المصرية من عدم تحمل دول الحلفاء والمحور لمسئوليتهم الجمنائية إزاء الأراضي المصرية ويمكن للحكومة المصرية أن تقاضيهم دولياً لكنها لا تفعل تاركة سؤالاً كبيراً مُحيراً .. ” لماذا” , وأنشأت الحكومة المصرية ما أسمته ” اللجنة القومية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي ” لإعداد تصور للتنمية “المُستقبلية” للمنطقة للتصدي للتحديات والمعوقات التي تواجه هذا المشروع ومنها تحدي الألغام , ومازال المشروع يراوح مكانه فقد عرضت مصر علي ليبيا في إطار الإعداد للجنة العليا المُشتركة في مايو 2002 بالقاهرة , لكن المسئولين الليبين أشاروا عند مفاتحتهم بشأنه أنه مشروع سياسي بإمتياز وأن ليبيا غير مُستعدة للمساهمة فيه في نفس الوقت الذي أرادوا تضمين مسألة توطين مصريين بمنطقة علي الحدود الليبية / التشادية وهي صحراء قاحلة وللأسف تم إدراجها في محضر اللجنة , بل وطلب الجانب الليبي – كما أشرت آنفاً – شراء الآف الأفدنة في منطقة وادي حلفا بين مصر والسودان لتوطين ليبيين فيها وأعترضت وقتها علي هذين الموضوعين ووجدت تجاوباً من السيد وزير الخارجية علي ما أشرت به , وعلي كل حال وبالرغم من أن ملف مشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي راكد في أرشيف وزارة التعاون الدولي لثمان سنوات , إلا أنه تم تنشيطه مؤخراً ومراجعته من أجل تحديث الخطة القومية لتنمية الساحل الشمالي الغربي2010- 2032 وتوطين ما يربو عن 6 مليون مصري , وفيما يتعلق بالجانب الزراعي منه فهو لا يعتمد علي مياه النيل بل علي الأمطار في النطاق الساحلي منه الممتد من منطقة الحمام شرقاً إلي السلوم غرباً ويحدها البحر المتوسط بعمق 70كم تقريباً ويحد خط تقسيم الأمطار هذه المنطقة ويمثل الخط الفاصل بين المواقع التي تنحدر فيها الأمطار شمالاً في إتجاه الساحل أو جنوباً في إتجاه منخفض القطارة , وقد أعلن وزير الموارد المائية والري أن بعثة البنك الدولي بحثت في إجتماعها مع خبراء الري المصريين في 17 أبريل 2002 وحتي 27 أبريل 2002 إنشاء فرع أو فرعين جديديدين من فروع نهر النيل يتم مدهما إلي أراضي غرب الدلتا وطريق مصر / الأسكندرية الصحراوي والساحل الشمالي الغربي لري نحو 400 ألف فدان منها 100 ألف فدان جديدة لحل مشاكل الري في مناطق غرب ترعة النصر , وأوضح الوزير أن هذه الإجتماعات ستنتهي بإعداد تقرير عن كيفية بدء الدراسات الفنية لبحث أركان المشروع المُتكامل والبدائل المطروحة والحلول المقترحة للمشروع الذي تنفذه الشركة القابضة للإستثمار في الأراضي الجديدة غرب الدلتا والساحل الشمالي والفرع الثالث من فروع قناة الشيخ زايد الرئيسية في توشكي وستستمر هذه الدراسات لنحو عامين ( الأهرام 18 أبريل 2002)

لكن هذا المشروع في التقدير كاشف لأمور كثيرة منها عدم التعمق في دراسته كحالة مشروع توشكي وعدم مراعاة أبسط قواعد الإدارة العلمية التي توجب علي حكومة منهكة تمويلياً ويعتبرعبء خدمة الدين العام الخارجي والداخلي ثقلاً عظيماً عليها , التريث وعدم الدخول في 3 مشاريع قومية في وقت واحد وإنتهاج التدرج للخروج من الأزمة التنموية المصرية , كما أن موقف الدول المانحة من قضية إزالة الألغام ولو من وجهة نظرهم قد يثبت وجهة نظر تقول أن تعجيز مصر سياسة غربية ممنهجة تخدم علي الأجل الطويل أمن إسرائيل الذي يشكل ركناً ركيناً في الإستراتيجية الغربية والأمريكية علي نحو خاص  كما يُلاحظ أنه في نفس الوقت الذي تسعي فيه الحكومة نحو تنفيذ هذا المشروع القومي وغيره بإستصلاح الأراضي فهي تعمد أيضاً إلي زيادة تركيز السكان في دلتا النيل فقد أعدت هيئة التخطيط العمراني مُخططاً لتنمية الساحل الشمالي للدلتا وليس الصحراء الغربية , يعتمد علي تقسيم المنطقة إلي ثلاثة قطاعات يتم تنمية كل منها بأسلوب متميز يعكس طبيعته ليكون مجتمعا عمرانيا جديداً تدخله مشروعات التعمير لأول مرة خاصة بعد الإنتهاء من تنفيذ الطريق الساحلي , ( صحيفة الأهرام 23 يونيو 2002)

أخيراً وتدليلاً علي أن المشروع القومي لتنمية سيناء لم يتحقق داخل إطاره الإستراتيجي المعروف بإعتباره تغيير ديموجرافيا أو تغييراً للكتلة السكانية السيناوية كماً وكيفاً بإضافة ما يربو عن 3 مليون مواطن للإستيطان داخل سيناء وفقاً لمعايير تنموية مُخططة , أضيف أن اللواء / أحمد عبد الحميد محافظ شمال سيناء الأسبق أشار في حديث صحفي في أبريل 2002 إلي أنه ” غير راض عن معدلات التوطين الحالية حيث يظل العدد أقل من طموحاتنا وهذا المعدل المتواضع سببه عوامل عديدة ترتبط بثقافة المواطن المصري أكثر من إرتباطها بعوامل وظروف الإقليم , بالإضافة إلي ان غالبية من يرغب في الإستقرار في سيناء يشترط أن يحصل علي المركز الجيد بديلاً عن موقعه المتواضع في الوادي وأن يحصل علي راتب لا يقل عن ضعف راتبه السابق قبل وصوله إلي هنا ” . ( الأهرام 25 أبريل 2002) , وقد شاركت في أحد إجتماعات لجنة الأمن القومي بمجلس الشوري عام 2002 وخُصص لمناقشة الأوضاع في غزة ولاحظت سيلاً من الإنتقادات التي أبداها أعضاء اللجنة وغالبيتهم من الحزب الوطني للتباطؤ المثير للشك في تنفيذ المشروع القومي لتنمية سيناء بإعتباره ذا صلة وثيقة بالعلاقات الإسرائيلية / المصرية في أحد قواسمها المُشتركة أي غزة خاصة وأن الأحداث المريرة كانت قد بدأت في التتابع بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر مع قطاع غزة ومحاولة مصر الإبتعاد عن هذه المشكلة وهو أمر كان أيضاً مثاراً للإنتقاد من أعضاء اللجنة في حينه.

أهم الضغوط التي دفعت مصر إلي تبني مشروعي توشكي وتنمية  ســـيــنـاء : 

1- الزيادة السكانية وثبات حصة مصر من مياه النيل :

بناء عن بيان تقديري للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن عدد سكان مصر عام 2012 يبلغ 81,395,541 مليون نسمة , فيما أشار بيان آخر للجهاز إلي أن عدد سكان مصر وفقاً لتعدادات رسمية سابقة كان عام 1947 18,967 مليون نسمة وفي عام 1960 بلغ 26,085 مليون نسمة وفي عام 1966 بلغ 30, 076 مليون نسمة , وفي عام 1976 بلغ 36,626 مليون نسمة وفي عام 1986 بلغ 48,254 مليون نسمة , وفي عام 1996 بلغ 59,313 مليون نسمة وأخيراً وفي تعداد عام 2006 بلغ عدد السكان 72,798 مليون نسمة , ( الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء . الكتاب الإحصائي السنوي. سبتمبر 2012)   وهو ما يعني أن الإتجاه السكاني صاعد دائماً وبوتيرة أعلي في التعدادين الأخيرين أي تعداد 1996 وتعداد 2006 , وعليه فإنه لاشك في أن الضغط الأكثر خطورة والمتنامي إزاء الإحتياجات المائية المصرية كان ومازال النمو السكاني المتزايد في مصر بنسبة لا تقل عن 2,1 % سنوياً مع ثبات حصتة مصر من مياه النيل والتي تبلغ وفقاً لإتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل الموقعة مع السودان في 8 نوفمبر 1959 نحو 55,5  مليار متر مكعب / عام , وهي إتفاقية لا تعترف بها دول حوض النيل مُجتمعة وخاصة دولتي المنابع إثيوبيا وأوغندا , كما أن الحكومات المتعاقبة في مصر تحول تحريك المعادلة الثلاثية الحرجة للسكان والمياه والأراضي الزراعية بتحييد أثرها الضار علي السكان في مصر من خلال عمليات إستصلاح الأراضي التي بلغت وفقاً للبيانات الرسمية  عام 2001 نحو 1,540,240 مليون فدان فيما أصبحت عام 2011 نحو 2,548,205 مليون فدان , أما الأراضي القديمة فكانت عام 2001 نحو 6,405,334 مليون فدان أصبحت عام 2011 نحو 6,07,219 مليون فدان(المرجع السابق) , ويشير تقرير صدر عن مجلس الشوري عام 2002 أن مساحة الأراضي الزراعية في مصر تبلغ 7,8 مليون فدان منها 6,4 مليون فدان داخل الزمام و1,2 مليون فدان أراضي الإستزراع خارج الزمام , بالإضافة إلي ذلك توجد مساحة من الأراضي البور والبرك تبلغ 1,8 مليون فدان ( صحيفة الأهرام الأول من نوفمبر 2002) ,  لذا فإن هذه المعادلة الثلاثية غير متوازنة محصلتها النهائية يُتوقع أن تكون سلبية   إلي الحد الذي دفع الحكومة المصرية دفعاً إلي تبني هذين المشروعين , وعليه مضت جهود وزارة الموارد المائية والري نحو إستحداث برامج لتوفير المياه اللازمة للمشروعات الجديدة من خلال مشروعات قومية أهمها ترعة السلام التي تحتاج سنوياً إلي 4,45 مليار متر مكعب  منها 2,11 مليار متر مكعب / عام من مياه النيل و2,34 مليار متر مكعب / عام من مياه الصرف الزراعي المُعاد إستخدامها , ومشروع توشكي الذي تُؤخذ مياهه من بحيرة ناصر مباشرة أي من حصة مصر من مياه النيل  .

بنت مصر سياسة الري علي المستوي القومي والتي تغطي الفترة من 1990 حتي 2017 لتحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري الذي ينمو ديموجرافياً بنسبة 2.1% سنوياً من خلال توفير المزيد من مياه النيل لري الأراضي المُستصلحة بالمشاريع القومية , وقد إفترضت وزارة الري ثبات العوامل السياسية المحيطة بقضية مياه النيل فمثلاً لم تضع في إعتبارها إنفصال جنوب السودان والذي أعلن إستقلاله في 9 يوليو2011 وبالتالي لم يعد من الممكن في الدي القصير والمتوسط علي الأقل المضي في مشروعات أعالي النيل والحصول علي بعض من الزيادة في كميات من مياه النيل كانت مهدرة حيث كان مشروع قناة جونجلي سيرد منه 7 مليارم.م.ع ومشروع مشار سيرد منه 4 مليارم.م.ع ومشروع بحر الغزال 7 مليارم.م.ع أي أن هذه المشروعات الثلاث كانت سينتج عنها 18 مليار م.م.ع تقريبا تتقاسمها مصر والسودان , أما الآن فجنوب السودان ليس لديه لا الدافع ولا القدرة المالية لتنفيذ هذه المشروعات أو واحداً منها هذا بإفتراضعدم إعتراضه عليها , كما أن سياسة الري المصرية لم تضع  مشروعات الري الإثيوبية في الإعتبار وفوجئت بالإعلان عن سد النهضة في يناير 2011 , وهذه الظروف بطبيعة الحال وضعت مانعاً أمام سياسة الري المصرية بشكل قد يؤدي إلي مزيد من الأإنخفاض في نصيب الفرد في مصر من المياه الذي كان وفقاً لبيانات وزارة الأشغال العامة والموارد المائية يبلغ عام 1996 نحو 936 متر مكعب سنوياً وهو أقل من الموصي به عالمياً وهو 1000 متر مكعب سنوياً فيما أشارت بيانات الوزارة إلي أن نصيب الفرد المصري عام 2025 سيبلغ 582 متر مكعب سنوياً , وهو ما سيكون أقل من ذلك بالتأكيد لأن ما كانت تفترضه الوزارة من زيادة نتيجة مشروعات أعالي النيل لم يعد متاحاً كما ان سد النهضة وأثره السلبي المُحتمل علي الوارد من مياه النيل لمصر  سيؤثر بالخفض في حصة مصر من مياه النيل , ولهذا كان من المحتم علي مصر المضي في سبل غاية في الصعوبة ونتائجها المتوقعة غير واضحة أو يقينية بتبني مشروع توشكي .

2- تصاعد الخلافات القانونية بين مصر ودول حوض النيل :

تبلورت معارضة جماعية (عدا جنوب السودان – حتي الآن – والسودان) من دول حوض النيل للموقف المصري من قضية مياه النيل , ومن ثم أصبح من المشكوك فيه من قبل مصر أن يكون هناك تعاون علي اي مستوي بل حتي داخل منظومة مبادرة الرؤية المشتركة التي أنسحبت منها ثم عادت وبالتالي لم يكن مثلاً من الممكن لمصر الإتفاق مع أوغندا علي مشروعات بمنطقة البحيرات , وقد وكانت هذه المعارضة فيما سبق منفردة لكنها أصبحت جماعية بعد ان  صيغت فيما عُرف بإتفاق الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون بين دول حوض النيل والذي بُدأ العمل علي صياغته من خلال مجموعة من الخبراء بواقع ثلاثة خبراء من كل دولة , ثم تطور أمر الصياغة عندما عهد مجلس وزراء دول حوض النيل في إجتماعه العادي الثامن بالخرطوم في أغسطس 2000 للجنة إنتقالية من عضوين من كل دولة من دول حوض النيل لإعداد نص مشروع الإطار لدول الحوض وقدمت اللجنة بعد ذلك تقريرها للمجلس عام 2001 , وقرر المجلس في فبراير 2002 تشكيل لجنة تضم دول حوض النيل التسع للتفاوض حول مواد الإتفاق الإطاري غير المُتفق عليها للوصول لصيغة مقبولة , وشكلت هذه اللجنة عام 2003 إلي ان إجتمعت في أديس أبابا في ديسمبر 2003 وعقدت سبع إجتماعات آخرها إجتماع أوغندا في ديسمبر 2005 والذي تمكنت فيه من إنهاء أغلب عناصر الإتفاق الجديد , حيث تحفظت مصر والسودان علي مادتين هما علاقة هذا الإتفاق بالإتفاقيات الحالية حيث رأت مصر والسودان أن الإتفاق الجديد لا يؤثر من الوجهة القانونية علي الإتفاقيات الحالية والمادة الثانية كانت مادة الإخطار المُسبق للمشروعات التي تنوي أي دولة تنفيذها علي النيل , ثم وفي إجتماع للمجلس الوزاري غير العادي في مارس 2006 بإثيوبيا تقدم البنك الدولي بإقتراح بشأن الأمن المائي بدلاً من التعريف المُتعلق بالإتفاقيات القائمة , لكن الإجتماع أخفق في التوصل لتوافق آراء لإصرار مصر علي تضمين مقترح البنك الدولي جزئية ” عدم المساس بالإستخدامات والحقوق الحالية ” , ثم وفي إجتماع المجلس الوزاري في بوجمبورا ببوروندي في مايو 2006 نجحت مصر والسودان في إعداد نص خاص بهاتين المادتين قبلته كل دول الحوض فيما عدا إثيوبيا التي تحفظت  , وكان المشروع المصري السوداني للمادتين يقترح تضمين مادة الأمن المائي ما يضمن الإستخدامات والحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل وكذلك ضرورة الإخطار المُسبق  , ثم وفي إجتماع كيجالي برواندا في فبراير 2007 تراجعت دولتي المنابع  بشكل كامل عن موافقتها علي مقترح المادتين المُشار إليهما , وكان أن أسحب الوفدين المصري والسوداني من هذا الإجتماع ثم عادتا بعد أن أكد البنك الدولي أن المانحين لن يمولوا أي مشروعات لمبادرة الرؤية المشتركة دون دون موافقة مكتوبة من مصر والسودان ( كتب وزير التعاون الدولي المصري فيما بعد خطاب عام 2008 بالنيابة عن إثيوبيا والسودان يوافق فيه علي تمويل دولي لسد النهضة ) , وشكلت لجنة رباعية برئاسة أوغندا و تضم مصر والسودان وإثيوبيا لمحاولة التوصل لصيغة مقبولة من كل الأطراف لكنها لم تجد , وبدأت سلسلة من المحاولات للتوصل لحل توافقي بشأن هاتين المادتين في إجتماعات مختلفة كان آخرها الإجتماع الوزاري لدول حوض النيل في أديس أبابا يومي 26 و27 يونيو 2009 وجري فيه إستعراض لمواقف الدول النيلية الخمس التي وافقت علي توقيعها للإتفاق الإطاري بدون تضمينه المقترحين المصري / السوداني بشأن الحقوق التاريخية والأإخطار المسبق , أوضحت مصر أن توقيع خمس دول علي إتفاق غير مُكتمل لا يلزمها ويفرغ مبادرة حوض النيل من مضمونها , ثم بعد هذا الإجتماع وقعت بوروندي والكونجو الديموقراطية وصرح وزير المياه بجنوب السودان أن بلاده ستوقع علي الإتفاق في أقرب فرصة , ومازال الموقف المصري إزاء الإتفاق الإطاري للتعاون بين دول حوض النيل كما هو من الوجهة النظرية , لكن من الوجهة العملية فإن توقيع مصر والسودان وإثيوبيا في 23 مارس 2015 بالخرطوم علي وثيقة إعلان المبادي بشأن سد النهضة مع إثيوبيا والسودان ( وثلاثتهم في مصطلحات البنك الدول ومبادرة حوض النيل يمثلون كتلة النيل الشرقي)  أضاف بعداً جديداً لرؤية الإتفاق الإطاري الذي دأبت مصر والسودان علي رفضه ذلك أن  وثيقة إعلان المبادئ الثلاثية بشأن سد النهضة المُشار إليها تشبه إن لم تتطابق مع النص الإثيوبي الذي كانت مصر والسودان يرفضانه للإتفاق الإطاري الموقع من 7 دول نيلية فهي وإن كان عنوانها التعاون كالإتفاق الإطاري إلا أنها لم تحسم من خلال تعهد ما مسألة الإضرار بحصة مصر من مياه النيل وفقاً للمواثيق الدولية وأهمها المادة السابعة من معاهدة الأمم المتحدة لقانون الإستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997 والذي أصبح سارياً في أبريل 2014 التي يشير نصها إلي ” عدم التسبب في ضرر بالغ من جهة دول الأحباس العليا لدول الأحباس السفلي ” , وربما كان في توقيع وثيقة إعلان المبادئ تلك نهاية صيغت بشكل يتسم بالعمومية لإيقاف وليس لإنهاء الصراع المصري الإثيوبي علي مياه النيل , فقد كانت الدبلوماسية المصرية تتحرك وحتي وقت قريب قبل توقيع هذه الوثيقة للتصدي لتحركات بعض دول حوض النيل لاسيما إثيوبيا لإخراج الخلاف مع مصر من الإطارين الثنائي ومبادرة الرؤية المشتركة التي تضم عشر دول أفريقية , إلي الإطارين الأفريقي والدولي  وهي تحركات رأتها مصر سلبية من وجهة نظرها ولذلك ظلت الدبلوماسية المصرية تتابع بإهتمام وقلق هذه التحركات التي كان من بينها  ما حدث أثناء المشاورات التي جرت خلال الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في شأن المشروع الذي تقدمت به بوليفيا حول “الحق في المياه والمرافق الصحية ” , وكذلك ما حدث خلال المفاوضات في إطار مجموعة الـ77 والصين لصياغة التعديلات الخاصة بمشروع وثيقة ختامية لقمة الألفية الإنمائية التي كان مُقرراً إنعقادها في سبتمبر 2011 , فقد كانت مصر تتابع وتدرك أن دول حوض النيل المُوقعة علي الإتفاق الإطاري خاصة إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا تعمل علي إثارة قضية الموارد الطبيعية والمائية علي نحو خاص من الزاوايا القانونية والتنموية والبيئية في المحافل والمنظمات والمؤتمرات الإقليمية والدولية .

لم يكن الموقف الإثيوبي المُتصلب والمراوغ من قضية مياه النيل مفاجئاً لمصر بالمرة ففي مؤتمر بحثي دولي عُقد بالقاهرة في فبراير عام 2000 قال ممثل إثيوبيا فيه بوضوح أن إثيوبيا لا تعبأ بما يُسمي بالأمن المائي العربي , وأن لها الحق في إستخدام ” مياهها” المُتدفقة من النيل الأزرق كما تشاء , وهي لن تقبل أن تبقي للأبد مصدراً لـ 85% من مياه النيل ثم يكون نصيبها من هذه المياه 1% , كما أن اوغندا لم تتورع في أحد الإجتماعات الرسمية لتجمع ” تيكونيل” عن مطالبة مصر والسودان بدفع تعويضات مالية نظير قيامها بدور المخزن الطبيعي لمياه النيل في البحيرات الأغستوائية الواقعة في اراضيها  أي أن اوغندا تنظر للمياه علي أنها سلعة يمكن بيعها أو مقايضاتها . ( مجلة وجهات نظر .عدد 17 يونيو 2000 . صفحة 43) , وتروج إثيوبيا أن المشروعات المائية التي نفذتها مصر والسودان علي النيل تمت دون تشاور مع باقي دول حوض النيل وأن النظم السياسية التي تعاقبت علي حكم مصر إستخدمت نهر النيل إستخداماً سياسياً ( مقال بعنوان Development Projects being underway on Nile River by Ethiopia -Walta Information Center  – بتاريخ 18 يوليو 2011 – بقلم Zeray Hailemariam )

في الواقع إن الموقف الإثيوبي الذي تعضده الدول النيلية الست الأخري لا يعبر عنه فقط الإتفاق الإطاري بل والأمريكي أيضاً فالإدارة الأمريكية تري أن المياه سلعة حيوية ويُتوقع أن تتعرض لقانون الندرة ولهذا فإن الإقتسام العادل للمياه سيكون من المبادئ الأساسية في التعامل مع هذه السلعة , كما أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نشرت في أواخر عام 1993 تقريراً حدد عشر مناطق في العالم ستشهد صراعات / مواجهات بسبب المياه ومعظمها في الشرق الأوسط وحدد هذا التقرير 3 مستويات للخطورة أولها مناطق مرشحة للحرب بسبب المياه هي الأردن وفلسطين وإسرائيل وثانيها مناطق محفوفة بالمخاطر وقد تكون دائرة الخطر الفعلي وهي حوضا دجلة والفرات والخليج العربي , وثالثها مناطق توتر مائي مرشح للدخول في دائرة الخطر خلال 20 أو 25 عاماً وهي مصر والسودان (مجلة وجهات نظر .عدد 17 يونيو 2000 .صفحة 44) , كما أن صحيفة Herald Tribun  الأمريكية نجحت بمساعدة حكومية وبالتعاون مع الحكومة التركية عام 1997 في عقد مؤتمر عن ” مياه العالم ” في أسطنبول في سبتمبر 1997 شارك فيه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئات المعونة الأمريكية والأوروبية والكندية , وقد أقر هذا المؤتمر نموذج للسوق الدولية للمياه و أوصي بحشد الموارد لتمويل مشروعات المستقبل . ( المرجع السابق)

هناك وجه قد يجهله البعض ويدركه البعض الآخر لكنه ينكره بشأن الأزمة أو الصراع المرتقب علي مياه نهر النيل وهو أن الطلب علي مياه النيل من كافة دول الحوض بلا إستثناء تتزايد نتيجة للزيادة الطبيعية في عدد السكان ونتيجة للتطور السريع في تقنيات الزراعة والصناعات الزراعية بالإضافة إلي إرتفاع أسعار إستيراد الغذاء من الأسواق الخارجية , وبينما نجد ترجمة ذلك في تقدير زيادة إستهلاك المياه بدول الحوض مستقبلا حيث ستستهلك مصر 79 مليار م.م والسودان 48 م.م  وإثيوبيا 6 م.م ودول البحيرات 8,8م.م  بحيث سيكون مجمل إحتاجات دول الحوض من نهر النيل هو 142 م.م , فإننا أيضاً نجد أن دول حوض النيل الأخري تخطط لري 10 مليون هكتار تمثل ضعفي المساحة الحالية ولا يُتوقع إيجاد مياه كافية لريها ( دراسة بعنوان ” وسائل حصاد وإستثمار مياه الأمطار ” بورشة عمل”نحو إستراتيجيةوطنية للمياه في السودان ” . مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا . بالخرطوم . إعداد م. محمد فضل المولي . صفحة 4 ) ولذلك كان علي مصر التوجه لتنفيذ مشروع توشكي بالرغم من أوجه الإنتقاد الفنية والتمويلية والبيئية له , وأعتقد أن مصر – بدون أن تقصد – إستفزت إثيوبيا التي تفتقد الخبرات والعزم الذي تحوزه وتروض به نهر النيل الجامح وتستفيد من خيره وهو ما حدا بالحكومة الإثيوبية أن تعيد تساؤلاتها التاريخية وأهمها : إذا كانت إثيوبيا تملك منابع النيل ولا تستفيد منه إلا بمقدار 1% من موارده المائية , بل تستفيد منه مصر آخر وجهة لهذا النهر , فلم لا أتوجه لتنفيذ بعض من المشروعات الـ33 التي أقترحها مكتب إستصلاح الأراضي الأمريكي في ستينات القرن الماضي ؟ ولماذا تحتكر مصر السيطرة والفائدة من مياه النيل؟ إن الصراع علي مياه النيل في النهاية جزء من الوجه السلبي لصراع الحضارات في تقديري   .

3- إنفصال جنوب السودان :

لن أتناول علي وجه التعيين موقف مصر إزاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السودان 1955- 2005 ولا عن دور مصر المتراخي إزاء قضية جنوب السودان خلال مسيرة التفاوض بشأنها في محطاتها المختلفة التي إنتهت بتوقيع إتفاق السلام الشامل في كينيا عام 2005 , وهو الإتفاق الذي أنهي الحرب الأهلية ونص علي تنظيم إستفتاء في 9 يناير 2011 يُدعي إليه شعب جنوب السودان لتقرير مصيره الذي كان مع الإنفصال وإعلان الإستقلال في 9 يوليو 2011 , فالحديث عن هذين الموضوعين يتطلب كتاباً مستقلاً لذلك فسيكون هذا الحديث بقدر ما هو ضروري لبيان الفكرة الأساسية وهي اثر إنفصال جنوب السودان علي قضية مياه النيل بالنسبة لمصر فأثرها بالنسبة للسودان لا يمثل خطراً عظيماً كمصروإن كان السودان قد مُني أيضاً مع مصر بخسارة إيراد كان مُتوقعاً من مشروع حفر قناة جونجلي لا يقل عن تقاسم 4 مليار متر مكعب/سنوياً كانت تضيع سدي في الجنوب  . إن التمرد في جنوب السودان إشتعلت شرارته الأولي عام 1955 وإستمر بوتيرة متموجة وتصاعد في مستهل السبعينات إلي أن إستطاع الرئيس / جعفر نميري في عام 1972 إنهاء 17 عاماً من التمرد المُسلح بجنوب السودان علي الحكومة المركزية بالخرطوم من خلال توقيع إتفاقية أديس أبابا في فبراير 1972 والتي بمقتضاها أصبح للمديريات الجنوبية الثلاث حكومتها الإقليمية المُتمتعة بسلطات واسعة في جميع المجالات عدا الدفاع والخارجية والتخطيط الإقتصادي العام وتكون مجلس إقليمي للجنوب وأصبح القيادي الجنوبي / أبل ألير نائباً لرئيس جمهورية السودان ومهد الأتفاق لعودة 300,000 ألف جنوبي للجنوب وأُعيد توطين 800,000 ألف آخرين وتم إستيعاب 25,000 من أفراد قوة تمرد حركة أنانيا في الجيش والخدمات الحكومية لكن سرعان ما تدهور الوضع في الجنوب ثانية ففي أكتوبر 1974 وقعت إضطرابات خطيرة في جوبا نتيجة إشاعة مثيرة للإستغراب مفادها أن حفر قناة جونجلي التي تمر بمنطقة السدود بالجنوب سيتم توطين مليونين من المصريين بها , ومنذ ذلك الحين بدأ تذمر عدد قليل من أعضاء المجلس الإقليمي للجنوب يُعتقد أنهم علي صلة بأولئك الجنوبيين الذين لم يقبلوا قط إتفاقية أديس أبابا وكانوا خارج السودان , وفي هذه الأثناء أيضاً تم الإستغناء عن عدة الاف ممن أستُوعبوا في الخدمة المدنية وفقاً لإتفاق أديس أبابا نزح معظمهم للمدن وليس للزراعة فكانوا عنصراً ضاغطاً في الوقت الذي أصبح الجزء المُستوعب في القوات المسلحة السودانية عنصر تذمر في بعض الأحيان إلي رُفعت راية التمرد ثانية في باكوبو علي الحدود السودانية / الإثيوبية في 27 فبراير 1975 تبعها هروب بعض الجنود الجنوبيين المُستوعبين من التمرد سابقاً علي نطاق واسع من مدينة واو في فبراير 1976 .

كانت مصر بالرغم من إنخراطها في تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني مُدركة لمخاطر الإتجاه الجنوبي منها وكانت ترصد الدعم الغربي للتمرد والذي يستهدف في النهاية مصالحها المُشتركة مع السودانية لذا قامت بإتخاذ قرار يعد في تقديري قراراً مُعادلاً لقرار العبور لقناة السويس وتدمير خط بارليف أعني قرار توقيع إتفاق الدفاع المشترك مع السودان في 15 يوليو 1976 ( والتي جمدتها حكومة الصادق المهدي فيما بعد) وبدأ السودان يشعر مُجدداً بأن مصر ظهير يُعتمد عليه لذلك ولأسباب أخري إصدر الرئيس نميري في يونيو 1983 قراراً جمهورياً بتقسيم الجنوب لثلاثة أقاليم وبسبب ذلك أعلن / جون جارانج عن تأسيس الجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان بذراع سياسي أطلق عليه مُسمي “الحركة الشعبية لتحرير السودان” مُؤذناً بالموجة الرئيسية الثانية للتمرد واجهها الجيش السوداني إلي أن أطاح إنقلاب القوات المسلحة علي نظام نميري في أبريل 1985 وبادر نظام المشير / سوار الذهب بالإتصال بالتمرد الذي لم يتجاوب إلي ان تولي نظام مدني منتخب يقوده التجمع الوطني للإنقاذ فعقد إتفاقية للسلام مع التمرد في أديس أبابا في مارس 1986 “إتفاق كوكادوم ” ثم وبعد أن أطاحت القوات المسلحة السودانية بحكومة السيد / الصادق المهدي المُنتخبة في 30 يونيو 1989 ” ثورة الإنقاذ ” بدأت المواجهة العسكرية مرة أخري مع التمرد وبالرغم من الإنتصارات التي حققها الجيش السوداني علي التمرد فيما سُمي بصيف العبور في مستهل التسعينات , إلا أن الدعم الغربي والتدخلات الغربية ( ومنها جماعة SAINT EGIDIO)  بقيادة وتنسيق مع الولايات المتحدة وإنكفاء الظهير المصري علي نفسه وإنقطاع صلة الدول العربية ومعهم جامعتهم العربية بل وإنعدام فاعليتهم وفاعليتها في القضية السودانية دفع الحكومة السودانية للولوج إلي طريق التسوية التفاوضية مع التمرد فبدأت التفاوض مع حركة / جارانج في أديس أبابا في الفترة من 18 إلي 20 أغسطس 1989 ودُعي للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام بالخرطوم الذي شاركت فيه كل قطاعات الشعب السوداني لكنه لم يستجب ولم يرد علي برنامج الحكومة للسلام الذي تمخض عنه هذا المؤتمر , كما رفض جارانج لقاء الرئيس البشير أثناء زيارته في يونيو1990 لنيروبي بدعوة من الرئيس الكيني لتسهيل اللقاء بينهما , ومضت حكومة السودان إلي أبوجا(2) بناء علي ما تم التوصل إليه في أبوجا(1) وهو أن يتم التوصل للسلام في إطار سودان موحد ونظام فيدرالي , وبقدر ما كان الإنفصال مطلباً لقوي التمرد التي كانت تتربح من إستمرار الحرب الأهلية في جنوب السودان بقدر ما كان تعهداً بذلته حكومة الولايات المتحدة لدوائر الضغط في الولايات المتحدة وأولها جماعات الضغط الكنسية القوية وجماعات ما يُسمي بحقوق الإنسان ومعظم الــ THINK TANKS وجماعات الضغط العسكرية ممثلة في البنتاجون الذي أعلن في 6 /2/2007 عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM التي تعتبر دولة جنوب السودان من بين أهم مناطق عملها الميداني, وهو أمر لاشك يهم مصر بإعتبار أن جنوب السودان تقع في القلب من حوض النيل مناط التهديد الرئيسي و المضطرد لأمن مصر القومي , ولم يكن التمرد يتفاوض علي أجندة السلام بقدر ما كان يقترب بالتفاوض من تحقيق هدف الإنفصال فعندما يوجه أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين دعوة صريحة للرئيس / بيل كلينتون لتسليح الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة / جون جارانج  وإقامة مناطق محظور في سماءها الطيران السوداني الحكومي في جنوب وغرب السودان ( صحيفة الحياة .23 يونيو 1999. صفحة 5) ونجحت الولايات المتحدة فعلاً في إستصدار قرار من مجلس الأمن برقم 1070 يقضي بفرض الحظر الجوي علي السودان لكنه تعثر فدعت مُجدداً في 1999 إلي إتخاذ ما يلزم نحو إقامة مناطق محظورة علي الطيران الحكومي السوداني في جنوب السودان وجبال النوبة والإنجسنا بذريعة حماية المدنيين , فالإهتمام الأمريكي بعزل القدرات العسكرية للحكومة السوداني بدأ مبكراً ففي 16 يونيو1991 طرح هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية مبادرة قال أنها لتحريك جهود السلام في السودان  لكنها في الواقع تقترب من ذلك الهدف فقد تضمنت  إعلان جوبا مدينة مفتوحة وإنسحاب القوات الحكومية منها وتراجع قوات جارانج لمسافات معينة , وهو ما حدث فيما بعد بل تعداه بدعم الولايات المتحدة العسكري العلني في صورة معدات وأسلحة لحكومتي أوغندا وكينيا لتوفير مساندة لعناصر التمرد وإنشاء حواضن للتمرد الجنوبي بالمناطق الحدودية في كينيا وأوغندا مع جنوب السودان , ولذلك فإن الواقع يشير إلي أن التفاوض مع حكومة السودان لم يكن مع التمرد فالتمرد ومن يمثلونه علي موائد التفاوض كانوا مجرد واجهة للرأي العام العالمي فالولايات المتحدة الأمريكية عن طريق قناة الممثل الشخصي لرئيسها كانت تدير ما يعني التفاوض لكنه كان في الحقيقة التدخل الضاغط في إتجاه تحقيق التسوية السياسية لقضية الجنوب بإضافة بعد التدويل لها من باب إنتهاكات لحقوق الإنسان بتعيين الأمم المتحدة في تسعينات القرن الماضي لمقرر لحقوق الإنسان في السودان بل إن الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة وزع ورقة بعنوان ” نقاط للتحدث” علي الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن في 14 أبريل 1993 تدور حول الحالة في السودان ومكان من بين نقاطها إيلاء إهتمام أكبر للحالة الإنسانية المتدهورة بالسودان وإقتراح تعيين منسق أممي رفيع المستوي للإشراف علي العمليات الإنسانية بالسودان وإقتراح توسيع نطاق عمليات الأمم المتحدة الإنسانية هناك وقد رحبت الدول الخامس والأمين العام بذلك وإن أكدوا علي قصر مهمة المبعوث علي العمليات الإنسانية دون السياسية وسار مسلسل التفاوض بين حكومة السودان والتمرد في محطات مختلفة خارج السودان , وكانت مصر غير منخرطة فيها حتي كمراقب بل تابعتها عن كثب ليس أكثر , وكان هناك النذر اليسير من الإتصالات السودانية / المصرية لكنها غير كافية للقول بأن مصر كانت تخشي أو لا تخشي من مغبة المفاضات وأثرها علي أمنها القومي , فعُقدت جولتان للمفاوضات  في نيجيريا  أُطلق عليها أبوجا(1) التي كان يمثل التمرد فيها جناحين هما جناح الناصر المُنشق عن التيار الرئيسي الذي عُرف فيما بعد بجناح توريت ,  وعُقدت المفاوضات في الفترة من 26 مايو إلي 4 يونيو 1992 التي توحدت فيها فصائل التمرد الجنوبي وقادها وليم نون الرجل الثاني في جناح توريت , ومع هذا أعلن جارانج في مؤتمر صحفي بكمبالا أن نون تجاوز التفويض الممنوح له لينشق نون في جناح ثالث , ثم عُقدت أبوجا(2) في الفترة من الأول من مايو حتي 17 مايو 1993 لكنها فشلت حتي في إصدار بيان مُشترك للجانبين الجنوبي والسوداني الحكومي ,   وأظهرت مفاوضات أبوجا مدي صعوبة التوصل مع جون جارانج لتسوية , فقد أعتبره وفد الحكومة السودانية في مفاوضات أبوجا (2) في البيان الصحفي الذي أصدره عقب فشل أبوجا(2) بأنه العقبة الكبري في طريق السلام لأنه لا يلتزم بما يتوصلون إليه من نتائج وإتفاقيات كما أن جميع قادة وفوده للتفاوض إما يُساق بهم للسجن أوأنهم يعلنون الإنشقاق عنه ومنهم أروك طون أروك وألفريد لادو ولام أكول ووليم نون يانج ثم إنشقاق نائبه عضو القيادة الدائمة لحركة تحرير جنوب السودان وأحد مؤسسيها / ريك مشار , كما ان أجندة الحركة متغيرة دائماً مُضاف إلي ذلك تحالفه في مارس 1991 مع التجمع الوطني المعارض والمكون من أحزاب شمالية والتي كان يناصبها العداء مما أكد عدم جديته – من وجهة نظر حكومة السودان – خاصة أنه والأمريكيين معه كانوا يخاطبون الداخل الجنوبي والرأي العام الغربي بأن الشريعة الإسلامية والتمييز العرقي بين الشمال العربي المسلم والجنوب المسيحي الوثني هما سببان للصراع وبالتالي للإنفصال , وهو كلام مردود عليه فحركة التمرد بدأت في مايو 1983 وفق ما أعلنت بسبب قرار الرئيس نميري تقسيم الجنوب وليس الشريعة التي أُعلن النميري عن إعمالها في سبتمبر 1983 وهي علي كل حال لم تُطبق في الجنوب وهي بطبيعتها لا تتناول الأحوال الشخصية المسلمين , كما أن دستور السودان لعام 1998 أعطي وضعية خاصة للجنوب مُستثنياً أياها من تطبيق الشريعة .

كانت الحكومة السودانية تدير علي التوازي تفاوضاً في نيروبي مع الفصيل المُتحد للتمرد في الفترة من 10 إلي 25 مايو 1993 وهو الفصيل الذي أُعلن عن نشأته في مارس 1993 بين جناح الناصر ومجموعة وليم نون ومجموعة كاربينوا المنشقين جميعاً عن جارانج , وأستمر التفاوض معه في نيروبي ثم  في داخل السودان بفاشودة في مطلع أغسطس 1993وأفضت هذه المفاوضات إلي تحقيق فترة من السلام في ولاية أعالي النيل , بعد ذلك وفي إجتماعات الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة التصحر IGAD التي عُقدت في أديس أبابا في الفترة من 6 إلي 8 سبتمبر 1993 أبدي رؤساء كينيا وأوغندا وإثيوبيا وأرتريا إهتمامهم بتحقيق الإستقرار في السودان معربين عن عزمهم للمساهمة في تحريك جهود السلام في السودان خاصة بين الحكومة وجناح جارانج وتكونت لجنة رباعية رأسها الرئيس الكيني/ دانيال آراب موي لهذا الغرض وأستجاب السودان فأوفد د. علي الحاج رئيس وفدها لمفاوضات السلام لكينيا في 18 نوفمبر 1993 لتسليم الرئيس الكيني رسالة من نظيره السوداني تتعلق بتفصيلات طرح السودان بشأن حل مشكلة الجنوب وسلم رسالة أخري مماثلة للرئيس الأوغندي في 20 نوفمبر 1993 وكذا لرئيسي ارتريا وإثيوبيا ,وشكل السودان لجنة قومية لرعاية السلام في 14 يناير 1994 إدراكاً منه أن الحل سيكون سياسياً , وبالفعل بدأ مسار السلام يأخذ إتجاهاً متقدماً حيث تشابكت التدخلات بتشكيل ما يُسمي بأصدقاء IGAD مع إنتظام الجهود الأمريكية الضاغطة التي كانت تنفذ إلي المسألة السودانية من خلال ثلاثة قنوات رئيسية هي المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للسودان ثم الكونجرس الذي أصدر في 21أكتوبر 22002 “قانون السلام في السودان” الذي إستهدف ممارسة المزيد من الضغط بفرض عقوبات علي السودان بعد 6 أشهر من إنفاذ القانون مالم تقم الحكومة السودانية بالتفاوض بحسن نية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان  قبلت الحكومة السودانية ما سُمي بإعلان مبادئ IGAD والذي تضمن لأول مرة مبدأ تقرير المصير لشعب جنوب السودان والقناة الثالثة كانت مصر بالطبع وتركز العمل فيها علي تحييد الدور المصري تماماً وبالرغم من أحاديث مصرية متكررة مع الجانب الأمريكي عن مخاوف مصر من الإنفصال إلا أن الأمريكيين أكدوا للمسئوليين المصريين أن الولايات المتحدة لا تتبع في القضية السودانية نهج الإملاء مع دعمها لما تم التوصل إليه في إجتماعات الـ IGAD بطرح الأمر علي شعب الجنوب لتقرير مصيره وهو مالم تعارضه مصر بصفة عملية فأقتصر السلوك السياسي المصري تجاه إحتمال فصل الجنوب علي التعبير عن الخشية في الوقت الذي وصل إليه منسوب العلاقات مع السودان لأدني من الحد الأدني ,  بسبب تصاعد الضغوط علي السودان من حدب وصوب السودانية   وأدت إلي قبول الحكومة السودانية ما سُمي بإعلان مبادئ IGAD والذي تضمن لأول مرة مبدأ تقرير المصير لشعب جنوب السودان , وزاد الصدع في العلاقات بعد المحاولة الفاشلة لإغتيال الرئيس / مبارك في طريقه من مطار أديس أبابا للمشاركة في القمة الأفريقية هناك في 26 يونيو 1995 , مع تزايد الضغط الغربي والأمريكي علي نحو خاص علي السودان خاصة بعد أن عينت الإدارة الأمريكية مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي للسودان في 20 مايو 1994 بدون التشاور مع الحكومة السودانية , فوجد السودان نفسه يواجه حرباً غير متكافئة مع متمردي الجنوب المدعومين علناً من الإدارة الأمريكية , ولذلك لم يكن من المُستغرب أن تصيغ حكومة الخرطوم إتفاقاً وقعته في 21 أبريل 1997 مع ست فصائل جنوبية في إطار ما عُرف بعملية السلام من الداخل التي تقاطعت مع مفاوضات السلام في أبوجا (1) وأبوجا (2) وتضمن هذا الإتفاق لأول مرة نصاً عن خيار تقرير المصير , وكان هذا الإتفاق مفاجأة للقاهرة لدرجة أنه عندما أخبرت السفارة وزارة الخارجية بتلقيها دعوة لحضور حفل التوقيع تلقينا في السفارة رسالتين متتاليتين الأولي توجه القائم بالأعمال لحضور الإحتفال ثم رسالة أخري توجه بحضوري(الرجل الثاني بالسفارة) ولا أعرف للآن ما الفرق بينهما , لكن في الصباح تلقينا مكالمة هاتفية توجه بعدم المشاركة في الإحتفال وكان هذا هو الرد المنطقي وقتها لكنه الإرتباك , ومع ذلك لم تؤد هذه الإتفاقية التي أنشأت ما يُسمي بمجلس تنسيق الجنوب صدر بشأنه فيما بعد مرسوم دستوري , لم تؤد إلي وقف الصراع في الجنوب حيث واصل قائد الجيش الشعبي لجنوب السودان / جون جارانج تمرده مدعوماً من الولايات المتحدة والمنظمات الكنسية الغربية علي إختلافها , وظلت مصر تؤدي دوراً شكلياً لا يتجاوز ترديد عبارة أو عبارتين يعرف المراقب المُدقق أنهما بلا ناتج عملي أو ميداني وهما ” أن مصر مع وحدة أراضي السودان ” و ” إن مصر مع مواصلة الجهود السياسية لحل الصراع في الجنوب ” , وواصل التمرد قتاله  مدعوماً من الخارج وإزاء تصاعد الدور الأمريكي الضاغط علي المحورين العسكري والتفاوضي صرح الرئيس السوداني / عمر البشير لقناة دبي الفضائية في نشرتها الساعة الثامنة من مساء 21 فبراير 1999 بقوله ” أن السودان علي إستعداد للتخلي عن جنوب السودان إذا كان ذلك سيُنهي الحرب الأهلية “ ونقلت بعد ذلك صحف الخرطوم تصريحاً آخر لسيادته أدلي به  لقناة الجزيرة الإخبارية القطرية ذكر فيه  ” أن خيار فصل الجنوب سلمياً أفضل وأقوي إجراء يُتخذ لحل مشكلة الجنوب ” , وقد كان من بواعث خطورة هذا التصريح توقيته فقد صدر سابقاً علي إستئناف إجتماعات مرتقبة لمنظمة مكافحة الجفاف والتصحر لشرق أفريقيا IGAD  , لكنه كان مؤسساً من بين أسباب متعددة أخري علي معلومات أشارت إليها صحيفة الأنباء السودانية  في عددها في 19 يوليو 1999 عن أن هناك مخططاً أمريكياً لإجتياح جنوب السودان ويتم ذلك تحت إشراف المخابرات الأمريكية وأن العملية أخذت مسمي ” عملية السلاحف” وتنطلق من الأراضي الأوغندية وعناصرها مزودين بأحدث الأسلحة وأن الهدف من العملية إحتلال مدينة “جوبا” أكبر مدن جنوب السودان , وتضمن الخبر تفاصيل أخري خاصة بعدد وعديد قوات هذه العملية وهو أمر سبق لوكالة انباء السودان أن نشرته في نشرتها بتاريخ 6 يوليو 1999  .

في تطوير السودان لتناوله للملف التفاوضي بشأن حل الصراع في الجنوب , أعلن السيد/ مكي علي بلايل مستشار الرئيس السوداني لشئون السلام في 10 أبريل 2001 عن رغبة الحكومة السودانية في مراجعة وتجديد إتفاقية الخرطوم للسلام الموقعة بينها وبين ستة من الفصائل الجنوبية موضحاً بأن ظروف إستمرار الحرب في جنوب السودان تحول بين إجراء إستفتاء لتقرير مصير الجنوب المنصوص عليه في الإتفاقية والمُحدد له بعد مرور 4 أعوام من توقيعها والذي كان في 21 أبريل 1997 , وأضاف أن الحكومة وهذه الفصائل بحاجة جديدة للإتفاق علي معالجة كثير من العقبات التي إعترضت هذه الإتفاقية وأن الواقع السياسي والأمني قد تحرك كثيراً بحيث بات من المُتعذر تنفيذ بعد البنود خاصة بند الإستفتاء ونفي أن تكون هناك حالياً مفاوضات مع هذه الفصائل الستة , وأشار مستشار الرئيس للسلام أن الحكومة بصدد مراجعة لإتفاقية جبال النوبة للسلام أيضاً , وكان هذا التطور من مقدمات الساياسة التفاوضية للحكومة السودانية بالتركيز علي مسار تفاوضي واحد هو ” عملية السلام من الخارج ” علي حساب ماتم إنجازه في عملية السلام من الداخل التي تجمدت والحالة هذه , وبالفعل تقدمت الحكومة السودانية نحو دائرة التفاوض في الـ  IGAD الذي كانت الولايات المتحدة من خلال مبعوثها الرئاسي جون دانفورث تقف خلفه بقوة , ومن ثم تم توقيع إتفاق مشاكوس الإطاري في كينيا في 20 يوليو2002 وإزداد القلق المصري إزاء إتجاه التفاوض نحو الطريق المؤدي حتماً للإنفصال لكنه كان قلقاً مفرغاً من المضمون لأنه لو كان حقيقياً كان علي مصر أن تنزع إلي تصرف عملي يبدد هذا القلق , فمصر وإن كانت تدرك مغبة الإنفصال علي أمنها القومي إلا أنها  لم تدعم بأي شكل السودان الذي تُرك وحيداً في ساحة الوغي وعلي موائد التفاوض وكان الخيار أمامه إما الإستسلام أمام أمواج عاتية متتالية وضاغطة أو مواصلة حرب بلا نهاية تنهك كيانه الإقتصادي المتداعي وتزعزع أمنه القومي بل وتماسك مجتمعه , ولذا ففي تقديري أن لجوء السودان للمفاوضات كان إنقاذاً لما يمكن أن يتبقي للدولة وللأمة السودانية فقد فتح الغرب والولايات المتحدة ملفا للصراع في دارفور وشرق السودان وجبال النوبة وكانت المنظمات الطوعية الإنسانية تقوم بدور هدام في إشعال هذه الملفات وتزويدها بأسباب ذرائعية للصراع ولذلك فهي في تقديري كانت الطليعة avant-guard أو  فرق الإستطلاع في الصراعات العسكرية , وذلك في تزامن يدعو لإدراك مزيد من الأخطار علي السودان, في حين أن الطرف الآخر المفاوض والمتمثل في قوي التمرد التي يقودها جارانج لا يُمارس عليها إلا القليل من الضغوط الصورية Pour la forme  فقط  بل ويجري دعمه عسكرياً لتحقيق أكبر إتساع وتمركز ممكن لقواته علي أرض الجنوب , وعليه فلا مناص أمام السودان إلا الإتجاه نحو قبول إنفصال الجنوب وهو أمر سبق لي أن أوضحته وأكدته للقاهرة من خلال لقائي مع السيد / موسي ضرار رئيس لجنة الحسبة بالمجلس الوطني السوداني ( البرلمان) وأحد المقربين من د. حسن الترابي في 10 ديسمبر 1997 , حيث قال لي ما نصه ” إنني أكدت لهم في إحدي جلسات البرلمان علي ضرورة التخلص من الجنوب بصراعاته لكي يتفرغ الشمال للتنمية  ” وأوضح قوله ” إنه ووفقاً لإتفاقية الخرطوم للسلام الموقعة في 21 أبريل 1997 والتي نصت في أحد موادها علي إحداث تنمية في جنوب السودان خلال الفترة الإنتقالية ومداها 4 سنوات , وفقاً لذلك فقد قامت الحكومة السودانية في أعقاب هذه الإتفاقية بإتصالات مع بيوت المال والتمويل الغربية لتمويل مشروعات التنمية بالجنوب , لكن حدث تراجع غربي في هذا الشأن بسبب المخاوف التي أبدتها الحكومة السودانية من بقاء المديونية عليها حتي بعد إنفصال الجنوب , وهو ما أصرت عليه بيوت المال آنفة الذكر ” , وقد كانت هذه الإفادة الأوضح من جانب العناصر النافذة في الجبهة الإسلامية بالسودان , وهي إفادة تعني بصفة مباشرة أن السودان ولأول مرة يبدي جاهزيته لإنفصال الجنوب عنه , وهو أمر كارثي لمصر التي حاولت إعادة عقارب ساعة الجنوبيين في المرحلة الأخيرة من هذا الطريق وإيقاف قطار الإنفصال بإعادة عرض خيار الكونفيدرالية علي الجنوبيين بواسطة الأمريكان في نهاية عام 2010 وذلك قبل إجراء إستفتاء تقرير مصير الجنوب في 9 يناير 2011 , وهو بالطبع ما لم يكترث به الجنوبيين الذين إختاروا الإنفصال عن الشمال بنسبة كاسحة  .

لم تكن القاهرة في الفترة من أبريل 1997 وحتي تصريح الرئيس البشير في 21 فبراير 1999 بشأن إستعداد السودان لفصل الجنوب مُهيئة فيما تأكد تماماً لي فيما بعد للعمل وفقاً لمقتضيات إستراتيجية أمنها القومي والتخلي عن خلافها مع السودان بسبب الهوية أو الصبغة الإسلامية للنظام بها وظل المسؤلين المصريين في الخارجية المصرية وغيرها من الجهات المعنية بالسودان يستمعون إلي تأكيدات الأمريكيين عن أن الولايات المتحدة تستهدف إيجاد سودان موحد وهذا فيما أكدته مراراً لم يكن حقيقياً بالمرة , لكن يبدو أن الإرتباط المصري بالإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وأسباب أخري ذات صلة ألزمت مصر بالثبات علي موقفها المبتعد عن قضية السودان , بل إن مصر في تطويرها لتناولها للمسألة السودانية تعاطفت بأكثر من صورة مع المعارضة السودانية في شقها السياسي وليس العسكري فسمحت مثلاً بإنعقاد مؤتمر لها بالقاهرة والعمل السياسي من القاهرة , بشكل أصبحت معه الأزمة السودانية مكونة من ثلاثة عناصر هي : الصراع ما بين النظام القائم والمعارضة , والصراع ما بين النظام وبعضه البعض ثم صراع النظام مع عمقه الإستراتيجي أي مع مصر , فقد كان مجرد إتخاذ مصر لموقف الحياد السلبي – وهو موقف لا يتناسب علي الأقل مع تاريخها مع السودان – إزاء القضية السودانية ما جعل منها أحد مكونات الأزمة السودانية سواء مع الجنوبيين أو مع المعارضة الشمالية التي إفتقدت في مواقف حرجة للوطن السوداني موضوعيتها كالموقف من دارفور والمقاطعة الإقتصادية والمصرفية الأمريكية , وكان علي مصر بفهم إستراتيجي – كان ضرورياً في هذه الفترة الحاسمة –  أن تُخرج نفسها إخراجاً من من مكونات الأزمة السودانية , وهو ما حدث لكن في توقيت متأخر عما كان مطلوباً إن قيس ذلك بتسارع وتيرة تداعيات الصراع في جنوب السودان وكثرة الأطراف التي تتناوله 1998  فأتخذت إجراءات يصفها البعض بأنها من أجل تسوية الخلافات مع السودان وأفضل أن أصفها بأنها تصحيحية , ومن بين أهم هذه الإجراءات إتفاقها مع السودان علي إستئناف إنعقاد إجتماعات الهيئة الفنية المُشتركة الدائمة لمياه النيل في 16 فبراير , وكانت علاقات السودان  في فترة القطيعة مع مصر قد تطورت إلي مدي غير مسبوق أدي فيما بعد إلي توثيق الروابط التعاهدية بين البلدين في شتي المجالات منها مثلاً توقيع البلدين في 7 يونيو 2011 علي إتفاق إستغلال الموارد التعدينية علي طول حدودهما المُشتركة مما حيد مشكلة الحدود بينهما إلي حد ما , ولما بدأت مصر تدرك مدي خطورة التمادي في القطيعة مع السودان بدأت تتخذ سبيلاً يفضي إلي ثوابت الإستراتيجية المشتركة مع السودان مع ظهور إشارات تسوية سياسية لقضية جنوب السودان , إتخذت قرارات مهمة منها محاولة رأب الصدع أو تسوية الخلافات بين الحكومة والمعارضة السودانية في الخارج وهو أمر رفضه الرئيس البشير علناً في خطابه بمدينة الأبيض بغرب السودان في مستهل فبراير 1999 حيث أكد – بدون تسمية بلد بعينه – عدم قبول السودان لأي حل خارجي للمشكلة القائمة بين الحكومة والمعارضة السودانية بالخارج لأن أية دولة مهما كانت ستعمل علي إيجاد الحل الذي تريده ويخدم مصالحها وهو بالطبع – كما قال – ليس في صالح السودان وبالفعل وفي 8 مايو 1999 أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان عن تشكيل لجنة برئاسة الرئيس / البشير لمتابعة الإتصالات الجارية بهدف إجراء مصالحة مع المعارضة , كما أن مصر خطت خطوة للأمام فقررت أعادة العلاقات علي مستوي السفير عام 2000 مع السودان , ثم قامت السلطات المصرية المعنية بالتخفيف  قليلاً من وطأة إجراءات منح تأشيرات الدخول المُسبقة للسودانيين , وحتي في هذه المرحلة من اليقظة المصرية المتأخرة وعندما حاولت مصر الدخول علي خط التسوية السياسية لصراع الجنوب طرحت مبادرة للوفاق الوطني في السودان لكن سرعان ما فرض العقيد القذافي نفسه علي هذه المبادرة فأُطلق عليها أسم ” المبادرة المصرية الليبية ” والتي كان أهم سماتها عدم تضمنها أية إشارة لتقرير المصير في جنوب السودان , علي عكس مبادرة الـ IGAD , لكنها أخذت تذوي بالرغم من بعض التصريحات التي حاولت إحياءها من موتها كذلك التصريح الذي أدلي به وزير الخارجية المصري / أحمد ماهر في سبتمبر 2002 وأكد فيه أن هذه المبادرة لازالت قائمة وأن مصر وليبيا ستواصلان الإتصالات مع الأخوة السودانيين صحيفة الأهرام 8 سبتمبر 2002) , ولكن القذافي لم يكتف بمزاحمة مصر في ملفها الإستراتيجي وهو السودان بل طور تدخله عندما تساءل أمام قمة تجمع دول الساحل والصحراء في مدينة سرت في 7مارس 2002 عن إمكانية دمج المبادرة المصرية الليبية المُشتركة مع مبادرة تجمع IGAD (المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية) علي أساس أن عدداً من دول هذا التجمع أعضاء أيضاً في تجمع الساحل والصحراء وهو مالم يحدث بل مالم توافق عليه الولايات المتحدة التي ظلت تفضل أن يكون التنسيق في شأن الملف السوداني بين مصر وكينيا وليس بين مصر وليبيا , وبالفعل قام مبعوث كيني بزيارة القاهرة في 21 يناير 2002 وألتقي وزير الخارجية المصري واشار المبعوث إلي أن كينيا تري أن مصر لديها قدرة أكبر (من ليبيا) علي التأثير علي الأطراف الشمالية بل والجنوبية أيضاً , وأنه تم تكليف كينيا من قبل قمة الـ  IGAD لتولي عملية السلام في السودان وبالتالي فمن المهم التنسيق بين كينيا و مصر , وقد أبلغت  الليبيين بمضمون لقاء المبعوث الكيني لكنهم أسروا بخوفهم من أن يكون هناك تفكير كيني بإستبعادهم  من المشاورات اللاحقة فأقترحوا دمج مبادرة IGAD والمبادرة الليبية المصرية , وأستغلت أرتريا ذلك لتحريض ليبيا علي مصر وكينيا ولهذا توجه مستشار الرئيس السوداني لشئون السلام د. غازي صلاح الدين بزيارة لليبيا في 18 فبراير 2002 لإطلاع القيادة الليبية علي تفاصيل وملابسات توقيع إتفاق وقف إطلاق النار الأخير في جبال النوبة وإستعداد السودان الكامل لتنفيذ ما ورد بالمبادرة المصرية / الليبية دون تحفظ , وفي الحقيقة فإني لا أعرف سبباً مُوجباً حدا بمصر كي تكون مُوقنة من صلاحية مبادرتها المُشتركة مع ليبيا المُثيرة للشك من قبل الـ IGAD والسودان معاً , وكذلك وبنفس الدرجة لا أدري كيف تقتنع مصر بما أشار الأمريكون إليه بشأن التنسيق مع كينيا في ملف السلام في السودان ؟ فغاية ما كان الأمريكيون يستهدفونه من إقناع مصر بالتنسيق مع كينيا هو إبعاد ليبيا كي لا تشتبك الخطوط وتتعقد المسألة بالإضافة إلي أن لا رغبة أمريكية حقيقية في ترك حيز حر  لحركة مصر في القضية السودانية لسببين أولهما أن الهدف الأمريكي فصل الجنوب وليس السلام في حد ذاته ثانيهما أن هناك تباين موضوعي بين المبادرة المصرية / الليبية ومبادرة IGAD المدعومة من الولايات المتحدة , فالأولي لم تتضمن إشارة لتقرير مصير الجنوب فيما تضمنته الثانية , كما ان مصر كانت تقاوم الإتجاه الأمريكي لفصل جنوب السودان لكن هذه المقاومة كانت تمارسها مصر من داخل المربع الأمريكي وبالتالي رؤي لالموقف المصري المناهض لإنفصال الجنوب علي أنه نظري , فكما هو معروف فإن الرغبة تظل إفتراضية حتي تقترن بالقدرة , وكان من المستحيل القفز فوق الحقائق , ولذلك كان من المثير للتساؤل بالنسبة لي أن أعلم من أحد المسئولين السودانيين كان  في زيارة رسمية له بالنيجر في ديسمبر 2010 أن يخبرني أن مصر حاولت مؤخراً إقناع الأمريكيين والجنوبيين بخيار الكونفيدرالية مع أن حكومة السودان – ومصر تعلم – سبق لها أن رفضت غير مرة خيار الكونفيدرالية وهي مُصممة إما علي الإنفصال أو وحدة الأراضي السودانية في دولة فيدرالية واحدة , أما كينيا التي أرادت الولايات المتحدة من مصر أن تنسق معها فهي في نفس وقت ترؤسها للجنةIGAD لتحقيق السلام في السودان حاضنة لعناصر مسلحة للتمرد في معسكر Lokichoggio القريب من حدودها مع جنوب السودان لإمداد وحدات الحركة الشعبية لتحرير السودان SPLA المُتمركزة في جبال النوبة بالأسلحة والمؤن , وقيل في هذه الفترة من تسعينات القرن الماضي أن الرئيس الكيني موي كان يتربح من وجود هذه القاعدة التي كانت تموينها من الولايات المتحدة أساساً بل  قيل كذلك أن دولاً عربية هامة ساهمت في إمداد جارانج بالأسلحة والدعم المالي  .

ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين ومن أهمهم بل أخطرهم النرويج (التي قامت بهندسة إتفاق أوسلو أو إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي الذي وقعته منطمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بواشنطن في 13 سبتمبر 1993) التي ترأست في مرحلة من مراحل التفاوض اللجنة الفرعية لشركاء IGAD المختصة بالسودان , وقامت وزير التعاون الدولي وحقوق الإنسان النرويجية   Hilde Frafjord Johnson بزيارات متكررة للسودان ولكينيا إبن التفاوض في إطار الـ IGAD , تعمل علي تحقيق إنفصال جنوب السودان من خلال نسق أو مزيج  من الضغوط العسكرية والدبلوماسية والإقتصادية الأمريكية أدي في النهاية إلي توقيع حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان خمسة بروتوكولات مختلفة إنتهت بتوقيع إتفاق السلام الشامل (نيفاشا) في كينيا في 9 يناير 2005 , كانت مصر من بين الموقعين كشهود عليه , وتضمن الإتفاق النص علي تقرير إستفتاء تقرير المصير للجنوب في 9 يناير 2011 تعقبه فترة إنتقالية 6 أشهر بعدها تم الإعلان عن إستقلال جنوب السودان , وبذلك بدأت مصر والسودان تواجهان وضعاً جديداً عليهما تعديل إستراتيجية أمنهما القومي لمواجهته , ومن بين أخطر النتائج وأفدحها علي مصر أن ما كانت تنتظره  من زيادة في مواردها المائية للوفاء بمتطلباتها المتزايدة من مياه النيل من خلال تنفيذ مشروعات أعالي النيل أصبح في حكم المستحيل في المدي المنظر علي الأقل , ولهذا كان في تلاحق هذه التطورات وإقتراب التفاوض من تحقيق خيار إنفصال الجنوب ما أدي إلي تبني مصر لمشروع توشكي الذي لا يعد حلاً للمشكلة المائية في مصر بقدر ما يعتبر تسويفاً لها , هذا بإفتراض أن هذا المشروع يمكن نعته بالحل لأزمة المياه المرتقبة في مصر .

في تقديري فإن السودان الذي أضطره الأعداء والأشقاء إلي إمتشاق سيفه وهو يحارب مُترجلاً بلا ظهير يُعتمد عليه لا لوم ولا تثريب عليه , لذلك فهو في الواقع لم يكن ليتفاوض إلا للمحافظة علي صيانة شماله ولم يكن الجنوب الذي يتفاوض بشأنه إلا مجرد جزء من خريطته عليه الموافقة بموجب نتيجة هذا التفاوض التي قررها الأمريكان سلفاً علي طبعها مستقبلاً بدون إلحاق الجنوب بها , ذلك أن المفاوضات كانت تجري مع دعم أمريكي مستمر للتمرد عسكرياً ودبلوماسياً وحصار إقتصادي خانق للحكومة السودانية في تزامن مثير للدهشة مع إستمرار التوتر في العلاقات مع مصر التي كانت هي والسودان علي شفا مواجهة عسكرية بسبب نزاعهما علي حلايب التي تبلغ مساحتها 20,580 كم مربع واقعة في الصحراء الشرقية القاحلة فيما كان مسار إنفصال الجنوب البالغة مساحته 619,745 كم مربع الذي يمر به نهر النيل ذا الأهمية الإستراتيجية لمصر مُستمراً بوتيرة مضطردة .

كان إنفصال جنوب السودان بلا شك إهداراً للجزء الأهم من إتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل الموقعة بين مصر والسودان في القاهرة في  8 نوفمبر 1959 , ذلك أن الجزء الأهم في هذه الإتفاقية ليس هو تحديد الحصص علي أهميتها لمصر والسودان بل في المشروعات الثلاثة للإستفادة من فواقد المياه في جنوب السودان في منطقة أعالي النيل , وسيمر الوقت حتي تتيقن مصر من أن هذه الإتفاقية أصبحت بلا معني فعلي , فدنيا حوض النيل تتغير , ولإنه لا يمكن فصل قضية جنوب السودان عن الإستراتيجية الغربية والأمريكية تحديداً فبالتالي علينا أن توقع عدم تبني الولايات المتحدة لوجهة نظرنا المبنية علي القانون الدولي الذي أصبح تقليدياً بعد إضافة مبدأ الإتجار في مياه الأنهار وتسويق المياه , فالولايات المتحدة وكندا وغيرهما يعتمدان  نهج التحديث في القانون الدولي عموماً ومنه ما يتعلق بمياه الأنهار ولنا في مشروع وصل مياه نهر الأوبانجي أحد فروع نهر الكونجو ببحيرة تشاد لإستعادة مساحتها السابقة عبرة , وهو مشروع تتبناه فرنسا ودول أوروبية , إن مشكلتنا في مــصــر أننا لا نتابع ما يجري حولنا إعتقاداً منا أننا بموقعنا الجغرافي فقط يمكن أن يضعنا الآخرين في إعتبارهم مختارين أو مكرهين , وهذا ممكن في حالة واحدة فقط وهي أن يكون موقعنا داخل أنفسنا بنفس قوة وأهمية موقعنا الجغرافيوهذا في الواقع العملي ليس صحيحاً .

4- حدوث صدع في العلاقات المصرية السودانية :

كما سبقت الإشارة فإن عدم ترحيب مصر بالهوية الإسلامية التي أعلنت السودان عن تبنيها إياها أدت إلي صدع في العلاقات الثنائية نجمت عنه تداعيات سلبية علي العلاقات أستمرت بوتيرة عالية طيلة الفترة من 1990 -2000 , حيث أخذ خلالها هذا الصدع في الإتساع وهدد المكونات الإستراتيجية للعلاقات المصرية السودانية , لدرجة أن قضية مياه النيل صارت أحد النتائج الناجمة عن هذا التصدع الذي أصاب العلاقات , حيث لم يكن التباين المتموج في موقف الدولتين من مياه النيل قاصراً علي تعليق إنعقاد إجتماعات الهيئة الفنية المُشتركة الدائمة لمياه النيل لأكثر من خمس سنوات متصلة من 1992 حتي 1998 بل  أدي ذلك أيضاً لإفتقاد التنسيق بين الدولتين في قضايا مياه النيل في الإطار الأوسع أي إطار دول حوض النيل الأخري , ومما فاقم من الأثر السلبي لتعليق إنعقاد الهيئة المشتركة لمياه النيل أن توقفها تزامن مع تنفيذ مبادرة الرؤية المشتركة التي قسمت دول حوض النيل إلي كتلتين هما كتلة النيل الشرقي وتضم إثيوبيا والسودان ومصر وكتلة النيل الإستوائي وتضم دول حوض النيل الأخري , فقد ترافق مع هذا الإنقطاع تقدم بعض نواب البرلمان السوداني في عام 2004 بطلب لمراجعة إتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل الموقعة مع مصر , وهو أمر بالتأكيد كان متصلاً يمكن تبريره من بين مبررات أخري بالمستوي المتدني للعلاقات الثنائية مع السودان , يُضاف إلي ذلك التصريحات السودانية المختلفة التي كانت تترجم حالة الفصام في وجهات النظر بشأن قضية مياه النيل ككل فمثلاً الرئيس السوداني الذي أدلي به لوكالة أنباء السودان الحكومية ونُشر في نشرتها بتاريخ 7 أغسطس 1995 ونصه ” إن أي حديث عن زيادة إستغلال السودان لمياه النيل يضايق الحكومة المصرية علي الرغم من التطورات في دول حوض النيل بما في ذلك الجفاف وحاجة الدول التي لا نصيب لها من مياه النيل والتوسع في إستخدام المياه في السودان بسبب الهجرة ” وبالطبع فالتصريح مقصود منه إيصال عدة رسائل لمصر أهمها أن السودان بصدد زيادة إستغلاله لمياه النيل وأن هناك تطورات في دول حوض النيل منها الجفاف تستدعي تطوير سياساتها النيلية لمواجهة الجفاف من أجل تحقيق الأمن الغذائي , كما أن الرئيس السوداني يبدي تعاطف بلاده مع دول حوض النيل التي لا نصيب لها من مياه النيل ثم أن للسودان مبرر إضافي لزيادة إستغلاله لمياه النيل نظراً لموجات الهجرة الأرترية والإثيوبية في شرق ووسط السودان ( تربو عن المليون نسمة) .

مرت العلاقات المصرية السودانية بمنعطفات حادة وصلت إلي درجة أن صرح وزير الدولة للشئون الخارجية / د. مصطفي عثمان إسماعيل لإذاعة أم درمان في 19 سبتمبر 1995 بأن ” الناظر إلي ما يجري من تنسيق بين مصر وإثيوبيا وأيضاً أرتريا وأوغندا حول هذا المجال ( النظرة إلي مصر) يُلاحظ شيئاً وهو أن الدول التي تصب في المنظومة الأمريكية أو البريطانية هي التي تنفذ السياسات والتوجهات الأمريكية الغربية ضد السودان ” , وظل التوتر سمة للعلاقات الثنائية في ظل شبه مقاطعة مصرية للإتصالات مع السودان بسبب قضايا متعددة تفرعت عن الخلاف الأساسي بين الدولتين والمتعلق بالنهج السياسي الذي تتبعه كل منهما ففيما أعلن السودان بعد تقلد الرئيس البشيرالسلطة في 30 يونيو1989 أن السودان لديه مشروع حضاري إسلامي , بدأت القاهرة تتعامل بتوجس وحذر بل وبعدائية أحياناً مع الخرطوم.

مرت العلاقات المصرية السودانية بفترة طويلة من التوتر المتصل  وغير المسبوق في الفترة من 1990 وحتي 2000 مما أضر بالثوابت الإستراتيجية بين بلدين كان بينهما تكامل ناجح , وقد بلغ من شدة الأثر الضار لهذه الفترة أنها كونت رصيداً مُتراكماً من عدم الثقة المتبادلة يمكن لكل دولة الرجوع إليه والسحب منه بمجرد تجدد التوتر الذي إنعكس علي توقف أو الإضرار بما تبقي من مؤسسات التكامل  كهيئة وادي النيل للملاحة التي ظلت تؤمن نقل الركاب والبضائع بين أسوان ووادي حلفا بالسودان منذ 1978إلي أن توقفت في سبتمبر 1994 وكان هذا التوقف من جانب مصر للضغط علي الشعب السوداني ليضغط بدوره علي حكومته وهو ما حدث عندما نشرت صحيفة أخبار اليوم السودانية في 21 يونيو 1997 تصريحاً للأمين العام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية – وهو منظمة غير حكومية لكنها تعبر إلي حد كبير عن أمور لا تفضل الحكومة  التصدي لها مباشرة – أشار فيه إلي أن هناك إتصالات مع الحكومة المصرية لحل قضايا توقف النشاط التجاري بمنطقة وادي حلفا ومصر وأن هذه الإتصالات تتم بالتنسيق مع وزارة النقل والقائم بالأعمال المصري بالخرطوم وأنهم ينسقون لعقد إجتماع مُشترك مع أهالي وادي حلفا لإرجاع عمليات التبادل التجاري لسابق عهدها , وختم بالإشارة إلي أن تمكين الشعبين من حياتهما الطبيعية ضروري حتي لو إقتضي الأمر تأسيس شركة قطاع خاص لهذا الغرض , وكان وزير النقل المصري قد بعث برسالة لنظيره السوداني في 10 مايو 1995 طلب فيه تصفية الهيئة وفقاً للمادة 30 (الباب السادس) من الإتفاقية المُنشأة لها بسبب تسجيلها لخسائر لعامين متتالين بلغت حتي ذلك التاريخ 3,250,000 مليون جنيه مصري , وقد تضرر أهالي حلفا من هذه التطورات وقاموا في حينه بمظاهرات ضد الحكومة السودانية , وتزامن مع هذا الموقف من مصر موقف مضاد من الحكومة السودانية التي بدورها مارست ضغوط علي الجانب المصري عندما لم تستجب لطلب مصر تجديد البروتوكول التجاري الموقع مع مصر في 18 مارس 1992 ,والذي كان آخر تجديد له لعامين إنتهي في 15 مارس 1995 , وبلغت مديونية الجانب السوداني حتي إقفال 6 يونيو 1995 مبلغ 190,861,33 مليون دولار حسابي لصالح مصر , وقد يكون من الصحيح أن أمور كثيرة تعدلت بتطبيع العلاقات وإعادة السفير المصري للخرطوم بعد أن ظلت العلاقات الدبلوماسية لخمس سنوات متتالية علي مستوي قائم للأعمال لأول مرة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية , إلا أن الإضعاف المتبادل للعلاقات الثنائية طال ملفات عديدة بعضها ظل يضعف وأصبح آيلاً للإنهيار كملف شركة التكامل الزراعي بين مصر والسودان  – وهي أحد أربع شركات تكاملية في مجالي الزراعة والري مع السودان-  والتي كانت تعمل في منطقة الدمازين بشرق السودان فقد أرسلت وزيرة التعاون الدولي المصرية رسالة لنظيرها السوداني في سبتمبر 2007 تطلب فيها تسديد الحكومة السودانية لمتأخراتها المُستحقة عليها في رأسمال الشركة وأرجعت السودان تأخرها في ذلك إلي الأعباء الثقيلة علي الإقتصاد السوداني حيث فرضت إتفاقية السلام الشامل علي الخرطوم الإسهام بنسبة الثلثين من تكاليف إعادة إعمار الجنوب والتي تبلغ 7 مليار دولار , كما أن إتفاقية دارفور هي الأخري تفرض عليهم الإلتزام بنصف مليار دولار لإعادة إعمار دارفور مما نتج عنه ضغوط مالية علي ميزانية الدولة , كما أن إتفاق الحريات الأربع (حقوق العمل والتملك والإقامة والتنقل) الموقع بين مصر والسودان في 18 يناير 2004 مازال يراوح مكانه ولم يُنفذ بشكل كامل في أغلبه من قبل الحكومة المصرية لأسباب سياسية بحتة , وبدون الحاجة للخوض في تفاصيل الوضع التفيذي لهذا الإتفاق , فإنه يمكن القول أن رصيد عدم الثقة المُتبادل بدرجة أو بأخري من كل جانب علي حدة يؤثر في التنفيذ الميداني والفعلي لينقل علاقات البلدين إلي سابق عهدها كما كانت في إطار إتفاقية التكامل في السبعينات من القرن الماضي , وعدم تنفيذ هذه الإتفاقية تعني علي الأقل أن عودة الدولتان للمستوي الإستراتيجي للعلاقة ستتأخر إلي أن تلقي مصير إتفاقية الدفاع المُشترك التي فنيت بعوامل الزمن والخشية ,  وهذا سيعني أن مستقبل العلاقات الثنائية من الصعب تصوره داخل نسق أو إطار إستراتيجي  .

الـــــتقـــديـــر :

عــمــلــيــة تـهـجـــير الشعب الفلسطيني من غـــزة إلي سيناء ومن الضفة الغربية إلي الأردن (الخيار الأردني مرة أخري) لم تستطع الآلة العسكرية الصهيونية تحقيقها برغم حرب الإبادة التي أعلنها الكيان الصهيوني علي غــزة في 8 أكتوبر2023 والتي أبادت وأزهقت ما يربوا عن 50 ألف روح فلسطينية طاهرة , وعملية التهجير تلك عبارة عن إلتقاء ماهو وازع ديموجرافي وديني توراتي صهيوني بالوازع الإقتصادي الأمريكي المتمثل في مواجهة مشروع الصين المُسمي مبادرة الحزام والطريق بمشروع أمريكي آخـــر مــُضاد موضعه غـــزة التي يريد الأمريكيين ربطها بميناء بن جورين لإقامة الممر اللوجيستي الأمريكي الذي يبدأ من الهند ويصل لموانئ بالخليج العربي فالسعودية فالأردن فالكيان الصهيوني وإنتهاء بأوروبـا , والكيان الصهيوني بعملية التهجير تلك سيجني كل الفوائد الناتجة عن إلـــتـــقـــاء الوازعين الديموجرافي الديني الصهيوني والإقتصادي الأمريكي وفي نفس الوقت فلو تحققت عملية التهجير- كما يفترض الصهاينة والأمريكون – تكون العصابة الصهيونية قد ســـلبت الجــش الــمـــصري ســبب وجوده Raison d’ÊTRE فــبـغـزة تدور رحي حربان حـــرب العصابة الصهيونية مع المقاومة الإسلامية الفلسطينية وحــرب أخـــري مـــُسـتـتـرة  بين الولايات المتحدة والصين بسبب التنافس علي ممرات النقل الدولية .

مــصـــر والجيش المصري علي وجه التعيين عليه إحباط مؤامرة التهجيرالقسري أو الطوعي لفلسطينيي غـــزة لان هذه المؤامرة بقدر ما تستهدف تصفية القضية الفلسطينية تستهدف بنفس القدر تصفية الجيش المصري وتحطيم مــصـــر توطـــئـة لتقسيمها .

الــلــهـــم قـد بــلـــغــت الـلـهــم فـاشـــهـــد .

الـــــــــــــــســـــفـــــيــــــر : بــــــــــلال الـــمــــصـــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــــقـــاهــــرة / تــحــــريـــراً في 3 فبرايــر 2025

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى