التعددية القطبية ومستقبل التوازنات الجيوسياسية: تحليل تأثير القوى الكبرى على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط

إعداد: مايسة خليل حسن – باحثة دكتوراة في فلسفة العلوم السياسية_ مصر
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
إن التعددية القطبية ليست مجرد تحول مؤقت، بل هي ظاهرة تعكس التغيرات العميقة في النظام الدول, ففي ظل التحولات المتسارعة في النظام الدولي، تبرز التعددية القطبية كظاهرة محورية تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. هذه المنطقة، التي لطالما كانت بؤرة للصراعات والتوترات، حيث تواجه اليوم تحديات جديدة تتطلب فهماً عميقاً ودقيقاً للتفاعلات المعقدة بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين.
فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، شهد العالم انتقالاً بطيئاً غير متوازن من نظام أحادي القطبية dominated by the United States إلى نظام متعدد الأقطاب يتسم بتنافس قوي بين القوى الكبرى. هذا التحول لم يقتصر فقط على القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة وروسيا، بل شمل أيضاً صعود قوى جديدة مثل الصين والهند, كما ظهرت قوى أخرى التي تتجاوز تأثيرات الفاعلين الحكوميين التقليديين، حيث تلعب الجماعات المسلحة، والمنظمات غير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات دورًا متزايدًا في تشكيل السياسات الإقليمية والدولية.
كانت الهجمات المفاجئة التي شنتها حركة حماس على اسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أخر تلك التطورات الجذرية في المشهد الجيوسياسي, حيث أصبح من الواضح أن الأزمات الإقليمية لم تعد محصورة بين الدول القومية، بل أصبحت تتأثر بشكل متزايد بالفاعلين غير الحكوميين، مما يخلق مشهدًا معقدًا يتحدى الفهم التقليدي للسياسة الدولية, هؤلاء الفاعلون يمكن أن يؤثروا على القرارات السياسية ويعززوا من استراتيجياتهم الخاصة، مما يخلق تحديات جديدة للأمن الإقليمي.
يستمر الصراع العربي الإسرائيلي كأحد أبرز القضايا الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث تلعب فلسطين دورًا محوريًا في تشكيل العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، شهدت المنطقة موجات من الصراع والاحتلال، مما أدى إلى معاناة الشعب الفلسطيني وتدهور الأوضاع الإنسانية. إن التصعيد الأخير بين حماس وإسرائيل، والذي بلغ ذروته في الهجمات المتبادلة، يعكس عمق الأزمة ويؤكد الحاجة الملحة لحل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الأمن لإسرائيل. تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية في هذا الصراع، مما يجعل من الصعب التوصل إلى تسوية دائمة، ويستمر الوضع في إثارة التوترات في المنطقة ويؤثر على العلاقات بين الدول العربية والولايات المتحدة.
إن الفاعلين غير الحكوميين، بما في ذلك الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وحركات التحرر المسلحة تلعب دورًا متزايد الأهمية في تحديد مسارات الصراعات. هؤلاء الفاعلون، الذين غالبًا ما يستفيدون من الفوضى السياسية، يؤثرون على مسارات الصراعات ويعززون من حالة عدم الاستقرار. وتاريخيًا، كانت منطقة الشرق الأوسط بؤرة للصراعات والتوترات، حيث شهدت صراعات متعددة الأبعاد تتراوح بين الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية. ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة قد أظهرت كيف أن تراجع الهيمنة الأمريكية كقوة موازنة قد فتح المجال أمام قوى جديدة لتسعى نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في عام 2021 وتراجع الدعم العسكري والسياسي لبعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، قد أتاح الفرصة لقوى مثل إيران وتركيا لتعزيز نفوذها. وفي ظل هذا السياق، تتداخل الأبعاد الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية بشكل متزايد، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسارات التطورات المستقبلية. إن التحديات التي تواجهها الدول في المنطقة ليست مجرد صراعات عسكرية، بل تشمل أيضًا صراعات اقتصادية وثقافية، إذ تسعى القوى الكبرى إلى تحقيق مصالحها من خلال استراتيجيات متعددة الأبعاد.
كما تتداخل الأبعاد الجيوسياسية في سوريا بشكل معقد، حيث تلعب روسيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل أدوارًا محورية في تشكيل مستقبل البلاد. فبعد الإطاحة بنظام الأسد، تسعى الولايات المتحدة والسعودية لدعم حكومة أحمد الشرع في محاولة لتعزيز الاستقرار، لكن هذا الدعم ليس بالضرورة للحفاظ على استقرار المنطقة، بل لتحقيق مصالحهما الخاصة. في الواقع، وقد يؤدي صعود الشرع، إلى زيادة التوترات في المنطقة. في المقابل، روسيا التي كانت تستمر في دعم نظام الأسد، أصبحت الآن في موقف يبحث عن مصالحها الاستراتيجية، خاصة بعد هروب بشار الأسد إلى أراضيها. كما تقدم إيران الدعم العسكري والسياسي للميليشيات الموالية لها، مما يزيد من تعقيد المشهد. وأثناء ذلك تراقب إسرائيل الوضع عن كثب، حيث تخشى من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة. إن هذه الديناميات تضع سوريا في مركز صراع استراتيجي بين القوى الكبرى، مما يؤثر على استقرار البلاد ويعقد جهود بناء حكومة شاملة قادرة على معالجة التحديات الداخلية والخارجية.
تعتبر اليمن نقطة تقاطع استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيها المصالح الجيوسياسية لعدة قوى كبرى، بما في ذلك السعودية وإيران والولايات المتحدة والإمارات. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015، أصبحت اليمن ساحة لصراع النفوذ الإقليمي والدولي، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية. وتسعى السعودية، من خلال تدخلها العسكري، إلى دعم الحكومة المعترف بها دولياً وتعزيز نفوذها في مواجهة التمدد الإيراني عبر دعم الحوثيين. في المقابل، تدعم إيران الحوثيين سياسيًا وعسكريًا، مما يزيد من تعقيد الصراع ويعكس التوترات بين الرياض وطهران. من جهة أخرى، تلعب الولايات المتحدة دورًا حيويًا في دعم التحالف العربي ضد الحوثيين، حيث تعتبر أن استقرار اليمن يعد جزءًا من استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب وحماية مصالحها في المنطقة. بينما تسعى الإمارات لتعزيز نفوذها من خلال دعم الفصائل الجنوبية، مما يضيف بعدًا جديدًا للصراع.
أولاً: الإشكالية البحثية.
شهد النظام الدولي في السنوات الأخيرة، تحولًا ملحوظًا نحو التعددية القطبية، حيث لم تعد القوى الكبرى محصورة في دولة مهيمنة واحدة مثل الولايات المتحدة. وهذا التحول أدى إلى ظهور عدة قوى جديدة تسعى لتوسيع نفوذها، مما أثر بشكل عميق على التوازنات الجيوسياسية في مختلف المناطق، وخاصة في الشرق الأوسط. تعتبر هذه المنطقة بؤرة للصراعات والتوترات المستمرة، حيث تتداخل فيها مصالح القوى الكبرى مع الفاعلين الإقليميين وغير الحكوميين.
تسهم الأحداث الأخيرة في المنطقة، مثل التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد اليمن وغزة، في إعادة تشكيل التوازنات القطبية في الشرق الأوسط، مما يعكس تراجع الأنظمة العربية وقدرتها على مواجهة التحديات. وهذه التطورات تعزز من التعددية القطبية، حيث تبرز قوى جديدة مثل إيران وتركيا كمؤثرين رئيسيين، بينما تبدو الدول العربية عاجزة عن اتخاذ مواقف فاعلة. هذا الوضع ينذر بتغيرات جذرية في طبيعة العلاقات الإقليمية والدولية، حيث قد يؤدي استمرار العدوان الإسرائيلي إلى تحالفات جديدة وتوترات متزايدة، مما يعقد المشهد السياسي ويجعل مستقبل التوازنات في المنطقة أكثر غموضًا وتعقيدًا. وفي ظل غياب الردود الفعالة من الدول العربية، قد تتجه القوى الكبرى إلى استغلال الفوضى لتحقيق مصالحها، مما يهدد بإعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط ويزيد من احتمالات الصراع.
التساؤل الرئيسي
كيف يمكن للتعددية القطبية الحالية أن تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وما تأثيرها على الأمن الإقليمي؟
الأسئلة الفرعية
- كيف تؤثر الأدوار التي تلعبها القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين على الصراعات الإقليمية، وما تأثيرها على التوازنات الجيوسياسية؟
- كيف تتفاعل القوى الكبرى مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط؟ وما تأثيراتها على توازنات القوى الكبرى؟
ثانياً: فرضية الدراسة
تتوقع هذه الدراسة أن التعددية القطبية في النظام الدولي تؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مما يساهم في زيادة التعقيدات الأمنية. حيث أن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين، من خلال سياساتها الخارجية، تؤثر بشكل مباشر على الصراعات الإقليمية وتفاعلات الفاعلين غير الحكوميين، مما يعزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
ثالثاً: أهمية الدراسة
- تسهم هذه الدراسة في إثراء الأدبيات الأكاديمية المتعلقة بالعلاقات الدولية والأمن الإقليمي, وذلك من خلال تقديم رؤى جديدة حول تأثير التعددية القطبية، تساعد الدراسة في تطوير النظريات الأساسية لفهم الديناميات الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط.
- توفر الدراسة توصيات استراتيجية لصانعي القرار في الدول العربية لتعزيز الأمن الإقليمي. هذه التوصيات تسهم في تحسين استراتيجيات السياسة الخارجية، كما تساعد في تحليل المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن الإقليمي، مما يمكن الحكومات من اتخاذ قرارات مستنيرة.
- تساهم الدراسة في زيادة الوعي العام حول التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة. من خلال تعزيز الوعي، يتمكن الأفراد والمجتمعات من التكيف مع التغيرات. كما تشجع الدراسة على الحوار بين الدول العربية حول سبل التعاون وتعزيز الاستقرار في ظل التغيرات الجيوسياسية.
رابعاً: أهداف الدراسة
- تهدف هذه الدراسة إلى دراسة كيفية تأثير السياسات الخارجية للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين على الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تحليل تفاعلات هذه القوى مع الفاعلين غير الحكوميين، مثل الجماعات المسلحة.
- تهدف الدراسة إلى استكشاف تأثير الأدوار الجيوسياسية من خلال تحليل الأدوار التي تلعبها القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين على الصراعات الإقليمية، وبحث تأثيرها على التوازنات الجيوسياسية.
- تركز الدراسة على تقييم دور الفاعلين غير الحكوميين في الصراعات الإقليمية، وكيف تؤثر الجماعات المسلحة على الأمن الإقليمي وتعقيد التوازنات الجيوسياسية.
- تستند الدراسة على تحليل تفاعلات القوى الكبرى مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة, وأثار ذلك على توازنات القوى الكبرى.
خامساً: حدود الدراسة
أ. الحدود الموضوعية
تتركز الدراسة على تحليل تأثير القوى الكبرى والفاعلين غير الحكوميين في منطقة الشرق الأوسط، مع تسليط الضوء بشكل خاص على الصراع العربي الإسرائيلي، التوتر الإقليمي الناجم عن الصراع في اليمن.
يعد الصراع الصراع العربي الاسرائيلي من أكثر القضايا تعقيدًا في المنطقة، حيث يتداخل فيه التاريخ، الدين، والسياسة, لذا ستقوم الدراسة بتحليل كيفية تأثير السياسات الخارجية للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا على هذا الصراع، بما في ذلك دور الوساطة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، ستتناول الدراسة المشهد المعاصر للصراع، مع التركيز على حرب 7 أكتوبر 2023. هذه الحرب، التي اندلعت بين اسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، أدت إلى تصعيد غير مسبوق في العنف، حيث استخدمت الفصائل الفلسطينية تقنيات جديدة في الهجمات، مما أدى إلى رد فعل عسكري قوي من الجانب الإسرائيلي, ترتب عليه تعقيدات في الأمن الإقليمي تحتاج إلى تضافر جهود عديدة لمنع تفاقم انعكاساته للحدود القصوى.
يعد اليمن مسرحًا لصراع معقد يتداخل فيه المحلي والدولي. ستتناول الدراسة تأثير التدخلات الخارجية خاصة بعد الهجمات الاسرائيلية الكثيفة ضد مواقع حيوية على الأراضي اليمنية، ستركز الدراسة أيضًا على الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على الأراضي السعودية، والتي زادت حدتها في السنوات الأخيرة. هذه الهجمات، التي تشمل صواريخ وطائرات مسيرة، تهدد الأمن الإقليمي وحركة التجاة العالمية وتؤثر على العلاقات بين السعودية وإيران.
ب. الحدود المكانية
تُركز الدراسة بشكل رئيسي على منطقة الشرق الأوسط، مع تسليط الضوء على الدول المعنية بالصراعات المذكورة. حيث ستتناول الدراسة الأبعاد الجغرافية والسياسية للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكيف تؤثر القوى الكبرى على الوضع. وامتداد التحليل إلى تأثير هذه العوامل على الأمن والاستقرار في المنطقة. وسيتم تحليل كيف يمكن أن تؤثر هذه الأزمات على الأمن الإقليمي. كما ستبحث الدراسة في دور القوى الخارجية في تحول التوازنات الجيوبولوتيكية في المنطقة.
ج. الحدود الزمنية
ستتناول الدراسة الأحداث والتطورات الجيوسياسية منذ عام 2011 وحتى عام2025. حيث ستركز الدراسة على الأحداث المفصلية وتأثيراتها على الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك التوتر الناجم عن الصراع في اليمن وتأثيره على التوازانات الإقليمية. سيتم تحليل كيف أدت هذه التحولات إلى تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية للدول المعنية، وكيف أثرت على التوازنات الإقليمية. ورغم أن الإطار الزمني يتيح فهمًا دقيقًا للتغيرات، فقد لا يتضمن السياقات التاريخية الأعمق التي قد تكون لها تأثيرات على الوضع الحالي، مثل الاستعمار، الحروب السابقة، والاتفاقيات الدولية.
سادساً: منهج الدراسة
اعتمدت هذه الدراسة المنهج الوصفي كإطار أساسي لتحليل التحولات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط, ودور القوى الكبرى في هذه التحولات. حيث يتميز هذا المنهج بقدرته على تقديم وصف شامل ودقيق للظواهر الجيوسياسية الراهنة، كما يساعد هذا المنهج في فهم كيفية تأثير العوامل المختلفة على الأمن الإقليمي، مثل النزاعات السياسية، الأزمات الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية المتداخلة في تعقيدات المشهد الإقليمي.
سابعاً: الإطار المفاهيمي والنظري للدراسة
- الإطار المفاهيمي
يمثل الإطار المفاهيمي الأساس الذي تقوم عليه الدراسة، حيث يساعد في فهم العلاقات المعقدة بين القوى الكبرى، الفاعلين الإقليميين، والفاعلين غير الحكوميين في سياق التعددية القطبية وتأثيرها على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. يتضمن هذا الإطار عدة مفاهيم رئيسية:
- التعددية القطبية: تشير إلى نظام دولي يتسم بوجود عدة قوى عظمى تتنافس فيما بينها، مما يؤدي إلى تحول التوازنات الجيوسياسية. هذا المفهوم يتعارض مع النظام الأحادي القطبية الذي هيمن عليه الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة. وفقًا للباحثين، فإن التعددية القطبية ليست مجرد تحول في الهيمنة، بل تعكس تحولًا عميقًا في كيفية تنظيم العلاقات الدولية، حيث تبرز قوى جديدة مثل الصين والهند كأطراف فاعلة تؤثر في السياسات العالمية. هذا التحول يعكس أيضًا صعود الفاعلين غير الحكوميين الذين يساهمون في تشكيل السياسات الإقليمية والدولية، مما يعقد المشهد السياسي.[1]
- الأمن الإقليمي: يُعرف بأنه الحالة التي تضمن فيها الدول في منطقة معينة استقرارها وأمنها من التهديدات الداخلية والخارجية. يشمل الأمن الإقليمي التهديدات العسكرية، الاقتصادية، والاجتماعية. ومن وجهة نظر بوزان، فإن الأمن الإقليمي يتطلب فهمًا شاملًا للعوامل المؤثرة فيه، بما في ذلك الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يؤكد على أهمية التعاون بين الدول في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة (Buzan, 1991, p. 190). كما أن الأمن الإقليمي لا يقتصر فقط على الأبعاد العسكرية، بل يمتد ليشمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استقرار الدول.[2]
- الفاعلون غير الحكوميين: تشمل الجماعات المسلحة، المنظمات غير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات. تلعب هذه الفواعل دورًا متزايد الأهمية في تشكيل السياسات الإقليمية والدولية، حيث يمكن أن تؤثر على القرارات السياسية وتعزز من استراتيجياتها الخاصة. وفقًا لريس، فإن الفاعلين غير الحكوميين يمكنهم التأثير على السياسات الدولية من خلال تشكيل تحالفات جديدة أو تعزيز الاستراتيجيات الخاصة بهم، مما يزيد من تعقيد المشهد الدولي. كما أن هذه الفواعل قد تلعب دورًا في تعزيز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، مما يستدعي دراسة تأثيراتها بشكل معمق.[3]
- التوازنات الجيوسياسية: تشير إلى توزيع القوة والنفوذ بين الدول والقوى في منطقة معينة. يتأثر هذا التوازن بالعوامل السياسية، الاقتصادية، والعسكرية. في هذا السياق، تعتبر التوازنات الجيوسياسية عنصرًا حيويًا لفهم كيفية تفاعل القوى الكبرى مع الفاعلين الإقليميين وغير الحكوميين، حيث تؤدي التغيرات في هذه التوازنات إلى تأثيرات مباشرة على الأمن الإقليمي. التوازنات الجيوسياسية ليست ثابتة، بل تتغير باستمرار نتيجة للتفاعلات بين القوى المختلفة، مما يجعل من الضروري فهم هذه الديناميات في سياق دراسة الأمن الإقليمي.[4]
- الإطار النظري
يعتمد الإطار النظري للدراسة على مجموعة من النظريات التي تساعد في تفسير الظواهر المدروسة، ومن أبرزها:
- نظرية العلاقات الدولية: تُعتبر نظرية الواقعية من أبرز النظريات التي تفسر سلوك القوى الكبرى في النظام الدولي. وفقًا للواقعية، تسعى الدول إلى تعزيز قوتها ونفوذها من خلال تحقيق مصالحها الوطنية، مما يؤدي إلى صراعات وتوترات في العلاقات الدولية. يشير ميارشيمر إلى أن الدول الكبرى غالبًا ما تتصرف وفقًا لمصالحها الاستراتيجية، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات والصراعات. على الرغم من أن هذه النظرية تركز على الصراعات، إلا أنها تعكس أيضًا أهمية التعاون بين الدول لتحقيق الأمن.[5]
- نظرية التعددية: تشير إلى أهمية تعدد الفاعلين في السياسة الدولية، بما في ذلك الدول، المنظمات الدولية، والفاعلين غير الحكوميين. تعكس هذه النظرية كيف أن التعددية القطبية تعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وفقًا لكيوهان ونيا، فإن التعددية تعزز من قدرة الفاعلين على التفاعل والتعاون، مما يؤدي إلى استراتيجيات جديدة في السياسة الدولية, وتسلط هذه النظرية الضوء على دور الفاعلين غير الحكوميين في تشكيل السياسات، مما يعكس تعقيد العلاقات الدولية في ظل التعددية القطبية.[6]
- نظرية الأمن الإقليمي: تركز هذه النظرية على كيفية تأثير الديناميات الإقليمية على الأمن. حيث تُظهر كيف أن التوترات بين الدول يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار الإقليمي، وتؤكد على أهمية التعاون بين الدول لتحقيق الأمن. ويشير بوزان إلى أن الأمن الإقليمي يتطلب فهمًا شاملًا للعوامل المؤثرة فيه، بما في ذلك الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يؤكد على أهمية التعاون بين الدول في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.[7]
- نظرية الفاعلين غير الحكوميين: تبرز هذه النظرية دور الفاعلين غير الحكوميين في تشكيل السياسات الدولية. تُظهر كيف يمكن للجماعات المسلحة والمنظمات غير الحكومية أن تؤثر على القرارات السياسية وتعزز من حالة عدم الاستقرار. وفقًا لريس، فإن الفاعلين غير الحكوميين يمكنهم التأثير على السياسات الدولية من خلال تشكيل تحالفات جديدة أو تعزيز الاستراتيجيات الخاصة بهم، مما يزيد من تعقيد المشهد الدول.[8]
إن التفاعلات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تؤدي إلى تعقيد الصراعات الإقليمية. فالولايات المتحدة، تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال دعم حلفائها، بينما تسعى روسيا لتعزيز وجودها من خلال دعم الأنظمة المهددة. وهذا التنافس يؤدي إلى تصعيد التوترات، كما يتضح في الصراع السوري حيث تتداخل المصالح الأمريكية والروسية بشكل كبير. لذا يمكن دراسة كيفية تأثير الفاعلين غير الحكوميين، مثل الجماعات المسلحة، على الاستقرار الإقليمي. هذه الجماعات، التي تتلقى دعمًا من قوى خارجية، يمكن أن تعزز من حالة عدم الاستقرار، مما يؤثر سلبًا على الأمن الإقليمي. ويمكن أيضًا استخدام نظرية الأمن الإقليمي لفهم كيفية تأثير الديناميات الإقليمية على الأمن. حيث تؤدي التوترات بين القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية إلى عدم الاستقرار في مناطق النزاع مثل سوريا واليمن.
تقسيم الدراسة:
تتكون الدراسة من مبحثين رئيسيين يتناولان تأثير القوى الكبرى على الصراعات الإقليمية وتفاعلها مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط:
- المبحث الأول: تأثير الأدوار التي تلعبها القوى الكبرى على الصراعات الإقليمية.
يستعرض هذا المبحث كيفية تأثير القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين على الصراعات الإقليمية، وكيف تساهم في تشكيل التوازنات الجيوسياسية من خلال دعم أطراف معينة في النزاعات.
- المبحث الثاني: تفاعل القوى الكبرى مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط
يركز هذا المبحث على كيفية تفاعل القوى الكبرى مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة، مثل صعود الجماعات المسلحة ، وتأثير هذه التفاعلات على توازنات القوى والسياسات الإقليمية والدولية.
المبحث الأول: دور القوى الكبرى وتأثيرها على الصراعات الإقليمية
تمهيد
تتسم العلاقات الدولية في العصر الحديث بالتعقيد والتشابك، حيث تلعب القوى الكبرى دورًا محوريًا في تشكيل السياسات الإقليمية والدولية. إن فهم تأثير هذه القوى على الصراعات الإقليمية يتطلب تحليلًا دقيقًا لعوامل متعددة، بدءًا من المصالح الاستراتيجية وصولًا إلى التفاعلات الثقافية والتاريخية. وتسعى القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، روسيا، والصين، إلى تعزيز نفوذها في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، الذي يعد نقطة التقاء حيوية للموارد الطبيعية والطرق التجارية. تُعتبر السياسة الخارجية لهذه الدول أداة رئيسية لتحقيق أهدافها، حيث تتنوع استراتيجياتها بين التدخل العسكري، الدعم السياسي، والمساعدات الاقتصادية.
تعتبر الولايات المتحدة القوة الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط، حيث تعمل على المحافظة على مصالحها من خلال تحالفات استراتيجية مع دول معينة، بينما تُظهر روسيا طموحات متزايدة من خلال تدخلاتها العسكرية ودعم الأنظمة الحليفة. من جهة أخرى، يبرز صعود الصين كقوة جديدة تسعى لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، مما يضيف بعدًا جديدًا للصراعات الإقليمية. علاوة على ذلك، تتفاعل القوى الكبرى مع الفاعلين غير الحكوميين، مثل الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني. وهذه التفاعلات تؤثر بشكل مباشر على الأمن الإقليمي، حيث يمكن أن تسهم في تصعيد النزاعات أو في تحقيق الاستقرار، اعتمادًا على طبيعة العلاقات والسياسات المتبعة.
- السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
تُعتبر السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط واحدة من أكثر السياسات تعقيدًا وتأثيرًا في العلاقات الدولية. منذ منتصف القرن العشرين، حيث لعبت الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في تشكيل الأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة، مما أثر على التوازنات الإقليمية والعالمية.
تعود جذور السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سعت الولايات المتحدة إلى مواجهة النفوذ السوفيتي المتزايد. وفي هذا الإطار، تم تعزيز العلاقات مع دول مثل السعودية واسرائيل، حيث كانت هذه الدول تُعتبر حلفاء استراتيجيين في مواجهة الشيوعية. وفقًا للباحثين، فإن اتفاقية “دارسي” عام 1933 التي منحت الولايات المتحدة حقوق استكشاف النفط في السعودية كانت نقطة انطلاق لعلاقات طويلة الأمد. كما أن قيام دولة اسرائيل في عام 1948 كان له تأثير كبير على السياسة الأمريكية، حيث أصبحت الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لإسرائيل، مما خلق توترات مع الدول العربية. وخلال فترة الحرب الباردة، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الأنظمة الاستبدادية التي كانت تُعتبر حليفة لها. وقد ساهمت هذه السياسات في تعزيز الاستياء الشعبي ضد الولايات المتحدة، مما أدى إلى تفجر الأزمات في المنطقة، مثل الثورة الإيرانية عام 1979، التي أدت إلى الإطاحة بنظام الشاه المدعوم من الولايات المتحدة.[9]
تتناول السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط مجموعة من الأبعاد الاستراتيجية المعقدة التي تعكس المصالح الوطنية للأمن والاقتصاد. تعتبر منطقة الشرق الأوسط مصدراً حيوياً للطاقة، حيث تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي. تسعى الولايات المتحدة إلى تأمين إمدادات الطاقة من هذه المنطقة لضمان استمرارية تدفقها إلى الأسواق الأمريكية وحلفائها. وهذا التأمين لا يتوقف عند حدود الإمدادات، بل يتضمن أيضاً حماية البنية التحتية للطاقة من أي تهديدات محتملة، سواء كانت من دول معادية أو من جماعات مسلحة.
وفي سياق مواجهة القوى المنافسة، تركز السياسة الأمريكية على تقليل نفوذ الدول التي قد تشكل تهديداً لمصالحها، مثل روسيا وإيران. تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة محاولات روسيا لتعزيز وجودها في المنطقة، حيث تعتبر ذلك تهديداً لاستقرار التحالفات الأمريكية التقليدية. كما أن إيران، من خلال سعيها لتطوير قدرات نووية، تمثل تحدياً مباشراً للأمن الإقليمي، مما يستدعي من الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات استباقية للحد من هذا النفوذ. تراقب الولايات المتحدة عن كثب الأنشطة الإيرانية، خاصةً في مجالات تطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. تعتبر هذه الأنشطة تهديداً للأمن الإقليمي، مما يستدعي ردود فعل أمريكية تتراوح بين الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، وصولاً إلى التحركات العسكرية عند الضرورة. إن الاستجابة لهذه التهديدات تتطلب توازناً دقيقاً بين القوة العسكرية والدبلوماسية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز استقرار المنطقة دون التصعيد المباشر. علاوة على ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى فتح أسواق جديدة في الشرق الأوسط، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي. تعتبر العلاقات التجارية والاقتصادية جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حيث تستثمر الولايات المتحدة في مشاريع تنموية وتعزز من التعاون التجاري مع الدول العربية. هذا التعاون لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يشمل أيضاً مجالات التكنولوجيا والتعليم والثقافة، مما يساعد في بناء علاقات طويلة الأمد مع الدول في المنطقة. وتتداخل هذه الأبعاد الاقتصادية والأمنية في إطار سياسة شاملة تهدف إلى تأمين المصالح الوطنية. تعكس السياسة الأمريكية مزيجاً من الأهداف التي تشمل تأمين مصادر الطاقة، مواجهة التهديدات، وتعزيز العلاقات الاقتصادية. إن هذه الديناميات تتطلب استراتيجيات متكاملة للتعامل مع التحديات والفرص في المنطقة، مما يبرز أهمية الفهم العميق للأبعاد الجيواستراتيجية التي تؤثر على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.[10]
وتلعب القضايا الأمنية دورًا محوريًا في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، زادت الولايات المتحدة من تدخلها العسكري في المنطقة، مما أدى إلى غزو العراق وأفغانستان. يُظهر تقرير لجنة 9/11 أن التحولات في السياسة الأمريكية بعد الهجمات كانت مدفوعة بالقلق من الإرهاب والتطرف. كما أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين كان له تأثير كبير على العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، حيث اعتُبر هذا الدعم جزءًا من السياسات التي تساهم في تفاقم الأزمات الإقليمية.[11]
تُعتبر أحداث الربيع العربي التي بدأت في عام 2010 نقطة تحول حاسمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط. فقد أدت هذه الأحداث إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي للعديد من الدول العربية، مما أثر بشكل كبير على الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة. كانت الولايات المتحدة في البداية مترددة في كيفية التعامل مع هذه الثورات الشعبية، حيث واجهت تحديات جديدة تتعلق بالاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان. مع بداية الربيع العربي، كان هناك أمل في أن تؤدي هذه الثورات إلى نشر الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان. ومع ذلك، سرعان ما تحولت هذه الآمال إلى قلق بشأن الفوضى المحتملة وصعود الجماعات المتطرفة. في هذا السياق، قامت الولايات المتحدة بتقييم سياستها بشكل متزايد، حيث شهدت تدخلاً عسكرياً مباشراً في ليبيا عام 2011، والذي كان يهدف إلى دعم الثوار ضد نظام معمر القذافي. ومع ذلك، أدت النتائج غير المتوقعة لهذا التدخل إلى انزلاق البلاد نحو الفوضى، مما أثر سلبًا على الأمن الإقليمي.[12]
وفي سوريا، كان الصراع الذي اندلع في عام 2011 اختبارًا آخر للسياسة الأمريكية. حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، مما جعل من الصعب اتخاذ قرار بشأن التدخل. وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية التي دعت إلى رحيل الأسد، فإن عدم اتخاذ أي إجراء عسكري فعال ساهم في تفاقم الصراع وزيادة نفوذ الجماعات المتطرفة، مثل داعش.[13] علاوة على ذلك، ساهمت أحداث الربيع العربي في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، حيث أصبحت هذه الدول تُعتبر حلفاء رئيسيين في مواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن الفوضى في المنطقة. ومع تصاعد التوترات مع إيران، زادت الولايات المتحدة من دعمها للدول الخليجية، مما أدى إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني.[14]
في السنوات التي تلت الربيع العربي، أصبح من الواضح أن السياسة الخارجية الأمريكية تواجه تحديات جديدة تتطلب إعادة تقييم شامل. فبدلاً من التركيز على نشر الديمقراطية، أصبحت الأولويات الأمريكية تركز بشكل أكبر على الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب. هذا التحول يعكس فهمًا متزايدًا بأن التدخلات العسكرية لا تؤدي دائمًا إلى النتائج المرغوبة، وأن الاستراتيجيات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الثقافية والسياسية لكل دولة على حدة.[15]
لكن في السنوات الأخيرة، تبنت الولايات المتحدة استراتيجيات جديدة تتعلق بالشرق الأوسط، إلا أنها لاتزال تحتفظ بوجود عسكري كبير في الشرق الأوسط، حيث تُعتبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها الأمنية. فوفقًا لتقرير البنتاغون، فإن وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط يهدف إلى مواجهة التهديدات الإيرانية وتعزيز الاستقرار الإقليمي.[16]
شهدت الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي ترامب منذ يناير 2025 تحولات مزلزلة في السياسة الخارجية الأمريكية، وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدءًا من خفض مخصصات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، مروراً بالمحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، ووصولاً إلى مواقف الدول الخليجية عشيّة زيارة الرئيس ترامب المرتقبة إلى المنطقة. وتتضمن التطورات الرئيسية في سياسة ترامب الجمركية فرض رسوم جمركية كأداة تفاوضية، مما أثر على اقتصادات دول المنطقة، حيث تضررت بعض الدول بشكل خاص مثل سوريا والعراق. كما أن خفض التمويل الذي شهدته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أدى إلى آثار سلبية على المشاريع والمساعدات الإنسانية في المنطقة. وكانت زيارة ترامب إلى الخليج مدفوعة بالاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأمريكي. علاوة على ذلك، شهدت الفترة زيادة التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، مع التركيز على إيران والحوثيين. كما تم محاولة فتح قنوات دبلوماسية جديدة مع إيران، رغم التوترات القائمة.[17]
- استراتيجيات روسيا في الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط
تُعتبر استراتيجيات روسيا في الشرق الأوسط جزءًا حيويًا من سياستها الدولية، حيث تسعى موسكو إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر مجموعة من السياسات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث واجهت روسيا تحديات كبيرة في إعادة بناء علاقاتها في الشرق الأوسط، ولكن مع بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت في استغلال الفوضى التي أعقبت الربيع العربي لتعزيز وجودها.
تتجلى الاستراتيجية الروسية بشكل واضح من خلال دعمها للنظام السوري في الحرب الأهلية، حيث تدخلت عسكريًا في عام 2015 لدعم الرئيس بشار الأسد. هذا التدخل لم يكن مجرد دعم عسكري تقليدي، بل تضمن استخدام أسلحة متطورة وتكتيكات جديدة، مما ساهم في تغيير مجريات الصراع لصالح النظام. يُعتبر هذا التدخل جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى استعادة روسيا لنفوذها كقوة عظمى على الساحة الدولية، حيث تسعى إلى تقديم نفسها كبديل للولايات المتحدة في قضايا الشرق الأوسط. يُظهر دعم روسيا للأسد رغبتها في الحفاظ على موطئ قدم دائم في المنطقة، خاصة من خلال القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في اللاذقية، مما يعكس التزامها بالأمن الإقليمي.[18] وبعد سقوط نظام بشار الأسد فإن مستقبل هذه القواعد، التي تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من النفوذ العسكري الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، في يد الرئيس السوري الجديد. إذ يريد الشرع إعادة التفاوض على عقد إيجار طرطوس السخي لمدة 49 عامًا الممنوح في عهد الأسد، وعقد إيجار غير محدد المدة لحميميم، لضمان شروط أفضل، لكن يبدو أنه لا يريد استبعاد موسكو تمامًا. بدلًا من ذلك، يبدو أن القواعد قد تبقى مقابل دعم دبلوماسي وتعويض مالي من روسيا، المنخرطة بعمق في اقتصاد سوريا ودفاعها لسبعة عقود قبل انضمامها إلى الحرب الأهلية عام 2015، والتي أحدثت دمارًا ساعد في إبقاء الأسد في السلطة لسنوات.[19]
ان سقوط الأسد في 2024 قد يشير إلى ضعف النفوذ الروسي، مما يستدعي إعادة تقييم الاستراتيجية الروسية للحفاظ على مصالحها، خاصة في ظل التوترات العسكرية. ومع تأكيد الرئيس الروسي بوتين أهمية وحدة أراضي سوريا واستعداد روسيا لتطوير التعاون مع القيادة الجديدة لسوريا، فإنه يعكس إدراك موسكو لتأثير عدم الاستقرار على المنطقة. فالتعاون مع الرئيس السوري الحال أحمد الشرع قد يسهم في تحقيق استقرار نسبي، لكن التحديات ستظل قائمة في إدارة العلاقات مع الفصائل المختلفة, وقد يؤدي إلى تعقيدات سياسية وعسكرية واقتصادية في المنطقة. [20]
ان توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران،. يثير تساؤلات حول تأثير التعاون الروسي-الإيراني على الأمن الإقليمي ومصالح دول المنطقة، خصوصًا دول الخليج التي لها علاقات خاصة مع كلا الطرفين. وتشمل الاتفاقية صفقة لتصدير الغاز الروسي إلى إيران، حيث قد تبدأ الكميات بـ 2 مليار متر مكعب وتصل إلى 55 مليار متر مكعب سنويًا، مما يعزز التنسيق بينهما في مجال الطاقة بعد أن كانت قضايا الطاقة ساحة تنافس بينهما. جاء توقيع الاتفاقية بعد ثلاث سنوات من التحضير، وقبل دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما دفع البعض لوصفها بهدية ترامب. تزايدت العلاقات بين الدولتين نتيجة دعم إيران لجهود روسيا في الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى تقديم الخبرة الإيرانية في التحايل على العقوبات الدولية.[21]
على الرغم من العلاقة غير المستقرة بينهما، تعاونت روسيا وإيران سابقًا في المجال العسكري، حيث وقعتا اتفاقية دفاع جوي عام 2007م، زودت موسكو بموجبها طهران بأنظمة صواريخ S-300. وفي مارس 2024م، تم الإعلان عن إتمام صفقة الطائرات المقاتلة SU-35، والتي قد تشمل طائرات مروحية هجومية. كما وقعت الدولتان اتفاقًا خاصًا بالمجال النووي، حيث تزود روسيا إيران بالوقود لمفاعل بوشهر، مع التزام إيران بإعادة الوقود المستهلك. وخلال مناورات القوقاز الروسية عام 2020م، عرضت إيران على موسكو إيجار ثلاث قواعد بحرية مقابل نقل تكنولوجيا نووية وفضائية. كما ساهمت روسيا في إطلاق القمر الصناعي الإيراني “خيام” إلى المدار، مما أثار شكوكًا حول استخدامه لأغراض عسكرية. رغم ذلك، حاولت موسكو عرقلة الوصول إلى الاتفاق النووي مع إيران عام 2015م، مما يشير إلى رغبتها في إبقاء إيران كأداة في سياستها الإقليمية. وفي ظل الضغوط الخارجية، تشير بعض التصريحات الإيرانية إلى إمكانية تسليح البرنامج النووي كوسيلة للردع ضد العدوان الإسرائيلي. تعكس هذه النظرة التغيرات في السياسة النووية العالمية، حيث تعتبر إيران أن امتلاك سلاح نووي هو رادع نهائي. من جهة أخرى، قد تستخدم موسكو التهديدات النووية لتعزيز أهدافها السياسية، مما يزيد من تعقيد الأمور في المنطقة. كما إن توثيق العلاقات بين روسيا وإيران قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الانتشار النووي وأمن الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تدعم روسيا إيران في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، مما قد يزيد من التوترات الإقليمية. كما أن التعاون بينهما قد يؤثر سلبًا على أمن دول الخليج، خاصة مع دعم موسكو لوكلاء إيران في المنطقة. ولا يمكن اعتبار الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران مجرد اتفاق ثنائي، بل هي خطوة نحو تعزيز النفوذ الجيوسياسي لكلا الطرفين، مما قد يزيد من التوترات في المنطقة عبر استخدام الأدوات المشتركة، بما في ذلك التهديد النووي.[22]
في الوقت نفسه، تُظهر روسيا اهتمامًا متزايدًا في القضية الفلسطينية، حيث تسعى إلى تقديم نفسها كوسيط محتمل في عملية السلام. في السنوات الأخيرة، استضافت موسكو عدة جولات من المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية، مما يعكس رغبتها في تعزيز دورها كقوة مؤثرة في القضايا العربية. يُعتبر هذا التحرك جزءًا من استراتيجية روسيا الأوسع لتعزيز نفوذها في العالم العربي وتقديم بديل للسياسات الأمريكية. يشير الخبراء إلى أن الرئيس الروسي بوتين يستغل الصراع بين إسرائيل وحماس لتصعيد ما يصفه بصراع وجودي مع الغرب من أجل نظام عالمي جديد. ولم يمرّ تأخره في الرد على هجمات حماس مرور الكرام، وعندما تحدث أخيرًا، وُجّه اللوم إلى الولايات المتحدة على ما يُنظر إليه على أنه سياسة فاشلة في الشرق الأوسط. إن وصفه للولايات المتحدة بمحاولة “احتكار” مبادرات السلام، متجاهلةً التنازلات الممكنة، يُضيف مستوى جديدًا من التوتر الجيوسياسي. إن وصف بوتين الإضافي بأن الولايات المتحدة أهملت المصالح الفلسطينية يضع روسيا في موقع المدافع الصريح عن الحقوق الفلسطينية، مما يُمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط. وعلى الرغم من كونها جزءًا من “الرباعية الدولية للشرق الأوسط” (وهي مجموعة تضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تأسست عام 2002 للتوسط في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية)، فإن انتقاد روسيا للسياسةء الأمريكية يشير إلى رغبتها في تمييز موقفها عن مواقف نظرائها الدوليين. فمن خلال التركيز على تصوير موقف موسكو على أنه التزام بحل النزاعات. تهدف موسكو إلى ترسيخ مكانتها كصانع سلام محتمل، سعياً لتعزيز نفوذها الإقليمي. ويرتكز موقف روسيا على الأزمة الراهنة بين اسرائيل وفلسطين على ضرورتين رئيسيتين، عاجلة وبعيدة المدى. ينبع المبرر المباشر لموقفها المؤيد للفلسطينيين من المواجهة المستمرة مع الغرب. ففي مواجهة عقوبات اقتصادية وسياسية، تسعى روسيا إلى الحصول على دعم الدول التي تنتقد العقوبات والهيمنة الغربية الأحادية الجانب. وتُعد هذه خطوة استراتيجية لمواجهة العزلة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة. وبينما تتلقى حماس دعماً من مختلف دول الشرق الأوسط، إلا أن بعضها لا يؤيدها علناً بسبب التنافسات الإقليمية والأيديولوجية. مع ذلك، لا ينطبق هذا على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تتجنبان اتخاذ موقف معادٍ لحماس علناً نظراً للتعاطف الشعبي المحلي مع حماس وفلسطين. بينما يتمثل المطلب طويل المدى لسياسة روسيا في الشرق الأوسط في المواءمة الاستراتيجية لمصالحها مع تجنب الالتزامات غير الضرورية. تهدف روسيا إلى تجنب الأخطاء السابقة المتمثلة في تفضيل طرف على آخر في منطقة الشرق الأوسط المعقدة. خلال الحرب الباردة، دعمت روسيا الاشتراكية العربية، مخاطرةً بموقفها ضد الأنظمة الملكية التي تقودها السعودية، مما أدى في النهاية إلى إقصائها عن المشهد الإقليمي. الهدف هو الحفاظ على المرونة والقدرة على التكيف في البيئة الجيوسياسية للشرق الأوسط لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.[23]
- صعود الصين وتأثيرها على التوازنات الجيوسياسية
ان صعود الصين كقوة عالمية يغير بشكل جذري التوازنات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين. منذ بداية الإصلاحات الاقتصادية في أواخر السبعينيات، شهدت الصين نموًا اقتصاديًا غير مسبوق، مما جعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بمعدل سنوي متوسط بلغ 9.5% بين عامي 1978 و2018 . هذا النمو السريع أتاح للصين تعزيز قوتها العسكرية والتوسع في نفوذها السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية وفي عام 2024 أصدر المكتب الوطني للإحصاء في الصين تقريرًا يظهر ارتفاعًا ملحوظًا في الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ 134.9 تريليون يوان (ما يعادل 18.41 تريليون دولار أمريكي)، متجاوزًا لأول مرة علامة 130 تريليون يوان.[24] وبذا نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% خلال عام 2024، متفوقاً على توقعات الاقتصاديين، وتماشياً مع مستهدف بكين بفضل حزمة من التدابير التحفيزية.
تمثل منطقة الشرق الأوسط أهمية بالغة لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وذلك لعدة أسباب رئيسية. أولًا، يتمتع الشرق الأوسط بموقع استراتيجي بين طريق الحرير البحري وحزام الطريق الاقتصادي البري. هذا الموقع يجعل المنطقة ذات أهمية جوهرية في التنفيذ الناجح للمبادرة، حيث تحتوي على نقاط مرور بحرية حيوية تُعتبر حاسمة لنظام نقل الطاقة العالمي. إذا تعطلت هذه النقاط، يمكن أن تؤثر بشكل خطير على إمدادات الطاقة والأسعار، فضلاً عن تدفقات التجارة العالمية. على سبيل المثال، يمر عبر مضيق باب المندب حوالي 10% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك معظم صادرات الصين اليومية إلى أوروبا. كما يُعتبر مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله 20% من سفن النفط العالمية، من أهم نقاط مرور النفط على مستوى العالم. ثانيًا، تتمتع المنطقة بأهمية حيوية لأمن الطاقة الصيني. في عام 2015، أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث يأتي نصف استيرادها، الذي يمثل أكثر من 6 ملايين برميل يوميًا، من الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تضاعف الصين وارداتها النفطية من المنطقة بحلول عام 2035.[25]
ثالثًا، يمثل الشرق الأوسط “امتدادًا استراتيجيًا” لمجالات التأثير الجيوسياسية الأساسية للصين. إن تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة يؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار بكين، مما دفع الحكومة الصينية لبذل مزيد من الجهود بالتعاون مع حكومات الشرق الأوسط لمكافحة النزعات الانفصالية العرقية والتطرف الديني، بالإضافة إلى ظاهرة المقاتلين الأجانب، وهو ما زاد من انتشار الإرهاب في مقاطعاتها الغربية. وتواجه الصين معضلة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط نظرًا لكونها غنية نفطيًا وذات موقع استراتيجي هام، لكنها تعاني في الوقت ذاته من أوضاع سياسية معقدة وحالة من عدم الاستقرار. [26]
لذلك، تعتمد بكين استراتيجية تتكون من أربعة محاور تتماشى مع الأهداف الوطنية لدول المنطقة. أولًا، يتم عرض المبادرة في إطار مفيد وغير مُهدِد للدول، وتقديمها على أنها “نوع جديد من آليات التعاون” التي تتسم بالانفتاح والمعاملة بالمثل والمنفعة المتبادلة والنتائج المتكافئة والابتكار والتكامل والتعددية. تستغل الصين ميزتها السياسية باعتبارها “دولة نامية” لا تملك تاريخًا إمبرياليًا، وتقوم بتصوير نفسها كشريك محايد وغير متحيز ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول.[27]
ثانيًا، يتم تحديد أهداف المبادرة ومدى توافقها مع مصالح المنطقة لزيادة جاذبيتها وجذب اللاعبين الرئيسيين فيها. تؤكد الصين على توسيع التقارب بين مصلحة المنطقة ومصلحتها، وكذلك أهمية تحقيق التكامل بين الطرفين، وتكوين مجتمع يتقاسم رؤية مشتركة لمستقبل البشرية. في هذا الإطار، تُروِّج الصين لمفهوم “التعاون في القدرات الإنتاجية الدولية” كنموذج تنموي جديد يعزز التعاون من خلال الاستثمار في شبكات البنية التحتية، مثل السكك الحديدية والطرق السريعة وأنابيب النفط والغاز وشبكات الكهرباء والتجارة، بالإضافة إلى تسهيل الاستثمار والتكامل المالي، مما يخلق فرص عمل لقطاع الشباب المتزايد في المنطقة.
ثالثًا، تعتمد الصين على الأدوات الدبلوماسية لتأسيس ما يُعرف بـ”دائرة أصدقاء مبادرة الحزام والطريق”، مما يعني ضمنيًا وجود تحالف ذي تفكير مشابه. منذ إعلان المبادرة في عام 2013، تم تنظيم زيارات هامة للقيادات بين الصين ودول الشرق الأوسط، حيث زار الرئيس الصيني مصر والمملكة العربية السعودية وإيران في يناير 2016 بهدف تعزيز المبادرة، ووقَّع اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة جديدة مع الدول الثلاث، بالإضافة إلى توقيع مذكرات تفاهم مع سبع دول في الشرق الأوسط حول تطوير وتعزيز المبادرة. رابعًا، تسعى الصين إلى تجنب الاعتماد المفرط على أي مورد وحيد للطاقة أو طريق واحد للتجارة، بل تعمل على تنويع إمدادات النفط وبناء شبكات بديلة من الاتصال والتنسيق والتعاون. على الرغم من اعتماد الصين الأساسي على السعودية في استيراد النفط، إلا أنها تسعى إلى تعزيز علاقتها الثنائية مع إيران لتنويع مواردها النفطية. ورغم ما تعاني منه منطقة الشرق الأوسط من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، إلا أن بعض التطورات داخلها قد تمثل فرصة جيدة لتعزيز المبادرة بما يتفق مع مصالح دول المنطقة، وقد توفر عملية التطوير والتحديث الاقتصادي الكبرى التي حدثت مؤخرًا في المملكة العربية السعودية فرصة لتعزيز انخراط الصين الاقتصادي مع المملكة. فخلال زيارة الملك “سلمان” إلى الصين في مارس 2017، وقَّعت الدولتان صفقات اقتصادية بقيمة 65 مليار دولار. ستدعم المبادرة الصينية زيادة الصادرات النفطية السعودية إلى الصين، وتعزيز موقع المملكة كمركز استراتيجي عالمي وفقًا لأهداف “الرؤية السعودية 2030”. ومع ذلك، يمكن أن تؤثر الآثار الاقتصادية والجيوستراتيجية للمبادرة بشكل كبير على الإقليم، بحيث ستستفيد بعض الدول أكثر من غيرها، مما يفتح الباب أمام احتمال تضارب المصالح بين دول المنطقة. من أبرز تلك الآثار هو التوزيع غير المتكافئ للمزايا نتيجة للموقع الجغرافي الاستراتيجي لبعض الدول، مما يدفع الصين إلى زيادة استثماراتها بتلك الدول في مجالات مختلفة مثل السكك الحديدية والموانئ والطاقة والخدمات، ورفع مستوى العلاقات إلى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”.[28]
كما يُتوقع حدوث تنافس محتمل بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال إنشاء الصين للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وهو أحد الأجزاء الرئيسية والمتكاملة في المبادرة. ومن المتوقع أن يتم تشغيل الممر بحلول عام 2020، بعد الانتهاء من مطار جوادر الدولي في باكستان، مما يوفر فرصًا جيوستراتيجية هائلة لبكين. مع تشغيل هذا الممر، من المتوقع أن تؤثر التطورات بشكل مباشر على موانئ عدد من دول المنطقة، حيث يقع خارج مضيق هرمز ويمكنه التعامل مع سفن الشحن الكبيرة وناقلات النفط، مما يجعله مركزًا إقليميًا مهمًا. وتزداد الأهمية الجيوستراتيجية لقناة السويس بشكل كبير مع نمو الصين اقتصاديًا، حيث تستطيع القناة استيعاب الحجم الكبير المتنامي لسفن الشحن التي تُعتبر مهمة للاقتصاد الصيني، حيث تمر 59% من تجارة الصين عبر النقل البحري. من المرجح أن تظل بكين معتمدة على قناة السويس في المستقبل، خاصة مع الطلب المتزايد على الطاقة، مما يجعل مصر نقطة ارتكاز أساسية في المبادرة الصينية. وبالنسبة لبكين، يمكن أن تكون مصر مركزًا لوجستيًا وبوابة لأوروبا وإفريقيا. الاكتشاف المفاجئ لحقل “ظهر” للغاز الطبيعي في مصر عام 2015 أضاف بُعدًا آخر لجاذبية القاهرة، حيث يُعتبر أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط. لذلك، تسعى بكين لتعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع مصر، وقد رفعت مستوى العلاقات بينهما في عام 2014 إلى درجة “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” لما تمثله مصر من أهمية كبيرة للمبادرة الصينية. وتمتلك مبادرة “الحزام والطريق” إمكانات هائلة لتغيير أنماط التجارة والاستثمار في الإقليم، وإعادة تحديد المحاور والشبكات الإقليمية، بفضل شبكات النقل والبنية التحتية الواسعة. أثناء زيارة الرئيس الصيني إلى المنطقة في عام 2016، تم التوصل إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي لتسريع المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة. كما تم إبرام اتفاق آخر مع إيران يحدد رؤية التجارة الثنائية التي من المتوقع أن تصل إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. ستوفر اتفاقيات تبادل العملات المحلية التي أبرمتها بكين مع كل من مصر والإمارات وقطر قوة دفع إضافية لتعزيز التجارة الصينية مع الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تسريع تدويل اليوان. من ناحية أخرى، تقوم الصين بإنشاء منطقة صناعية جديدة في ميناء “الدقم” في مدينة عمان الجنوبية، والتي من المخطط أن تكون مركزًا لوجستيًا متكاملًا ومتعدد الوسائط يشمل وسائل النقل البحرية والبرية والجوية والسكك الحديدية. ستمهد منطقة الدقم الصناعية الطريق أمام استثمارات بقيمة 10.7 مليارات دولار بحلول عام 2022 لتمويل المشاريع الصناعية.[29]
على الصعيد العسكري، قامت الصين بتعزيز قدراتها الدفاعية بشكل ملحوظ، حيث زادت ميزانيتها العسكرية بشكل مستمر لتصل إلى 261 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام(SIPRI، 2021، ص. 7). هذا التوسع العسكري يهدف إلى حماية مصالحها الإقليمية، خاصة في بحر الصين الجنوبي، حيث تثير النزاعات الإقليمية القلق بين جيرانها. يُظهر هذا التوسع العسكري أن الصين ليست فقط قوة اقتصادية، بل تسعى أيضًا إلى تأكيد وجودها كقوة عظمى عسكرية. علاوة على ذلك، تعكس السياسة الخارجية الصينية الجديدة اتجاهًا نحو تعزيز العلاقات مع الدول النامية، مستفيدة من عدم رضا هذه الدول عن الهيمنة الغربية. تسعى الصين إلى بناء تحالفات استراتيجية مع دول مثل روسيا وإيران، مما يزيد من تعقيد التوازنات الجيوسياسية. وفقًا لمركز دراسات السياسة الخارجية، فإن الصين تروج لنموذج جديد من التعاون الدولي يقوم على تبادل المنافع بدلاً من الشروط السياسية التقليدية).[30]
مع ذلك، يواجه صعود الصين تحديات عديدة، منها التوترات مع الولايات المتحدة، التي تعتبر المنافس الرئيسي لها. تصاعدت التوترات التجارية بين البلدين، مما أدى إلى حرب تجارية بدأت في عام 2018، حيث فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على الواردات الصينية. تشير الدراسات إلى أن هذه الحرب التجارية قد تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، حيث تعتمد العديد من الدول على التجارة مع كلا البلدين.[31]
المبحث الثاني: تفاعل القوى الكبرى مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة وتأثيرها على التوازنات الإقليمية.
شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من التحولات في ظل التنافس الدولي والتوازنات الإقليمية. تأسيسًا على ذلك، يمكن التمييز في إطار التحولات الأساسية التي تشكل بنية العلاقات الدولية والمؤثرة على منطقة الشرق الأوسط، من منظور النظام الدولي. تتضمن هذه التحولات عدة مستويات أساسية، حيث يمكن تسميتها بالتحولات الدائمة التي تتعلق بإدخال عدد من النظريات الجديدة أو المفاهيم على مستوى التحليل، أو بروز عدد من الفواعل الجديدة. وتتجلى هذه التحولات في تغيرات جذرية في الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، مما يؤثر على العلاقات بين الدول. على سبيل المثال، يمكن ملاحظة تأثير صعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا في المنطقة، حيث تسعى هذه الدول إلى توسيع نفوذها من خلال استثمارات مباشرة وتعاون عسكري مع بعض الدول العربية. هذا التوجه يعكس تحولًا في موازين القوى التقليدية التي كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة والغرب.[32]
علاوة على ذلك، فإن التحولات الإقليمية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السياسات الداخلية للدول. فالصراعات المستمرة، مثل النزاع السوري واليمني، تؤدي إلى تغييرات في التحالفات، حيث تسعى الدول إلى تأمين مصالحها الوطنية في ظل الفوضى الإقليمية. كما أن ظهور فواعل غير حكومية، مثل الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، يعقد المشهد أكثر، مما يستدعي استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذه التحديات. وتتطلب هذه التحولات أيضًا إعادة تقييم للسياسات الخارجية للدول في المنطقة. فالدول العربية، على سبيل المثال، بدأت في تنويع علاقاتها الدولية، حيث تسعى إلى بناء شراكات استراتيجية مع قوى جديدة، مما يعكس تحولًا في التفكير التقليدي حول التحالفات. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بقضايا التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي، مما يعكس رغبة الدول في تحقيق الاستقرار والتنمية في ظل الظروف المتغيرة.
أولاً: الفاعلون غير الحكوميون في مشهد التوازنات والصراعات الجيوسياسية.
أصبح الفاعلون غير الحكوميين، مثل المنظمات غير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات، والجماعات المسلحة، والحركات الاجتماعية، جزءًا لا يتجزأ من الديناميات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تسعى القوى الكبرى إلى فهم والتفاعل مع هؤلاء الفاعلين لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
- داعش
تبرز جماعة “داعش” كأحد الفاعلين غير الحكوميين الذين أثروا بشكل كبير على الأمن الإقليمي والدولي. فاستطاعت “داعش” من خلال استراتيجياتها العسكرية والإعلامية أن تخلق حالة من الفوضى في مناطق واسعة من العراق وسوريا، مما دفع القوى الكبرى إلى إعادة تقييم استراتيجياتها العسكرية والسياسية, وبينما يبرر داعش العنف على أساس عقيدة دينية ضيقة، يبدو أن دافعه الرئيسي سياسي في جوهره – سعيًا وراء الأرض والموارد وطرق التجارة وحركة البشر، بالإضافة إلى الكرامة والهوية والاستقلال والحفاظ على الذات. يستخدم داعش الدين لخدمة قضية سياسية، تهدف إلى عكس الذل واستعادة الماضي المثالي، وليس العكس, فلا حل عسكري للصراع مع التطرف الإسلامي, حيث ان داعش حركة ذات هدف سياسي يتمثل في التغلب على الذل الذي عانى منه المسلمون على أيدي القوى الأجنبية والطغاة المحليين. يستمد داعش قوته من الأيديولوجية الدينية، والحنين إلى الماضي المجيد، والاختلالات المجتمعية المتجذرة، والغضب النفسي تجاه انتهاكات القيم المقدسة أو الأخلاقية. فما دامت الأسباب الجذرية قائمة، فإن حركات مثل داعش ستتغذى عليها. من الأمثلة على ذلك أن قتل أمريكا لزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، فخرًا منها، لم يمنع صعود تنظيم داعش، أحد فروع القاعدة، من تحت الرماد. ومن المرجح أن يزداد التحدي الذي يمثله التطرف للجماعات الأصولية تعقيدًا بفعل عوامل أخرى عديدة, حيث سيستفيد تنظيم داعش وغيره من الجماعات من الزوال الوشيك للقوة العالمية الأمريكية وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط. إن زيادة إنتاج النفط المحلي الأمريكي، من خلال استخراج النفط الصخري وغيره من الوسائل التكنولوجية، تجعل الولايات المتحدة أقل اعتمادًا على نفط الخليج العربي – وهو اعتماد ظل لعقود مصلحة وطنية حيوية للولايات المتحدة، برّر استعراض قوتها العسكرية في المنطقة. إن التجارب المريرة والمكلفة التي خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق وليبيا تجعل واشنطن مترددة في الاستمرار في التدخل المباشر في المنطقة. بدلًا من ذلك، يستخدم عقيدة أوباما هجمات الطائرات بدون طيار والغارات الجوية لمحاربة الإرهابيين، ويبيع الأسلحة لدول المنطقة لموازنة بعضها ببعض.[33]
كانت المبيعات العسكرية وأمن النظام البندين الرئيسيين على قائمة أولويات الولايات المتحدة بالنسبة لدول الخليج العربي. وبدلًا من المزيد من مبيعات الأسلحة، يحتاج الشرق الأوسط إلى قوى أجنبية خيرة، وقادة وطنيين، وسياسات ديمقراطية، وتنمية اقتصادية متوازنة. هناك عاملٌ آخر يُعقّد الأمور، وهو احتمال نشوب صراع ثلاثي في المنطقة، حيث يسعى الإيرانيون والأتراك والعرب إلى إحياء أمجاد الماضي. سيتجه الإيرانيون بشكل متزايد نحو الفارسية الشوفينية، والأتراك نحو العثمانية الشوفينية، والعرب نحو الإسلاموية المتطرفة. فقبل اندلاع الثورات العربية عام ٢٠١١، كانت إيران والسعودية منخرطتين بالفعل في حرب باردة إقليمية جديدة، حيث تحالف السعوديون مع مصر والأردن ودول الخليج العربي، وتحالفت إيران مع سوريا، بالإضافة إلى الفصائل الشيعية الفلسطينية واللبنانية، حماس وحزب الله. تدهورت العلاقات السعودية الإيرانية أكثر فأكثر لتتحول إلى حروب بالوكالة، في ظل أزمات سياسية متفاقمة في البحرين وسوريا والعراق، وصولًا إلى اليمن.[34]
- 2. حركة حماس
تمثل حركة “حماس” فاعلاً غير حكومي له تأثير كبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حيث تلعب الحركة دورًا رئيسيًا في السياسة الفلسطينية، وتعتبر طرفًا رئيسيًا في المفاوضات مع القوى الكبرى. تشير الدراسات إلى أن الدعم الذي تقدمه بعض الدول لحركة “حماس” يعكس التفاعلات المعقدة بين الفاعلين غير الحكوميين والقوى الكبرى، حيث تسعى هذه الأخيرة إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وليس من المستغرب، منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2024، أن تكون الولايات المتحدة صريحة في دعمها لإسرائيل. شمل ذلك إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة لردع الجهات الفاعلة الأخرى عن الهجوم، وجمع المعلومات الاستخبارية، وتوفير الدفاع الجوي. كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لعرقلة قرار مجلس الأمن الدولي الذي صاغته البرازيل بشأن الصراع، لأنه لم يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي غضون ذلك، وبينما لا يوجد ما يشير إلى تورطها المباشر في التخطيط لهجوم 7 أكتوبر ، لطالما دعمت إيران حماس ماليًا وعسكريًا واقتصاديًا. في الواقع، كانت إيران تُدرب مقاتلي حماس ، وقد هنأ المسؤولون الإيرانيون حماس جهارًا برأس على الهجوم المفاجئ في 7 أكتوب. كما تزعم الولايات المتحدة أن إيران تراقب، بل وتُسهّل، هجمات على القوات والقواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.[35]
أبدت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل صراحةً دعمها لكل منهما، إلا أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيذهب أي من الجانبين لدعم حلفائه. ودعت إيران علنًا إلى وقف الهجمات الإسرائيلية على غزة وهددت بالتدخل في حال اتساع نطاق الصراع، لكنها بلا شك ستجد نفسها ممزقة بين رغبتها في الهيمنة الإقليمية وقلقها من الانجرار إلى صراع مكلف في ظل أزمة اقتصادية وعدم استقرار داخلي. تواجه الولايات المتحدة مأزقًا مماثلًا – فبينما سترغب في حماية مصالحها في الشرق الأوسط، ووجود دعم محلي قوي لإسرائيل في الولايات المتحدة، فإن التحديات التي واجهها بايدن في تأمين الدعم المالي لحزمة مساعداته العسكرية لأوكرانيا، وتجربة الولايات المتحدة الأخيرة في الشرق الأوسط، وضغوط القادة العرب، ستدفع بلا شك إلى توخي الحذر بشأن التدخل المكثف على المدى الطويل. في الواقع، هناك دلائل متزايدة على أنه في حين تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بقوة، فإن الضغط الدولي المتزايد بدأ يُغير موقف أمريكا مع تركيز بايدن المتزايد على الوضع الإنساني في غزة.
عكس نهج الصين حتى الآن إلى حد كبير نهجها تجاه غزو روسيا لأوكرانيا – وهو ترسيخ مكانتها كقوة عالمية محايدة تسعى إلى السلام. بالطبع، الصين ليست محايدة في هذا الشأن – فهي تسعى إلى توسيع مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط، وبالتالي لديها مصلحة واضحة في السلام والاستقرار في المنطقة. كما أن لديها روابط قوية مع إيران، وقد تجنبت حتى الآن إدانة هجوم حماس. في الواقع، لم تعترف الصين بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلا في الأيام الأخيرة، وحتى ذلك الحين، كان هذا الاعتراف مصحوبًا بتحذير قوي من التركيز على القانون الدولي وحماية المدنيين. إن الفجوة الخطابية بين لغة الصين حول الصراع واللغة الأمريكية لافتة للنظر. ومع ذلك، ومع المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، يبدو أن نهج الصين يعتمد على فرضية مفادها أنه، في الوقت الحالي على الأقل، لن تستفيد الصين كثيرًا من التدخل المباشر.[36]
بينما تنشغل روسيا بشكل رئيسي بصراعها مع أوكرانيا، سعت بنشاط أكبر إلى لعب دور الوسيط في الصراع، على أساس أن روسيا، وفقًا لبوتين، تتمتع بعلاقات “جيدة” و”تقليدية” مع كلا الجانبين، وبالتالي “لا يمكن لأحد أن يشتبه في أنها (روسيا) تتملق أحد الطرفين”. ومع ذلك، مع ترحيب روسيا بمسؤولين من حماس وإيران في موسكو، من الواضح أن أي ادعاءات بالحياد، أو إمكانية لعب دور الوسيط، تتلاشى بسرعة. ان موقف روسيا متجذر جزئيًا في علاقاتها المتنامية مع إيران، والتي تعززت منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تساعد روسيا برامج الصواريخ والمركبات الفضائية الإيرانية مقابل طائرات بدون طيار قتالية ومعدات عسكرية إيرانية. أي دعم روسي لحماس سيخفف من وطأة القلق بشأن زيادة عزلة إسرائيل، التي تربطها بها علاقات قوية، ليس أقلها من خلال الشتات الروسي الإسرائيلي، الذي يشكل 15٪ من سكان إسرائيل. في الواقع، رفضت إسرائيل، حتى الآن، الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا أو إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. ومع ذلك، مع سعي أوكرانيا إلى استخدام تردد روسيا كفرصة لتحسين العلاقات مع إسرائيل، ومع تهديد عضو بارز في الحزب الحاكم في إسرائيل بـإن جعل روسيا “تدفع ثمن” دعمها لحماس قد يكون قضية خاسرة بالفعل. لكن في نهاية المطاف، لا تزال أوكرانيا هي الأولوية الأولى والأهم لروسيا. وبهذا المعنى، يصب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط في مصلحة روسيا. فبعد ثلاثة أعوام، يسود شعور واضح بأن الرغبة في استمرار الدعم لأوكرانيا آخذة في التضاؤل لدى بعض الأطراف، وخاصة داخل الولايات المتحدة. ولا شك أن بوتين يأمل أن يستهلك الصراع في الشرق الأوسط الوقت والطاقة والموارد التي كانت ستُوجه إلى أوكرانيا، التي لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الغربي. في الوقت نفسه، تستغل روسيا الحرب بين إسرائيل وحماس كفرصة لتشويه سمعة الولايات المتحدة من خلال إلقاء اللوم في الأزمة على فشل الدبلوماسية الأمريكية. لقد بذلت الولايات المتحدة جهودًا كبيرة في محاولة تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، وقد تصبح هذه الجهود أضرارًا جانبية للصراع، لصالح روسيا. وهذا لا يعني أن روسيا تُفضّل حربًا شاملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما بسبب التهديد الذي قد يُشكّله ذلك على مصالحها، بما في ذلك قواعدها الجوية والبحرية، في المنطقة. في الواقع، هناك خطرٌ من أن يزيد ارتباط روسيا الوثيق بحماس من احتمال نجاح بايدن في الحصول على حزمة دعم مشتركة لإسرائيل وأوكرانيا من خلال مجلس النواب الأمريكي. في الوقت الحالي على الأقل، يُمثّل الصراع بالنسبة لروسيا على الأقلّ مصدر إلهاء غربي مُرحّب به مع استمرار الصراع مع أوكرانيا – ولا يزال من غير الواضح إلى متى سيستمر هذا الوضع.[37]
مع صراعٍ مُتقلّب وسريع التطوّر بهذا القدر، يصعب للغاية، بل وربما يكون له نتائج عكسية، التنبؤ بما سيحدث لاحقًا. خطوة واحدة من طرف واحد يُمكن أن تُغيّر مسار الأحداث جذريًا. يكفي النظر إلى التراجع الحادّ للاتحاد الأوروبي عن قراره بسحب المساعدات من فلسطين إلى الدعوة إلى تقديم مساعدات عاجلة لمعرفة مدى سرعة تحوّل الأمور. وبالمثل، نشهد بالفعل تنامي المشاعر المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء الغرب مع تفاقم الوضع الإنساني، مما يُنذر بخطر انقسام التحالف الغربي وتباعد متزايد في النهج بين الولايات المتحدة وحلفائها. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الأمور المجهولة. مع ذلك، من الواضح أن الأحداث الجارية قوضت التقدم نحو الاستقرار في الشرق الأوسط، وتشكل تحديًا متزايدًا للتحالف الغربي وعلاقاته العالمية، وأن تداعيات الصراع ستظل محسوسة لعقود وأجيال قادمة.
- الحوثيين
تُعتبر جماعة “الحوثي” في اليمن أيضًا فاعلاً غير حكومي له تأثير كبير في الصراع اليمني. تمكنت الجماعة من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، مما أدى إلى تدخلات عسكرية من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية. وتشير التقارير إلى أن الحوثيين قد حصلوا على دعم من إيران، مما يعكس التفاعلات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة. شنّت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن، والتي تُمارس نفوذها الفعلي في شمال البلاد، وتعكس الغارة الجوية القاتلة بطائرة مُسيّرة على تل أبيب في 2024. ورغم ادعاء السلطات الإسرائيلية وقوع “مئات” الهجمات الحوثية السابقة على إسرائيل، إلا أن هذا الحدث غير المسبوق، الذي أسفر عن مقتل مدني إسرائيلي وإصابة عدد من المدنيين الإسرائيليين، أظهر تقدمًا ملحوظًا في القدرات الهجومية الحوثية منذ 7 أكتوبر ، بالإضافة إلى تصميمهم على الاشتباك المباشر مع إسرائيل. وفي ردّ سريع، شنّت إسرائيل غارات جوية على الحديدة، معقل الحوثيين الاستراتيجي ومدينة الميناء الحيوية. استهدفت هذه الغارات مستودعات وقود ومواقع مرتبطة بالطاقة ومنشآت أخرى في الميناء، مما أشعل حريقًا هائلاً حول خزانات الوقود وفاقم الصراع. ومن شبه المؤكد أن هجوم الحوثيين على تل أبيب قد سُهّل بفضل التكنولوجيا الإيرانية والدعم الاستراتيجي، مما قد يُنذر بتحول ملحوظ في استراتيجية طهران العملياتية، مما قد يُشرك جهات إقليمية إضافية ويُوسّع نطاق الصراع. وقد أظهرت إسرائيل، المُصمّمة على الدفاع عن أراضيها، استعدادها للرد بقوة أكبر لردع التهديدات المستقبلية.[38]
ومما يزيد الأمور تعقيدًا، أن معلومات استخباراتية أمريكية تشير إلى احتمال قيام روسيا بتزويد الحوثيين بصواريخ متطورة مضادة للسفن. ولن يقتصر تأثير هذه الخطوة على تصعيد الصراع بالوكالة بين القوى الكبرى فحسب، بل سيزيد أيضًا من حدة التهديد البحري الذي يشكله الحوثيون في البحر الأحمر، بما في ذلك للأصول البحرية الأمريكية وقوات التحالف. وبالتالي، يُخاطر اليمن بأن يصبح ساحة معركة لصراعات جيوسياسية أوسع نطاقًا، مع عواقب وخيمة على سكانه المدنيين. ومن منظور استراتيجي، لا تُعتبر أفعال الحوثيين متهورة فحسب، بل تهدف إلى استفزاز رد فعل إسرائيلي قوي، وبالتالي تدويل الصراع. ولا يزالون يرون أن عملياتهم العسكرية تحظى بدعم من سكان اليمن المؤيدين للفلسطينيين، بالإضافة إلى تعاطف ودعم جهات إقليمية وقوى عالمية أخرى مستاءة من سياسات إسرائيل. علاوة على ذلك، يشير تورط إيران وإمكانية الحصول على مساعدة عسكرية روسية إلى هدف جيوسياسي أوسع، وهو استغلال الحوثيين كقوة فاعلة لتحدي النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.[39]
ومنذ نوفمبر 2023، شنّ الحوثيون المدعومون من إيران هجمات عديدة بالطائرات المسيرة والصواريخ على سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، مدّعين تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة في خضم الحرب بين إسرائيل وحماس. ويؤكد تطوير الحوثيين لطائرات مسيرة متطورة مثل صماد-3 ويافا، بدعم إيراني كبير، على قدراتهم المعززة. وتمثل طائرة يافا المسيرة، على وجه الخصوص، والتي تجاوزت أنظمة الكشف بالرادار الإسرائيلية، قفزة نوعية في نطاق عملياتهم وتطورهم. يُظهر ميل الحوثيين للعمل بحرية وعدوانية دون الشعور بالعواقب التحديات الكامنة في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تعمل بعقلية صفرية – ويبدو أن هدفهم النهائي هو السيطرة الكاملة على اليمن أو تدميره بالكامل. ومن غير المرجح أن تردع الهجمات الإسرائيلية وحدها الحوثيين، إذ إن قدراتهم المتنامية تشير إلى قدرتهم على الصمود والتكيف مع الضغوط العسكرية. يُصعّد الحوثيون الصراع، معتبرين أن ليس لديهم ما يخسرونه: فإذا هاجمتهم إسرائيل، سيُستشهدون؛ إذا نجوا، فسيكتسبون مظهرًا منيعًا. وتعكس هذه المقامرة المدروسة فهمهم للمشهد الجيوسياسي وديناميكيات التدخل الدولي.[40]
وفي مايو 2025 أدى الهجوم الصاروخي الحوثي على مطار بن جوريون. لرد اسرائيل بقصف مكثف لليمن، مستهدفة محطات الطاقة والبنية التحتية المدنية، مما أدى إلى دمار واسع. حيث تسعى إسرائيل لإعادة تأكيد هيمنتها العسكرية، مستفيدة من الظروف الحالية لتوسيع دائرة الاشتباك، مما يهدد استقرار الدول العربية .قد يتجاوز رد إسرائيل على اليمن استهداف مواقع الحوثيين، ليشمل ربما ضربات ضد الأصول الإيرانية. ونظرًا للروابط الوثيقة بين الحوثيين وإيران، فإن مثل هذه الإجراءات قد تُصعّد الصراع، وتجذب قوى إقليمية إضافية، وربما تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. ومع ادعاءا زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، مؤخرًا إدخال “أسلحة غواصات” إلى ترسانة الجماعة، مما يُشير إلى تقدم محتمل في القدرات البحرية أيضًا. وبينما لا تزال التفاصيل شحيحة، يُشير إعلان عبد الملك إلى تحول استراتيجي يهدف إلى تعزيز قدرة الحوثيين على تعطيل الطرق البحرية الحيوية في البحر الأحمر وما وراءه، ويُبرز تطورًا عسكريًا متطورًا. باستخدام التقنيات المتقدمة، التي يُزعم أنها مدعومة من إيران، لا يُؤكد الحوثيون حضورهم الإقليمي فحسب، بل يُعقّدون أيضًا جهود الولايات المتحدة وحلفائها لضمان الأمن البحري.[41] كما إن احتمال تسليح روسيا للحوثيين بصواريخ متطورة مضادة للسفن يُضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد الجيوسياسي، مما يزيد من خطر نشوب صراع أوسع نطاقًا، ويُعرّض للخطر ليس فقط التجارة الدولية، بل أيضًا الأصول البحرية الأمريكية وقوات التحالف العاملة في البحر الأحمر وباب المندب والخليج.
ثانياً: التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط
تعتبر منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية من المناطق التي تتمتع بكثرة الأحداث، بدءًا من الوضع في سوريا واليمن وليبيا، إلى الوضع في الداخل العراقي. إضافة إلى ذلك، تتداخل العديد من القوى والفاعلين الخارجيين مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا. على رأس هذه القوى الخارجية تأتي الولايات المتحدة الأمريكية، كما تم توضيحه سابقًا. ويضاف إلى هذا التعقيد تدخل القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، مما يساهم في تشكيل بيئة معقدة تتسم بالتنافس والصراع.
تتضمن هذه البيئة أيضًا بروز وصعود فواعل غير حكومية لا تتبع الدولة، سواء كانت محمية أو أخرى “عابرة لمحدود”، حيث أصبح لها تأثير كبير، كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا. لقد أثرت هذه الفواعل على كيانات ومؤسسات الدولة، وجعلت الحدود الإقليمية غير مستقرة، ولعبت دورًا فعالًا في الحروب الإقليمية بالوكالة، مما جعلها حالة واقعية في الوضع الأمني الجيوسياسي الداخلي وفي المنطقة العربية.[42]
نتج عن تشكيل هذه الفواعل غير الحكومية آثار عديدة، حيث أدت التحولات الكبيرة في مفهوم الدولة إلى تقسيم بعض الدول إلى مساحات جغرافية تسيطر عليها كيانات معينة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية. وأصبح هذا المفهوم هو الذي يحكم العلاقات بين القوات النظامية المتبقية والفواعل الجديدة غير الحكومية المدعومة من رعاة خارجيين. كما أن الفواعل الفرعية المحمية غير المجتمعية، مثل المكونات المتجمعة في وحدات “الحشد الشعبي” في العراق، المرتبطة بالكيانات الرسمية، أدت إلى خلق حالة من الثنائية.
أما بالنسبة للأبعاد الجيواستراتيجية، فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة القوة الأكثر تأثيرًا في منطقة الشرق الأوسط، لكنها بدأت مؤخرًا في تغيير أولوياتها، حيث تركزت على مواجهة الصين وروسيا، مما أدى إلى إحالة العديد من الملفات إلى حلفائها الرئيسيين. وقد أظهرت التحولات الواضحة في السنوات الأخيرة أن الحلفاء المحميين بدأوا بمعارضة بعض السياسات الخارجية الأمريكية بشكل أكبر من أي وقت مضى، مثل معارضة إسرائيل للاتفاقية النووية مع إيران. كما أن خفض سقف إنتاج النفط لمجموعة “أوبك” يتعارض بشكل واضح مع الرغبة الأمريكية في زيادة الإنتاج، مما يوحي بأن منطقة الشرق الأوسط قد تحولت من الجغرافيا السياسية أحادية القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب.[43]
تجدر الإشارة إلى أن التغير الملحوظ في أدوار الجهات الفاعلة الخارجية والفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة أدى إلى تغيرات في سمعة بعض القوى المحمية، حيث أصبحت أكثر قدرة على ممارسة النفوذ. أما بالنسبة للصين، التي تمثل قوة سياسية واقتصادية، فقد رحبت بتحول بعض دول المنطقة إلى آسيا كطريقة لتأمين مصالحها الاقتصادية. وفي المقابل، أبرزت العلاقات المتنامية بين بعض الدول العربية والصين تصورًا لمتعددية القطبية، مما خلق قلقًا لدى واشنطن. كما أن القمة الثالثة التي عقدها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” خلال ديسمبر 2022 مع بعض قادة دول المنطقة تعد دليلًا واضحًا على تعزيز نفوذ الصين في الشرق الأوسط. وتظهر هذه الديناميات أن الاستراتيجيات الدولية تجاه المنطقة مبنية على ثوابت ومعطيات صاغتها الدول وفقًا لمبادئ أساسية تعتبر بمثابة المرتكزات الكبرى لرؤيتها وأهدافها. وتتطلب هذه التحولات إعادة تقييم للسياسات والاستراتيجيات في إطار البيئة الجيوسياسية المتغيرة، حيث أصبحت الحاجة ملحة لتحديد مسارات سياسية تتماشى مع المتغيرات الجديدة وتحافظ على العلاقات الاستراتيجية. إن التوجهات التي طُرحت لتغيير واقع الشرق الأوسط أو إعادة رسم خارطة التفاعلات بين الأطراف الرئيسة تشير إلى ضرورة إحداث تغييرات في بعض الدول.[44]
الخاتمة.
تتناول هذه الدراسة التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط في ظل التعددية القطبية وتأثير القوى الكبرى، مما يبرز الأبعاد المعقدة للأمن الإقليمي, حيث إن التغيرات السريعة في النظام الدولي، مع صعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا، قد أعادت تشكيل التوازنات التقليدية، ويتضح من خلال هذه الدراسة أهمية الأدوار التي تلعبها القوى الكبرى في تشكيل الصراعات الإقليمية والتوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. حيث تمثل هذه القوى محركات رئيسية تؤثر على سير الأحداث، سواء من خلال الدعم العسكري والسياسي لأطراف معينة أو من خلال استراتيجيات التفاعل مع الظواهر الجيوسياسية الجديدة.
تظل الولايات المتحدة القوة العظمى التقليدية في الشرق الأوسط، حيث تسعى للحفاظ على نفوذها من خلال دعم حلفائها الرئيسيين مثل السعودية وإسرائيل, حيث تتبنى الولايات المتحدة سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران، مما يساهم في زيادة التوترات الإقليمية ويؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة. في المقابل، تركز الصين على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط من خلال مبادرة الحزام والطريق، مما يمنحها نفوذًا متزايدًا, حيث تسعى الصين إلى تحقيق استثمارات ضخمة في مجالات البنية التحتية والطاقة، مما يعزز من دورها كقوة مؤثرة في المنطقة.
أما روسيا، فتسعى لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط من خلال دعم الأنظمة القائمة، مثل نظام بشار الأسد في سوريا. تلعب روسيا دورًا متزايدًا في الصراعات الإقليمية، حيث تسعى لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في المشهد الجيوسياسي.
تسعى الولايات المتحدة لاستغلال التوترات بين السعودية وإيران لتعزيز نفوذها في المنطقة, وهذه الديناميكية تعكس كيفية استخدام الولايات المتحدة للخلافات الإقليمية كوسيلة لتعزيز مصالحها الاستراتيجية, حيث ان الخلافات بين الرياض وطهران، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية والطموحات النووية الإيرانية، تُعتبر فرصة للولايات المتحدة لتوسيع نفوذها من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي للسعودية، مما يعزز من موقفها في مواجهة التحديات الإيرانية.
تلعب اسرائيل دورًا محوريًا في التوازنات الإقليمية، حيث تُعتبر دولة احتلال تنتهك القوانين الدولية, في نفس الوقت تعتمد إسرائيل على دعم قوي من الولايات المتحدة، مما يؤثر بشكل كبير على التوترات في المنطقة, وهذا الدعم الأمريكي يُعزز من موقف إسرائيل في الصراع مع الفلسطينيين ويزيد من التوترات بين السعودية وإيران، ويدخل كعامل ضغط على دول الخليج لتقبل الأوضاع المستمرة في صراع الفلسطينيين والاسرائيليين, وتراخي ردود الفعل الخليجية ضد اعمال اسرائيل المنتهكة لقواعد القانون الدولي في مقابل أمن وحماية تلك الدول.
تسعى إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الميليشيات والجماعات المسلحة، مما يساهم في زيادة التوترات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج, حيث تعتبر إيران قوة محورية في الصراعات الإقليمية، تسعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال التوسع في نفوذها، مما يزيد من تعقيد الأمن الإقليمي.
النتائج.
- تعكس التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط تغيرًا جذريًا في التوازنات التقليدية نتيجة لصعود قوى جديدة مثل الصين وروسيا, وهذه القوى لم تعد مجرد منافسين للنفوذ الأمريكي، بل أصبحت فاعل رئيسي في صياغة السياسات الإقليمية.
- تلعب القوى الكبرى دورًا محوريًا في تحديد مسارات الصراعات الإقليمية, على سبيل المثال، العلاقات الإيرانية – السعودية تمثل نموذجًا واضحًا للتوترات التي تؤثر على الأمن الإقليمي. والتدخلات العسكرية والسياسية من قبل هذه القوى وداعميها, تعكس كيف يمكن أن تؤدي السياسات الخارجية إلى تفاقم الأزمات، مما يستدعي من الدول العربية إعادة تقييم استراتيجياتها للتعامل مع هذه التحديات.
- يستمر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في كونه أحد أبرز القضايا التي تهدد الاستقرار في المنطقة, إن تصاعد العنف والتوترات بين الفصائل الفلسطينية واسرائيل، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، يعكس الحاجة الملحة لحل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويجبر اسرائيل على الامتثال لقواعد القانون الدولي, حيث إن عدم التوصل إلى تسوية مستدامة يعزز من حالة عدم الاستقرار ويؤثر سلبًا على العلاقات بين الدول العربية واسرائيل.
- تبرز أهمية الفاعلين غير الحكوميين، مثل الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، في تشكيل المشهد الأمني. هذه الفواعل تستفيد من الفوضى السياسية وتساهم في تعقيد التوازنات الجيوسياسية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار, حيث ان ظهور تنظيمات مثل داعش والحوثيين يعكس كيف يمكن أن تؤثر هذه الجماعات على السياسات الأمنية وتزيد من تعقيد التفاعلات بين الدول.
- يعكس الصراع في اليمن كيف تؤدي التدخلات الخارجية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية, حيث ان الوضع في اليمن يتطلب استجابة دولية عاجلة، حيث أن استمرار الصراع يهدد الأمن الإقليمي ويؤثر سلبًا على الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
- تتداخل الأبعاد الاقتصادية مع الأبعاد الأمنية، حيث أن السياسات الاقتصادية للدول الكبرى تؤثر على الاستقرار في المنطقة.
التوصيات.
- يستدعي من الدول العربية وضع استراتيجيات شاملة تركز على تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها, وهذه الاستراتيجيات يجب أن تشمل خطوات محددة تعزز من فعالية الأمن الإقليمي.
- يتطلب إنشاء قنوات فعالة لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يسهم في تعزيز قدرة الدول على التصدي لهذه التهديدات, حيث تعتبر التحالفات الإقليمية من الأدوات الفعالة لمواجهة التهديدات الأمنية, فمن خلال العمل المشترك، يمكن للدول العربية تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التحديات المشتركة.
- ينبغي تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة لتعزيز التنسيق بين القوات المسلحة للدول الأعضاء، مما يرفع من مستوى الاستعداد لمواجهة الأزمات.
- يجب أن يتم تطوير استراتيجيات مشتركة للتصدي للهجمات الإلكترونية التي تهدد البنية التحتية الحيوية، مما يعزز من أمن الدول.
- ينبغي تطوير آليات فعالة للأمن الجماعي الإقليمي، مما يمكن الدول في منطقة الشرق الأوسط خاصة العربية من التعامل مع الأزمات بشكل منسق, لذا من الضروري تأسيس منظمة إقليمية تعنى بالأمن، تعمل على تنسيق السياسات الأمنية وتوفير منصة للحوار بين الدول الأعضاء.
- يجب وضع استراتيجيات إقليمية شاملة المحاور تكون مشتركة لمكافحة الإرهاب، تتضمن تبادل الخبرات والتقنيات بين الدول.
- ينبغي إدماج البعد الاقتصادي في استراتيجيات الأمن، حيث يمكن أن تسهم التنمية المستدامة في تقليل التوترات.
- يجب أن يلعب المجتمع الدولي دورًا أكثر فعالية في دعم الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، من خلال توفير الدعم الفني والمالي للدول العربية, وهذا الدعم يمكن أن يشمل مجالات التدريب والتجهيز، مما يعزز من قدرة الدول على مواجهة التحديات الأمنية. كما ينبغي تشجيع المجتمع الدولي على القيام بدور الوساطة في النزاعات الإقليمية، مما يساعد في تحقيق تسويات سلمية.
- دعم إنشاء منصات حوار فاعلة بين الدول العربية والدول الكبرى لمناقشة القضايا الأمنية والسياسية.
- ينبغي على الدول في المنطقة مراجعة سياساتها الأمنية بشكل دوري لضمان توافقها مع المتغيرات الدولية والإقليمية, حيث تتطلب التغيرات الجيوسياسية السريعة استجابات مرنة وفعالة من الدول العربية.
- بناء شراكات استراتيجية أكثر توازناً مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لضمان دعمهما الجاد للأمن الإقليمي.
- تعزيز الدور العملي للمنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية في معالجة القضايا الأمنية والسياسية، والعمل على تطوير آليات فعالة للتعامل مع الأزمات من خلال تلك المنظمات.
- ينبغي التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية كوسيلة لتعزيز الاستقرار، حيث ان تحسين الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يساهم في تقليل النزاعات الداخلية.
قائمة المراجع:
أولاً: المراجع العربية:
- أميف العزاوي، عادل القاضي، “النظام الإقليمي العربي في ظل التحولات الدولية: الواقع والتحديات والمستقبل”، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 28، العدد 2، 2022
- إيهاب محمد أبو المجد عياد. أثر المتغيرات الدولية المعاكسة على الأمن الجيوسياسي للشرق الأوسط. مجلة البحوث المالية والتجارية، 24(2)، إبريل 2023. تاريخ القبول: 16 يوليو 2023. https://jsst.journals.ekb.eg/
- تطورات من الثورة السورية ّ الموقف الأميركي ّ سلسلة: تقدير موقف, وحدة تحليل السياسات, المركز العربي, فبراير 2013
https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_5D3FF132.pdf - حيدر عمي حسيف، “العنواف: الشرق الأوسط: افتراضات متصدعة وأنماط جديدة من الصراع”، الجزائر، مجلة الفكر القانوني والسياسي، العدد 2، 2022
- الدين طارق شوكت, كمال, بهاء الدين الغمري, محمد, & محمد عبدالعال, رنا. تأثير الصعود الصيني علي تغير هيكل النظام العالمي. المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية, (2023),, 14(3), 216-238. doi: 10.21608/jces.2023.324017
- زيدان، رشا سهيل محمد. التنافس الأمريكي – الصيني تجاه بحر الصين الجنوبي: دراسة في الأبعاد الجيوستراتيجية. مجلة تكريت للعلوم السياسية، ع20، 173 – 200. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/1205678
- صابر خليفة محمدين, صفاء. الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرين: مبادرة الحزام والطريق أنموذجًا (2013- 2021). مجلة السياسة والاقتصاد(2022).14(13), 1-26. doi: 21608/jocu.2021.88367.1131
- عادل عبد الغفار. هنا الشهابي. عمر حسن عبد الرحمن. سياسة الصين إزاء فلسطين وإسرائيل: نحو دور أكبر؟ مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية, 2024, https://bit.ly/44qKGo5
- عبد الله الشارى، “الاستراتيجية الأمريكية وأدواتها في المنطقة العربية”، اتحاد الكتاب العرب، مجلة الفكر السياسي، المجلد 09 العدد ،(68).
- عمار جلو,اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على أمن الخليج العربي, المعهد الدولي للدراسات الإيرانية, 12 مارس 2025, https://bit.ly/3H11wjq
- فرانس 24. بوتين يعرض على الشرع “التعاون العملي” ويعبر عن دعمه لوحدة أراضي سوريا, https://bit.ly/438923B
- مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية100 يوم في الرئاسة: سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، ماذا تغيّر؟ 2025, https://bit.ly/438fZl8
- مصطفى صلاح. محددات ومعوقات الدور الروسي في الحرب على غزة, المركز العربى للبحوث والدراسات, 2024. https://acrseg.org/44266
- الناتج المحلي الإجمالي في الصين يبلغ مستوى قياسيا جديدا في عام 2024. 2025 TV BRICS, https://tvbrics.com/ar/news/china-s-gdp-increases-by-5-per-cent-year-on-year-in-2024/
ثانياً: المراجع الإنجليزية:
- Baram, A. Iran’s ‘axis of resistance’ after October 7, Part 2: The Houthis. GIS, (2024), https://www.gisreportsonline.com/r/houthis/
- Who are the Houthis and why are they attacking Red Sea ships?, (2023). https://www.bbc.com/news/world-middle-east-67614911
- Birger POMMERENKE, Turmoil in the Middle East – the Houthi, Red Sea Connection.
- Buzan, B. People, States & Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-Cold War Era. Harvester Wheatsheaf, 1991. 190
- Evie Aspinall, The Geopolitical Consequences of the Israel-Hamas War, The British Foreign Policy Group, https://bfpg.co.uk/2023/10/geopolitics-of-israel-hamas-war/
- Gregory Gause, The International Relations of the Persian Gulf, III.2010 ISBN 978-0-521-19023-7 hardback ISBN 978-0-521-13730-0 paperback, Cambridge University Press 978-0-521-13730-0.
- Gerald M. Feierstein, Fatima Abo Alasrar, July 23, 2024, The geopolitical implications of Houthi attacks and Israeli retaliation, Middle East Institute, https://mei.edu/publications/geopolitical-implications-houthi-attacks-and-israeli-retaliation
- Hoffman, B.. Inside Terrorism.New York: Columbia University Press. (2006).
- Hooshang Amirahmadi. Dark Geopolitics of the Middle East, The Cairo Review of Global Affairs. the American University in Cairo (AUC).2025, https://www.thecairoreview.com/essays/dark-geopolitics-of-the-middle-east/
- James Sladden, Becca Wasser, Ben Connable, Sarah Grand-Clement, Russian Strategy in the Middle East, Expert Insights, Published Aug 7, 2017, Perspective, RAND, https://www.rand.org/pubs/perspectives/PE236.html
- Keohane, Robert O., and Joseph S. Nye Jr. “Power and interdependence.” Survival15, no. 4 (1973): 158-165.
- Lynch, M. The Arab Uprisings: The Unfinished Revolutions of the New Middle East.New York: Public Affairs, 2013. ISBN-13 : 978-1610392358
- Maha S. Kamel, “China’s Belt and Road Initiative: Implications for the Middle East”, Cambridge Review of International Affairs, Volume 31, Issue 1, Jun 2018, p76-95.
- Marc Lynch, The United States and the Middle East “Great Decisions”, Foreign Policy Association. 2024
https://worldaffairscouncils.org/wp-content/uploads/1_Mideast.pdf - Mearsheimer, J. J.. The Tragedy of Great Power Politics. W.W. Norton & Company. (2001)
https://samuelbhfaure.com/wp-content/uploads/2015/10/s2-mearsheimer-2001.pdf - Risse, Thomas. Social constructivism and European integration. 2004.
- Rupal Mishra, Ankur Dixit, Decoding Russia’s Position in the Israel-Hamas Conflict, Australian Institute of International Affairs, , 09 Feb 2024. https://www.internationalaffairs.org.au/australianoutlook/decoding-russias-position-in-the-israel-hamas-conflict/
- Samia Nakhoul, Timour Azhari, Russia gambles to keep military bases in post-Assad Syria, March 2, , Reuters2025.
https://www.reuters.com/world/russia-gambles-keep-military-bases-post-assad-syria-2025-03-ء02/ - The 9/11 Commission Report. Final Report of the National Commission on Terrorist Attacks Upon the United States.Washington, D.C.: U.S. Government Printing Office, 2004. https://9-11commission.gov/report/
- S. Department of Defense. Military and Security Developments Involving the People’s Republic of China 2021.Retrieved from Defense.gov
- S. Mission Saudi Arabia, Joint Statement: U.S.-Gulf Cooperation Council Defense Working Groups on Integrated Air and Missile Defense and Maritime Security,2024.
https://sa.usembassy.gov/ugccdwgamdms/ - Waltz, K. N. Little R. Kenneth N. Waltz’s Theory of International Politics. In: The Balance of Power in International Relations: Metaphors, Myths and Models. Cambridge University Press, 2007, pp. 167-212.
[1] Waltz, K. N. Little R. Kenneth N. Waltz’s Theory of International Politics. In: The Balance of Power in International Relations: Metaphors, Myths and Models. Cambridge University Press, 2007, pp. 167-212.
[2] Buzan, B. People, States & Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-Cold War Era. Harvester Wheatsheaf, 1991.
[3] Risse, Thomas. Social constructivism and European integration. 2004.
[4] Keohane, Robert O., and Joseph S. Nye Jr. “Power and interdependence.” Survival 15, no. 4 (1973): 158-165.
[5] Mearsheimer, J. J. (2001). The Tragedy of Great Power Politics. W.W. Norton & Company.
https://samuelbhfaure.com/wp-content/uploads/2015/10/s2-mearsheimer-2001.pdf
[6] Keohane, Robert O., and Joseph S. Nye Jr. “Power and interdependence.” Survival 15, no. 4 (1973): 158-165.
[7] Buzan, B. People, States & Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-Cold War Era. Harvester Wheatsheaf, 1991. Pp.190
[8] Risse, Thomas. Social constructivism and European integration. 2004.
[9] Marc Lynch, The United States and the Middle East “Great Decisions”, Foreign Policy Association. 2024
https://worldaffairscouncils.org/wp-content/uploads/1_Mideast.pdf
[10] عبد الله الشارى، “الاستراتيجية الأمريكية وأدواتها في المنطقة العربية”، اتحاد الكتاب العرب، مجلة الفكر السياسي، المجلد 09 العدد ،(68).2018
[11] The 9/11 Commission Report. Final Report of the National Commission on Terrorist Attacks Upon the United States. Washington, D.C.: U.S. Government Printing Office, 2004. https://9-11commission.gov/report/
[12] Lynch, M. The Arab Uprisings: The Unfinished Revolutions of the New Middle East. New York: Public Affairs, 2013. ISBN-13 : 978-1610392358
[13] Hoffman, B. Inside Terrorism. New York: Columbia University Press. (2006).
https://books.google.com.eg/books?id=_ayrAgAAQBAJ&printsec=frontcover#v=onepage&q&f=false
تطورات من الثورة السورية ّ الموقف األميركي ّ سلسلة: تقدير موقف وحدة تحليل السياسات, المركز العربي, فبراير 2013
https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_5D3FF132.pdf
[14] U.S. Mission Saudi Arabia, Joint Statement: U.S.-Gulf Cooperation Council Defense Working Groups on Integrated Air and Missile Defense and Maritime Security,2024.
https://sa.usembassy.gov/ugccdwgamdms/
[15] F. Gregory Gause, The International Relations of the Persian Gulf, III.2010 ISBN 978-0-521-19023-7 hardback ISBN 978-0-521-13730-0 paperback, Cambridge University Press 978-0-521-13730-0.
[16] U.S. Department of Defense. Military and Security Developments Involving the People’s Republic of China 2021. Retrieved from Defense.gov
[17] مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية100 يوم في الرئاسة: سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط، ماذا تغيّر؟ 2025, https://bit.ly/438fZl8
[18] James Sladden, Becca Wasser, Ben Connable, Sarah Grand-Clement, Russian Strategy in the Middle East, Expert Insights, Published Aug 7, 2017, Perspective, RAND, https://www.rand.org/pubs/perspectives/PE236.html
[19]Samia Nakhoul, Timour Azhari, Russia gambles to keep military bases in post-Assad Syria, March 2, 2025, Reuters.
https://www.reuters.com/world/russia-gambles-keep-military-bases-post-assad-syria-2025-03-ء02/
[20] فرانس 24. بوتين يعرض على الشرع “التعاون العملي” ويعبر عن دعمه لوحدة أراضي سوريا, 2025. https://bit.ly/438923B
[21] عمار جلو,اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على أمن الخليج العربي, المعهد الدولي للدراسات الإيرانية, 12 مارس 2025, https://bit.ly/3H11wjq
[22] المرجع السابق.
[23] Rupal Mishra, Ankur Dixit, Decoding Russia’s Position in the Israel-Hamas Conflict, Australian Institute of International Affairs, , 09 Feb 2024: https://www.internationalaffairs.org.au/australianoutlook/decoding-russias-position-in-the-israel-hamas-conflict/
[24] الناتج المحلي الإجمالي في الصين يبلغ مستوى قياسيا جديدا في عام 2024. 2025 TV BRICS, https://tvbrics.com/ar/news/china-s-gdp-increases-by-5-per-cent-year-on-year-in-2024/
[25] Maha S. Kamel, “China’s Belt and Road Initiative: Implications for the Middle East”, Cambridge Review of International Affairs, Volume 31, Issue 1, Jun 2018, p76-95.
[26] المرجع السابق
[27] المرجع السابق.
[28] صابر خليفة محمدين, صفاء. الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرين: مبادرة الحزام والطريق أنموذجًا (2013- 2021). مجلة السياسة والاقتصاد(2022). 14(13), 1-26. doi: 10.21608/jocu.2021.88367.1131
[29] Maha S. Kamel, “China’s Belt and Road Initiative: Implications for the Middle East”, Cambridge Review of International Affairs, Volume 31, Issue 1, Jun 2018, p76-95.
[30] زيدان، رشا سهيل محمد. التنافس الأمريكي – الصيني تجاه بحر الصين الجنوبي: دراسة في الأبعاد الجيوستراتيجية. مجلة تكريت للعلوم السياسية، 2020. ع20 ، 173 – 200. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/1205678
[31] الدين طارق شوكت, كمال, بهاء الدين الغمري, محمد, & محمد عبدالعال, رنا. تأثير الصعود الصيني علي تغير هيكل النظام العالمي. المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية, (2023),, 14(3), 216-238. doi: 10.21608/jces.2023.324017
[32] إيهاب محمد أبو المجد عياد.. أثر المتغيرات الدولية المعاكسة على الأمن الجيوسياسي للشرق الأوسط. مجلة البحوث المالية والتجارية، 24(2)، إبريل 2023. تاريخ القبول: 16 يوليو 2023. https://jsst.journals.ekb.eg/
[33] Hooshang Amirahmadi. Dark Geopolitics of the Middle East, The Cairo Review of Global Affairs. the American University in Cairo (AUC).2025, https://www.thecairoreview.com/essays/dark-geopolitics-of-the-middle-east/
[34] Hooshang Amirahmadi. المرجع السابق.
[35] Evie Aspinall, The Geopolitical Consequences of the Israel-Hamas War, The British Foreign Policy Group,2023 https://bfpg.co.uk/2023/10/geopolitics-of-israel-hamas-war/
[36] عادل عبد الغفار. هنا الشهابي. عمر حسن عبد الرحمن. سياسة الصين إزاء فلسطين وإسرائيل: نحو دور أكبر؟ مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية, 2024, https://bit.ly/44qKGo5
[37] مصطفى صلاح. محددات ومعوقات الدور الروسي في الحرب على غزة, المركز العربى للبحوث والدراسات, 2024. https://acrseg.org/44266
[38] Birger POMMERENKE, Turmoil in the Middle East – the Houthi, Red Sea Connection. 2025
[39] Baram, A. Iran’s ‘axis of resistance’ after October 7, Part 2: The Houthis. GIS, (2024), https://www.gisreportsonline.com/r/houthis/
[40] BBC. Who are the Houthis and why are they attacking Red Sea ships?, (2023). https://www.bbc.com/news/world-middle-east-67614911
[41] Gerald M. Feierstein, Fatima Abo Alasrar, The geopolitical implications of Houthi attacks and Israeli retaliation, Middle East Institute, July 23, 202., https://mei.edu/publications/geopolitical-implications-houthi-attacks-and-israeli-retaliation
[42] أميف العزاوي، عادل القاضي، “النظام الإقليمي العربي في ظل التحولات الدولية: الواقع والتحديات والمستقبل”، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 28، العدد 2، 2022
[43] حيدر عمي حسيف، “العنواف: الشرق الأوسط: افتراضات متصدعة وأنماط جديدة من الصراع”، الجزائر، مجلة الفكر القانوني والسياسي، العدد 2، 2022
[44] حيدر عمي حسيف، “العنواف: الشرق الأوسط: افتراضات متصدعة وأنماط جديدة من الصراع”، المرجع السابق.