دراسة تحليلية لمضمون التعديل الدستوري الجزائري “2016”
اعداد الباحثة: عمرة مهديد باحثة دكتوراه بالقضايا السياسية – جامعة الجزائر 03
- المركز الديمقراطي العربي
الملخص التنفيذي:
قامت الحكومة الجزائرية مؤخرا بوضع تعديل دستوري للدولة الجزائرية تضمن عدة اليات وقواعد لتنظيم الشؤون الاقتصادية والسياسية، وتحديد المزيد من الواجبات وتقليص بعض الصلاحيات وتوسيع بعض المؤسسات ومن هنا قمنا بتحديد هذه المضامين وتحليلها من زاوية الاطار الزماني الذي جاءت ضمنه وكذا في اطار البيئة العامة التي احاطت به والظروف التي ساعدت او اعاقت وضع بعض القواعد والنصوص ، فهي محاولة متواضعة لتحليل حقيقة الاليات والقوانين التي تضمنها كما تم اقراره رسميا وقليلا كما نراه ويراه بعض المحللين في مختلف المجالات .
Abstract
An analytical study of the content of the constitutional amendment Algerian 2016
.The Algerian government has recently developed a constitutional amendment to the Algerian state included several mechanisms and rules for the organization of economic and political affairs, and further identify the duties and reduce some of the powers and the expansion of some institutions Hence we have identified these contents and analyzed from the angle of the temporal framework that came within it, as well as in the framework of the general environment surrounding it and the circumstances that helped or hindered the development of some of the rules and provisions, it is a modest attempt to analyze the reality of the mechanisms and laws contained also been officially approved and a little bit as we see it and he sees some analysts in various fields.
الكلمات المفتاحية: التعديل الدستوري 2016، المجالات السياسية، المجالات الاقتصادية.
ان الهدف الكامن وراء هذا الموضوع يتمثل في محاولة لاكتشاف نقاط القوة والتغييرات المفيدة التي تضمنها الدستور الجديد مقارنة بالدساتير السابقة والذي يعتبر موضوع في غاية الاهمية لكونه يتعلق بوثيقة رسمية تحدد كل القواعد الاساسية للحياة العامة للدولةخاصة في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد وما يحيط بها من بيئة دولية . ومن هنا طرح التساؤل التالي:
ما مدى مساهمة دستور الجزائر 2016 في املاء الثغرات التي تضمنتها الدساتير والتعديلات التي سبقته؟
إن هذا الموضوع يدعو إلى طرح فرضيات عديدة نلخصها في احتمالان:
- جاء الدستور الجزائري الجديد مكمل للدساتير السابقة والتعديلات
- دستور الجزائر 2016 شكل قفزة نوعية في مجال الحقوق والحريات ويعد اصلاحا بذاته
إن معرفة الاحتمال الصحيح تطلب منا تقسيم الموضوع كما يلي:
- المجالات السياسية:
1.1التداول على السلطة
- 2 اليات محاربة الفساد وتوسيع الحقوق
2. المجالات الاقتصادية:
- 1الاستثمار
- 2دسترة بعض المؤسسات الاقتصادية
مقدمة:
منذ استقلال الجزائر والسلطة تسعى لإعادة الاعمار وتحقيق التنمية المطلوبة وتنظيم شؤون الدولة المستقلة،وفي هذا الاطار اتجهت الى وضع مجموعة من القواعد والاليات الكفيلة بتحقيق ذلك، فتم وضع اول دستور جزائري ( دستور 1963) الذي تضمن العديد من النصوص التي تعمل على توضيح تشكيلة السلطات الرسمية في الدولة والمبادئ الاساسية الواجب احترامها وكذا مختلف المؤسسات المنوط بها ادارة مصالح الدولة والشعب ، وتعاقبت الدساتير والتعديلات بحسب الاطار الزمني والظروف السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية للجزائر، فصدر دستور 1976 الذي بدوره اقر بالمبادئ الاساسية التي لا يمكن العدول عنها بالإضافة الى بعض القواعد المتعلقة بطبيعة الحكم والعلاقة بين السلطات وصولا الى دستور 1989 الذي شكل مرحلة جديدة في المسيرة السياسية للدولة الجزائرية بإقراره لمبدأ التعددية السياسية والحزبية والذي اكد عليها تعديل 1996 ، ومنذ ذلك الحين لم يشهد للجزائر تعديل او تغيير يذكر الى غاية اصدار التعديل الدستوري لسنة 2016 ، الذي جاء بالعديد من الاجراءات والقوانين، هذا ما جعلنا نلجأ الى القيام بمحاولة تحليل لمضمون هذا الدستور او التعديل الدستوري بشكل مقارن للما سبقه من تعديلات.
1.المجالات السياسية:
1.1التداول على السلطة
تنص المادة 74 من المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور–الذي حظي مؤخرا بموافقة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة– على أن “مدة المهمة الرئاسية خمس (5) سنوات” بحيث “يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة”.
نصت أحكام المادة 77 على أن “رئيس الجمهورية يضطلع، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور بتعيين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية وينهي مهامه”.
تنص المادة 79 على أن رئيس الجمهورية “يعين أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول” و “ينسق الوزير الأول عمل الحكومة” فضلا عن أن الحكومة “تعد مخطط عملها وتعرضه في مجلس الوزراء”.
المادة 84 من المشروع التمهيدي فقد جاء فيها بأنه “يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة. تعقب بيان السياسة العامة مناقشة عمل الحكومة ، ومن هنا تم تحديد المدة الرئاسية بعهدة قابلة للتجديد مرة واحدة وتم تجاوز نظام الـ 4 عهدات الذي كان معمول به قبل هذا، قد يكون الامر يتعلق بالتداول على السلطة في حالة وجود انتخابات نزيهة وحرة.
- يات محاربة الفساد وتوسيع الحقوق:
يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات وعلى كل ما يمس سلامة الإنسان البدنية والمعنوية” كما جاء في المادة 35 .
يحمي القانون “حرمة حياة المواطن الخاصة وحرمة شرفه”، حسب ما تنص عليه المادة 39 من المشروع التمهيدي.
* تعمل الدولة على “ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل وتشجع ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات”.
* “الشباب قوة حية في بناء الوطن حيث تسهر الدولة على توفير كل الشروط الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته”.
* يؤكد المشروع في المادة 38 أن الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي “مضمونة وتمارس في إطار القانون و أن الدولة تعمل على ترقية البحث العلمي و تثمينه خدمة للتنمية المستدامة للأمة”.
* تنص المادة 41 مكرر 3 أن “الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن ولا يمكن أن تمس ممارسة هذا الحق بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمقاولات وبمقتضيات الأمن الوطني ويحدد القانون كيفيات ممارسة هذا الحق”.
* تستهدف المؤسسات “ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
ومن جهة اخرى أوضحت المادة 138 من المشروع التمهيدي أن “السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون, وان رئيس الجمهورية هو ضامن استقلال السلطة القضائية”
وحول العقوبات الجزائية توضح المادة 142 : بأنه” تخضع العقوبات الجزائية إلى مبدأي الشرعية والشخصية على ان يضمن القانون التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية ويحدد كيفيات تطبيقها” كما “تعلل الأحكام القضائية وينطق بها في جلسات علانية وتكون الأوامر القضائية معللة” حسب ما جاء في المادة 144 من المشروع.
وتؤكد المادة 145 : “على أن كل أجهزة الدولة المختصة تقوم في كل وقت وفي كل مكان وفي جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء”بحيث يعاقب القانون كل من يعرقل تنفيذ حكم قضائي”.
وعن سلطة القاضي تقول المادة 147 : بأنه ” لا يخضع القاضي إلا للقانون” مشيرة الى أن”القاضي محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه بحيث يحظر أي تدخل في سير العدالة”.ويجب على القاضي أن يتفادى أي موقف من شأنه المساس بنزاهته”.
وتذكر نفس المادة بان “قاضي الحكم غير قابل للنقل حسب الشروط المحددة في القانون الأساسي للقضاء” ويحدد القانون العضوي كيفيات تطبيق هذه المادة.
كما تنص المادة 151 مكرر : بأنه يستفيد المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط وتمكنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون.
وجاء في المشروع بانه تفصل محكمة التنازع في حالات تنازع الاختصاص بين هيئات القضاء العادي وهيئات القضاء الإداري.
وجاء في المادة 157 : يحدد قانون عضوي تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته الأخرى ويتمتع المجلس الأعلى للقضاء بالاستقلالية الإدارية والمالية ويحدد القانون العضوي كيفيات ذلك.
و في مجال المراقبة نص المشروع الجديد ان مجلس المحاسبة مكلف بالرقابة البعدية لأموال الدولة والجماعات الإقليمية والمرافق العمومية وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.ويساهم في تطوير الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية.
يعد مجلس المحاسبة تقريرا سنويا يرفعه إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول.
يحدد القانون صلاحيات مجلس المحاسبة ويضبط تنظيمه وعمله وجزاء تحقيقاته وكذا علاقاته بالهياكل الأخرى في الدولة المكلفة بالرقابة والتفتيش.
- المجالات الاقتصادية:
- 1الاستثمار:
كرس المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور حرية الاستثمار والتجارة وتعزيز أخلقة ممارسات الحكامة الاقتصادية و كذا تشجيع تحقيق التنوع الاقتصادي.
وتنص المادة 8 من المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور على ان الشعب يختار لنفسه مؤسسات غايتها لاسيما “تشجيع بناء اقتصاد متنوع يثمن قدرات البلد كلها” و كذا “حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب أو الاختلاس أو الرشوة او التجارة غير المشروعة أو التعسف أو الاستحواذ أو المصادرة غير المشروعة”. ويتمثل هذا في تعزيز الطابع الرأسمالي للنظام الاقتصادي وتشجيع المبادرات الاقتصادية الحرة وبالتالي فتح مناصب شغل بعيد عن اطار المحروقات الذي طالما كان المنبع الاساسي للموارد المالية والاقتصادية للدولة.
ويشير المشروع التمهيدي في مادته ال17 إلى أن الملكية العامة هي ملك المجموعة الوطنية (باطن الأرض والمناجم والمواد الطبيعية للطاقة و النقل بالسكك الحديدية و النقل البحري والجوي و البريد والاتصالات…).
وفي اطار تحقيق التنمية المستدامة يتضمن المشروع التمهيدي مادة 17 مكرر تنص على أن الدولة تضمن الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة” و “تحمي الدولة الأراضي الفلاحية و الأملاك العمومية للمياه”.
ومن جهة أخرى تنص المادة 37 من المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور على ان “حرية الاستثمار والتجارة معترف بها وتمارس في إطار القانون” و “تعمل الدولة على تحسين مناخ الأعمال وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية و تكفل الدولة ضبط السوق و يحمي القانون حقوق المستهلكين و يمنع الاحتكار والمنافسة غير النزيهة”.
وفي اطار تحقيق العدالة الاجتماعية يجدد النص تأكيده على المساواة بين المواطنين في أداء الضريبة حيث تشير المادة 64 الى ان “كل عمل يهدف إلى التحايل في المساواة بين المواطنين والأشخاص المعنويين في أداء الضريبة يعتبر مساسا بمصالح المجموعة الوطنية ويقمعه القانون” مضيفة ان “القانون يعاقب على التهرب الجبائي وتهريب رؤوس الأموال”.
و يؤكد المشروع على أن “الدولة تشجع على إنجاز المساكن” و تعمل “على تسهيل حصول الفئات المحرومة على سكن”. (المادة 54 مكرر).
و لدى تطرقه إلى التجارة الخارجية يشير المشروع إلى أن تنظيم هذا النشاط “من اختصاص الدولة” و أن “القانون يحدد شروط ممارسة التجارة الخارجية ومراقبتها” (المادة 19).
- 2 دسترة بعض المؤسسات الاقتصادية
تضمن المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور, دسترة عدد من المؤسسات و الهيئات الوطنية و استحداث أخرى, في خطوة ترمي إلى تدعيم الديناميكية في شتى القطاعات و ترقية المجتمع.
و في هذا المسعى, جاءت المادة 170 لتضمن استفادة مجلس المحاسبة من “الاستقلالية” بحيث تكلف هذه الهيئة ب”الرقابة البعدية لأموال الدولة والجماعات الإقليمية والمرافق العمومية وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة”
كما يساهم مجلس المحاسبة في “تطوير الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية”, كما أنه يعد “تقريرا سنويا يرفعه إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني.و من جهة اخرى يدرج المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور مادة خاصة بالمجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي تحدد مهامه و تعرفه على انه “اطار للحوار و التشاور و الاقتراح في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي” مشيرة الى ان المجلس يعد “مستشارا للحكومة”. (المادة 173-7).
وامام الازمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والمتعلقة بانهيار اسعار البترول وما صاحبها من تداعيات يؤكد المشروع في مادته 170 أن “مجلس المحاسبة يتمتع بالاستقلالية و يساهم في تطوير الحكم الراشد و الشفافية في تسيير الأموال العمومية”. كما يكلف بالرقابة البعدية لأموال الدولة و الجماعات الإقليمية و المرافق العمومية و كذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة.
الخاتمة:
بالفعل فقد صادق المشرع الجزائري على تعديل الدستور 2016 في رحلة البحث عن دستور دائم للبلاد، الا انه ينطوي على بعض التناقضات من بينها اغفال أدوات ممارسة الشعب لسلطاته، و دور المعارضة في التأسيس القانوني لكثير من مواقفها الرافضة لسياسات السلطة وممارساتها.جاء في المادة 11: تستمد الدولة مشروعيتها وسبب وجودها من إرادة الشعب ، كما تم تغييب العديد من القوانين التي كان يأملها المجتمع والمواطن ان تضمن في هذا الدستور ومن بينها توسيع حقوق المواطن في التعبير عن آرائه اعطاء مكانة اكبر لحقوق المرأة وحماية الطفل مثل محاربة جرائم اختطاف الاطفال بأشد انواع العقوبات . وايضا الحرص على التطبيق الفعلي للنصوص وتعزيز اليات الرقابة البعدية .
المراجع:
- الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 14 ، الصادرة بتاريخ: 07 مارس 2016.
- الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 76 ، الصادرة بتاريخ: 08ديسمبر1996.
- قانون رقم 16/01 المؤرخ في 06 مارس 2016 المتضمن التعديل الدستوري.
- عمار عباس، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 05/01/2016.
- عمار عباس، التعديلات الدستورية في الجزائر من التعديل الجزئي الى الاصلاح الدستوري الشامل – دراسة لإجراءات التعديل القادم ومضمونه – ، الاكاديمية للدراسات الاجتماعية والانسانية، العدد 12، جوان 2014.
- صحيفة الشروق الجزائرية، العدد 8975 ، 31/01/2016.
- هذه ابرز التعديلات التي تضمنها مشروع تعديل الدستور، من الموقعhttp://aljazairalyoum.com، 23/11/ 2016.
- اهم التعديلات التي تضمنها المشروع التمهيدي لتعديل الدستور، من موقع الاذاعة الجزائرية، 07/02/ 2016.
- جيلالي سرايري، 2016 سنة الدستور الجديد، منمحرك بحث جزايرس . 27/12/2015.