إنعكاس الأزمة الخليجية على الثورة السورية والمنطقة العربية
إعداد: أ. منصور أبو كريم – كاتب وباحث سياسي فلسطيني
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
تشهد منطقة الشرق الأوسط العديد من التحولات شديدة الإيقاع والتأثير، التي يصعب ملاحقة تقديراتها وتداعياتها على المنطقة ودولها، غير أنه من المؤكد ما تفرزه هذه التحولات من تحديات جوهرية للأطر الحاكمة وللتفاعلات السياسية والأمنية الغير المستقرة في المنطقة منذ سنوات.
وجاءت الأزمة الخليجية بين قطر من جهة وبين السعودية، مصر، الامارات، البحرين، من جهة أخرى تعبيراً عن حالة التحولات العميقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصة عقب زيارة الرئيس ترامب للمنطقة، فهذه الزيارة نتج عنها تطورات دراماتيكية ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع في المنطقة، فقد حملت الزيارة مضامين سياسية ودينية كبيرة، وكانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، لأنها دشنت لمرحلة جديدة من تاريخ العلاقات الدولية؛ وبداية لمرحلة تعود فيها سياسة أمريكا تجاه المنطقة إلى السياسة التقليدية، عبر إعادة الدفء لتحالفاتها التقليدية وفي مقدمتهم مصر ودول الخليج، فهذه الزيارة التي بدأها الرئيس ترامب بعقد اجتماع قمة مع الدول الإسلامية في الرياض، وأكد خلالها على موجهة الإرهاب والقوى الداعمة له، وحدد خلالها استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع قضايا وأنظمة المنطقة، التي تركز على مواجهة خطر الإرهاب والجماعات الإرهابية.
هذه التحديات الناتجة عن معضلة تأثير التغيرات التي تشهدها المنطقة والحرص على استقرارها تثير التساؤلات حول مستقبل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بشكل عام والأزمة السورية بشكل خاص، بعد تفجر الأزمة الخليجية، عقب تفجر الأزمة الخليجية، وسوف نحاول في هذه الورقة الإجابة على التساؤلات التي تتعلق بالتحولات الاستراتيجية في المشهد العربي والسوري عقب تفجر الأزمة الخليجية، مع البحث في أسباب الأزمة وتداعياتها على الأزمة السورية ارتباطاً بمواقف الأطراف الدولي والإقليمية.
أولاً: أسباب ودوافع الأزمة الخليجية
قطر شبه جزيرة تطل على الخليج العربي، لا تتجاوز مساحتها عن 22 ألف كم، ولا يذيد عدد سكانها عن 2 مليون نسمة، منهم 300 ألف من السكان الأصليين والبقية من المجنسين، وقد لجأت قطر للتجنيس؛ للتغلب على الفقر السكاني، والذي قلب الخريطة الديمغرافية في الجزيرة الصغيرة. برز دور قطر المتنامي في المنطقة، بعدما دفعت المتغيرات الجيوسياسية التي طارت أثر الاجتياح العراقي لدولة الكويت عام1991 وفشل المنظومة الخليجية من حماية نفسها بدون، استدعاء تدخل خارجي لحمايتها، مما دعا قطر لإعادة النظر في سياستها المتبعة في المنطقة منذ عام 1992، حيث تفجر الخلاف الحدودي بينها وبين السعودية، وانتهزت هذه الفرصة لتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك مع الولايات المتحدة في نفس العام، وأصبحت بذلك قطر من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فهي تحتوى على العديد من القواعد الأمريكية في المنطقة([i]).
ولم تكن أزمة الخليج الحالية وليدة اللحظة، بل هي نتاج تاريخ ممتد من الخلافات في وجهات النظر، بدأت منذ أن سعى أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في انتهاج سياسة خارجية مختلفة عن سياسة باقي دول الخليج، فقد عمل الشيخ حمد، على “إخراج” بلاده من تحت العباءة السعودية؛ راسمًا خطوطًا جديدة لسياسات بلاده الخارجية مستقلة ومتعارضة في بعض الأحيان مع سياسة السعودية، وهو ما أدى إلى بروز اسم قطر في الساحة الدولية. كما لعبت قطر دوراً في السياسة الخارجية يفوق حجمها المتواضع، فخلال السنوات الماضية قادت جهود الوساطة في الصحراء الغربية واليمن السودان، ومنذ اندلاع الانتفاضات العربية استخدمت وسائل إعلامها ونفوذها المالي والسياسي لدعم المتمرّدين في العديد من الدول العربية، مما أثار حفيظة العديد من أنظمة الحكم في المنطقة، التي رأت في السلوك القطري تجاوزًا لخطوط حمراء على المستوى السياسي والاستراتيجي.
وتملك قطر أهمية كبرى في المنطقة في هذه الأوقات، لاسيما بعدما شكلت سياستها الخارجية نوعًا من الثنائية في الشرق الأوسط، بعد تفكيك حالة الصوت الواحد في الداخل الخليجي تحديدًا وفي باقي المنطقة عمومًا. مرت السياسة الخارجية القطرية بنقاط ومرتكزات هامة شكلت على إثرها حالات جديدة للتعامل مع الواقع العربي بكافة متغيراته، بل وأصبحت عاملاً في قضايا إقليمية ودولية؛ وذلك أوجب رصد ومتابعة أي تغير يطرأ على هذه السياسة ومنطق تعاملها مع متغيرات المنطقة الساخنة. فبعدما حصرت قطر دورها في دولة لفك الاشتباك في نزاعات إقليمية من خلال مبدأ الوساطة باستضافة مؤتمرات لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في عدة قضايا إقليمية، كالنزاع في السودان وكذلك الخلاف الفلسطيني -الفلسطيني، تحولت قطر بعد ذلك إلى الدولة الفاعلة صاحبة الدور الهام في مختلف الشئون العربية، وخرجت بهذا خارج الخط الخليجي المنضبط وأصبحت تغرد وحدها بعيدًا عن السرب، بل وأنشأت سربها الخاص([ii]).
على الرغم من تعدد أسباب الأزمة الخليجية الراهنة، إلا السبب الرئيسي يعود لتجاوز قطر دورها ووزنها السياسي حسب موقعها الجغرافي، عبر تمددها شرقًا وغربًا؛ الأمر الذي شكل تهديد على مكانة دول كبرى في المنطقة، فقد استغلت قطر حالة الفراغ السياسي في المنطقة عقب انطلاقة الحراك الشعبي العربي، وحاولت تنصيب نفسها زعيمة لهذه الأمة، متجاوزة بذلك عواصم كبرى دجرت بسلوكها السياسي، فقد عملت قطر خلال السنوات الماضية على اتهاج سلوك سياسي مختلف تماماً عن سلوك دول الخليج، عبر إقامة تحالفات مرنة، وعلاقات متوازنة مع العديد من القوى الدولية والإقليمية، فقد اقامة علاقات مع إيران وإسرائيل وتركيا، وأمريكا، وشرعت بإقامة تحالف استراتيجي بينها وبين الجماعات الإسلامية في المنطقة، التي رأت فيها قطر الوريث الشرعي لأنظمة الحكم في الدول العربية، حتي أضحت قطر الراعي الرسمي والوكيل الحصري لهذه الجماعات([iii]).
وانتهجت قطر منذ فترة طويلة سياسة خارجية توسعية وبراغماتية في آن. وفي سياق سعيها إلى الحصول على دور إقليمي أكبر، راهنت هذه الدولة الخليجية الصغيرة على ذوي النفوذ، وعلى مجاراة التيارات السياسية والانخراط مع جهات فاعلة متعدّدة، حتى المتقلّبة منها مثل الجماعات الجهادية أما أنشطتها على صعيد السياسة الخارجية، فقد تطوّرت من التركيز على الوساطة بين الأطراف المتنازعة، إلى تمويل وتدريب المجموعات العسكرية بصورة مباشرة، ولكن ابتليت السياسة الخارجية القطرية بالحسابات المخطئة والتحدّيات المحلّية والضغط الدولي، والتي ترتبط جميعها، إلى درجة كبيرة، بعلاقة قطر مع منافستها الإقليمية الرئيسة، المملكة العربية السعودية ([iv]).
كما لعبت قطر دور محوري في الوصول لتفاهمات بين القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحركات الإسلام الطامحة للوصول للسلطة، فمنذ أن ربطت أمريكا بين تفشي ظاهرة الإرهاب والعنف الذي ضرب أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر 2011 وبين غياب الديمقراطية في الوطن العربي، شرعت في ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على أنظمة الحكم في المنطقة بهدف تعميم الديمقراطية، الأمر الذي جاء في صالح الدور القطري باعتبارها الراعي الرسمي لهذه الحركات، مما سمح لقطر بلعب دور محوري في السياسة الدولية والإقليمية، خاصة عقب انطلاقة ما بات يعرف بثورات الربيع العربي مما شكّل تهديد لأمن واستقرار لدول الخليج الأخرى([v]).
لم تكتفي الدولة القطرية باللعب في المنطقة كقوة منعزلة عن القوى الفاعلة في المنطقة كإيران وتركيا ومصر والسعودية، فالتقارب الإيراني القطري واضحًا وملموسًا بشواهد عدة، وأبرزها العرض القطري لإيران لمساعدتها في استخراج الغاز الإيراني من حقل الشمال، كذلك تردد الأنباء عن استعداد الدولتين للقيام بمناورات عسكرية مشتركة وهو ما يوضح مدى متانة العلاقات بين الدولتين([vi]).
فقد اندلعت الأزمة الحالية بناء على نقل تصريحات عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني انتقد فيها “العداء” الأميركي تجاه إيران. وقالت قطر إن قراصنة وراء نشر هذه التصريحات على وكالة الأنباء الرسمية للدولة. وقد أعربت السعودية، المنافس الرئيس لإيران، غير مرة عن مخاوفها بشأن طموحات طهران الإقليمية. واتهم البيان السعودي الدوحة “بدعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف” وهي منطقة ذات غالبية شيعية تقع شرقي السعودية. كما اتُهمت قطر بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن. وشددت الدوحة التي شاركت في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على أنها “تحترم سيادة الدول الأخرى ولا تتدخل في شؤونها الداخلية” أتاحت قطر الحماية لكثير من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أحد قادة الجماعة المحظورة حاليا من قبل الحكومة المصرية، والمصنفة بأنها “إرهابية” من طرف الإمارات والسعودية ([vii]).
وأثارت رغبة قطر في رسم مسار مستقلّ مواجهةً بينها وبين المملكة العربية السعودية، ولاسيما في السياسات إزاء مصر وسورية. وقد أضرّ ذلك بالقدرة الخارجية لهذين البلدين الخليجيين، وزاد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. دعمت قطر في البداية جماعة الإخوان المسلمين. إذ ترتبط الدوحة منذ فترة طويلة بعلاقات إيديولوجية مع جماعة الإخوان، وكانت تعتقد أن من المرجح أن تهيمن الجماعة على المشهد السياسي الجديد في البلدان التي تمرّ في فترة تحوّل. وعلى عكس الموقف السعودي دعمت قطر الإخوان السملين في مصر واتخذت موقف سلبي من نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما دفع الرياض إلى زيادة الضغط على الدوحة لتغيير مسارها([viii]).
يبدو أن قطر حاولت أن تبتعد بسياساتها الخارجية عن دول الجوار، عبر انتهاج سياسة خارجية متعارضة مع مصالح دول الجوار، عبر اقامتها علاقات جيدة مع إيران والجماعات الإسلامية، مما فجر الأزمة بينها وبين الدول الأربع، التي قد تستمر خلال الشهور القادمة، فمازالت الأطراف تتمسك بمواقفها الرافضة لتقديم أي تنازلات، الأمر الذي سينعكس على المنطقة العربية والثورة السورية.
ثانياً: انعكاس الأزمة الخليجية على المنطقة العربية
تشهد المنطقة العربية، حالة من حالات عدم الاستقرار، نظراً للتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين عام 2003، فقد دخلت المنطقة في طور تحولات عميقة، في إطار الفوضى الخلاقة أو حرب الكل ضد الكل، عقب انتشار ظاهرة التطرف، والصراع الديني والمذهبي في كل أرجاء المنطقة.
وتنبع أهمية المنطقة العربية للقوى الكبرى – مع اختلاف هامش هذه الأهمية من قوة لأخرى ومن مرحلة زمنية لأخرى- سواء لارتباط بعض من المصالح الاستراتيجية لهذه القوى بالمنطقة أو لتأثيرها الأساسي في معادلة توازن القوى الدولية، فهي تاريخيًا مسرحًا رئيسيًا للتنافس التقليدي بين القوى الكبرى على النفوذ الدولي، وكذلك الارتباط بين النفوذ في الشرق الأوسط وهيكل النظام الدولي القائم. وقد اجتهدت الولايات المتحدة الأمريكية على مدار عقود بداية من الحرب الباردة وخاصة بعد انتهائها لتأكيد نفوذها القوي والممتد في إقليم الشرق الأوسط، وفي هذا السبيل وجهت سياستها لتأمين مصالحها الاستراتيجية فيه، واعتمدت في هذا على بعض الحلفاء لها في الإقليم في مرحلة الحرب الباردة، ثم بتواجدها المباشر بعد حرب الخليج الثانية 1990/1991، من خلال الانخراط في قضايا المنطقة بل ورسم العديد من التطورات المؤثرة فيها، مثل الوجود العسكري المباشر في منطقة الخليج العربي، ودعمها القوي لإسرائيل، والاحتلال المباشر للعراق في عام 2003، وما ترتب عليه من إضعاف للقوى العربية في هذا الميزان ([ix]).
ويمر الشرق الأوسط بكاملة بمرحلة تغيرات دراماتيكية في العقود الأخيرة، وأحيانا لا يمكن فهم هذه المتغيرات في وقتها، وتعتبر المنطقة الأكثر غموضاً ومفاجأت خلال العقود الأخيرة، ووفقاً لتقرير إسرائيلي يحمل عنوان ” الشرق الأوسط كتقدير استراتيجي” مر بالشرق الأوسط عدة تحولات استراتيجية هامة منها([x]):
أولاً: انتقال محور الصراع في المنطقة من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي الى الخليج العربي، حيث حدثت في منطقة الخليج؛ حرب العراق-ايران، وحربي الخليج، وهذا التغيير مرتبط بمتغيرين أقل أهمية وهو أن معظم رؤساء الدول العربية تبنوا فكرة حل النزاع العربي الإسرائيلي عن طريق السياسة وليس عن طريق الحرب.
ثانياً: يمر العالم العربي في حالة ضعف مستمر، ليس لديه القدرة على معالجة المشاكل الجماعية بقواه الداخلية الذاتية، أو بالمشاكل المهمة والكثر أهمية التي تقف في وجهه، إضافة إلى إن الدول العربية الكبرى الثلاثة (مصر، العراق، سوريا) تعاني مشاكل داخلية، حتى الدول الأخرى مشغولة في مشاكل داخلية.
ثالثاً: في ظل هذا الوضع المهترئ للدول العربية فإن جدول الأحداث في الشرق الأوسط يتم تحديدها بواسطة دول غير عربية وهي: إيران، تركيا، والى حد ما إسرائيل.
رابعاً: القضية الفلسطينية مازالت تشغل بال إسرائيل والفلسطينيين وعدة قوى عالمية ودولية وعربية، في نهاية سنوات التسعينات كان واضحا أن هذه القضية تخطو باتجاه الحل، لكنها دخلت الى طريق مغلق، الذي خلف “انتفاضة الأقصى” وكنتيجة لهذه التعقيدات تتصعب الأجهزة الاستخباراتية من تحديد هل سيؤدي هذا الطريق المسدود لحل أو لإحداث عنف أو لاستمرار الوضع الراهن.
بالإضافة لذلك عاشت منطقة الشرق الأوسط خلال القعد الأخير تحولات دراماتيكية مؤثرة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وأضحت في مثابة نقطة جذب استراتيجية للصراعات والتنافرات الدولية، فالصراع الدولي بين الشرق والغرب وضع ثقله فيها حيث التصادم الأميركي – الروسي، الذي يمثل صراع أقطاب كلاسيكياً على صعيد سلم الهرمية الدولية. ومن جهة أخرى، هو صراع قوى إقليمية مندفعة تطمح الى الريادة والقيادة على حساب القوى الإقليمية الأخرى، إضافة الى تحولات داخلية شابت المشهد الإقليمي من خلال التغيرات الاستراتيجية التي عصفت بالدول الشرق أوسطية نتيجة انحلالات داخلية وإرهاصات خارجية محيطة بها. ويمكن إجمال أهم التغيرات الكبرى التي عصفت بالشرق الأوسط على الشكل الآتي([xi]):
– اشتعال الحروب والصراعات الدولية: نتيجة التغيرات الديناميكية في الهيكلية الدولية التي شكلت على إثرها اندفاعاً للقطبين الدوليين، روسيا والولايات المتحدة، نحو المواجهة غير المباشرة في المنطقة.
– دخول المنطقة في دائرة حروب الوكالة: فحصيلة انهيار منظومة التوازن الإقليمي الذي دفع بعض القوى الإقليمية الى ممارسة دور جيواستراتيجي كبير على حساب العمق الاستراتيجي لبعض القوى الإقليمية، والذي أثر في شكل سلبي في معادلة الأمن الإقليمية.
– انهيار الدولة الوطنية: عمد الصراع الإقليمي بين القوى الإقليمية المتناحرة إلى تفكيك أواصر التلاحم الاجتماعي بين مكونات الدولة الشرق أوسطية.
– انهيار الحدود والتقسيمات الإدارية لبعض الدول: فقد أدى الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة الى فقدان السيطرة على بعض المناطق المحلية، والى إنشاء كانتونات ودويلات داخل الدولة الواحدة، فالعراق يعاني من هذه المشكلة، فضلاً عن سورية واليمن وليبيا وتركيا، إضافة الى بعض الدول المرشحة لهذا الوضع.
– الهجرة الدولية والتغييرات الديموغرافية: أنتجت الصراعات والحروب في المنطقة ملايين المهاجرين الذين اتجهوا الى الدول الإقليمية، خصوصاً تركيا وأوروبا، ما سبّب إرباكاً في العلاقات التركية
– انهيار الأمن الداخلي لبعض دول الشرق الأوسط: فالأمن يشكل ركيزة من ركائز استقرار الدول وقوتها الخارجية
– المضاربات النفطية والصراع على إمدادات الطاقة: فمعظم بلدان الشرق الأوسط تعاني أزمات اقتصادية نتيجة ارتباط اقتصادياتها في صورة مباشرة بالنفط والغاز.
وجاءت الأزمة الخليجية كتعبير عن سرعة التحولات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، فالمنطقة تشهد مرحلة عدم استقرار عميقة، وفي هذا السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا تحليليًا، قالت فيه إن الأزمة ستؤدي لتغيير السياسات والتحالفات في الشرق الأوسط، في ظل إصرار قطر على البقاء خارج دائرة النفوذ السعودي، وصمودها أمام الحصار الذي فرض عليها. وقالت الصحيفة، في تقريرها، “إن الأزمة التي هزت منطقة الخليج العربي، وورطت الولايات المتحدة، وتهدد الآن بالامتداد نحو تركيا وإيران، يجب العودة إلى الوراء لفهم جذورها وأسبابها”. وذكرت الصحيفة “إن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ توليه الحكم في سنة 1995، حاول وضع حد للهيمنة السعودية على الجار القطري، واعتبر أن الدوحة لن تحقق الأمن القومي إلا في حال تغيرت علاقتها بالرياض”. وأكدت الصحيفة “أن البعض اعتقدوا أن الاستراتيجية القطرية ستنهار سريعا، بعد أن فرض عليها بعض جيرانها الخليجيين حصارا مطبقا خلال الأسبوع الماضي، ولكن قطر أثبتت أن لديها حلفاءها هي أيضا، ولذلك فإن هذا الصراع سيتواصل، وستنجم عنه تغييرات، وستكون له تبعات أخرى”([xii]).
كما نشرت صحيفة “البايس” الإسبانية تقريرًا؛ تحدثت فيه عن الخلاف الدبلوماسي الذي نشب بين دول الخليج العربي والذي يهدد توازن القوى في الشرق الأوسط. وقالت الصحيفة، في تقريرها “إن الصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط قد ازدادت تعقيدًا خلال هذا الأسبوع على خلفية التفجيرات التي هزت طهران. كما أن النزاع الحاد بين في الخليج يلعب دورًا جوهريًا في خضم كل هذه التجاذبات”. وذكرت الصحيفة أنه وعلى الرغم من أن الأمرين غير مرتبطين بشكل مباشر، إلا أنها تنضوي تحت مظلة تصاعد التوتر بين القوتين الإقليميتين، إيران والسعودية، حيث أن دعم ترامب للمملكة قد دفع بالحرب مع إيران خطوة إلى الأمام”. وقالت الصحيفة إنه يجب عدم إظهار اللامبالاة تجاه الوضع القائم في المنطقة أو الاستهانة به، حيث تهدد هذه الأزمة بزعزعة التوازن الهش لمختلف القوى في الشرق الأوسط، وبشكل غير سلمي، وقالت الصحيفة أن إيران تعتبر أن تنظيم الدولة يتحرك وفقا لأوامر السعودية. ومن جهتها، ترى السعودية أن التدخل الإيراني في المجتمعات الشيعية داخل الدول العربية قد أدى إلى بروز وتنامي ظاهرة التطرف والعنف في المنطقة ([xiii]).
فلا يمكن تجاهل الفوائد السياسية التي قد تجنيها طهران على الأقل في المدى القريب؛ حيث إن الأزمة الخليجية الحالية أدَّت إلى تشتيت الجهات الفاعلة الرئيسية وإعاقة جهود السعودية في تشكيل تحالف عريض للتصدي لما تعتبره تزايدًا في الخطر/النفوذ الإيراني. كما أن تصدع الجبهة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي قد يُسرِّع من تراجع مكانة مجلس التعاون الاستراتيجية على المستوى العالمي، الأهم، أن دولًا خليجية مثل الكويت وسلطنة عُمان وقطر ستُبقي خطوطها السياسية والاقتصادية مفتوحة مع إيران تحسبًا لأية تطورات مستقبلية. وهنا، يمكن القول: إنه رغم المساعي الإيرانية لتسجيل المزيد من النقاط في الأزمة الخليجية لصالحها، فإن سياسة طهران تبدو إلى حدٍّ ما حذرة في استغلال الانقسامات الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي خوفًا، في حال تصاعدها، من أن تتطور إلى صراع إقليمي أوسع قد يكون له عواقب وخيمة على إيران وحلفائها في المنطقة ([xiv]).
فمع دخول الأزمة الخليجية شهرها الرابع، في ظل الحصار، الذي يفرضه تحالفٌ مؤلف من دول خليجية مع مصر، على قطر شهره الثالث من دون أن تلوح أي تسوية في الأفق. أصابت الأزمة مجلس التعاون الخليجي في الصميم، مع ما يمكن أن يترتّب عن ذلك من اختلال في التوازن السياسي الإقليمي وانقلابه رأساً على عقب([xv]). فمن المحتمل أن يتصدع مجلس التعاون الخليجي قريباً، خاصة في ظل عجزه عن التدخل في الأزمة، وتقريب وجهات النظر، بالإضافة لفشل جهود الوساطة الكويتية.
فقد وجَّهت أزمة الخليج الحالية ضربة قوية لمفهوم الدفاع الخليجي المشترك. وبغضِّ النظر عن آفاق حل تلك الأزمة، من المنطقي الاستنتاج أن قطر من الآن فصاعدًا، لن تنظر إلى الدول الخليجية التي أعلنت عليها الحصار باعتبارها دولًا حليفة، بل جيرانًا يُشكِّلون تهديدًا لأمنها الوطني. ومن المؤكد أن مثل هذه الاعتبارات لن تغيب أبدًا عن أذهان صانعي القرار السياسي في دول خليجية أخرى مثل الكويت وسلطنة عُمان. ولعل أهم الخطوات التي أقدمت عليها دول مجلس التعاون الخليجي سابقًا في إطار السياسات الدفاعية، مثل قوات درع الجزيرة، أو نظام الدفاع الصاروخي في الخليج، باتت موضع شكٍّ، ومن المرجح أيضًا أن تثير الأزمة الحالية الشكوك حول العديد من المشاريع الوحدوية بين دول الخليج. وهنا، يمكن القول: إن دولة مثل قطر (في حال بقائها في إطار مجلس التعاون الخليجي)، بالإضافة إلى الكويت وسلطنة عُمان، من المتوقع أن تصبح أكثر تحفظًا أو تدقيقًا تجاه مشاريع التكامل الإقليمي الخليجي([xvi]).
وهكذا ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على المشهد العربي والخليجي، فهذه الأزمة في طريقها للقضاء على مجلس التعاون الخليجي، بسبب إصرار أطراف الأزمة على مواقفها، وفشل المجلس عن القياك بدوره، خاصة بعد فشل جهود الوساطة التي قامت بها الكويت والولايات المتحدة الأمريكية،
ثالثا: تداعيات الأزمة الخليجية على الثورة السورية
لا شك أن للأزمة الخليجية تداعيات وانعكاسات على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، فهي كانت محصلة لإعادة تموضع الكثير من الكيانات والحركات السياسية، خاصة عقب فشل المشروع الأمريكي في المنطقة، إلا إن الأزمة السورية، والمعارضة السورية، المدعومة من دول الخليج، كانت الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة، التي عصفت بكل المنطقة.
ومع تصاعد حدة الأزمة بين قطر ودول الخليج بدأ شيء ما يتغير سريعاً في الشرق الأوسط, تحالفات تنهار، وتولد أخرى، محاور تعيد تموضعها, وسرعان ما تؤول الصداقة عداوةً , والعدو يغدو صديقاً، كل ذلك بات متسارعاً بعد زيارة ” دونالد ترامب – الرئيس الأمريكي ” إلى المنطقة , وخاصةً , زيارته إلى المملكة العربية السعودية , واجتماعه مع قادة العشرات من الدول العربية والإسلامية في العالم انفجار الأزمة الخليجية, بظهور توتر في العلاقات مع قطر, وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية للعديد من الدول العربية والاسلامية معها, وانتشار الأزمة في جميع الاتجاهات الإقليمية والدولية …كان لذلك تداعيات بدأ تأثيرها يلوح في أفق المنطقة , لتلقي بظلالها على مستقبل المنطقة برمتها , وخاصة على مسار الأزمة السورية المستفحلة منذ ما يقارب السبع سنوات فبعد أن كان المحور الأمريكي – الخليجي – التركي مرابضاً في وجه المحور الروسي – الإيراني – السوري … على ما يبدو بدأت هذه المعادلة بالتفكك , لتستبدل بأخرى مغايرة تماماً , من حيث المعطيات والمخرجات([xvii]) .
تشتت الموقف الخليجي واشتداد الصراع الداخلي بين دول الخليج التي كانت تعتبر من أقوى الداعمين لقوى الثورة السورية، لابد أن يترك تداعيات خطيرة على مستقبل الثورة، والمعارضة في أن واحد، فقد رأى نظام الرئيس بشار الأسد في الأزمة الخليجية فرصة للتأكيد على صحة رأيها بتدخل بعض الدول في شؤونها الداخلية، وأن هذه الازمة تؤكد دعم قطر ودول الخليج للجماعات الإرهابية في سورية.
وفي هذا السياق أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن الواقع السوري في ضوء الأزمة الخليجية “جيد ونحن متفائلون”، معتبرًا أن “المهزلة التي تشهدها منطقة الخليج توضح للجميع أننا على حق”. وفي تصريح لصحيفة “الوطن” السورية، قال المقداد: “الواقع الميداني الآن جيد، وأنا دائما متفائل، وأعتقد أن هذه المهزلة توضح للقاصي والداني أن سوريا كانت دائما على حق”. وأضاف، “كنا، ومنذ البداية نقول إن بعض دول الخليج، تقف مع الإرهاب وتموله وتسلحه”.. “نعتقد أن قطر والسعودية متورطتان في كل الإرهاب الذي يمارس على الأرض السورية” ([xviii]).
فلا يعرف النطاق الذي قد تمتد عليه الهزات الارتدادية للزلزال السياسي في الخليج العربي هذه الأيام غير أن الأزمة السورية تبدو في مهب تلك التطورات بلا شك وإذا كان من الأرجح أن تنزل الأزمة بردا وسلاما على نظام الأسد وحلفاءه فمن المؤكد أن الشعب السوري سيدفع جانبا من فاتورة هذا الشرخ الخليجي وبصرف النظر عن موقف قوى المعارضة السورية من الأزمة الحالية فالواضح أن خسارة الثورة ستكون على قدر ما كانت استفادتها سابقا من كيان خليجي بدا موحدًا ومتناغمًا في تعاطيه مع الملف السوري، صحيحا أن دور الرافعة الخليجية لم يصل حد حسم المعركة ضد النظام غير أنه في المقابل حال دون نجاح ذلك النظام وحلفائه في حسم المعركة أيضاً([xix]).
لأن الكثير من الإنجازات التي حققتها الثورة السورية في مواجهة النظام السوري، جاءت نتيجة تظافر الجهود الخليجية، سواء بإقناع عموم العرب وجامعتهم في عزل النظام السوري وطرده من الجامعة ومؤسساتها أو حتى في المحافل الأممية عندما دعمت تلك الأطراف قوى المعارضة في المفاوضات من جنيف إلى أستانا أو في أروقة الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن تحديدا عندما عملت دول الخليج مجتمعة على محاصرة النظام السوري دبلوماسيا وفرض عقوبات عليه وحلفاءه فضلا عن محاولات التصدي دائما للفيتو الروسي لا يستثنى من ذلك الدعم العسكري للفصائل السورية المقاتلة على الأرض وقبل ذلك وبعده الجهود الإغاثية الهائلة ([xx])
ونتيجة للتداعيات المباشرة للأزمة الخليجية على المشهد السوري، لم تخفِ المعارضة السورية قلقها حول إمكانية انعكاس الأزمة الخليجية-القطرية على الملف السوري، نظراً لاعتمادها على الدعمين السياسي والمالي الخليجي؛ التوجس الذي ساد أوساط المعارضة السورية، بعد الاتهامات التي تم توجيهها لقطر حول دعمها لما يسمى بالإرهاب”، امتد إلى قلق شهدته الساحة العسكرية المعارضة ذاتها، فالبعض منها يتلقى دعماً قطرياً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من “الدوحة”. والتصريحات المنسوبة لـرئيس الحكومة السورية المؤقتة” جواد أبو حطب، تدلل على حالة الخوف تلك، حيث قال” إن الخلافات الخليجية-الخليجية تؤثر سلباً على الثورة السورية. ويمكن حصر تداعيات الأزمة الخليجية على المشهد السوري في الجوانب التالية ([xxi]):
- الجانب النفسي
الإحساس بفقد “الداعم” يعزز حالة نفسية سيئة لدى “الطرف المدعوم”، بالتالي يمكن التأثير السلبي على معنوياته، ولعل العامل النفسي في القضية السورية باتت اليوم عاملاً مهماً، مع إحساس الداخل السوري -المعارض للأسد-بتخلي الجميع عنه.
- الجانب الإغاثي
يمكن اعتبار الملف الإنساني والإغاثي أول المتضررين من الأزمة الخليجية-القطرية، حيث شكّل المال الخليجي عاملاً مهماً في صمود الحراك السوري ليس فقط على المستوى العسكري بل والإنساني أيضاً، نظراً لما قدمته دول الخليج في هذا الجانب.
- الجانب العسكري
يزيد استمرار الأزمة الخليجية من المخاوف بشأن مصير جماعات سورية معارضة لطالما حظيت بدعم كبير من الدول المعنية بالأزمة خاصة قطر والسعودية بالإضافة إلى تركيا التي اصطفت إلى جانب قطر في أزمتها الحالية. فما حصل من اقتتال داخلي في الغوطة الشرقية بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام يمثل جانباً واضحاً، من تأثير الانقسام الخليجي، وبالتالي يبرهن على إمكانية حدوث صدام مسلح وحرب بالوكالة بين الفصائل المحسوبة على جهة خليجية.
كما ينتاب عدد من المراقبين والمعارضين السوريين قلق بالغ من إمكانية انعكاس الأزمة الخليجية، على واقع الثورة السورية بحكم الدعم الخليجي الذي تتمتع به إذا استمرت والأوضاع على هذا الحال. وفي هذا السياق ويؤكد الباحث والكاتب السياسي السوري “محمود عثمان” إن خطورة الأزمة الخليجية على سورية، تأتي من إن دول الخليج تأتي في مقدمة الدول الداعمة للثورة السورية على الصعيد الإنساني والإغاثة، إضافة للجانب العسكري متمثلا في دعم الجيش الحر. “ضعف في الداعمين سيؤثر بشكل سلبي على الثورة السورية”، مشيرا إلى أن “عمليات الدعم كانت تتم بطريقة مبرمجة ومتفق عليها دول الخليج، والخلافات بينها ستنعكس سلبا على أرض الواقع في الدعم المقدم من قبلها”. وشدد الكاتب على أن العامل النفسي بالنسبة للسوريين في هذه القضية ووصفه بالأهم، وقال إن “حالة الخلافات الحادة وغير المستقرة للداعمين الأصدقاء ستؤثر بشكل سلبي على الشعب السوري”. وأوضح عثمان أن “أي تطور في الأحداث يؤثر على الشعب نفسيا بإرادته وصموده، والثورة هي عمل نفسي يحتاج إلى مزيد من الصمود والمعنويات العالية، وبالتالي فإن حالة التفتت والترهل العربية تؤثر على عزيمة الشعب السوري”([xxii]).
كما إن هناك خشية من أن يكون انقسام المحور المؤيد للثورة السورية، وتموضع تركيا وقطر في خط بعيد عن السعودية، عائقاً في وجه انفراج الأزمة السورية. كما يخشى أيضاً من أن يكون للأزمة الخليجية المفتعلة في صالح إيران، ومليشياتها الطائفية التي تعمل على زيادة الإرهاب في المنطقة، وفي هذا السياق، عبر المعارض السوري أنور الحسن عن خشيته من أن تؤدي هذه الأزمة إلى إضعاف دور المعارضة لصالح إيران. لأن كل مؤسسات وأطراف المعارضة حزينة للذي يجري في الخليج، ونتمنى أن تُحل الأمور بين الأشقاء بسرعة وبالحوار”. وأوضح قائلاً: “ما من شك في أن الأزمة الراهنة الرابح منها هو المحور الإيراني، خاصة في الوقت الذي تحشد فيه قوات سوريا الديمقراطية، لحسم معركة الرقة والانتقال إلى معركة دير الزور، التي ستكون هي خاتمة الوجود “الداعشي” في سوريا. كما جاءت أيضاً في وقت أشد ما يكون لإلقاء حجر في بركة الحل السياسي الراكدة بسبب تعنت النظام، وفي وقت تحتاج المنطقة لثنائي الدبلوماسية الخليجية “قطر والسعودية” لممارسة ضغوط على روسيا لدفع الأسد للتعاطي بجدية مع المفاوضات ([xxiii]).
كما هناك مخاوف من خسارة قوى المعارضة السورية مزيد من الأرض لصالح النظام السوري وحلفائه وبالإضافة الى الخسائر الميدانية التي منيت بها، بحيث لم تعد الفصائل المعارضة ومعها هيئة تحرير الشام تسيطر سوى على 11 في المئة من الأراضي السورية، فإنها تشهد في ما بينها توترا متصاعدا أدى الى اندلاع عدة جولات من الاقتتال الداخلي، وهذا ما يجعل بعض المراقبين لا يتوقعون تأثيرا كبيرا للأزمة الخليجية على وضع المعارضة السورية على اعتبار أن التنافس القطري السعودي في سوريا بدأ قبل الأزمة، يضاف إلى ذلك أن الدولتين الخليجيتين خففتا بشكل عام من الدعم الموجه للمعارضة، فقد قلصت الرياض مثلا منذ 2015 تمويل الجماعات التابعة لها في سوريا بسبب الحرب في اليمن ([xxiv]).
ولم يتوقف الأمر على وقف الدعم، بل الحديث كذلك عن إمكانية مواجهات قد تندلع بين المقاتلين المؤيَدين من السعودية وآخرين مدعومين من قطر، لتندلع حربٌ على الأرض السورية، تحرق – كما يرى محللون – ما تبقى من أخضرها ويابسها. على الأرض، درات اشتباكات عنيفة في مدينة معرة النعمان بريف إدلب، بين “هيئة تحرير الشام” التي يُثار بشأنها أنَّها تتلقى دعمًا من قطر من جهة والفرقة 13 المدعومة سعوديًّا وكذا فيلق الشام التابعة للمعارضة من جهة ثانية وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى بين الطرفين. هذا الاشتباك تزامن مع الأزمة الخليجية، وتعالت معه الأصوات بأنَّ الأزمة الراهنة تؤدي إلى معارك بين فصائل أطرافها التي هي في الأساس كانت تقاتل ضد بشار الأسد. القاسم المشترك بين السعودية والإمارات وقطر إزاء القضية السورية هو دعم المعارضة، لكنَّ الدوحة متهمةٌ بأنَّها تجنح عن ذلك بعض الشيء بدعم ما تعرف بـ”الجماعات الإرهابية”، واندلاع خلاف بين السعودية والإمارات من جانب وقطر من جانب آخر يبعث القلق بين الثوريين السوريين على الدعم الذي يحصلون عليه([xxv]).
من جهة أخرى يرى خطار أبو دياب الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية أن الأزمة الخليجية لن تؤثر كثيرا في وضع المعارضة السورية على الأقل ميدانيا، لأن المعارضة بتشكيلاتها المعتدلة تعرضت لهزيمة استراتيجية كبرى منذ الذي جرى في حلب في نهايات 2016. الفصائل المرتبطة بأستانا لها نفوذ تركي باستثناء فصيل واحد هو جيش الإسلام ويقال إنه ممول من السعودية، وبما أن الأخير له نفوذ في مناطق بمحيط دمشق فهو بعيد عن مناطق النفوذ التركي القطري وبالتالي لا يُتوقع أن يتأثر موقعه، أما هيئة تحرير الشام وأحرار الشام المدعومة من قطر وتركيا فسيستمر وضعهما كما هو إذ لا توجد علاقة بين السعودية وهذين الفصيلين”، حسب اعتقاده. في المقابل، يرى خبراء آخرون أنّ تأثير التوتر القطري السعودي قد ينعكس بشكل أكبر على الغوطة الشرقية على اعتبار أنها منطقة جغرافية صغيرة تتركز فيها فصائل معارضة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالدولتين الخليجيتين([xxvi]).
الانخراط القطري في الأزمة السورية مرَّ بفترات شهدت تنسيقًا مع الدول الخليجية الداعمة للمعارضة، لكنَّه شهد أيضًا فترات شهدت تباعدًا وتناقضًا مع الحلفاء الخليجيين المفترضين، وهذا تجلى في معارك اندلعت بين فصائل في صفوف المعارضة نفسها وهو ما يحمل – كما يرى الكاتب وليد شقير انعكاسًا للخلاف بين “الحلفاء”. فمثلًا نجحت قوات نظام الأسد وحلفائه للمرة الأولى منذ عامين في الوصول إلى الحدود مع العراق شرقي سوريا، فيما يبدو تجاوزًا للخطوط الحمراء للتحالف الدولي، حيث وصل المقاتلون إلى نقطة قريبة من الحدود على بعد حوالى 70 كيلو مترًا شمال شرقي معبر التنف الحدودي، بعد أن تمكَّن جيش النظام من الالتفاف على قاعدة التنف، وهي مقر لمقاتلي المعارضة والتحالف([xxvii]).
خاتمة:
يجمع معظم خبراء السياسة في المنطقة والعالم على التحولات العميقة التي احدثتها الأزمة الخليجية في منطقة الشرق الأوسط والخليجي العربي بشكل خاص، خاصة بعد حالة الاصطفاف الواضحة بين مؤيد ومعارض للموقف القطري أو العربي، فالتداعيات الكبيرة التي ألقت بها الأزمة على مجمل الأوضاع في المنطقة قد عصفت بمجلس التعاون الخليجي، ووضعت مستقبله على المحك، في ظل استمرار الأزمة وتشعبها، وفشل كل الوساطات في الوصول لحل يرضي جميع الأطراف. لإضافة إلى إن التداعيات كبيرة للازمة الخليجية، والحصار المفروض على قطر قد تعدت منطقة الخليج ليصل الثورة السورية، بعد انعكاس الخلافات الخليجية على الميدان السوري في شكل اشتباكات مسلحة بين الفصائل السورية، مما يضع مستقبل الثورة السورية أمام تحديات كبيرة، بسبب الاستفادة الكبيرة التي حصل عليها النظام السوري وحلفائه، عقب تفجر الخلافات في الموقف الخليجي، الذي يعتبر الداعم الأكبر للثورة السورية.
وعليه يمكن القول إن مستقبل الثورة السورية أصبح مرتبط إلى حد بعيد بتطورات الأحداث في منطقة الخليج، من حيث استمرار الدعم الخليجي من عدمه، على كل الأشكال، الذي يعتبر المحرك الأساسي لقوى الثورة السورية، مما يعني إن الثورة السورية قد تشهد تطورات دراماتيكية لصالح نظام الرئيس بشار الأسد إذا استمرت الخلافات الخليجية في التصاعد.
المراجع:
[i] شراب، منذر، محمد، السياسة الخارجية القطرية في ظل التحولات السياسية العربية(2003-2012) رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة فلسطين، 2014، ص 1
[ii] تقرير صحفي، بعنوان: السياسة الخارجية القطرية إلى أين ..؟!، نون بوست، بتاريخ 1/11/2014، على الرابط التالي: https://goo.gl/8FJBTS
[iii] أبو كريم، منصور، مقال بعنوان: قطر وجنون الجغرافيا السياسية !!، موقع أمد للإعلام، بتاريخ 8/6/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/oeYdi2
[iv] الخطيب، لينا، دراسة بعنوان: سياسة قطر الخارجية وموازين القوى في الخليج، مركز كارنغي للسلام، 11/9/2014، على الرابط التالي: https://goo.gl/2c3XTE
[v] أبو كريم، منصور، مقال بعنوان: قطر وجنون الجغرافيا السياسية !!، موقع أمد للإعلام، بتاريخ 8/6/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/oeYdi2
[vi] تقرير صحفي، بعنوان: السياسة الخارجية القطرية إلى أين ..؟!، نون بوست، بتاريخ 1/11/2014، على الرابط التالي: https://goo.gl/8FJBTS
[vii] تقرير صحفي، بعنوان: أربعة أسباب وراء توتر علاقات قطر مع جيرانها، موقع BBC بالعربي، بتاريخ 25/7/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/qMFqMf
[viii] الخطيب، لينا، دراسة بعنوان: سياسة قطر الخارجية وموازين القوى في الخليج، مركز كارنغي للسلام، 11/9/2014، على الرابط التالي: https://goo.gl/2c3XTE
[ix] محمود، دلال، مسـتقبل الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط، مجلة السياسات الدولية، مؤسسة الأهرام، 2016، على الرابط التالي: https://goo.gl/jBCacJ
[x] العبادي، السعيد، الشرق الأوسط متغيرات الواقع وآفاق المستقبل، موقع نون بوست، بتاريخ 25/5/2014، على الرابط التالي: https://goo.gl/sbohkM
[xi] زياد، على، التحولات الكبرى في الشرق الأوسط، جريدة الحياة اللندنية، بتاريخ 28/1/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/BMiZgY
[xii] تقرير صحفي، بعنوان، نيويورك تايمز: هكذا تعيد أزمة قطر تشكيل تحالفات المنطقة، موقع عربي 21، بتاريخ 14/7/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/3NnByz
[xiii] تقرير صحفي، بعنوان: البايس: نتائج عكسية لحصار قطر.. وإيران الرابح الأبرز، موقع عربي 21، بتاريخ 11/7/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/SUzppm
[xiv] التميمي، ناصر، دراسة بعنوان: الأزمة الخليجية وتداعياتها على مستقبل مجلس التعاون، مركز دراسات الجزيرة، بتاريخ 14/2017، على الرابط: https://goo.gl/KZfvHx
[xv] ديفيد ليفينغستون، ساغاتوم ساها، للأزمة الدائرة راهناً في الخليج عددٌ من التأثيرات الأقل وضوحاً للعيان.، مركز كارنغي للسلام، بتاريخ 14/8/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/9kvKNT
[xvi] التميمي، ناصر، دراسة بعنوان: الأزمة الخليجية وتداعياتها على مستقبل مجلس التعاون، مركز دراسات الجزيرة، بتاريخ 14/2017، على الرابط: https://goo.gl/KZfvHx
[xvii] إبراهيم، نصر الدين، مقال بعنوان: تداعيات الأزمة الخليجية …سورياً، مؤسسة بيرا الإعلامية، بتاريخ 18/7/2017، على الرابط التالي: http://buyerpress.com/?p=52811
[xviii] أول موقف رسمي سوري من الخلافات الخليجية مع قطر، وكالة تسنيم الدولية للأنباء، على الرابط التالي: https://goo.gl/ze5MfN
[xix] تقرير صحفي، بعنوان: تداعيات أزمة الخليج على ثورة الشعب السوري، الجزيرة نت، بتاريخ /10/6/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/smDhHV
[xx] تقرير صحفي، بعنوان: تداعيات أزمة الخليج على ثورة الشعب السوري، الجزيرة نت، بتاريخ /10/6/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/smDhHV
[xxi] الشامي، فرات، تداعيات الأزمة الخليجية على الملف السوري، جريدة الأيام السورية، بتاريخ 14/8/2017، على الرابط التالي: http://ayyamsyria.net/archives/205270
[xxii] تقرير صحفي، بعنوان: كيف ستنعكس الأزمة الخليجية على دعم الثورة السورية؟، موقع عربي 21، بتاريخ 15/7/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/BTZEtM
[xxiii]حاتم، عبد الله: هل تدفع الأزمة السورية ثمن الخلاف الخليجي؟، موقع الخليج أون لاين ، بتاريخ 15/6/2017، على الرابط التالي: http://klj.onl/2sFpkL
[xxiv] علاء، أحمد، الأزمة الخليجية. كيف تؤثر على القضية السورية؟ جريدة مصر العربية، بتاريخ 10/8/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/RTCyPp
[xxv] علاء، أحمد، الأزمة الخليجية. كيف تؤثر على القضية السورية؟ جريدة مصر العربية، بتاريخ 10/8/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/RTCyPp
[xxvi] تقرير اخباري، بعنوان: الأزمة الخليجية- هل تدق مسماراً آخر في نعش المعارضة السورية؟، موقع قناة WD الألمانية، بتاريخ 4/7/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/WbGEFq
[xxvii] علاء، أحمد، الأزمة الخليجية. كيف تؤثر على القضية السورية؟ جريدة مصر العربية، بتاريخ 10/8/2017، على الرابط التالي: https://goo.gl/RTCyPp