الأمة أمام الخيار الوحيد
بقلم : منير إبراهيم أبو شمالة – باحث في العلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
حقا لقد بلغ السيل الزبى ، وأصبحت أمتنا أمام الخيار الأخير تحت عنوان “تكون أو لا تكون” هذه ليست نظرة تشاؤمية بقدر ماهي تقدير موقف لوضع بغاية الخطورة ..وإذا لم تتحرك الشعوب العربية وأعني الشعوب العربية ..فإن خسارة القدس سوف تكون إيذانا بتأسيس مرحلة جديدة في حياة هذه الأمة والتي لن تكون أمة بل مجموعات من العبيد للعدو وأعوانه…ومن يعتقد أن أطماع الأعداء سوف تتوقف عند القدس فهو واهم ..ولن يملك سيادة أو مال أو ماء أو موارد طبيعية …وعليه أن يستعد للحصول على تصريح إسرائيلي ليتنقل من مدنه وقراه والتي يعتقد الأن أنها بعيدة وغير مستهدفة..وأن سياسة حكامه المتصهينين سوف تؤمن له حياة كريمة..بل سوف تجلب له الرفاهية من خلال العدو المتقدم …عليه ان يعود للتاريخ ويقرأه جيدا .
منذ دخول أسرائيل عملية السلام مع العرب في نوفمبر1977 ولغاية الأن لم تكف عن محاربة شعوبنا وبطرق غير مرئية ومدمرة أكثر من الحروب وقد حولت عملية السلام إلى مساومات طويلة لا تنتهي ،في قضايا فرعية تبعدنا عن القضايا الأساسية ، وعلينا أن ندرك أن هذا ليس مجرد أسلوب تفاوض، وإنما هو أستراتيجية مقصودة لذاتها ،ولتحقيق نتائج سيكولوجية محددة ، تضخم في شعور المواطن الفلسطيني والعربي أنه يتفاوض مع دولة عظمى وليس مجرد دولة صغيرة ، وهي تكرس في الوعي العربي أنها هي التي تمنح وتمنع..وأن القوة العظمى في العالم بكل ما تملك من قوة وتأثير هي خاتم في أصبعها…تعبئها وتجيشها إلى أي إتجاه ترى مصالحها فيه…
وهنا جدير بالذكر أن الأحساس بالقوة له منطق خاص به، يجعل صاحبه يتصور دائما أنه على كل شئ قدير..،وهكذا تأتي إلينا إسرائيل سواء في قتال أو تفاوض متصورة أنها تحمل في جيبها بطاقة توصية من السماء بأنها شعب الله المختار ،وأنها العبقرية التي ستهدي تخلفنا العقلي سواء السبيل، فنحن نصبح إذن أمام حالة شرسة من طغيان وعربدة القوة ،حالة شرسة ولكن ليست فريدة ،ففي الحرب العالمية الأولى كان الجنود الألمان يتمنطقون بأحزمة تحمل عبارة (إنها إرادة الله) وفي الحرب العالمية الثانية دخل هتلر مع العالم في حرب إبادة إيمانا منه بأن لديه تفويضا من الله بوضع باقي البشر تحت حذائه..إنه إغراء القوة..وأخيرا جورج بوش الأبن خاض حروبه في المنطقة بإيحاء من الله ومحاربة يأجوج ومأجوج كما أخبر الرئيس كما ذكر الرئيس الفرنسي شيراك ،ووواضح بشكل جلي أن إسرائيل لديها جدول أعمال مبرمج ومحدد منذ عقود وتسير في تنفيذه خطوة خطوة بلا تردد ولا توقف ويمكن أن يتخلله بعض التكتيك مثل الخروج من تلك البقعة من الأرض العربية هنا أو هناك ولكن هذا تسكين فقط للتمكين في بقعة أخرى والعودة في المرحلة المناسبة، هذه هي الأستراتيجية الصهيونية واضحة المعالم ولا تحتاج لبذل مجهود للتعرف عليها فهي تعرف ما تريد وتسير نحوه بخطوات ثابتة منذ أن تحالفت مع بريطانيا العظمى وحصلت على وعد بلفور وأخذت منه ما تحتاج وتركت مالا تريد…. وهجرت اليهود لفلسطين ونقلت السلاح والعتاد وإرتكبت المذابح وإنتزعت الإعتراف الدولي بكيانها إعتمادا على جزء من القرار رقم 181 وحاربت ضد تنفيذ الجزء الآخر منه… وتآمرت مع فرنسا وبريطانيا وقيادات عربية عميلة على مسرحة وإخراج حرب عربية عليها في عام 48 (حرب الماكو أوامر)ليتسنى لها تأسيس (يوم تحرير) والسيطرة على أجزاء آخرى من فلسطين (لغاية خط الهدنة لعام1949-ما تعرف بحدود 67) وشنت حرب 67وأحتلت كامل فلسطين والجولان وسيناء ثم أجتاحت لبنان في 78 و82 وحاصرت أول عاصمة عربية ودمرت المفاعل النووي العراقي وأعتدت على تونس والسودان وسوريا علنا وعلى كافة الدول العربية سرا وشتت أوصال هذه الأمة وسلاح جوها يصول ويجول في الأجواء العربية وبتفوقها العسكري أصبحت كافة الدول العربية منزوعة السلاح وجعلت من هذه الدول دول كارتونية..لا تملك سوى خطابات ونداءات وإستغاثات تدعو فيها الآخرين للعطف علينا ووقف بطش إسرائيل، ولم تعد تملك هذه الدول أية وسيلة ضغط مادية واحدة لمواجهة إسرائيل.وتشرذم العرب وبالتالي الفلسطينيون هذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها ونقر بأننا عجزنا أن نكون أسود الغابة وأيضا للأسف عجزنا أن لا نكون فئرانها.. وعجزنا عن إقامة السلام العربي بالمنطقة وأمتثلنا وأذعنا للسلام الإسرائيلي للأسف وهكذا عملت إسرائيل على نصيحة هنري كيسنجر الذي قال يوم ما ” يجب أن يصاب العرب أولا بحالة من اليأس الكامل… قبل أن يتحدث معهم أحد من إسرائيل عن السلام….”.
وشعوبنا نسيت أو تناست أن الشعوب تتقدم وتنهض بألف طريقة وطريقة … ليس بينها أبدا أن تدير لعدوها خدها الآخر.. ، ويبدو أن هذا المبدأ لا ينطبق على أمتنا في العصر الحديث ودليل ذلك أنه مع كل عربدة إسرائيلية جديدة تتقزم الدول العربية أكثر أمام مواطنيها ، وتصبح نفسها أصغر داخل مكانها على الخريطة ، ومع كل هجمة إسرائيلية جديدة تزداد كل دولة عربية إنكماشا من الذعر وتتراجع إلى الخلف… لتحصل في النهاية على شهادة حسن سير وسلوك ليس من شعبها ولكن من أعداء شعبها...
ألم يحن الوقت لأنهاء المأساة العربية في الصراع العربي الأسرائيلي وإصلاح الخلل المتمثل في أعتمادنا على قوة الحق وإستبداله بحق القوة كما تفعل أسرائيل…؟
فأذا كانت القوة ليست الحق ، فالحق وحده أيضا ليس بديلا عن القوة ،على أعتبار أن الأمة التي تعمل على مصالح وكرامة شعبها في الداخل ، هي التي تضطر فيها إلى مواجهة التهديد من الخارج، والأمة التي تنهض لمواجهة الخارج هي الأمة التي تملك حكمة إدراك الخطر وإرادة هزيمتة وهي وحدها الأمة التي تعيش في عالم اليوم… ومن يعتقد أن الخطر الأسرائيلي ليس موجها له ولدولته، أحيله إلى الحروب الصليبية والتي شنت علينا بإسم الصليب لكي تقوم ( بتحرير)القدس من ( المحتل)الأجنبي… الذي هو الفلسطينيون ( الكافرون)وإذ بالصليبيون يتقدمون لأحتلال القاهرة والأسكندرية وغيرها من المدن المصرية …وسرعان ما أكتشف الصليبيون أن الذي يريد إحتلال فلسطين أمامه إحتمالين ، الأول إما الذوبان أو الأنسحاب والثاني السيطرة على كل الدول المحيطة بفلسطين…..وقد قال نابليون بونابرت ” إن مصير الشرق يعتمد على هذه المدينة الصغيرة .وكان يقصد عكا ..”.
وأخيرا علينا أن نفهم بأن نبدأ متأخرين خيرا من أن لا نبدأ…و إذا لم يطيب الموت بشرف اليوم أيها العرب فهنيئا لكم الموت في طوابير الخبز..وغدا في طوابير المياه…وبعد غد على حواجز التفتيش الصهيونية بين مدنكم وقراكم ..أما حكامكم سوف يتمتعون بثرواتهم بعيدا عن المنطقة كلها …..ولكم واسع النظر.