مراكز الفكر والمستقبل بين مصر والعالم
إعداد: د هبة جمال الدين – مدرس العلوم السياسية والدراسات المستقبلية- معهد التخطيط القومي – خبيرة متخصصة في شئون مراكز الفكر
- المركز الديمقراطي العربي
لم يعد المستقبل مجض المفاجأة أو الصدفة وأنما يمكن تشكيله ورسم ملامحه، فجاء التقرير العالمي لمؤشر مراكز الفكر Global Think Tanks Index الذي تصدره جامعة بنسلفانيا لعام 2018 في مطلع شهر فبراير ليكشف عن أبرز مراكز الفكر العالمية التي تساهم في رسم ملامح وصور سيناريوهات المستقبل.
فلم نعد أمام مستقبل واحد وأنما نحن أمام مستقبلات عديدة كمستقبلات بديلة تضعها القوى الأكثر تأثير لتتحكم في المقدرات العالمية على المدى الطويل.
والمتابع لأجندة الدراسات المستقبلية بمراكز الفكر العالمية سيجد قضيتين محوريتين قد يعتبرهما البعض محل تناقض ولكنهما هما الاكثر هيمنة على الاجندة العالمية لمراكز الفكر بمختلف دول العالم البالغ عددها وفقا للمؤشر 8500 مركز.
القضية الأولى هى التطورات التكنولوجية الحديثة وما ينتظر العالم من تغير في شكل العلاقات وظهور فاعلين جدد عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءا من البشر ودور العلم في تطوير علم الجينات وتغير الخصائص البشرية ودوره في تغير مستقبل العالم وإعادة تشكيل مقدرات القوى بل و النظام العالمي برمته وما يترتب عليه من خلق بدائل مستقبلية جديدة أمام صناع القرار.
أما القضية الثانية هى مستقبل الأديان ودورها في حل النزاعات الحادة وتغير علاقات القوى وخلق رأي عام عالمي أكثر تأثيرا يساهم في اعادة بناء التنظيم الدولي والمؤسسات العالمية الجديدة وتحقيق السلام العالمي عبر بناء بوتقه واحدة لمختلف الأديان تخلق دوافع ومحركات مشتركة من خلال اليات جديدة كالسياحة والثقافة وتنمية المجتمعات ومسارات التنمية والمسارات الدينية نحو بناء ثقافة عالمية مشتركة يكون لها الغلبة في الإسراع بحركة التاريخ نحو خلاص العالم.
هذه التوجهات الحديثة تطرح علينا تساؤلا هاما حول المساحة التي تحتلها هذه القضايا داخل الأجندة البحثية لمراكز الفكر المصرية التي بلغ عددها 39 وفقا لمؤشر مراكز الفكر العالمية.
- ما هى رؤيتها لوضع مصر في ضوء القضايا الجديدة المطروحة على الأجندة العالمية بعبارة أوضح ما هو المستقبل الذي ينتظر مصر؟؟؟
ولا أقصد هنا الخطط طويلة الأجل التي تضعها الحكومة في ضوء اهداف التنمية المستدامة “خطة مصر للتنمية المستدامة رؤية 2030”.
وأنما وضع مصر في ضوء الأدوات الجديدة والخطط العالمية الجاري رسمها في شكل مستقبلات بديلة آخذة في التبلور بل وبدأت إرهاصاتها في الظهور على الساحة.
علينا أن نتسأل جميعا حول الأدوات الممكنة لمصر ان تستثمر فيها لمواجهة المستقبل والوصول للمستقبل المرغوب والأفضل الذي يمكن لمصر رسم ملامحه من الآن، أم في المقابل علينا التسليم بأنه لم يعد امامنا إلا الانتظار وبناء سياسات بناء على رد الفعل في ضوء مخططات مستقبلية أكبر تستغل فيها الأديان لإعادة ترسيم حدود المنطقة بحجة المشترك الديني والعقائد المتداخلة وطرق الحج المشتركة بين الأديان .. بمعني أخر نحن امام واقع ومستقبل يحتاج للإعداد له لنكون فاعلين وليس مفعولا بنا، وهذا هو دور مراكز الفكر المصرية التي تغيب عنها اجندة الدراسات المستقبلية فقد يدعي البعض العمل بها واصدار مجلة أو تنظيم مؤتمر يرفع مسمى الدراسات او التحديات المستقبلية لكن كل هذا الجهد غير كاف ولا يتوائم مع المد الغربي في هذا الفرع المهم من العلم.
فنحن نحتاج لبناء منظومة بحثية متكاملة لمراكز الفكر العاملة بالدراسات المستقبلية، وبناء مشروع بحثي جاد حول مستقبل مصر قائم على اجندة بحثية متكاملة من مختلف التخصصات والجهات المهتمة بالدراسات المستقبلية كاكاديمية البحث العلمي ومعهد التخطيط القومي ومكتبة الاسكندرية ومركز معلومات مجلس الوزراء وكليات الهندسة والعلوم وغيرها. فالانشغال بالمستقبل لا يعني الشللية التي تسيطر على عدد من مراكزنا البحثية للأسف.
علينا أن نعمل معا نحو وضع سيناريو مستقبلي لخدمة الوطن لتحتل فيه مصر مكانه تتوافق مع حضارتنا وتاريخنا ونعد العدة لبناء مستقبل أفضل لوطن يستحق الأفضل.