الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

من التحالف الحرج الى التحالف المستدام : الولايات المتحدة الامريكية تعيد اليونان الى الواجهة

بقلم : د. ماجد حميد الضيدان – كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ان انتقال الولايات المتحدة الامريكية الى التحالف مع اليونان وتعزيز ذلك بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية وبناء المزيد من القواعد العسكرية الامريكية داخل الاراضي اليونانية والاتجاه الى تعزيز العلاقات الجيوسياسية والاستراتيجية بينهما بديلا عن تركيا نظرا لوجود تباعد في وجهات النظر التركية الامريكية حول الكثير من القضايا الداخلية والاقليمية والدولية وابرزها قصة الانقلاب الذي ترويه المخيلة السردية التركية والتي تمكن خلالها اردوغان من الهيمنة على الدولة التركية وتغيير نمط النظام السياسي الى نظام رئاسي وتصفية الكثير من الخصوم وابعاد الكثير من الاصدقاء واجراء تكتيكات تحالفية هنا وهناك خصوصا مع روسيا بوتن ومحاولة ابتزاز واشنطن بجدلية هذه العلاقات التركية الروسية والانفتاح الكبير في وجهات النظر بين اردوغان وبوتن والذين تتشابه خطواتهما في الاستحواذ على السلطة واجراء عملية التفاف على تطور الديمقراطية في بلديهما والذي تراه واشنطن تراجعا كبيرا لصالح عودة الديكتاتورية وتراجع الحريات .

ومن هنا يستمر الدخان الرمادي بالتصاعد والذي خيم على اجواء العلاقات الامريكية التركية والتي تشهد تراجعا كبيرا ومستمرا في عملية الاستمرار او اعادة ترميمها وارجاع اجواء الثقة اليها لكن هناك جمودا واضحا بدأ يحث الولايات المتحدة على اللجوء الى تعزيز الجبهة اليونانية والحرص على تمتينها لكونها نداً لتركيا وتفكر ملياً في ان تكون الحكومة اليونانية موازناً استراتيجيا ضد تركيا ومع واشنطن وباقي حلفائها الأوربيين خصوصاً بعد بدأ الغزو الروسي على اوكرانيا والمستمر لغاية الان ولا امل في الافق لزوال الحرب والعودة الى طاولة مفاوضات وسط تراجع فرص السلام واستمرار الابتزاز الروسي للعالم  في سوقي الطاقة والحبوب بشكل عام ولأوروبا بشكل خاص خصوصا وان اجواء الشتاء تطرق الابواب وسط اول شتاء يشهد نقصا حادا في امدادات الطاقة الروسية الى اوربا ناهيك عن الخطأ الستراتيجي الذي وقعت فيه اوربا جراء اعتمادها على النفط والغاز الروسي والذي يعد ملفاً روسيا ذا طابع سياسي اكثر منه اقتصادي وهو امر طالما حذرت منه واشنطن حليفاتها الاوربية بأنها ستدفع ثمناً باهظًا جراء هذه الخطوة غير الصحية بالمرة .

اليونان تحمل اهمية جيوسياسية اكثر منها اقتصادية نظرا لتردي اوضاعها الاقتصادية بالمقارنة مع تركيا ذات الاقتصاد المتطور في شتى المجالات ولا ننسى ان اليونان كانت بمثابة الثقب الاسود الذي استنفذ كل المعونات الاقتصادية الاوربية خصوصا الالمانية منها ابان حقبة الاتحاد الاوروبي قبل انسحاب المملكة المتحدة منه املا في ان تكون اليونان مشروعًا اقتصادياً لنجاح الاتحاد الاوروبي في حزمة سياسات كان الغرض منها دعم توسع الاتحاد الاوروبي بالضد من توسع منظمة حلف شمال الاطلسي والابتعاد عن واشنطن وهو امر لم يكتب له النجاح في ظل توصيف امريكي للاتحاد الاوروبي بأنه ناد مسيحي في اتهام امريكي لرفض اوربا انضمام تركيا إليه الامر الذي دفع تركيا الى تغيير بوصلتها نحو الولايات المتحدة الامريكية في نواح أقتصادية وامنية والاتجاه نحو بلدان اسيا القوقاز والشرق الاوسط وتبني خيار احزاب الاسلام السياسي والعودة الى ارث العثمانية

إذاً تركيا قبل الانقلاب ليست كما بعده فقد رسخت لديها قناعات اخرى وجديدة انها غير مرحب بها اوربيا وان الاوربيين بدأوا باستشعار خطر تركيا العثمانية او على الاقل تركيا الاردوغانية التي يتهمونها بإبادة الارمن وتصدير الارهاب والمهاجرين غير الشرعيين إليها وانها اخذة في منافستهم في الشرق الاوسط وهو مؤشر يستدعي منهم التفكير مليًا باقناع واشنطن في التخلي عن هذا الحليف وايجاد بديل نوعي يكون التحالف معه يصب في خدمة واشنطن واوربا داخل حلف شمال الاطلسي وخارجه على الرغم من ان تركيا تعد المساهم الثاني بعد الولايات المتحدة الامريكية في حجم القوات داخل حلف شمال الاطلسي, لكن الاوربيون بدأ يساورهم الشك مثلما بدأ الشك نفسه يساور واشنطن انها امام تباعد كبير في وجهات النظر آخذ في التزايد يوماً بعد اخر وعليها ايجاد بديل موازن يحث تركيا على اعادة النظر في الكثير من الخطوات التي أدت بها الى الابتعاد عن حلفائها الغربيين ومن ثم تعد اليونان البديل الموازن الافضل والذي يعد في الوقت نفسه الغريم التقليدي لتركيا واللذين شكلٍ انضمامها الى حلف شمال الاطلسي درعاً حصيناً في وقتها لصد تهديدات الاتحاد السوفياتي ضد الجبهة الجنوبية لحلف شمال الاطلسي.

فخطوات اردوغان في تعزيز سلطته الداخلية وجولاته نحو الحصول على صفقة السلاح الروسية خصوصا منظومة اس اربعمائة التي تعد تهديدا لمنظومات الغرب ونكوصا تركيا عن التزاماتها مع حلفائها كلفها عقوبات اقتصادية ضد اقتصادها وعملتها التي استمرت في الهبوط يوما بعد اخر وكذلك حرمانها من صفقات طائرات اف ٣٥ وغيرها والكثير من المزايا الدفاعية والشروط الاكثر رعاية والتي كانت تحصل عليها جراء تحالفها مع الغرب كلها دفعت باتجاه تعزيز هذا التحالف المستدام مع اليونان على حساب تركيا وان كانت تركيالا تزال تشكل حليفا امريكيا مهما جدا في عدة قضايا منها الازمة في سوريا والتي ترى تركيا ان واشنطن لم تصغ لها كثيرا وتدعمها في الحصول علي منطقة منزوعة السلاح ومحايدة وهو امر رفضته واشنطن لأنه ينسف تحالفاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا خصوصا وان واشنطن ترى ان سوريا ليست اولوية ملحة في ظل وجود امريكي نادر وناشئ في الوقت نفسه في سوريا ويخشى من تلاشيه ناهيك عن حجم الرفض الخليجي خصوصا الامارتي السعودي لوجود نفوذ تركي داخل سوريا والخشية من ان تكون سوريا منطقة نفوذ لخط الاخوان المعاد لبلدان الخليج العربي ناهيك عن مصر العربية هذا من جانب اضافة إلى وجود النفوذ الايراني المتزايد والخطير في سوريا ايضا وهو امر يقحم منطقة الشرق الاوسط في فوضى امنية تهدد الوصول الى مصادر الطاقة الامنة في الخليج العربي من جانب اخر.

الولايات المتحدة تحتاج من تركيا ان تكون اكثر وفاءاً لتحالفاتها وعليها ايضا ان تتفهم مخاوف واشنطن من تقاربها مع روسيا خصوصا وانها قد طرحت فكرة نقل قاعدة انجرليك في تركيا الى الاردن وهذا امر ان حصل يعني ان تركيا قد جازفت في انهاء علاقة تحالف استراتيجية استمرت طيلة سنوات الحرب الباردة وما بعدها، وعلى واشنطن ان تصغي الى مطالب تركيا بفك ارتباطها مع الاكراد في سوريا وغيرها وكذلك النظر في دعم كل من فنلندا والسويد والمانيا لوحدات حماية الشعب الكردية التي تتهمها انقرة بانها منظمات ارهابية وكانت قد عبرت عن رفضها لطلب كل من فنلندا والسويد للانضمام الى حلف شمال الاطلسي وبعد مفاوضات كبيرة حصلت موافقة تركيا على انضمامهما الى الحلف وقد صادق الرئيس الامريكي جو بايدن اخيرا على طلبات الانضمام لتتعزز بذلك جبهات حلف شمال الاطلسي بالضد من تركيا .

ان محاولات تركيا في تعزيز النهج الاستقلالي في سياستها الخارجية امر مفهوم ومقبول ان جرى على النحو الذي لا يسيء الى تحالفاتها مع واشنطن ومنظوماتها الامنية وعليها ان لا تبتعد في سياستها كثيرا باتجاه يعزز النزعة السلطوية لديها وان تسعى لتعزيز الديمقراطية والتي تعد ورقة مشتركة وصيغة عمل توثق وتعزز علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية حتى وان كانت تركيا تحاول التعويل على السلوك البراغماتي لكن عليها الحرص ان لا يصل بها الامر الى ابتزاز شركائها خصوصا واشنطن .

طالما شهدت تركيا انقلابات عدة لكنها كانت تصب دائما في تعزيز قدرة الجيش التركي في حماية العلمانية والمبادئ الكمالية واليوم بعد الانقلاب الاخير الذي لم يكتب له النجاح كما يصفه الموالين لاردوغان في الداخل فإنه اطلق يد اردوغان في قضايا مفصلية تمس الامن القومي واستطاع من خلاله ابعاد الجيش عن الحياة السياسية الى حد كبير لكنه اسهم ايضا في ابعاد الكثير من المهنيين الذين واجهوا اتهامات كثيرة اودت بهم الى الاعتقال والتوقيف والخضوع للتحقيقات او ربما الهرب الى اليونان وهذا امر يصب في صالح تركيا اردوغان ويبتعد كثيرا عن التحالف مع واشنطن الا بشروط تركية جديدة وهو امر لا ترى واشنطن انها مرغمة للتعاطي معه دون ابداء الامتعاض وتقديم ملاحظات كثيرة وهي التي دفعت بها الى التحالف البديل وتعزيز تواجد قواعدها العسكرية في اليونان ودعم إسرائيل واليونان في الاستثمار بحقل غاز المتوسط مع قبرص والى حد ما جمهورية مصر العربية. الولايات المتحدة تتعامل مع تركيا واليونان وفقا للعبة السجينين في بادئ الامر لمعرفة ايا منهما سيقدم على تفاهمات وعقد صفقات اكبر والامر مرتبط ايضا بمدى سرعة استجابة احدهما او كليهما.

5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى