أخلاقيات البائع والمشتري

اعداد : د شعبان عبد الحميد رفاعي – جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه – ماليزي
- المركز الديمقراطي العربي
إنَّ لمكارم الأخلاق منزلة عالية في الإسلام، ومن يتمتع بحسن الخلق ويتحلى بتطبيق المنهج الربَّاني في معاملة الآخرين، ويتمسك بسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
ومما يميز الأخلاق في الإسلام أنها تنشأ مع العقيدة، وتسري في العبادات، وتتفاعل مع المعاملات، وبذلك فالإسلام نظام كامل شملت الأخلاق فيه كل جوانب حياة الإنسان ([1]).
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك علاقة قويه بين الإيمان الصحيح ومكارم الأخلاق؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ”([2]).
وعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان”([3]).
وعنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ”([4]).
وكما توجد علاقه قوية بين الإيمان ومكارم الأخلاق، فإن هناك علاقة وثيقة الصلة بين الأخلاق والعبادة؛ فالعبادة روح أخلاقية في لحمتها وسداها، لأنها تأدية لفرائض الله تعالى.
قال تعالى:” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” العنكبوت: ٤٥
وقال تعالى:” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” التوبة: ١٠٣، وقال تعالى:”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة: ١٨٣
وفي هذا المعنى يأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ لَمْ يَدَعْ فِي صِيَامِهِ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ”([5]). فمن لم ينعكس صيامه على أخلاقه وتعامله مع الناس ؛ فإنه لم يحقق الهدف من الصوم.
كذلك تبدو هذه العلاقة واضحة أشد الوضوح في جانب المعاملات،وبذلك نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه بروابط أخلاقية، الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو نظام مجسد لهذه الروابط الأخلاقية([6]).
وهو ما فهمه المسلمون عبر العصور وبذلوا جهدهم في تطبيق ذلك وفق ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما جرى به العمل عند سلف الأمة الكرام؛ حيث بحثوا الأخلاق في مختلف الميادين، ومنها المعاملات المالية، فعند كلامهم في أبواب الفقه خاصة في باب المعاملات تراهم قد وضعوا لكل معاملة ضوابط أخلاقية ممزوجة بالضوابط والشروط الشرعية التي يجب مراعاتها عند التعامل بهذه المعاملة حتى تقع صحيحة، تترتب عليها آثارها([7]).
ومما يؤكد عِظَم البعد الأخلاقي في معاملات الناس اليومية خاصة المالية منها، أن علماء الأمة لم يكتفوا بما سطروه في كتبهم الفقهية بخصوص هذا الشأن؛ بل نبهوا على هذا الجانب في مؤلفاتهم الاقتصادية المتخصصة في شؤون المال قديما وحديثا، فمن الدراسات القديمة: كتاب “الخراج” للقاضي أبي يوسف (ت: 183هـ)، وكتاب “الأموال” لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي المالكي (ت: 402هـ). ومن الحديثة ما كتبه الشيخ محمد الغزالي في كتابه الإسلام والأوضاع الاقتصادية وقد ضمنه بحثا مفيدا في علاقة الأسباب الاقتصادية بالفضائل والرذائل([8]).
والناظر المتأمل في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد أنها قد سلكت في ترسيخ الأخلاق الحميدة في التعامل المالي بين المسلمين منهجًا حكيمًا، ويظهر ذلك من خلال النقاط الآتية:
1- وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم – وهو أحب الخلق إليه – بحسن الخلق فقال تعالى:” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” القلم: ٤
2- بين سبحانه أن منهج المسلم في التعامل مع الآخرين قائم على مكارم الأخلاق فقال تعالى:” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” فصلت: ٣٤
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ”([9]).
3- بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من مقاصد بعثته الشريفة؛ الدعوة إلى مكارم الأخلاق وإصلاح ما فسد منها؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ” ([10]).
وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مكارمِ الْأَخْلَاقِ، وكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ”([11]).
ومن أبرز المعاملات التي يظهر فيها أثر الأخلاق واضحا؛ المعاملات التجارية، لذا فسوف نعرض في الصفحات الآتية لأهم وأبرز الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها طرفي العملية التجارية (البائع والمشتري).
1- الصدق:
لا شك أن الصدق في التجارة من أهم القواعد التي يجب أن يتمسك بها التاجر المسلم، ذلك أن الصدق من صفات المتقين، وسبب من أسباب سعادة الدارين.
قال الله تعالى:” وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” الزمر: 33
وقال تعالى:” لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ” الزمر: 34، 35
وقد بينت السنة المطهرة أهمية الصدق في التجارة من خلال النقاط الآتية:
1- أن الصدق في البيع والشراء من أسباب نجاة التاجر يوم القيامة.
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيِّ ، ثُمَّ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ، فَوَجَدَ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَرُفَعُوا إِلَيْهِ أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فُجَّارًا إِلا مَنِ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ”([12]).
لقد آثار هذا الحديث في نفوس الصحابة الكرام شيئا من الخوف والقلق، وخاصة وأن فريقا منهم كانوا يشتغلون بالتجارة؛ فراحوا يسألون النبي الكريم عن سبب وصف التجار بهذا الوصف الشنيع؛ فبين لهم أنهم يكذبون إذا حدثوا ويكثرون الحلف.
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه، أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ”([13]).
2- أن التاجر الصدوق يبلغ بصدقه وحسن تعامله منزلة النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”([14]).
وعن عَبْد اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ”([15]).
قال ابن الحاج:” وينبغي له أن يبيع السلعة مساومة، وإن تحقق شراءها فهو أحل له وأبرك، وإن باعها مرابحة جاز ذلك لكن قد يعتوره في البيع مرابحة أن المشتري غالبا لا يعطي من الربح ما يخلص البائع فيخاف أن يكذبه فيزيد في الثمن على المشتري وهو حرام لا يجوز فإن باع مرابحة فليتحر الصدق وليخبر بشرائها دون زيادة أو نقصان.
وينبغي له من باب الكمال والنصح للمسلمين أن ينظر في السلعة التي يبيعها لإخوانه المسلمين فإن كان يريدها لنفسه بذلك الثمن باعهم به، وإن كان لا يرضاه لنفسه فلا يرضاه لهم“([16]).
3- أن الصدق من أسباب البركة في التجارة وأن الكذب من أسباب محقها:
عن حكيم بن حزام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا – أَوْ قَالَ : حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا . وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”([17]). قال ابن المنذر:” فكتمان العيوب فى السلع حرام، ومن فعل ذلك فهو متوعد بمحق بركة بيعه فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة”([18]).
4- أن أفضل الكسب كسب التاجر الصادق الذي إذا حدث الناس لم يكذبهم وإذا أتمنهم لم يخنهم.
عن معاذ بن جبل قال:” قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن أطيب الكسب كسْبُ التجار الذين إذا حدَّثوا لم يَكذِبوا، وإن ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يُخلِفوا، وإذا اشتروا لم يندموا، وإذا باعوا لم يَخدعوا، وإذا كان عليهم لم يَمطُلوا، وإذا كان لهم لم يُعسِّروا”([19]).، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تبين أهمية الصدق ووجوب العمل به في كل شؤون الحياة وخاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية.
2- الأمانة:
لقد أمر الله تعالى عباده بأداء الأمانة إلى أهلها فقال تعالى:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء 58).
والأمانة هي كل ما افترض الله على العباد، كصلاة وزكاة وصيام وأداء دين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار”([20]).
قال الشنقيطي:” والأمانة تشمل: كل ما استودعك الله، وأمرك بحفظه، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس، والعهود أيضا تشمل: كل ما أخذ عليك العهد بحفظه، من حقوق الله، وحقوق الناس”([21]). وقال الشيخ رشيد رضا:” الأمانة ما يؤمن عليه الإنسان من الأمن وهو طمأنينة النفس، وعدم الخوف، …… وكل أمانة يجب حفظها، ومنها ما يحفظ فقط كالسر، وفي الحديث المرفوع: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ ([22])، ومنه يعلم أن كل ما يدل على الائتمان من قول وعمل، وعرف وقرينة يجب اعتباره والعمل به، وتقدم تصريح الأستاذ الإمام بذلك، ومنها، أي ـ الأمانة ـ ما يحفظ ليؤدى إلى صاحبه سواء كان هو الذي ائتمنك عليه أو غيره لأجله، ويسمى ما يحفظ الأمانة ويؤديها حفيظا وأمينا ووفيا، ويسمى من لا يحفظها أو لا يؤديها خائنا يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، فمن خان عالما كان من العصاة، ووجب عليه الضمان“([23]).
وقد وردت الأحاديث الشريفة بتأكيد مبدأ الأمانة والحث عليه في كل أمور المسلم خاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ:” مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟” قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:” أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” ([24]).
ولا شك أن ما فعله هذا الرجل يتنافى تماما مع الأمانة التي أمر الله به ويعتبر ضربا من الغش المحرم.
قال الإمام الخطابي:” معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا يريد أن من غش أخاه وترك مناصحته فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي وقد ذهب بعضهم إلى أنه أراد بذلك نفيه عن دين الإسلام، وليس هذا التأويل بصحيح، وإنما وجهه ما ذكرت لك”([25]).
وقال القاضي عياض رحمه الله معناه بين في التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم فإذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لا دخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم” ([26]).
وعَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ”([27]).
قال الحافظ المناوي:” وأفاد التحذير من غش الرعية لمن قلد شيئا من أمرهم فإذا لم ينصح فيما قلد أو أهمل فلم يقم بإقامة الحدود واستخلاص الحقوق وحماية البيضة ومجاهدة العدو وحفظ الشريعة ورد المبتدعة والخوارج فهو داخل في هذا الوعيد الشديد المفيد لكون ذلك من أكبر الكبائر المبعدة عن الجنة وأفاد بقوله يوم يموت أن التوبة قبل حالة الموت مفيدة”([28]).
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ أَطْيَبَ الْكَسْبِ كَسْبُ التُّجَّارِ الَّذِينَ إِذَا حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا، وَإِذَا ائْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، وَإِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا، وَإِذَا اشْتَرُوا لَمْ يَذِمُّوا، وَإِذَا بَاعُوا لَمْ يُطْرُوا، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْطُلُوا، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ لَمْ يُعَسِّرُوا”([29]).
3– السماحة وحسن المعاملة:
والإحسان سبب الفوز ونيل السعادة وهو يجري من التجارة مجرى الربح ولا يعد من الغفلاء من قنع في معاملات الدنيا برأس ماله فكذا في معاملات الآخرة فلا ينبغي للمتدين أن يقتصر على العدل واجتناب الظلم ويدع أبواب الإحسان وقد قال الله وأحسن كما أحسن الله إليك وقال عز وجل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال سبحانه إن رحمت الله قريب من المحسنين ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل وهو غير واجب عليه ولكنه تفضل منه ([30]).
وقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن السماحة والإحسان في التجارة من أسباب رحمة الله تعالى للإنسان.
فعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:”رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى”([31]).
قال ابن بطال :”فيه الحضُ على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالى الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة فى البيع،وذلك سبب إلى وجود البركة فيه لأن النبى عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم فى الدنيا والآخرة، فأما فضل ذلك فى الآخرة فقد دعا عليه السلام بالرحمة لمن فعل ذلك، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبى – عليه السلام – فليقتد بهذا الحديث ويعمل به. وفى قوله:(إذا اقتضى) حض على ترك التضييق على الناس عند طلب الحقوق وأخذ العفو منهم([32]).
وقال الحافظ ابن حجر:” وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم” ([33]).
وقد وردت عدة أحاديث في التأكيد على التخلق بهذا الخلق النبيل في المعاملات المالية:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ الْقَضَاءِ”([34]).
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ، كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ، سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى، سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى”([35]).
ولقد أدرك السلف الصالح هذا المعنى؛ فضربو أروع الأمثلة في السماحة والأحسان في البيع والشراء.
عن عَطَاءُ بْنُ فَرُّوخَ مَوْلَى الْقُرَشِيِّينَ: أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي، فَمَا أَلْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَلُومُنِي. قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَدْخَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا وَقَاضِيًا، وَمُقْتَضِيًا”([36]).
وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة وبعضها بعشرة فباع غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة فقال يا هذا قد رضيت فقال وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك فقال أعطني خمسة فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول:” من هذا الشيخ فقيل له هذا محمد بن المنكدر فقال: هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا“([37]).
4- إظهار عيب المبيع
إن إظهار عيون السلع من أخلاق المؤمنين، وهو أيضا من النصيحة التي هي أصل الدين، والتي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:” الدِّينُ النَّصِيحَةُ”([38]) وإخفاء عيب السلعة من الغش الذي حرمه الشرع الشريف.
قال الإمام الغزالي متحدثا عن الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها التاجر المسلم:” أن يظهر جميع عيوب المبيع خفيها وجليها ولا يكتم منها شيئا فذلك واجب فإن أخفاه كان ظالما غاشا والغش حرام وكان تاركا للنصح في المعاملة والنصح واجب ومهما أظهر أحسن وجهي الثوب وأخفى الثاني كان غاشا وكذلك إذا عرض الثياب في المواضع المظلمة وكذلك إذا عرض أحسن فردي الخف أو النعل وأمثاله” ([39]).
ويدل على وجوب النصح بإظهار العيوب ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع جريرا على الإسلام ذهب لينصرف فجذب ثوبه واشترط عليه النصح لكل مسلم.
فكان جرير إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها ثم خيره وقال إن شئت فخذ وإن شئت فاترك فقيل له إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ([40]).
عَنْ يَزِيدَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سِبَاعٍ، قَالَ: اشْتَرَيْتُ نَاقَةً مِنْ دَارٍ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا أَدْرَكَنِي وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اشْتَرَيْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: وَمَا فِيهَا، إِنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ؟ قَالَ: أَرَدْتَ بِهَا سَفَرًا أَوْ أَرَدْتَ بِهَا لَحْمًا؟ قُلْتُ: أَرَدْتُ بِهَا الْحَجَّ. قَالَ: فَارْتَجِعْهَا. فَقَالَ صَاحِبُهَا: مَا أَرَدْتَ إِلَّا هَذَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ تُفْسِدُ عَلَيَّ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا، إِلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إِلَّا بَيَّنَهُ”([41]). قال الإمام الغزالي:” فقد فهموا من النصح أن لا يرضى لأخيه إلا ما يرضاه لنفسه ولم يعتقدوا أن ذلك من الفضائل وزيادة المقامات بل اعتقدوا أنه من شروط الإسلام الداخلة تحت بيعتهم وهذا أمر يشق على أكثر الخلق فلذلك يختارون التخلي للعبادة والاعتزال عن الناس لأن القيام بحقوق الله مع المخالطة والمعاملة مجاهدة لا يقوم بها إلا الصديقون”([42]).
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إِنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَهُ لَهُ”([43]). وفي رواية أخرى للحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السُّوقِ، فَرَأَى طَعَامًا مُصْبَرًا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَأَخْرَجَ طَعَامًا رَطْبًا قَدْ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ:” مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟” قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَطَعَامٌ وَاحِدٌ قَالَ:” أَفَلَا عَزَلْتَ الرَّطْبَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْيَابِسَ عَلَى حِدَةٍ، فَيَبْتَاعُونَ مَا يَعْرِفُونَ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا”([44]).
ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا يريد أن يصرفه ويزيل تكحيله وينقيه حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال يا بني فعلك هذا أفضل من حجتين وعشرين عمرة”([45]).
5 – إقالة عثرات المسلمين.
إن من أخلاق التاجر المسلم أن يسقط عن أخيه المسلم بعض ثمن المبيع إذا طلب إليه ذلك؛ لأنه لايطلب ذلك إلا لتضرره من ذلك البيع وشعوره بالغبن، أو لزوال حاجته إليه، أو انعدام الثمن، وعلى التاجر المسلم ألا يرضى لأخيه مالا يرضاه لنفسه.
قال الإمام الغزالي:” أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه”([46]).
ولا ريب أن الإقالة نوع من البر والإحسان والتعاون على البر والتقوى، والتيسير على الناس وتقديم العون والمساعدة لهم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مِنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ”([47]).
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ بَيْعًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”([48]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ الله عثرته يوم القيامة”([49]).
وعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعًا، أَقَالَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَفْسَهُ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَ اللَّهُ خَطْوَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”([50]).
قال الحافظ المناوي:” (من أقال مسلماً) أي وافقه على نقض البيع أو البيعة وأجابه إليه (أقال الله عثرته) أي رفعه من سقوطه يقال أقاله يقيله إقالة وتقاؤلاً إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري إذا ندم أحدهما أو كلاهما وتكون الإقالة في البيعة والعهد، كذا في النهاية، قال ابن عبد السلام: …….. إقالة النادم من الإحسان المأمور به في القرآن لما له من الغرض فيما ندم عليه سيما في بيع العقار وتمليك الجوار”([51]).
وعَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ: ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَالَجَهُ، وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ، فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ، أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ ” ([52]).
6 – وضع الْجَوَائِحِ
المقصود بالجوائح: الآفات التي تصيب الثمرة فتؤدي إلى هلاكها أو فسادها، كالمطر، والريح، والحريق والجراد وغي ذلك من الآفات المهلكة، والمقصود بوضعها: أن يسقط البائع عن المشتري جزء من ثمن الثمر بمقدار ما أتلفت الجائحة على خلاف في ذلك ([53]). قال الإمام مالك:” والجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدا ولا يكون ما دون ذلك جائحة”([54]).
وقد وردت الأحاديث في حض البائع وترغيبه في الوضع من دينه تخفيفا على المدين الذي أصابته الجائحة.
أخرج الإمام مسلم عن جابر بن عَبْدِ اللهِ،رضي الله عنهما، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟”([55]).
وفي رواية أخرى لمسلم أيضا: عَنْ جَابِرٍ،” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ”([56]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ”، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ:” خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِك”([57]).
قال الخطابي:” والجوائح هى الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال جاحهم الدهر يجوحهم واجتاحهم الزمان إذا أصابهم بمكروه عظيم. وقال: وأمره بوضع الجوائح عند أكثر الفقهاء أمر ندب واستحباب من طريق المعروف والإحسان لا على سبيل الوجوب والإلزام. وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد في جماعة من أصحاب الحديث: وضع الجائحة لازم للبيع إذا باع الثمرة فأصابته الآفة فهلكت. وقال مالك:يوضع في الثلث فصاعداً ولا يوضع فيما هو أقل من الثلث، قال أصحابه ومعنى هذا الكلام أن الجائحة إذا كانت دون الثلث كان من مال المشترى وما كان أكثر من الثلث فهو من مال البائع. واستدل من تأول الحديث على معنى الندب والاستحباب دون الإيجاب بأنه أمر حدث بعد استقرار ملك المشتري عليها فلو أراد أن يبيعها أو يهبها لصح ذلك منه فيها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن فإذا صح بيعها ثبت أنها من ضمانه؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فلو كانت الجائحة بعد بدو الصلاح من مال البائع لم يكن لهذا النهي فائده([58]).
وبعد: فهذا غيض من فيض لا ينضب مما جاءت السنة المشرفة في معالجة قضية الأخلاق في التجارة، أكتفي منه بما ذكرت على أن هناك أمورا كثيرة لا تقل أهمية عما ذكرت؛ ضاق المقام عن ذكرها.
يتبع إن شاء الله تعالى
الخــــاتـــمــة
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم:
وبعد فهذه أهم النتائج التي تم التوصل إليها:
1- فهم قضية الأخلاق وعلاقتها بالعملية التجارية فهما صحيحا في السنة النبوية المشرفة.
2- أن الأخلاق تسري في العملية التجارية سريان الروح في الجسد؛ مما يدل على شمولية الأخلاق لكل جوانب حياة الإنسان.
3- أن سلف الأمة وعلمائها – في كل عصر ومصر- حرصوا على غظهار قيمة الجانب الخلقي في التجارة بشتى الوسائل؛ فلم يكتفوا بما سطروه في كتب الفقه بل افردوا لذلك مصنفات اقتصادية مفردة كان من مهماتها: إبراز علاقة المعاملات المالية عموما – ومنها التجارة – بالفضائل والرزائل.
4- أن السنة النبوية المشرفة تكفلت بوضع الضوابط والقواعد التي تحرم الضرر، وتدعوا إلى إزالته إذا وقع؛ لتضمن بذلك عملية تجارية قائمة على الصدق والشفافية، خالية من كل أشكال الضرر التي تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع.
5- بينت السنة النبوية أن ضبط الأسواق ومتابعتها من أهم أسباب العملية التجارية، وأن على ولي أمر أن يجعل ذلك على قائمة اهتماماته.
6- أن العمل التجاري يحتاج إلى إنسان ذو مهارات خاصة، وفلسفات معينة، فلا بد أن يتسلح من يخوض غمار العمل التجاري بالعلم بالعلم، والخبرة، والإحاطة بأحوال الأسواق ومستجداتها، والشجاعة في اتخاذ القرار، وغير ذلك.
7- أن التخلق بخلق الإسلام في البيع والشراء يضمن للمسلم تجارة رابحة، ورزقا حلالا طيبا.
8- أن التجار الذين تخلقوا بأخلاق الإسلام في بيعهم وشرائهم لعبوا دورا بارزا في خدمة الإسلام، وقدموا إليه خدمات جليلة.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
أهم المصادر والمراجع
تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، لمحمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ)، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م.
جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، ت: أحمد محمد شاكر، ط: مؤسسة الرسالة، ط: الأولى، 1420 هـ – 2000 م
الجامع الصحيح المختصر، لمحمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، ت: د. مصطفى ديب البغا، ط: دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت – ط: الثالثة،1407 هـ- 1987 م.
الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط: دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: الثانية، 1384هـ م.
الجواهر اللؤلؤية في شرح الأربعين النووية، لمحمد بن عبد الله الجرداني الدمياطي (ت 1331هـ، تحقيق: عبد الله المنشاوي، مكتبة الإيمان بالمنصورة – مصر، الطبعة الأولى.
سنن ابن ماجه، ابن ماجة – وماجة اسم أبيه يزيد – أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (المتوفى: 273هـ)، ت: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد – محمَّد كامل قره بللي – عَبد اللّطيف حرز الله، ط: دار الرسالة العالمية، ط: الأولى، 1430 هـ .
سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، ط: دار الفكر، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد ب د ت.
سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (ت 279هـ)، ت:أحمد محمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف، ط: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط: الثانية، 1395 هـ – 1975 م.
شرح صحيح البخارى لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449هـ)، ت: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، ط: مكتبة الرشد – السعودية، الرياض، ط: الثانية، 1423هـ – 2003م.
شرح مشكل الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321هـ)، ت: شعيب الأرنؤوط، ط: مؤسسة الرسالة، ط: الأولى – 1415 هـ، 1494 م.
شعب الإيمان، لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية – الهند، ط: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية بالهند، ط: الأولى، 1423 هـ م.
صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي ب د ت، ط: الأولى، 1356
عجائب الهند، لبزرك بن شهريار، ط: دار الكتب الوطنية بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، ط: دار المعرفة – بيروت، ت: محب الدين الخطيب ب د ت.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ)، ط: المكتبة التجارية الكبرى – مصر
([1]) ارتباط المعاملات بالأخلاق، مقال للدكتور شوقي علام، منشور بموقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، بتاريخ 13 يوليو 2013م.
([2]) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (3/458ح 1162)، وقال:” حديث حسن صحيح”.
([3]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان (1/11/ح 9)، ومسلم كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان (1/63/35).
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب لا يشرب الخمر (8/157)، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي (1/76ح 57).
([5])أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، (: 2/ 673ح 1804)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([6]) الأخلاق في الإسلام (ص3).
([7]) ارتباط المعاملات بالأخلاق، مقال للدكتور شوقي علام، منشور بموقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، بتاريخ 13 يوليو 2013م.
([8]) ارتباط المعاملات بالأخلاق، مقال للدكتور شوقي علام، منشور بموقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، بتاريخ 13 يوليو 2013م.
([9]) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/75ح 29)، وقال:” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ثم لم يخرجاه”، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
([10]) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/670ح 4221)، وقال:” هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه “، وقال الذهبي” على شرط مسلم”.
([11]) أخرجه الطبراني في الأوسط (7/74ح 6895).
([12])أخرجه الحاكم في المستدرك (2/8/ح 2144)، وقال:” هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، ووافقه الحافظ الذهبي.
([13])مسند الإمام أحمد (3/428ح15569).
([14])أخرجه الحاكم في المستدرك (2/7/ح 2142)، وقال:” هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، وقال الذهبي:” كلثوم بن جوشن ضعفه أبو حاتم”.
([15]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمامة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء (3/1472ح 1844).
([16]) المدخل لابن الحاج (4/31).
([17])متفق عليه؛ فقد أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (7/246ح1937)، ومسلم كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (3/1163ح43).
([18]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/213).
([19])أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/221ح 4854).
([20]) ينظر: الكليات للكفوي (ص 187).
([22]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (3/56).
([26]) شرح النووي على مسلم (2/166).
([27]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح (9/64 ح 7150).
([29]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/488 ح 4513).
([30]) إحياء علوم الدين (2/79).
([31]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف (3/57ح2076).
([32]) شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/210).
([34]) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/64ح 2338)، وقال:” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “، وقال الحافظ الذهبي:” صحيح”.
([35]) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البيوع، باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان أو السن (3/602ح 1320)، وقال أبو عيسى:” هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه”.
([36]) أخرجه الإمام أحمد (1/470ح 411) بإسناد حسن لغيره.
([37]) إحياء علوم الدين (2/ 80).
([38]) صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة (1/74 ح 55).
([39]) إحياء علوم الدين (2/ 75).
([40])إحياء علوم الدين (2/ 75).
([41]) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/12ح 2157)، وقال:” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “، ووافقه الحافظ الذهبي.
([42])إحياء علوم الدين (2/ 76).
([43]) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/10ح 2152)، وقال:” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “، ووافقه الذهبي.
([44]) سبق تخريجه؛ ينظر (ص 5).
([45]) إحياء علوم الدين (2/77).
([47]) أخرجه أبو داود كتاب البيوع، باب فضل الإقالة (5/328)، والحاكم في المستدرك (2/52ح 2291)، وقال:” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه “، ووافقه الحافظ الذهبي.
([48]) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/272ح 889) ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 4/ 110).
([49]) أخرجه ابن حبان في صحيحه، باب الإقالة (11/404ح 5029).
([50]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب فضل من وصل الصف (2/56ح 2468)، وإسناده صحيح.
([51])فيض القدير شرح الجامع الصغير ( 6/ 103).
([52]) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب البيوع باب الجائحة في بيع الثمار والزرع (2/621ح 15).
([53]) ينظر: معالم السنن (3/86).
([55]) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، (3/1190ح 1554).
([56]) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، (3/1191ح 1554).
([57]) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة باب استحباب الوضع من الدين (3/1191ح 1556).