الدراسات البحثيةالشرق الأوسطالمتخصصةتقارير استراتيجيةعاجل

التحالف الثلاثي الصهيوني / الـــهـــيـــلــيـني والعلاقات التركية – المصرية

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أوردت مصادر إعلامية في 20 أبريل 2024 أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال في مؤتمر صحفي مع نظيره المصري : إن زيارة الرئيس المصري لتركيا كانت ضمن جدول الأعمال وأضاف فيدان خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري  الذي يقوم بزيارة إلى تركيا أن التجارة والاقتصاد (يهدف البلدان زيادة حجم التبادل التجاري من 8 مليار دولارإلى 15 مليار دولار من خلال توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة وإعادة تشغيل خط الشحن البحري(رورو) وتعزيز العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية)  تشكلان إحدى أقوى موضوعات التعاون التركي مع مصر وقال الوزير التركي إن “الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ودعم الغرب لها هو أحد الأسباب الرئيسية لمشكلة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط” وأكد أننا “متفقون مع مصر بشأن وحدة ليبيا ونعمل معها لإيجاد حلول جذرية لوقف الحرب في السودان” , بدوره قال وزير الخارجية المصري إننا “نهدف إلى الارتقاء بالعلاقات السياسية مع تركيا بما ينعكس بشكل إيجابي على كل المنطقة وقد ناقشنا كل القضايا الإقليمية وبحثنا تطورات الحرب على غزة وآثارها المدمرة على الشعب الفلسطيني”وأضاف “نرى أنه لا يجب استمرار حلقات العنف في غزة وتجاهل قرارات الشرعية ويجب أن يكون هناك مسار سياسي يؤدي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة”واكد أن مصر “تسعى مع تركيا إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأمنيا بما يصب بالمصلحة المشتركة لكلا البلدين” , وأعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية أنه خلال لقاء وزير الخارجية المصري مع الرئيس التركي جري التأكيد علي أهمية التنسيق في ليبيا وتنفيذ القرارات الدولية لحل الأزمة هناك كما أستعرض معه الجهود التي تبذلها مصر لاستعادة الاستقرار في السودان تجنباً لانهيار الدولة ومؤسساتها سواء في إطار ثنائي أو في إطار مسار دول الجوار أو من خلال التنسيق مع جميع المبادرات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة السودانية كذلك أكدوزير الخارجية المصري للرئيس التركي ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وبما يضمن تحقيق سيادة سوريا وأمنها واستقرارها , وأضاف المتحدث باسم الخارجية المصرية أن اللقاء تناول أيضاً ملفات مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي والوضع في القرن الأفريقي والصومال والساحل والصحراء والتطورات المتعلقة بالعلاقات التركية – المصريةوالحرب في قطاع غزة  .

أُعلن في 30 أبريل 2024 أن رئيس هيئة الأركان التركية الجنرال متين جوراك إستقبل في مقر رئاسة الأركان التركية في أنقرة في 29 أبريل 2024بمراسم رسمية رئيسَ الأركان المصرية الفريق أسامة عسكر وتعد هذه أول زيارة لمسؤول عسكري مصري رفيع المستوى لتركيا منذ توتر العلاقات بين البلدين عام 2013وذلك بعد أن أعاد البلدان تطبيع علاقاتها بشكل كامل عام 2023, وقدأجرى رئيسا أركان البلدين جلسة مباحثات ثنائية أعقبتها جلسة موسعة شارك فيها وفدا البلدين وحسب مصادر تركية تناولت المباحثات علاقات التعاون العسكري والتعاون بين تركيا ومصر في مجال الصناعات الدفاعية .

تأتي هذه التطورات المتتابعة في العلاقات الثنائية التركية /المصرية كنتيجة لإستئناف تطبيع هذه العلاقات بناء علي الإختراق الذي تحقق بزيارة الرئيس التركي إردوغان للقاهرة في 14 فبراير2024 التي من المتوقع حالياً رداً عليها قيام الرئيس المصري بزيارة مماثلة لأنقرة قد تتم في مايو2024حيث سيترأس مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اجتماع المجلس الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين (تأجلت  بعد أن كانت مقررة في يوليو 2024 بسبب سفر الرئيس المصري إلى مدينة سان بطرسبورغ للمشاركة في قمة روسيا – أفريقيا) .

في الواقع أن مصر كانت قد شكلت مع اليونان وقبرص تحالفاً رأته تركيا يقطع طريق تقدم علاقاتها مع مصر  لكن هذا التحالف لم تر فيه تركيا أنه قابلاً للتطور لأسباب موضوعية تتعلق بوزن تركيا ومصر في منطقة شرق المتوسط والجذور التاريخية الإيجابية للعلاقات المصرية التركية وإختلاف الحدود الدنيا والقصوي في علاقات اليونان وقبرص ومصر وتركيا بالكيان الصهيوني فهذه العلاقات مفتوحة في حالتي اليونان وقبرص فيما نجد أن لها حد أقصي في حالتي مصر وتركيا لاسباب متعددة منها المكون العقائدي للصراع العربي الصهيوني وهو مكون لا وجود له في حالتي اليونان وقبرص بالطبع .

في إطار التحالف الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص وقعت الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص على الاتفاق الثنائي مع مصر لتحديد مناطق الولاية البحرية في 17فبراير 2003وأعلنت منطقة اقتصادية خالصة في 4 أبريل 2004 واعتبارا من 21 مارس 2003وفي أعقاب الاتفاقيات الموقعة مع لبنان في عام 2007 ومن ثم مع إسرائيل في عام 2010 حيث تم اكتشاف كميات كبيرة من الاحتياطيات في المناطق التي رخصتها إسرائيل بدأت قبرص في طرح المناقصات الدولية ومع صدور القانون في 26 يناير 2007 وبدأت الاستعدادات لفتح المناطق المقسمة إلى 13 قطعة في الجزء الجنوبي من الجزيرة تدريجياً أمام شركات الطاقة العالمية وفي هذا السياق طرحت عطاءات الترخيص لأنشطة التنقيب والاكتشاف والحفر في الأعوام 2007 و2008 و2012 و2016 و2019 ونتيجة للترخيص على هذه القطع تم إبرام اتفاقيات مع شركات نوبل إنرجي الأمريكية وإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وإكسون موبيل الأمريكية وقطر للبترول وسرعان ما بدأت أنشطة التنقيب عن الاحتياطيات .

أرسي القبارصة اليونانين أمرا واقعا وبدأوا أنشطة ترخيص الغاز الطبيعي في جنوب الجزيرة وتجاهل التحذيرات مما حشد القبارصة الأتراك لأنشطة التنقيب في المنطقة البحرية للجزيرة فالأراضي التي أعلن عنها الجانب القبرصي اليوناني تتداخل مع الجرف القاري الذي أعلنته تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية الأمر الذي جعل المشكلة أكثر تعقيدا .

مع توقيع اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين إسرائيل وGCASC في 17ديسمبر 2010 اقتربت إسرائيل من المنطقة وحصلت قبرص على أكبر دعم من إسرائيل في بحثها عن الاحتياطيات في المنطقة الاتفاق الموقع مع إسرائيل هو نتاج استراتيجية “البحث عن الفرص” التي تنتهجها الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص واستغلت قبرص تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب هجوم مافي مرمرة وكما هو الحال في العلاقات مع إسرائيل تحاول الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص ملء مجالات السياسة الخارجية التي تركتها تركيا بسبب تدهور العلاقات الثنائية في المنطقة بدبلوماسية الطاقة وتسعى جاهدة إلى تشكيل كتلة قوية ضد تركيا من خلال إقامة علاقاتها مع كل من الدول الساحلية والدول غير الإقليمية في إطار تحالف موجه نحو الطاقة ففي عام 2011 وبعد اكتشاف كمية كبيرة من الغاز الطبيعي(127 مليار متر مكعب) من قبل شركة نوبل إنيرجي الأمريكية في القسيمة الـ12 المسماة أفروديت وهي إحدى مناطق التقسيم التابعة للإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص اتفقت  شركة هولندية بريطانية مع قبرص وبدأت الشراكة مع الشركات الإسرائيلية في العمل وفي نفس المكان تم اكتشاف اكتشافات مختلفة في طرود أخرى نتيجة لأنشطة الاتحادات التي شكلتها شركات من بلدان مختلفة ولم تر الإدارة القبرصية اليونانية أي ضرر في القيام بأنشطتها في مجال الطاقة دون مراعاة حقوق القبارصة الأتراك ودون مراعاة تحذيرات تركيا وتحفظاتها وحاولت اتباع استراتيجيات لمنع ردود الفعل الفعلية التي أبدتها تركيا وفي هذا السياق بدأ السعي لإشراك الدول التي تنتمي إليها اتحادات الطاقة الدولية في المشكلة وذلك لمنع التدخلات المحتملة من قبل تركيا فيما يتعلق بالمناطق الخلافية التي تتداخل مع المناطق التي حددتها تركيا على أنها الجرف القاري من بين القطع المطروحة للمناقصة وقد نجحت العملية التي نفذتها الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص وتصاعد التوتر في المنطقة من جديد مع بدء شركة إكسون موبيل الأمريكية  مع عمليات الحفر في الطرد العاشر وأستمرت هذه الدراسات تحت إشراف الأسطول السادس الأمريكي , وشعرت اليونان بالقلق تقريبًا بعد أن حدد البلدان مناطق ولايتهما البحرية بموجب مذكرة التفاهم التركية الليبية الموقعة في نوفمبر 2019 وفي أغسطس 2020 وقعت اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر التي أعلنت أنها لا تعترف بالحدود التي رسمتها الاتفاقية التركية الليبية كما تعترف على الرغم من أنها تتفاوض منذ 17 عامًا وتزايد التوتر مع إعلانات نافتكس اليونانية بعد أن أعلنت تركيا أنها تجاهلت قانونيًا الاتفاقية اليونانية المصرية و استئناف الأبحاث الزلزالية قبالة جزيرة ميس  وتتواصل الجهود الرامية إلى منع سياسة تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بالعقوبات من خلال نقل التوتر إلى منصات الاتحاد الأوروبي وقد بدأت هذه السياسة – كما يدعي اليونانيين – تؤتي ثمارها .

إستهدفت اليونان اتخاذ مبادرات للحد من مناطق المنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا من خلال العمل جنبًا إلى جنب مع الإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي هذا السياق لا تزال أكبر داعم لجميع مبادرات الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص لإقامة وضع مماثل للنزاعات القائمة مع تركيا بشأن قضايا الجرف القاري والمياه الإقليمية في بحر إيجه  , وكانت المطالبة التركية بالولاية البحرية البالغة 40 ألف كيلومتر مربع لجزيرة ميس التي تبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة والتي تبعد 580 كيلومترًا عن البر الرئيسي اليوناني، هي مثال نموذجي لهذه الأطروحة التي تتعارض مع الحقائق من وجهة النظر اليونانية وقد حققت استراتيجية عزل تركيا التي نفذتها اليونان مع الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص هدفها إلى حد ما مع تطور التحالف مع تشكيل شرق المتوسط، بعد التراجع السياسي في العلاقات التركية المصرية وكجزء من نفس الاستراتيجية حصلت اليونان على دعم الولايات المتحدة ونظمت تشكيلات تحالف ثلاثي مع كل من إسرائيل ومصر إلى جانب الإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص .

في خلفية التطور الطارئ علي العلاقات المصرية / التركية يربض تحالف ثلاثي مصري / يوناني / قبرصي توازي معه – وهذا أمر مثير للدهشة والتساؤل – تحالف ثلاثي آخر فقد قاسمه المشترك اليونان وقبرص وثالثهم الكيان الصهيوني وهذا التحالف تم إطلاقه في اتفاق قمة ثلاثية بين قبرص واليونان وإسرائيل على المستوى الوزاري في عام 2013 ويعد تحالف أقوي من التحالف الذي يضم مصر واليونان وقبرص فقد تميز هذا التحالف الذي يضم الكيان الصهيوني مع الدولتين الهيلينتين  بدعم واضح من الولايات المتحدة لاحقًا ويؤكد ذلك ما نشره موقع sputnik في 31يوليو2015 في مقال تحت عنوان : “هل يشكل جنوب قبرص واليونان وإسرائيل تحالفًا ضد تركيا؟” إذ أشار كاتبه إلي أن إسرائيل تتعاون مع الإدارة القبرصية اليونانية واليونان في مجالات الطاقة والدفاع والسياسة الخارجية والاقتصاد وأن جرى استعراض قوة هذا التحالف الجديد  في 30 يوليو2015 خلال اتصالات أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قبرص اليونانية ثم أشار موقع sputnik إلي ما قاله خبير العلاقات الدولية القبرصي اليوناني زينوناس تزياراس حول هذا التحالف المتشكل في شرق البحر المتوسط ​​وعلاقاته مع تركيا في هذه الفترة التي تتكثف فيها العلاقات بين إسرائيل – جنوب قبرص – اليونانية ومن الواضح أن هذا المحور الجديد اكتسب عمقا مع زيارة نتنياهو وأوضح زينوناس أن هذا التعاون يخدم الأغراض المختلفة للدول الثلاث  التي ترغب في مواصلة هذا التحالف بما يتماشى مع مصالحها الخاصة وأعرب زينوناس عن تفاؤله بمستقبل التحالف مؤكداً أن الاستمرار الناجح للتعاون بين الدول الثلاث يأتي بمبادرة إسرائيلية وتساءل “هل ستواصل إسرائيل تقديم الدعم الكامل لهذا التحالف؟” أم هل سيصلح علاقاته مع أنقرة ويعيد النظر في هذا التعاون؟ ووفقا لتزياراس فإن هذه الأسئلة مهمة جدا لأن التقارب المحتمل بين البلدين سيؤدي إلى تحول اهتمام إسرائيل نحو تركيا فيما يتعلق بالطاقة وقال تزياراس “هذا الاحتمال لن يعني تدهور علاقات إسرائيل مع قبرص واليونان” وعلى أي حال فإن الاتصال الوثيق بين الدول الثلاث سيستمر وعلى الرغم من إعلان إسرائيل وجنوب قبرص واليونان أن تركيا ليست هدفًا للتحالف إلا أن تزياراس أشار إلى أن أنقرة لديها مشاكل خطيرة في علاقاتها مع الدول الثلاث ويعتقد أن رد فعل تركيا لن يسبب مشاكل كبيرة ويبني تزياراس هذا الرأي على سببين : أولاً تدرك تركيا أن هذا التحالف لن يهدد أمنها أبداً ومن ناحية أخرى يمكن لتركيا أن تحاول إصلاح علاقاتها مع الدول الثلاث متى أرادت ذلك وفي هذا السياق فإن مفتاح الحل يكمن في يد أنقرة  .

في 8 مايو 2018 أعلن الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس عن توقيع مذكرات تعاون مع اليونان والكيان الصهيوني في مختلف المجالات وفي حديثه بعد الاجتماع الثلاثي الرابع لقبرص واليونان وإسرائيل أشار السيد أناستاسياديس إلى أننا “تمكنا من إنشاء إطار تعاون دولي ومتعدد الأطراف موثوق به يعتمد على مبادئ وقيم ديمقراطية راسخة للدول الثلاث مما يوفر إمكانية لإنشاء جسور تواصل ليس بين الحكومات فحسب بل بين الشعوب أيضًا” وأشار الرئيس إلى التوقيع على مذكرات التفاهم وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثلاثية فتم التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات تكنولوجيا الفضاء وعمليات تطبيقات الأقمار الصناعية ومذكرة تفاهم في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالإضافة إلى اتفاقية تعاون في خطة عمل الطوارئ دون الإقليمية للتعامل مع حوادث التلوث النفطي البحري كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون بين الغرف التجارية في الدول الثلاث علاوة على ذلك تم التوقيع على اتفاقية للتعاون في شؤون الأمن العام واتفاقية للتعاون في مجال الإنتاج السينمائي المشترك على المستوى الثنائي بين قبرص وإسرائيل واتفق القادة أيضًا على التنفيذ المشترك لمشاريع وبرامج جديدة في جملة أمور في مجالات الاتصال والاتصالات والابتكار والصحة والطاقة وريادة الأعمال والبحث والتكنولوجيا وحماية البيئة والدبلوماسية الرقمية والدفاع ومكافحة الإرهاب وأضاف الرئيس القبرصي :”إن الآلية التي أنشأناها تحول يوميا إلى مشاريع رؤيتنا المشتركة للسلام والاستقرار والأمن في منطقتنا القابلة للاشتعال ولهذا السبب لن يكون من المبالغة القول إن إطار التعاون الثلاثي له قيمة جيوسياسية مهمة تم الاعتراف بها بالفعل على المستوى الدولي” و “فيما يتعلق بقطاع الطاقة فإن الترويج لخط أنابيب “إيستميد” هو عنصر أساسي في تعاوننا” و “لقد أكدنا مجددًا التزامنا بالعمل بتصميم بهدف التوقيع على اتفاقية ذات صلة بين الدول خلال عام 2018” وأضاف أن “هذا المشروع يخلق شبكة لا مثيل لها من المصالح المشتركة ومنفعة استراتيجية واضحة لدولنا وعلى نطاق أوسع حيث أن تنفيذه سيساهم عمليا في أمن إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي” و”ومن هنا جاء القرار الأخير للاتحاد الأوروبي لتمويل 34.5 مليون يورو للدراسة الفنية لبناء المشروع” .

في نفس هذا الإجتماع أو هذه القمة في 8 مايو2018تحدث رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو فقال أن هناك «تحالف كبير» تعمل الدول الثلاث على بناءه مشيراً إلى أنه «ليس هناك حدود» لما يمكن تحقيقه وقال “أجد أن هذه الاجتماعات ليست بناءة فحسب بل مشجعة للغاية أيضا” مضيفا أنها “تشجعنا للمستقبل” وأوضح أنه “إذا نظرت قبل بضع سنوات فقط فمن غير المعقول أن بلدينا لم يكن لديهما هذا الاتصال الدافئ والوثيق والمباشر” وأضاف: “لقد كنا معزولين عن بعضنا البعض بطرق عديدة وهذا أمر لا يصدق” ووفقا لرئيس وزراء إسرائيل “نحن ثلاث جمهوريات شرق البحر الأبيض المتوسط، لدينا مصالح مشتركة وذلك على وجه التحديد لأن لدينا قيم مشتركة” نحن ملتزمون بنفس الرؤية حول كيفية تنظيم المجتمع، وكيفية تشجيع الحريات، وكيفية حماية التعددية، وأعتقد أنه يمكننا تحقيق ذلك بشكل أفضل معًا وليس بشكل منفصل”. وأشار رئيس وزراء إلكيان الصهيوني أيضًا إلى مشروع الكابل الكهربائي الذي سيوحد إسرائيل وقبرص واليونان وبقية أوروبا وهو EuroAsiaInterconnector فضلاً عن إدراج الألياف الضوئية وفيما يتعلق بالسياحة أشار إلى أن ربع مليون إسرائيلي يزورون قبرص وأنه مع كل لقاء فإن “العدد يتزايد” كما أعلن السيد نتنياهو أن القمة الثلاثية المقبلة ستعقد في مدينة بئر السبع بإسرائيل  .

كذلك في هذه القمة تحدث رئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس عن العلاقات الوثيقة بين الدول الثلاث وأشار إلي أن الاجتماع الثلاثي في نيقوسيا يتعلق بشكل رئيسي “بمشروع رمزي وهو مشروع خط أنابيب EastMed” والربط البيني لأوراسيا  كذلك أشار إلى أن خطط الدول الثلاث تتعلق بطرق الطاقة والاتصالات في المستقبل للمنطقة وأوروبا وأنه خلال عام 2018 “سنوقع الاتفاقية الحكومية الدولية بشأن إيست ميد وهذا وحده يجعل اجتماع اليوم بناءا للغاية” وأضاف  أنه في ضوء الحاجة المتزايدة لتنويع مصادر الطاقة والترابط بسبب التطورات الجيوسياسية أكدنا مجددًا الاهتمام المشترك بتعزيز آفاق إنشاء ممر موثوق للطاقة من حوض شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا وفي هذا السياق أكدنا على أهمية مواصلة تعزيز التآزر في مجال الطاقة مع البلدان ذات التفكير المماثل بما في ذلك منتدى غاز شرق المتوسط ​​والمشاريع الإقليمية مثل الربط الكهربائي مثل الرابط الأوروبي الآسيوي وخطوط أنابيب الغاز الطبيعي/الهيدروجين المحتملة وفي مواجهة التحدي العالمي المتمثل في تغير المناخ  اتفقنا على تعزيز جهودنا من خلال المشاريع التعاونية الإقليمية والبحث والتطوير وتقنيات الطاقة المبتكرة وتعزيز المزيد من الترابط الإقليمي في مجال الطاقة وعلى خلفية الحرائق الأخيرة في اليونان وقبرص ومع الأخذ في الاعتبار المساعدة الأخيرة التي قدمتها إسرائيل نؤكد من جديد التزامنا المتبادل بمساعدة بعضنا البعض في الاستجابة لحالات الطوارئ وتعزيز تنسيقنا وقدراتنا المشتركة لتحقيق هذه الغاية كما أكدنا من جديد قيمة ترتيب 3+1 مع الولايات المتحدة ، والذي يمكن أن يحقق إنجازات ملموسة في مجالات من بينها الطاقة والاقتصاد والعمل المناخي والتأهب لحالات الطوارئ ومكافحة الإرهاب وتم الاتفاق على العمل معًا لعقد اجتماع وزاري 3+1 في وقت لاحق من هذا العام .

وفي البيان الختامي المُشترك لهذه القمة ورد : أنه ونظرًا للزخم الإيجابي الذي أطلقه اتفاق إبراهيم التاريخي والفرص الجديدة التي خلقها فقد استكشفنا طرقًا لربط العمل المنجز في منصتنا الثلاثية مع المخططات الإقليمية الأخرى بما في ذلك منتدى النقب  كذلك فإن تعزيز وتوسيع دائرة السلام بين إسرائيل والعالم العربي  وهو الأمر الذي لم يكن من الممكن تصوره قبل سنوات قليلة يبشر بمنطقة أكثر أمنا وازدهارا ونحن ملتزمون بتشجيع ودعم هذه العملية , وأشار البيان إلي أننا : “اتفقنا على أن أي ترتيب لإعادة توحيد الجزيرة على أساس احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع القبارصة لن يفيد الشعب القبرصي ككل فحسب بل سيسهم أيضا بشكل كبير في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة . ” , كذلك يُشار بمناسبة هذه القمة الثلاثية إلي ذلك التصريح الذي أدلي به رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس  فمن بين أمور أخرى أشار إلي أن اليونان وقبرص وإسرائيل هي دول استقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، “وهي هيكل ثلاثي صمد أمام اختبار الزمن” وأظهر فائدته على الصعيدين السياسي وعلى المستوى الاقتصادي بل وفي مجالات أخرى أيضًا .

لا يغيب عن الفهم المعاني المتعددة الناجمة عن إستخدام المتحالفين الثلاثة في بيانهم المُشترك لمصطلحي : (1) الشراكة الثلاثية و(2) البلدان ذات التفكير المماثل فبمنتهي البساطة فإنه من ضمن المعاني المُستخلصة :

– أن التحالف الثلاثي يضم حصراً اليونان وقبرص والكيان الصهيوني ويستبعد مصر علي وجه التعيين فهي كانت في السابق بدأت تعاون الثلاثي في أبريل 2016 تطور ليصبح تحالفاً ثلاثياً ضمها مع اليونان وقبرص وهذه التحالف المصري معهما أستُتنفذ وأنتهي بنشأة التحالف الجديد الذي ضم الهيلينية والكيان الصهيوني .

– أن مصطلح البلدان ذات التفكير المتماثل كاشف عن سبب تكون التحالف الثلاثي الجديد بإستبعاد مصر كونها في نظر هذه الدول لا تتبني تفكير متماثل كالذي تتبناه اليونان وقبرص والكيان الصهيوني , وبالطبع فالتفكير المتماثل يعني تعييناً التفكير فيما يتعلق بالطاقة وما يرتبط بها من خطط وأنشطة وتقديرات , فمن الواضح أن مصر لم تتماه مع سبل تفكير هذه البلدان الثلاثة وأصطدمت مصالحها مع مصالحهم ( رغم سبق توقع رؤساء الأركان العامة ومسؤولو وزارات الدفاع في مصر واليونان وجنوب قبرص في 8 أبريل 2021 على اتفاقية برنامج تعاون عسكري ثلاثي)  مما أعان مصر علي إعادة التفكير والتيمم شطر تركيا التي في تقديري أنه لو أحسنت مصر ترتيب أمرها الآن ومستقبلاً مع تركيا لفاق هذا التحالف الثنائي التحالف الهيليني / الصهيوني قوة وإقتداراً وثماراً , وإذا ما تم تطوير التحالف الثنائي المصري التركي ليصير تحالفاً ثلاثياً يضم ليبيا فإنه في هذه الحالة سيصير تحالفاً يتجاوز قدرات التحالف الهيليني / الصهيوني فعلي الأقل وبمعيار واحد فقط يمكن تصور بأس التحالف التركي / المصري / الليبي في المتوسط أعني بمعيار الإطلالة الساحلية المستقيمة والمباشرة لكل من مصر وليبيا علي البحر المتوسط كما أن لتركيا ساحل (ساحل الفيروز) طوله 1600 كيلومتر تقريبًا  ولمصر ساحل طوله 995 كيلو فيما الساحل الصهيوني المغتصب من فلسطين طوله 273 كيلومتر تقريباً والساحل اليوناني متقطع ومعظمه يطل علي المتوسط من خلال بحري أيجة والبحر الأيوني وطوله 13676 كيلومتر (بحساب الجزر الصغيرة المتناثرة علي بحر إيجة  , هناك العديد من قرارات محكمة العدل الدولية ومحاكم التحكيم الدولية التي تبين أن الجزر ليس لها ولاية بحرية وترسم الحدود البحرية على أساس الخط الوسيط بين قارات البلاد ومن بينها قرار محكمة العدل الدولية الذي رسم الحدود البحرية بين أوكرانيا ورومانيا في البحر الأسود متجاهلاً جزيرة الأفعى الأوكرانية كما تم رسم الحدود البحرية بين اليمن وإريتريا عن طريق التحكيم الدولي متجاهلة الجزر الواقعة عند مدخل البحر الأحمر ومتخذاً الخط الأوسط كأساس) والساحل القبرصي طوله 740 كم , ويُشار إلي أن الساحلين المصري والليبي ملتصقين ومتكاملين .

– تواري التحالف المصري /اليوناني / القبرصي أو كاد أن يتواري وأصبح التحالف الثلاثي بين اليونان الكيان الصهيوني وقبرص واضحاً معلناً للكافة ففي4سبتمبر2023 إجتمع كل من خريستودوليديس رئيس جمهورية قبرص(مهندس العلاقات بين الصهاينة وقبرص إبان عمله كوزير خارجية قبرص اليونانية لجنوب منذ عام 2010) وكرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء جمهورية اليونان وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في نيقوسيا وصدر في نهاية إجتماعهم الثلاثي التاسع من نوعه بيان مشترك تضمن الفقرة التالية : ” أكدنا من جديد التزامنا بمواصلة تعزيز التعاون الديناميكي في منصة الشراكة الثلاثية ما يعكس التزامنا بقيمنا ومصالحنا المشتركة المتنامية باستمرار بهدف المساهمة في السلام والاستقرار والأمن والازدهار في شرق البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأوسع  وهو ما تم التأكيد عليه في مناسبات سابقة وتظل بلداننا الثلاثة ملتزمة بالترحيب بالأشخاص الآخرين ذوي التفكير المماثل في جهودنا الحثيثة لخلق وتعزيز التآزر لصالح بلداننا وشعوبنا وكذلك منطقتنا وأكدنا من جديد هدفنا لتعزيز التعاون في المجالات الرئيسية مثل الطاقة والدفاع والاستجابة لحالات الطوارئ والبيئة والسياحة والصحة والتكنولوجيا والابتكار والمغتربين واتفقنا على أن قطاع الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي والكهرباء والطاقة المتجددة يشكل أساساً متيناً للتعاون في المنطقة، استناداً إلى القانون الدولي بما في ذلك قانون البحار واحترام ممارسة جميع الدول لحقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة/الساحل الخاص بها  .

– أن التحالف الثلاثي الهيليني / الصهيوني عقد تسع قمم ثلاثية آخرها تلك التي عُقدت في 4 سبتمبر 2023 في نيقوسيا، وقد أعلنها هذا الثلاثي صريحة في البيان المُشترك الصادر عن دوله الثلاث في4سبتمبر2023 أن هناك ثمة “التزام بقيم ومصالح مشتركة متنامية” أي أن دول التحالف الثلاث لم يكونوا يرون أو يعتقدون أن مصر يمكن أن تشارك اليونان وقبرص هذه القيم في التحالف الذي كانت مصرتعتقد أنه يربطها بالدولتين الهيلينيتين وأخذ في التلاشي إلي إختفي بعد الإعلان عن تحالفهما الآخر مع الكيان الصهيوني وبدء إجتماعاتهم الثلاثية المتتالية , بل إن التحالف الصهيوني/اليوناني /القبرصي حظي بالدعم الأمريكي ففي سياق هذا الدعم الأمريكي وقعت قبرص واليونان وإسرائيل عددًا كبيرًا من مذكرات التفاهم لتطوير مشروعين مهمين للبنية التحتية هما خط أنابيب الغاز الطبيعي “شرق المتوسط” وخط أنابيب “يورو آسيا” لنقل الكهرباء وفي الآونة الأخيرة أُعلن أن الهند ستشارك في الدورة المقبلة بهدف تطوير مشروع كبير آخر للبنية التحتية وهو “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” (IMEC) وهو المشروع الذي يؤثر سلباً علي إيرادية قناة السويس أي أن التحالف الرابط بين اليونان وقبرص وإسرائيل يمكن وصفه بسهولة بإنه عدائي وليس تنافسي مع مصــر بالعدائية , فالعلاقات الإسرائيلية مع كل من اليونان وقبرص تبرر التوسع فيها والبناء عليها إذ أن العلاقات اليونانية الإسرائيلية بدأت تتوسع بعد اعتراف اليونان بحكم القانون بدولة إسرائيل في عام 1990، وبناء علي ذلك فقد تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون أما مع قبرص فقد تعززت العلاقات القبرصية الإسرائيلية بشكل كبير في عام 2009عندما أصدرت إسرائيل مذكرة تحظر على سفنها استخدام المطارات في الأراضي المحتلة في قبرص (جمهورية شمال قبرص التركية) ومنذ ذلك الحين قامت الدولتان بتوسيع العلاقات بينهما وإجراء مناورات عسكرية مشتركة وتوقيع اتفاقيات مهمة أهمها ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما الموقعة في 17 ديسمبر 2015 وكنتيجة أصبح هناك أساس إيجابي لتعزيز التعاون بين قبرص واليونان وإسرائيل فيما يتعلق بإستغلال احتياطيات الطاقة الموجودة في حوض المشرق وأتخذ اللازم نحو القيام بذلك الإستغلال في الأعوام 2009 و2010 و2011 ونوقش احتمال نقلها إلى السوق الأوروبية ومن ناحية أخرى فإن اليونان وقبرص العضوتين في الاتحاد الأوروبي أخذتا تؤيدان تعزيز المصالح الإسرائيلية في بقية أوروبا وفي الفترة من 2013 إلى 2024 عُقدت كما سبقت الإشارة تسعة اجتماعات قمة ثلاثية بمشاركة رئيس الوزراء اليوناني ورئيس قبرص ورئيس وزراء إسرائيل وحضر الاجتماع الثالث في 20مارس في إسرائيل أيضًا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أعلن دعم الولايات المتحدة للعملية القائمة مما أدى إلى إعادة تسمية الاجتماعات إلى صيغة 3+1وفي جميع اجتماعات القمة تم التأكيد مجددًا على إرادة الأطراف الثلاثة للتعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية والتكنولوجية ولكن أيضًا في مسائل الأمن والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والمنطقة الأوسع وقد انعقدت القمة الثلاثية الثامنة في 7 ديسمبر 2021 في القدس بمشاركة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس وشدد القادة الثلاثة على الأهمية الجيواستراتيجية لشرق البحر الأبيض المتوسط وأعربوا عن دعمهم الكامل للتوصل إلى حل عادل ومستقر للقضية القبرصية (ولا ذكر للقضية الفلسطينية) وشددوا على أنه بالإضافة إلى خطط خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ومنتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ​​(EMGF) يمكن أن تكون الطاقة عاملاً أساسيًا للأمن في المنطقة ثم عُقد الاجتماع التاسع في 4 سبتمبر 2023وصدر بيان مشترك     أكدت فيه مجموعة 3+1 (اليونان وقبرص وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) على تعاونها الديناميكي الذي يعكس قيمها المشتركة وشددوا على أهمية القانون الدولي بما في ذلك اتفاقية قانون البحار (UNCLOS) وقدرة الدول على ممارسة حقوقها السيادية في المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بها واتفقوا على أن الاجتماع المقبل سيعقد في عام 2024 في إسرائيل وكان هناك مخطط تعاون مهم آخر يتمثل في المشاركة الثلاثية لليونان وقبرص ومصر في خط أنابيب للشحن الكهربائي تحت البحر إلى اليونان عبر قبرص، يسمى EuroAfrica Interconnector والذي تم التوقيع عليه في 8 نوفمبر 2014 وأدى ذلك إلى اتفاق بشأن الترسيم الجزئي للحدود الاقتصادية الخالصة للمناطق بين اليونان ومصر في أغسطس 2020والتي ألغت بشكل أساسي  – من وجهة نظر اليونان – مذكرة التفاهم غير القانونية بين تركيا وليبيا فيما يتعلق بخط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط  , وقد دعمت الولايات المتحدة تفضيل الغاز الطبيعي المسال من خلال التعاون مع اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر وتركيا وفي 17 يونيو 2022 وقع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل بشأن تجارة الغاز الطبيعي لكن شركة إديسون الإيطالية قالت في 17 يوليو 2023 إن خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ممكن التنفيذ فيما يتعلق بـ “Euro Asia Interconnector”، خط الأنابيب البحري الذي يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان تم الاحتفال به رسميًا في 14 أكتوبر 2022 في قبرص في اجتماع لوزراء الطاقة في الدول الثلاث مع التقدير أنه سيتم الانتهاء منه بحلول عام 2026 وفي 9 أبريل 2024 أُعلن أنه ستجري اليوم في نيقوسيا بقبرص إتصالات لمشروع Great Sea Interconnector  وذلك من واقع  مذكرة إعلامية أشارت فيها الـ  ADMIE (The Independent Power Transmission Operator ) إلي فوائد الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل (لم يُشار إلي مصر) في ضوء المناقشات التي تجري حول المشروع هذه الأيام  وأن إدارة ADMIE ستكون اليوم في قبرص حيث ستعقد اجتماعًا مع مسؤولي وزارة الطاقة والهيئة التنظيمية الإسرائيلية بهدف إنضاج الربط بين قبرص وإسرائيل وبعد ذلك سيكون هناك مؤتمر ثلاثي بين اليونان – قبرص – إسرائيل بتنسيق ADMIE وبحضور مديري الدولتين وبالتوازي سيعقد اليوم وغدا اجتماع فني لمدة يومين في قبرص بين ADMIE وGSI ومشغل نظام النقل القبرصي وسيتم إجراء الاتصالات الفنية في إطار مجموعة العمل والمؤتمرات الهاتفية الأسبوعية التي أنشأت من أجل الفهم المشترك للإمكانيات التقنية للربط البيني واستكمال دراسة تصميم التنفيذ النهائي التي أعدتها شركة سيمنز وفيما يتعلق بفوائد الربط البيني تتحدث ADMIE عن فائدة ثلاثية لقبرص حيث أنها ستوفر المزيد من أمن الطاقة ومزيج “أكثر مراعاة للبيئة” من توليد الكهرباء والطاقة الرخيصة لجميع المستهلكين القبارصة وسيؤدي الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل إلى إزالة عزل الطاقة عن آخر دولة غير متصلة في الاتحاد الأوروبي مما يساهم في تحقيق الأهداف السامية التي حددها الاتحاد الأوروبي لتغلغل مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2040.

– يعد مشروع الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل أحد أكبر مشاريع الربط الكهربائي على مستوى العالم وهو رائد في مد الكابلات على عمق 3000 متر والتكنولوجيا المبتكرة لمحطات التحويل (تيار مباشر عالي الجهد) وسيؤدي تنفيذ هذا المشروع المتميز في قيمته الاقتصادية والجيوسياسية العالية إلى انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وفي الوقت نفسه ستحصل الشبكات الوطنية لكل من قبرص ومن ثم إسرائيل على ربط أخضر وموثوق ومتبادل في الاتجاهين مع اليونان وبقية أوروبا كما أن الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل سيمنح قبرص إمكانية التطور لتصبح مركزًا رئيسيًا للطاقة في البحر الأبيض المتوسط وذلك بفضل صادرات الطاقة الخضراء إلى أوروبا من خلال الربط الكهربائي عبر الحدود الذي تروج له ADMIE , وقد تم إدراج الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل ضمن المشاريع ذات الاهتمام المشترك (PCIs) حيث حصل على منحة بقيمة 657 مليون يورو من المفوضية الأوروبية ولكي تتمكن المفوضية الأوروبية من المضي قدماً في هذا التمويل المرتفع لمشروع عبر الحدود فقد أجرت دراسات مفصلة عن التكلفة والعائد والتي أثبتت الفائدة للمستهلكين والجدوى الاقتصادية للمشروع  .

– يُضاف إلي ما تقدم الحدث المهم ذو العلاقة وهو توسيع مخطط  التحالف الثلاثي الصهيوني مع اليونان وقبرص بدعم أمريكي(3 + 1فقد قررت الولايات المتحدة – أي شركات البترول الأمريكية – أن تصبح مراقبًا في منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ويشكل المنتدى الذي يضم اليونان وإسرائيل وقبرص وفلسطين ومصر والأردن وإيطاليا وقد تدفع الولايات المتحدة بضم تركيا لهذا المنتدي لتتجنب الإنقسام في شرق المتوسط) بمشاركة الهند كما إقترحه اقترحه رئيس وزراءها شري ناريندرا مودي وأصبح المشروع ذو الصلة معروفًا في 9 سبتمبر 2023 بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) تحت اسم آخر هو الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) خلال الجلسة العشرين في دلهي وتم التوقيع على مذكرة تفاهم (الملحق د) لتطوير هذا الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) وهو مشروع يتعلق بتطوير السكك الحديدية وخطوط البواخر والبضائع الكهربائية تحت سطح البحروخطوط أنابيب الاتصالات والغاز الطبيعي وإنشاء الممر التجاري من الهند إلى أوروبا عبر شبه الجزيرة العربية ثم عبر الاردن فالكيان الصهيوني وصولاً للبحر المتوسط فأوروبا وقد زار مودي اليونان في 25 أغسطس 2023 وأعرب عن استعداده للتعاون في مختلف المجالات بل على العكس من ذلك ساءت علاقات الهند مع تركيا في الآونة الأخيرة بسبب موقف تركيا بشأن جامو وكشمير .

– تنامت قوة التحالف الصهيوني / الـهـيـلـيـني بععد إنضمام الولايات المتحدة له وأخذ مسمي 3+1 وأشتد هذا التحالف أكثر وأكثر بفعل تداعيات الحرب في غزة وطول مدتها إذا إستعانت الولايات المتحدة بقبرص لتنفيذ مخطط إقامة ” ماتدعي أنه مــيــنــاء إصطناعي مــؤقت لغزة” وفي الواقع أنه لن يخرج معناه عن أن يكون منفذ سياسي/ أمني أمريكي صهيوني لترتيب أوضاع طويلة الأمد في غزة تخدم الإستراتيجية الصهيونية خاصة في ضوء حقيقة رفض الصهاينة بقوة ووضوح حل الدولتين الذي تدعي الولايات المتحدة علي سبيل الخداع أنها تقترحه وتدعمه وفي نفس الوقت يوافق الصهاينة بسرعة ووضوح علي المخطط الأمريكي لهذا الميناء الذي يدعون أنه مــؤقت , المهم أن قبرص أحد أطراف التحالف الصهيوني / الـهـيـلـيني ستكون مـــعـــيـناً علي تنفيذ هذا المخطط ذو الأبعاد الخفية غير المُعلنة والذي سيفتتح في غضون أيام من شهر مايو/ يونيو2024 والذي قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مؤخراً “إنه لا يرى أي مؤشر على أن حماس تخطط لشن هجوم على القوات الأمريكية في غزة  لكنه أضاف أنه تم اتخاذ الإجراءات الكافية لحماية الأفراد العسكريين ” مـوضـحـاً : أنه ” لن يناقش المعلومات الاستخباراتية على الأرض” وقال أوستن خلال مؤتمر صحفي: “لكنني لا أرى أي مؤشر في الوقت الحالي على أن هناك نية نشطة للقيام بذلك”وقال “ومع ذلك… إنها منطقة حرب ويمكن أن يحدث عدد من الأشياء، وسيحدث عدد من الأشياء”, ولا أستبعد في تقديري أن تعرض قبرص نفسها لتداعيات الحرب علي غـزة طالما إمتلكت شجاعة المشاركة في مخطط عدواني أمريكي / صهيوني أخذ مسمي “الميناء الإصطناعي المؤقت لغزة ” , فشظايا حرب غزة قد تصل لقبرص كنتيجة .

– إنعقد في 28 أبريل 2024مؤتمر مهم في نيقوسيا حضره مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي واليوناني ثانوس دوكوس وكان ذلك الإجتماع حدث غير عادي واستثنائي فقد عقداه مع تاسوس تزيونيس نظيرهما القبرصي بعيدًا عن أعين الجمهور بهدف تنظيم الاجتماع الثلاثي على مستوى رؤساء الوزراء الذي سيتخذ قرارات بشأن الطريق إلى الأمام وكيفية نقل الغاز الطبيعي من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى قبرص أوروبا  .

– مما يؤكد علي الطبيعة والتفكير المتماثل لدول التحالف الصهيوني / اليوناني/ القبرصي أن هذا التحالف لم يقتصر علي تناول الموضوعات والقضايا المتعلقة بالطاقة والمصالح المادية فقط لكنه تحالف متدد متنوع إذ أعلن في 26 أبريل 2024 أن رؤساء لجنتي الشؤون الخارجية في قبرص واليونان وإسرائيل توصلوا إلى اتفاق على أن الأزمة الحالية في الشرق الأوسط أي الجرب في غزة والمخاطر التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها تتطلب تعاونًا ثلاثيًا وذكر أن رؤساء لجان الشؤون الخارجية في برلمانات جنوب قبرص واليونان وإسرائيل اجتمعوا وأكدوا على أهمية التعاون وتضمنت صحيفة هارافجي اللقاء الذي عقده رؤساء لجان الشؤون الخارجية في برلمانات جنوب قبرص واليونان وإسرائيل وبحسب الصحيفة فقد توصل رؤساء لجان الشؤون الخارجية للدول الثلاث إلى توافق على أن الأزمة الحالية في الشرق الأوسط والمخاطر التي تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها تتطلب تعاونا ثلاثيا وأن هاريس يورجيو رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان اليوناني شدد على أهمية الحفاظ على التعاون مع دول المنطقة على نطاق أوسع , وفي سياق آخر غيرالطاقة الغازية والكهربائية فقد وقع رؤساء الأركان العامة ومسؤولو وزارات الدفاع في مصر واليونان وجنوب قبرص في 8 أبريل 2021على اتفاقية برنامج تعاون عسكري ثلاثي وبموجب البرنامج يتم تطوير التعاون العسكري والعمليات المشتركة للدول الثلاث بالمزيد من التدريبات المشتركة والأنشطة التدريبية  .

– من الواضح إذن مما تقدم عرضه أن تحالف اليونان وقبرص مع الكيان الصهيوني فعال وكفء ومنتج فيما الحالف اليوناني / القبرصي مع مصر أقل فعالية بصفة ملحوظة وأنه لا يتجاوز كونه تحالف إحتياطي أو بديل Stand- by علي أكثر تقدير .

– رغم تقدم وفعالية وتوسع التحالف الثلاثي بين الكيان الصهيوني واليونان وقبرص إلا أن مصر يبدو أنها مازالت لا تري في قوة وفعالية هذا التحالف خفضاً لمنسوب قوة وفعالية تحالفها مع اليونان وقبرص هذا التحالف الذي أعتقد أن اليونان وقبرص وإلي حد ما الكيان الصهيوني إنما يحافظون علي بقاءه الأسمي لا لشيئ إلا لمنع تقدم العلاقات التركية / المصرية التي من شأنها أن تمثل تهديدا حقيقياً للتحالف الثلاثي بين الكيان الصهيوني واليونان وقبرص ومما يدعو إلي الدهشة أنه رغم القوة غير العادية التي أعلن عنها أطراف تحالف الصهاينة مع اليونان وقبرص أن إستمر التحالف المصري مع اليونان وقبرص (تفضل مصر أن تطلق عليه لفظ آلــــيــة) فقد عُقدت إجتماعات الثلاثة الأولى في نطاق الآلية الثلاثية بين مصر وجنوب قبرص واليونان خلال 13 شهرًا بين عواصم الدول الثلاث اعتبارًا من نوفمبر 2014 وعقد آخر اجتماع على المستوى الرئاسي في العاصمة اليونانية في أكتوبر 2021وبعد ذلك استمرت الآلية على مستوى وزراء الخارجية وعقد الاجتماع الأخير في سبتمبر 2023 خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفي يوليو 2023 أعلنت مصر وتركيا رفع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفارة وفي سبتمبر2023 التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره التركي للمرة الثانية على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة الهندية نيودلهي  وأعرب الرئيسين المصري والتركي خلال اللقاء عن رغبتهما في تعزيز التعاون الإقليمي بنهج استراتيجي متين في إطار الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والنوايا الصادقة مما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط  .

– مع ذلك تقدمت العلاقات المصرية / التركية مؤخراً لكنها لم تأخذ سمة التحالف بعد وإن كانت تحالفاً حتي بدون أن تُخلع عليها هذه الصفة فمجرد الإقتراب التركي / المصري في حد ذاته يمثل رعب لكل من اليونان وقبرص , وقد قال مسعود حقي كاشين مستشار الرئيس التركي للأمن والسياسة الخارجية لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) في11 فبراير2024 : إن التطبيع الكامل بين تركيا ومصر مهم للغاية حيث يعمل البلدان على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط وأن ذلك سيجلب الاستقرار للعالم أجمع فيما قال خبير بمركز الأهرام للأبحاث السياسية والاستراتيجية في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»:“إن أي تقدم في العلاقات بين مصر وتركيا لن يكون على حساب الآلية الثلاثية(بين مصر واليونان وقبرص) أو التعاون مع جنوب قبرص واليونان. “على العكس من ذلك يمكن للقاهرة أن تلعب دورًا أكبر في تقريب وجهات نظر أنقرة وأثينا ونيقوسيا في ظل السياسات التركية الساعية لحل أي خلافات”والحقيقة أن هذا الكلام مبني علي فرضية أن السياسة تتحرك في عالم ساكن أو ثابت static لكن السياسة بطبيعتها قائمة علي قاعدة ان العالم متحرك وله خاصية الفاعلية المستمرة  dynamic وبناء علي هذه الحقيقة فمن المحتم أن تتعرض التحالفات بشرق المتوسط للتغيير المستمر سواء في الأهداف أو في الوسائل  أو في كلاهما ومن الطبيعي أن تري اليونان وقبرص في تقارب مصر وتركيا تطور لابد من وضعه في الإعتبار هذا علي أقل تقدير إن لم تحاولا ومعهما الكيان الصهيوني العمل علي تفجيره أو زرع الشكوك فيه وسوء التفاهم بين تركيا ومصر كذلك فرد الفعل التركي حتى الآن تجاه خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يظهر أن تركيا تشعر بالتهديد بشكل رئيسي من قبل اليونان والكيان الصهيوني معاً ذلك أنه تم إستبعاد تركيا ومصر بالطبع من هذه المشاريع المذكورة ويبدو أن الأمر نفسه ينطبق على الصين مقارنة بالهند. وبغض النظر عن ذلك , فالتحالف الثلاثي بين الكيان الصهيوني واليونان وقبرص مساره طويل ومدعوم من الولايات المتحدة أما التحالف السابق الذي يضم مصر واليونان وقبرص فمساره قصير وغير مدعوم بل يبدو أنه بفعل عوامل جيوسياسية تتعلق بتركيا ومصر دفع الكيان الصهيوني لتشكيل التحالف الثلاثي مع اليونان وقبرص وتفعيله للعمل بفاعلية وسرعة .

لم يُستدل حتي الآن علي منطق يمكن الإستعانة به لتبرير وجود تحالفين في شرق المتوسط أحدهما تحالف بضم الكيان الصهيوني واليونان وقبرص والآخر يضم مصرواليونان وقبرص إلا منطق واحد هو منطق الإستبعاد إستبعاد مصر وليس منطق الإزدواجية Duplication الذي قد يتبناه حــــسنـي الــنـــيــة فوفقاً لمنطق الإستبعاد فإنه كان علي مصر أن تستغني عن الإنتماء لتحالف كهذا غير ضروري وغير منتج مع دولتين إحداهما مــفــلــســة والأخـري مُقسمة ومتناقصة السيادة بالإضافة إلي أن طبيعة هذا التحالف وتناقص مردوديته لا يــصـــلح حتي لأن تعبر بها مصرعن عداءها لتركيا فالعداء المصري التركي مرحلي وغير مُستدام ومؤقت بطبيعة وتاريخية العلاقة التركية/ المصري أما اليونان وقبرص وهما المستفيدتان النهائيتان من التحالف مع مصر فعداءهما (ومعهما الكيان الصهيوني) لتركيا طبيعي وسرمدي ولا نهاية له وله ما يبرره تاريخياً وهذا هو السبب – في تقديري- الذي سيدفع باليونان وقـبـرص بتحرض وتشجيع صهيوني لأن تبقي علي التحالف مع مصر لا لشيئ إلا ليقضوا مضجع الأتراك , ولهذا فيمكن لمصر بسهولة إسقاط هذه التحالف الذي لا يحتوي في مضمونه إلا علي رسائل إستفزازية يمكن للأتراك أن يضربوا صفحاً عنها وأهمالها إلي أن يدرك المصريين أن شرق المتوسط قوتاه الضاربتان الشريفتان هما تركيا ومصر وأنه مهما كانت العداوة بين مصر وتركيا فلها سقف وسقفها لا يقاس في إرتفاعه عن العداوة الكامنة مع الكيان الصهيوني وأنه قد آن أوان أن لا يكون هناك سقف لعداوة بين تركيا ومصر وأن تكون هناك سماء لهذه العلاقة التي بها من القواسم المشتركة الكثير المتنوع .

– رغم التضارب القائم بين التحالف الهيليني السابق مع مصر والتحالف الجديد الذي أُستبعدت منه مصر كونه إقتصر علي اليونان وقبرص والكيان الصهيوني فقط , إلا أن اليونان تحاول وتسعي إلي الإبقاء علي وسيلة يمكنها بها أن تمنع وتحبط أي تطوير متوقع لعلاقة مصر مع تركيا لأنها بالتاكيد ستكون علاقة مخصومة من علاقاتها مع مصر ولذلك أُعلن في 6 يوليو2023 أن نيكوس ديندياس وزير الدفاع الوطني اليوناني توجه لقبرص رفقة قائد قوات الدفاع لبحث تعزيز مبادرات العلاقات الدفاعية مع مصر وإسرائيل وذلك في منعطف حرج فأنقرة تسعي إلى الاستعادة الفورية والكاملة لعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر والكيان الصهيوني (وقع مسؤولون من اليونان وقبرص ومصر على “خطة العمل المشتركة” المجددة لعام 2023) .

– بناء علي التحالف الهيليني / الصهيوني الجديد وإستبعاد مصر منه كنتيجة له فقد أصبح الإقتراب المصري التركي / المصري ضربة لازب وضرورة حتمية لتشكيل تحالف ثنائي قوي قابل للتطوير بضم ليبيا له علي الأقل في المدي القصير خاصة أن أرضيته متوفرة فهناك اتفاقية ترسيم حدود بحرية بين تركيا و ليبيا الموقعة في 27 نوفمبر 2019 التي حصلت كل من تركيا وليبيا على سلطة التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن بعد عملية تفاوضية بين مصر وليبيا وتركيا إضافة إتفاقية مماثلة لها بين ليبيا ومصر والشروع في التفاوض بشأنها الآن كمقدمة منطقية لتشكيل هذا التحالف الجديد , وربما إدراكاً منها لخطورة ترك ليبيا معرضة لهذا الإحتمال قام  رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بزيارة طرابلس في 6 أبريل 2021 وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع ليبياوفي تصريح له لقناة ستار تي في اليونانية أشار ميتسوتاكيس إلى أن مذكرة التفاهم بشأن الاختصاصات البحرية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية آنذاك في عام 2019 لم تعترف بها أثينا وزعم ميتسوتاكيس أن الاتفاقية التي تتجاهل تماما حقوق اليونان السيادية لاغية وباطلة وذكر أن المفوضية الأوروبية تتفق مع آراء اليونان وقال إن “جارة ليبيا هي اليونان وليست تركيا”وذكر أنه قال  هذا لرئيس المجلس الرئاسي الليبي المؤقت محمد يونس منفي وأوضح رئيس الوزراء اليوناني أنهم اتفقوا مع المنفي على تشكيل وفد مشترك لتحديد مناطق الولاية البحرية بين البلدين (لم يحدث) .

– لكن هناك متغير جديد طرأ علي العلاقات الصهيونية / اليونانية ولكن في تقديري أن هذا المتغير المُتعلق بمسألة حرب الإبادة الصهيونية لن تؤثر تأثيراً ضاراً بالحلف الثلاثي الصهيوني / اليوناني / القبرصي , فمن الصحيح أن موقف اليونان تجاه الحرب بين حماس والصهاينة  تغير بتطور الحرب التي بدأت في 8 أكتوبر2023 والتي أصبحت حرب إبادة جماعية  وكانت اليونان في بداية طوفان الأقصي في 7 أكتوبر 2023  تتبني موقف داعم لحليفتها القديمة إسرائيل في بداية الحرب إلا أن موقفها تغير بعد أن تحولت أحداث غزة إلى جريمة ضد الإنسانية وبطبيعة الحال كان لرد الفعل المتزايد ضد إسرائيل في الرأي العام العالمي والدعم المتزايد يوما بعد يوم من قبل الجمهور اليوناني تجاه شعب غزة تأثير كبير على هذا التغيير في الموقف وهناك قطاع كبير في الإعلام اليوناني مازال يري في حماس منظمة إرهابية حماس لكن لا يمكن القضاء عليها بالوسائل العسكرية ولا يمكن إلا أن تكون محدودة سياسيا لكن اختفائها السياسي يفترض حلاً سياسياً بديلاً وهو أمر مستبعد نواله في وجود معتوهين يديرون الكيان الصهيوني في إيامنا هذه لكن مع ذلك أعتقد أنه سوف لا يؤثر علي التحالف الثلاثي الصهيوني/ الهيليني فهو تحالف قائم علي أساس مصلحي بحت أعني موارد الطاقة في شرق المتوسط  فهو تحالف لا علاقة له بالقيم الأخلاقية فالكيان الصهيوني ليس كيان قائم علي مثل أخلاقية بشرية فهو خليط من مثل وقيم توراتية لا يمكن أن تكون من مصدر سماوي وقيم صهيونية منبثقة من هذه القيم غير معلومة المصدر  .

الــــتـــقـــديــــر :

– لم توفر دول التحالفين الثلاثيين في شرق المتوسط الأربع : الكيان الصهيوني / مصـر / الـيـونان / قــبـرص أي منطق يستسيغه الــعــقل في تبرير تشكيل تحالفين منفصلين مع أن العلاقات البينية بين الدول الأربع لا تعترضها أي مشكلة أو أزمة فهي علاقات سلسلة بينها قواسم مشتركة وأهمها العلاقات العدائية بين الدول الأربع وتركيا وقدرة البلدان الأربع المثيرة للدهشة علي تجاوز نقاط الإختناق في مسائل كالحدود البحرية وأنابيب وكوابل مد الطاقة الغازية والكهربائية ومسائل أخري .

– إن العلاقات الصهيونية / المصرية تسير منذ توقيع إتفاقية السلام في 26 مارس 1979 في مسار متحرر نسبياً من الماضي والحاضر السياسي الصهيوني وآثــــامــهما وهناك تعاملات مصرية فعلية مع الكيان الصهيوني في موضوع الغاز الطبيعي وموضوعات متعددة أخري ليس أقلها حرب غـزة وتداعياتها وجهود الوساطة المصرية التي يفضلها الكيان الصهيوني عن الجهود القطرية التي يزعم الصهاينة أنها منحازة لحماس وكأن الولايات المتحدة غير منحازة عسكرياً ودبلوماسياً وإستخباراتياً للصهاينة!!!! , فما المــانع إذن في ضم مصر لتحالف رباعي يضم مصر والكيان الصهيوني واليونان وقبرص كالتحالف الرباعي الذي تشكل في 5 يونيو 2017 لحصار قطر وضم مـصـر والــســعودية والإمارات والبحرين ,  في تقديري أن وجود تحالفين منفصلين في شرق المتوسط بين دول بينها قواسم مشتركة أمر يدعو للتأمل والدهشة وهو أمــر يمكن إلي حد كبير أن يدفع المرء للبحث عن المسؤل عن هذا الإنفصال بين التحالفين والمتسبب فيه , وفي تقديري أن المسؤل عن ذلك الكيان الصهيوني الذي مازال يصر علي عدم ضم مـصـر للتحالف الثلاثي بينه وبين كل من اليونان وقبرص وقد تكون الإجابة في قضية غـــزة ودور مصر فيها أو في مجال أعرض مداه ثروات شرق المتوسط الطاقوية وإحـــتـــمـــال منازعة مــصر للكيان الصهيوني واليونان وقبرص فيها خاصة بعد إستعادة مـصـر لعلاقاتها مع تركيا …..ربـما وإن كان ذلك مستبعد ذلك أن مجرد إستبعاد مصر من الحلف الصهيوني/ الـهـلـيـني يوفر إجابة جـزئية عن سبب الإستبعاد وهو قطع الطريق علي مصر في التنسيق والتفكير في إطار رباعي في كل ما يتعلق بثروات الطاقة في شرق المتوسط فقد ورد بتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية لعام 2010 فيما يتعلق بإجمالي احتياطيات الهيدروكربون فبحسب هذا التقرير تشير التقديرات إلى وجود 1.7 مليار برميل من النفط القابل للحصول عليه و3.45 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي في حوض المشرق الذي يقع بين سوريا ولبنان وإسرائيل وقبرص وأثناء البحث عن الاحتياطيات عُثر على الحقول البارزة الأولى قبالة سواحل قطاع غزة الفلسطيني ومدينة عسقلان الإسرائيلية في عامي 1999 و2000 وبعد اكتشاف ما يقرب من 255 مليار متر مكعب في منطقتي تمار 1 وداليت 1 في إسرائيل عام 2009 بقيادة شركة نوبل إنيرجي الأمريكية تحققت اكتشافات كبيرة في منطقة ليفياثان في إسرائيل ومنطقة أفروديت في قبرص اليونانية في عامي 2010 و 2011 وفي عام 2015 اكتشفت أكبر مكامن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​من قبل شركة إيني الإيطالية في حقل ظهر بحوض دلتا النيل الواقع بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر ويصل حجم الاحتياطي إلى 850 مليار متر مكعب ويُقدر الاكتشاف الذي تم في عام 2018 في حقل النور على بعد 50 كيلومترًا قبالة الساحل شمال شبه جزيرة سيناء المصرية بحجم حقل ظهر وأعلن عن اكتشاف احتياطيات كبيرة في منطقتي كاليبسو وجلوكوس-1 قبالة سواحل قبرص في عامي 2018 و2019 وعلى الرغم من أنه يمكن القول بأن الاحتياطيات الإقليمية المكتشفة حتى الآن لن يكون لها تأثير ملحوظ على تجارة الطاقة العالمية بالمقارنة مع الاحتياطيات المؤكدة في العالم إلا أنه من الممكن القول إنها يمكن أن توفر تغييراً كبيراً من حيث قدرة الدول الساحلية على تلبية احتياجاتها من الطاقة وبالتالي مساهمتها في اقتصاداتها الوطنية وعلى الرغم من التباطؤ الناجم عن تقلب أسعار الطاقة العالمية لأسباب سياسية واقتصادية إلا أن هناك احتمالا كبيرا لاكتشاف احتياطيات جديدة في شرق البحر الأبيض المتوسط وبالنظر إلى حقيقة أن القيمة المالية للاحتياطيات لا يمكن أن تقتصر على المخزونات الموجودة فمن المرجح أن تكتسب إمكانية تحول المنطقة إلى مشهد تنافسي معقد ومتعدد الأبعاد الاستمرارية فالتوقعات بأن الثروات الهيدروكربونية يمكن أن تقدم مساهمة إيجابية في الحل السلمي للصراعات الحالية في المنطقة أصبحت احتمالاً بعيد المنال مالم تزيدها فرغم أن خيارات نقل احتياطيات الغاز الطبيعي إلى تركيا أو أوروبا بصرف النظر عن كونها خاضعة للاستخدام والتجارة الإقليميين فهي خيارات عقلانية إلا أنها أيضًا خيارات صعبة من الناحية الفنية والاقتصادية والاستراتيجية .

– إن متابعة سرعة أو بطئ مساري التحالف الصهيوني / الـهـيـليني والتحالف المـصـري / الـهـلـيني (مع فرض إستمراره) سوف ينبئ عن الكثير مما في باطن الـعـقل الـصـهـيوني الذي بطبيعته يؤسس إستراتيجيته في إستغلال ثروات شرق المتوسط علي إذكاء العدوات بين دول التحالفين بل ويضيف إليها إن أمكنه ذلك طالما حققت هدفه الرئيسي وهو الإستحواز علي أكبر قدر ممكن من الثروات الطاقوية الجارية والكامنة في شرق المتوسط .

– علي مصر حتي مع إفتراض وجود بعض الموضوعية في أسباب العداء المصري من وجهة نظر أي من الجانبين المصري و التركي العمل بحرص وفعالية علي إقامة وتنمية تحالف مصري / تركي/ ليبي علي الأقل لخفض أي آثار سلبية للتحالف الصهيوني / الـــهـــلـــيـنـي علي مصر وفي الوقت ذاته من الحكمة السياسية أن تقوم مصر بخفض حماسها تجاه القضية القبرصية بمعني خفض توقعات القبارصة اليونانيين في موقف سياسي مصري موات لوجهة نظرهم إزاء القضية القبرصية برمتها خاصة أن ذلك مرتبط بالإحتياطات الطاقوية في شرق المتوسط  ثم أن لا يُفضل أن يظل الموقف المصري ثابتاً كالطود فيما يتعلق بأسس حل النزاع في الجزيرة المُقسمة بين الأتراك واليونانيين وهذا أمر ليس معقولاً في كل الحالات , فالأتراك الآن وصلوا لقناعة صارمة بحل الدولتين ذواتا السيادة المتساوية علي أراضي الجزيرة المُقسمة فعلاً .

– بإختصار وفي ضوء كل ما تقدم عـرضـه قد يُري أن تـضـع  مصر من الآن فصاعداً إستراتيجية متكاملة في شرق المتوسط وخلط السياسي بالإقتصادي وصولاً لمزيد مقدر لسياسة تفيدها بدلاً من السياسات سابقة التجهيز الجامدة .

الــــــســـــــفــــــيـــــر : بــــــــلال الـــمــــصــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقــــاهــــرة تــحـــريـــراً في 4 مايو2024

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى