الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

أهمية الذكاء العاطفي في ممارسة الدبلوماسية

بقلم : فهد أحمد ، باحث في الشان السياسي ، العراق

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ظهر مصطلح “الذكاء العاطفي” أول مرة في عام 1990، ومنذ ذلك الحين أصبح مفهوماً مركزياً في الحياة الأجتماعية وأنتشر في مختلف المجالات.

ونظرآ لأننا نعيش في عالم متسارع ومتنام ، أجتاز الذكاء العاطفي مختلف الأعمال  بما فيها الدخول إلى عالم السياسة عبر ” الدبلوماسية ” ،وفي هذا العالم يحتاج أن يكون لدى الدبلوماسي القدرة العالية من الذكاء العاطفي ، ولأن بعض الدبلوماسيين يميلون إلى أتباع عواطفهم ومشاعرهم في حل بعض المشكلات أو أتخاذ العديد من القرارات وقد ينتج عن ذلك أما نتائج أيجابية أو سلبية.

  • فكيف نطبق الذكاء العاطفي ونستفيد منه في المجال الدبلوماسي؟

في هذه المقالة سنناقش موضوعين رئيسيين، من أهمهما :

  • 1-ماذا نعني بالذكاء العاطفي ، وما مهارات الذكاء العاطفي ؟
  • 2-الذكاء العاطفي والدبلوماسية ؟
  • ماهو الذكاء العاطفي ؟

الذكاء العاطفي : هو قدرة الأنسان على التحكم في عواطفه ومشاعره، وفهم ومعرفة مشاعر الآخرين، ولغة الجسد والإيماءات وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت، لذلك عليك تعزيز ذكائك العاطفي لتنمية ذكائك الأجتماعي، وهو مهارة حيوية لبناء العلاقات والحفاظ عليها، لأنه يمكّن الأشخاص من التواصل بشكل فعال، والتكيف مع المواقف المتغيرة.

مهارات الذكاء العاطفي

أن مهارات الذكاء العاطفي اذا اكتسبها الدبلوماسي فان ذلك سيزيد من ذكائه العاطفي ، بالتالي سينعكس على نجاحة في بيئة العمل وكذلك في الحياة بوجه عام.

ومهارات الذكاء العاطفي هي :

1-الوعي الذاتي : هو القدرة على التعرف على مشاعر الفرد وتصنيفها ، بالأضافة إلى أسبابها وتأثيرها ، كما أنها تنطوي على أدراك نقاط القوة والضعف والقيم والدوافع . يساعد الوعي الذاتي على تجنب الأختطاف العاطفي ، والذي يحدث عندما يتصرف الشخص بشكل متهور أو غير عقلاني بسبب المشاعر القوية ، وعلى سبيل المثال ، لن يقوم الدبلوماسي الواعي بذاته بمهاجمة زميل له لأرتكابه خطأ ما ، بل يتعامل مع المشكلة بهدوء ويقدم تعليقات بناءة من أجل المشاكل التي تواجههم أثناء العمل ، وكلما زاد الدبلوماسي وعيه بذاته ، كلما زاد جودة القرارات التي يتخذها في العمل الدبلوماسي ، الوعي الذاتي يساعد الدبلوماسي على أدراك تصرفاته وسلوكه الشخصي وتأثيرها على الآخرين من ثقافات مختلفة ، على سبيل المثال ، قد يتطلب التواصل في بلد معين نهجآ غير مباشر ، بالتالي أن يكون واعيآ بأسلوبه في التواصل وضبطه بما يتناسب مع الثقافة المحلية.

2- ضبط الانفعالات : يطمح كل شخص إلى تحقيق سلوكيات سليمة ومشاعر متوازنة، لكنهم يفقدون لذة المشاعر المتوازنة بالأستسلام لسيل المشاعر الذي يطغى عليهم. والتحكم في المشاعر هو القدرة على التحكم في السلوكيات الشخصية، وخاصة في المواقف الصعبة أو المجهدة. وبالنسبة للدبلوماسي، فأن التحكم في المشاعر مهارة أساسية لأنه يعمل في بيئة تتطلب قدراً كبيراً من الهدوء والتفكير العقلاني، حيث يتعامل مع قضايا دولية حساسة تتعلق بالعلاقات بين الدول والشؤون السياسية. على سبيل المثال، يعد الاتفاق النووي الأيراني من أصعب المفاوضات الدبلوماسية في العصر الحديث، حيث أظهر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري أستخدام مهارات الذكاء العاطفي للتغلب على الخلافات، وأظهرا قدرة عالية على التحكم في مشاعرهما، وحافظا على هدوئهما حتى عندما كانت الأمور معقدة، وأستمرا في الحوار للوصول إلى أتفاق نهائي، مما ساعد في الوصول إلى أتفاق تأريخي.

3- إدارة المشاعر : القدرة على التحكم في الأنفعالات والتعامل معها بشكل فعّال ومناسب، سواء كانت مشاعرك الخاصة أو مشاعر الآخرين. وتعتبر هذه المهارة من العناصر الأساسية للذكاء العاطفي، وتساعد الدبلوماسي على التصرف بشكل متوازن، حتى في الظروف العصيبة أو المواقف التي تثير أنفعالات قوية. وتتضمن أدارة الأنفعالات عدة جوانب، منها “الوعي بالأنفعالات، والتحكم في ردود الأفعال، وتنظيم الأنفعالات، والتكيف مع الأنفعالات”. ويجب على الدبلوماسي الناجح أن يعرف كيف يتحكم في أنفعالاته أثناء المفاوضات أو الصراعات التي تحدث. وتعتبر أدارة الأنفعالات الأساس الذي يعتمد عليه الدبلوماسي، فهي تمكنه من التحكم في أنفعالاته والتصرف بحكمة، مما يجعله قادراً على تحقيق الأهداف وحل المشكلات بشكل فعّال ومرضٍ للجميع. على سبيل المثال، موقف نيلسون مانديلا أثناء المفاوضات مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث أستطاع مانديلا التحكم بمشاعره والتغلب على شعور الكراهية والغضب تجاه نظام الفصل العنصري الذي سجنه لمدة 27 عامًآ ولكن من خلال التحكم بمشاعره، أستطاع مانديلا أن يقود عملية الأنتقال السلمي في جنوب أفريقيا نحو الديمقراطية المتساوية، حيث تضمنت المفاوضات تسويات كبرى بين الأطراف المتنازعة. هذه القدرة على التحكم في النفس، وتحويل الغضب إلى فرصة للتفاهم والمصالحة كانت أساس نجاحه.

4- المهارات الاجتماعية : هو مجموعة من القدرات التي تساعد الفرد على التعامل بشكل فعال مع الآخرين وبناء علاقات أيجابية، وتعتبر هذه المهارات جزءاً أساسياً من الذكاء العاطفي لأنها تعزز قدرة الشخص على التفاعل بنجاح مع بيئته الأجتماعية، ويحتاج الدبلوماسي الناجح إلى مهارات ذكاء أجتماعي متقدمة للتفاوض والتأثير والأستماع الجيد، وهذه هي أسس التعامل الدبلوماسي، ومهارات الذكاء الأجتماعي هي مهارات مكتسبة، ويجب على الدبلوماسي أن يدرب نفسه عليها من خلال التأمل في سلوكه مع الآخرين وتحليله لأستخراج النقاط التي يجب العمل عليها للوصول إلى المستوى المطلوب، كما أن الدبلوماسي الذكي عاطفياً يحسن الأستماع للآخرين، مما يساعد على بناء علاقات أنسانية رفيعة المستوى وعميقة، على سبيل المثال، كان كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة يتمتع بمهارات تفاوضية وأجتماعية ممتازة، وكان معروفاً بقدرته على الأستماع الجيد والتفاوض وبناء جسور التواصل بين الأطراف المتنازعة، ولعب دوراً في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية، وتعتبر المهارات الأجتماعية جوهر الدبلوماسية لأنها تساعده على بناء علاقات دولية مستدامة.

2- الذكاء العاطفي والدبلوماسية ؟

في عصرنا الحالي أصبحت الدبلوماسية أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك بسبب التعقيدات المتزايدة في العلاقات الدولية والقضايا العالمية المشتركة. تُعرَّف الدبلوماسية بأنها: عملية إدارة العلاقات الدولية من خلال التفاوض والحوار والأتصال السلمي بين الدول أو المنظمات الدولية أو الجهات الفاعلة الأخرى. تسعى الدبلوماسية إلى تحقيق المصالح الوطنية وحل النزاعات دون اللجوء إلى القوة العسكرية. ومن الصفات التي يجب أن يتمتع بها الدبلوماسي مهارات التفاوض، أي أن يكون الدبلوماسي ماهرآ في التفاوض والوصول إلى الحلول، وكذلك مهارات المرونة، أي القدرة على التكيف مع الثقافات المختلفة والسياسات والظروف المتغيرة، ويجب أن يتمتع بالتفكير الأستراتيجي، أي فهم الأهداف طويلة المدى والتفكير في طرق أستراتيجية لتعزيز مصالح الدولة.

ما علاقة الذكاء العاطفي بالدبلوماسية ؟

ترتبط الدبلوماسية أرتباطاً وثيقاً بالذكاء العاطفي، حيث تعد مهارات الذكاء العاطفي من المتطلبات الأساسية لنجاح الدبلوماسي في التأثير على الآخرين وإدارة العلاقات بشكل فعال. وأمتلاك هذه المهارات يعني أن الدبلوماسي قادر على التحكم في مشاعره وعواطفه، وتقييم المواقف بشكل موضوعي بعيداً عن الأنفعالات المفرطة، مما يمكنه من التحكم في ردود أفعاله والتعامل بهدوء وحكمة، بالأضافة إلى فهم مشاعر من حوله والتفاعل معهم بمرونة. والدبلوماسي الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يكون أكثر قدرة على بناء علاقات قوية ومستدامة مع الشركاء الدوليين، وهذا يساعده على التعبير عن نفسه بشكل فعال أثناء المفاوضات لتحقيق الأهداف المشتركة. أن تطبيق الذكاء العاطفي في الدبلوماسية يمنح الدبلوماسيين القدرة على إدارة المواقف المعقدة بكفاءة أكبر، وبناء علاقات طويلة الأمد مع الدول الأخرى. كما يتضمن الذكاء العاطفي القدرة على التكيف، حيث يجب أن يتمتع الدبلوماسي بالمرونة لتعديل سلوكه ونهجه وفقاً للسياق الثقافي والشخصيات التي يتعامل معها، مما يساعده على التعامل مع الثقافات المختلفة التي يصادفها أثناء المفاوضات. والذكاء العاطفي ليس مهارة ثابتة، بل يمكن تطويره من خلال التدريب والممارسة المستمرة. ومن هنا، ينبغي على الدبلوماسيين تعزيز هذه المهارة من خلال الدورات التدريبية وورش العمل التي تركز على تحسين مهارات التواصل والتحكم في المشاعر. وبشكل عام، يلعب الذكاء العاطفي دوراً أساسياً في تعزيز العلاقات الدبلوماسية، لذا ينبغي على الدبلوماسيين التركيز على تطوير هذه المهارات وتطبيقها بشكل فعال في حياتهم المهنية.

الخلاصة :

في نهاية المطاف، لا يمكن أنكار أن الذكاء العاطفي يلعب دورآ محوريآ في تعزيز أداء الدبلوماسيين في عالم اليوم المعقد والمترابط. ومع تزايد التحديات التي تواجه العلاقات الدولية، تصبح القدرة على فهم الذات والآخرين ضرورية لبناء جسور التواصل وإدارة الأزمات بشكل فعال. والدبلوماسي الذي يتمتع بمهارات الذكاء العاطفي لا يحل النزاعات فحسب، بل يعمل أيضًا على تعزيز العلاقات المستدامة القائمة على التفاهم والأحترام المتبادلين. لذلك، فأن تطوير هذه المهارة ليس خيارًا، بل ضرورة لا غنى عنها لأي شخص يسعى إلى التفوق في المجال الدبلوماسي.

4.3/5 - (18 صوت)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى