بايدن يمنح ترامب أوراق ضغط بمواقفه تجاه أوكرانيا
Biden’s Ukraine moves are a gift to Trump
بقلم: فريدريك كيمب[1] – مراجعة وتحرير: د. طالب عبد الجبار الدغيم
- المركز الديمقراطي العربي
المصدر: المجلس الأطلسي الأمريكي – تاريخ النشر: 23 نوفمبر 2024م
سواء أدرك الرئيس المنتخب دونالد ترامب ذلك أم لا، فقد قدم له الرئيس جو بايدن هذا الأسبوع ورقة ضغط تفاوضية هو في أمس الحاجة إليها. وجاء ذلك عبر قرار بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام أنظمة صواريخ أمريكية طويلة المدى لاستهداف مواقع داخل روسيا، بالإضافة إلى توفير ألغام أرضية مضادة للأفراد لإبطاء تقدم القوات الروسية داخل أوكرانيا. وتبع ذلك يوم الخميس بفرض عقوبات أمريكية جديدة على بنك غازبروم، الذي يُعد المحور الرئيسي لمبيعات النفط والغاز الروسي، في واحدة من أكثر خطوات العقوبات أهمية خلال أكثر من عام. ومثل هذه الإجراءات ستمنح ترامب مزيدًا من أوراق الضغط عندما يتولى منصبه، وتتفق مع نهج بايدن في “تفريغ الجعبة” لصالح أوكرانيا قبل مغادرته منصبه. وقد عملت إدارة بايدن، بالتنسيق مع شركاء وحلفاء، على تسريع الدعم العسكري لأوكرانيا في الأسابيع الأخيرة. وينبغي النظر إلى المساعدات الطارئة التي تهدف إلى استعادة نظام الطاقة الأوكراني، الذي يتعرض لهجمات روسية مكثفة، ضمن هذا الإطار.
وتحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى زيادة دعمهم لكييف الآن لتحسين فرص ترامب في التفاوض على صفقة مجدية بشأن أوكرانيا. من المشجع بشكل خاص أن إدارة بايدن تتخذ خطوات أكثر جرأة بدلاً من أن تردع نفسها في مواجهة قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع بتغيير عقيدته بشأن استخدام الأسلحة النووية.
ما فعله بوتين هو تخفيض العتبة التي قد تدفع روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، من مجرد تهديد وجود الدولة الروسية إلى ما تعتبره اعتداءً على “سيادتها أو سلامة أراضيها”. وبالتالي، تنص العقيدة الجديدة على أن الأسلحة التي يستخدمها أحد الحلفاء على الأراضي الروسية – بما في ذلك الأسلحة الأمريكية التي يستخدمها الأوكرانيون – تمثل تهديداً للحلف بأكمله. وهذا يشير إلى أن روسيا قد ترد بضرب أي حليف للناتو بسلاح نووي.
وتبع بوتين ذلك بإطلاق صاروخ باليستي جديد متوسط المدى قادر على حمل رؤوس نووية تجاه أوكرانيا. وعلى الرغم من أن الصاروخ كان يحمل رؤوسًا تقليدية فقط، إلا أن رسالة بوتين كانت واضحة.
فهم إستراتيجية بوتين
من خلال اللعب بورقة “إخافتكم من النووي”، يأمل بوتين أن تردع الولايات المتحدة وشركاؤها أنفسهم مجددًا. للأسف، أثبت هذا النهج نجاحه من قبل، مما دفع إدارة بايدن في أكثر من مناسبة إلى تأخير قرارات حيوية بشأن تقديم أسلحة ضرورية لأوكرانيا. وهذا أيضًا السبب وراء تأخر قرار هذا الأسبوع بتخفيف القيود على استخدام أوكرانيا للصواريخ الأمريكية طويلة المدى، رغم أن تلك الأسلحة كانت ستكون أكثر فعالية لو تم توفيرها قبل أشهر. على سبيل المثال، استغلّت روسيا هذا التأخير لنقل العديد من أصولها خارج نطاق هذه الصواريخ.
بايدن وأوراق الضغط ضد بوتين: ملاحظات وتحذيرات
قال عضو الكونغرس الجمهوري من ولاية تكساس، مايكل مكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، خلال حديثه في المجلس الأطلسي يوم الخميس: “حسنًا، التأخير أفضل من عدمه”. وأضاف مكول أن أوكرانيا “تحتاج لأن تكون في أقوى وضع ممكن مع أكبر قدر من أوراق الضغط لتحقيق أفضل اتفاقية على طاولة المفاوضات. في الوقت الحالي، لم تصل إلى هناك بسبب البطء… في تسليم هذه الأسلحة”.
دروس من التاريخ
تاريخيًا، يُظهر بوتين استجابته فقط عندما يُظهر خصومه قوة واضحة. فعندما يشتم رائحة الضعف، فإنه يتحرك. هذا ما فعله عندما غزا جورجيا عام 2008 في نهاية إدارة جورج دبليو بوش. وهو ما كرره في غزوه شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم عام 2014، بعد إخفاق الرئيس باراك أوباما في فرض خطه الأحمر بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وكرره مرة أخرى في الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022 بعد الانسحاب الفاشل لإدارة بايدن من أفغانستان.
رهان ترامب مع بوتين
بالنسبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي صرح خلال حملته أنه يستطيع إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة، من المهم أن يدرك أن بوتين لم يرَ الدبلوماسية يومًا كوسيلة رئيسية لتحقيق أهدافه الانتقامية في أوكرانيا. وإن أسوأ ما قد يواجهه ترامب عند توليه المنصب هو عقد صفقة سيئة مع بوتين تُظهره ضعيفًا أمام خصم استبدادي.
وما لم تُثبت أوكرانيا وحلفاؤها أن الجهود العسكرية لبوتين تفشل، فلا تتوقعوا أن تكون مفاوضات ترامب المحتملة سوى استمرارية لأهداف بوتين الحربية بوسائل أخرى. وأي شخص يعتقد أن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق دبلوماسية ناجحة من موقع ضعف عسكري لا يفهم استراتيجية بوتين.
رسائل من الهجمات الأخيرة
تؤكد الهجمات الروسية الأخيرة على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية، وهي الأكبر من نوعها منذ الصيف الماضي، حقيقتين:
- بوتين يرى علامات ضعف أمريكي: بوتين سمع ما يكفي من التشكيك في الدعم الأمريكي لأوكرانيا من حملة ترامب هذا العام ليستشعر فرصة. فهو يرى دلائل على ضعف أمريكي يشجعه على الاستمرار. وعلى الرغم من تقارير تفيد بأن ترامب طلب من بوتين في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي عدم التصعيد – وهي مكالمة لا يزال الكرملين ينكر حدوثها – يواصل بوتين هجماته.
ولقد علق مكول على ذلك بقوله: “بوتين لم يأخذ بنصيحة الرئيس المنتخب”، مشيرًا إلى أن التصويت على تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا هذا العام وضع الكونغرس أمام خيار تاريخي: “إما أن تكونوا مثل ونستون تشرشل، بطل الحرب العالمية الثانية، أو مثل نيفيل تشامبرلين، الذي استرضى ديكتاتور ألمانيا”.
- بوتين يسعى لاستغلال انتقال السلطة: يرى بوتين فرصة ذهبية خلال مرحلة الانتقال الرئاسي لترامب لكسر إرادة الشعب الأوكراني، الذي يشعر بالقلق أيضًا من احتمال توقف الدعم الأمريكي بحلول عام 2025. وأي هزيمة محتملة لأوكرانيا ستشجع خصومًا عالميين وترسل رسالة ضعف في الأيام الأولى من ولاية ترامب الثانية.
“محور المعتدين“
بينما لا يتفق الجميع في معسكر ترامب مع هذا التقييم، هناك أصوات جمهورية بارزة تدرك اللحظة التاريخية والتحدي المتصاعد من “محور المعتدين” – روسيا، الصين، إيران، وكوريا الشمالية. وقال مكول يوم الخميس: “إنهم جميعًا يعملون معًا”. وأضاف: “عندما قدمت مرافعاتي الأخيرة حول قانون التمويل الطارئ في زمن الحرب، عرضت صورة. كانوا هناك جميعًا – بوتين والرئيس شي (جين بينغ) والمرشد الأعلى وكيم جونغ أون… لا يمكنكم فصلهم عن بعضهم. ما يحدث في أوكرانيا سيكون له تأثير على منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
التفاوض من موقع قوة
حيث يصيب ترامب في موقفه هو أن كلاً من كييف وموسكو بحاجة إلى إنهاء تفاوضي للحرب، ويبدو أن الأوكرانيين مستعدون كذلك لاستكشاف بدائل. من المحتمل أن يشهد عام 2025، في بداية الفترة الثانية لترامب، محادثات من هذا النوع، مما يبرز أهمية تعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي إلى أقصى حد.
تكلفة الحرب على روسيا
من خلال تقديم دعم أكبر لأوكرانيا الآن، يمكنها أن تظهر لبوتين أن تكلفة استمرار الحرب لم تعد مستدامة بالنسبة له. وفقًا لتقديرات حديثة، فقد بوتين ما بين 100,000 و200,000 جندي روسي، وربما جُرح حوالي 500,000 آخرين، بالإضافة إلى نصف مليون روسي غادروا البلاد. وصول قوات كورية شمالية أمر مقلق، لكنه يبرز ضعف روسيا واحتياجها للدعم الخارجي.
ملامح اتفاق محتمل من موقع قوة
قدم الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس، القائد السابق الأعلى لحلف الناتو في أوروبا، حلاً محتملاً في مقال رأي نشرته بلومبرغ هذا الأسبوع. ويقترح ستافريديس وقف إطلاق نار فعال من خلال إنشاء منطقة منزوعة السلاح، ربما بعرض يتراوح بين 5 إلى 10 أميال، بين الأراضي التي يسيطر عليها كل جانب حاليًا، مستندًا إلى نموذج شبه الجزيرة الكورية، حيث استمرت منطقة مماثلة لمدة سبعين عامًا منذ الحرب الكورية. يمكن للطرفين تسيير دوريات في هذه المنطقة، أو قد يتم استدعاء قوة محايدة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وأما الخطوة التالية، وفقًا لستافريديس، ستكون ضمانات أمنية لأوكرانيا تمنع بوتين من شن غزو جديد. قد لا يكون الانضمام إلى الناتو واقعيًا، لكن ستافريديس يرى إمكانية لتحديد مستوى معين من مشاركة الناتو في تدريب وتجهيز الأوكرانيين دون أن يصل ذلك إلى العضوية الكاملة. وكما اقترح ستافريديس تأجيل الحديث عن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي لمدة خمس سنوات وعضويتها في الناتو لعشر سنوات كجزء من المفاوضات.
ويستشهد ستافريديس بفنلندا كنموذج يحتذى به. في عام 1939، غزا الاتحاد السوفييتي فنلندا في حرب الشتاء. “قاتل الفنلنديون الروس حتى وصلوا إلى طريق مسدود، لكنهم في النهاية قدموا نحو 10% من أراضيهم مقابل السلام وتعهدوا بالحياد. الآن، هم أعضاء حيويون في الناتو.”
وهكذا، يمكن لأوكرانيا أن تحقق نتيجة مماثلة أو أفضل، ولكن فقط إذا استغل ترامب فرصة أوراق الضغط التي تركتها إدارة بايدن. باعتباره “صانع الصفقات” كما يصف نفسه، يدرك ترامب أن أوراق الضغط هي أهم نقطة انطلاق لأي مفاوضات. والتاريخ لن يكون رحيمًا بترامب إذا وافق على أي صفقة تظهره ضعيفًا أو ساذجًا في مواجهة بوتين، أو مترددًا في دعم أوكرانيا.
قائمة المراجع:
Kempe, Frederick. “Biden’s Ukraine Moves Are a Gift to Trump.” Atlantic Council, November 23, 2024. https://www.atlanticcouncil.org/content-series/inflection-points/bidens-ukraine-moves-are-a-gift-to-trump/
[1] فريدريك كيمب هو رئيس ومدير تنفيذي للمجلس الأطلسي الأمريكي. وهذه المقالة هي جزء من النشرة الإخبارية “نقاط التحول” لفريدريك كيمب، والتي تستعرض عالمًا في مرحلة انتقالية.