الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

الـــــنــــيـــجــــر تــــديــــر حــــــرب الـــــطـــــاقــــة  من جــــبـهــة مــــنـــاجـــم الـــيـــورانـــــيـــوم بــهــا

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

مــــــــقـــــــدمــــــة :

تـــواجـــه سلسلة توريد اليورانيوم في جميع أنحاء العالم نتيجة الصراع الدائر الآن بين فرنسا والسلطات العسكرية في النيجر التي تسيطر الآن على عمليات تعدين اليورانيوم التي كانت تحتكرها فرنسا منذ إستقلال النيجرفي 3 أغسطس عام1960 وحتي ما قبل الإنقلاب العسكري الأخير بالنيجر في 26 يوليو2023 وكانت فرنسا طيلة هذه الفترة الزمنية التي تتجاوز 60 عام تعتمدعلى يـورانيوم النيجر في مفاعلاتها النووية فالنيجر تنتج حوالي 5٪ من يورانيوم العالم وتوفر 15٪ إلى 20٪ من واردات فرنسا من اليورانيوم ويجدر بالذكر أن من بين 192 مليون رطل من أكسيد اليورانيوم المكرر(الكعكة الصفراء) أو الـ U3O8  المستخدمة في جميع أنحاء العالم في عام 2023  اشترى مالكو المفاعلات الأمريكيون 51.6 مليون رطل وحملت المفاعلات النووية الأمريكية 43.9 مليون رطل في مجموعات الوقود المكتملة وتمثل روسيا اليوم حوالي 44٪ من قدرة تحويل وتخصيب اليورانيوم العالمية وتتعقد أزمة اليورانيوم عالمياً بسبب إستعادة حكومة النيجر زمام إستغلال اليورانيوم من يد الفرنسيين الذين أمعنوا في نهب يورانيوم هذا المنتج الطاقوي الحيوي بسبب ضعف رؤساء النيجر فيما عدا الرئيس الأسبق Mamadou Tandja الذي حاول إستعادة سيادة النيجر علي مناجم اليورانيوم وتعديل تعاقدات حكومة النيجر مع فرنسا لتنهي عمليات نهبه وإستلابه من شعب النيجر( كانت مجموعة Areva المملوك معظمها للدولة الفرنسية تقوم علي إستغلاله)  لكنه فشل فقد تضافرت جهود الولايات المتحدة وفرنسا للتخلص منه بإنقلاب عسكري في 18 فبراير2010 نفذه أفراد من شركة مرتزقة Black Water وجاء هذا الانقلاب العسكري بضابط  مغموروتافه وعميل للفرنسيين يُدعي Salou Djibo مهمته نقل السلطة عبر فترة إنتقالية لم تتجاوز العام لسلطة مدنية منتخبة وأجريت إنتخابات أتت برئيس عميل آخر للفرنسيين هو Mamadou Issofou(تلقي تعليمه بباريس) سلم تعاقدات اليورانيوم النيجري المُجحفة بمصالح شعب النيجركما هي للفرنسيين فيها اليد العليا بل سلمهم لأول مرة أراضي النيجر ليقيموا قواعد عسكرية مع الأمريكيين الذين أقاموا قاعدتين عسكريتين أيضاً للطائرات المسيرة في نيامي وفي شمال النيجر لأجاديزوكانت سيطرة النيجر علي اليورانيوم وهو منتجها التصديري الأهم والأول حلم راود الأجيال في النيجر منذ إستقلالها ومع ذلك فرط فيها الرئيس السابق Mamadou Issoffou , ويزيد الـمأزق الطاقوي الفرنسي حــرجاً بالإعلان في الأول من مايو2024 عن توقيع  الرئيس الأمريكي بايدن على HR 1042 قانون حظر واردات اليورانيوم الروسي” التي تعتبر مصدر أموال كبير للجيش الروسي وتمثل واردات اليورانيوم الروسي  12٪ من مجمل اليورانيوم الأمريكي المُستورد وتُعد كندا أكبر مورد للمفاعلات الأمريكية وتمثل الواردات الامريكية منه 27٪ تليها أستراليا وكازاخستان (22 %) لكل منهما) وتأتي نسبة 10٪ أخرى من أوزبكستان في حين أن 5٪ فقط من مصادر محلية, وخلال إدارة بايدن حدث استحواذ شركة Uranium Energy Corporation ومقرها تكساس في عام 2021 على أصول اليورانيوم التي تم نقلها سابقا إلى شركة Uranium One Investments Inc الروسية وبذا عادت الصفقة إلى أيدي الأمريكيين حوالي 100,000 فدان في أحواض باودر ريفر وجريت ديفيد المنتجة لليورانيوم في وايومنج , لكن مع ذلك يُشار إلي أنه في يوليو 2019 كُلفت مجموعة عمل الوقود النووي الأمريكية بمهمة فحص حالة إنتاج الوقود النووي المحلي و”تنشيط سلسلة توريد الوقود النووي بأكملها”ورؤُي أن صناعة اليورانيوم في الولايات المتحدة تواجه “تحديات كبيرة في إنتاج اليورانيوم محليا” ووصف ذلك بأنه “قضية أمن قومي” , وفي عام 2020 اقترح ترامب حملة بقيمة 1.5 مليار دولار لمدة 10 سنوات لإنشاء مخزون وطني من اليورانيوم المستخرج من الولايات المتحدة وكان الأساس المنطقي لذلك هو أنه حتى لو كان اليورانيوم المستورد أرخص فإن ضمان الإمدادات المحلية (تماما كما هو الحال مع احتياطي البترول الاستراتيجي) كان يُعد”مسألة أمن قومي”وفي الأسبوع الأخير له في منصبه أصدر أمرا تنفيذيا يروج للمفاعلات المعيارية الصغيرة للدفاع الوطني واستكشاف الفضاء  , وخلال حملة الإنتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024 وعد ترامب بدعم إنتاج الطاقة النووية من خلال تحديث لجنة التنظيم النووي والعمل على إبقاء محطات الطاقة النووية الحالية مفتوحة والاستثمار في مفاعلات معيارية صغيرة مبتكرةىوأشار إلى متطلبات الكهرباء الهائلة للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة كمستخدمين محتملين لهذه SMRs  .

في عام2022ساهم اليورانيوم النيجري بــ25 % من إمدادات محطات الطاقة النووية في جميع أنحاء أوروبا  , لكن أكبر الدول إعتمادية علي يورانيوم النيجر هي فرنسا التي قال زعيم حزب La France الإشتراكي المُعارض بها في هذا الشأن : “نحن نستورده بشكل أساسي من النيجر وكازاخستان” ويضيء واحد من كل ثلاثة مصابيح كهربائية في فرنسا باليورانيوم الأصفر الوارد من النيجر ويأتي الجزء الأكبر من خام اليورانيوم من مواقع التعدين في أرليت التي تقع على بعد حوالي خمس ساعات شمال أجــاديز عاصمة شمال النيجر وهي مدينة تعتبر كالقلعة لشركات التعدين الأوروبية  .

تحصل روسيا علي اليورانيوم من مصادر منها روسيا نفسها وكازاخستان وأوزبكستان أوكرانيا قبل حربهما , فيما تحصل فرنسا علي الكعكة الصفراء الفرنسية بشكل حصري تقريبا من النيجر وتحصل الصين على اليورانيوم من داخل الصين وناميبيا وجنوب إفريقيا وتستورد الهند اليورانيوم من داخل الهند بشكل رئيسي .

توجد إرسابات اليورانيوم في كل قارة ولكن أكبر إرساباته في أستراليا وكازخستان وكندا ومن المحتمل أن هناك أرسابات في جرينلاند  وسيبريا فاليورانيوم نفسه ليس معدناً نادرا لكن تعدينه وإنتاجه لا يسيطر عليها سوى عدد قليل من البلدان التي تعمل مع دول المصدر والأمر الخطير  في موضوع إستغلال اليورانيوم ليس في إستغلاله فقط بل الأهم القبضة الخانقة الحقيقية على اليورانيوم عالي التخصيب هي عملية التخصيب نفسها فهي عملية تقنية عالية يسيطر عليها عدد قليل جداً من الدول .

لم يكن الإستغلال الفرنسي ليورانيوم النيجر وهوالمنتج النقدي الرئيسي والوحيد للنيجر منذ 1960وحتي يوم الإنقلاب العسكري الأخير في 26 يوليو2023 يتيح لهذا البلد أي قدر ولو محدود من التنمية الإقتصادية فقد كانت عمليات نهب الفرنسيين ممكنة طالما وجدت فرنسا رئيساً من نوعية Mamadou Issofou و Mohamed Bazoomفكلاهما أجرم في حق شعب النيجر إجراماً يرقي إلي مستوي الخيانة العظمي رفأهدر حقه في خير عائدات اليورانيوم المهدرة لصالح فرنسا وكذلك فكلاهما أباح أراضي وسيادة الأراضي النيجري للعسكريين الفرنسيين والأمريكيين والأوروبيين لأقامة قاعد وذبح شعب النيجر المسلم كما يجري في غـــزة بذريعة محاربة الأرهاب وهو  ليس بإرهاب إنما مقاومة لمن ينهبون البلاد ويستبيحون سيادة شعب النيـجر علي أراضـــيــه ومحاربة الإرهاب الذي يدعونه وغيرهم من سفلة القادة المحليين إنما هي تـــكـــئــة أو مــبــرر لتسويغ إستباحة البلاد والعباد فهم صـــانـــعـــوه  , وفي الواقع فإن شعب النيجر كان يتوق لرؤية اليوم الذي تنقطع فيه سلسلة النهب الفرنسي المنتظم ليورانيوم النيجر المورد الرئيس للنقد الأجنبي والممول الوحيد لأي عملية تنمية حقيقية وكلما أستطاعت النيجر تقصية عوائدها منه كلما أمكنها النهوض بعملية تنمية حقيقية شاملة لهذا الشعب الذي أفقرته فرنسا لحساب المواطن الفرنسي ولهذا وفي 18نوفمبر 2024خرج العشرات من المتظاهرين إلى شوارع نيامي عاصمة النيجر استجابة للدعوة التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني في النيجر وذلك في أعقاب إعلان مشترك من عدة جمعيات ومجموعات مدنية يدين المحاولات المزعومة لزعزعة الاستقرار التي ستكون البلاد هدفا لها وتميز سياق هذه المظاهرة باعتقال مواطن فرنسي مؤخرا في نيامي وأُتهم  بالتجسس ويشتبه في انتمائه إلى المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) الفرنسية وهي أجهزة المخابرات الفرنسية وأدى هذا الحادث إلى تضخيم التوترات وأحيا الشكوك حول التدخل الخارجي ورغم تأكيدهم على تمسكهم بسيادة النيجر إلا أن المتظاهرين يدركون أن هذا النضال سيكون طويلاً ومحفوفاً بالمزالق ولذلك يطالبون السلطات العسكرية بتكثيف الجهود لضمان التنمية العسكرية والاقتصادية للبلاد بهدف ضمان عدم تعرض النيجر للتدخل الأجنبي أو إعادة الاستعمارالمحتمل وجاءت هذه التظاهرة في توقيتمهم فهي تزامنت قبل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر الدولي لدعم دول الساحل الثلاث -النيجر ومالي وبوركينا فاسو الذي عُــقـد في الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر في نيامي .

يورانــــيــــوم الـــنـــيـــجــــــر والــــصـــراع الـــدولــي :

لم يحدث منذ إستقلال النيجر عن فرنسا في أغسطس 1960وتولي الرئيس هاماني ديوري السلطة , لم يحدث أن قام وزير خارجية أمريكي بزيارة النيجر لأي سبب  من الأسباب , لكن ولما كان أمن الكيان الصهيوني مُدمج في الأمن القومي الأمريكي ولان النيجر لم تفكر مطلقاً في تبادل العلاقات الدبلوماسية مع  النيجر , ولما كان البرنامج النووي الإيراني مازال وسيظل يمثل كابوساً للكيان الصهيوني الذي دانت له معظم النظم العربية الهزيلة , لذا فإن أي إشارة أو معلومات غير موثقة تنتشر بشأن سعي إيران للبحث عن مصادر متنوعة للحصول علي اليورانيوم يقض المضاجع الصهيونية والأمريكية لهذا السبب قام زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن في 16 مارس 2023بزيارة سريعة لنيامي عاصمة النيجر وكان هدفها الرئيسي الإحاطة بـ وإحباط أي تحرك إيراني في إتجاه شراء يورانيوم من النيجر ويبدو أنه نجح  وألتقي الرئيس محمد بازووم وهو عميل تعتمد عليه فرنسي (وهو من عرب النيجر كما أنه شيوعي سابق وكان يعمل مدرساً للفلسفة) وأطم~ان منه علي عدم التعامل مع إيران وإلا … ففي نهاية ديسمبر 2005 حدث أن سافر وزير زراعة النيجر الذي كلف بمهام وزير تعدين النيجر(لإحكام سرية الزيارة) إلي طهران ووقع إتفاقية تعاون في مجال التعدين مع الحكومة الإيرانية وبخاصة اليوراتنيوم وبعد عودته بأقل من شهرين  أطاح إنقلاب عسكري في النيجر في 18 فبراير 2010قاده Salou Djibo وهوضابط مغمور أطاح  برئيس النيجر الراحل Mamadou Tandja لا لشيئ إلا لأنه تجرأ وإوفد وزير الزراعة لإيران من أجل هذا الإتفاق التعديني خاصة وأن الظروف السياسية كانت متوترة في علاقات تعاون فرنسا مع النيجر في إستغلال يورانيوم شمال النيجر فقد كان رئيس النيجر Mamadou Tandja يُطالب الفرنسيين آنئذ بتغيير النمط التعاقدي غير العادل لإمتيازات تعدين يورانيوم النيجر(ثاني أكبر منتج عالمي)  مُهدداً إياهم بمنح إمتياز ثاني أكبر مسطح تعدين يورانيوم في العالم Imoraren بشمال النيجر للصينيين إن لم يفعلوا فوافقوا في 15 مارس 2009 خلال زيارة لنيامي إستغرقت 4 ساعت للرئيس ساركوزي بصحبة Anne Lauvergeon رئيسة مجموعة Areva لتعدين اليورانيوم , بعد ذلك ثم قام الفرنسيين بهندسة هذا الإنقلاب بالتعاون مع شركة Black Water ولدي تفاصيله , وهكذا كان إنقلاب مالي في 22 مارس 2012 بقيادة ضابط مغمور آخريُدعي Amadou Sanogo أطاح فيه بالرئيسAmadou Toumani Touré قبل شهر من إنتهاء ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة لا لشيئ إلا لانه رفض الإنصياع للفرنسيين لإجتثاث الإسلاميين الأفارقة والعرب  من وسط وشمال مالي بسبب رؤيته بأن ذلك سيؤدي في نفس الوقت لتمزيق النسيج الإجتماعي بمالي وتأجيج المقاومة للنظام السياسي وللفرنسيين وكذا إحياء الدعاوي الإنفصالية , وقال لهم أي للفرنسيين أنه يُؤثر التفاوض معهم , لكن الفرنسيين فضلوا إستمرار المواجهة مع المقاومة الإسلامية – أيا كان مُسماها – ثم تم لاحقاً تعيين Ibrahim Boubacar Keïta وهو أحد وكلاء فرنسا رئيساً مُنتخباً لجمهورية مالي والذي أُطيح به بإنقلاب عسكري في 18 أغسطس 2020 بالرغم من Keïta كان متعاوناً مع الفرنسيين ولذلك نشطت المخابرات الفرنسية في تنصيبه بعملية ديموقراطية هزلية , لكن مع تردي كل أوضاع مالي وإشتداد المقاومة الإٍسلامية فقد تعرضت القدرات الفرنسية إلي تآكل وبالتالي فقد أخفقت في السيطرة علي الجيش المالي بل علي المؤسسات العسكرية بدول مجموعة الساحل الخماسية خاصة وأن هذه المؤسسات هي من تتعامل معها السياسة الفرنسية قبل القادة السياسيين والحزبيين بهذه الدول مما أكسبها مكانة خاصة ومُسيطرة ويزيد اللجوء الفرنسي إليها مع إشتداد المقاومة الإسلامية في عموم الساحل , لكن هذه الجيوش وخاصة جيش مالي أصابه الإنهاك من إستمرار القتال في حرب عصابات ليس مُعداً لها بالمرة شأنه شأن القوات الفرنسية ( إختزل الفرنسيون وحلفاءهم بالساحل المقاومة الإسلامية في كيان واحد هو تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبري EIGS بقيادة أبو وليد الصحراوي) ومع تصاعد الغضب الشعبي وشدة إلتزام أجنحة المقاومة الإٍسلامية بالصحراء الكبري  بقضية المقاومة للفرنسيين أخذ الوجود العسكري في مال يضمحل ويتراجع الفرنسيون نحو النيجر , فلقد أدي هذا الغضب وتلك الشدة في الإلتزام إلي إمتدادات في شمال بوركينافاسو التي وصلت هجمات المقاومة الإسلامية علي المصالح الفرنسية لعاصمتها Ouagadougou وأستهدفت الفرنسيين هناك وحتي شمال الكاميرون Boko Haram التي وُضعت لها رواية وُزعت نسخها علي الإعلام الغربي والأفريقي بوصفها إرهابية مع أنها في المبدأ جماعة تربوية دعوية سلمية منشأ إرهابها أرهاب السلطات في نيجيريا لها بدفع من الكنيسة هناك وكل هذا معروف ومنشور فلما إستمر ذبح وترويع أعضاء هذه الجماعة اضطرت إلي حــمــل السلاح وخرجت الأمور عن سيطرة أعضاءها وعن الحكومة والعسكريين النيجيريين معاً .

كانت فرنسا تمسك بخيوط السلطة الرئيسية في يدها وتحرك رؤساء منطقتي الساحل والصحراء وتمضي بنهم في بلع ثروات المنطقتين غير عايئة لا بالأزمات الغذائية ولا بالأثر السلبي للتغيرات المناخية بالمنطقتين وما ينتج عنه من جفاف وتصحر وظلت فرنسا تصرخ وتدعي أن الأرهاب هو الخطر الذي يجب علي دول المنطقتين مواجهته فأخذت تُشكل ما أسمته مجموعة الساحل الخماسية G5 SAHEL في الوثت الذي كانت هناك عملية عسكرية فرنسية وحشية تقاتل في شمال مالي التي أُطلقت في الأول من أغسطس2014 والتي أعقبت نهاية عمليتين عسكريتين سابقتين هما  Serval و Epervieوظلت فرنسا معتقدة أنها قادرة للأبد علي منازلة التمرد المسلح في شمال مالي والنيجر والذي يروجون أنه إرهاب وما هو بإرهاب لكنهم دأبوا علي الكذب وصدقهم المأفونين العرب وفي النهاية قامت إنقلابات متتابعة عام 2022 و2023 في مالي وبوركينافاسو والنيجر ونزعت الوجودين العسكري والإقتصادي الفرنسي في هذه الدول الثلاث وتبعتهم تشاد , ولكي ندرك كما هي صعبة عملية إقتلاع فرنسا من المجتمع والعسكرية والإقتصاد في هذه الدول الثلاث يكفي أن نصف هذا الوجود بإختصار بأنه “مـــــُـتــــجــــذر” في بنيان هذه الدول ومؤسساتها بل حتي في نظم التعليم ومحتواها وأعتقد بناء علي سابق خبرتي في العمل سفيراً لمصر لدي النيجر أن الكراهية للفرنسيين ليس مقتصرة علي المجلس العسكري بل إنها أعمق وأكثر مرارة لدي أبناء شعب النيجر فالفرنسيون بإعتبارهم متطرفين عندما يتعلق الأمر بالأفارقة كجنس وبالإسلام كدين وماعون فكري فإنهم يبذلون أقصي ما يمكنهم من جهد لمحو الهوية والذاكرة لشعب النيجر كما أنهم يُاملون الأفارقة كأنهم من سقط المتاع وهذه معاملة تدل علي مدي إنحطاطهم وحقارتهم ولذلك فالمجالس العسكرية الثلاث في نيامي وواجادوجو وبماكو تعمل علي إقتلاع النفوذ الفرنسي بكل إخلاص وحزم وتفاني لانهم يعرفون تماماً أن ذلك محل إجماع ورضي شعبي وهذه العملية ليس صعبة الصعب هو أن تري التدني والدونية في الزعماء العرب وهم يتعاملون مع مسؤلين فرنسيين معظمهم منحطين وكذابين , فقادة الدول الأفريقية الثلاث مالي والنيجر وبوركينافاسو يتعاملون مع فرنسا الرسمية بإعتبارهم مستعمرين سابقين أي أن ذهنيتهم ذهنية غير مؤهلة للسلوك الإنساني الطبيعي حتي عندما طردت سلطات النيجر العسكرية الفرنسيين من قواعدهم في النيجر وطردت السفير الفرنسي تصرفت فرنسا بالعقلية الإستعمارية وفوجـئـت من قرار الطرد لأنه إستبعدته بناء علي هذه العقلية وكانت تعتقد أن نموذجي الرئيس العميل Mahmado Issofou  والذي تلاه Mohamed Bazoom وهو مثله تماما نموذجين قابلين للتكرار . إنتهت سطوة فرنسا في منطقتي الساحل والصحراء فالنخبة العسكرية شريفة والشعوب إستردت كرامتها .

بغض النظر عن الصورة التي يحاول الغرب ترويجها عن الرئيس المُطاح به محمد بازوم عن طريق الإنقلاب العسكري في 26 يوليو2023 وهذه الصورة  أنه مُنتخب بطريقة ديموقراطية في مارس 2021 بنسبة 55.75٪ من الأصوات في نهاية الجولة الثانية إلا أن ذلك لا يمنع القول بأنه في مقابل الديموقراطية التي يتغني بها باع بلاده بأبخس ثمن للفرنسيين . ويُروج الفرنسيون لصورة ديموقراطية النيجر الشائهة المُزيفة فيما كل ما يعنيهم من النيجر ليس الديموقراطية التي تمارسها أحزاب فاشلة جماهيرياً إذ أن أكثر من 45% من الشعب تحت خط الفقر , ما يعني فرنسا فعلاً من النيجر هو خام اليورانيوم الموجود في مناجم  IMOURAREN ويبعد حوالي 50 ميلاً جنوب ARLIT وبه أكبر احتياطيات اليورانيوم في العالم وARLIT في الشمال الغربي من النيجر وتديرها شركة Somair وهي مشروع مشترك بين Orano و Sopamin المملوكة للدولة في النيجرو AKOUTA الواقعة جنوب غرب ARLIT أنتج هذا المنجم 75000 طن متري من اليورانيوم من عام 1978 حتى مارس 2021عندما تم إغلاقه بعد نفاد احتياطياته من الخام (أعلنت شركة  Oranoأنها تواصل التعدين رغم “الأحداث الأمنية” الجارية) فوفقًا لبيانات البنك الدولي يعد اليورانيوم ثاني أكبر صادرات النيجر من الناحية النقدية بعد الذهبفقد تم اكتشاف اليورانيوم لأول مرة في Azelik في النيجر في عام 1957 وبدأ إنتاجه تجارياً في  ARLIT في عام 1971 وبدأت COMINAK (Compagnie Minière d’Akouta المملوكة لأغلبية كبيرة أيضًا من قبل Orano الإنتاج من منجم تحت الأرض في Akouta في عام 1978حيث أنتجت أكثر من 75000 طن متري قبل انتهاء العمليات في عام 2021 وتم إنشاء المشروع المشترك Societe des Mines d’Azelik SA (SOMINA)) في عام 2007 للتعدين في Azelik / Teguidda ، على بعد 160 كم جنوب غرب Arlit في منطقةAgadez  و62% من أسهم SOMINA مملوكة لمصالح صينية و 37.2٪ لشركة CNNC International وتمتلك حكومة النيجر 33٪ و 5٪ مملوكة لمصالح كورية  ودخل منجم Azelik حيز الإنتاج في نهاية عام 2010 لكن ظروف السوق أدت إلى وضعه تحت الرعاية والصيانة في عام 2015 أجرت مؤسسة اليورانيوم الوطنية الصينية مؤخرًا دراسات لاستئناف الإنتاج في SOMINA وفقًا لما نشره وزير النيجر على وسائل التواصل الاجتماعي من مناجم Ousseini Hadizatou Yacouba في يونيو من هذا العام , ويقع مشروع Imouraren على بعد حوالي 80 كم جنوب أرليت وحوالي 160 كم شمال أجاديز تم مُنحت الشركة المشغلة Imouraren SA – المملوكة بنسبة 66.65٪ لشركة Orano Expansion (وهي نفسها مملوكة لشركة Orano Mining مع الشركات الكورية التي تمتلك 4.7٪) و 33.35٪ لشركة Sopamin وولاية النيجر – تصريح تشغيل للتعدين في عام 2009 وبدأت أعمال التنقيب في 2012 ولكن تم تعليق تطوير المشروع في عام 2015 انتظارًا لظروف السوق الأكثر ملاءمة ويبحث المشروع المشترك الآن في إمكانية استخدام طرق الترشيح في الموقع لإدخاله في الإنتاج  و Dasa هي رواسب يورانيوم عالية الجودة تقع على بعد 105 كيلومترات جنوب مدينة أرليت لتعدين اليورانيوم وقد تم اكتشاف المشروع لأول مرة في عام 2010 وهو مملوك بنسبة 90 ٪ لشركةGlobal Atomic Corporation المدرجة في تورنتو وسيعمل تحت شركة SOMIDA الفرعية للتعدين في النيجر (Société Minière de Dasa SA) المملوكة بنسبة 20 ٪ من قبل حكومة النيجر بدأت أعمال التنقيب في المناجم في عام 2022 ، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم الأولى للمرافق في عام 2025 تمتلك شركة GoviEx Uranium التي تتخذ من كندا مقراً لها تصاريح التعدين لمشروع Madaouela في منطقة أجاديز وكانت الشركة قد بدأت في وقت سابق من هذا العام عملية تمويل المشروع لتطوير المشروع وتمتلك GoviEx حصة 80٪ في الشركة المشغلة COMIMA بينما تمتلك جمهورية النيجر النسبة المتبقية البالغة 20٪ ويُذكر أن  النيجر تزود بحوالي 5٪ من اليورانيوم في العالم  لكنها مورد رئيسي لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي الذي اشتري 2905 طنًا من اليورانيوم المنتج في النيجر في عام 2021 ويمثل هذا ما يزيد قليلاً عن 24٪ من واردات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم مما يجعل النيجر متقدمة قليلاً على كازاخستان باعتبارها المصدر الرئيسي لليورانيوم للاتحاد الأوروبي (خصص الاتحاد الأوروبي 503 ملايين يورو (554 مليون دولار) من ميزانيته لتحسين الحوكمة والتعليم والنمو المستدام في النيجر خلال 2021-2024)  .

الــــتـــطــــورات الأخــــــيـــرة لــــحـــرب الــــنــيــجر من أجـل اليورانيوم :

قامت Investing News Network بوضع قائمة بأكبر عشر مناجم يورانيوم في العالم إستناداً إلي أحدث إحصاءات نشرتها الـ                               World Nuclear Association  (WNA) وأهمها الآتي:

منجم سيجار ليك في ساسكاتشوان بكندا وهو يحتل المركز الأول حيث يمثل 14 %من الإنتاج العالمي في عام 2022 وتم تشغيل المنجم تحت الأرض عام 2014 وبدأ الإنتاج التجاري لليورانيوم في مايو 2015 وهو معروف بأنه منجم اليورانيوم الأعلى جودة U3O8 بمتوسط ​​درجة 14.69% ويتم تشغيل منجم سيجار ليك بواسطة شركة( Cameco   TSX : CCO ، NYSE:CCJ) التي تمتلك 54.55 % من المنجم وتمتلك شركة Orano Canada %40.45 من منجم سيجار ليك وتقوم بمعالجة الخام من المنجم في مطحنة McClean Lake التي تقع على بعد 70 كيلومترًا من سيجار ليك فيما تمتلك شركة TEPCO Resources النسبة المتبقية البالغة 5%  تأتي بعد كندا كندا نامبيا ففيها منجم هوساب وهومملوك لشركة سواكوب يورانيوم وهي شراكة بين الصين وناميبيا وتملك شركة إبانجيلو للتعدين وهي شركة مملوكة للدولة في ناميبيا 10% من سواكوب في حين تمتلك شركة توروس مينيرالز 90%  وتملك شركة توروس نفسها مجموعة الطاقة النووية العامة الصينية وصندوق التنمية الصيني الأفريقي ووفقاً لجمعية اليورانيوم في ناميبيا يمثل منجم هوساب أكبر استثمار فردي للصين في أفريقيا و اكتشف منجم هوساب في عام 2008 وأنتج أول برميل من أكسيد اليورانيوم للتصدير في ديسمبر 2016 واعتبارًا من عام 2022 شكلت العملية 7 % من إنتاج اليورانيوم العالمي وتُعد ناميبيا ثالث أكبر منتج لليورانيوم في العالم في عام 2022 ويأتي منجم إنكاي في كازاخستان وهو مشروع مشترك بين شركة كاميكو (40%) وشركة وشركة كازاتومبروم إنكاي 7% من إنتاج اليورانيوم في العالم في عام 2022 ورغم أن سانت بطرسبرج تعد مركزًا رئيسيًا لنقل منتجات الشركة إلى الأسواق العالمي فإن عمليات شركة كازاتومبروم لم تتأثر كثيرًا بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وفي الواقع تضاعفت أرباح الشركة في عام 2022 مقارنة بالعام السابق الذي عانى من الاضطرابات التشغيلية الناجمة عن عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19 وتقول وكالة الأنباء العالمية على موقعها الإلكتروني : “في سبتمبر 2022 أرسلت كازاتومبروم شحنة يورانيوم لشركة كاميكو عبر طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين إلى كندا  .

ورغم أن سانت بطرسبرغ تعد مركزًا رئيسيًا لنقل منتجات الشركة إلى الأسواق العالمية، فإن عمليات شركة كازاتومبروم لم تتأثر كثيرًا بالحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي الواقع، تضاعفت أرباح الشركة في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، الذي عانى من الاضطرابات التشغيلية الناجمة عن عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19. وتقول وكالة الأنباء العالمية على موقعها الإلكتروني:”في سبتمبر/أيلول 2022، أرسلت كازاتومبروم شحنة يورانيوم لشركة كاميكو عبر طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين إلى كندا  .

أما النيجر ففيها منجم سومير ويُستخرج منه 4% من إجمالي إنتاج اليورانيوم في العالم في عام 2022 وتمتلك شركة Orano المنتجة لليورانيوم 63.4% من المنجم الذي افتتح في عام 1971بينما تمتلك شركة سوبامين وهي الوكالة الحكومية التي تدير التعدين في النيجر 36.66% من المنجم وكان منجم كوميناك في البلاد الذي قد أُغلق وكان منتجًا رئيسيًا في عام 2021 بعد استنفاد احتياطياته وتدير شركة أورانو مشروعًا مشتركًا آخر في النيجر لإنشاء موقع ثالث بالقرب من SOMAIR وCominak: Imouraren ووفقًا لـ WNA كانت دراسات التحسين لتقييم طرق الاستخراج جارية في Imouraren اعتبارًا من سبتمبر 2022.

النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم ولديها أعلى خامات اليورانيوم في القارة الأفريقية وهي تمثل 4.7٪ من إنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم وفي عام 2022قدمت النيجر أكثر من ربع اليورانيوم المستخدم في الاتحاد الأوروبي وهي ثاني أكبر مورد بعد كازاخستان وفقًا لـ Euratom وتعتمد فرنسا على النيجر لما يصل إلى 15٪ من احتياجاتها من اليورانيوم  .

في يونيو2024 قالت مجموعة Orano الفرنسية أن النيجر ألغت تصريح تعدين لشركتها الفرعية Imoraren لليورانيوم وقالت إنها جردت من حقها في تطوير مشروع لليورانيوم في النيجر في يوليو 2024 وقالت Orano أنها تحذر منذ عدة أشهر من التدخل في  Somair حيث اضطرت إلى تعليق الإنتاج بعد أن أوقفت السلطات الصادرات عام 2024 وقالت إن القرار الذي تبناه مجلس إدارة  Somair في 12 نوفمبر 2024 بتعليق النفقات المتعلقة بالإنتاج للحفاظ على أموال الرواتب يتم تجاهله عمدا وهذا “يزيد من تدهور الوضع المالي للشركة” وأن السلطات النيجيرية سيطرت على الشركة التشغيلية وتعهدت Orano التي تدير مناجم في شمال النيجر منذ سنوات “بالدفاع عن حقوقها أمام الهيئات المختصة” من أجل السماح لشركة Somair بالعمل بشكل طبيعي دون إعطاء تفاصيل ثم أعلنت شركة Orano في 4 ديسمبر2024أن السلطات في النيجر سيطرت على منجم اليورانيوم Somair بشمال النيجر في الوقت الذي تُصعد فيه الحكومة التي يقودها الجيش ضغوطها على المستثمرين الأجانب في الـنـيـجـر وقالت Orano التي تمتلك حوالي 63 % من المنجم في بيان أن القرارات المتخذة في اجتماعات مجلس إدارة  Somair لم تعد مطبقة فالنيجر تمتلك الحصة المتبقية في  Somair فقد إستحوذت النيجر على حوالي 15٪ من إمدادات  Oranoمن اليورانيوم عندما كانت مناجمها تعمل بكامل طاقتها وقالت الشركة إن توقف الصادرات من النيجر قوبل بتكثيف مناجمها في كندا وكازاخستان , وقد تعهدت Orano التي تدير مناجم في شمال النيجر منذ سنوات “بالدفاع عن حقوقها أمام الهيئات المختصة” من أجل السماح لشركة  Somair بالعمل بشكل طبيعي دون إعطاء وبفضل طاقته الإنتاجية التي تبلغ 2000 طن من اليورانيوم سنويا شهد موقع أرليت المملوك بنسبة 63.4% في لأورانو و36.6 %للحكومة النيجيرية تعليق إنتاجه منذ 31 أكتوبر وألقى المشغل الفرنسي باللوم على المجلس العسكري لعرقلة أنشطته العادية وتقول أورانو إنها لم تعد قادرة على شراء المدخلات اللازمة لمعالجة الخام أو بيع اليورانيوم المخزن في النيجر ويرجع ذلك جزئيا إلى إغلاق الحدود مع بنين المجاورة فالمجلس العسكري  في النيجر أبقى الحدود مغلقة مع بنين لخلاف سياسي مستمر معها  .

كذلك وفي يوليو 2024 ألغت السلطة العسكرية في النيجر في إطار إستعادة السيادة علي منتجها التعديني والنقدي الرئيسي من اليورانيوم تصريح تشغيل شركة GoviEx Uranium الكندية لمنجم اليورانيوم Madaouela بالقرب من مدينة  Arlit التعدينية في شمال البلاد وهذه الشركة تعمل في مشروع Madaouela منذ عام 2019  ويقدر هذا المشروع بنحو 343 مليون دولار وأعــقــب ذلك محاولة الشركة الكندية التوصل إلي حل ودي للأمر فقدمت طلبا للجنرال عبد الرحمن تياني  رئيس المجلس العسكري CNSP لكنه لم يعره إهتماماً فالقرار النيجري الصارم هو إستعادة اليورانيوم بتعاقدات عادلة  وإزاء هذا الموقف النيجري الحازم إعـلنت شركة Goviex في 12  ديسمبر2024 أنها بدأت إجراءات تحكيم ضد جمهورية النيجرووفقا للشركة الكندية فإن هذا القرار يشكل “انتهاكا لاتفاقيات دولة النيجر بموجب اتفاقية التعدين وقانون التعدين والقانون المدني النيجيري” لذلك توجهت  شركة   GoviEx بــالقضية إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID)ويدعم البنك الدولي الـ  ICSID مـــُطالبة حكومة النيجر إما بدفع تعويض مالي أو إعادة رخصة التشغيل الخاصة بها وتروج شركة GoviEx إلى أن الارتفاع الأخير في أسعار اليورانيوم قد عزز جدوى مشروعها بالنيجر  .

قالت شركة جوفيكس في بيان صحفي نُشر في 16 ديسمبر2024 إن سحب الترخيص “لا يتبع الإجراء المنصوص عليه في قانون التعدين المعمول به” في النيجر وأنها تحتفظ بالحق في الطعن في القرار أمام المحاكم الوطنية أو الدولية المختصة وأضافت جوفيكس أنها تعتقد أن قرار الحكومة بسحب حقوق التعدين لمشروع ماداويلة سيكون له تأثير سلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة (منذ متي وشركات اليورانيوم العاملة في النيجر منذ1960 نتج عنعملها من يُعين الحكومة أي حكومة في النيجر في التنمية؟)  ومن الواضح أن السياق العام للسلطة الحاكمة في النيجر هو التخلص من النفوذ والإستغلال الغربي ومراجعة كل تعاقدات الحكومات السابقة المتعلقة بإستغلال اليورانيوم وهو موضوع يهم ويشغل الراي العام في النيجز منذ عهد الرئيس سيني كونتشي وفي هذا الإطار الحازم وفي يناير2024أوقفت النيجر مؤقتاً منح تراخيص التعدين الجديدة وأمرت بإجراء تدقيق للقطاع وفي يونيو2024 ألغت شركة ORANO الفرنسية ترخيصها لمشروع منجم يورانيوم IMORAREN(وهو ثاني أكبر منجم يورانيوم في العالم) وكان هذا المشروع الذي يحتوي أيضاً على واحدة من أكبر احتياطيات العالم قد حصل على ترخيصه في عام 2009 ولكن الشركة أوقفته في انتظار ظروف السوق المواتية وعلي التوازي في إطار نفس هذه السياسة طُردت القوات العسكرية الفرنسية من النيجر في ديسمبر 2023وبعد ذلك تدهورت العلاقات مع فرنسا بسرعة وفي مارس2024 ألغت الحكومة أيضًا اتفاقية مع الولايات المتحدة وبعد ذلك انسحبت القوات الأمريكية من قاعدتين عسكريتين أقامتهما الولايات المتحدة في نيامي العاصمة والأخري في أجاديز بشمال النيجر .

في وقت سابق من شهر ديسمبر2024قالت شركة أورانو إن السلطات النيجيرية تولت السيطرة التشغيلية على شركة تعدين اليورانيوم سومير (وهو منجم اليورانيوم النشط الوحيد في النيجر) التي تعد المساهم الأكبر فيها والمشغل لها وكان اجتماع مجلس إدارة سومير( Société des Mines de l’Aïr) في 12نوفمبر2024 قد فشل في حل التوترات المتزايدة بين المساهمين – شركة أورانو الفرنسية (63.4٪) وشركة سوبامين الحكومية النيجرية (36.6٪) وكانت الحكومة العسكرية في النيجر قد طعنت في قرار أورانو في أكتوبر 2024بوقف إنتاج اليورانيوم المُسمي ســـومــــيـــر  وكان قرار حكومة النيجر إغلاق الحدود بين النيجر وبنين – لأسباب لا نعلمها – هو سبب وقف Orano  – كما إدعت – تصدير اليورانيوم فالنيجر دولة حبيسة جغرافياً ولذلك يتم نقل اليورانيوم الذي تستخرجه هذه الشركة إلى ميناء كوتونو في بــنــيــن حيث تتسلمة سفينة حربية فرنسية عليها حــراسة مــُشددة لميناء طولون الفرنسي علي البحر المتوسط وقد جمعت سومير مخزونًا يبلغ 1050 طنًا من مركز اليورانيوم وهو ما يمثل ما يقرب من 300 مليون يورو وفقًا لــOrano  ومن جانبه يشكك المجلس العسكري بالنيجرفي شرعية هذا التعليق، متهماً Orano  بالتصرف من جانب واحد دون التشاور المسبق وردا على ذلك امتنع ممثلو شركة سوبامين النيجرية الحكومية (Sopamin (Société du Patrimoine des Mines du Niger)) عن التصويت خلال اجتماع مجلس الإدارة المُشار إليهوإزاء هذا الموقف القوي لحكومةالنيجر أعلنت شركة Orano عن نيتها إعادة توجيه التدفق النقدي المتاح لها نحو دفع الرواتب وصيانة العمليات الأساسية للموقع وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على الحد الأدنى من النشاط حتى يتم حل التوترات وعلي كل حال فقد تعهدت شركة أورانو التي تشغل مناجم في النيجر منذ سنوات “بالدفاع عن حقوقها أمام الهيئات المختصة” من أجل السماح لسوماير بالعمل بشكل طبيعي دون إعطاء تفاصيل وإزاء الموقف الحرج لشركة أورانوقال ديفيد كلافيري المدير المالي للشركة في بيان  في يوليو2024 “أن الانقلاب  الذي وقع في النيجر  في 26 يوليو2023 أدي إلى توقف استيراد المواد الأساسية اللازمة لاستغلال اليورانيوم في منجم سومير التابع لشركة أورانو مثل رماد الصودا والكربونات والنترات والكبريت ورغم أن استخراج اليورانيوم استمر في الربع الأول من عام 2024 “فبعد عدة أشهر من الصيانة المبكرة” فإن مبيعات سومير لم تتمكن من الاستئناف “بسبب نقص الحلول اللوجستية المعتمدة من قبل السلطات في النيجر” وأشار البيان إلي أن “الانسداد الحاصل بين الحكومة والشركة أدى إلى دخول المنجم في صعوبات مالية… أثرت على قدرته على مواصلة عملياته وأن إستمرار هذا الوضع قد يؤدي في نهاية المطاف إلى “الإفلاس في الأمد القريب والمتوسط في الأشهر المقبلة”.

إن مستقبل أورانو في النيجر غير مؤكد، لكن الشركة تخطط “للدفاع عن حقوقها أمام السلطات المختصة”ومع ذلك إذا غادرت أورانو البلاد فإن آخرين مستعدون للتدخل لإنتاج اليورانيوم وعززت روسيا علاقاتها مع نيامي في الأشهر الأخيرة كما تسعى تركيا أيضًا إلى الحصول على اليورانيوم من النيجر بعد أن وقعت بروتوكول تفاهم لاستكشاف التعدين في أكتوبر 2024.

هذه التطورات السلبية للإستغلال الفرنسي المنتظم ليورانيوم النيجر وإخراج فرنسا العسكري والطاقوي من النيجر كل هذا دفع  بمــســـألة الإستعانة باليورانيوم في إنتاج الطاقة النووية لــتوليد الكهرباء في فرنسا إلي مــقـــدمـــة النقاش والجدل بين المتنافسين علي منصب رئيس فرنسا في الإنتخابية الرئاسية الماضية فقد كان جزء من حملة ميلانشون المرشح الرئاسي ضد ماكرون في أبريل 2022 هو محاربة الطاقة النووية ونـــثقل عنه قوله: “إن السعر الحالي للكهرباء النووية أعلى بالفعل من العديد من مصادر الطاقة المتجددة” كذلك فتكلفة التخلص من المفاعلات والمياه لتبريدها هائلة وغالبا ما يتم الحفاظ عليها كعوامل خارجية من قبل شركات الطاقة وفي تقديرالمعارض الفرنسي ميلانشون أن الطاقة النووية “هي مثل الوقود الأحفوري طاقة من الماضي” وأن الخروج من الطاقة النووية ليس قضية فنية بل سياسية” .

في خضم المواجهة والصراع المُحتدم بين حكومة النيجر العسكرية والشركات التعدينية الأجنبية والفرنسية تعييناً وبصفة خاصة في مجال اليورانيوم والذهب وافق مجلس وزراء حكومة النيجر في 19 سبتمبر2024 على إنشاء شركتين جديدتين لتعدين وإستغلال  الذهب والأخري لليورانيم أحدهما الذهب للمســـاهـــمـــة  في رفع معدلات التنمية بالــنـــيــجـــر , وفي هذا الـســبـيـل ستدير شركة Mazoumawa الوطنية للذهب استغلال ذهب الـنيــجـــر وجـــاري إنشاء شركة Timersoi الوطنية لليورانيوم  .

في إعتقادي أن توقع شركة أورانو بحل المشاكل مع حكومة النيجر أمر تكتنفه صعوبات جمة أهما أن هناك إستراتيحية تصفوية حكومة النيجر بمجلسها العسكري ماضيين في تنفيذها بحزم بالغ لأنالهدف أولاً هو فرنسا كدولة وليست شركة أورانو أو غيرها فهذه الشركة أو غيرها  إصابتها لازمة لأنها تقف مع الهدف وهو فرنسا والنيجر عازمة في إطار إستراتيجية تصفية الوجود الفرنسي أولاً والغربي ثانياً علي المضي قدماً في تحيق مبتغاها ولذلك فهي تبحث حالياً عن شراكات بديلة وقدوصرح وزير المناجم في النيجرعثمان أبارشي مؤخرا أن المناقشات بدأت مع شركات روسية وإيرانية خلال قمة روسيا وأفريقيا في سوتشي ويسلط هذا التحول الاستراتيجي الضوء على الرغبة في تنويع التعاون الدولي واكتساب سيطرة أكبر على استغلال الموارد المحلية , ومجموعة Orano يُلاحظ أن الدولة الفرنسية تمتلك  فيها 90٪ من رأس مالها  مما يجعل هذه الشركة لاعباً رئيسياً في استراتيجية الطاقة النووية الفرنسية وتمثل الإستراتيجية الــتــصـفويـة  التي تنتهجها حكومة النيجر تحديًا جيوسياسيًا كبيرًا لباريس نظرًا للأهمية الاستراتيجية لليورانيوم النيجيري للقطاع النووي الفرنسي الذي غالباً ما ينشر معلومات وأرقام مُضللة عن الإعتمادية الفرنسية ليس علي المواردة التي تنهبها فرنسا من النيجر بل كذلك مع الدول الأفريقية الأخري المنهوبة وقد أتت شركة Orano لإستغلال يورانيوم النيجر بعد مجموعة Areva المملوك معظمها للدولة الفرنسية وتوقف مجموعة  Oranoفي النيجر يمثل أزمة وتحديا عمليا كبيرا لإمدادات الطاقة الفرنسية – كما أشرت – ففي فرنسا يوجد 18 محطة للطاقة النووية أو 56 مفاعلا نووياً تنتج ما يقرب من 65٪ من الكهرباء والإنتاج الفرنسي من اليورانيوم كان محدوداً وانتهى فعلياً لأسباب بيئية منذ أكثر من 20 عاما وعلى مدى العقد الماضي استوردت فرنسا ما يقرب من 90,000 طن خمس هذه الكمية من النيجر وكانت كازاخستان فقط – التي تمثل 45٪ من الإنتاج العالمي – مصدرا أكثر أهمية للإمداد لفرنسا .

تصدر Orano اليورانيوم بشكل أساسي إلى فرنسا التي كانت واحدة من أكبر ثلاث دول موردة لليورانيوم في النيجر في عام 2022 وكانت فرنسا قبل الإنقلاب العسكري في 26 يوليو2009 تكاد أن تكون مُحتكرة لليورانيوم النيجري فهذا الإحتكار وُوجه من الرئيس الأسبق Mamadou Tandja بأن أتاح للصين الشعبية الدخول في مجال إستغلال اليورانيوم(قدم بنك إكسيم المملوك للدولة الصينية قرضًا بقيمة تزيد عن 90 مليون دولار للحكومة النيجيرية لتطوير مشروع منجم زيليك لليورانيوم في عام 2009مما عزز موطئ قدم للصين في تأمين مخزوناتها من اليورانيوم) اوقد أطيح بالرئيس Mamadou Tandja في 18 فبراير2010 في إنقلاب عسكري بتدبير فرنسي/ أمريكي  ليس كما يدعون نتيجة الأزمة الدستورية في النيجر فهذا هراء لان فرنسا والولايات المتحدة لم ولن يعترضوا علي إنتهاكات الدساتير العربية وفي دول العالم الثالث طالما كان القادة المحليين ملك الأيادي الأمريكية لكن علاقات النيجر عادت بأشد تحدياً للأرادة الفرنسية مما كان الرئيس   Mamadou Tandjaفقد حافظ علي مضض علي هامش محدود وأقل توتراً مما هو عليه الآن للعلاقات الفرنسية مع النيجر فقد عادت هذه العلاقات وتوترت العلاقات منذ الانقلاب العسكري في النيجر بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني في 26يوليو2023 مما أدى إلى تحقيق الغاية التي تطلع إليها الشعب في النيجر لإنهاء الحضور الفرنسي في شمال النيجر حيث مناجم اليورانيوم وتصفية الوجود العسكري الذي وافق عليه بل إستدعاه الرئيس الأسبق Mahmadou Issoffou وبعد محمد بازوم الذي أطاح به إنقلاب 26 يوليو2023 كما طــُرد السفير الفرنسي في النيجر وبالتالي تم تصفية الوجودالإقتصادي والعسكري والدبلوماسي الفرنسي في النيجر وأمتدت هذه الموجة العاتية من الإنتقام من فرنسا التي أفقرت النيجر إمتدت إلي تشاد وبوركينافاسو ومالي( في مالي قالت شركة ريزولوت مايننج الأسترالية  في 18 نوفمبر2024 إنها أبرمت صفقة بقيمة 160 مليون دولار (151 مليون يورو) مع الحكومة العسكرية في مالي بعد أن تم “اعتقال” الرئيس التنفيذي للشركة واثنين من المسؤولين التنفيذيين الآخرين “هناك بشكل غير متوقع وقالت شركة ريزولوت إنها ستدفع للحكومة المالية 80 مليون دولار (75 مليون يورو) من “الاحتياطيات النقدية الموجودة” مع دفعة أخرى قدرها 80 مليون دولار في “الأشهر المقبلة فمنذ الاستيلاء على السلطة في بماكو تعهد زعماء مالي باستعادة عائدات مناجم الذهب من الشركات الأجنبية العاملة في مـــــالي ولم يتضح بعد متى سيتم إطلاق سراح هولوهان وزميليه اللذين لم يتم الكشف عن هويتهما وقالت الشركة أيضاً إنها تعمل مع الحكومة المالية بشأن الخطوات الإجرائية المتبقية للإفراج عن الموظفين الثلاثة مضيفة أنهم ما زالوا آمنين وبصحة جيدة وهذه هي المرة الثانية خلال الأشهر الأخيرة التي يتم فيها اعتقال موظفين في شركة تعدين أجنبية) والحبل علي الجرار .

إتــصــالاً بالموقف الحالي للسلطة العسكرية الحاكمة في النيجر والتي تذودعن مصالح النيجر الــعــليا  وتدافع عن موردها النقدي الوحيد من صادرات اليورانيوم يُذكر أنه قد سبق الإعلان في 28 أبريل 2017 (BBC NEWS) عن أن تحقيقاً برلمانياً في النيجر خـــُلـــص إلى أن شركة AREVA النووية الفرنسية العملاقة كانت مسؤولة وحدها عن صفقة يورانيوم مثيرة للجدل بقيمة 320 مليون دولار (250 مليون جنيه إسترليني( وتضمنت هذه الصفقة التي أبرمت عام 2011والمعروفة باسم “فضيحة اليورانيوم” شركات في النيجر وخارجها وقد بدأ الناشطون وقــتـــذاك في إتخاذ  إجراءات قانونية وأثارت هذه القضية ضجة بعد أن ذكرت إحدى الصحف المحلية أنها كانت بمثابة غطاء لمسؤولين لاختلاس الأموال العامة ولم يتوصل التقرير إلى أي دليل على ارتكاب أي مسؤول مخالفات وقالت شركة  AREVA إنها لا تستطيع التعليق على التقرير وقالت الشركة الفرنسية إنها لم تتلق التقرير بعد وكانت قد قالت في وقت سابق إنها تتعاون مع التحقيق الفرنسي في القضية  .

ليكن مفهوماً أن النـــيــجــر وهي تدير حرب اليورانيوم ضد فرنسا وكندا إنما تعي وتدرك جيداً تكلفة هذه الحرب علي إقتصادها القائم علي أعمدة قليلة أهمها عمود اليورانيوم وبالإضافة إلى التأثير على إيرادات النيجرالتي يمثل اليورانيوم الخاص بها ما بين 15% إلى 20% من صادراتها وفقًا للبنك المركزي لدول غرب أفريقيا كما أن هذا الوضع يشكل خطرًا على وظائف 750 موظفًا في شركة سومير إضافة لمقاولي المناجم من الباطن وإزاء هذا الوضع الحرج حاولت شركة أورانو النأي بعيداً عن الخلاف الدبلوماسي بين نيامي وباريس والابتعاد عن الأضواء ومواصلة العمل بشكل طبيعي لكنها فشلت فالنيجر منذ وقت طويل علي مستوي النخب المختلف والقاعدة الشعبية بها تشعر بأنها فريسة للفرنسيين وأنها مازالت تُمارس معها ذات نماذج الإستغلال إبان الفترة الإستعمارية الفرنسية وعاونها رؤساء من نوعية Mamadou Isoffou  ومحمد بازوم الذي أطاح به بغير رجعة إنقلاب 26 يوليو 2023 العسكري والذي نادت فرنسا بإعادته للسلطة ومعها الولايات المتحدة وأوروبا لا لشيئ إلا لإنه نوعية ردىئة من الرؤساء ودمية للفرنسيين يفعلوا بواستطه ما يشاءوا ومع ذلك تحاول Orano أن تروج لإنطباع كاذب بأنها حريصة علي رواتب الموظفين لديها ويكفي أن أشير إلي أمرين في بيان وحشية الشركات الفرنسية وضراوة تعاملاتها في النيجر فلطالما أشتكت منظمات المجتمع المدني المعنية بالبيئة والإصحاح البيئي شركة Areva التي سبقت Orano في العمل في مناجم النيجر لإهمالها صحة العمال والموظفين العاملين لديها إذ لم تُكلف نفسها إقامة ولو عيادة للكشف الدوري علي صدور عمالها المُصابين بسرطان الصدر نتيجة إستنشاقهم بودرة اليورانيوم المستخرج من مناجمه والتي لم تؤثر علي صحة هؤلاء فقط بل إن مياه الآبار والحيوانات والدواب في شمال النيجر لُوثوا بغبار اليورانيوم , أيضاً قال لي رجل أعمال نيجري ذات مرة أن Areva لم تُكلف نفسها شراء مبني ليكون ملكاً للشركة في النيجر رغم ثراؤها وعمدت دائماً لإستئجار مبني للإدارة حتي رحيلها عن النيجر , لكن علي الجبهة المقابلة لهذه الحرب أي جبهة فرنسا فإنها لا شك ستتأثر من عواقب الإستراتيجية التصفوية النيجرية فبحسب الأرقام  التي نشرتها وزارة التحول البيئي الفرنسية فإن 40% من استهلاك الطاقة في فرنسا يأتي من الطاقة النووية و28.1% من البنزين و15.8% من الغاز الطبيعي و12.9% من مصادر بديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية وتشير أرقام شركة الكهرباء الفرنسية “إي دي إف” إلى أن الطاقة النووية تولد 70.6% من إمدادات الكهرباء في البلاد مقارنة بالطاقة الكهرومائية بنسبة 11.2% وطاقة الرياح 6.3% والطاقة الشمسية 2.2%. وأكثر من هذا ففي فبراير2023 دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ” نهضة نووية ” من أجل “الابتعاد عن الوقود الأحفوري” من خلال بناء 14 مفاعلا نوويا جديدا , لكن الرئيس ماكرون مصدوم الآن من التطورات الجارية في النيجر وتسارع وتيرة تنفيذ المجلس العسكري في النيجر إستراتيجية تصفية النفوذ الفرنسي فقد وُوجه الرئيس ماكرون في سنة حكمه الأخيرة بأزمات حرجة له ولفرنسا فتصفية أعمال الشركات الفرنسية العاملة في مجال إستخراج اليورانيوم في النيجر تتزامن مع أخبار مؤلمة من شركاء أفارقة آخرين منذ فترة طويلة فتشاد أعلنت فجأة عن إنهاء اتفاقية دفاع مع باريس، في حين أكدت السنغال إصرارها على الإغلاق النهائي للقاعدة العسكرية الفرنسية في داكار .

وقد شجع الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت لاحق من ذلك الشهر البلدان على تقليص اعتمادها على واردات الغاز الروسي وأعطى زخما جديدا لتطوير الصناعة النووية ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن ينمو اعتماد فرنسا على اليورانيوم بشكل كبير في السنوات القادمة . أليست هذه تكلفة باهظة لحرب اليورانيوم الدائرة بين فرنــــســـا والــنـــيــجــر ؟  وتحاول فرنسا التظاهر بأن خسارتها ليورانيوم النيجر ليست بهذا الأثر الـضار فلمواجهة “خسارة” النيجر وعملياتها التعدينية سعت أورانو إلى طمأنة العملاء بشأن أمن الإمدادات الذي “يظل مضمونا بفضل تنوع مصادر إمداده” في مناطق أخرى  فوفقاً لرسم بياني  أصدرته الشركة عام 2021 بدأت فرنسا تبتعد تدريجياً عن اليورانيوم في النيجر وفي الوقت الراهن يأتي الجزء الأكبر من “الكعكة الصفراء” الآن من كازاخستان (2840 طناً) ثم منجم سومير في النيجر (1996 طناً) في المرتبة الثانية حتى عام 2023 كما ينتج منجم بحيرة سيجار في كندا 1788 طناً وفي الآونة الأخيرة بدأت فرنسا في النظر في إمكانية التعاون مع منغوليا أيضًا , وفي يوليو 2024 قال الرئيس التنفيذي لشركة أورانو نيكولاس مايس أن الشركة وهي أحد الموردين الرئيسيين لشركة إلكتريستيه دي فرانس ومشغلي محطات الطاقة النووية الآخري حافظت على الشحنات عبر مناجمها الأخرى في كندا وكازاخستان .

نظراً لإن موضوع الطاقة مسالة أمن قومي في فرنسا لذلك فقد عـمـدت فرنسا إلي الأخذ بإستراتيجية تنويع مصادر الحصول علي اليورانيوم منذ أن تعثر نهبها المنتظم ليورانيوم النيجر في عهد رئيس النيجر الأسبقMamadou Tandja الذي من القادة النيجريين الذين حاولوا إعتراض سبيل فرنسا في مواصلة النهب المنظم ليورانيوم النيجر وأتي بالصين لمنافسة فرنسا في مجال اليورانيوم توطئة للتخلص منها في النهاية , لكن مما لاشك فيه أن النيجر كمصدر للحصول المنتظم والرخيص نسسبياً – الآن – تعد مصدر قريب لفرنسا وبالتالي آمــن إلا أن الأمور تتغير للأسوأ لفرنسا في دول الساحل والصحراء فالعسكرية الفرنسية تتم تصفيتها في دول ساحلية وهذه الدول تراقب وتتبع أجهزة الإستخبارات الفرنسية وأختراقاتها لمختلف مؤسسات هذه الدول كنتيجة للإستراتيجية التصفوية المتبعة بهمة في النيجر ومالي وبوركينافاسو وأفريقيا الوسطي وتشاد وربما في بنين والجابوزنوموريتانيا والسنغال وغيرهم في المستقبل فالمتوقع تماماً أن تجنح فرنسا لأعمال إنتقامية تأخذ صورة أنـــشـــطــة هـدامـــة Sabotage وهو ما تعيه النظم الحاكمة الآن في النيجر ومالي وبوركينافاسو وتشاد والسنغال .

تــــقــــدير مـــوقــــف :

1- إن توقيت مضي النيجر (المجلس العسكري)  في التنفيذ الحازم والحاسم لإستراتيجة تصفية النفوذ الفرنسي سواء كان عسياسياً أو عسكرياً أو إقتصادي لدرجة أن المرء يشعر وكأن حــربـاً ضروساً  ضد فــرنـــســا تُدار بواسطة المجلس العسكري بالنيجر وتوقيت هذه الـــحـــرب هو الأسوأ بالنسبة لفرنسا لانه يتزامن مع أزمات أخري لنفوذ فرنسا في بوركينافاسو ومالي وتشاد وأزمات أخري للنفوذ الفرنسي المُتآكل في لبنان حيث لم يحسم النفوذ الفرنسي في لبنان وكان يُصنف علي أنه نفوذ قوي ومعهود إلا انه لم يكن سوي نفوذ سياسي بحت ومحدود ونطاقه كان الحكومة القائمة في بيروت التي يرأسها مــيـــقــاتي لكنها علي أية حـــال كانت أزمة مُستهلكة للجهود السياسية والدبلوماسية الفرنسية في وقت متزامع أزمات فرنسا في النيجر ودول الساحل أُضيف إليها الثورة السورية وإقتلاع نظام الأسد وهو نظام فاسد وواهن تفضل دولة كفرنسا أدمنت السلوك الإستعماري التعامل معه رغم خيارها السياسي والعسكري مع قوة دولية أخري كروسيا لكن الدبلوماسية الفرنسية مع ذلك مهتمة بمحاولة بيان نفوذها في سوريا رغم إنهماكها الدبلوماسي والسياسي بعيدا في قلب الصحراء الكبري , لذلك فتعدد الأزمات التي تواجهها الدبلوماسية الفرنسية وإختلاف موضوعاتها لا شك في أنه سيؤثر علي قدرة فرنسا في تناول وحل أو تسوية هذه الأزمة وفقاً للقاعدة الإدارية Portée de la gestion  ويُضاف إلي كل ذلك أنه يمكن أن تكونحـــرب الـــورانـــيـــوم مع الــنيــجــر أكثر حرجًا حيث تكافح الدول الغربية لمواجهة تحدي تغير المناخ وخفض انبعاثات الكربون من توليد الكهرباء  وتوليد الطاقة من اليورانيوم المُستخرج من النيجر خير مُعين لتنفيذ الإستراتيجة الغربية والفرنسية طبعاً لخفض إنبعاثات الكربون بفضل الطاقة النووية المولدة من اليورانيوم اذي مصدره سوق قريب وآمــن  كالنيجر .

2- الحزم والحسم الذي يبديه المجلس العسكري بالنيجر في إدارة حـــرب اليورانيوم رغم تكلفتها المتوقعة علي النيجر يعني بصفة مباشرة وعي وإستعداد المجلس العسكري لرود فعل إنتقامية فرنسية في مجالات أخري هامة جداً في مقدمتها التعليم ففرنسا في إطار ممارسة نفوذها الإستعمار تهتم بإستعمار العقول والنفوس وبالتالي فهي بالتأكيد تواصل دعم التعليم في النيجر وبوركينافاسو ومالي وتشاد بغية الحفاظ علي بقية من نفوذها والمجلس العسكري بالنيجر في سبيله لتصفية النفوذ الفرنسي في هذا المجال أعني في التعليم بمختلف درجاته وهذه المواجهة قادمة لا مناص فخطة المجلس العسكري بالنيجر هي إجتثاث النفوذ الفرنسي من جذوره ففرنسا فعلت الكثير في هذه الشعوب اكثر مما فعلته زمن إستعمارها الفعلي لهذه الشعوب .

3- قد تضطر فـــرنسا  مــُســـتــقــبــلاً الي التوجه وتركيز التعامل مع مصادربديلة بعيدة مثل كازاخـــستــان وكندا للحصول علي اليورانيوم للمحافظة علي توازن وكفاءة عمل مفاعلاتها النووية المولدة للطاقة الكهربائية وكذلك فقد تتوجه إلي روسيا والإخلال بنظام العقوبات الغربي الذي فرضت الولايات المتحدة علي حلفاءها  الأوروبيين كفرنسا أن تطبقه علي روسيا في إطار عقابها علي غــزو أوكرانيا في 22 فبراير2022 وأعلان الحرب عليها كذلك تجدر الإشارة بأن روسيا كانت مهتمة بأصول المجموعة الفرنسية في النيجر وبالفعل قام وفد روسي بزيارة سرية إلى نيامي في 29 نوفمبر2024 خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك التقوا بالسلطات ووزير المناجم ولم تكن تعلق علي هذا التحرك شركة روساتوم أو المجلس العسكري بالنيجر .

4- ســـتعمل النيجر على تعزيز شراكاتها البديلة مع إيران المشتري المحتمل لليورانيوم والصين التي تستثمر بالفعل في استغلال النفط في النيجر بمنطقة Agadem ويبدو أن النيجر قد قامت بالفعل بعقد هذه الشراكات وغيرها مع دول(أسواق) متعددة بديلة وهذا ما يفسره أو يؤكده الحسم والحزم في تصفية وجودفرنسا في مجال إستخراج يورانيوم النيجر وإلا كانت عرضت إقتصادها الضعيف لمزيد من الخطر فالمجلس العسكري بالنيجر لن يخوض حـــرب اليورانيوم مع قوة إستعمارية عاتية كفــرنـــســا دون أن يكون حــذراً بمافيه الكفاية وأعتقد أن روسيا وإيران وراء هذه القوة التي إكتسبتها النيجرمن حلفاءها القادمين في مجال إستخراج اليورانيوم وتدير الــنــيــجــر لذلك حــربــها في مجال اليورانيوم مع فــرنــســا وهي  آمـــنـــة مــُطــمئــة , ولا شك أن روســيــا مــدينة للمجلس العسكري بالنجر فحرب اليورانيوم التي تخوضها ضد فرنسا من شأنها كسر أو إضعاف نظام العقوبات الحالية علي روسيا  .

5- تـبــذل الولايات المتحدة وفرنسا أـقصي جــهــودهــمـا وإستخدام كل ما يتوفر لديهما من قدرات إستخباراتية لإقـصـاء المجلس العسكري بالنيجر عن السلطة أو إضعافه لسيين أولهما : ما إتخذه من قرارات لتصفية الوجود العسكري الفرنسي والامريكي في النيجر في اعقاب إنقلاب 26 يوليو2023 ثانيهما أن بقاء هذا الإنقلاب قوياً في السلطة في النيجر سيمكنه من : (1) أن يكون نموذجاً حــيــاً للنظم الأفريقية المجاورة قد تحذو حــذو النيجر فيما بعد و(2) أن طول المدة سيؤهل المجلس العسكري بالنيجر لإكتساب حلفاء جدد هم في الغالب حصوم أو أعداء للولايات المتحدة وفرنسا والغرب عموماً سواء كان هؤلاء الحلفاء قوي دولية(كالصين وروسيا والهند) أو حلفاء أقليميين , ولذا فخطة الخلاص الغربية من المجلس العسكري بالنيجر مقيدة بالزمن والقدرة علي الفعل   .

6- القاعدة المعمول بها في السياسة تشير إلي أن الإنقلابات العسكرية ضارة وطاردة ومعوقة للتنمية وهذه القاعدة صادقة وثابتة حتي وقتنا الحاضر في العالم العربي والعالم الثالث لكن إنقلاب النيجر وبوركينا فاسو ومالي برهن علي أن لهذه القاعدة الثابتة كالطودالشامخ إستثناء عملي نعيشه ونراه حــيــاً فــعـــلاً ويا ليت العسكريين البؤساء في عالـمـنـا الـعـــربي يتنكبوا خطوات  العسكريين الأفارقة في النيجر وبوركينا ومالي  ليفعلوا الــخـيــر مــثـلهم ولو لمرة واحـــدة في حياتهم قبل أن يلقوا الله سبحانه وتعالي يوم الــحـــشر الــعــظيــم ويُســألوا عن ضــيــاع أوطانهم وشعوبهم بسبب إســـتــعــبــاد الـــغــرب لــهم  الذي يـبـقـيـهـم علي كراسي وعروش ســـلـــطــة زائــلة لا قــيــمــة لــها يوم الــعـــرض الــعــظـــيــم .

7- كل هذه التطورات السلبية التي تواجهها فرنسا والولايات المتحدة في أفريقيا تشير بصفة لا لبس فيها إلي أن الـــغـــبـاء السياسي منتج إستهلاكي لدي كثير من ساسة فرنسا والولايات المتحدة فلو تأملنا ما يحدث من تطورات مضادة للمصالح الأمريكية والفرنسية في الأعوام الأخيرة في أفريقيا لتأكدنا من هذه الحقيقة .

الـــنـيــجـــر ســـتـــظــفــر بـــشــرف  الإنتــصــار في حـــربـــها مـع فرنسا وغيرها  بإذن الله سبحانه وتعالي لأنها قـررت ذلك ولإن مــنـــشــأ هذا القرار الـــشــعب وهم أعضاء المجلس العسكري النيجري من الـــشــعــب .

الـــــــــــســـــــفـــــــــيـــــــــر : بــــــــــــــــلال الـــــمـــصـــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــقاهـــرة / تــحـــريراً في 19 ديسمــبــر 2024

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى