الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

لماذا استهدفت سوريا ؟

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

نناقش في هذه المقالة الزلزال السوري المتمثل بالانهيار الجيو-استراتيجي والجيوبوليتيك والجيو-أمني الذي حصل في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، بسبب انهيار نظام بشار الأسد بهذه الطريقة السريعة. فهذا الانهيار السريع يدلل على أنه تم الإعداد له منذ سنوات وبالتحديد الحصار المطبق على سوريا اقتصاديًا الذي نتج عنه وضع اقتصادي مزر للشعب وللنظام، لرفض سوريا توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل شبيه باتفاقية أوسلو ووادي عربة مع الأردن، ولرفض التطبيع مع إسرائيل، وعدم التخلي عن فلسطين، ودعم كل حركات المقاومة الفلسطينية ومساندتها، ورفض كل المغريات المادية والاقتصادية حتى يتنازل الأسد عن دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وقد زاد شدة الاستهداف لسوريا منذ النصر الأول للبنان عام 2000 ومن ثم عام 2006، حيث أدركت إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية أن من يشكل الشريان التاجي المسؤول عن تغذية حزب الله وبناء قوته العسكرية هو النظام السوري عن طريق فتح مجالاته الجغرافية جسرًا للإمداد الإيراني لحزب الله، بالإضافة إلى الأطماع الإسرائيلية وتلاقيها مع الأطماع التركية في سوريا.

فيمكن القول أن حزب الله هو الذي وقف مع الأسد وحماه، وحمى سوريا من السقوط في يد الإرهاب الدولي التكفيري. فعلى هذا الأساس، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا الوضع، وتلاقت المصالح والأطماع بانشغال الحزب في الوضع الداخلي، والخسارة الفادحة في القيادات وفي مقدمتهم الأمين العام السيد الشهيد حسن نصر الله، والتحولات الحاصلة في الشرق الأوسط لتحريك مقاولي الحروب للسيطرة على سوريا من أجل تفكيك حلف المقاومة وصولاً لضرب إيران قريبًا.

ولتوضيح ذلك، يكشف سامي مبيض في مقدمة كتابه الذي صدر عام 2017، بعنوان غرب كنيس دمشق: محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري 1914 – 1954، عن اجتماع سري دار في تل أبيب بين موشي شاريت قبل استقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية وسلفه الأب المؤسس للدولة العبرية ديفيد بن غوريون. قال بن غوريون إن إسرائيل تحتفل قريباً بالذكرى العاشرة لاستقلالها، وإنها لا يمكن أن تستمر وتنمو في ظل نهضة كل من سوريا ولبنان والعراق على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فاقترح شاريت بث الفوضى وإشعال نار الفتنة في جميع هذه الدول، وأن يبدأ الخراب من العراق، لكن بن غوريون رفض. ثم اقترح شاريت أن يبدأ بلبنان، إلا أن بن غوريون عارضه مجدداً. ثم اقترح أن يبدأ بسوريا، فوافقه بن غوريون. والوضع اليوم في كل من سوريا والعراق ولبنان وغيرها من الدول العربية يؤكد على أن هذا الدمار الحاصل هو صنيعة إسرائيل وأدواتها المتمثلة في المجموعات المسلحة تحت مسميات مختلفة -مقاولي الحروب- وهو مخطط قديم منذ عدة عقود لأنها عنوان العروبة والمقاومة والقومية، فاستهداف سوريا والعداء لها هو من أجل إطالة عمر الاحتلال لفلسطين والأراضي العربية.

استنادًا إلى ما سبق، فقد استطاعت إسرائيل بعد قرن من المحاولات والتخطيط والاستهداف وبمساعدة تركيا والولايات المتحدة والبعض العربي على تحقيق أحلامها في اختراق المجتمع السوري، وتنصيب من يحافظ على هذه الاختراقات وعلى هندسة المجتمع السوري نحو تقبل إسرائيل، وعدم النظر لها على أنها دولة تحتل الأراضي السورية والعربية والفلسطينية. فالحكومة الجديدة لم تعلق على تدمير سوريا من قبل الطائرات الإسرائيلية بأكثر من ألف ضربة، هذا الاعتداء الذي لم يمر في التاريخ بأن تقوم دولة بتدمير دولة ثانية بكل مكوناتها.

ففي 27تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل لينهي سنة ونيّفا من المواجهات العسكرية عبر الحدود، وشهرين من الحرب المفتوحة بين الطرفين، وبنفس اليوم صرحت وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك، إن وقف إطلاق النار مع لبنان مؤقت لخدمة أهداف استراتيجية لا يمكن الكشف عنها، وفي نفس الوقت منع نتنياهو وزراء حكومته والمجلس المصغر الأمني من الخوض في أي تفاصيل وبعدها بساعات حصلت كارثة انهيار النظام، بسرعة البرق وسيطرت الجماعات المسلحة المدعومة من قبل أمريكا وتركيا ومن خلال تمهيد الطريق لهم بأكبر عملية قصف في التاريخ الحديث من قبل إسرائيل لسوريا، حيث تم تدمير البنية التحتية العسكرية والاستراتيجية لدولة سوريا، ووصل عدد طلعات القصف لسوريا أكثر من ألف غارة في يومين فقط، وبمشاركة مئات الطائرات واستمرت الغارات الإسرائيلية حتى بعد سقوط النظام لعدة أيام لجميع المناطق في سوريا التي طالت جميع المستودعات العسكرية وكل ما يمت للجيش السوري بصلة، واحتلت إسرائيل أجزاء كبيرة من الأراضي السورية لتصل على بعد 15 كيلو عن العاصمة دمشق، واحتلت حتى 20كانون الأول/ديسمبر 2024، أكثر من 480 كيلومتراً مربعاً من الأراضي السورية، وأحدثت تغيرات استراتيجية على الساحة السورية بظل صمت دولي وعربي وحتى من قبل الجماعات السورية التي سميت “بالثوار” على ما تفعله إسرائيل من تدمير جميع مكوناتها الاستراتيجية لإعادة سوريا إلى الوراء خمسة عقود، وهذا يقودنا إلى السؤال لماذا سوريا؟، وهل يقبل السوري احتلال أجزاء من أرضه من قبل إسرائيل؟.

إن إعلان تحالف استراتيجي بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية والجماعات المسلحة وإسرائيل هو نتيجة للتردي العربي الرسمي والمساندة الدولية للمشروع الصهيوني، إضافة للتلاعب بالنظم السياسية العربية وتغيير للأنظمة التي لا تقيم علاقات تطبيع مع إسرائيل والضغط عليها للاستسلام للمشروع الصهيو-أمريكي والضغط على الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل لفتح المجال واسعًا لاستخدامها كما تريد إسرائيل.

ولابد من التأكيد على أن تصريح الشيخ حمد بن جاسم لـ BBC يكشف فيه على مقدار ما أنفق من أموال على الحرب في سوريا من يوم انطلاقها إلى حد الآن الذي تجاوز 137 مليار دولار، مبيناً أن أمراء التنظيمات المسلحة استغلوا وفرة الأموال فأصبحوا من أصحاب الملايين وأن عمليات الانشقاق في صفوف الجيش السوري كانت أغلبها تجري بإغراءات مالية فالعسكري الذي ينشق كان يحصل على 15 ألف دولار أمريكي والضابط يحصل على 30 ألف دولار أمريكي، وقال حمد بن جاسم لقد لعبنا دورًا كبيرًا في تدمير مصر وليبيا وسوريا واليمن وجميعها كانت بأوامر أمريكية.

ففي ظل الاستهداف الإسرائيلي لسوريا تم إشغال المنظومة الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية بأكبر عملية تضليل للشعوب من خلال التركيز على سجن صيدنايا، واشتغلت بكثافة البروباغندا والإشاعات والأكاذيب التي تُدار من أجهزة الاستخبارات الغربية والموساد بالتعاون مع الإعلام العربي لنشر سرديات غير واقعية خدمةً للمشروع الإمبريالي، وللتغطية على المأساة الحقيقية بإنهاء القدرات العسكرية وتدمير سوريا، وإعادة الثقة في الإسرائيليين من خلال إعادة صورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر ولا يهزم، وترميم قوة إسرائيل وجيشها وصورتها العسكرية وقدرتها على حماية المشروع الاستعماري الغربي في الشرق الأوسط من خلال إحباط الفلسطينيين والعرب الذين ارتفعت معنوياتهم بعد السابع من أكتوبر، وكل مَن تبنى وساهم في نشر هذه الأكاذيب والإشاعات والفبركات خدم المشروع الصهيوني، فهذا المشروع سيقضي على الوطن العربي عاجلاً أم آجلاً.

وفي نفس الصدد، أكدت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية ضلوع واشنطن في الأحداث الأخيرة في سوريا بهدف صرف الأنظار عن الإبادة الجماعية الصهيونية المستمرة في غزة. وسارت الأحداث في سوريا وفق ما خططت له الإدارة الأميركية، خدمة لمشاريعها وحرفاً للأنظار عن تورطها المباشر وشراكتها في الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة. وأضافت أن البيت الأبيض يسعى إلى إعادة صياغة سياسته في الشرق الأوسط على أنها سياسة ناجحة مع تسليط الضوء على أن دعم جو بايدن القوي لإسرائيل ونهجه في المنطقة مهد الطريق للأحداث التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بالأسد وأنها يمكن أن تجلب حقبة جديدة من التعاون بين واشنطن والسلطة الجديدة في سوريا، بدورها، تحدثت صحيفة جيروزاليم بوست أنه ينبغي للصهاينة أن يفخروا بدورهم ومساهمتهم في سقوط هذا النظام الذي يشكل نقطة تحول في الشرق الأوسط وله آثار مهمة بدأت تتكشف لإسرائيل. ومن هذا المنطلق جاء تصريح مكتب نتنياهو في 22كانون الأول/ديسمبر 2024، “نحن من أسقطنا الأسد”، ليؤكد ما ذهبنا له من تحليل من يقف وراء هذا الاستهداف.

وعلاوة على ذلك، دعا “زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع والمعروف بكنية أبو محمد الجولاني”، إلى رفع العقوبات على سوريا، بالإضافة إلى جماعته المصنفة إرهابيًا بحسب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وغيرها، وقال الجولاني إنه لن يسمح بأن تكون بلاده منصة “لشن الهجمات ضد إسرائيل”. على الرغم من أنه لم يحرك ساكنًا ضد الاستهداف الإسرائيلي لسوريا بعد انهيار النظام، فبعد الانهيار تم تدمير سوريا من قبل إسرائيل وبضوء أخضر وصواريخ أمريكية وتم احتلال الأراضي السورية، فكل الادعاءات من قبل ما تسمى المعارضة وإسرائيل وأمريكا والغرب والعرب حول النظام جميعها كانت غطاء لتدمير سوريا من خلال المقاول الجولاني، حيث أصبح الواقع الجيوسياسي للدولة السورية مقسمًا إلى ثلاثة أجزاء جزء بيد أمريكا وجزء بيد تركيا وجزء بيد إسرائيل وبعض المحافظات بيد الجولاني فكيف سيحكم بلدًا مثل سوريا؟.

وعليه، تعمل أمريكا على هندسة الشرق الأوسط وتسييد إسرائيل، وإعادة الاعتبار لدورها وقوتها في حماية نفسها وللمشروع الاستعماري. فقد منح دونالد ترامب الجولان إلى إسرائيل وهو من قال قبل انتخابه مرة ثانية أنه سيعمل على توسيع حدود إسرائيل، فقد تم إنهاء الأهمية الجيو الاستراتيجية لسوريا، فقد اشتغل المشروع الصهيو أمريكي منذ عقود على تجزئة المجزأ وتقسيم المقسّم وتفكيك المفكك، عبر تدمير سوريا، ليس من أمريكا وحدها ولكن من أوروبا وحتى من قبل جامعة الدول العربية التي علقت عضوية سوريا في 12تشرين الثاني/نوفمبر 2011، لحين إعادة مقعد سوريا للجامعة عام 2023، وقد كانت مشاركة الأسد في القمة العربية التي عُقدت في المنامة في 16أيار/مايو 2024، هي المشاركة الثانية.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى