الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

دور اتفاق أنقرة في تعزيز التعاون الثلاثي (تركيا- الصومال-إثيوبيا)

اعداد : هبة المُعز – باحثة دكتوراه، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد :

تعد منطقة القرن الإفريقي من المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية الكبيرة على المستوى الإقليمي والدولي،  حيث تتسم بتنوعها الثقافي والجغرافي والتحديات الكبيرة التي تواجهها، كما تضم دولاً تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، ونزاعات إقليمية، وأزمات إنسانية، وجاءت اتفاقية أنقرة بين تركيا والصومال و إثيوبيا لتعزيز التعاون الثلاثي بين هذه الدول لتشكل خطوة هامة في مسار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز الشراكات في مختلف المجالات مثل( التجارة، والأمن، والتعليم)، مما يعكس التوجهات التركية نحو بناء علاقات استراتيجية مع دول القرن الإفريقي، وفي هذا السياق تسعى العديد من الدول الإقليمية والدولية إلى تعزيز دورها في المنطقة.

وتعتبر تركيا من أبرز الدول التي تبذل جهوداً ملموسة في تعزيز علاقاتها مع دول القرن الإفريقي، لاسيما الصومال وإثيوبيا، وفي هذا الإطار؛ تم توقيع اتفاقية أنقرة التي تجمع تركيا مع الصومال  وإثيوبيا، لتأسيس تعاون ثلاثي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتضمن الاتفاقية عدة مجالات متعددة مثل التجارة والاستثمار، والدعم العسكري والأمني، التعاون في قطاعات التعليم والصحة،  فضلاً عن تعزيز التبادل الثقافي والدبلوماسي بين الأطراف المعنية.

وتعتبر تركيا من خلال هذه الاتفاقية، لاعباً محورياً في جهود إعادة بناء وتنمية دول القرن الإفريقي، حيث تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي، وتعميق الروابط مع الصومال وإثيوبيا في إطار استراتيجية شاملة تركز على تعزيز التعاون والتنمية المستدامة، وكذلك معالجة القضايا الأمنية المشتركة التي تمثل تحدياً حقيقياً للمنطقة، وسنوضح في هذه الورقة، طبيعة وأهمية اتفاق أنقرة، التأثير السياسي والاقتصادي والأمنى على الدول الثلاث في ظل اتفاق أنقرة، انعكاسات هذا الاتفاق على مصر.

المحور الأول: طبيعة وأهمية اتفاق أنقرة

تعود جذور الخلاف بين إثيوبيا والصومال إلى إقليم أرض الصومال المنفصل (صوماليلاند) منذ عام 1991، غير المعترف به من أي دولة حتى الآن، غير أن التوترات الإقليمية اندلعت بين مقديشو وأديس أبابا عندما وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في الأول من يناير الماضي تقضي باستخدامها ميناء بربرة على البحر الأحمر في مقابل اعتراف إثيوبيا بإقليم أرض الصومال دولة مستقلة، حيث شكلت تلك المذكرة أهمية محورية لإثيوبيا -الدولة غير الساحلية- لأنها ستمنحها إمكانية الوصول المباشر إلى البحر الأحمر لأول مرة منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، بعد أن فقدت إثيوبيا قدرتها على إجراء التجارة البحرية عندما انفصلت إريتريا عنها قبل أكثر من ثلاثة عقود(1).

ومن العاصمة التركية أنقرة وبحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، أعلن كل من الصومال وإثيوبيا يوم 11 ديسمبر الجاري توقيع “إعلان أنقرة” الذي مثل خلاصة جهود الوساطة التركية المستمرة منذ أشهر، التي تشكل المحاولة الدبلوماسية الأنجح حتى الآن لتفكيك إحدى العقد المستعصية في القرن الأفريقي  المضطرب، مثلت هذه الخطوة نقلة مفاجئة بعد التعثر الذي انتهت إليه جولة التفاوض غير المباشر الأخيرة في أغسطس، مما استدعى تأجيل الجولة الثالثة التي كان من المفترض عقدها في سبتمبر، وحسب نص الاتفاق الذي نشرته وزارة الخارجية التركية، فقد أكد كل من الطرفين احترامه سيادة ووحدة أراضي الآخر، مع التخلي عن “الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والمضي قدما بشكل تعاوني لتحقيق الرخاء المشترك”، كما اتفق البلدان أيضاً على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر”موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية” بما يحقق المنفعة المتبادلة(2).

وفي إطار هذا الاتفاق؛  تسعى الدول الثلاث إلى تعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف من خلال التعاون في مجالات  مكافحة الإرهاب، وتنمية البنية التحتية، وتطوير المشاريع الاقتصادية المشتركة، كما يهدف الاتفاق إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، ويعكس دور تركيا المتزايد في الشؤون الإفريقية بشكل عام وفي منطقة القرن الإفريقي بشكل خاص، ويأتي هذا الاتفاق في وقت حساس  للغاية، حيث تعاني المنطقة من تحديات أمنية واقتصادية كبيرة، مما يجعل التعاون بين هذه الدول أمراً حيوياً لتحقيق مصالحها المشتركة، وتعزيز فرص التنمية والسلام، وتأتي أهمية هذا الاتفاق الذي أبرم بين الدول الثلاث على النحو الآتي:

  • تعزيز الاستقرار الإقليمي؛ من خلال التعاون الأمني والاقتصادي، يسعى الاتفاق إلى تعزيز الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي التي تعاني من أزمات سياسية وأمنية طويلة الأمد، ومن خلال هذا التعاون تأمل الدول في تقليل تأثيرات الجماعات المسلحة، وتحقيق الاستقرار الذي يعود بالفائدة على الجميع.
  • دور تركيا كمحور رئيسي في السياسة الإقليمية؛ أصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في السياسة الإقليمية في القرن الإفريقي، وهذا الاتفاق يعكس استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في المنطقة، حيث تقدم الدعم العسكري والإنساني لدول مثل الصومال، مما يعزز موقعها في إفريقيا.
  • تقديم تركيا الدعم التدريبي والتقني؛ ستعمل تركيا على تزويد المعدات للجيش الصومالي بما يشمل تطوير وتحديث القوات البحرية، بجانب بناء منشآت أمنية أحادية ومشتركة وإدارتها، والتعاون في مكافحة التلوث البحري. وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات جميعا على الموافقة من السلطات في تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقه الأمنية بالكامل أمام أنقرة(3).
  • الاتفاق فرصة ناجحة للدولتين( الصومال وإثيوبيا)؛ سيعطي الدولتين فرصة لترتيب أوراقها السياسية من جديد وإعادة الأولويات والتركيز على أوضاعها الداخلية بما في ذلك التوجه نحو المصالحة السياسية مع شركائهما في القرار السياسي وإخماد بؤر التوترات المشتعلة في بلديهما وتحديدا الصومال التي تريد إعادة اطلاق العمليات العسكرية ضد الإرهاب(4).
  • تعزيز نفوذ تركيا في القرن الأفريقي؛ تسعى تركيا في تحقيق أهداف عسكرية جيوسياسية، لتأمين مصالحها ولعب دور ومنافسة القوى العظمى في تلك المنطقة الحساسة في مسار التجارة العالمية عبر باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، كما تسعى أيضاً في تحقيق أهداف اقتصادية تتمثل في الانتشار بالقارة السمراء وزيادة صادراتها إليها، فضلاً عن الحصول على المواد الخام من النفط والغاز، حيث في هذا الصدد بأن الصومال يمتلك احتياطياً كبيراً من النفط والغاز، وبأن الشركات التركية لديها رغبة كبيرة في الاستفادة من تلك الاحتياطيات كون أنقرة ليست دولة منتجة لتلك المواد بكثافة، وأبرز دليل إرسال سفينة تنقيب تركية إلى مقديشو مؤخراً، مؤكداً أينما وجد الغاز والنفط، تظهر التحركات التركية(5).
  • دور الوساطة في النزاعات الإقليمية؛ في إطار تعاونها الثلاثي، يمكن أن تلعب تركيا دوراً مهماً في الوساطة بين الصومال وإثيوبيا في حالة حدوث توترات أو خلافات، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالحدود أو الصراعات الداخلية.
  • التعاون الاقتصادي والتجاري؛ تعمل تركيا على تعزيز العلاقات التجارية بين الصومال وإثيوبيا، مما يساهم في تعزيز الاستثمارات والبنية التحتية في هذه الدول، وتساعد تركيا أيضاً في تشجيع الشركات على الاستثمار في هذه المناطق، مما يعزز النمو الاقتصادي.

المحور الثاني: التأثير السياسي والاقتصادي والأمني على الدول الثلاث في ظل اتفاق أنقرة

شهدت منطقة القرن الإفريقي  تطورات استراتيجية هامة نتيجة لتنامي التعاون بين دول المنطقة وقوى دولية مؤثرة، ومن أبرز هذه التحركات هو اتفاق أنقرة بين تركيا والصومال وإثيوبيا، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين الدول الثلاث، ويأتي هذا الاتفاق في سياق محاولات تركية لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية، خاصة  في ظل التحولات الإقليمية والتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها دول القرن الإفريقي، وعلى الرغم من أن هذا التعاون يعكس تطوراً ايجابياً في العلاقات بين هذه الدول ، فإنه يحمل في طياته العديد من التأثيرات السياسية والاقتصادية التي قد يكون لها تداعيات على استقرار المنطقة والعلاقات الإقليمية.

وشكل اتفاق أنقرة منعطفاً حاسماً في المشهد السياسي والاقتصادي للقرن الإفريقي، فقد نجح هذا الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه بوساطة تركية في إعادة تشكيل العلاقات بين تركيا والصومال وإثيوبيا، ووضع حجر الأساس لبناء شراكة استراتيجية جديدة، ومنذ توقيع الاتفاق شهدنا تحولات عميقة في المنطقة، حيث  شهدنا تعزيزاً كبيراً للنفوذ التركي في المنطقة وزيادة في الاستثمارات التركية في الصومال وإثيوبيا، وتسعى تركيا إلى توسيع نفوذها الإقليمي والدولي، وتعزيز علاقاتها مع هذه الدول الاستراتيجية، فالصومال الذي يعاني من تحديات أمنية وسياسية منذ سنوات،  ويرى في تركي شريكاً موثوقاً في جهود إعادة البناء والتنمية، بينما تعتبر إثيوبيا تركيا حليفاً مهماً في تعزيز قوتها الاقتصادية والأمنية، وفي المقابل تستفيد تركيا من هذا التعاون في تعزيز موقعها كقوة إقليمية في إفريقيا، وتحقيق مصالحها الاقتصادية والأمنية، سنتناول التأثيرات السياسية والاقتصادية والأمنية  لهذه الدول على النحو الآتي:

أولاً: التأثير السياسي في ظل التعاون الثلاثي بين تركيا والصومال وإثيوبيا

  • التأثير السياسي على تركيا؛ تسعى تركيا من خلال اتفاقاتها مع الصومال وإثيوبيا إلى تعزيز نفوذها السياسي في منطقة القرن الإفريقي، وتعمل على تفعيل دورها الإقليمي كمحور رئيسي في السياسة الدولية، مما يساهم في زيادة حضورها في المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي، كما تسعى تركيا إلى أن تكون لاعباً رئيسياً في تحريك العلاقات بين الدول الإفريقية والعالم.
  • التأثير السياسي على الصومال؛ تستفيد الصومال من دعم تركيا المستمر في الجوانب السياسية والتنموية، حيث تشكل أنقرة إحدى أكبر شركائها في إعادة بناء الدولة الصومالية بعد سنوات من الصراع، وهذا الدعم يمنح الحكومة الصومالية دعماً سياسياً دولياً، ويساهم في تعزيز استقرارها الداخلي.
  • التأثير السياسي على إثيوبيا؛ يسهم التعاون مع تركيا في تقوية علاقاتها الإقليمية والدولية، فتركيا تعتبر طرفاً محايداً نسبياً في النزاع الإقليمي بين إثيوبيا والدول المجاورة، مما يمنحها دوراً دبلوماسياً مهماً في حل الأزمات الإقليمية.

ثانياً: التأثير الاقتصادي في ظل التعاون الثلاثي بين تركيا والصومال وإثيوبيا

  • التاأثير الاقتصادي على تركيا؛ من خلال التوسع التوسع التجاري، قد يفتح أسواقاً جديدة لمنتجات وخدمات الشركات التركية في منطقتين مهمتين في القرن الإفريقي(الصومال وإثيوبيا)، وتعتبر هذه الأسواق واعدة بالنظر إلى النمو السكاني الكبير والاحتياجات الاقتصادية المتزايدة، ويمكن أن يسهم الاتفاق في زيادة الصادرات التركية من السلع والخدمات مثل المواد الغذائية والآلات والمعدات الصناعية والمنتجات التكنولوجية، بالإضافة إلى توسيع العلاقات التجارية مع دول أخرى في القارة الإفريقية قد يؤدي إلى المزيد من الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع دول أخرى في المشتقبل، كما تعزيز الاستقرار الإقليمي سيساعد في زيادة الاستثمارات الأجنبية في المنطقة بما يعزز الاقتصاد التركي أيضاً من خلال تعزيز علاقاتها التجارية مع المستثمرين الدوليين الذين يبدون اهتماماً بمنطقة القرن الإفريقي، في حين أن تقديم المساعدات التركية للصومال قد يخلق فرص عمل للشركات التركية في الخارج مما يساهم في تحسين صورة تركيا كداعم رئيسي في المنطقة.
  • التأثير الاقتصادي على الصومال؛ يعاني الصومال منذ سنوات من تحديات في إعادة بنيته التحتية بعد سنوات من الحرب الأهلية، حيث كانت تركيا من أبرز الدول الداعمة للصومال في هذا المجال، ومن خلال الاتفاق قد تزيد استثماراتها في مشاريع إعادة الإعمار، مما يوفر  فرص عمل ويعزز من النشاط الاقتصادي، كما تشجيع الاستثمارات التركية قد يفتح المجال أمام الشركات التركية للاستثمار في الصومال خاصة في قطاع الطاقة والتصنيع والاتصالات، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وتحقيق نمو اقتصادي محلي.
  • التأثير الاقتصادي على إثيوبيا؛ سيساهم اتفاق أنقرة في تعزيز الاستثمارات  التركية  في إثيوبيا من خلال زيادة الاستثمارات في البنية التحتية لأن تركيا تتمتع بخبرة كبيرة في تطوير مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والجسور والسدود والمطارات، وفي إطار هذا الاتفاق قد تتوسع استثمارات الشركات التركية في إثيوبيا مما يساعد في تحسين البنية التحتية، وهو ما يعد عنصراً أساسياً لتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد، كما تستثمر تركيا بشكل كبير في قطاع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح مما يساهم في تطوير مشروعات الطاقة في إثيوبيا، ويعتبر هذا القطاع من الأولويات في البلاد لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء وتحقيق النمو الصناعي، كما سيساهم هذا الاتفاق في  في تسهيل تدفق السلع الإثيوبية إلى تركيا ومن أهم هذه المنتجات البن، الزيتون، المنتجات الحيوانية، وتعد تركيا سوقاً رئيسياً للعديد من السلع، كما سيساهم التعاون في نقل تقنيات الانتاج الحديثة إلى إثيوبيا مما يعزز القدرة الإنتاجية في القطاعات الحيوية مثل الأغذية، والمشروبات، والأدوية، والنسيج.

ثالثاً: التأثير الأمني في ظل التعاون الثلاثي بين تركيا والصومال وإثيوبيا

في ظل اتفاق أنقرة بين تركيا والصومال وإثيوبيا ستكون متعددة، حيث تستهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي والتعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، ويفتح هذا الاتفاق المجال للتعاون في عدة مجالات أمنية من خلال التنسيق بين الدول الثلاث، ويعزز من الجهود المشتركة لمكافحة التهديدات الأمنية الإقليمية، سنتناولها على النحو الآتي:

  • مكافحة الإرهاب والتطرف؛ يواجه الصومال تهديداً مستمراً من جماعة حركة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة فتعاونها مع تركيا سيساهم في الحد من التطرف والإرهاب، وقد يساهم أيضاً في تعزيز القدرات العسكرية والاستخباراتية للصومال، فتركيا تمتلك خبرات في مكافحة الإرهاب وقد تقدم دعماً فنياً وعسكرياً للصومال في هذا المجال.
  • مكافحة القرصنة البحرية؛ فالصومال بحكم موقعهالاستراتيجي على سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي، يعاني من تهديدات القرصنة البحرية التي تؤثر على التجارة الدولية، فالتعاون بين تركيا والصومال قد يسهم في تعزيز الأمن البحري
  • استقرار البحر الأحمر؛ التعاون الأمني بين تركيا والصومال وإثيوبيا يمكن أن يعزز الأمن في البحر الأحمر والمحيط الهندي، خاصة في مواجهة القرصنة والهجمات الإرهابية على السفن التجارية، مما يساهم في استقرار حركة التجارة الدولية.
  • الحد من التدخلات الأجنبية؛ يمكن أن يساهم الاتفاق في تقليل التدخلات الأجنبية في المنطقة، خصوصاً من قوى مثل الإمارات والسعودية، اللتين كان لهما تأثيرات في الصومال وإثيوبيا، فالتعاون بين الدول الثلاث قد يوفر إطاراً أمنياً مستقراً يعزز استقلالية القرار السياسي لهذه الدول.

المحور الثالث: انعكاسات اتفاق أنقرة للدول الثلاث(تركيا-الصومال-إثيوبيا) على مصر

تعد مصر من أكثر الدول المعنية بالأزمة الصومالية الإثيوبية، من جهة أولى لأن أي اضطراب في منطقة القرن الإفريقي وباب المندب، لا شك ينعكس سلباً على المصالح المصرية المتعلقة بالملاحة البحرية عبر قناة السويس، ومن جهة ثانية لا تزال الأزمة المصرية الإثيوبية السودانية الناشئة، بسبب التعنت الإثيوبي في تسوية الخلافات بين البلدان الثلاثة حول تشغيل سد النهضة الإثيوبي دون تسوية(6).

وشهدت العلاقات بين مصر والصومال تقارباً في الآونة الأخيرة، إذ وقعتا بروتوكول تعاون عسكري، في أغسطس الماضي، سرعان ما دخل حيز التنفيذ بعد وصول شحنة مساعدات عسكرية مصرية إلى ميناء مقديشو تحمل أطناناً من الأسلحة والآليات العسكرية في سبتمبر، ووصلت وفود عسكرية مصرية إلى مقديشو في أغسطس، للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومالAUSSOM، وفي يناير الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن بلاده لن تسمح بأي تهديد لدولة الصومال أو أمنها، معتبراً اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال “ليس مقبولاً لأي أحد”(7).

اتفاق انقرة بين تركيا والصومال وإثيوبيا له عدة انعكاسات على مصر، نظراً للعلاقات المعقدة والمصالح الاستراتيجية بين مصر والدول الثلاث، هذه الانعكاسات قد تكون ايجابية أو سلبية على عدد من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية، سنوضحها على النحو الآتي:

  • الملف المائي(سد النهضة)؛ من أبرز القضايا التي تربط مصر بإثيوبيا هي خلافات سد النهضة، وهو مشروع إثيوبي ضخم على نهر النيل، وفي حال زادت العلاقات العسكرية والسياسية بين تركيا وإثيوبيا خلال هذا الاتفاق، قد تزيد المخاوف المصرية من تأثر مفاوضاتها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وقد تلعب تركيا دوراً في دعم المواقف الإثيوبية، مما يعقد جهود مصر في الوصول إلى اتفاق عاد بشأن حصتها في المياه.
  • التنافس الإقليمي؛ يوجد لتركيا في الصومال مصالح اقتصادية وأمنية، وقد يعزز الاتفاق مع الصومال وإثيوبيا حضور تركيا في القرن الإفريقي، وقد ترى مصر في هذا التوسع تهديداً لنفوذها في المنطقة، خاصة في ظل تنافس القوى الكبرى على النفوذ في إفريقيا.
  • النفوذ الاقتصادي؛ تعتبر تركيا من الدول الاقتصادية المؤثرة في المنطقة، وتوسعها في القرن الأفريقي قد ينعكس ايجاباً على مصالحها التجارية والاقتصادية، وقد ترى مصر هذا التوسع تحدياً لتأثيرهافي التجارة الإقليمية والفرص الاقتصادية.
  • التأثير على استقرار البحر الأحمر؛ تعزيز التعاون بين الدول الثلاث قد يكون له تأثير على استقرار الأمن في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهو ما يعتبر منطقة استراتيجية بالنسبة لمصر بسبب قناة السويس، فإذا زاد التنافس في هذه المنطقة أو ظهرت تهديدات جديدة، فقد يؤثر ذلك على حركة التجارة العالمية والأمن البحري.

ختاماً؛ يأتي هذا الاتفاق في سياق تعزيز الدور التركي في إفريقيا، وتوسيع علاقاتها مع دول القرن الإفريقي خاصة الصومال وإثيوبيا، حيث كانت تركيا تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال المشاريع الإنسانية والتجارية والدبلوماسية، كما أتاح الاتفاق للصومال وإثيوبيا فرصاً كبيرة لتحسين أوضاعهما الاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى أن اتفاق أنقرة بين تركيا والصومال وإثيوبيا له انعكاسات متباينة على مصر، بعضها قد يعزز التعاون الأمني والتجاري في المنطقة، في حين أن البعض الآخر قد يزيد من تعقيد المواقف السياسية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بقضية سد النهضة والعلاقات مع إثيوبيا.

المصادر

  1. غدي قنديل،وساطة تركيا بين الصومال وإثيوبيا.. كيف ترسخ نفوذ أنقرة في القرن الإفريقي؟”، مركز الدراسات العربية الأوراسية، تاريخ النشر 18 ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/Y6YBqFU0
  2. عبدالقادر محمد علي،“إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة”، الجزيرة نت، تاريخ النشر25 ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 27ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://linksshortcut.com/LIJVW
  3. مصطفى أحمد،“أردوغان والصومال.. هل تنجح محاولات رسم قرن أفريقي جديد؟”، الجزيرة نت، تاريخ النشر12ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 27ديسمبر 2024م، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://linksshortcut.com/jzBCr
  4. سيد عمر معلم،“إعلان أنقرة بين الصومال وإثيوبيا مراجعات في المواقف والتزامات متبادلة”، المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، تاريخ النشر 26ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/23JHVHs2
  5. هشام العطيفي، “إعلان أنقرة” بين الصومال وإثيوبيا… هل تهدد تركيا الوجود المصري في القرن الأفريقي؟”، تاريخ النشر 16 ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://goo.su/lkZTwjO
  6. سعيد ندا، “آفاق الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال”، قراءات إفريقية، تاريخ النشر 4 أغسطس 2024، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/pnd9vDvt
  7. وزير خارجية الصومال يطلع مصر على نتائج قمة أنقرة لحل النزاع مع إثيوبيا، دبي الشرق، تاريخ النشر15 ديسمبر 2024، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2024، لمزيد من التفاصيل أنظر إلى الرابط https://2u.pw/xXXZT050
4/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى