الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

تأثير انتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان على العلاقات السعودية اللبنانية

إعداد : هبة المُعز –  باحثة دكتوراه، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة، مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد

تتميز العلاقات السعودية اللبنانية بالتاريخ الطويل والمركب، حيث تجمع بين البلدين روابط  قوية في مجالات متعددة  مثل السياسة والاقتصاد والثقافة، وكانت المملكة العربية السعودية من أبرز الداعمين للبنان في مختلف الظروف سواء الأزمات السياسية أو الاقتصادية، وهو ما يعكس عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين، وتعتبر  السعودية أحد اللاعبين الرئيسيين في استقرار لبنان، خصوصاً في فترات التوترات الإقليمية، وعلى الرغم من التحديات التي قد تؤثر على هذه العلاقات بين الحين والآخر مثل اختلاف المواقف في بعض القضايا الإقليمية، إلا أن التزام السعودية بدعم لبنان في تعزيز استقراره السياسي والنمو الاقتصادي يبقى ثابتاً.

وتعتبر المملكة العربية السعودية أحد أبرز الحلفاء للبنان في معالجة القضايا الإقليمية والدولية، وتدعم المملكة السيادة اللبنانية ووحدتها السياسية، وتمكن لبنان من خلال الدعم المالي السعودي من تحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال فترات صعبة، بالإضافة إلى ذلك قدمت المملكة العديد من المشاريع التنموية في لبنان، سواء في البنية التحتية أو في مجالات التعليم والصحة، كما شهدت  العلاقات الثقافية بين البلدين تطوراً ملحوظاً، حيث تتمتع المملكة بتأثير كبير في المجتمع اللبناني من خلال الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الجامعات السعودية، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والفني المتبادل.

وبعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي منذ أن غادر الرئيس السابق ميشال عون قصر الرئاسة في بعبدا بلبنان، باءت أكثر من 12 جلسة نيابية لانتخاب الرئيس بالفشل، ثم انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون ليصبح الرئيس 14 للبنان، وأعلن رئيس البرلمان نبيه بري فوز عون بمقعد الرئاسة بعدد أصوات 99 صوتاً خلال الجلسة الثانية التي عقدها البرلمان، ويأتي انتخابه رئيسًا للجمهورية في وقت لا يزال لبنان يعاني من تداعيات الانهيار المالي الذي شهده عام 2019، فضلاً عن آثار الحرب الاسرائيلية الأخيرة، كما ينتظر أن يشهد  البلد جهوداً مكثفة لتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات جوهرية في مختلف القطاعات.

وجاء انتخاب عون رئيسًا للبنان في ظل الفراغ الرئاسي الذي يعاني منه لبنان منذ انتهاء ولاية ميشال عون في 2022، حيث بدأ الحديث عن إمكانية انتخاب جوزيف عون قائد الجيش اللبناني كخيار توافقي لرئاسة الجمهورية، ويعتبر جوزيف عون شخصية محايدة وغير مرتبطة مباشرة بالصراعات السياسية اللبنانية، وفي هذا السياق قد يشكل انتخابه رئيسًا للبنان خطوة نحو استعادة الاستقرار السياسي في البلاد خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا المقال سنوضح التطور التاريخي للعلاقات السعودية اللبنانية، المجالات المشتركة بين السعودية ولبنان، انتخاب جوزيف عون وتأثيره على العلاقات السعودية اللبنانية.

المحور الأول: التطور التاريخي للعلاقات السعودية اللبنانية

تأثراً باندلاع الحرب الأهلية في لبنان، أصاب القلق الدول العربية والإسلامية والأجنبية، وخاصة المملكة العربية السعودية حيث ظلت المملكة متمسكة بمبادئ أساسية تجاه الأزمة اللبنانية، بما في ذلك رفض تقسيم لبنان والعمل على الحفاظ على استقرارها ووحدتها، كما أكدت ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية للتغلب على هذه الأزمة، وكانت الأزمة اللبنانية التي اندلعت عام 1975 م بين المقاومة الفلسطينية وحزب الكتائب اللبناني، أثرها الكبير على غالبية منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وهذا سبب دخول أطراف خارجية في الأزمة، مما زاد من شدة التوتر في المنطقة، لذا حاولت المملكة العربية السعودية ايجاد حل لهذه الأزمة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وحزب الكتائب اللبناني منذ نشأتها، ولكنها لم تصل لنتيجة، وبعد الاجتياح الصهيوني إلى لبنان عام 1982م زادت شدة الأزمة مما دفع السعودية للدخول بقوة لحلها(1).

وفي عام 1989 جاء اتفاق الطائف، وهو اجتماع استثنائي لمجلس النواب اللبناني في مدينة الطائف بالسعودية، حيث تم إقرار وثيقة الوفاق الوطني، والتي أكدت هوية لبنان العربية وجاءت بعدد من الإصلاحات في النظام السياسي اللبناني، وهو الذي أصبح فيما بعد دستورا جديدًا للجمهورية اللبنانية، ولكن الدعم السعودي لهذه العلاقة تعدى البعد السياسي، فاقتصادياً قامت المملكة بدعم لبنان بأكثر من 12 مليار دولار، ويتمثل ذلك الدعم في منح ومساعدات وقروض ميسرة بالإضافة إلى الكثير من المعونات العسكرية والتنموية، ووصف الكثير من السياسيين اللبنانيين العلاقة بين البلدين بالعميقة والمثمرة منذ عقود، حيث يقول محمد البعلبكي، نقيب الصحفيين اللبنانيين السابق في تصريحات سابقة إن “العلاقات اللبنانية – السعودية ارتكزت على قول الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، بشكل صريح وعلني لأبنائه لبنان وطنكم الثاني”(2).

ما بين عامي 1989 و2005: تعاظمت إسهامات المملكة سياسياً ومالياً، من أجل مسح آثار الحرب وتعمير ما تهدم، خاصة في عهد حكومات رفيق الحريري، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع قادة المملكة، الملك فهد بن عبد العزيز (1982-2005)، ووليّ عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز، حيث قدمت المملكة المساعدات والإيداعات المالية، لدعم خزينة لبنان، في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ولتغطية أعباء الديون المتراكمة، ودعم سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار بواسطة البنك المركزي، وفي فبراير 2005م جاء حادث اغتيال رفيق الحريري ليمثل منعطفاً أساسياً في سياسات المملكة، التي اعتبرت الحادث استهدافاً لها كما أنه استهداف لاستقرار لبنان وازدهاره (3).

شهدت العلاقات السعودية اللبنانية في السنوات الأخيرة بعض التوترات بسبب اختلافات في المواقف السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، وتأثير الأزمات الإقليمية، فمن جهة كانت هناك مخاوف سعودية من هيمنة حزب الله المدعوم من إيران على السياسة اللبنانية، والصراع في سوريا وتزايد الانقسامات السياسية في لبنان، وعلى الرغم من التوترات استمرت السعودية في تقديم الدعم للبنان من خلال المساعدات المالية والمشاريع التنموية، ولكن في بعضر الفترات توقفت الرياض عن تقديم المساعدات المالية بسبب الغموض في المواقف  السياسية اللبنانية، وشهدت أيضاً بعض التحولات الدبلوماسية من أجل التهدئة خاصة مع وجود مبادرات دبلوماسية بين الحكومتين، ولكن لم تكن هذه المحاولات دائماً ذات تأثير كبير.

ثانياً: المجالات المشتركة بين السعودية ولبنان

تتمتع العلاقات بين السعودية ولبنان بتاريخ طويل من التعاون في العديد من المجالات المتنوعة، على الرغم من التحديات السياسية التي قد تواجهها بين الحين والآخر، فإن البلدين يظلان يرتبطان بعلاقات قوية في العديد من الأصعدة، وتشمل هذه المجالات التعاون الاقتصادي والتجاري، التبادل الثقافي والتعليم، السياحة، التعاون الديني، بالإضافة إلى التعاون الأمني والسياسي، وهذه الروابط المشتركة تساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين الشعبين، وتفتح أبواباً للتفاعل المستمر في مختلف القطاعات، مما يعكس عمق العلاقات بين السعودية ولبنان على مر السنين، وتتميز العلاقات بين السعودية ولبنان بمجالات مشتركة عديدة يمكن تلخيصها في النقاط التالية على النحو الآتي:

  • التعاون الاقتصادي والتجاري: تعد السعودية أحد أكبر شركاء لبنان التجاريين، حيث يتم تبادل السلع والخدمات بين البلدين بشكل مستمر، والعديد من الشركات السعودية تستثمر في لبنان في مجالات مثل السياحة والعقارات والتجارة. كما تتسم العلاقات الاقتصادية بين المملكة ولبنان والتي تعود إلى أكثر من 7عقود وتشمل القطاعات التجارية والصناعية والمصرفية والسياحية، مشيراً الى أن الاستثمارات السعودية لطالما لعبت دوراً رئيسياً في اقتصاد لبنان، وهي شكلت في خلال العقدين الأخيرين قبل الأزمة الأخيرة، ما يقارب الـ 20% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، وبهذا كانت المملكة المستثمر المباشر الأول في لبنان، والمودع الأول والمستورد الأكبر(4).
  • التعاون الأمني والسياسي: تتبادل السعودية ولبنان الخبرات في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، كما يسعى البلدان إلى تنسيق مواقفها في القضايا الإقليمية والدولية التي تهمهما، وعلى الرغم من التوترات السياسية في بعض الأحيان، فإن التعاون في هذه المجالات يبقى حيوياً لضمان الاستقرار الإقليمي، كما تتعاون السعودية ولبنان في مراقبة الحدود المشتركة سواء على مستوى الممرات البرية أو عبر البحر، للحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، وهو أمر يشكل تهديداً للأمن الإقليمي، كما يتبادل البلدان التنسيق على مستوى القضايا الأمنية الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية والنفوذ الإيراني في المنطقة، ومع تأكيد السعودية على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان من خلال مؤسسات الدولة والأمن الوطني.
  • التعاون الثقافي والتعليمي: تتمتع العلاقات بين الشعبين السعودي واللبناني بعلاقات ثقافية متينة، حيث يتم تبادل الفنون والأدب والموسيقى، وتستضيف المملكة العديد من الفعاليات الثقافبية اللبنانية، كما هناك العديد من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية، مما يعزز الروابط الثقافية والتعليم المتبادل.
  • التعاون في مجال السياحة: يشهد القطاع السياحي بين البلدين نشاطاً كبيراً، حيث يزور العديد من السعوديين لبنان سنوياً للسياحة، وخاصة خلال فصل الصيف، كما أن لبنان يمثل وجهة مميزة للسياحة العلاجية والشرائية لبعض السعوديين.
  • التعاون الديني: تعد السعودية ولبنان من الدول ذات العلاقة الدينية القوية، حيث تستقطب السعودية الحجاج اللبنانيين إلى مكة والمدينة لأداء مناسك الحج والعمرة، كما تحترم في لبنان العلاقات الإسلامية بمختلف طوائفها، وهو ما يعزز من التعاون بين البلدين على المستوى الديني.

ثالثاً: انتخاب جوزيف عون وتأثيره على العلاقات السعودية اللبنانية

يعتبر انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية خطوة إيجابية نحو تعزيز التعاون بين السعودية ولبنان، نظراً إلى الدور المهم الذي تلعبه السعودية في دعم الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، ويعتبر جوزيف عون شخصية حورية في الجيش اللبناني، يتمتع بسمعة قوية على المستوى الوطني والإقليمي، وهو يعد خياراً ذا وزن في سياق التحديات التي يواجهها لبنان. ويأتي اتصال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس اللبناني جوزيف عون، وتهنئة خادم الحرمين الشريفين، بمناسبة انتخابه وأدائه اليمين الدستورية رئيسًا للجمهورية اللبنانية، وتقديم ولي العهد للرئيس اللبناني خلال الاتصال الهاتفي الدعوة لزيارة المملكة، لتؤكد مواقف المملكة الداعمة لأمن واستقرار لبنان وتحقيق الرفاه لشعبه(5).

وتأتي التأثيرات المحتملة على العلاقات السعودية اللبنانية على النحو الآتي:

  • دعم الاستقرار اللبناني: تعد السعودية من أكثر الدول الداعمة لاستقرار لبنان سواء على المستوى السياسي أو الأمني، ومع انتخاب جوزيف عون الذي يعد من الشخصيات المحايدة والمرموقة في الجيش اللبناني، قد تجد المملكة فيه خياراً موثوقاً يساهم في الحفاظ على الأمن الداخلي اللبناني، ودعم السعودية لهذا الاستقرار سيعزز التعاون بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية مثل الإرهاب والتدخلات الأجنبية.
  • تعزيز العلاقات العسكرية: قد يعزز انتخاب عون رئيسًا العلاقات العسكرية بين السعودية ولبنان، فالجيش اللبناني يتلقى دعماً عسكرياً كبيراً من المملكة في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع يستمر هذا الدعم مع انتخاب عون، وهذا التعاون العسكري يشمل تدريب القوات اللبنانية، وتقديم مساعدات في مواجهة التحديات الأمنية المختلفة.
  • موقف المملكة من التدخلات الإقليمية: مع تولى جوزيف عون رئاسة الجمهورية، سيكون من المهم تبنى سياسة تحافظ على حيادية لبنان ومنع التدخلات الخارجية التي قد تؤثر سلباً على استقلاله، فالسعودية تدعم لبنان في الحفاظ على سيادته، ومع انتخاب عون قد تتوقع المملكة أن يسهم ذلك في تعزيز الموقف اللبناني المستقل عن النفوذ الخارجي.
  • التحفظ على النفوذ الإيراني: قد يواجه عون بعض الضغوط من الأطراف الإقليمية والمحلية، مثل حزب الله المدعوم من إيران، من خلال دعم عون قد تأمل السعودية في أن يساعد ذلك في تقوية قدرة لبنان على مقاومة النفوذ الإيراني المتزايد في البلاد، مما يعود بالفائدة على الاستقرار الإقليمي.

ختامًا؛ فإن انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية يعد خطوة هامة في مسار الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، ويعكس فرصاً جديدة لتعزيز التعاون بين السعودية ولبنان، إذا استمر عون في تبنى سياسة محايدة ومستقلة، فإن ذلك سيعزز من قدرة لبنان على مواجهة التحديات الإقليمية والمحلية، ويعود بالفائدة على العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، فالسعودية التي لطالما كانت داعمة للاستقرار اللبناني، ترى في هذا الانتخاب فرصة لتعميق التعاون في المجالات العسكرية، والأمنية، والدبلوماسية، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتعميق الروابط بين الشعبين اللبناني والسعودي.

المصادر:

  1. أسماء حسن سعيد،” التطور التارخي للعلاقات السعودية اللبنانية 2005م-2022م”، المجلة العلمية (جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية بأسيوط، العدد 42، الإصدار الثاني أكتوبر 2023م)، ص ص1505-1506.
  2. كريم صالح،”العلاقات السعودية اللبنانية..تاريخية متجذرة شابها حزب الله”، تاريخ النشر22 فبراير 2016م، تاريخ الدخول 13 يناير 2025م، متاح على الرابط https://al-ain.com/article/74946
  3. محطات مصيرية.. تعرف على مسار العلاقات السعودية اللبنانية خلال 8 عقود، الموسوعة، الجزيرة نت، تاريخ النشر3 نوفمبر 2021م، تاريخ الدخول 13 يناير 2025م، متاح على الرابط https://2u.pw/tdNobR8A
  4. الجمهورية اللبنانية (وزارة الاقتصاد والتجارة)،“وزير الاقتصاد يلتقي نظيره السعودي في لقاء اتسم بالإيجابية: فرصة كبيرة لإعادة إحياء العلاقة بين البلدين سنحرص على نجاحها”، تاريخ النشر 17 مايو 2023م، تاريخ الدخول 14 يناير 2025م، متاح على الرابط https://2u.pw/gap91NVK
  5. السعودية .. واستقرار لبنان، موقع عكاظ، تاريخ النشر 13 يناير 2025م، تاريخ الدخول 14 يناير 2025م، متاح على الرابط https://www.okaz.com.sa/news/local/2178126
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى