حقبة جديدة في سوريا : الفائزون والخاسرون والتداعيات على إسرائيل

الكاتبة: د. كارميت فالينسي – مراجعة وتحرير : د. طالب عبد الجبّار الدّغيم
- المركز الديمقراطي العربي
التطورات في سوريا تضع إسرائيل أمام تحديات جديدة وفرص محتملة في آن واحد. وإن حالة عدم اليقين المحيطة بسياسة النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع والوضع المتغير على الأرض تفرض على إسرائيل الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية العسكرية لمواجهة التهديدات الناشئة، والنوايا غير الواضحة لأطراف رئيسية، بما في ذلك تركيا، بالإضافة إلى إمكانية إعادة تشكيل محور إيران–حزب الله داخل سوريا. في الوقت ذاته، قد تتيح تصريحات الشرع المتحفظة بشأن إسرائيل، ووجود عناصر معتدلة، وضعف “محور المقاومة” بقيادة إيران وروسيا في سوريا، فرصًا للتواصل الدبلوماسي.
ينبغي على إسرائيل الاستعداد لكلا السيناريوهين: سوريا مستقرة تحت قيادة نظام معتدل وفعّال، أو سوريا تتحول إلى بؤرة لنشاط الجهات المتطرفة التي قد تهدد أمن إسرائيل. وللتعامل مع كلا الاحتمالين، يتوجب على إسرائيل تبنّي سياسة تشجع التطورات الإيجابية. يجب أن تجمع هذه السياسة بين الحزم العسكري والجهود الدبلوماسية والإنسانية المدروسة، مما يمكّن إسرائيل من حماية حدودها، والمشاركة في جهود استقرار المنطقة، وإبراز مكامن قوتها، وتحقيق تحسين كبير في مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي.
النظرة العامة
في غضون 13 يومًا فقط، سيطرت جماعة “هيئة تحرير الشام” (HTS) على دمشق، مما أنهى الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا، وأدى ذلك إلى تغيير جذري في المشهدين السياسي والعسكري في سوريا. جاءت سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق نتيجة مجموعة من الظروف التي اجتمعت لتشكل ما يمكن تسميته بـ “العاصفة المثالية”. والحرب المستمرة مع إسرائيل تركت إيران، وخاصة وكلاءها – حزب الله وحماس – في أضعف حالة لهما على الإطلاق، مما أدى إلى تقويض وجودهما في سوريا وسهل تقدم المتمردين السريع. كما أن روسيا، التي انشغلت بحربها في أوكرانيا، قللت من وجودها ومشاركتها في سوريا. ومع انهيار الجيش السوري، خلصت موسكو إلى أن إنقاذ نظام الأسد بات أمرًا عبثيًا. وعلى الرغم من جذور هيئة تحرير الشام الجهادية، إلا أن أجزاء كبيرة من الشعب السوري بدت داعمة لنضالها نتيجة الإحباط من حكم الأسد وتدهور الأوضاع المعيشية. وفي الوقت نفسه، تسببت الشقوق في ثقة النخب السياسية والعسكرية بالنظام في تمهيد الطريق لسقوط الأسد السريع.
الحكومة الجديدة والتحديات القديمة
تأسست هيئة تحرير الشام في يناير 2017، بعد عام من قيام قائدها أحمد الشرع، المعروف أيضًا بأبو محمد الجولاني، بقطع علاقاته بفرع القاعدة في سوريا (جبهة النصرة سابقًا) لتشكيل منظمة سورية محلية. نتيجة خلافات أيديولوجية مع داعش والقاعدة، تبنى الشرع مسارًا مستقلاً يهدف بشكل رئيسي إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد.
منذ عام 2018، حكمت هيئة تحرير الشام نحو 3.4 مليون نسمة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا. ورغم الأزمة الإنسانية هناك، بما في ذلك أكثر من مليون نازح، تمكنت الجماعة من إنشاء نموذج حكم مستقر نسبيًا، وبفضل الدعم التركي، نجحت في تحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي في المنطقة. وعلى الرغم من جذورها الجهادية، تبنت هيئة تحرير الشام نهجًا براغماتيًا، وتجنبت فرض الشريعة الإسلامية بالقوة، وسمحت بقدر معين من الحريات. إلا أنه من المبكر استخلاص النتائج من تجربة إدلب بشأن قدرة هيئة تحرير الشام على إدارة بلد يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة ويواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية حادة، بالإضافة إلى أزمات طاقة.
ورغم أن هيئة تحرير الشام مرت بعملية اعتدال نسبي في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك مخاوف من أن تهيمن الأيديولوجية الدينية المتطرفة أو أن تتبنى أنماط حكم استبدادية. علاوة على ذلك، حتى إذا تبنى الشرع فعلاً نهجًا معتدلًا، فإنه محاط بعناصر متطرفة في القيادة السياسية والعسكرية، مما قد يعيق جهوده في تحديد مسار جديد وتحقيق الاستقرار في المشهد السياسي المعقد في سوريا.
حتى الآن، تميزت المرحلة الانتقالية تحت قيادة الشرع بهدوء نسبي، باستثناء بعض الاحتجاجات المعزولة وأعمال العنف المتفرقة. يسعى النظام الجديد بسرعة إلى تنفيذ إجراءات استقرار، بما في ذلك تعيين وزراء الخارجية والدفاع وغيرهم، وتسريع عملية استعادة العلاقات الخارجية لسوريا. وخلال أقل من شهر، استضاف الشرع سلسلة من القادة الإقليميين والدوليين، وأعلن العديد منهم بالفعل عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وبالنسبة لمستقبل سوريا السياسي، وعد الشرع بوضع دستور وإجراء انتخابات، ولكن فقط بعد تحقيق الاستقرار – وهي عملية قد تستغرق نحو أربع سنوات – بهدف نهائي يتمثل في توحيد سوريا.
على الصعيد العسكري، يعمل الشرع على توحيد الميليشيات المسلحة في مؤسسة عسكرية وأمنية جديدة تخضع لسلطة القيادة السياسية المركزية. كما يعالج أوضاع أفراد الجيش السوري السابقين ويشرف على نقل الأسلحة من الفصائل المتمردة المختلفة إلى الحكومة المركزية. ورغم أن هذه الإجراءات العسكرية تسير بتوافق نسبي، فإن تحديات كبيرة لا تزال قائمة، والعملية بعيدة عن الاكتمال.
ولمعالجة الأزمة الاقتصادية وإصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب الأهلية – والتي تتراوح تقديراتها بين 250 مليار و400 مليار دولار – يحتاج النظام الجديد إلى مساعدة دولية فورية، خاصة في مجال المساعدات الإنسانية وتوفير النفط، الذي كان يتم استيراده من إيران خلال حكم الأسد. وقد بدأت بعض الدول في المنطقة، مثل قطر، بالفعل في تقديم المساعدة. إلا أن العامل الحاسم يكمن في قرار الولايات المتحدة بشأن ما إذا كانت ستواصل تنفيذ العقوبات بموجب قانون قيصر، الذي أقرته الحكومة الأمريكية عام 2019 ويفرض عقوبات على الكيانات التي تقدم دعماً اقتصادياً لنظام الأسد.
الفاعلون الرئيسيون: الإنجازات والخسائر
تركيا
دعمت تركيا المتمردين ضد نظام الأسد طوال الحرب الأهلية، وهي الآن تجني ثمار مشاركتها. يُتوقع أن يكون لها دور مركزي في تشكيل مستقبل سوريا، ربما أكثر أهمية من الأدوار التي لعبتها إيران وروسيا في البلاد. استندت سياسة أنقرة في سوريا، على مدار السنوات، إلى مصلحتين رئيسيتين: تقليص المنطقة الكردية المستقلة وإبعاد تهديدها عن الأراضي التركية، بالإضافة إلى تسهيل عودة بعض اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.5 مليون شخص في تركيا، الذين يشكلون عبئًا اقتصاديًا وسياسيًا على النظام التركي. علاوة على ذلك، وبسبب الهجمات الإرهابية التي نفذتها القاعدة وداعش داخل حدودها، سعت تركيا لمنع سوريا من أن تصبح مركزًا جديدًا للإرهاب الجهادي.
الوضع الحالي في سوريا يتماشى مع تطلعات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوطنية لتعزيز مكانة تركيا كقوة إقليمية ذات نفوذ متنوع. على المدى القصير، من المتوقع أن تستغل تركيا الفرصة لإضعاف الأكراد من خلال مجموعاتها المسلحة بالوكالة، مثل الجيش الوطني السوري. كما يُرجح أن تعزز نفوذها في سوريا من خلال دعم العمليات السياسية، وبناء الجيش، والمساهمة في إعادة الإعمار الاقتصادي المرتقبة. وقد تصبح أنقرة موردًا رئيسيًا للمعدات العسكرية التركية لسوريا، وقد تضغط لتشكيل تحالف عسكري واستراتيجي مع النظام السوري الجديد، مما يؤمن نفوذها على القرارات العسكرية والسياسية لسوريا، وربما يسمح لها بالحفاظ على قوات داخل سوريا والسيطرة على المناطق التي استولت عليها. وقد صرح الشرع بأن “تركيا، التي وفرت المأوى لملايين السوريين خلال الحرب، ستنال الأولوية على الدول الأخرى في إعادة بناء سوريا.”
دولة قَطر
على غرار تركيا، دعمت قطر المتمردين السوريين لسنوات. ولكن، على عكس أنقرة، التي سعت في السنوات الأخيرة إلى الحوار مع الأسد، وفي تناقض مع بقية دول الخليج العربي التي حاولت إعادة الأسد إلى دائرة نفوذها، اتخذت قطر موقفًا حازمًا برفضها أي اعتراف دبلوماسي بنظام الأسد وعودته إلى العالم العربي. وعلى الرغم من أن هذا الموقف الصارم عزز من دور قطر كلاعب رئيسي في سوريا، إلا أن تأثيرها الآن يأتي في المرتبة الثانية بعد تركيا. ويُميز هذا الموقف قطر عن جيرانها، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين ما زالتا تتأرجحان في موقفهما تجاه النظام السوري الجديد.
في غضون أسبوع من الأحداث التي أدت إلى سقوط نظام الأسد، افتتحت الدوحة سفارتها في دمشق وبدأت في تقديم المساعدات الإنسانية. وتتعاون بالفعل مع تركيا في مشاريع اقتصادية لإعادة إعمار سوريا. وقد تجدد قطر وتركيا خططهما لإنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر سوريا.
الأكراد (قسد)
تدهورت أوضاع الأقلية الكردية في سوريا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 2.5 مليون نسمة، بشكل كبير منذ التحولات الأخيرة. النزاع العسكري الرئيسي في سوريا اليوم يدور ضد المنطقة الكردية المستقلة في الشمال الشرقي. وقد هددت أنقرة بتوسيع عملياتها العسكرية في سوريا لإزالة القوات الكردية من المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، بعد نجاحها في طردهم من نقاط استراتيجية غرب النهر. وقد اقترح مظلوم عبدي، قائد القوات الكردية، إنشاء “مناطق خالية من الأسلحة” على طول أجزاء من الحدود السورية–التركية، وأعرب عن استعداده لدمج القوات الكردية في جيش سوري مستقبلي. ومع ذلك، رفضت تركيا هذه المقترحات التوفيقية وتواصل الضغط لإزالة القوات الكردية من المناطق الاستراتيجية في شمال سوريا. ولا يزال الأكراد في موقف حرج، معتمدين بشدة على الدعم الأمريكي والدولي.
إيران
يمثل سقوط نظام الأسد انتكاسة خطيرة لإيران، التي اضطرت إلى سحب قواتها وأصولها من سوريا، بما في ذلك حزب الله. ونتيجة لذلك، فقدت إيران موطئ قدم استراتيجي مهم في المنطقة. قرار إيران بعدم تقديم دعم نشط للأسد ضد المتمردين أثار انتقادات حادة داخل الحرس الثوري وزاد المخاوف بشأن التداعيات المحتملة على الاستقرار الداخلي لإيران. كما يواجه النظام الإيراني واقع أن تركيا كانت وراء التطورات الأخيرة وستصبح الفاعل المهيمن في مستقبل سوريا. وفي هذه المرحلة، تبنت إيران نهج الانتظار والترقب، معتمدة على سيناريوهات عدم الاستقرار في سوريا التي قد توفر فرصًا للتحالف مع الفصائل المحلية المعارضة للنظام الجديد.
روسيا
بعد أن اضطرت إلى سحب معظم قواتها من سوريا، تركز روسيا الآن على الحفاظ على قاعدتيها العسكريتين، قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية في غرب سوريا، من خلال السعي إلى اتفاقيات مع تركيا والنظام الجديد. ولا تزال روسيا تحتفظ بنفوذها على الحكومة السورية الجديدة، خاصة من خلال إمدادات الحبوب (تأتي معظم واردات القمح في سوريا من روسيا). وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام تعتبر روسيا عدوًا بسبب هجماتها الجوية السابقة على محافظة إدلب وفصائل المتمردين، فضلاً عن منحها اللجوء السياسي للأسد، فإن النهج البراغماتي للهيئة حتى الآن يترك مجالًا للتعاون المحتمل بين الطرفين.
الولايات المتحدة الأمريكية
جاءت التطورات في سوريا بما يتماشى مع مصالح واشنطن، خاصة فيما يتعلق بموقفها من إيران وروسيا. بعد سنوات من غياب العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، أرسلت الولايات المتحدة بسرعة وفدًا بقيادة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا أ. ليف، إلى دمشق للقاء أحمد الشرع. انتهى الاجتماع بإعلان إزالة المكافأة المفروضة على الشرع. قد تنظر الإدارة الأمريكية لاحقًا في تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، بالإضافة إلى إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، لتعزيز التحالفات مع سوريا الجديدة، خاصة في الجهود المبذولة ضد داعش وإيران.
مع ذلك، فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات حول مستوى اهتمام الولايات المتحدة بسوريا. خلال فترة ولايته الأولى، سعى ترامب إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا لكنه عدل عن ذلك بسبب ضغوط مستشاريه. انسحاب سريع للقوات الأمريكية، كما اقترح سابقًا، قد يؤدي إلى انهيار المنطقة الكردية المستقلة، ويشجع نشاط الجماعات المتطرفة مثل داعش، ويقوض الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في سوريا.
من منظور إقليمي
يبدو أن العديد من الدول في المنطقة—الأردن، ومصر، وسوريا، والإمارات—قلقة بشأن نوايا الشرع المستقبلية ودائرة مستشاريه، حيث ينظر إليه البعض باعتباره “ذئبًا في ثياب حمل.” يعتقد كثيرون أنه مجرد مسألة وقت قبل أن تُترجم سياساته إلى أنشطة تخريبية، بما في ذلك إنشاء فرع شبيه بحماس لجماعة الإخوان المسلمين في مرتفعات الجولان ضد إسرائيل؛ وإلهام الجماعات الإسلامية التي تسعى إلى زعزعة استقرار الأنظمة في المنطقة، خاصة في الأردن ومصر؛ وتعزيز ظهور شبكة من الدول المرتبطة بالإخوان المسلمين، بما في ذلك تركيا وقطر وسوريا الجديدة، والتي يمكن أن تنافس شبكة الدول السنية المعتدلة مثل الأردن والسعودية ومصر.
التداعيات على إسرائيل
محاولة الشرع إظهار صورة براغماتية ومعتدلة واضحة أيضًا في تصريحاته عن إسرائيل. ففي عدة مقابلات إعلامية أجريت في ديسمبر، تحدث الشرع عن إسرائيل بطريقة حذرة ومتحفظة، وحتى إيجابية إلى حد ما. على سبيل المثال، تعهد بالالتزام باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا، وأكد أن سوريا ليست مهتمة بصراع مع إسرائيل، بل بإعادة إعمار البلاد. كما أوضح الشرع أنه لن يسمح باستخدام سوريا كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل أو أي دولة أخرى.
في الوقت نفسه، دعا الشرع إسرائيل إلى وقف هجماتها في سوريا والانسحاب من المنطقة العازلة التي استولت عليها، وهي منطقة تبلغ مساحتها حوالي 235 كيلومترًا مربعًا تحت إدارة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) على الجانب السوري من الحدود. وفقًا للشرع، فإن المبررات التي تستخدمها إسرائيل لعملياتها في سوريا—وجود حزب الله والميليشيات الإيرانية—لم تعد صالحة. وبينما لا تزال الشكوك قائمة حول نوايا الشرع ومستقبل سوريا، فإن الواقع الناشئ قد يخلق تحديات وفرصًا لإسرائيل.
الجوانب الإيجابية
من وجهة نظر إسرائيل، يتضمن السيناريو الإيجابي لتشكيل مستقبل سوريا عدة عناصر رئيسية:
- غياب “محور المقاومة” الإيراني وتأثيره.
- وجود نظام جديد مستقر وغير معادٍ لإسرائيل، وربما مستعد لإجراء محادثات دبلوماسية.
- جيش سوري فعّال قادر على مواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة مثل داعش.
حتى الآن، الضرر الذي لحق بـ “محور المقاومة” كبير، وسيؤدي انفصال سوريا عنه إلى مزيد من تقويض جهود إعادة تأهيله. معظم الجماعات المتمردة القريبة من الحدود الإسرائيلية لا تنتمي إلى (أو تتماهى مع) هيئة تحرير الشام، وتشمل بقايا الجيش السوري الحر والقوات الدرزية التي أظهرت مواقف إيجابية تجاه إسرائيل وتعاونت معها سابقًا.
على الرغم من القلق بشأن غياب سلطة مركزية فعالة في سوريا وظهور جماعات جهادية متطرفة بالقرب من الحدود، فإن القدرات العسكرية لهذه الجماعات أقل من إيران ووكلائها. كما أن عدوهم الرئيسي هو محور الأسد-إيران-حزب الله، مما يجعل القتال ضد إسرائيل أولوية منخفضة في الوقت الحالي.
على المدى الطويل، قد يتيح عصر ما بعد الأسد فرصًا لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين سوريا وإسرائيل، إذا ظهر نظام مركزي مستقر ومعتدل. في غضون ذلك، يمكن لإسرائيل تعزيز مكانتها ونفوذها في المنطقة، مستفيدة من علاقاتها مع الولايات المتحدة والأردن ودول اتفاقيات أبراهام.
الجوانب السلبية المحتملة
يشمل السيناريو السلبي لإسرائيل:
- ظهور نظام جهادي إسلامي معادٍ لإسرائيل.
- توطيد معسكر إسلامي أوسع في المنطقة.
- انتشار عدم الاستقرار والعنف على طول الحدود الإسرائيلية.
قد توفر هذه الظروف أرضًا خصبة لإيران ووكلائها لاستئناف وجودهم في الساحة السورية.
وبعد أكثر من عام من الحرب على عدة جبهات، أعربت إسرائيل عن قلقها من أن عدم الاستقرار في سوريا قد يمتد إلى أراضيها. وردًا على ذلك، اتخذت إسرائيل إجراءات وقائية فورية، بما في ذلك سلسلة من الضربات الجوية والبحرية لتقليص قدرات الجيش السوري العسكرية ومنع وقوع الأسلحة في أيدي الجماعات المعادية.
كما سيطرت إسرائيل على المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، لكنها أكدت أن هذه الخطوة مؤقتة لتأمين حدودها. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الإجراءات، من منظور سوري وإقليمي ودولي، على أنها عدائية.
وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام والجماعات المتطرفة الأخرى ركزت أساسًا على التحديات الداخلية، إلا أن انتباهها بدأ يتحول نحو إسرائيل، كما يتضح من الخطاب العام والإعلامي.
التوصيات للإجراءات
من بين الخيارات الثلاثة المقترحة، يُوصى بالخيار الثالث—إقامة مجموعة مستقرة من التفاهمات مع النظام الجديد تحت رعاية أمريكية وبالتعاون مع تركيا. هذا النهج لا يركز فقط على القدرات العسكرية لإسرائيل (السيطرة على المنطقة العازلة، الضربات العسكرية)، بل أيضًا على الجهود الدبلوماسية والمدنية والإنسانية للحد من الآثار السلبية للعمل العسكري وتحقيق الأمن طويل الأجل دون الحاجة إلى وجود عسكري دائم.
الخطوات المقترحة تشمل:
- تعزيز التعاون الدبلوماسي مع النظام الجديد لضمان نزع السلاح ووقف التصعيد.
- توفير مساعدات إنسانية للمساهمة في استقرار سوريا.
- التنسيق مع الولايات المتحدة وتركيا لضمان عدم عودة النفوذ الإيراني أو الجماعات المتطرفة.
- استخدام النفوذ الإقليمي لتأمين الحدود وتحقيق استقرار دائم في المنطقة.
- صياغة استراتيجية شاملة تجمع بين القوة العسكرية والجهود الإنسانية.
النقاط الاستراتيجية المقترحة لإسرائيل في التعامل مع الوضع في سوريا:
- تطوير استراتيجية دفاع حدودية جديدة
بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن مستقبل سوريا—وخاصة فيما يتعلق بأفعال حكومتها والجماعات الجهادية تجاه إسرائيل—يجب وضع خطة جديدة للدفاع عن الحدود. ينبغي أن تتضمن هذه الخطة معالجة قضية المنطقة العازلة ودور قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، مع إصدار بيان دبلوماسي واضح يؤكد أن وجود إسرائيل في المنطقة مؤقت ويعتمد على حل القضايا الرئيسية، خاصة بروز قوة معتدلة ومسؤولة قادرة على تأمين الجانب السوري من الحدود. يمكن أن يتيح ذلك لإسرائيل الانسحاب أحادي الجانب من المنطقة العازلة على المدى القصير، مع الإبقاء على السيطرة على جبل الشيخ السوري حتى تحقيق الاستقرار الدائم.
- تدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية
يعد استمرار إسرائيل في تدمير الأسلحة الاستراتيجية السورية أمرًا بالغ الأهمية. ينبغي ضمان هذا الجهد عسكريًا ومن خلال ترتيبات دبلوماسية دولية تضمن عدم بقاء أسلحة بيولوجية أو كيميائية في سوريا.
- فتح قنوات اتصال مبدئية مع النظام الجديد
يجب أن تدرس إسرائيل فتح قنوات اتصال أولية مع النظام السوري الجديد، شريطة الحفاظ على مصالحها الدبلوماسية والأمنية في الجولان ومناطق أخرى. يجب أن تكون هذه الخطوة مشروطة بعدم انتشار الإرهاب أو التعاون مع جماعات تهدد إسرائيل. ويمكن أن تقابل إسرائيل الإجراءات الإيجابية للنظام باعتراف متدرج وخطوات مقابلة محسوبة.
- توضيح استراتيجية إسرائيل للفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين
ينبغي لإسرائيل تقديم وضوح استراتيجي للقوى المحلية (الدروز والسنة المعتدلين) والإقليمية (تركيا) والدولية بشأن جدولها الزمني للبقاء في الأراضي التي تسيطر عليها، مع تحديد الشروط اللازمة للانسحاب. وحتى ذلك الحين، يجب تقليل ظهور الأنشطة العسكرية الإسرائيلية لتجنب جذب الانتباه أو إطلاق النار تجاه إسرائيل.
- إقامة علاقات مع القوى الإيجابية في سوريا
يجب أن تسرّع إسرائيل محادثاتها مع القوى المعتدلة في الأراضي السورية، بما في ذلك تقديم مساعدات إنسانية رمزية للتخفيف من المشاعر المناهضة لإسرائيل. ينبغي تنسيق هذه الخطوات مع النظام المركزي كإجراء لبناء الثقة، مع تجنب تصويرها كجهود تقوض سلطته. ويجب على إسرائيل الامتناع عن التدخل المباشر في الصراعات العسكرية في سوريا والحفاظ على التنسيق مع حلفائها، خاصة الولايات المتحدة.
- تجنب مواجهة مع تركيا
تمتلك إسرائيل مصلحة استراتيجية في تجنب تحويل تركيا إلى خصم. على الرغم من السياسات المتشددة لأنقرة، بما في ذلك موقفها من الحرب في غزة، إلا أن المصالح طويلة المدى تتطلب تقليل التوترات. يمكن تحقيق ذلك من خلال تفاهمات مشتركة تركز على استقرار المنطقة الحدودية عبر دعم الجماعات المعتدلة المتفق عليها، مع توضيح نوايا تركيا في سوريا.
- تعزيز الحوار مع الأردن ودول الخليج
ينبغي لإسرائيل تعزيز حوارها مع الأردن ودول الخليج للمساهمة في تشكيل مستقبل سوريا ومنع الجهات المعادية، مثل إيران وروسيا، من تجديد نفوذها في المنطقة.
- دعم مبادرة دولية بقيادة الولايات المتحدة
يجب أن تدعم إسرائيل مبادرة دولية تقودها الولايات المتحدة لتشكيل لجنة مكونة من أربع دول: تركيا، روسيا، إسرائيل، والولايات المتحدة. يكون هدف اللجنة الأساسي هو استقرار الحكومة الجديدة في سوريا وحماية الأقليات. بموجب هذا الإطار، تتولى الولايات المتحدة مسؤولية الأكراد، وإسرائيل مسؤولية الدروز، وروسيا مسؤولية العلويين، وتركيا مسؤولية الجماعات السنية.
- استغلال الأزمة الاقتصادية السورية كفرصة استراتيجية
تعاني سوريا من أزمة اقتصادية حادة ونقص في السلع الأساسية مثل الوقود والقمح والماء، مما قد يؤدي إلى تنافس إقليمي ودولي على النفوذ. توفر هذه الأزمة لإسرائيل فرصة استراتيجية للظهور كفاعل بناء من خلال استغلال ميزاتها التكنولوجية (بما في ذلك في مجال الزراعة) للمساهمة في إعادة بناء سوريا وتعزيز نفوذها الإقليمي.
- شروط الاعتراف والدعم الدولي للنظام الجديد
يجب أن يكون أي اعتراف إسرائيلي أو إقليمي أو دولي بالنظام السوري الجديد، وكذلك أي مساعدات تُقدَّم له، مشروطًا بضمانات وتلبية مطالب محددة، منها:
- تأمين الحدود ومنع التهديدات من الجماعات المتطرفة.
- وقف إعادة تشكيل “محور المقاومة” ومنع نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
- الامتناع عن الانتقام ضد الجماعات العرقية والدينية.
- تنفيذ عملية انتقال وإعادة بناء تحت إشراف دولي لتحقيق الاستقرار في سوريا.
المصدر : الجهة الناشرة: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي