اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل: هل هو بداية لسلام دائم أم مجرد هدنة مؤقتة؟

اعداد : د.حمدي سيد محمد محمود – باحث أكاديمي – مدير المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
في خضم إحدى أكثر الصراعات تعقيداً واستدامة في التاريخ الحديث، شهد العالم يوم 19 يناير 2025 لحظة فاصلة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، لينهي بذلك حرباً ضروساً استمرت خمسة عشر شهراً وأسفرت عن مآسٍ إنسانية جسيمة ودمار هائل في قطاع غزة. هذا الاتفاق لم يكن مجرد هدنة عابرة، بل حمل في طياته أبعاداً سياسية وإنسانية واستراتيجية تعكس طبيعة الصراع الممتد بين الطرفين، والذي بات يشكل جزءاً من المشهد الأوسع للمنطقة المتوترة.
جاء هذا التطور بعد سلسلة من الأحداث الدامية التي هزت الضمير العالمي، حيث شهدت غزة قصفاً عنيفاً استهدف بنيتها التحتية وأهلك مئات العائلات، بينما دفعت إسرائيل ثمناً سياسياً واقتصادياً باهظاً نتيجة الحرب وما صاحبها من استهداف للمناطق السكنية عبر الحدود. ومع تصاعد الضغوط الدولية والوساطات الإقليمية، برز هذا الاتفاق كخطوة نحو تهدئة مؤقتة، قد تكون بوابة لإعادة النظر في جذور الأزمة وحلولها الممكنة.
ورغم أن الاتفاق يحمل أبعاداً إنسانية مهمة، كفتح المعابر وتقديم المساعدات وإعادة الإعمار، إلا أنه يكشف أيضاً عن تنازلات استراتيجية من كلا الطرفين. فهو يعكس من جهة، عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية المعلنة، ومن جهة أخرى، قدرة حماس على الحفاظ على وجودها السياسي والعسكري رغم الدمار الهائل. في هذا السياق، تتجلى أهمية الاتفاق ليس فقط في كونه يضع حداً مرحلياً للنزاع، بل أيضاً كونه اختباراً لمدى جدية الأطراف في الالتزام ببنوده، ومدى قدرة الوسطاء الدوليين والإقليميين على ترسيخ التهدئة وتحويلها إلى مسار سياسي طويل الأمد.
لكن، هل يمكن لهذا الاتفاق أن يكون بداية لنهاية الصراع، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة تسبق جولة أخرى من العنف؟ هذا السؤال يظل معلقاً، في ظل التحديات المعقدة التي تواجه تنفيذ الاتفاق، بدءاً من قضية إعادة الإعمار، مروراً بتبادل الأسرى، وصولاً إلى القضايا الجوهرية التي تتعلق بمستقبل غزة، ووضعها السياسي، والعلاقة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. وبينما تستعد الأطراف للمرحلة القادمة، يبقى المجتمع الدولي مطالباً بدور أكثر فاعلية لمعالجة الجذور العميقة للصراع، ومنع تكرار مأساة جديدة في منطقة أنهكها العنف لعقود.
تلك اللحظة تحمل في جوهرها دعوة للتأمل في أسباب الصراع وآفاقه، وتؤكد أن إنهاء المأساة في غزة ليس مجرد مسألة وقف إطلاق نار، بل قضية تتطلب حلاً شاملاً يعالج المظالم التاريخية ويضع أسساً للسلام والاستقرار. فهل يمكن لهذا الاتفاق أن يفتح نافذة أمل لمستقبل مختلف، أم أنه سيظل مجرد استراحة قصيرة في ظل صراع لا ينتهي؟
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس
يمثل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل فرصة لإعادة تقييم الأوضاع والسعي نحو حلول أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن التحديات القائمة تستدعي جهوداً مكثفة من جميع الأطراف المعنية لضمان عدم العودة إلى دوامة العنف مرة أخرى.
و لإلقاء الضوء بشكل أكثر عمقاً على اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، وسوف يتم تناول الموضوع من زوايا متعددة، تشمل السياق العام، خلفيات الصراع، تفاصيل الاتفاق، الأطراف الوسيطة، الأبعاد السياسية والاجتماعية، التحديات الراهنة، وآفاق المستقبل.
أولاً: السياق العام للصراع
مدة الحرب وخسائرها: استمرت الحرب 15 شهراً وخلّفت دماراً واسعاً في غزة، حيث تم تدمير أكثر من 40% من البنية التحتية، مع سقوط أكثر من 50,000 شهيد وإصابة عشرات الآلاف.
أهداف الأطراف المتحاربة:
–إسرائيل: سعت لتقويض القدرات العسكرية لحماس وإضعاف تأثيرها السياسي، لكنها فشلت في تحقيق انهيار كامل للحركة.
–حماس: رغم الخسائر، حافظت على قوة الردع وأظهرت قدرة على شن هجمات نوعية.
–التأثير الإقليمي والدولي: الحرب أثرت على الأمن الإقليمي، مما دفع دولاً مثل مصر وقطر وتركيا إلى التدخل كوسطاء لمنع تفاقم الأوضاع.
ثانياً: تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار
الشروط الإنسانية:
– فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود.
– إعادة تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في غزة التي توقفت خلال الحرب.
تبادل الأسرى:
– إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية (معظمهم مدنيون) مقابل الإفراج عن حوالي 2000 أسير فلسطيني.
– الاتفاق شمل ضمانات دولية لمنع إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين.
الترتيبات الأمنية:
– تشكيل لجنة مشتركة تضم ممثلين عن مصر وقطر لمراقبة تنفيذ الاتفاق.
– الالتزام بعدم استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية.
إعادة إعمار غزة:
– تخصيص صندوق دولي برعاية الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة.
– تعهدات بدعم مالي من دول خليجية وأوروبية.
ثالثاً: دلالات الاتفاق
نجاح الوساطة الإقليمية: أثبت الاتفاق دوراً محورياً لمصر وقطر في تهدئة الصراع، مما يعزز مكانتهما كوسيطين رئيسيين في المنطقة.
إسرائيل وحماس بين الانتصار والتنازل:
–إسرائيل: رغم تفوقها العسكري، عجزت عن القضاء على حماس، مما يُظهر حدود قوتها في النزاعات غير المتكافئة.
–حماس: اعتبرت الصمود في وجه إسرائيل إنجازاً سياسياً وعسكرياً، رغم الثمن الباهظ.
–الاعتراف الضمني بحماس كطرف تفاوضي: قبول إسرائيل الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع حماس يعكس اعترافاً عملياً بالحركة كقوة سياسية وعسكرية.
رابعاً: التحديات الراهنة
إعادة الإعمار:
-تحتاج غزة إلى أكثر من 12 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
-استمرار الحصار الإسرائيلي يعيق تدفق المواد الخام.
التوترات الداخلية:
مخاوف من صراعات بين الفصائل الفلسطينية حول إدارة عملية إعادة الإعمار وتقاسم السلطة.
التزام الأطراف بالاتفاق:
تاريخ الصراعات السابقة يُظهر ضعف الالتزام طويل الأمد، مما يثير الشكوك حول استدامة التهدئة.
دور الأطراف الخارجية:
– استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل يعقد أي محاولات لإحداث توازن في مسار التهدئة.
– ضعف الموقف العربي المشترك يؤثر على القدرة على التأثير في ديناميكيات الصراع.
خامساً: الآفاق المستقبلية
المسار السياسي:
– هناك حاجة لإطلاق عملية سلام جديدة تشمل أطراف الصراع كافة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
– أي تهدئة دائمة تعتمد على معالجة القضايا الأساسية، مثل الحدود، اللاجئين، ومستقبل القدس.
التحديات الأمنية:
– إمكانية تجدد القتال قائمة ما لم يتم التوصل إلى حلول جذرية.
– بقاء الحصار المفروض على غزة يشكل قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى صراع جديد.
الدور الدولي:
-تعزيز دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في فرض حلول مستدامة.
-ضمان مشاركة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا لتحقيق توازن في الرؤى.
ومما سبق نستطيع أن نؤكد أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يشكل محطة مؤقتة في صراع طويل ومعقد. إن النجاح في تحقيق سلام دائم يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تعالج جذور الصراع، بما يشمل القضايا الإنسانية، السياسية، والاقتصادية. ومع ذلك، فإن تحقيق ذلك مرهون بمدى التزام الأطراف كافة بوقف العنف، وقدرة المجتمع الدولي على فرض حلول عادلة وشاملة.
وفي ختام هذا الطرح، يبقى اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل يوم 19 يناير 2025 محطة حاسمة في مسار صراع دموي امتد لعقود، ولكنه ليس النهاية المرجوة التي تنتظرها الشعوب التواقة إلى السلام. فهذا الاتفاق، رغم ما ينطوي عليه من أبعاد إنسانية وسياسية، يظل رهيناً بمدى قدرة الأطراف المعنية على تجاوز معادلة القوة والانتقام، والانتقال إلى أرضية الحوار والاعتراف المتبادل. إنه اختبار حقيقي لإرادة المجتمع الدولي ومدى قدرته على تحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية في فرض سلام عادل وشامل ينهي الاحتلال، ويحقق العدالة للشعب الفلسطيني، ويضع حداً لمآسي العنف المتكررة.
لكن الواقع يشير بوضوح إلى أن أي سلام مستدام لا يمكن أن يتحقق ما لم يتم معالجة جذور الأزمة بشكل عميق، بدءاً من إنهاء الحصار وفتح الأفق السياسي والاقتصادي لشعب أنهكه الفقر والدمار، وصولاً إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية بأبعادها التاريخية والإنسانية والسياسية. فمن دون ذلك، سيظل وقف إطلاق النار مجرد هدنة مؤقتة، تحمل في طياتها بذور صراعات جديدة، تغذيها المعاناة المستمرة والإحباط المتزايد.
ويبقى السؤال المصيري: هل يمكن تحويل هذه الهدنة إلى نقطة انطلاق نحو سلام دائم يضمن الكرامة والحقوق للجميع، أم أنها ستكون مجرد محطة أخرى في دائرة العنف التي لا تنتهي؟ الإجابة على هذا السؤال تقع في صلب المسؤولية الجماعية للأنظمة الإقليمية والدولية، كما تعتمد على مدى استعداد الأطراف للتخلي عن الحسابات الضيقة وتغليب لغة العقل والمصلحة الإنسانية المشتركة.
إن هذا الاتفاق يجب أن يكون بداية لتحول جذري، ليس فقط في طبيعة الصراع، بل في إدراك العالم بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع محلي، بل قضية عدالة إنسانية تمثل اختباراً لضمير البشرية بأسرها. وإذا ما أخفق الجميع في هذا الاختبار، فإن المنطقة ستظل أسيرة دوامة العنف والتدمير، يدفع ثمنها الأبرياء، وتفقد فيها الأجيال القادمة حقها في العيش بكرامة وأمن وسلام.