الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

تداعيات سقوط النظام السوري علي دول أفريقيا جنوب الصحراء

اعداد : محمد الجزار  – باحث في شؤون السياسة الأفريقية 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

بعد سنوات من كفاح الشعب السوري العزيز من أجل الحرية والتغيير , سقط أخيرا نظام آل الأسد بعد أن استمر حكمه لسوريا ما يقرب من 55 عاما مقسمة بين الأب حافظ الأسد , والابن بشار الأسد , تم خلالها انتهاك كافة حقوق وحريات الشعب السوري بلا رحمة , وها هو يسقط رأس النظام ويهرب خارج البلاد , بعد أن أذاق شعبه الويلات ودمر بلاده , ومع دخول الشعب السوري والعديد من دول العالم في حالة نشوة وسرور احتفالا بسقوط هذا النظام البائد , فإن سقوطه سوف ينجم عنه العديد من التداعيات الإيجابية والسلبية التي ستمتد إلي العديد من دول العالم , ومن بينها دول القارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء , حيث سيكون هناك تداعيات علي مستوي العلاقات الدولية الأفريقية وتداعيات أخري علي مستوي النظم السياسية الأفريقية , كما ستمتد أبعادها إلي الجوانب الجيوسياسية والأمنية والإقتصادية ومن خلال هذا المقال سوف نوضح تداعيات سقوط نظام بشار الأسد علي دول أفريقيا جنوب الصحراء من خلال النقاط التالية :

أولا : التداعيات علي مستوي العلاقات الدولية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء :

أ-التداعيات علي العلاقات الأفريقية الروسية :

تعد روسيا هي الخاسر الأكبر بعد سقوط نظام بشار الأسد , وذلك لكونها كانت الحليف العسكري الأكبر الداعم لبقاء النظام السوري بجانب الميلشيات الشيعية الموالية لإيران وحزب الله , كما أنها حققت العديد من المكاسب السياسية والعسكرية والجيوسياسية بتواجدها في سوريا , والتي باتت في خطر بعد سقوط النظام وتمتد هذه الخسائر إلي علاقتها مع دول القارة الأفريقية وتتمثل هذه التداعيات فيما يلي :

1-تراجع الثقة في روسيا من قبل النظم الموالية لها في أفريقيا جنوب الصحراء :

فخلال السنوات القليلة الماضية حققت روسيا العديد من المكاسب الجيوسياسية في العديد من دول القارة الأفريقية وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء وبالأخص دول منطقة الساحل الأفريقي , حيث تصاعد النفوذ والتواجد الروسي في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطي وغينيا كوناكري , بل وغينيا الإستوائية وتشاد فضلا عن ليبيا في شمال أفريقيا , وذلك علي حساب تراجع النفوذ الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي سحبت أغلب قواعدها العسكرية من هذه الدول بعد ضغوط النظم الحاكمة الجديدة المتحالفة مع روسيا , ونظرا لسقوط النظام السوري بشكل مفاجئ وتخلي النظام الروسي عنه والسماح للمعارضة المسلحة بالتغلب عليه وتركه ينهار أخيرا دون دعم يذكر , فسوف يؤدي ذلك إلي تخوف النظم الأفريقية الموالية لروسيا وتراجع ثقتها في الكرملين , خوفا من احتمال أن يتم التخلي عنها من قبل روسيا بموجب صفقة سياسية مع الغرب , وهو ما سيجعلها تعيد التفكير في مستقبل العلاقات مع روسيا , والنظر إليها علي أنها شريك غير فعال في العلاقات الدولية وغير قادر علي حماية تلك النظم من السقوط . ([1])

2-خسارة القواعد العسكرية الروسية في سوريا سيقلل من قدرات الدعم الروسي لأفريقيا :

فمع سقوط النظام السوري أصبح مستقبل قاعدة حميميم الجوية الروسية الواقعة جنوب شرق مدينة اللاذقية السورية , والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس التي تعتبر نقطة الإصلاح والتجديد الوحيدة للبحرية الروسية في البحر المتوسط , تحت رحمة النظام الجديد الذي كانت روسيا تصفه بالإرهاب , والذي من المتوقع أن يطالب بإغلاقهم وهو ما تشير إليه الأحداث الجارية , حيث وردت أنباء عن استعداد روسيا لإخلاء أصولها من القاعدة الجوية , وقيامها بنقل أنظمة الدفاع الجوي ( S-400 ) و Tor)) إلي قاعدتها البحرية في طرطوس خوفا عليها من هجمات قوات المعارضة , وقد كانت روسيا تعتمد علي هذه القواعد العسكرية في تقديم الدعم للنظم السياسية الأفريقية الموالية لها , حيث من خلالها كانت تتم عمليات إرسال القوات والمعدات العسكرية إلي دول الساحل الأفريقي عن طريق ليبيا , وتقديم الدعم اللوجستي لحلفائها في دول المنطقة , وفي حالة خسارة هذه القواعد العسكرية سوف يتراجع النفوذ العسكري الروسي في أفريقيا , ويعجل بتخلي هذه النظم الأفريقية عنها , فضلا عن فقدان روسيا لمواقعها الاستراتيجية في القارة الأفريقية والتي كانت تستطيع من خلال تواجدها بها في التواجد في الممرات المائية المحيطة بدول القارة الأفريقية وخاصة في البحر المتوسط والبحر الأحمر , وبالتالي تشكيلها تهديد للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من خلال هذا النفوذ العسكري في أفريقيا . ([2])

3-اضطرار النظام الروسي للبحث عن مكان بديل في أفريقيا للحفاظ علي نفوذه :

فنظرا للمخاطر السابقة علي بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا بما تضمه من معدات وقوات , بجانب تصاعد المخاطر المتعلقة بالتشكيك في نفوذ روسيا الجيوسياسي , وتراجع تصيفها كقوة عظمي عالمية , فمن المتوقع أن تسعي روسيا إلي البحث عن أماكن بديلة لتعويض خسائرها في سوريا ونقل قواعدها العسكرية إليها , ولعل دولتي ليبيا والسودان هما من أقرب الدول الأفريقية التي يمكن لروسيا إقامة قواعد عسكرية لها فيهما , وذلك نظرا لوجود تواجد روسي فعلي في الصراعات السياسية الموجودة في هاتين الدولتين , بجانب وجود تفاهمات مع النظم الحاكمة فيهما من أجل إقامة قواعد عسكرية روسية علي أراضيها , فقد كان هناك أحاديث متعددة عن رغبة روسيا في إقامة قاعدة عسكرية لها علي ساحل البحر الأحمر في شرق السودان في مقابل دعم النظام الحاكم فيها ضد ميلشيات الدعم السريع التي أنهكت المؤسسة العسكرية , وكذلك يوجد تصريحات تتعلق برغبة روسيا في إنشاء قاعدة عسكرية لها في ليبيا تستطيع من خلالها التواجد علي ساحل البحر المتوسط , وفي حالة نجاح الجانب الروسي في تدشين مثل هذه القواعد سوف يتمكن من الحفاظ علي نفوذه في أفريقيا ويقوم بنقل المعدات العسكرية الموجودة في سوريا إليها . ([3])

4-مستقبل القوات العسكرية الروسية الموجودة في سوريا واحتمالات نقلهم إلي أفريقيا :

فبعد سقوط نظام بشار الأسد الذي كانت تدعمه القوات العسكرية الروسية سواء منها التابعة للمؤسسة العسكرية الروسية أو التابعة للشركات العسكرية الخاصة مثل مجموعة فاجنر وغيرها من ميلشيات ومرتزقة تابعين للكيان الروسي بصورة غير رسمية , فقد أصبح مستقبل وجودهم في سوريا علي المحك , ومن المتوقع قيام الجانب الروسي بنقل القوات العسكرية الغير رسمية التي قاتلت في سوريا إلي دول أفريقيا جنوب الصحراء وخاصة دول الساحل الأفريقي وعلي رأسها مالي , وضمهم إلي وحدات الفيلق الأفريقي الروسي , وذلك في حالة عدم نقلها تلك القوات إلي أوروبا للإستعانة بها في حربها مع جارتها أوكرانيا , أو علي النقيض من ذلك قد تؤدي الطعنة التي منيت بها روسيا في سوريا إلي نقلها تلك القوات إلي أوكرانيا بعد تصاعد الدعم العسكري المقدم لها من قبل الغرب , وترك الساحة الأفريقية مؤقتا . ([4])

5-التأثير سلبا علي المصالح الإقتصادية الروسية مع دول القارة الأفريقية :

فقد يدفع هزيمة روسيا في سوريا بسقوط النظام الموالي لها , النظم الأفريقية التي كانت تعتمد عليها في التفكير في مدي جدوي العلاقات الاقتصادية مع روسيا خاصة في أنها سمحت بالتوغل الروسي في الأنشطة الإقتصادية الأفريقية وخاصة في عمليات استخراج الثروات والمعادن الأفريقية وعلي رأسها الذهب مقابل حماية هذه النظم والحفاظ علي بقاؤها من السقوط , حيث وجدت علاقة منفعة متبادلة بين الطرفين لكنها كانت منفعة عظمي لصالح روسيا , فمن خلال عمليات النهب الروسي للذهب الأفريقي من دول الساحل الأفريقي فضلا عن السودان وكذلك نهب النفط من ليبيا , فقد استطاعت روسيا التغلب علي العقوبات الغربية المفروضة عليها نتيجة لغزوها أوكرانيا , حيث ساهمت ألاف الأطنان من الذهب الأفريقي المنهوب في دعم الاقتصاد الروسي , بجانب ملايين الدولارات التي حصلت عليها روسيا من عمليات بيع السلاح لتلك النظم الأفريقية , ومع تبدد آمال هذه النظم الأفريقية وسقوط شرعية النهب الروسي لموارد شعوبها التي تقاسي الفقر والحرمان في مقابل حماية أفراد النظم الحاكمة , فقد تتغير المعادلة , وتفقد روسيا مصالحها الاقتصادية وخاصة الاستخراجية في دول أفريقيا جنوب الصحراء . ([5])

ب-التداعيات علي العلاقات الأفريقية مع القوي الغربية :

يعد سقوط النظام السوري دليلا علي استمرارية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين في قيادة النظام العالمي والسيطرة علي إدارة شؤون العالم حتي الآن , رغم ما تم تسويقه من تحول النظام الدولي إلي نظام متعدد الأقطاب عقب تدخل النظام الروسي في الحرب الأهلية السورية , وانطلاقا من ذلك الأمر فسوف يكون هناك العديد من التداعيات علي العلاقات الغربية مع دول القارة الأفريقية , وخاصة الدول الموالية لروسيا وتتمثل تلك التداعيات في إعادة تفكير الدول الأفريقية الموالية لروسيا في إصلاح علاقاتها مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , فمع سماح الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين للمعارضة المسلحة في سوريا بإسقاط نظام الأسد غير مبالين بردود الفعل الروسية فإن ذلك سوف يجعل النظم العسكرية الحاكمة في أفريقيا والموالية لروسيا وعلي رأسها كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو , تفكر في إعادة صياغة سياستها الخارجية مع الولايات المتحدة وفرنسا والغرب , وتعمل علي إعادة ترتيب أوراقها , رغم ما قامت به من إظهار العداء للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة , وطرد القواعد العسكرية التابعة لها ولحلفائها , والإرتماء في أحضان المعسكر الشرقي بقيادة روسيا , وهو ما يعد خطأ استراتيجي في إدارة سياستها الخارجية , فليس من الذكاء السياسي في العالم المعاصر إعلان الولاء الكامل لأحدي القوي الدولية علي حساب معاداة قوة دولية أخري أو قطع العلاقات معها , بل الدول الناجحة هي التي تبني سياسة خارجية ذكية تستطيع من خلالها الحصول علي مكاسب سياسية واقتصادية من كافة القوي دون معاداة أحد , مع العمل علي توازن علاقتها الخارجية وانفتاحها علي جميع القوي الدولية والإقليمية بما يعزز من انخراط هذه النظم في المنظومة الدولية ويعزز من المكاسب والفرص التي ستحصل عليها , أما رفع تلك النظم راية العداء للمعسكر الغربي , تحت ذريعة محاكمته علي جرائمه الإستعمارية لن يصب في صالح تلك النظم ولن يصلح أخطاء الماضي الاستعماري , بل سيخلق أعداء للنظام يعملون علي إسقاطه وإدخاله في أزمات سياسية متتالية تجعله يفقد شرعيته أمام شعبه , وبجانب ذلك فيمكن أن تسعي الدول الأفريقية الراغبة في الحصول علي دعم عسكري أن تلجأ إلي حلف شمال الأطلسي كخيار بديل لروسيا , بعد فشلها في الحفاظ علي بقاء نظام الأسد الموالي لها . ([6])

ج- التداعيات علي العلاقات الأفريقية مع إيران وحلفائها :

نظرا لتصاعد الخسائر السياسية والعسكرية التي منيت بها إيران في سوريا وسقوط نظام الأسد كأحد حلفاء إيران في المنطقة , بجانب الخسائر التي لحقت بميلشيات حزب الله اللبناني الموالي لإيران أيضا , فقد تسعي إيران للبحث عن أماكن جديدة لإعادة توطين ميلشياتها العسكرية التي كانت متواجدة في سوريا ولبنان والعمل علي نقلهم إلي بعض الدول الأفريقية التي بها جيوب وحركات شيعية موالية لإيران مثل نيجيريا , بجانب سعيها إلي خلق مناطق نفوذ بديلة تستطيع من خلالها تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من أجل التغلب علي العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد الخسائر المتعاقبة التي لحقت بها في منطقة الشرق الأوسط ولهذا قد تلجأ إلي بعض دول القارة الأفريقية كملاذ بعيد تستطيع من خلاله إعادة بناء ميلشياتها مرة أخري , وإن كان ذلك التصور قد تكون له الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالمرصاد , خاصة أنه من المتوقع أن تسير أغلب النظم الأفريقية في فلك الولايات المتحدة الأمريكية , وتتبني توجهاتها في التضيق علي إيران والحركات التابعة لها , والبعد عن استضافة أية ميلشيات إيرانية علي أراضي أفريقية خوفا من العقوبات الأمريكية , وهو نفس التصور بالنسبة لميلشيات حزب الله اللبناني أو حتي القيادات العسكرية السورية التي ارتكبت جرائم حرب ضد الشعب السوري والتي قد تسعي للهروب إلي دول القارة الأفريقية وإنشاء استثمارات ومشروعات اقتصادية لهم وخاصة في دول غرب أفريقيا التي يتواجد بها جاليات لبنانية وسورية , بعيدا عن اللجوء أو الهجرة إلي أوروبا , والتي قد تقوم دولها بمحاكمتهم وتسليمهم للنظام الجديد إذا ما اعترفت به . ([7])

د-التداعيات علي العلاقات الدبلوماسية الأفريقية مع النظام السوري الجديد :

لقد أسفرت الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في حق الشعب السوري إلي دخول النظام في عزلة دبلوماسية كبيرة امتدت حتي إلي العديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء , والتي امتنعت عن التعامل مع النظام خوفا من الإدارة الأمريكية التي قد توقع عقوبات عليها بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الذي يستهدف الأفراد والشركات التي تقدم تمويل أو مساعدة للنظام السوري , ولم يقطع هذه العزلة إلا الرئيس السوداني المعزول عمر البشير بعدما قام بزيارة في ديسمبر 2018 إلي الرئيس السوري الهارب بشار الأسد في الوقت الذي كانت جامعة الدول العربية قد علقت فيه عضوية سوريا بالجامعة , ومع سقوط النظام السوري فقد يكون هناك مسارا جديدا للعلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري الجديد ودول القارة الأفريقية , وذلك في حالة تسامح القوي الغربية مع هذا النظام الجديد , حيث أن هيئة تحرير الشام  التي أسقطت نظام الأسد , لاتزال مدرجة من قبل الأمم المتحدة تحت نظام العقوبات الخاص بالجماعات الإرهابية كداعش وتنظيم القاعدة , كما أنها أيضا مدرجة علي قوائم الإرهاب الأمريكية , ولهذا فإن التصنيف المستقبلي للنظام السوري الجديد من قبل الإدارة الأمريكية سوف يكون عامل أساسي في إقامة العلاقات الدبلوماسية الأفريقية مع هذا النظام , وخاصة أن سوريا الجديدة تحتاج إلي المجتمع الدولي واستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الجميع وخاصة مع الدول الأفريقية التي تتمتع بكتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة , قد تنفعها في حالة التصويت علي أية قرارات تتعلق بها مستقبلا , خاصة في حالة تطبيع الدول الأفريقية مع النظام الحاكم الجديد لسوريا لكونه يتم تصنيفه علي أنه نظام جهادي إسلامي وهو ما قد يزعج العديد من دول القارة الأفريقية التابعة للقوي الدولية والإقليمية التي ترفض صعود هذه النظم إلي السلطة وتعتبرها معادية لها , ولذلك تسعي منذ اللحظة الأولي إلي إسقاطها لمنع بقائها في السلطة .([8])

ثانيا : التداعيات علي مستوي النظم السياسية الأفريقية :

يوجد العديد من التداعيات الإيجابية والسلبية لسقوط النظام السوري علي مستوي النظم السياسية الأفريقية ويمكن عرضها فيما يلي :

أ-التداعيات علي المستوي السياسي :

1-مراجعة النظم الأفريقية المتأزمة للمشهد السياسي الداخلي :

فمع سقوط نظام الأسد استعدت العديد من الشعوب الأفريقية موجة سقوط النظم المستبدة التي صاحبت ثورات الربيع العربي , وهو ما أعطي دفعة معنوية لتيارات المعارضة في الدول التي تشهد حالة من الانسداد السياسي وغلق المجال العام إلي إعادة مطالبتها بالتغيير الآمن , والالتزام بقواعد التناوب السلمي للسلطة , وتقاسم السلطة والثروة , والبعد عن قمع المعارضة الذي أدي إلي تدمير الدولة السورية في النهاية , ومع هذه الدعوات فمن المحتمل أن تتبني أمثال هذه النظم الأفريقية سياسات تدور ما بين تعزيز وإحكام القبضة الأمنية لإسكات وترهيب المعارضة والحفاظ علي الوضع القائم , أو علي النقيض تقديم بعض التنازلات الجزئية من أجل إرضاء المعارضة ومنع تصعيد مطالبها واحتوائها . ([9])

2-محاولة إنهاء الأزمات والصراعات السياسية الداخلية :

عقب تغير الإدارة الأمريكية وعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب , تتطلع بعض الدول الأفريقية التي ابتليت بالحروب الأهلية والصراعات المسلحة مثل السودان إلي وقف الصراع فيها , ووقف تمرد ميلشيات الدعم السريع ضد المؤسسة العسكرية الوطنية والشعب السوداني الشقيق , تيمنا بسقوط نظام الأسد ورفع المعاناة في الوقت الحالي عن الشعب السوري الشقيق , وهو ما ترجو النظم الأفريقية أن يتكرر فيها بعدما تراخت الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن في تسوية هذه الأزمات والصراعات الداخلية في الدول الأفريقية , حيث يتطلع البعض إلي سقوط ميلشيات الدعم السريع المدعومة من روسيا وميلشيات فاجنر الروسية كذلك , مثلما سقطت الميلشيات الطائفية التي كانت تدعم نظام الأسد في سوريا . ([10])

3-إصلاح المؤسسات العقابية الأفريقية خوفا من مصير الأسد :

بعد اقتحام المعارضة السورية المسلحة للسجون السورية التي ضمت ألاف المعارضين السوريين وعلي رأسها سجن صيدنايا الذي تم الكشف عن ارتكاب أبشع الجرائم بداخله تجاه أبناء الشعب السوري الشقيق ووصفه بأنه مسلخ بشري , فمن المحتمل أن تتبني النظم الأفريقية سياسات جديدة لإصلاح المؤسسات العقابية وعلي رأسها السجون الأفريقية والتي يوجد من بينها العديد من السجون سيئة السمعة , خوفا من اقتحام هذه السجون يوما ما وتحرير المعارضين وكشف جرائم تلك النظم التي تشهد حالة من الإنسداد السياسي .([11])

ب-التداعيات علي المستوي الأمني :

1-وقف تدفق المخدرات وعلي رأسها مخدر الكبتاجون إلي دول القارة الأفريقية :

حيث كشفت التحقيقات الصحفية عن تورط أفراد من عائلة الرئيس الهارب بشار الأسد في تجارة مخدر الكبتاجون , وذلك بالتعاون مع أعضاء بارزين في القوات المسلحة السورية , حيث تم وصف النظام البائد بأنه يرعي دولة المخدرات وذلك بهدف تمويل أنشطته الإجرامية في قمع المعارضة السورية والشعب السوري الحالم بالتغيير , وسعيه من خلال موارد تجارة المخدرات في دفع رواتب الجنود الذين تقاعسوا في النهاية عن حماية النظام بعد عجزه وفشله في دفع رواتبهم , بعد التضيق عليه ومحاولة منعه من تجارة المخدرات ومنع نقلها إلي دول الجوار السوري , وهو ما دفع النظام إلي نقل هذه المخدرات إلي أفريقيا محاولا وجود أسواق لها , ليربح منها ملايين الدولارات , وهو ما جعل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تقوم بفرض مجموعة من العقوبات علي مجموعة من الأشخاص بما فيهم اثنين من أبناء عمومة الرئيس الهارب بشار الأسد بتهمة تورطهم في تجارة مخدر الكبتاجون , كما استعان النظام أيضا بعوائد تجارة هذا المخدر للتغلب علي العقوبات الإقتصادية والعزلة السياسية المفروضة عليه , ومع سقوط النظام السوري فسوف تتوقف تجارة هذا المخدر بصورة كبيرة وتقل فرص انتقالها إلي دول القارة الأفريقية . ([12])

2-وقف تجارة الأسلحة غير المشروعة وعمليات غسيل الأموال في أفريقيا :

فبسبب العقوبات المفروضة علي نظام بشار الأسد فقد استعان ببعض النظم الأفريقية في الحصول علي شحنات أسلحة استعان بها في سحق شعبه , وذلك بالتعاون مع بعض الدول الأفريقية الجزرية , كما قامت أيضا شركات سورية بإنشاء شركات وهمية في دولة سيشل الأفريقية لتجنب العقوبات المالية المفروضة علي النظام السوري , وذلك حسبما كشفت أوراق بنما في 2016 , حيث اتهمت دولة سيشل بلعب دور كبير في الحفاظ علي بقاء نظام الأسد في الحكم من خلال مساعدته علي الإفلات من العقوبات المالية والإقتصادية , ومع سقوط النظام السوري , سوف تتراجع الدول الأفريقية التي انخرطت معه في عمليات تجارة الأسلحة غير المشروعة وعمليات غسيل الأموال . ([13])

3-احتمالات انتقال المقاتلين من أفريقيا إلي سوريا والعكس :

فمن بين التداعيات السلبية التي يمكن أن تنجم عن سقوط نظام الأسد في سوريا هو مسألة انتقال المقاتلين من سوريا إلي أفريقيا والعكس , حيث يمكن أن يقوم المقاتلين الموالين إلي تنظيم القاعدة في أفريقيا والذين كانوا قد فروا من سوريا والعراق منذ سنوات ويحملون الجنسية السورية بالعودة إلي سوريا والإنضمام إلي هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني والإنخراط تحت قيادته أو علي العكس من ذلك الانضمام إلي جماعات وحركات جهادية متفقة معها في الأهداف أو حتي العودة للإنضمام إلي بقايا تنظيم القاعدة الموجودين في سوريا والعراق ومقاتلة هيئة تحرير الشام لانتزاع الحكم منها لأنفسهم , بجانب إمكانية انتقال أفراد من الجماعات الجهادية الموجودة في الصومال أو منطقة الساحل الأفريقي أو في منطقة المغرب العربي إلي سوريا بحثا عن مكان آمن بعد عمليات الاستهداف المستمرة من حين لآخر في أفريقيا تجاههم , وهو ما سيشكل عبئا علي كلا النظامين وذلك لأن المقاتلين الذين يحملون جنسية أحد الدول الأفريقية سوف يسببون متاعب للنظام الحاكم فيها , وعلي الجانب الآخر يمكن للمقاتلين الموجودين في سوريا الذين يحملون جنسية بعض الدول الأفريقية أو حتي لا يحملونها بالانتقال إلي البؤر الجهادية بمنطقة الساحل للإنضمام إلي تنظيمات جهادية متوافقة معها في الرؤية والعقيدة والأهداف وهو ما سيشكل تحدي خطير علي النظم الأفريقية كذلك . ([14])

4-عودة اللاجئين السوريين إلي بلادهم :

رغم أن اللاجئون السوريون يشكلون نسبة قلية في دول أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بعددهم في دول أفريقيا شمال الصحراء , فسوف تعمل الدول الأفريقية علي إعادتهم إلي سوريا , خاصة في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية في دول القارة , وعدم قدرتها علي استيعاب اللاجئين من جنسيات أخري , وخاصة في ظل ارتفاع موجات العداء للأجانب في داخل العديد من دول القارة الأفريقية مثل جنوب أفريقيا , حيث ينظر لهم علي أنهم يستولون علي الفرص الإستثمارية ويقيمون المشاريع الناجحة علي حساب المواطنين الأفارقة .

ج-التداعيات علي المستوي الإقتصادي :

1-إمكانية استثمار الشركات الأفريقية في عمليات إعادة الإعمار :

تعد عمليات إعمار سوريا هي الأولوية القصوى خلال الفترة المقبلة , ورغم أن الشركات الغربية والصينية هي الشركات الأكثر حظا في الدخول في عمليات إعادة الإعمار بما يضمن لها أرباحا كبيرة , يمكن للشركات الأفريقية الكبيرة البحث عن فرص استثمارية في عمليات إعادة إعمار سوريا وهو ما سيعود علي الدول الأفريقية التي تتبعها هذه الشركات بالنفع الإقتصادي .

2-توفير فرص عمل للشباب الأفارقة في عمليات إعادة إعمار سوريا :

حيث يستطيع الشباب الأفريقي الباحث عن فرص عمل أن يستفيد من الفرص التي ستتاح خلال عمليات إعادة إعمار سوريا , مما يحقق له دخل معقول , وخاصة للفئات المتخصصة في مجال المعمار وخدمات الإنشاءات والبناء والتصنيع وغيرها من الحرف المهنية والخدمية .

3-تصفية الأنشطة الاقتصادية السورية في أفريقيا ونقلها إلي سوريا :

حيث يمكن أن يقوم رجال الأعمال والمستثمرين السوريين بوقف أنشطتهم الإقتصادية في دول القارة الأفريقية سواء الأنشطة المتعلقة بمجال المطاعم أو الخدمات أو العطور أو صناعة الملابس أو غيرها من أنشطة ونقلها إلي سوريا وهو ما يعد أمر سلبي نظرا لأن الدول الأفريقية التي كانت تمارس فيها هذه الأنشطة الاقتصادية كانت تستفيد بوجودها لكونها تحصل منها علي ضرائب , وتضمن تشغيل عمالة أفريقية في هذه الأنشطة , وتقلل من فرص البطالة بين الشباب .

ثالثا : الخاتمة :

في نهاية هذا المقال يمكن القول أن سقوط النظام السوري كان بمثابة زلزال سياسي أسفر وسيفسر عن العديد من التداعيات علي كافة دول العالم بما فيها دول أفريقيا جنوب الصحراء , وخاصة علي مستوي العلاقات الدولية , ونظرا لأن النظام السوري الجديد مازال في مرحلة النشأة والتكوين فسوف تظهر الأيام المقبلة طبيعة مسارات النظام وسياسته الخارجية التي يمكن أن يتعامل بها مع دول القارة الأفريقية , وذلك في حالة بقاؤه في السلطة مستقبلا , حيث تواجهه العديد من التحديات وعلي رأسها تحدي الإعتراف والشرعية الدولية والإقليمية للنظام .

الإحالات والهوامش :

)[1](- Sheriff Bojang Jnr ; ” Why Assad’s fall in Syria may limit Russia’s operations in Africa ” , at , https://www.theafricareport.com/370967/explainer-why-assads-fall-in-syria-may-limit-russias-operations-in-africa/ , 9/12/2024 .

)[2](- Ivan Diakonov ; ” Military bases loss in Syria will be a blow to Russia’s geopolitical ambitions in Africa – ISW ” , at , https://www.pravda.com.ua/eng/news/2024/12/9/7488298/ , 9/12/2024.

)[3](- Mathieu Olivier ; ”  Russie-Afrique : les conséquences de la chute d’Assad pour le continent ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1638941/politique/russie-afrique-les-consequences-de-la-chute-dassad-pour-le-continent/ , 9/12/2024.

)[4](- Haitham Nouri ; ” Strategic priorities at stake as Russia faces renewed Syrian civil war challenges ” , at ,  https://english.ahram.org.eg/NewsContent/2/8/536464/World/Region/Strategic-priorities-at-stake-as-Russia-faces-rene.aspx , 7/12/2024.

)[5](- Mahamadou Kane ; ” La chute de Bachar al-Assad vue depuis Bamako ” , at , https://www.dw.com/fr/la-chute-de-bachar-al-assad-vue-depuis-le-mali/a-71007266 , 9/12/2024.

)[6](- Michael Hirsh ; ” A Top Syria Expert Explains Washington’s Next Move ” , at , https://www.politico.com/news/magazine/2024/12/09/assad-downfall-syria-opportunity-donald-trump-00193218 , 9/12/2024.

)[7](- Michel Martin , Greg Myre ; ” A look at what the fall of the Assad regime in Syria means for the U.S.” , at , https://www.npr.org/2024/12/09/nx-s1-5221456/a-look-at-what-the-fall-of-the-assad-regime-in-syria-means-for-the-u-s , 9/12/2024.

)[8](- Hugo Bachega ;” End of Assad rule will reshape region’s balance of power ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/c8j99447gj1o , 8/12/2024.

)[9](- Lina Khatib ; ” Assad’s Fall Is the Middle East’s 1989 ” , at , https://foreignpolicy.com/2024/12/09/assad-syria-fall-axis-resistance-iran-middle-east-israel/ , 9/12/2024.

)[10](- Oscar Rickett and Mohammed Amin ; ” Sudan war: Russia hedges bets by aiding both sides in conflict ” , at , https://www.middleeasteye.net/news/russia-sudan-war-saf-rsf-hedges-bets-both-sides-support , 6/5/2024 .

)[11](-Nissim Gasteli ; Syrie : à la prison de Saydnaya, l’espoir brisé des familles de disparus ” , at , https://www.lemonde.fr/international/article/2024/12/10/syrie-a-la-prison-de-saydnaya-l-espoir-brise-des-familles-de-disparus_6439197_3210.html , 10/12/2024.

)[12](- Soufiane Khabbachi ; ” Drogue – Captagon : après le Moyen-Orient, l’Afrique ?” , at , https://www.jeuneafrique.com/1356342/politique/drogue-captagon-apres-le-moyen-orient-lafrique/ , 25/6/2022.

)[13](- James Denselow ; ” Panama Papers: How the Seychelles saved Syria ” , at , https://www.aljazeera.com/opinions/2016/4/12/panama-papers-how-the-seychelles-saved-syria , 12/4/2016.

)[14](-” Quitter la guerre civile en Syrie pour devenir mercenaire en Afrique ” , at , https://www.bbc.com/afrique/articles/c3gw9nj94gjo , 18/7/2024 .

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى