تجدد النزاع في الكونغو الديمقراطية … الأبعاد والدوافع

اعداد : نهى أحمد عبدالرحمن أبو العنين – باحثة دكتوراه في الشئون الأفريقية
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
أدى النزاع في الكونغو الديمقراطية في الأسابيع الأخيرة بين حركة “إم 23″ والجيش الكونغولي والمليشيا الموالية له في إقليم كيفو الشمالي الى تزايد النزوح الجماعي وتدهور الأوضاع الإنسانية . (1) فقد استطاعت حركة “إم 23″ السيطرة على عدة مناطق في إقليم كيفو الشمالي ، حيث صعّدت من نشاطاتها المسلّحة منذ 2024 ، وذلك عقب تعثّر مفاوضاتها مع الحكومة الكونغولية ، واستطاعت السيطرة على مدينة غوما – الأكبر في شرق الجمهورية – ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان (نحو ربع مليون نازح حتى منتصف يناير 2025)، وهو ما خلق أزمة إنسانية في أوضاع معيشية هشّة في الأساس، في إقليم تتجاوز كثافته السكانية الـ 6 ملايين نسمة، يتوزعون على 3 مدن رئيسية، هي غوما وبيني وبوتمبو، بالإضافة إلى 6 مقاطعات، هي بيني ولوبيرو وماسيسي ونيراغونغو وروتشورو واليكالي. (2)
ويعد الهجوم الأخير على غوما هو الأحدث من بين سلسلة من الهجمات من جانب الجماعات المسلحة المدعومة من رواندا ، والتي كانت تتنافس على الموارد الطبيعية والأراضي في شرق الكونغو الديمقراطية منذ أواخر التسعينات . حيث تعد الكونغو الديمقراطية موطناً لأكبر احتياطيات العالم من المعادن المستخدمة في انتاج الاليكترونيات المتقدمة ، ومع تزايد الاحتياج لتلك المعادن ، أصبحت الأطراف الإقليمية والدولية أكثر تحفزاً للأنخراط في النزاع الكونغولي . (3) كما يعكس الصراع في الكونغو الديمقراطية فراغاً أمنياً هائلاً وقدرة مؤسسية ضعيفة ، فالحكومة تسعى لبسط سيطرتها وسلطتها على أجزاء عدة من البلاد . (4)
وتسعى العديد من البلدان للتوسط في محاولة لنزع فتيل الأزمة بين جمهوريتي رواندا والكونغو الديمقراطية ، التي تفاقمت مع عودة تمرد حركة “إم23”.
ورغم الجهود الدبلوماسية التي يبذلها العديد من القادة، لكن لا تزال المفاوضات بين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي تواجه طريقاً مسدوداً. (8)
وينطوي الصراع في الكونغو الديمقراطية على العديد من الفاعليين والعلاقات المتشابكة ما يؤدي الى صعوبة فهم من يريد ماذا ولماذا واين . ولفهم ذلك لا بد من تحليل مختلف أبعاد وأسباب وأطراف النزاع ، وهو ماسوف تتناوله هذه الورقة البحثية .
أولاً : الأطراف الفاعلة في الصراع في الكونغو الديمقراطية .
- رواندا .
تعد رواندا هي الفاعل الرئيسي في النزاع في الكونغو الديمقراطية ، حيث يتهم الرئيس الكونغولي الزعيم الرواندي بول كاغامي بدعم حركة “إم 23” بالأسلحة والقوات، ويتهم كيغالي بغزو الأراضي الكونغولية بهدف نهب الثروة المعدنية في البلاد وتدبير تغيير النظام ، (9) فقد أسفرت المواجهات العسكرية الأخيرة بين متمردي حركة “إم 23″ والقوات الكونغولية، عن تصاعد حدة التوتر السياسي في العلاقات الثنائية بين الجانبين ، وطالبت الكونغو الديمقراطية المجتمع الدولي، في 4 فبراير الجاري، بفرض عقوبات على رواندا للحد من صراع المتمردين في شرق الكونغو والحفاظ على السلام في المنطقة ، ودفعها للانخراط بشكل هادف في أي مفاوضات، كما طالبت الكونغو رواندا في 28 يناير الماضي، بوقف أنشطتها الدبلوماسية والقنصلية بالكونغو وهو ما ينعكس على اتجاه العلاقات الكونغولية الرواندية إلى مزيد من التصعيد السياسي، إلى حد يمكن وصفه بقيام الكونغو بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع رواندا، فقد استدعت حكومة الكونغو الديمقراطية دبلوماسييها الموجودين لدى رواندا . (10)
غير أن وزير الخارجية الرواندي ” أوليفييه ندوهونجيرهي ” ينفي تورط جنوده او وجود اي وحدات لجيش بلاده في الأراضي الكونغولية ، لكن تتهم الأمم المتحدة وواشنطن وباريس رواندا بدعم حركات التمرد في الكونغو الديمقراطية ، (11) ويعود الدعم الرواندي للميليشيات المسلحة في شرق الكونغو الى تسعينات القرن الماضي ، فعقب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 بدأت حرب الكونغو الأولى (1996-1997) حيث قام متطرفون من عرقية الهوتو بقتل نحو مليون من أقلية التوتسي العرقية والهوتو في رواندا . فاثناء وبعد الإبادة الجماعية، عبر نحو مليوني لاجئ من الهوتو الحدود الكونغولية، واستقر معظمهم في مخيمات اللاجئين في مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو.
وكانت مجموعة فرعية صغيرة من الروانديين الذين دخلوا جمهورية الكونغو الديمقراطية من متطرفي الهوتو قد بدأوا في تنظيم الميليشيات داخل الكونغو. وحينها اشتدت الضغوط عندما نظمت ميليشيات التوتسي صفوفها ضد جماعات الهوتو وبدأت القوى الأجنبية في الانحياز إلى أحد الجانبين .
وعقب انتصار الجبهة الوطنية الرواندية على حكومة الإبادة الجماعية الرواندية، بدأت الحكومة الجديدة بقيادة التوتسي تدخلها في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة آنذاك بجمهورية زائير). فقد شنت رواندا بقيادة الرئيس بول كاغامي، وميليشيات التوتسي المتمركزة في الكونغو بدعم رواندي، غزوًا لزائير، التي كان يحكمها موبوتو آنذاك. (12)
وبررت رواندا تدخلها في الكونغو بالقول إن مجموعات الهوتو في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لا تزال تشكل تهديدًا لسكانها من التوتسي وأن نظام موبوتو كان يؤوي متطرفين من الهوتو الذين فروا عبر الحدود.(13) ودائماً ما ترفض رواند الاتهاما الموجهة لها بدعم متمردي “إم 23” ، وتنتقد تجاهل المجتمع الدولي للاسباب الحقيقية لتجدد الصراع المستمر في شرق الكونغو الديمقراطية ، وطالبت المجتمع الدولي بتوجيه الاتهام للحكومة الكونغولية لعدم قدرتها على مواجهة المتمردين ونزع أسلحتهم ، وطالبت ببحل تلك المشكلة من خلال الحوار المباشر مع المتمردين ، وأن عدم اللجوء لهذا الحل سوف يؤجج الصراع من جديد. (14) ومن ثم تسعى رواندا الى التأكيد على أن النزاع هو مشكلة كونغولية ، وأن تأججه يعود لعدم قدرة الكونغو الديمقراطية على إدارته ورفضها التفاوض مع جماعة “إم 23” .
غير أن الكونغو الديمقراطية تؤكد على توجيه التهم لرواندا بدعم متمردي “إم 23” عبر نشر الآلاف من قواتها المسلحة ومعداتها العسكرية داخل الأراضي الكونغولية المتاخمة لرواندا، وذلك لتسهيل تقديم كافة أنواع الدعم العسكري والمادي للمتمردين بمنطقة شرق الكونغو، مستندة في ذلك إلى البيانات الصادرة عن مجموعة خبراء الأمم المتحدة في عام 2022، التي تشير إلى تورط رواندا في دعم المتمردين؛ ومن ثم تهديد الأمن القومي لدولة الكونغو الديمقراطية. (15) ايضاً استفادت رواندا من إرث الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 لتأمين التدفق المستمر للمساعدات الغربية، وهو ما ساعدها من المشاركة في حروب بالوكالة في الكونغو دون عواقب تذكر.كما إن تورطها في دعم حركة 23 مارس موثق جيدًا، مع وجود أدلة من تقارير مجموعات خبراء الأمم المتحدة تظهر أن الجماعة تتلقى أسلحة وقوات ومساعدات لوجستية من رواندا . ويعتقد أيضا أن أوغندا تدعم المتمردين، بينما تدعم بوروندي الحكومة الكونغولية. (16)
ومن ثم تعد العلاقة بين حركة 23 مارس والحكومة الرواندية من أكثر المواضيع إثارة للجدل، فرواندا تنفي باستمرار دعمها للمجموعة المتمردة في حين أصدرت مجموعة خبراء الأمم المتحدة بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية معلومات مفصلة في تقاريرها حول الدعم العسكري الرواندي للحركة، والذي ينطوي على جوانب مختلفة كالمقاتلين والمساعدات اللوجستية والدعم السياسي. (17)
- التحالف بين اوغندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية .
تشكل التحالفات الإقليمية المتغيرة باستمرار بين رواندا وأوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية عاملاً آخر يزيد من تعقيد الأمر. واتهمت رواندا جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي، التي لديها ما يصل إلى 10 آلاف جندي وميليشيا حكومية تعرف باسم إمبونيراكور في الشرق، بالعمل مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا وجماعات أخرى مثل ميليشيا وازاليندو. هناك مخاوف واسعة النطاق بين الكثيرين على الأرض في بوكافو في جنوب كيفو – حيث يتمركز الجنود البورونديون – من اندلاع العنف في أي وقت مع انسحاب المزيد من قوات الكونغو إلى هناك بالقرب من جوما.
وتعد بوكافو بالفعل مركز الاشتباكات بين الجماعات المتمردة البوروندية والجيش البوروندي. ويعد سهل روزيزي، الذي يواجه العاصمة التجارية لبوروندي، بوجومبورا، أيضًا محورًا لهذه التوترات. وبالتالي فإن هناك احتمال كبير أن يؤدي تصاعد القتال في مقاطعتي كيفو إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا .ومع سيطرة حركة 23 مارس عملياً على كل شمال كيفو وضغطها بشكل أعمق في جنوب كيفو، ربما تشهد المنطقة بداية حملة تهدف إلى تحقيق مجموعة أكبر من الأهداف العسكرية وربما بناء تحالفات جديدة.
لقد حدث الهجوم على غوما أيضًا في سياق أمني متغير. ولا يبدو أن أوغندا ورواندا، الحليفين الأقوياء السابقين، أصبحا خصمين لدودين والآن شريكين دبلوماسيين، كما كانت الحال عندما استولت حركة 23 مارس على المدينة في عام 2012. وفي عام 2014، اختفى حوالي 1000 مقاتل من حركة 23 مارس من قاعدة عسكرية في غرب أوغندا حيث تم تجميعهم بعد تفككهم في عام 2013 . ثم في عام 2021، بدأت أوغندا، من خلال اتفاقية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، في مشروعات بنية تحتية في شمال كيفو، من بوناغانا إلى روتشورو في غوما، وصولا إلى الحدود الرواندية.
وتتمتع أوغندا ورواندا بتاريخ طويل من التدخل العسكري في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أولاً كحلفاء خلال حرب الكونغو الأولى تحت قيادة عسكرية مشتركة ضد االرئيس الكونغولي موبوتو سيسي سيكو. وكانا آنذاك متنافسين عندما قاتلا على الأراضي الكونغولية لدعم الحركات المتنافسة التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة الكونغولية برئاسة لارونت كابيلا خلال حرب الكونغو الثانية. ومن الصعب التنبؤ بكيفية تعامل البلدين ، اللذين شهد كبار قادتهما العسكريين موجة من التبادلات في الأشهر الأخيرة، مع بعضهما البعض في أحدث تصعيد للتوتر. (18)
- الدور الأمريكي – الصين .
تؤثر الأزمة بشكل وثيق على القوتين العظميين العالميتين، الولايات المتحدة والصين، وتتشابك مع مشروع البنية التحتية الضخم المعروف باسم ممر لوبيتو، وهو مشروع السكك الحديدية الطويلة الذي يبلغ طوله 1.300 كيلومتر – والذي تموله الولايات المتحدة ومن قبل الولايات المتحدة. الاتحاد الأوروبي – الذي يهدف إلى ربط الأحواض المعدنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بزامبيا وميناء لوبيتو الأنغولي على المحيط الأطلسي. مشروع يهدف إلى أن يكون الحل لطريق الحرير الجديد الصيني (مبادرة الحزام والطريق). وقد أدت الموارد الطبيعية الوفيرة الموجودة في باطن الأرض الكونغولية إلى عولمة الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبينما كانت الشركات الأمريكية تمتلك ذات يوم مناجم ضخمة للكوبالت في الكونغو، فقد تم بيع معظمها في السنوات الأخيرة لشركات صينية . وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية CFR ، وهو مركز أبحاث أمريكي متخصص في السياسة الخارجية والشؤون الدولية، لا تزال الشركات المرتبطة بالصين تسيطر على غالبية مناجم الكوبالت واليورانيوم والنحاس المملوكة لأجانب في جمهورية الكونغو الديمقراطية،(19) حيث تسيطر الشركات المملوكة للدولة والبنوك السياسية الصينية على 80% من إجمالي الإنتاج. ومن بين أكبر عشرة مناجم للكوبالت في العالم، توجد تسعة منها في منطقة كاتانغا جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن بين أكبر عشرة مناجم، نصفها مملوك لشركات صينية. وفي تكرير الكوبالت، فإن وضع الشركات الصينية المملوكة للدولة مهيمن بالمثل: تمثل مصافيها ما بين 60 إلى 90 في المائة من العرض العالمي. وجمهورية الكونغو الديمقراطية ضرورية لوضع الصين في السوق العالمية: 67.5 في المائة من الكوبالت المكرر في الصين يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية.(20)
ويتعرض الجيش الكونغولي لضغوط شديدة. تم نشرها بشكل متكرر في مواقع التعدين في شرق البلاد لحماية الشركات الصينية. كما أن الصين متورطة بشكل كامل في الصراع الداخلي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية . وفي عام 2019 أبرمت جمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاقية تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، تضمنت ، بالإضافة الى أمور أخرى ، تدريب الضباط الكونغوليين في الولايات المتحدة الأمريكية. (21)
وفي عام 2023، طلبت حكومة كينشاسا إعادة التفاوض بشأن اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار تم توقيعها في عام 2008 مع بكين، والتي اعتبرت غير مواتية للغاية بالنسبة لها . وفي عام 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على متمردي تحالف نهر الكونغو، الذي تعد حركة 23 مارس جزءًا منه، المتهمين بالسعي للإطاحة بالحكومة في كينشاسا وتأجيج الصراع في شرق الكونغو. وبعد شهر، اتهم تشيسيكيدي علانية سلفه كابيلا بدعم المتمردين بهدف “التحضير للتمرد”. من ثم يبدو أن تقدم المتمردين هدفه منع تشيسيكيدي من التقارب المحتمل مع واشنطن، مع كل ما يستلزمه هذا من حيث استغلال الإمكانات المعدنية الهائلة للبلاد. وربما تكون رواندا، قد وجدت دعماً دولياً مهماً في بكين. ومؤخراً رفعت الدولتان علاقاتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في سبتمبر الماضي، وفي ديسمبر ، أثناء زيارته للدوحة، أشاد كاغامي علناً بالدور الذي تلعبه الصين في أفريقيا. وقال: “إنها علاقة لا تخضع للشروط العديدة التي تضعها الدول الأخرى في العالم، والتي نتلقى منها الكثير من حيث الدروس والقليل من حيث القيمة”.(22)
ثانياً : أسباب الصراع في الكونغو الديمقراطية واحتمالات تحوله إلى صراع إقليمي .
- للصراع في الكونغو عدة أسباب أبرزها العامل الاقتصادي ، وذلك لعدة عوامل أهمها :
- التوزيع غير العادل لعائدات الموارد الطبيعية مما يسبب التظلم المناطق الغنية بالموارد. وتنظر هذه المناطق إلى الدولة المركزية كآلية لاستغلال ثرواتهم دون تحقيق فوائد ملموسة على المستوى المحلي.
- العرقية التي تلعب دوراً كعامل تعبئة في الصراعات وخاصة الحركات الانفصالية. ويشير التركيز العرقي الملحوظ عبر المناطق إلى هذا التوزيع الإقليمي إن الموارد الطبيعية هي في الواقع توزيع الموارد عبر المجموعات العرقية.
- القيمة العالية للمعادن التي تجعل المطالبات الإقليمية بالانفصال ذات مصداقية. في هذه الحالة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كان ارتفاع أسعار النحاس والكوبالت في السبعينيات عاملا مغريا في تأجيج النزعة الانفصالية. وبالمثل، ارتفاع أسعار السلع الأساسية حيث ساهمت السلع ذات القيمة مثل الكولتان في سياق الازدهار الاقتصادي العالمي في تأجيج قومية الموارد في المناطق الغنية بالموارد، وخاصة المقاطعات الشرقية في منطقتي كاتانغا وكاساي.
- ضعف الدولة التي أصبحت غير قادرة على قمع التمردات الانفصالية وهي كذلك غير قادرة على الحفاظ على جهاز أمني قوي لمحاربة التمرد. علاوة على ذلك، عدم قدرتها على تقديم الخدمات العامة ، مما أدي إلى انعدام الولاء لدى بعض الجماعات الكونغولية .
- مزيج من ضعف الدولة ووفرة الموارد الطبيعية يخلق الفرص المتاحة للوكلاء الخارجيين للاستفادة من فراغ السلطة لاستغلالها الموارد الطبيعية. وهكذا، يظهر انعدام الأمن ويستمر مع تقاتل مختلف الجهات الفاعلة من أجل تحقيق تلك السيطرة على الموارد الطبيعية مع الانحياز إلى جانب في الصراعات الداخلية. (23)
وتعد شرق الكونغو هي المنطقة الأكثر اضطرابا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. حيث أدت الصراعات العرقية والنزاعات على الأراضي ، والصراع على الموارد الطبيعية (المعادن) إلى تكثيف التعبئة المسلحة على نطاق واسع . حيث يعتقد ان هناك أكثر من 120 جماعة مسلحة تنشط في شمال وجنوب كيفو وحدها.
وتستمد كل مجموعة من عناصرها من مجتمع مميز، ولها أهدافها الخاصة، وتستخدم تكتيكات مختلفة. فضلاً عن ذلك أن لهذه الجماعات، العديد من الميليشيات المسلحة الصغيرة التي تشكلت لحماية نفسها من المجموعات المسلحة . (24) كذلك أدت الموارد الطبيعية الوفيرة – وخاصة المعادن الثمينة – الموجودة في الكونغو إلى عولمة الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبينما كانت الشركات الأمريكية تمتلك مناجم ضخمة للكوبالت في الكونغو، فقد تم بيع معظمها لشركات صينية خلال الإدارات الأمريكية السابقة للرئيسين باراك أوباما و الفترة الأولى للرئيس الحالي دونالد ترامب. فقد أصبحت الشركات الصينية تسيطر الآن على غالبية مناجم الكوبالت واليورانيوم والنحاس المملوكة لأجانب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تم نشر الجيش الكونغولي بشكل متكرر في مواقع التعدين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لحماية الأصول الصينية.
كما اعترفت الإدارة الأمريكية السابق للرئيس جو بايدن بأن احتكار الصين الفعلي لصناعة التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية يلعب دورًا مهمًا في تعزيز الميزة النسبية للصين في مجالات الطاقة والتكنولوجيا ويعيق تطلعات الولايات المتحدة في مجال الطاقة النظيفة. فالصين سبق وتورطت في الصراع الداخلي في الكونغو فضلاً عن اقتصادها: فالحكومة الكونغولية سبق وقاتلت متمردي حركة 23 مارس بمساعدة طائرات بدون طيار وأسلحة صينية، كما اشترت أوغندا أسلحة صينية لتنفيذ عمليات عسكرية داخل حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد ساعدت الصفقات التي سبق وتفاوضت عليها الصين مع القيادة الكونغولية، وخاصة خلال نظام جوزيف كابيلا، الشركات الصينية على تأمين وصول غير مسبوق إلى المعادن التي تسمح لها بإنتاج الإلكترونيات وتقنيات الطاقة النظيفة بكميات كبيرة.
وخضعت العلاقة بين بكين وكينشاسا للتدقيق الدولي الذي أدى إلى استقالة الرئيس كابيلا في عام 2019 عندما ظهرت أدلة على أن رأس المال الصيني – المخصص للاستثمار في البنية التحتية كسداد لحقوق التعدين – تم تحويله إلى جوزيف كابيلا ورفاقه. وقد أدت العلاقة الاقتصادية والعسكرية المعقدة والمتعددة الطبقات بين الصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى محدودية الوصول إلى موارد الكونغو الحيوية وأرباحها بالنسبة للبلدان الأخرى والشعب الكونغولي نفسه. (25)
كما يشير بعض المراقبين إلى احتضان شرق الكونغو لمجموعة رواندية متمردة تدعى “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” التي وصفها مندوب كيغالي في الأمم المتحدة بأنها “جماعة مسلحة إرهابية تشكل تهديدا وجوديا لرواندا”، متهما الجيش الكونغولي بتقديم الدعم المستمر لها. بالإضافة إلى ما سبق يفسر تقرير أعده رئيس مكتب مؤسسة “كوناراد أديناور” الألمانية في كينشاسا جاكوب كريستيان موقف كيغالي جزئيا باعتماد رواندا الاقتصادي على تصدير المواد الخام التي تأتي في الأساس من الكونغو، حيث لا تتوفر هذه المواد الخام إلا بكميات محدودة للغاية في البلاد. كما يورد التقرير عدد من الأمثلة منها ربطه بين الزيادة الكبيرة لصادرات الكولتان الرواندية في السنوات الأخيرة والتوسع الإقليمي لحركة إم 23 التي استولت على منجم روبايا، الذي يقدر الخبراء أنه أكبر منجم لهذا المعدن في العالم. ما يدلل على الارتباط بين التدخل الرواندي في الصراع في الكونغو الديمقراطية وبين سعيها للسيطرة على اماكن المعادن والثروات المهمة في شرق الكونغو الديمقراطية . (26) فعلى الرغم من نفي رواندا المستمرلاتهامات الكونغو لها باستغلال المعادن والثروات الكونغولية ، غير أنه في السنوات الأخيرة، استولت حركة 23 مارس على العديد من مناطق التعدين المربحة، وذلك طبقاً لتقرير صدرعن خبراء الأمم المتحدة في ديسمبر 2024 ذكر أن حركة 23 مارس ترسل حوالي 120 طنًا من الكولتان إلى رواندا كل أربعة أسابيع. كما أشاروا إلى الارتفاع الكبير في صادرات رواندا من المعادن في السنوات الأخيرة، والتي يُعتقد أن معظمها يأتي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. (27)
- احتمال تحول النزاع إلى صراع إقليمي .
لقد آثار الصراع الحالي قلق العديد من الدول المجاورة من أحتمالية تحوله إلى صراع إقليمي. خاصة أنه قوبل برد فعل دولي أقل تنسيقا.عكس رد الفعل الدولي تجاه الاضطرابات التي حدثت في عام 2012 عندما استولت حركة 23 مارس على غوما لفترة وجيزة. في ذلك الوقت، كان رد فعل المجتمع الدولي أكثر جدية، فتم تعليق نحو 200 مليون دولار أمريكي من المساعدات لرواندا. واتصل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما آنذاك شخصيا بالرئيس الرواندي وحثه على التوقف عن دعم الجماعة المتمردة. (28)
فعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي يبذلها العديد من القادة، غير ان المفاوضات بين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي تواجه طريقاً مسدوداً. (29) فالدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي غذت حالة عدم الاستقرار لا تصلح للحل العسكري. وهناك بالفعل إطار عمل لمعالجة الصراعات الداخلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بما في ذلك قضية المواطنة والجنسية والأبعاد الخارجية للأزمة التي تشمل البلدان المجاورة. لقد خلقت اتفاقيات صن سيتي، التي تم التوصل إليها كجزء من الحوار الكونغولي بين عامي 2001 و2003، نموذجاً للسلام الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية للصراعات السياسية والاجتماعية المعقدة في الكونغو. والاتفاقية الموازية، وهي اتفاق لوساكا للسلام . وتشكل التحالفات الإقليمية المتغيرة باستمرار بين رواندا وأوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية عاملاً آخر يزيد من تعقيد الأمر.
واتهمت رواندا جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي، التي لديها ما يصل إلى 10 آلاف جندي وميليشيا حكومية تعرف باسم إمبونيراكور في الشرق، بالعمل مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا وجماعات أخرى مثل ميليشيا وازاليندو. هناك مخاوف واسعة النطاق بين الكثيرين على الأرض في بوكافو في جنوب كيفو – حيث يتمركز الجنود البورونديون – من اندلاع العنف في أي وقت مع انسحاب المزيد من قوات الكونغو إلى هناك بالقوارب من جوما. كذلك تعد بوكافو مركز الاشتباكات بين الجماعات المتمردة البوروندية والجيش البوروندي. ويعد سهل روزيزي، الذي يواجه العاصمة التجارية لبوروندي، بوجومبورا، أيضًا محورًا لهذه التوترات. وبالتالي فإن احتمال أن يؤدي تصاعد القتال في مقاطعتي كيفو إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا هو احتمال كبير. (30)
- الجهود الرامية لحل النزاع في الكونغو .
إدان المجتمع الدولي للدعم الذي تقدمه رواندا لمتمردي “إم 23” بمنطقة شرق الكونغو، وهو ما انعكس في البيان الصادر عن كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في 25 يناير الماضي، والذي أشاروا فيه إلى أن تقدم حركة “إم 23” المتمردة بمنطقة غوما يرجع إلى الدعم الرواندي للمتمردين، هذا إلى جانب دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، القوات الرواندية إلى مغادرة شرق الكونغو الديمقراطية، وهو ما يؤكد حقيقة التورط الرواندي في منطقة شرق الكونغو. (31)
ومن المقرر أن يناقش القادة الأفارقة ملف شرق الكونغو الديمقراطية خلال قمة الاتحاد الأفريقي المقررة في 15و16 فبراير الجاري في أديس أبابا. حيث يدرس الاتحاد الأفريقي تشكيل وساطة ثلاثية بقيادة الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني (الرئيس المنتهية ولايته للاتحاد الأفريقي)، ورئيس جمهورية الكونغو (برازافيل) دينيس ساسو نغيسو، لتعزيز آلية “لواندا”، التي أُطلقت، في العام 2022، وضمان نهج أكثر شمولاً لتحقيق حل دائم. كذلك وسيعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي،لتحديد الخطوط العريضة لهذا المسار التفاوضي الجديد. (32)
وقد حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، في وقت سابق من فبراير الجاري، من تفاقم الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية، قائلاً إن “الأسوأ ربما لم يأت بعد”. وصرح بذلك خلال اجتماع طارئ لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعت إليه الكونغو الديمقراطية للتحقيق في “انتهاكات جسيمة” ألقت باللوم فيها على مسلحي “حركة 23 مارس”، المدعومة من رواندا، والتي استولت على مدينة جوما. (33)
بالتوازي مع ذلك، عقدت مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي (SADC)، ومجموعة شرق أفريقيا (EAC)، قمة مشتركة، في 8 فبراير في دار السلام. ودعا القادة المشاركون إلى وقف إطلاق النار، وإعادة تأهيل مطار غوما، الذي أُغلق بعد هجوم الحركة في أواخر ينايرالماضي . كما اقترح الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني نهجًا جديدًا يتم خلاله الاستعانة بقادة أفارقة سابقين، يتمتعون بالمصداقية لتكريس جهودهم للوساطة. وعلى الرغم من توقف القتال لأيام قليلة ، إلا انه سرعان ما استؤنفت المعارك في جنوب كيفو في 11 فبراير ، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى حل دبلوماسي ينهي هذه الأزمة التي تهدد استقرار المنطقة بأكملها. (34)
- Democratic Republic of the Congo , United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs , 2025 .
https://www.unocha.org/democratic-republic-congo
- نسيمة حجاج ، النزاع في إقليم كيفو… الصداع المتجدّد في إفريقيا ، موقع قناة الجزائر الدولية ، 8 فبراير ، 2025 . https://al24news.com/
- Conflict in the Democratic Republic of Congo , Center for Preventive Action , February 04, 2025 .
- SADC Interventions in the Democratic Republic of the Congo , Accord website , October 19, 2016 .
https://www.accord.org.za/conflict-trends/sadc-interventions-democratic-republic-congo/#
- عبد القادر محمد علي ، من حرّك مياه البحيرات؟.. أسباب معارك الكونغو الديمقراطية في 6 أسئلة ، الجزيرة نت ، 28 يناير 2025 .
https://www.ajnet.me/politics/2025/1/28/
- Barbara Plett Usher , Who’s pulling the strings in the DR Congo crisis? , BBC , 8 February 2025 .
https://www.the-star.co.ke/news/africa/2025-02-08-whos-pulling-the-strings-in-the-dr-congo-crisis
- محمد إبراهيم حجاب ،أسباب و آليات انتقال الصراعات الإثنية بين الدول “دراسة لبعض الحالات الأفريقية ” ، مجلة الدراسات الأفريقية ، مجلد 45 ، عدد 4 ، ج 1، أكتوبر 2023 ، صــ 19 .
https://mafs.journals.ekb.eg/article_318683_a51dbc458b2a83f40086833eeaa360e2.pdf
- حراك دبلوماسي دولي لحل الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ، إرم نيوز ، 13 فبراير 2025 . https://www.eremnews.com/news/world/1tnltsu
- Barbara Plett Usher , Who’s pulling the strings in the DR Congo crisis?, op,cit.
(10) هل تنجح الجهود الدولية في وقف التصعيد بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية؟ ، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ، 10 فبراير 2025 .
https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9982
(11) سامي خليل ، الكونغو الديمقراطية.. صراع أمريكي صيني على أرض “المعادن الثمينة” ، إرم نيوز ، 31 يناير 2025 . https://www.eremnews.com/news/world/oski81m
(12) Conflict in the Democratic Republic of Congo , op,cit.
(13) ibid .
(14) هل تنجح الجهود الدولية في وقف التصعيد بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية؟ ، مرجع سابق .
(15) المرجع السابق .
(16) Brian Inganga , Rebels are continuing their march in eastern Congo – what is their long-term goal? , The Conversation , February 7, 2025 .
(17)عبد القادر محمد علي ، من حرّك مياه البحيرات؟.. أسباب معارك الكونغو الديمقراطية في 6 أسئلة ، مرجع سابق .
(18) Paul Nantulya , Risk of Regional Conflict Following Fall of Goma and M23 Offensive in the DRC , Africa Center, January 29, 2025 .
(19) الولايات المتحدة الأمريكية والصين و”حرب الكوبالت” في الكونغو كينشاسا.. هذه هي المصالح على المحك ، أجينزيا نوفا ، 29 يناير 2025 .
(20) Farrell Gregory and Paul J. Milas , China in the Democratic Republic of the Congo: A New Dynamic in Critical Mineral Procurement , China LandPower Studies Center , Oct. 17, 2024 .
(21) 2023 Investment Climate Statements: Democratic Republic of the Congo , U.S. Department of State .
https://www.state.gov/reports/2023-investment-climate-statements/democratic-republic-of-the-congo/
(22) الولايات المتحدة الأمريكية والصين و”حرب الكوبالت” في الكونغو كينشاسا.. هذه هي المصالح على المحك ، مرجع سابق .
(23) The Crisis in the Democratic Republic of the Congo, The U.S. Committee for Refugees and Immigrants (USCRI) , 30 November, 2020 . p 6 .
https://refugees.org/wp-content/uploads/2020/12/USCRI-Backgrounder_DRC.pdf
(24) Jules Swinkels , Mapping Conflict in the Democratic Republic of the Congo (DRC) , Horn Institute , Nairobi – Kenya , February 2019 , p 3.
(25) Conflict in the Democratic Republic of Congo , op,cit.
- عبد القادر محمد علي ، من حرّك مياه البحيرات؟.. أسباب معارك الكونغو الديمقراطية في 6 أسئلة ، مرجع سابق .
(27) Damian Zane , What’s the fighting in DR Congo all about? , BBC News , 31 January 2025 .
https://www.bbc.com/news/articles/cgly1yrd9j3o
(28)Brian Inganga , Rebels are continuing their march in eastern Congo – what is their long-term goal?, op,cit.
(29) حراك دبلوماسي دولي لحل الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ، مرجع سابق .
(30) Paul Nantulya , Risk of Regional Conflict Following Fall of Goma and M23 Offensive in the DRC , op,cit.
(31) هل تنجح الجهود الدولية في وقف التصعيد بمنطقة شرق الكونغو الديمقراطية؟ ، مرجع سابق .
)32) حراك دبلوماسي دولي لحل الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ، مرجع سابق .
(33) الأمم المتحدة: سقوط أكثر من 80 مدنياً في هجوم بشرق الكونغو الديمقراطية ، الشرق نيوز ، 14 فبراير 2025 .
https://asharq.com/politics/116244/
(34) حراك دبلوماسي دولي لحل الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ، مرجع سابق .