إدارة الأزمات في شرق أفريقيا : قراءة في الدور السياسي والأمني للاتحاد الأفريقي

إعداد : محمود سامح همام – باحث سياسي متخصص في الشؤون الأفريقية
- المركز الديمقراطي العربي
يعد الاتحاد الأفريقي أحد الفاعلين الرئيسيين في إدارة الصراعات في شرق القارة، حيث يضطلع بدور محوري في تعزيز الأمن والاستقرار عبر آليات دبلوماسية وعسكرية متعددة. فمع تزايد حدة النزاعات في شرق أفريقيا، بما في ذلك الصراعات الإثنية والسياسية والإرهابية، برز الاتحاد كوسيط رئيسي من خلال جهود الوساطة، ونشر قوات حفظ السلام، وتعزيز المصالحة الوطنية، ودعم آليات العدالة الانتقالية. كما يعتمد في استجابته للأزمات على مجلس السلام والأمن، واللجان المتخصصة، وبعثات المراقبة.
ماهية الاتحاد الأفريقي
الاتحاد الأفريقي هو هيئة حكومية قارية تتألف من 55 دولة عضو تشكل بلدان القارة الأفريقية يقع مقرها في أديس باب (اثيوبيا)، انطلق الاتحاد الأفريقي رسمياً في يوليو 2002 في ديربان بجنوب أفريقيا، في أعقاب قرار اتخذته منظمة الوحدة الأفريقية في سبتمبر 1999 بإنشاء منظمة قارية جديدة للبناء على عملها، ليحل الاتحاد الأفريقي محل منظمة الوحدة الأفريقية، التي تأسست في عام 1963.وكان قرار إعادة إطلاق المنظمة الأفريقية الشاملة نتيجة لإجماع القادة الأفارقة على أن تحقيق إمكانات أفريقيا يستلزم إعادة تركيز الاهتمام من النضال من أجل إنهاء الاستعمار وتخليص القارة من نظام الفصل العنصري، الذي كان محور اهتمام منظمة الوحدة الأفريقية، نحو زيادة التعاون والتكامل بين الدول الأفريقية لدفع عجلة النمو والتنمية الاقتصادية في أفريقيا،
يعتمد الاتحاد الأفريقي في تنفيذ مهامه على هيكل مؤسسي متكامل يضم أجهزة صنع القرار الرئيسية، حيث يتولى مؤتمر رؤساء الدول والحكومات رسم التوجهات الاستراتيجية للقارة، بينما يضطلع المجلس التنفيذي بمتابعة تنفيذ السياسات المشتركة، وتُعزز لجنة الممثلين الدائمين (PRC) التنسيق الدبلوماسي بين الدول الأعضاء، مدعومةً باللجان الفنية المتخصصة (STCs) التي تقدم الخبرات الفنية في مختلف المجالات، وفي سياق تعزيز الأمن والاستقرار، يضطلع مجلس السلام والأمن بمسؤولية إدارة النزاعات القارية، في حين تعمل مفوضية الاتحاد الإفريقي كهيئة تنفيذية تُشرف على تفعيل القرارات والبرامج القارية، وبهدف تكريس نهج الحوكمة التشاركية، يتيح الاتحاد الإفريقي منصة لمشاركة المواطنين والمجتمع المدني عبر البرلمان الإفريقي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ECOSOCC)، ما يعزز الدور الشعبي في عملية صنع القرار القاري.
الأهداف المحورية للاتحاد الأفريقي
يحدد القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، إلى جانب البروتوكول المعدل له، الإطار العام لأهداف المنظمة، والتي تتمحور حول تعزيز الوحدة والتضامن بين الدول الأعضاء وشعوبها، مع ضمان سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها واستقلالها. كما يسعى الاتحاد إلى تسريع التكامل السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي للقارة، وترسيخ المواقف الإفريقية الموحدة بشأن القضايا الإقليمية والدولية، مع تعزيز التعاون الدولي بما يخدم المصالح المشتركة للدول الأعضاء. وفي سياق ترسيخ الاستقرار، يضع الاتحاد تعزيز السلم والأمن كأولوية استراتيجية، إلى جانب دعم الحوكمة الرشيدة، المشاركة الشعبية، وترسيخ المبادئ الديمقراطية، فضلاً عن حماية حقوق الإنسان وفقاً للمواثيق الأفريقية والدولية ذات الصلة، وفي المجال التنموي، يلتزم الاتحاد بتهيئة الظروف الملائمة لتمكين القارة من لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي والمفاوضات الدولية، وتعزيز التنمية المستدامة بمختلف أبعادها الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، إلى جانب دعم التكامل الاقتصادي وتعزيز البحث العلمي والتكنولوجي. كما يعمل على تنسيق السياسات بين المجتمعات الاقتصادية الإقليمية لتحقيق أهداف التكامل القاري، وتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الإنسانية لتحسين مستوى معيشة الشعوب الأفريقية. وفي إطار التمكين السياسي والاقتصادي، يولي الاتحاد أهمية خاصة لضمان المشاركة الفاعلة للمرأة في صنع القرار، وتعزيز السياسات الموحدة في مجالات التجارة والدفاع والعلاقات الخارجية، مع دعوة الشتات الأفريقي للاضطلاع بدور فاعل في بناء الاتحاد وتعزيز هويته القارية.
الاتحاد الأفريقي وإدارة الصراعات في شرق أفريقيا
يقود الاتحاد الأفريقي عملية صنع السياسات وتنفيذ القرارات الرامية إلى ضمان تحقيق أفريقيا للطموح الرابع من أجندة 2063 الذي يطمح إلى “أفريقيا سلمية وآمنة” من خلال استخدام الآليات التي تعزز نهجًا يركز على الحوار لمنع الصراعات وحلها وإرساء ثقافة السلام والتسامح التي تغذيها أطفال وشباب أفريقيا من خلال تعليم السلام، إن مبادرة أجندة 2063 الرائدة لإسكات البنادق بحلول عام 2020 هي جوهر الأنشطة التي يتم تنفيذها لضمان أن تكون أفريقيا قارة أكثر سلامًا واستقرارًا، وإن الجهاز الرئيسي للاتحاد الأفريقي لتعزيز السلام والأمن في القارة هو مجلس السلام والأمن، وهو الجهاز الدائم لاتخاذ القرارات في الاتحاد الأفريقي لمنع وإدارة وحل النزاعات، وفي إطار التزامه بتعزيز السلم والاستقرار في القارة، اضطلع الاتحاد الأفريقي بدور محوري في محاولة حل الصراع في تيغراي، من خلال الوساطة الدبلوماسية والمساعي السياسية لوقف النزاع. فمع اندلاع القتال في نوفمبر 2020، بادر الاتحاد بتعيين ثلاثة مبعوثين خاصين إلى إثيوبيا تحت قيادة رئيسه آنذاك، سيريل رامافوزا، في مسعى لإيجاد حل سلمي للأزمة. كما شكل لجنة تحقيق برئاسة المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، للنظر في الانتهاكات الحقوقية المزعومة من جميع أطراف النزاع، تأكيدًا لالتزامه بالعدالة والمساءلة. وفي خطوة لتعزيز الجهود الدبلوماسية، عين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري السابق، أولوسيجون أوباسانجو، ممثلاً أعلى للاتحاد في القرن الإفريقي، مشددًا على أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل يجب أن يكون سياسيًا يشمل وقف إطلاق النار غير المشروط
وأعلن الاتحاد الأفريقي مؤخرا عن تشكيل فريق للعمل على إنهاء الحرب الأهلية في السودان سلميا، وسيعمل الفريق مع الفصائل العسكرية المتصارعة في السودان إلى جانب المجتمع المدني والجهات الفاعلة الدولية لحل الصراع الذي اندلع منذ 15 أبريل 2023 بين الأطراف المتنازعة في الصراع هي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وتتألف اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي لحل الصراع في السودان من الدبلوماسي الغاني محمد شمباس، ونائب الرئيس الأوغندي السابق سبيسيوسا وانديرا كازيبوي، والدبلوماسي الموزمبيقي فرانسيسكو ماديرا. وتتمتع اللجنة بتفويض “لضمان عملية شاملة نحو استعادة السلام والنظام الدستوري والاستقرار بسرعة” في السودان، ولعب الاتحاد الإفريقي دورًا مهمًا في معالجة الصراعات الإثنية في منطقة شرق أفريقيا من خلال الوساطة، دعم عمليات حفظ السلام، وتعزيز جهود المصالحة الوطنية. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة على تدخله في الصراعات الإثنية بالمنطقة، على سبيل المثال، بعد اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013 بين قوات الرئيس سلفا كير (ينتمي إلى قبيلة الدينكا) ونائبه السابق رياك مشار (ينتمي إلى قبيلة النوير)، تصاعد العنف على أسس إثنية، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين، لعب الاتحاد الأفريقي دورًا رئيسيًا في دعم الوساطة التي قادتها الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد – IGAD)، ما أدى إلى توقيع اتفاق السلام عام 2015، ثم اتفاق السلام المُنَشَّط عام 2018، بالإضافة إلى إنشاء الاتحاد لجنة الحقيقة والمصالحة للمساعدة في تجاوز الخلافات الإثنية وضمان العدالة الانتقالية.
ويواصل الاتحاد جهوده لضمان تسوية شاملة ومستدامة تعزز الاستقرار في إثيوبيا والمنطقة ككل، وفي إطار جهوده لتعزيز الأمن والاستقرار في القارة، لعب الاتحاد الأفريقي دورًا داعمًا في معالجة الصراع في كابو ديلجادو من خلال التنسيق مع مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) وتعزيز الجهود الإقليمية لمكافحة التمرد، وباعتباره الهيئة القارية المسؤولة عن السلم والأمن، قدم الاتحاد دعمه للجهود التي قادتها SADC، بما في ذلك نشر بعثة SAMIM، وذلك تماشيًا مع بروتوكول الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن الذي يعزز مبدأ الحلول الأفريقية للنزاعات الأفريقية. كما حرص الاتحاد على تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، وخاصة جنوب أفريقيا ورواندا وتنزانيا، لضمان استجابة فعالة للأزمة، إضافة إلى دوره في تشجيع التنسيق بين الشركاء الدوليين لدعم الاستقرار في موزمبيق. ومع تحوّل العملية العسكرية إلى عملية حفظ سلام، يواصل الاتحاد الإفريقي دوره في متابعة تنفيذ استراتيجيات مكافحة التمرد، ودعم الجهود الإنسانية والتنموية لضمان معالجة جذور الصراع وتحقيق سلام دائم في المنطقة.
ختامًا، يمثل الاتحاد الإفريقي ركيزة أساسية في جهود إدارة الصراعات في شرق أفريقيا، حيث اعتمد على آليات الوساطة، نشر قوات حفظ السلام، وتعزيز المصالحة الوطنية لمعالجة النزاعات المعقدة التي تهدد استقرار المنطقة، ومن خلال مجلس السلام والأمن، والشراكات الإقليمية، واللجان المتخصصة، تمكن الاتحاد من لعب دور فاعل في احتواء الأزمات، ودعم العدالة الانتقالية، وتعزيز التنمية المستدامة. ورغم التحديات المرتبطة بتعدد النزاعات، والتدخلات الخارجية، وضعف الموارد، يواصل الاتحاد جهوده لضمان حلول أفريقية مستدامة قائمة على التعاون الإقليمي والحوكمة الرشيدة، ويظل نجاح هذه الجهود مرهونًا بمدى التزام الدول الأعضاء بتعزيز التضامن القاري وتفعيل الآليات المشتركة لضمان أمن وسلام دائمين في شرق أفريقيا.