الصورايخ الباليستية الإيرانية في مواجهة (أسرائيل ) : أبعاد الردع ومعادلات القوة الاقليمية

بقلم الاستاذ التدريسي : أحمد عبد السلام هورامي – كلية العلوم السياسية – الجامعة المستنصرية
- المركز الديمقراطي العربي
شهد الصراع الايراني – ( الاسرائيلي ) تطورا لافتا مع قيام إيران بإطلاق صورايخ باليستية تجاه الكيان الغاصب ، في سابقة تعد من اشكال التصعيد العسكري المباشر بين الطرفين المتصارعين ، حيث ان هجمات الصورايخ الايرانية تعتبر رسائل إستراتيجية تتصل بمفاهيم قوة الردع والتوزان العسكري وتحمل رسائل مباشرة في ضرب العمق ( الاسرائيلي ) مع تحديد ملامح الصراع .
ان التوتر الحالي بين ( اسرائيل ) وايران يعود الى سنوات عديدة على خلفية تطوير البرنامج النووي الايراني التي ترى فيه ( اسرائيل ) تهديد وجودي لها ، وبين دعم ايران لفصائل مسلحة معادية لإسرائيل في فلسطين ولبنان وسوريا وصولا الى اليمن . وقد سعت اسرائيل منذ بداية الصراع الحالي الى تصفية العديد من القيادات العسكرية الايرانية في الصف الاولى لكي تحدث فجوة عسكرية تسمح لها بالسيطرة الجوية على سماء ايران ، غير ان الصورايخ الايرانية البالستية قد شكلت صدمة وتهديد مباشر لمقدرات الكيان الصهيوني ونقلت الردع الايراني الى داخل قبل العاصمة (تل ابيب) ، حيث ان الهجمات الصاروخية قد جاءت كسلسة ردود على الضربات (الاسرائيلية) على مواقع الحرس الثوري داخل ايران .
يمكن إستعراض القدرات الباليستية الايرانية بإستخدام صورايخ يتجازو مداها ال 2000 كم وهي قادرة على ضرب كافة المدن ( الاسرائيلية ) مثل صورايخ (ذو الفقار) وصورايخ ( خيبر ) و ( فاتح 110 ) وهذه جزء من إستراتيجية الردع الذكي التي تتبعها ايران لكي تعوض النقص الحاصل بالقدرات الجوية لطيران الجيش الايراني ، وقد فشلت القبة الحديدية والدفاعات ( الاسرائيلية ) الاخرى الى حد ما في صد هجمات الصورايخ الباليستية والتي سببت الحرج لحكومة نتنياهو بسبب قدرتها في التدمير الشامل ، حيث اثبتت ايران انها قادرة على تجاوز وامتصاص تفاعلات الضربة الاستباقية ( الاسرائيلية ) وانها قادرة على الرد المباشر رغم مقتل قيادات ذات وزن ثقيل من الحرس الثوري والقوات الجوفضائية .
تمتلك إيران احد اكبر البرامج الصاروخية الواعدة في منطقة الشرق الاوسط حيث ان تطوير برنامج الصورايخ الباليستية القادرة على ضرب عمق العدو يعد تطورا إستراتيجيا للتعويض عن غياب السلاج الجوي التقليدي والتي تعرض الى ضربات مباشرة في الهجمة الاستباقية ( الاسرائيلية ) . ان الاهداف والرسائل الايرانية من الهجمات الباليستية يمكن قرائتها بالاتي :
- إعادة صياغة قواعد الردع الاقليمي : حيث لم تعد (اسرائيل ) الوحيدة القادرة على تنفيذ ضربات داخل العمق الايراني دون تلقيها الرد المباشر من الجانب الايراني .
- توجية إنذار مبطن لدول الجوار الاقليمي : حيث ان خاصية وصول الصورايخ الايرانية الباليستية تسمح لها بالوصل الى اي جهة اقليمية قد تدعم سقوط النظام الايراني او اضعاف القدرات العسكرية الايرانية ، بل وحتى توجية الضربات المدمرة الى القواعد الامريكية المنشرة في منطقة الخليج بشكل خاص.
- تحقيق النصر الرمزي في الداخل الإيراني : ان قدرة ايران على الرد على الهجوم ( الاسرائيلي ) معناه ان الهجمات الصاروخية قد فرضت معادلة الردع المتوازن في رد الهجوم والقيام بالهجوم المعاكس حيث انها سوف يدل على قوة الدول ومدى تحكمها امام مواطنيها وصمودها امام التهديدات ( الاسرائيلية) .
ولعل ابرز ملامح الصراع الحالي هو دخول الصورايخ الباليستية ( الفرط صوتية) ( hypersonic missiles ) والتي تملك سرعة هائلة عكس الصورايخ التقليدية وهي قادة على الوصول الى سرعات تفوق سرعة الصوت بخمسة اضعاف وبعضها بعشرة اضعاف سرعة الصوت ، حيث ان هذه الصورايخ تصعب على انظمة الدفاع الجوي من التصدي لها بسبب قدرتها العالية على المناورة اثناء الطيران وصعب التنبوء بمسارها بالاضافة الى امكانية تغيير المسار في المرحلة النهائية لضرب الهدف بدقة وقدرة تدميرية عالية . وقد ادخلت ايران التطوير الصاروخي ( الفرط صوتي ) على بعض صورايخها الباليستية منذ عام 2023 ومن هذه الصورايخ هي :
- صاروخ فتاح ( Fattah ) : ويعتبر اول صاروخ فرط صوتي تطوره ايران وتبلغ سرعته حسب البيانات الايرانية بين 13 ماخ و 15 ماخ مع مدى يقدر بــــ 1400 كم ويمتاز بقدرته على التخفي والتحليق المنخفض لتجنب رادارات العدو وقد تم تصميمه لتفادي منظومات الدفاع الجوي الاسرائيلية مثل ثاد او صورايخ ارو بسبب تعرج مساره الذي يصعب على تلك الانظمة تتبعه عن طريق الرادار.
- صاروخ فتاح 2 : حيث تصل سرعته الى 15 ماخ مع تحسين المدى القتالي الى اكثر من 1800 كم وإدخال تحسينات على الصاروخ تتعلق بانظمة الـــ GPS وحشوة منفجرة عالية التدمير قد تصل الى اكثر من 800 كيلو جرام من المتفجرات عالية التفجير ، مع قدرته على حمل شحنات تفجيرية خارقة للتحصينات العسكرية .
في الحقيقة هذه بعض المعلومات على صورايخ ايران الفرط صوتية فيما ان هناك بعض الصورايخ تملتك قدرات عسكرية خارقة غير انها محاطة بسرية تامة وتم إدخال بعضها في الحرب . ان ايران اصبحت تمتلك جيلا اوليا معلن بشكل رسمي مثل صاروخ فتاح وفتاح 2 ذو القدرات فرط صوتية مما يجعل ايران اول قوة عسكرية في منطقة الشرق الاوسط تمتلك قدرات عسكرية نتقدمة فيما يخص مجال الصورايخ فرط صوتية ، فإن امتلاك ايران لمثل هذه النوعية من الاسلحة يعد نظريا إنجازا إستراتيجيا حقيقا يوازن قوة الردع تجاه ( اسرائيل ) ويجعلها تدفع ثمن باهض في كل مرة تشن هجوما جويا على الاراضي والاهداف الايرانية .
في الختام ، ان الهجمات الباليستية الايرانية تفتح المجال في تصعيد الصراع بين الطرفين مع فرض عنوان الردع المباشر ، حيث ان الهجمات الباليستية قد وضعت القدرات الردعية ( لإسرائيل ) في موضع الشك والضعف وقد فرضت واقعا عسكريا جديدا عنوانه ان ايران ما زالت تتحكم في قواعد اللعبة وانها قادرة على نقل الدمار المباشر الى عمق الاراضي الاسرائيلية وانها لها اليد الطولى في هذه الحرب وهو ما قد يدفع حلفاء ( اسرائيل ) الى تهدئة الاوضاع على المدى القصير وذلك لتجنب الدمار التي تفرضه تلك الهجمات على اراضي الكيان الغاصب.