الدراسات البحثيةالمتخصصة

المحور الروسي الصيني والتحول في بنية النسق الدولي ١٩٩٧ – ٢٠٢٥

The Russian-Chinese Axis and the Transformation of the Structure of the International System 1997 - 2025

اعداد :  ريم محمد عبد الغني , شهد مصطفى عبد الرازق , فاطمة خلف عبد الحميد , منار خالد التهامي ,منة محمود علي – إشراف : أ.د عادل عنتر – كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسة – جامعة الإسكندرية – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مُستخلص:

يعد التقارب الروسي الصيني أحد أبرز مؤشرات التغير في بنية النسق الدولي وموازين القوى العالمية، وتهدف الدراسة إلى تتبع التطور التاريخي للعلاقات الروسية الصينية مع تسليط الضوء على مساهمة الاستراتيجية الروسية والصينية في تحول بنية النسق الدولي وتحليل دوافع التقارب الروسي الصيني، حيث ساهم نبذ بكين وموسكو لهيمنة واشنطن على النظام العالمي في قلب موازين القوى، بالإضافة للتهديدات الأمنية المشتركة والمصالح الاقتصادية المتبادلة، كما يتطرق البحث لأبرز التحديات المواجهة لذلك التقارب من اختلاف الأولويات بين روسيا والصين إلى التنافس في آسيا الوسطى، وأثر تقارب روسيا والصين على محاولة تغيير بنية النسق الدولي من نسق أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية لنسق متعدد القطبية.

Abstract

The Sino-Russian rapprochement represents one of the most prominent indicators of the transformation in the structure of the international system and the global balance of power. This study aims to trace the historical development of Russian-Chinese relations, with a particular focus on how the strategic approaches of both Moscow and Beijing have contributed to reshaping the international system. It analyzes the motivations behind the growing closeness between Russia and China, including their shared rejection of U.S. dominance over the global order, common security threats, and mutual economic interests. Furthermore, the research explores the key challenges facing this rapprochement, such as divergent national priorities and competition in Central Asia, and examines the impact of the Sino-Russian alignment on the transition from a unipolar system dominated by the United States to a multipolar world order.

مقدمة

تعتبر بنية النسق الدولي هي المحيط الذي يضم ويشمل تفاعلات وعلاقات القوى الدولية المتباينة، وتتأثر بعوامل محددة، وتؤثر في سياسات الدول الخارجية وتحركاتها، كما تتغير وتختلف بمرور الزمن، ويعد فهم وتحليل بنية النسق الدولي والعوامل المؤثرة فيه غايةً أساسية للمشتغلين بالسياسة، وصانع القرار وغيرهم؛ فالفهم الصحيح لبنية النسق الدولي يساعد في تحليل العلاقات والتفاعلات المختلفة بين الفاعلين الدوليين، من دول، منظمات دولية وشركات متعددة الجنسيات وما إلى ذلك، في شتى المجالات وفي ظل المتغيرات التي يشهدها العالم على الدوام.

ويُمكن الفهم الجيد لبنية النسق الدولي من فهم وتحليل تأثير القوى الدولية المختلفة وتفاعلاتها على استقرار بنية النسق، وفقًا لما تمتلكه من قوة سياسية، اقتصادية وعسكرية، وآليات مختلفة، ما يساعد في رسم صورة واضحة تعزز قدرة الباحثين وصانعي القرار على التنبؤ بمستقبل العلاقات الدولية؛ لوضع استراتيجيات ملائمة للمتغيرات العالمية، وتتناول الدراسة أثر العلاقات بين كلًا من الدولة الروسية والدولة الصينية ومدى تأثيرها على التحولات في بنية النسق الدولي، على اعتبار أنهما من أبرز الدول المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية التي هيمنت على النسق الدولي لفترة ليست بقصيرة من الزمن.

تعد العلاقات الروسية الصينية من أبرز العلاقات الاستراتيجية التي يشهدها النسق الدولي في الفترة الأخيرة، حيث شهدت هذه العلاقات تطورًا واضحًا في المجالات: السياسي، الاقتصادي، الأمني العسكري والتكنولوجي، كما يتشاركان عضوية عدد من المنظمات على سبيل البريكس، ومنظمة شنغهاي، وتشكل حالة التقارب الروسية الصينية محاولة للحد من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على بنية النسق الدولي وإرساء التعددية القطبية.

تشكل الأحداث والتفاعلات السياسية في القرن الواحد والعشرين تأكيدًا على أهمية تأثير كلًا من روسيا والصين والتقارب أو التحالف بينهم في مجريات أبرز الاحداث العالمية؛ ومن أبرز تلك الأحداث المؤثرة على بنية النسق ما شهده عام ٢٠٠٨ من اندلاع الأزمة المالية العالمية؛ فقد عانى النظام المالي الدولي من أزمة مالية؛ أدت إلى تدهور النمو الاقتصادي في العديد من الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الأزمة التي يعتبرها البعض تهديدًا لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة القطبية المهيمنة على بنية النسق الدولي.

فشهدت العلاقات الروسية الصينية منذ عام ٢٠٠٨ حتى عام ٢٠٢٥ تطورًا جعل من دراسة هذه العلاقات أمرًا حيويًا لفهم مدى تأثيره في الاتجاهات المستقبلية لبنية النسق الدولي؛ فلقد كانت هذه الفترة ولا تزال، مرحلة محورية في تشكيل التحولات الكبرى في السياسة الدولية، في ظل ما تشهده بنية النسق من صراع بين القوى الكبرى على مختلف الأصعدة بطبيعة الحال، ويظهر التعاون الروسي الصيني في مجالات عدة.

فقد شهدت السنوات الأخيرة تعاونًا في المجال الاقتصادي  فقد أصبحت الصين واحدة من أكبر شركاء روسيا التجاريين، خصوصًا في مجالات الطاقة مثل: الغاز الطبيعي والنفط، الذي يمثل أساس الاقتصاد الروسي بنسبة كبيرة، في المقابل نجد أن الصين حققت استفادة من مصادر الطاقة الروسية،  كما استطاعت أن تصبح أحد أكبر الأسواق للمنتجات الروسية، ومن الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية الروسية الصينية  تشهد حالة من التنوع وليس مجرد تبادل تجاري بسيط، فهناك العديد من المشروعات المشتركة في المجالات المختلفة على سبيل المثال لا الحصر مشروعات تكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية، والفضاء، والنقل.

كما تأثرت العلاقات أيضًا بالمشروع  الصيني “طريق الحرير الجديد” ، الذي يربط الصين بآسيا الوسطى وأوروبا، ويعزز من تأثير روسيا في المنطقة، خاصة في إطار تنسيق استراتيجيات البنية التحتية بين الدولتين، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي فتشهد العلاقات الصينية الروسية تعاونًا في المجال العسكري والأمني، حيث تقوم روسيا والصين بتدريبات عسكرية مشتركة، يعتبر هذا التعاون ردًا على تهديدات الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، ويجدر ذكر أن العلاقات الروسية الصينية تواجه تحديات وتهديدات مختلفة؛ فهناك بعض المخاوف الروسية من تزايد القوة الاقتصادية للصين، كما يثير أحيانًا الموقف الروسي تجاه بعض القضايا الدولية ريبة الصين كموقفها الداعم للهند، ويمكن أن يكون للاختلافات الأيدولوجية من ناحية أخرى تأثيرها على طبيعة العلاقات.[1]

وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل أبعاد العلاقات الروسية الصينية في الفترة من ٢٠٠٨ إلى ٢٠٢٥ خلال التعرف على العوامل المساهمة في تشكيل هذه العلاقات وتطورها، ويوضح الوضع الحالي لبنية النسق الدولي، كما ستتناول الدراسة كلًا من الاستراتيجية الروسية والصينية تجاه بنية النسق؛ في محاولة لفهم تأثير هذه العلاقات على التحولات التي تشهدها بنية النسق الدولي، التي ستكون محورًا أساسيًا في تحليل نتائج هذه الدراسة واستشراف ملامح بنية النسق الدولي المستقبلي.

أولاً: مشكلة البحث:

شهد العالم العديد منذ عام ١٩٩٧ العديد من الأزمات الكبرى التي كانت لها آثارها على سياسات القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية والصين.

ولعل من أبرز هذه الأزمات ما مثلته هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٨، ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ٢٠١٤، والحرب الروسية الأوكرانية ٢٠٢٢، وغيرها من الأزمات التي كان من شأنها قاطبة إحداث نوع من التغيير في نسق الأحادية القطبية، واعتبره البعض تحولًا جذريًا في بنية النسق الدولي، وقلل آخرون من شأنه مؤكدين على أن النسق لا يزال أحادي القطب، واعتبر الفريق الأول تبلور المحور الروسي الصيني يعد إيذانًا بنهاية عصر الأحادية القطبية وبناءً على ذلك، تتمحور مشكلة البحث في التساؤل الرئيسي التالي: ما أثر تطور علاقات المحور الروسي الصيني على التحول في بنية النسق الدولي؟

وينبثق عن هذا التساؤل الرئيسي مجموعة من التساؤلات الفرعية، وهي:

  1. ما تعريف النسق الدولي؟ وما أبرز نظريات التحول النسقي؟
  2. ما طبيعة العلاقات الروسية الصينية؟
  3. ما استراتيجية كلٌ من روسيا والصين تجاه النسق الدولي؟
  4. ما ملامح النسق الدولي الحالي؟

ثانيًا: أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أثر العلاقات الروسية–الصينية على التحول في بنية النسق الدولي، وذلك من خلال تناول مجموعة من الأهداف التي تسعى إلى الإجابة عن تساؤلات مشكلة البحث، تتمثل هذه الأهداف في توضيح مفهوم النسق الدولي، واستعراض أبرز نظريات التحول النسقي لفهم الكيفية التي يتغير بها النظام الدولي عبر الزمن، كما تسعى الدراسة إلى تحليل طبيعة العلاقات بين روسيا والصين، وتتبع مراحل تطورها وأبعادها الاستراتيجية، بالإضافة إلى دراسة الاستراتيجيات التي تعتمدها كل من الدولتين في التعامل مع بنية النسق الدولي، ومدى توافق هذه الاستراتيجيات وتأثيرها في إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، وتهدف الدراسة كذلك إلى التعرف على أبرز ملامح النسق الدولي الراهن في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، ودور كل من روسيا والصين في إعادة صياغة هذا النسق بما يخدم مصالحهما ويؤثر على موقع القوى التقليدية فيه.

ثالثًا: أهمية الدراسة:

  1. الأهمية العلمية:

تتمثل الأهمية العلمية للدراسة في إنها تعد محاولة للإضافة للأدبيات العربية المعنية بدراسة التحولات في النسق الدولي، وذلك من خلال التركيز على تحليل واقع التحالف الروسي الصيني في إطار نظريات توازن القوى والاستقرار الناتج عن الهيمنة، بالإضافة إلى الواقعية البنيوية وتحول القوة ورؤية كل نظرية، لذلك التحالف ومدى تأثيره على بنية النسق والتعريف بمدى قدرة القوى الكبرى خارج الإطار الغربي التقليدي على التأثير في واقع السياسة الدولي.

  1. الأهمية العملية:

تتمثل الأهمية العملية في أن الدراسة تحاول أن تضع أمام صانع القرار تصورًا لطبيعة العلاقات الروسية الصينية وقدرتها على إعادة تشكيل بنية النسق من خلال أدوات مختلفة قد تكون اقتصادية أو عسكرية أو سياسية؛ مما يساعد صانع القرار على فهم طبيعة التحولات الجارية في عالم السياسة الدولي وفهم وتقييم مواقف الدول الأخرى خاصة دول العالم الثالث من هذه التغيرات، ذلك بالإضافة إلى تحديد موقفه من ذلك التحالف سواء بالحياد أو الاصطفاف.

رابعًا: منهج الدراسة:

تعتمد هذه الدراسة على مناهج متعددة لتحقيق أهداف الدراسة المنشودة، يتم تناولها في الآتي:

١.المنهج الاستقرائي: والذي قوامه اختبار الواقع المحدد زمانًا ومكانًا ووصف الواقع في ضوء المعلومات المتاحة وتتبع الأحداث بغيه الوصول إلى نتائج موضوعية وذلك من خلال استقراء ووصف واقع العلاقات الروسية الصينية وأثرها على التحول في بنيه النسق الدولي[2].

٢.مدخل المصلحة القومية: يركز هذا المدخل على دراسة القرارات والتصرفات التي تتخذها الدولة استنادًا إلى تحقيق المصلحة القومية، ويتم استخدام هذا المدخل في دراسة طبيعة العلاقات الروسية الصينية ومتابعة تطورها، وما شهدته هذه العلاقات من تعاون وتنافس وايضًا في تحديد أبرز المحددات المؤثرة في العلاقات الروسية الصينية[3].

٣.مدخل النسق الدولي: يستخدم هذا المدخل في تفسير التغيرات العالمية، كيف تتغير العلاقات الدولية بناءً على تحول داخل النسق مثل: تراجع قوى وصعود قوى أخرى، يفسر كيف قد يحدث تحول في نسق نتيجة تفاعلات جديدة، ويتم استخدام هذا المدخل في دراسة ملامح النسق الدولي الحالي في ضوء المتغيرات الدولية، وأيضًا في تحليل أثر العلاقات الروسية الصينية على بنية النسق الدولي[4].

خامسًا: حدود الدراسة:

١.الإطار الزمني للدراسة:

تركز الدراسة على التعرف على الصعود الصيني الروسي وأثره على بنية النسق الدولي في فترة تبدأ من العام ١٩٩٧، حيث شهد العالم العديد من الأزمات وأخذت العلاقات الروسية الصينية في التقارب الذي يظهر في توقيع العديد من المظاهر منها توقيع “إعلان الشراكة الاستراتيجية عام ١٩٩٧” والذي يقوم على التعاون في المجالات شتى ومواجهة الأحادية القطبية، وتنتهي الدراسة حتى العام ٢٠٢٥ حيث تعزز التعاون بين المحور الروسي الصيني في مقابل ما يراه البعض تراجعًا للقطبية الأمريكية حسب سياسات دونالد ترامب.

٢.الإطار المكاني للدراسة:

يتمثل في مناطق النفوذ الروسي الصيني مثل: أفريقيا، منطقة الشرق الأوسط وأوراسيا ومدى تأثيرها على النسق الدولي بشكل عام.

سادسًا: تقسيم الدراسة:

تنقسم الدراسة إلى فصلين وخاتمة على النحو التالي:

الفصل الأول: الفصل التمهيدي:

المبحث الأول: التعريف بالنسق الدولي.

المبحث الثاني: نظريات التحول النسقي.

الفصل الثاني: العلاقات الروسية الصينية والتحول في بنية النسق الدولي:

المبحث الأول: العلاقات الروسية الصينية: خلفية تاريخية.

المبحث الثاني: الاستراتيجية الصينية والتحول في بنية النسق الدولي.

المبحث الثالث: الاستراتيجية الروسية والتحول في بنية النسق الدولي.

المبحث الرابع: التحالف الروسي الصيني وأثره على التحول في بنية النسق الدولي.

خاتمة: وفيها تقدم الدراسة تبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

سابعًا: دراسات سابقة:

أ. دراسات تتناول السياسات الصينية:

١.عادل عنتر علي زعلوك، التأثيرات التبادلية بين بنية النسق الدولي والسياسات الخارجية للدول “دراسة حالة السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة (١٩٤٩-٢٠١٧)”، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، ٢٠١٩.

تعرضت الدراسة للحديث عن فهم التأثير المتبادل بين بنية النسق الدولي وسلوك الوحدات الدولية، فتم التعريف بإشكالية “الفاعل-البنية” في مجالي العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، بالنسق الدولي وبنيته، التعريف بالسياسة الخارجية للدولة ومداخل تحليل السياسة الخارجية وعلاقتها ببنية النسق الدولي واستراتيجيات الدول في المجال الدولي، وتناولت في الإطار التطبيقي العلاقة بين السياسة الخارجية الصينية وبنية النسق الدولي.

وتختلف الدراسة الحالية عن هذه الدراسة في كون الأخيرة تُركز على السياسة الخارجية الصينية وعلاقتها التبادلية ببنية النسق الدولي بينما تُركز الدراسة الحالية على العلاقات الروسية الصينية وأثرها على التحول في بنية النسق الدولي.

٢.إنجي إبراهيم عبد المجيد حسن، المنطلقات الأيدولوجية للسياسة الخارجية الصينية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، رسالة ماجستير،٢٠٢٤

تناولت الدراسة التعريف بماهية الأيدولوجية وأنواعها ودورها في النظام السياسي، كما عرضت لعملية صنع السياسة الخارجية ومحدداتها، وتطرقت إلى ذكر المنطلقات الأيديولوجية التقليدية للسياسة الخارجية الصينية، كالكونفوشيوسية والطاوية وما إلى ذلك، ودور الإيديولوجية في رسم السياسة الخارجية في عهد حكام الصين المختلفين بداية من الزعيم الشيوعي ماو تسي تونج وحتى فترة حكم الرئيس الحالي شي جين بينج، محللة لأثر التحولات الأيديولوجية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

ويستفاد من الدراسة في فهم تطور الرؤية الصينية لبنية النسق الدولي واستراتيجيتها المُتبعة، وتختلف عن الدراسة الحالية في تركيزها على الجانب الأيديولوجي الصيني، بينما تركز الدراسة الحالية على فهم طبيعة العلاقات الروسية الصينية وأثرها على التحول في بنية النسق الدولي.

3.Stuart Harries, China’s Foreign Policy. Polity Press, United Kingdom,2014.

يعرض الكتاب لعملية صنع السياسة الخارجية الصينية وتطورها التاريخي، كما يوضح رؤية الصين للعالم والنسق الدولي ككل، أبرز سياستها تجاه دول الجوار، بالإضافة إلى التحديات العسكرية التي تواجهها وكيف تتعامل معها ومكانتها الاقتصادية وانعكاسها على سياستها الخارجية.

يمكن الاستفادة من تلك الدراسة في فهم عوامل قوة الدولة الصينية سواء كانت العسكرية، الاقتصادية أو الجغرافية إلى أخره، والتعرف على سياستها الخارجية تجاه الدول الأخرى بالنسق الدولي.

ب. دراسات تتناول السياسات الروسية:

١. وسيم خليل قلعجية، روسيا الأوراسيوية زمن الرئيس فلاديمير بوتين، الدار العربية للعلوم ناشرون، ٢٠١٦

يناقش الكتاب عودة روسيا الاتحادية إلى ساحة الصراع الدولي بعد انهيار الثنائية القطبية وكيف استطاعت روسيا تحت قيادة الرئيس بوتين منذ عام ٢٠٠٠ من استعادة مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية التي فقدتها في مطلع التسعينيات وكيف أثرت تلك العودة من جديد على مستقبل الأمن في أوراسيا والشرق الأوسط ودول البلطيق والبلقان، كما أوضح الكتاب أن العودة الروسية لم تنطلق من منظور عقائدي بل من منظور قومي واقعي.

تتشابه الدراسة الحالية مع الكتاب في إبراز الدور الإقليمي والدولي القيادي لروسيا تحت قيادة الرئيس بوتين، وتأثير ذلك الصعود على استقرار الجماعة الدولية، ولكن يعاب على الكاتب انحيازه للموقف الروسي إزاء عدد من القضايا مثل: القضية السورية، بينما تناولت الدراسة الموقف الروسي بموضوعية بعيدًا عن الرؤى الشخصية.

٢. نردين حسن الميمي، الاستراتيجية الروسية في ظل نظام أحادي القطبية (الثوابت والمتغيرات)، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، فلسطين، ٢٠١٠

تناولت هذه الدراسة الاستراتيجية الروسية في ظل نظام أحادي القطبية، حيث عانت روسيا من العديد من المشاكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سعت روسيا لاستعادة مكانتها وهيبتها والحفاظ على أمنها وسيادتها عن طريق تبني استراتيجيات متعددة للنهوض وإعادة البناء، وسلطت هذه الدراسة الضوء على الاستراتيجية التي اتبعتها روسيا حتى تتمكن من لعب دور كبير في النظام الدولي.

وتناولت خطة تقسيم: السمات العامة للاستراتيجية الروسية والفرق بينها وبين الاستراتيجية السوفيتية والمتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة في الاستراتيجية الروسية، وأهداف ووسائل الاستراتيجية الروسية. وأيضًا تناولت الدراسة الاستراتيجية الروسية على صعيد القوى الآسيوية، حيث تناولت العلاقات مع الصين، وأيضًا الاستراتيجية الروسية في إطار الصعيد الإقليمي تجاه دول الاتحاد السوفيتي سابقًا، والاستراتيجية الروسية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط، وسوف يستفيد الباحث من هذا المرجع عند الحديث عن الاستراتيجية الكبرى في عهد بوتن.

توصلت الدراسة إلى: إن روسيا ستتمكن من لعب دور في النظام الدولي، وستكون منافسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وستتمكن روسيا من لعب أدوار أكبر إذا تحول النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب، مع توافر عوامل القوة التي تؤهلها من لعب هذه الأدوار، وتعتبر روسيا دوله فاعلة في النظام الدولي وإحدى الدول الكبرى ذات المقعد الدائم في مجلس الأمن.

3.Zana Dilshad Hassan, Russia’s National security Determinants Under The New International Changes, Master’s Thesis, Near East University, Nicosia, 2021

تناولت هذه الدراسة محددات الأمن القومي الروسي في ظل متغيرات دولية جديدة التي حدثت في بنية النظام الدولي، وأثرت على مفهوم الأمن القومي والتي أدت إلى تغييره، ركزت هذه الدراسة على أهم محددات التي تؤثر على الأمن القومي الروسي والتحديات التي تواجه روسيا في ظل متغيرات دولية جديدة.

انقسمت هذه الدراسة: إلى ثلاثة فصول وخاتمه وتناول الفصل الأول ماهية الأمن القومي الروسي والفصل الثاني الأمن القومي الروسي وأهم التحديات الداخلية والخارجية، والفصل الثالث تناول المتغيرات الدولية الجديدة وتأثيرها على الأمن القومي الروسي، وسوف يستفيد الباحث من هذا المرجع عند الحديث عن الاستراتيجية الروسية في عهد ديمتري.

توصلت الدراسة إلى استنتاجات منها: إن مفهوم الأمن القومي من أهم المفاهيم التي تهتم بها الدولة منذ ظهور مفهوم الدولة القومية، كان مفهوم الأمن القومي ضيق يقتصر على البعد العسكري أما الآن وبعد التطور الذي شهده العالم في كافة المجالات تطور مفهوم الأمن القومي، ظهر مفهوم حديث واسع حيث تضمن إلى الجانب العسكري جوانب أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية.

ج. دراسات تتناول العلاقات الروسية الصينية:

١. تسنيم محمد متولي مصطفى، العلاقات الروسية الصينية بين دوافع التنافس ومقتضيات التعاون منذ مطلع الألفية الثالثة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، ٢٠٢٤.

تناولت الدراسة الخلفية التاريخية للعلاقات الروسية الصينية، الاستراتيجية الكبرى لروسيا والصين في ظل النسق العالمي الراهن، مظاهر التعاون والتنافس الروسي الصيني منذ مطلع الألفية الثالثة.

وتختلف الدراسة الحالية عن هذه الدراسة في كون الأخير تُركز على مظاهر العلاقات بين الدولتين، بينما تسعى الدراسة الحالية للتعرف على أثر تلك العلاقات على التحول في بنية النسق الدولي.

٢. عارف عبد اللطيف ابراهيم مكاوي، التنافس الدولي في آسيا الوسطى: الصين وروسيا الفترة من ٢٠٠١ حتى ٢٠١٨، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات والبحوث الآسيوية، جامعة الزقازيق.

تناولت الدراسة التعريف بمنطقة آسيا الوسطى وأبرز ما تتمتع به من ثروات مثل: المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات الالكترونية وتزخر بها أراضيها من موارد طاقة مثل: النفط والغاز، ذلك إلى جانب موقعها الاستراتيجي ذو الأهمية الحيوية، وأثر تلك المقومات على جعل المنطقة ساحة للتنافس والصراع بين القوى الدولية الكبرى على رأسها الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما طرحت الدراسة أبرز التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة نتيجة لذلك التنافس، وما له من آثار على العلاقات بين الجانبين الروسي و الصيني وما قد يشكله التنافس على المنطقة من تهديد على تلك العلاقات.

وتتمثل أوجه الاستفادة من تلك الدراسة في أنها أظهرت أن هناك تحديات قد تلحق بالتعاون الروسي الصيني، كما بينت أحد تلك التحديات وهو الصراع على منطقة آسيا الوسطى التي تعتبرها كلا الدولتين مجالًا حيويًا لها؛ مما قد يؤدي إلى نشوب خلاف مستقبلًا يؤثر على ذلك التحالف بينهما.

  1. John W. Garver (1988), Chinese-Soviet Relations 1937–1945, The Diplomacy of Chinese Nationalism, Oxford University Press, New York.

يركز هذا الكتاب على العلاقات بين الصين والاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الصينية اليابانية والحرب العالمية الثانية-خلال الفترة من ١٩٣٧ إلى ١٩٤٥-، وأثر هذه العلاقة على القومية الصينية -والعكس-، خاصة الدبلوماسية القومية الصينية الممثلة في حكومة الكومينتانغ بقيادة تشيانغ كاي شيك تجاه موسكو، حيث سعى المؤلف لإعادة تفسير العلاقات الصينية السوفيتية من منظور قومي، غير أن المؤلف أولى أهتماما أكبر بحزب الكومينتانغ المشكل للحكومة القومية، وأهمل دور الحزب الشيوعي الصيني بشكل نسبي، وهذا ما نتفاداه في الدراسة الحالية، حيث لم نهمل دور أيا من الحزبين في الدراسة الحالية، كما تتناول الدراسة الحالية الفترة قبل وبعد الحرب العالمية الثانية بشكل وافي في المبحث الأول من الفصل الثاني، وهو ما يميز الدراسة الحالية عن تلك الدراسة.

  1. Zhihua Shen, (2020) A Short History of Sino-Soviet Relations, 1917–1991, trans. Yafeng Xia, Hongshan Li, and Xiaohong Liu, Palgrave Macmillan, Singapore.

تغطي تلك الدراسة الغنية بالمعلومات المفصلة حول العلاقات الصينية الروسية الفترة من ١٩١٧ إلى ١٩٩١ -أي ٧٤ عاما-، فتم تقسيم تلك الدراسة لأربع مراحل تاريخية تم سردها بدقة، لذا تصنف تلك الدراسة ضمن الدراسات التاريخية لا دراسات تحليل العلاقات الدولية.

ركزت الدراسة على العلاقات بين الحزبين الشيوعي الصيني والشيوعي السوفيتي، ورأت فيها المحرك الرئيسي لسياستهما لا الدول في حد ذاتها، خصوصا في الفترة ما بعد ١٩٤٩ وحتى الثمانينات عند إدراك الجانبان لضرورة إحلال الدول محل الأحزاب في العلاقات الثنائية بينهما، كما قدم الكتاب تفسيرًا جديدًا لفترة انهيار العلاقات السوفيتية الصينية، حيث إنه يرى أنه نتج عن خلل هيكلي/ بنيوي في التحالف الاشتراكي ذاته لا نتيجة صراع إيديولوجي أو صراع مصالح كما يرى باقي المؤلفون.

وما يميز الدراسة الحالية عن تلك الدراسة أن الأولى لم تتناول فترة العلاقات الصينية الروسية خلال الفترة ١٩١٧-١٩٩١ فحسب، بل أضافت الدراسة الحالية، كذلك الفترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وحتى العام ٢٠٢٥، ما يجعلها أكثر شمولًا.

ويلاحظ من الدراسات السابقة التالي:

١.التعريف بركائز وأبعاد كلًا من الاستراتيجية الروسية والصينية، لتشكل أساسًا هامًا للدراسة في فهم منطلقات الفكر والسياسة الخارجية لكل دولة ونظرتها لبنية النسق الدولي مع ما يتفق مع منظورها وإدراكها لطبيعة مصالحها القومية، خلال ما تناولته هذا الجانب من دراسات سابقة أوضحت بشيء من التفصيل جوانب الاستراتيجية الروسية والاستراتيجية الصينية على حدة، أو مجتمعتين.

٢.تناول طبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين على الصعيدين: التاريخي، والمعاصر، لتساعد الدراسة في التعرف على نقاط تلاقي كلًا من الاستراتيجيتان: الروسية والصينية، وهو ما يمثل مبررات ودوافع التعاون بين الدولتين، كما تساهم في التوصل إلى عوامل وأسباب تضارب المصالح بينهما أيضًا، المؤدي إلى خلق حالة من التنافس، كذلك يوضح هذا الجانب من دراسات سابقة التهديدات المشتركة لكلٍ من الدولة الروسية والدولة الصينية.

الفصل الأول: الفصل التمهيدي

الفصل التمهيدي:

تمهيد:

يمثل الفصل مدخلًا نظريًا وتحليليًا يهدف إلى تهيئة القارئ لفهم ما تدور حوله الدراسة، ويتمحور الاهتمام الأساسي في هذا الفصل حول طبيعة التحولات والتغيرات التي يشهدها النسق الدولي، خاصة تلك المرتبطة بتزايد أدوار قوى دولية غير غربية مثل: الصين وروسيا، وتأثير هذه التحولات على بنية النسق الدولي القائم وعلى توازناته، وتكتسب هذه التحولات أهميتها من كونها تعززت في ظل نسق أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة، لذا تمثل تحديًا مباشرًا لفكرة الهيمنة الغربية التي تشكلت بعد الحرب الباردة، ويثير الصعود الصيني-الروسي تساؤلات حول إمكانية تحوّل في بنية النسق الدولي نحو التعددية القطبية، ومدى استقرار بنية النسق وقابليتها للتغير.

ويُعنى الفصل بتحديد الأطر النظرية التي ترتكز عليها الدراسة، وذلك من خلال مراجعة وتحليل الأدبيات النظرية في العلاقات الدولية، لا سيما الاتجاه الواقعي بمستوياته المختلفة (الواقعية الكلاسيكية، الواقعية الجديدة) والذي يركز على مفاهيم القوة والمصلحة والتوازن، والاتجاه الليبرالي، بالإضافة إلى الاتجاه البنائي الذي يمنح أهمية للبنى الاجتماعية والهوية في تفسير سلوك الفاعلين الدوليين، كما يشمل الفصل توضيحًا للمفاهيم الأساسية التي سيتم توظيفها في الدراسة مثل “الهيمنة”، “توازن القوى”، و”تحول القوة”، مع شرح لكيفية ارتباط هذه المفاهيم بالتحولات في بنية النسق الدولي.

وينقسم هذا الفصل من الدراسة إلى مبحثين، يناقش المبحث الأول التعريف بالنسق الدولي وبنيته في عدد من الأدبيات التي اختلفت في تعريفه بطبيعة الحال في مجال العلوم الاجتماعية، فقد تعدد وجهات النظر، أما المبحث الثاني فيتناول التعريف بنظريات التحول في بنية النسق الدولي من ثنايا الأدبيات المختلفة، يهدف الفصل أيضَا إلى تحليل الحالة الصينية-الروسية بوصفها نموذجًا لفهم ديناميات التغيير في بنية النسق الدولي، وبهذا يشكل الفصل تمهيدًا ضروريًا يربط بين الجانب النظري المجرد والتحليل التطبيقي الذي سيتناوله الفصل الثاني.

المبحث الأول: التعريف بالنسق الدولي:

يعد مفهوم بنية النسق الدولي من المفاهيم المحورية التي لا يمكن فهم طبيعة العلاقات والسياسات الدولية والتفاعلات بين الدول والفاعلين الدوليين الآخرين في ظل بيئة النسق الدولي الفوضوية إلا من خلاله، ولكن يواجه العلماء والمفكرون صعوبة في تحديد تعريف محدد لهذا المفهوم كونه مفهوما ديناميكيًا يشوبه الكثير من الغموض، لذا يهدف هذا المبحث إلى توضيح مفهوم النسق الدولي وبنيته عبر عرض مجموعة من التعريفات النظرية لبعض المفكرين مثل: كينيث والتز، ومورتون كابلان، وريموند آرون.

أولًا: التعريف ببنية النسق الدولي:

تعددت تعريفات النسق واتسمت بالغموض، ولكن ببساطة يمكن تعريفه بأنه تفاعل مجموعة من المتغيرات مع بعضها البعض، وتبادلها التأثير والتأثر، فتغير جزء من النسق يحدث تغيير في باقي أجزاءه، ويتسم هذا التفاعل بالديناميكية، وأن لجميع النُسق قيم وقواعد وحدود محددة وتنظيم يستطاع التعرف عليه[5]

يفترض أن الوحدات داخل الأنساق الدولية تتمتع بالسيادة وتشترك في تنظيمات للدول (كالأحلاف والكتل الاقتصادية والتنظيمات السياسية)، ولكن هناك فاعلين آخرين غير الدول كالهيئات المتعددة الأمم وجمعيات المصالح المشتركة بين الأمم والأفراد.

ويتسم النسق الدولي بخصائص شتى أولها افتقاره لتنظيم سياسي سلطوي يتمكن من إصدار الأوامر وتطبيقها واتسامه بالفوضى، ومن الغريب تخيل نسق له نظام دون وجود من ينظمه، ولكن رغم فوضويته، إلا أنه يتسم بقدر من الهيراركية كالاعتراف الدولي بوجود مراتب سياسية واجتماعية مثلا، وأهم مظهر لتكوين النسق هو توزيع القدرات العسكرية والاقتصادية وإن كانت هذه الظاهرة لا زالت محل جدل بين الوحدات التي يتكون منها، فبدا لكثير من العلماء أن توزيع هذه القدرات هو الصفة المحددة لمختلف أنواع الأنساق السياسية سواء أحادية القطب أو ثنائية القطب أو متعددة الأقطاب[6].

وإن غياب سلطة عليا في النسق الدولي قادرة على ضبط الصراعات هو ما يجعل النسق فوضوي، ولا يشترط أن يكون العنف الموجود في النسق ناتج عن طبيعة الدولة، بل يكون ناتج عن طبيعة النسق الدولي نفسه، فصدق روسو في تحليله عند قوله: الجميع يسعى لتجنب الحرب فالمصلحة العامة تتحد مع المصلحة الخاصة للحفاظ على السلام، فالسلام يجب أن يأتي من تلقاء نفسه ويدوم إلى الأبد دون الحاجة لاتحاد، فسيكون من الأفضل للجميع أن يدوم السلام، ولكن طالما لم يكن هناك ضمان لهذا، لذا فكل شخص لا يملك ضمان بأنه يستطيع تجنب الحرب حريص على أن يبدأها هو في اللحظة التي تناسب مصلحته الخاصة واستباق جاره بالعدوان، لذا نشأت العديد من الحروب، حتى إن الحروب الهجومية التي بطبيعتها حروبًا غير عادلة أصبحت تُعد احتياطات أكثر فاعلية لحماية ممتلكات المعتدي من كونها وسيلة للاستيلاء على ممتلكات المعتدى عليه[7].

ولاحظ روبرت جرفيس أن هناك نظرتين لطبيعة البشر تتوافقان مع تصور الفوضى الدولية، الأولى أن الطبيعة البشرية شريرة، وأنهم يسعون لاكتساب القوة والسلطة؛ لذا تنتشر الفوضى والحرب في النسق الدولي، الثانية أن الطبيعة البشرية خيرة، وأنهم مسالمون ومتعاونون بطبعهم، وفي هذه الحالة يؤدى الافتقار لسلطة عليا فوق الدول تفرض التعاون بينهم إلى حدوث العدوان خوفا من المنافسين، ولكن أيا كان الطريق الذي تبدأ منه، فلابد من القول بأن النظام الدولي الفوضوي يؤدى إلى الحرب[8].

ويتكون النسق السياسي من مجموعة من تفاعلات، وشبكة علاقات معقدة، والتي تشمل عناصر القوة أو السلطة أو الحكم، فهو لا يتعدى كونه مفهومًا تحليليًا يتم استخدامه لفهم الظاهرة السياسية أو لتسهيل عملية التحليل، فهو يعد بمثابة تصور يستخدم من قِبل الباحث لتحليل جوانب الظاهرة موضع البحث، ويتميز النسق السياسي وفقًا لهذا المفهوم بثلاث خصائص هم: التفاعل بين أعضائه، الاعتماد المتبادل بين وحداته، الحفاظ على الذات أي حفاظ النظم السياسية داخل النسق على ذاتها، إلى جانب توفر عنصر القوة أو السلطة حينها يمكن وصف النظام أو النسق بأنه سياسي[9].

عرف ريموند آرون النسق -كإطار للتحليل- بأنه تجميع مكون من وحدات سياسية تحتفظ بعلاقات منتظمة مع بعضها، مع استعدادها للتورط في حرب في أي وقت، أما تشارلز ماكليلاند وجون بورتون فعرفا النسق على أنه مكون من مجموعة من الروابط والعلاقات بصفتها شكلًا موسعًا لإثنين من الأطراف الفاعلة المتفاعلة فيما بينها، لذا فإن التعريف ينظر إلى الأنساق والأنساق الفرعية على أنها أنماط افتراضية للتفاعل[10]

كما عرف مورتون كابلان النسق أنه “مجموعة من المتغيرات المترابطة وفي ذات الوقت متغايرة مع بيئاتها”، كما أن بين هذه المتغيرات علاقات داخلية تميزها عن المتغيرات الخارجية الأخرى[11].

كما عرف والتز بنية النسق الدولي أولًا: وفق المبدأ الذي ينظم به النسق، فمثلاً الانتقال من نسق فوضوي لنسق هرمي يمثل انتقال من نسق لآخر، وثانيًا: من خلال تحديد وظائف الوحدات المتمايزة، فيتغير النسق الهرمي إذا تم تعريف الوظائف وتوزيعها بشكل مختلف، ويسقط هذا المعيار في النسق الفوضوي كونه يتكون من وحدات متماثلة، وثالثًا من خلال توزيع القدرات عبر الوحدات، وإن التغييرات في هذا التوزيع تعتبر تغييرات في النسق سواء أتسم النسق بالفوضوية أو الهرمية[12].

ونخلص لاشتمال تعريف والتز على عناصر ثلاث[13] -ولا يحدث تغير في النسق إلا بحدوث تغير في هذه العناصر: –

١. المبدأ المنظم أو مبدأ الترتيب.

٢. التمايز الوظيفي أو عدمه بين الوحدات أو طبيعة الوحدات.

٣. توزيع القدرات عبر الوحدات.

يكاد أن يكون مصطلح (نسق) أكثر المصطلحات المستخدمة في الأدبيات السياسية ودراسات العلاقات الدولية، ويصف هذا المصطلح[14]:

-إطار نظري معني بتدوين المعلومات ذات الصلة بالظاهرة السياسية.

-أنساق متكاملة من العلاقات والتي تستند إلى مجموعة فرضية من المتغيرات السياسية.

-نُسق من العلاقات بين المتغيرات السياسية.

-نُسق من المتغيرات المتفاعلة.

وأجمع دارسي النسق الدولي على الاهتمام ب[15]:

– العناصر المساهمة في استقرار أو اضطراب النسق الدولي.

– طرق التكيف لإبقاء النسق في حالة توازن.

– تقييم قدرة الوحدات في تعبئة الموارد واستخدام التكنولوجيا الحديثة وتأثير ذلك على النسق.

– الاهتمام بموضوعات مثل الاستقرار وقدرة النسق الدولي على احتواء الاضطرابات داخله وفعاليته في التعامل معها، والاهتمام بدور القوى القومية وفوق القومية كأدوات منظمة للنسق.

– كما يتفق الدارسين على أن النسق الدولي متغير ديناميكي وليس استاتيكي مستقر.

– ويجمع الباحثين على أن للقوى المحلية في الوحدات السياسية القومية الدول تأثير واضح على النسق الدولي.

المبحث الثاني: نظريات التحول النسقي:

جرت تغيرات جذرية على بنية النسق الدولي إبان نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والمتوجة بانهيار الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي لتنتهي معه صورة النسق ثنائي القطبية وتقود الولايات المتحدة الأمريكية العالم في ظل نسق احادي القطبية، ولكن صورة هذا النسق تتعرض لعدة تساؤلات جراء التقارب الروسي الصيني، فصعود الصين لمصاف القوى الكبرى وعودة روسيا للعب دور عالمي مؤثر يشكلان تحديًا للولايات المتحدة الأمريكية التي انفردت بصياغة السياسة الدولية لفترة.

وبرغم عدم الاتفاق على تعريف النسق الدولي لكن هناك اتفاق بأن المكون الرئيسي لا الوحيد لبنية النسق الدولي هو القوى الدولية الرئيسة في النسق أي الأقطاب الدولية، ويعرف أ. د عادل عنتر القطبية بأنها ” القوى الكبرى الكائنة في فترة زمنية معينة[16] “.

أولًا: النظريات المُفسرة للتحول النسقي:

وفيما يخص التحول النسقي فيمكن تعريفه بأنه عملية ديناميكية يتغير بها النسق ويعاد تشكيله من خلال تفاعل عناصره بحيث ينتقل لحالة توازن جديدة وتتغير وظائفه وأهدافه أي هو تفاعل مكونات النظام مع البيئة المحيطة لضمان استمرار النسق وتوازنه[17]، وفيما يلي عرض لأبرز النظريات المفسرة للتحول النسقي:

أولاً: نظرية توازن القوى:

تعد نظرية توازن القوى من أهم النظريات التي تتناول تفسير التحول النسقي، كما يعد حجر الزاوية في هذه النظرية هو ديمومة الصراع الدولي فالدول أعضاء الجماعة الدولية في سعي مستمر لزيادة قوتهم القومية على حساب غيرهم فكلما زادت قوة دولة ما زاد التهديد للدول الأخرى؛ وهذا سيؤدي لصراع ومواجهة القوة بالقوة عن طريق التجمع في محاور وائتلافات بحيث لا يمكن لأي دولة مهاجمة غيرها مهددةً بذلك الأمن والاستقرار العالمي، فالهدف الأساسي من توازن القوى هو الحفاظ على استقلال الدول قاطبةً وتحقيق السلم الدولي المنشود، فتساوي توزيع القوى يؤدي للسلم أما عدم التوازن يؤدي للحرب، ويتحقق هذا التوازن عن طريق توليد ضغوط مضادة لتفادي الاختلال في علاقات القوى[18].

توضح النظرية كيف تسعى القوى المختلفة لتحقيق التوازن في ميزان القوى بحيث لا تهمين دولة واحدة على النسق مثل الولايات المتحدة الأمريكية في ظل أحادية النسق، وفي إطار ذلك السياق يبرز التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني الاقتصادي والسياسي والعسكري في مواجهة القوة الامريكية وموازنتها حيث تجتمع كلًا من الرؤية الروسية والصينية في رفض الهيمنة الأمريكية ورؤيتها كتهديد مشترك.

ثانيًا: نظرية تحول القوة:

تقوم نظرية تحول القوة على فرضية أساسية مفادها فقدان الدولة المهيمنة لموقعها لصالح قوة صاعدة غير راضية عن الوضع الراهن، تعطي النظرية أهمية فائقة لدورة القوة في عالم السياسة الدولية فالقوة هي المحددة لطريقة عمل النظام وصورة النسق، فحين تتفوق قوة الدولة المهيمنة على قوة الدولة الصاعدة يحدث استقرارًا، والعكس إذا تقاربت قوة الدولة المهيمنة والدولة الصاعدة يحدث اختلاف في رؤيتهم للوضع الراهن، ففي حين رضا الدولة المهيمنة على الوضع الراهن تسعى الدولة الصاعدة لتغييره، وقد يكون هذا التغير سلميًا او لا[19] .

ووضح ألفريد أورغانسكي أربعة أشكال للدول في كتابه “السياسة العالمية” طبقًا لنظرية تحول القوة: دول قوية راضية، دول قوية غير راضية، دول ضعيفة راضية، دول ضعيفة غير راضية، في إطار تلك النظرية يلاحظ إن كلًا من روسيا والصين تعدان دول قوية غير راضية أي أنهما دول لا ترضى بتوزيع القوة الحالي داخل بنية النسق الدولي وتركزها في يد الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها؛ لذلك يعملان نحو تغيير الوضع الراهن[20]، فرغبة روسيا والصين في تحول القوة قد تخلق ظروف شبه ضرورية تقود للحرب حينئذ تتحول القوة لصالحهما، على الجانب الاخر تنظر الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة المهيمنة نظرة ترقب وحذر لوضع القوى الكبرى التي تليها في سلم تدرج القوى[21].

ثالثًا: نظرية الاستقرار الناتج عن الهيمنة:

تأتي الهيمنة من الكلمة اليونانية Haegemonia التي تشير إلى الحكم أو الأمر، كما يشير مصطلح الهيمنة إلى السيطرة، وقد ظهرت بدايات المفهوم عند المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس عندما وصف الهيمنة الاثينية في الحرب البيلوبونيزية إبان نسق دولة المدينة، حيث فرق بين الهيمنة كونها القيادة المشروعة وبين السيطرة السياسية، أيضًا يعرف معجم ميريام وبستر الأمريكي الهيمنة بأنها: “النفوذ أو السلطة على الآخرين”، ويظهر ذلك التعريف الاختلاف في القوة بين فاعلين غير متساوي القوة، كما يعرفها قاموس اكسفورد بأنها: “سيطرة دولة على الآخرين”.[22]

ويعرفها ميرشايمر بأنها:” بلوغ دولة ما مستوى من القوة يمكنها من السيطرة على كل الدول الأخرى في النسق الدولي وبحيث لا تملك أي دولة من الإمكانات العسكرية ما يسمح لها بمجابهة حقيقية مع المهيمن”.[23]وبدراسة أدبيات الهيمنة نجد أن هناك اتجاهين للهيمنة وهما: الهيمنة كنسق توافقي وتعكس الرؤية الليبرالية، والاتجاه الآخر هو الهيمنة كنسق إكراهي ويعكس ذلك الرؤية الواقعية حيث تؤكد على الطبيعة الخام لقوة المهيمن تجاه الدول الأخرى ويتجاهل المهيمن أفكار الصالح العام والمسؤولية تجاه النسق خاصة إذا كلفه ذلك واستنزف موارده.[24]

وتختلف نظرة المدارس والاتجاهات السياسية لنظرية الاستقرار بالهيمنة، ويُستعرض وجهة نظر كلًا من المدرسة الواقعية والمدرسة الليبرالية في الآتي:

أ. نظرية الاستقرار الهيمني وفقًا للواقعية:

تمثل نظرية الاستقرار الهيمني أحد النظريات المهتمة بتفسير آليات تفاعل الدول والأنماط النسقية التي تتواجد بداخلها وتبنى النظرية على افتراض وجود دولة قوية مهيمنة تسيطر على النسق الدولي، مما يبقي النسق في حالة من الاستقرار والنظام وأن الصراع داخل النسق يحدث في حالة ما إذا ظهرت دولة تمتلك إمكانات مادية كبيرة وتكون غير راضية عن حالة الهيمنة تلك فتعمل على محاولة قلب الوضع المهيمنة لدى الدولة المهيمنة من أجل أن تقود النسق الدولي، أي أن الصراع يحدث عند اختلاف الدولة المتحدية والمهيمنة حول قوتهما النسبية وأن النسق سيبقى سلميًا كلما ارتكزت المكانات المادية في يد الدولة المهيمنة .[25]

ويظهر دور الدولة المتحدية في التعاون الروسي الصيني، حيث ترغب الدولتان في تحول نسقي من الهيمنة الأحادية الأمريكية إلى نسق متعدد الأقطاب تكون فيه الدولتان قوة كبرى، ويظهر ذلك واقعيًا فيما تشهده العلاقات بين الدولتين مؤخرًا من شراكات تجارية وعسكرية وسياسية فيجريان معًا مناورات عسكرية بانتظام.

ولقد أدرك الرئيس شي جين بينج منذ أن تولى الحكم في الصين عام ٢٠١٢ بأن الشراكة مع روسيا هي أساس تشكيل نظام عالمي متعدد القطبية، فقد دعمت الصين العمليات الروسية في الشيشان وأوكرانيا وجورجيا وسوريا، ورفضت إدانتها وبالتبادل رفضت روسيا إدانة التصرفات الصينية تجاه مسلمي الايجور وعملياتها فيما يخص تايوان و هونج كونج والتبت ، وفي مايو ٢٠١٧ دعمت روسيا مبادرة الحزام والطريق وكان ذلك تحولًا عظيمًا في الموقف الروسي الرافض في البداية للمبادرة، كما أن في ٢٠١٩ ارتقت الدولتان بعلاقتهما إلى مستوى شراكة تعاون استراتيجية شاملة، وذلك من خلال البيان المشترك الذي أرسى مبادئ العلاقة بين الدولتين وبرز الدعم الصيني القوي للموقف الروسي خلال حربها على أوكرانيا منذ ٢٠٢٢، حيث امتنعت الصين عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن كما تشترك الدولتان في خوفهما من سياسة التحالفات التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطقة نفوذهما مثل حلف الناتو الذي يمثل تهديد للأمن القومي الروسي وسلسلة المعاهدات الدفاعية لواشنطن مع دول الجوار الصيني في المحيط الهادي والهندي مما يهدد الأمن القومي الصيني كذلك تعزز العزلة التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لفرضها على الدولتين من تعاونهما معًا في ضوء رغبتهما في تقويض الهيمنة الأمريكية على النسق.[26]

ثانيًا: نظرية الاستقرار الهيمني وفقًا لليبرالية:

على الرغم من مركزية مكانة الدولة التي تشكلت بموجب معاهدة ويستفاليا، إلا أن المتغيرات التي يشهدها العالم المعاصر أظهرت أن المنظمات الدولية تلعب دورًا في إدارة الشؤون الدولية؛ مما أدى إلى ظهور فاعلين من غير الدول مؤثرين في إدارة النظام الدولي، ويستخدم مصطلح النظام الدولي وفقًا لأدبيات النظرية الليبرالية بدلًا من مصطلح النسق الدولي، كما يعرفه جيبلين بأنه انعكاس لتوزيع القوة غير المتكافئ في النسق.[27]

ويري الليبراليون أن الهيمنة هي القدرة على تشكيل جدول أعمال السياسات للمؤسسات العالمية أو التحالفات وينظرون إليها من منطلق القيادة، فليس لزامًا على القوة المهيمنة طابعها العسكري، بل يمكن أن تمزج بين القوة والأعراف، كما يعد العامل الاقتصادي حجر الأساس لتحقيق المكانة السياسية للقوة المهيمنة.[28]

وتكمن فكرة الهيمنة وفق الرؤية الليبرالية في وجود قوة مسيطرة تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي، وتكون قادرة على بناء قوة دولية ومن يخالفها يتعرض للعقاب أي أن وبصيغة أخرى يرى الليبراليون أن المؤسسات ستضمن النظام في مرحلة ما بعد الهيمنة وأن الدولة المهيمنة تعمل على إنتاج قواعد تنظيمية تشكل إطار تدور خلاله العلاقات الدولية، كما توفر منافع عامة حيث الكل يحصل عليها حتى لو لم يشارك في خلقها.[29]

ويسعى الطرفان الروسي والصيني إلى بناء مؤسسات بديلة عن تلك التي أنشأتها الهيمنة الأمريكية، كما يعملان على التكامل الاقتصادي والتجاري فيما بينهما، فقد عملتا على تدشين تكتل البريكس للاقتصادات الناشئة والذي بدأ في ٢٠٠٤ بأربع دول هم الصين والهند وروسيا والبرازيل، وقد كان إنشاء التكتل مدفوعًا من ما عانته الدول من التزامات تعسفية جراء النظام الاقتصادي والمالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد صرح الرئيس بوتين بأن زمن أحادية الجاني قد انتهى وأن دول مجموعة البريكس تسعى لإنشاء عملة واحدة كوسيلة دفع في التسويات الدولية، كما شاركت الدولتان في إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون إلى جانب الهند و باكستان وكازاخستان وأوزباكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وقد هدف ذلك التعاون إلى إيجاد تكتل إقليمي يسعى إلى رفاهية شعوب آسيا الوسطى وشمال آسيا إلا أنها كانت ذات توجه عسكري أيضًا؛ حيث خفض الأعضاء عدد القوات على حدودهم المشتركة، كما دفعت توسعات حلف الناتو في شرق أوروبا إلى تحول التكتل إلى تحالف شبه عسكري من خلال سلسلة مناورات عسكرية بين اعضائه[30]

وينتقد البعض فكرة وجود قوة مهيمنة على النسق حيث تكثر الاتجاهات التي تناقش الحالة التي عليها النسق الدولي حاليًا، فيرى أنصار اتجاه النسق متعدد الأقطاب المعروفون باسم التعدديين ومنهم كينيث والتز أن النسق الحالي ليس أحاديًا، ويرتكزون إلى أن ليس في استطاعة دولة أن تهيمن على مجريات الاحداث مهما طال مصيرها فهي الى زوال ويقرون بأن القوة النسبية  للولايات المتحدة الأمريكية في تراجع وان محاولاتها تجاه صعود الصيني و افراطها في استخدام استراتيجيات الهيمنة سيؤدي بقوتها الى التآكل أو الانبراء الذاتي، كما يؤمنون بالقطبية الإقليمية الجديدة أي أن العالم يحتوي على العديد من الأقاليم و كل إقليم يشمل عدد من الأقطاب الذين يعدون فاعلين مؤثرين به .[31]

كما يرى أنصار اتجاه آخر وهو اتجاه النسق المتعدد طور التشكيل أنه بالنظر إلى صورة النسق الدولي حاليًا نجد أنها ليست ثنائية القطبية حيث لا يوجد قطب إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية يملك القدرة الكفاية منفردًا على تهديد الهيمنة الأمريكية، كما أنه ليس أحاديًا وذلك لعدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على امتلاك قدرًا من القوة يستعصي معه على قوة بمفردها أو تحالف بين عدد من القوى أن يهدد مكانتها أو يوازن قوتها ولذلك يرون أن النسق في حالة تحول من الأحادية إلى التعددية وأن الصين الى جانب روسيا مرشحين لأن يكونا أحد أقطابه[32].

رابعًا: نظرية الواقعية البنيوية:

تأسست الواقعية الجديدة وتعرف أيضًا بالبنيوية على يد كينيث والتز، وقدمها في كتابه  نظرية السياسة الدولية المطروح عام ١٩٧٩، وتنطلق النظرية من فكرة البنية الفوضوية للنسق الدولي، على عكس ما جاء به مورجنثاو في الواقعية الكلاسيكية بأن الطبيعية البشرية أنانية وتؤثر على سلوك صانع القرار وسياساته الخارجية، تأتي الواقعية البنيوية للقول بأن بنية النسق هي المحدد والموجه لسلوك الدولة وتنتقد تصور الواقعية الكلاسيكية، وتجد أن من الصعوبة تحديد الطبيعة البشرية وفق معايير صارمة، كما أن التركيز على شخصية صانع القرار ليس من الضروري أن يقود إلى فهم صائب عن حقائق العلاقات الدولية، ويرى والتز أن النسق يضم عددًا من القوى العظمى يسعى كل منها إلى البقاء، ونظرًا أن النسق يتسم بالفوضى وعدم وجود سلطة عليا تضبط سلوك الدول داخله فإن كل دولة تسعى ذاتياً للحفاظ على بقائها وحماية سيادتها كما تسعى الى تفوق نسبي في مواجهة منافسيها للتمكن من البقاء ومنع أي دولة من الهيمنة على النسق.[33]

يتعاون في ضوء ذلك الطرفان الروسي والصيني لموازنة الهيمنة الأمريكية في النسق الدولي في محاولة للتحول إلى نظام متعدد القطبية يكونا أحد أقطابه، وينظر الواقعيون للصعود الروسي الصيني بنظرة تشاؤمية، حيث يرون أنه سيكون سببًا في تزايد حدة التوترات والصراعات في المستقبل، حيث تسعى كلًا منهما لممارسة حقوقها كاملة لحماية مصالحها واستعادة مكانتها كما يرون أن الصعود السلمي الصيني من الممكن ان يتحول الى هجومي إذا ما تعلق الأمر بتهديد مصالحها. [34]

تناولت الدراسة في إطار ذلك المبحث محاولة لتفسير التحالف الروسي الصيني واثره على بنية النسق في ضوء بعض من النظريات التي تُعنى بالتحولات الجارية في  النسق الدولي ، فقد فسرته نظرية تحول القوة بوصفها للصين وروسيا بأنهما دول قوية غير راضية عن مكانتها في النسق الحالي وتوزيع القوة داخله ويسعيان معًا إلى تغيير الوضع الراهن  بينما تؤمن نظرية توازن القوى بضرورة توازن توزيع القوة في النسق حتى لا تهيمن دولة واحدة عليه وكان أحد وسائلها لذلك التحالفات لضبط ميزان النسق حيث يشكل التحالف الروسي الصيني محاولة لإعادة تشكيل بنية النسق وتحقيق التوازن ، بينما ارتأت نظرية الهيمنة أن ذلك التحالف قد يخل بحالة الاستقرار التي يشهدها النسق في ظل الهيمنة الأمريكية كما يشكل تحديًا لها بينما أرجعته النظرية البنيوية إلى بنية النسق ذاته وما تشهده من حالة فوضى تفرض على الدول الكبرى موازنة بعضها البعض في القوة والقدرات لتتمكن من البقاء ولمنع أي دولة من الهيمنة على النسق

خلاصة الفصل الاول:

تناول الفصل التمهيدي من الدراسة الإطار المفاهيمي والنظري، لطبيعة التحولات التي يشهدها النسق الدولي، وذلك من خلال مبحثين:

تطرق المبحث الأول لمفهوم بنية النسق الدولي باعتباره مفهوم الأساس الذي تبنى عليه وتتمحور حوله الدراسة، ويتم تحليل هذا المفهوم في المبحث عن طريق استعراض مكوناته الرئيسية مثل: طبيعة الفاعلين الدوليين، وأنماط توزيع القوة، والعلاقات التي تنظم تفاعلات الوحدات الدولية، ذلك بالإضافة إلى أشكال التحول في النسق الدولي، سواء كانت تحولات تدريجية ناتجة عن تغير موازين القوى، أو تحولات جذرية تقود إلى إعادة تشكيل النسق ككل.

ويركز المبحث الثاني على الأطر النظرية التي تستخدم في فهم تلك التحولات، عبر مراجعة الأدبيات التي تناولت موضوع التحول في النسق الدولي، حيث يُعرض في المبحث مدى تباين مقاربات النظريات في تفسير التغيرات الدولية، إذ تفسر الواقعية -على سبيل المثال لا الحصر- التحول في بنية النسق من خلال القوة المادية والمصلحة، كما يتناول المبحث مفهوم توازن القوى كونه يحافظ على استقرار النسق الدولي،  إلى جانب دوره في ضبط الطموحات التوسعية، ويوضح المبحث كذلك مفهوم تحول القوة، موضحًا العوامل التي تؤدي إلى تغير مواقع الدول الكبرى في النسق.

يتجلى في نهاية الفصل مدى كفاءة هذه النظريات في تفسير التحول من نسق أحادي القطبية إلى نسق متعدد الأقطاب في ضوء التغيرات الجارية، إذ تقدم تفسير لصعود قوى وتراجع أخرى، خاصة في ظل تنامي الدور الصيني الروسي في مقابل التراجع النسبي للهيمنة الغربية.

الفصل الثاني:

العلاقات الروسية والتحول في بنية النسق الدولي
الفصل الثاني: العلاقات الروسية الصينية والتحول في بنية النسق الدولي:

تمهيد

مرت العلاقات الروسية الصينية بمراحل متباينة، حيث شهدت العلاقات في فترة الخمسينات تقارب أيديولوجي بين كلًا من الدولتين، بينما شهدت في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي توترًا وانقسامًا أيديولوجيًا، حيث بدأ الخلاف الأيديولوجي يتصاعد بين الحزبين: الشيوعي السوفيتي والشيوعي الصيني خاصةً بعد وفاة ستالين، حيث انتقد ماو تسي تونج السياسات التي تبناها الاتحاد السوفيتي بعد ستالين والتي اعتبرها انحرافًا عن المبادئ الأساسية للشيوعية، وبدأت العلاقات تتحسن تدريجيًا في الثمانينات مع قيام الصين بإصلاحات اقتصادية وتبني سياسة خارجية أكثر انفتاحًا، مع بداية تسعينيات شهدت العلاقات الروسية الصينية تحولًا جذريًا نحو شراكة استراتيجية، حيث سعى كلًا من روسيا والصين إلى بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ويضم الفصل الثاني من الدراسة أربعة مباحث، حيث يتناول المبحث الأول من هذا الفصل خلفية تاريخية عن تطور العلاقات الروسية الصينية كمنطلق لفهم العلاقات التطور المعاصر للعلاقات بين الدولة الروسية والدولة الصينية، كما يوضح المبحث الثاني الاستراتيجية الصينية، كما ركز المبحث الثالث على الاستراتيجية الروسية، وتناول المبحثين الاستراتيجيات والتحول في بنية النسق الدولي خلال التعرف أبرز خصائصها، أهدافها، والأبعاد وعوامل القوة التي ترتكز عليها.

ويوضح المبحث الرابع والأخير من الدراسة تحت عنوان التحالف الروسي الصيني وأثره على التحول في بنية النسق خلال التعرف على أبرز دوافع التعاون وعوامل التوافق بين الدولة الروسية والدولة الصينية، وأثر ذلك التحول في بنية النسق الدولي، وأبرز التحديات التي تواجهها.

المبحث الأول: العلاقات الروسية الصينية: خلفية تاريخية:

يستحيل فهم موضوع أي دراسة في مجال العلوم السياسية أو في أي مجال آخر دون الرجوع إلى أصله التاريخي، وبناءً عليه سنوضح في الأسطر التالية التطور التاريخي للعلاقات الصينية الروسية منذ مطلع القرن العشرين وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين -أي إلى يومنا الحالي-، حيث تميزت العلاقات الصينية الروسية بالتقلب عبر الزمن، ما بين التقارب والتحالف تارة، والخلاف والتباعد تارة أخرى، فمن أبرز فترات التوافق كانت الفترة ما بعد بزوغ جمهورية الصين الشعبية، ومن أبرز وأشد فترات الخلاف هو الخلاف الواقع في حقبة الستينيات، وفيما يلي إيضاح لفترات الخلاف والوفاق بين الدولتين بالتفصيل.

تعد بداية القرن العشرين نقطة تحول فاصلة لكلا الدولتين، ففي الصين أعلن صن يات صن الجمهورية في ثانكينغ وانتهى الحكم الامبراطوري ١٩١١، أما في روسيا في ١٩١٧ قامت الثورة البلشفية أثناء الحرب العالمية الأولى -شاركت فيها روسيا القيصرية إلى جانب دول الوفاق- ونجحت في إسقاط النظام القيصري واستولى الشيوعيون بزعامة لينين على الحكم،[35] وصدر البلاشفة الروس التجربة الثورية الروسية خاصة للشرق الأقصى لإيمانهم القوى بعالمية الثورة، وأعرب صن يات صن عن إعجابه الشديد بالثورة، ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى، اندلعت الثورات الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا.

وتأثرت الصين في ١٩١٩ بشكل واضح بالثورة السوفيتية والفكر الاشتراكي نتيجة القرارات المجحفة لمؤتمر باريس للسلام،[36] وفي ١٩٢١ تأسس الحزب الشيوعي الصيني بمساعدة سوفيتية، كما بدأت موسكو بمساعدة حزب الكومينتانغ كذلك في ١٩٢٣، وأصر الاتحاد السوفيتي على التعاون بين الحزبين، لذا جعل الحزب الشيوعي يقر قيادة حزب الكومينتانغ، ويقر بأنه القوة المركزية للثورة الوطنية، ومع تولي تشيانغ كاي شيك قيادة حزب الكومينتانغ طرد جميع الشيوعيين من الحزب، وبدأت المواجهة المسلحة بينهما، فكانت الحرب بين الحزبين حتمية لا محالة رغم هذه المحاولات السوفيتية للتعاون.

وتوافق الطرفان في ١٩٣٧، بعد صراع طويل و مرهق، نتيجة للتهديد الياباني، [37]وعندما شنت اليابان هجومها على الصين في الحرب الصينية اليابانية الثانية، لم تدعمها أي قوة أجنبية سوى الاتحاد السوفيتي، فزود ستالین تشيانغ بالمعدات الحربية والأسلحة والمستشارين العسكريين، ما منع انهيار المقاومة الصينية خلال العامين الأولين من الحرب، بخلاف تشيانغ الذي استغل انشغال الكرملين بالغزو الألماني ١٩٤١ واسترجع شينجيانغ التي كانت ضمن النفوذ السوفيتي لعقد من الزمان، [38] وفي ١٩٤٢-١٩٤٤ تدهورت علاقات الدولتين وأصبحت في أدنى مستوياتها بعد الصراع على شينجيانغ، وأصبح من الصعب تأمين دعم سوفيتي في القضايا الحرجة الأخرى خلال العامين الأخيرين من الحرب العالمية الثانية،[39] وأستخدم ماو تسي تونج -قائد الحزب الشيوعي تلك الفترة- هذه الحرب لصالحه، فوسع نفوذ الحزب في الصين وتراجع حزب الكومينتانغ، ما منحه القدرة على تحدي الحكومة القومية، [40].

وبعد الحرب العالمية الثانية و استسلام اليابان ١٩٤٥ اندلعت الحرب الأهلية في الصين، ودعمت موسكو فيها الشيوعيون الصينيون ماديًا، وبمجرد بداية الحرب خفت وتراجعت هيمنة حزب الكومينتانغ المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير، وانتهت الحرب بفوز الشيوعيون، وإعلان جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر ١٩٤٩، وكان الاتحاد السوفيتي من أول المعترفين بها[41]، وبعد إعلان جمهورية الصين الشعبية، ازداد التقارب السوفيتي الصيني، حيث سعى الزعيمين جوزيف ستالين وماو تسي تونغ جاهدين لإنشاء تحالف عسكري سياسي بينهما، بناءً على ايديولوجياتهما المتطابقة، وبالتالي ازداد التعاون بينهما في كافة المجالات سواء السياسية والاقتصادية والعسكرية أو غيرها[42]، وأنشأ الطرفان معاهدة غير رسمية سميت “بمعاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة الصينية السوفيتية” لمدة ٣٠ عام في ١٤ فبراير ١٩٥٠، وأطلق عليها ماو لقب “الميل إلى جانب واحد” وهو الاتحاد السوفيتي.

وتراجعت العلاقات مع وفاة ستالين ١٩٥٣ بعد أن كانت في أوجها، حيث أثارت إدانة خروتشوف لستالين في المؤتمر العشرين للحزب عام ١٩٥٦ وعملية إزالة الستالينية التي تلتها، وإتباعه لسياسة التعايش السلمي مع الغرب، ووعده للرئيس أيزنهاور بوقف مشروع مساعدة الصين لتطوير الأسلحة النووية، استياء وغضب ماو، الذي رأي في الخط السياسي السوفيتي الجديد تهديد لحكمه و خط حزبه الثوري، وأصبحت العلاقة بين الزعيمين عبارة عن إدانة و كراهية متبادلة، وكان التعاون الاقتصادي الصيني السوفيتي والتجارة على وشك التوقف وسط المنافسة الأيديولوجية بين الدولتين، ووصلت الخلافات ذروتها في ١٩٦٠ بمغادرة المستشارين السوفييت الصين.

واستمرت علاقات الدولتين في الانحدار، وتعددت آثار انهيار التحالف الصيني السوفيتي، فبدأت مواجهات عسكرية وحروب صغيرة على طول حدودهما المشتركة، كما تنافسا على النفوذ الأيدولوجي والعسكري على الساحة الدولية[43]، كما أن اعتماد مبدأ بريجنيف من قبل الاتحاد السوفيتي ١٩٦٨ -الذي يبرر التدخلات السوفيتية (العسكرية) في الدول الاشتراكية- والغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا في العام ذاته أثار قلق الصين، وفي مارس ١٩٦٩ اصطدمت القوات العسكرية السوفيتية والصينية في جزيرة دامانسكي/تشنباو، وكانت الدولتان على شفا حرب نووية، حيث كان الاتحاد السوفيتي يخطط لضرب المنشآت النووية الصينية لكن الموقف الأمريكي الرافض أوقف تلك الحرب النووية قبل أن تبدأ.[44]

وحدث في السبعينات تقارب أمريكي-صيني لتحقيق التوازن في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وتم تطبيع العلاقات الصينية الأمريكية خاصة بعد توقيع بيان شينغهاي ١٩٧٢ -الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بأن تايوان صينية-، ونتج عن هذا التطبيع كذلك حصول الصين على مقعد دائم في مجلس الأمن، ودفع هذا التقارب الاتحاد السوفيتي لإتباع سياسة تصالحية مع الولايات المتحدة وهكذا بدأت فترة الاسترخاء/الانفراج، ولكن سرعان ما انتهت بسبب تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ١٩٧٩، وهو ما أدانته كلًا من الولايات المتحدة والصين[45].

وحاول في الثمانينات الطرفان السوفيتي والصيني التقارب فكان كلًا من ميخائيل جورباتشوف ودينغ شياو بينغ إصلاحيين، وكانت عملية المصالحة هذه بطيئة، ولكن توصل الطرفان -وبعد ٣٠ عام- لاتفاق عام ١٩٨٩، وبدأت حقبة جديدة من التعاون بين الطرفان[46]، وكان عهد جورباتشوف بداية النهاية للاتحاد السوفيتي، ففي ١٩٨٩، بدأت الكتلة الشيوعية في أوروبا الشرقية بالتفكك، كما انفصلت جمهوريات البلطيق في ١٩٩٠ وبدأ الاتحاد السوفييتي نفسه يتفكك، فانهار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر ١٩٩١، وخلفه الاتحاد الروسي برئاسة يلتسين، وبناءً عليه لم يكن لدى غورباتشوف متسع من الوقت لتحسين العلاقات مع الصين، ولكن على الأقل قام بالدفعة الأولى لتحسينها وتطويرها.[47]

واعترفت الصين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي١٩٩١، بكل الجمهوريات المتفككة ومن ضمنها روسيا، وأبدت استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية معها، وبناءً عليه وقعت كلًا من الصين وروسيا بروتوكولًا مبدأيًا يعبران فيه عن رغبتهما في التعامل بناءً على مبادئ التعايش السلمي وحسن الجوار، وتطورت العلاقة بين الدولتين منذ ذلك الحين وأصبحت أكثر سلمية ففي ١٩٩٢، أقيم أول اجتماع قمة بين روسيا والصين، ووقع فيه بيان مشترك لتأسيس علاقة قائمة على التعاون المشترك وحسن الجوار والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، بالإضافة إلى ٢٤ اتفاقية تعاون أخرى، وفي ١٩٩٤، أقيم اجتماع قمة ثان عرفت فيه العلاقات على أنها “شراكة بناءة موجهة نحو القرن ٢١”، كما تم الاتفاق على عدم استخدام الأسلحة النووية أولا في بيان آخر.

وأكدت روسيا في ١٩٩٥ دعمها لمبدأ “صين واحدة” ورفضها انضمام تايوان للأمم المتحدة، كما دعمت الصين روسيا في قضية الشيشان وفي طلبها للانضمام لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ -انضمت له في ١٩٩٨-، وفي ١٩٩٦، وقع بيانا مشتركا في القمة الثالثة في بكين يعلن إقامة “شراكة استراتيجية للمساوة والثقة موجهة نحو القرن الحادي والعشرين”، كما توقيع اتفاق اقتصادي وآخر عسكري، وفي ١٩٩٧ انتقلت الشراكة الاستراتيجية لمستوى جديد في القمة الرابعة، حيث صدر بيان مشترك يدعو لنسق دولي متعدد الأقطاب[48]، ومع بداية القرن الحادي والعشرين، ومع حكم بوتين، تطورت العلاقات بشكل إيجابي في شتى المجالات، فاتسمت السياسة الخارجية الروسية بالبراغماتية، وسعت لتطوير العلاقات مع الصين كاستراتيجية لإعادة بناء مكانة السياسة الخارجية الروسية عالميا، كما رأت الصين أن في ذلك تعزيزًا لمكانتها الإقليمية والدولية، ففي ٢٠٠١، تم توقيع اتفاقيه “حسن الجوار والصداقة والتعاون”، والتي أرست أساسًا قانونيًا لشراكة الثقة والتعاون الاستراتيجي بين الدولتين، كما تم تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون في نفس العام، والتي زادت من تقارب الدولتين، وفي ٢٠٠٥ أصدرت الدولتان إعلانًا مشتركًا حول “النسق الدولي في القرن الحادي والعشرين” يعبر عن طموحاتهما في عالم متعدد الأقطاب.

كما قامت الدولتان بأول مناورة عسكرية مشتركة بينهما في ذات العام[49]،  والأزمة المالية العالمية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ كانت بمثابة نهاية للأحادية القطبية الأمريكية في نظر الصين، فرأى شي جين بينغ أن ذلك من شأنه أن يجعل الصين لاعبًا دوليًا محوريًا، ووصف عهده بالعصر الجديد، حيث عزز العلاقات مع موسكو لمواجهة الهيمنة الأمريكية وبناء نسق بديل متعدد الأقطاب، وفي ٢٠١٣ سمح الرئيس بوتين ولأول مرة لرئيس أجنبي -شي بينج- الدخول لمقر القوات المسلحة الروسية، حيث أستقبله فيه وكشف يومها بينغ عن رؤيته لمجتمع  ذي مستقبل مشترك للبشرية[50].

وإتخذت الصين موقفً محايدًا في ٢٠١٤ عند ضم روسيا لجزيرة القرم، ولم تقم بإدانة روسيا، كما قامت الدولتان بمناورات عسكرية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط عام ٢٠١٥،[51] وفي ٢٠١٨ وصف شي بوتين بأنه أقرب صديق ومنحه أول ميدالية صداقة لجمهورية الصين الشعبية، كما أُعلن في ٢٠١٩ أنه لا توجد قيود على نمو العلاقات الصينية الروسية، وبناءً عليه أعلن الزعيمان في فبراير ٢٠٢٢ -قبيل الغزو الأوكراني- عن شراكة بلا حدود ومجالات تعاون محظورة، كما أصدرا بيانًا مشتركًا يعارضان فيه توسع حلف الناتو، وأكدا أن العلاقات الجديدة بينهما تتفوق على تحالفات حقبة الحرب الباردة السياسية والعسكرية.

ألتزمت الصين الحياد دون إدانة روسيا، أثناء الأزمة الأوكرانية، ولكن في مارس ٢٠٢٢ تراجعت الصين عن صيغة “بلا حدود”، لإدراكها فشل روسيا العسكري في أوكرانيا كما الإدانة الغربية لها، وفي محاولة لتصحيح المسار الدبلوماسي الصيني تجاه روسيا صرحت الصين في سبتمبر ٢٠٢٢ أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو يعرضان الأمن الروسي للخطر، وأن الصين تتفهم موقف روسيا تجاه أوكرانيا وتدعمه، وبمرور عام على الغزو كشفت الصين في ٢٠٢٣ عن “خطة سلام” لحل الأزمة الأوكرانية.

وأيدت موسكو خطتها وأشادت بها، وفي ديسمبر ٢٠٢٣ تقدمت العلاقات الروسية الصينية بشكل مطرد، حيث عبر الزعيمان عن ارتياحهما للتطور العلاقات الثنائية خاصة الاقتصادية، فكانت الصين بمثابة شريان الحياة لروسيا بعد فرض العقوبات الغربية عليها بسبب غزوها لأوكرانيا[52]، واستمرت العلاقات في التطور في كافة المجالات، حتى أنه في ٢٠٢٥ وبعد تنصيب ترامب بيوم واحد فقط، جرت محادثات بين بوتين وشي لتأكيد شراكتهما، ووفقًا للكرملين، أكد شي أنه على استعداد للارتقاء بالعلاقات بين الروسية الصينية  إلى مستوى جديد، وأكد بوتين على دعوة دول العالم إلى نسق عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة، إذ يسعى الطرفان لنسق أكثر استقرارًا، كما وصف كل منهما الآخر بـ “الصديق العزيز”.[53]

بناءً على السرد التاريخي المذكور أعلاه يلاحظ تقارب العلاقات الصينية الروسية في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي تخللها فترة خلاف في مطلع الأربعينيات ولكن عاد التقارب مرة أخرى بعد انتهاء الحرب الصينية اليابانية في منتصف الأربعينيات بعد قيام الحرب الأهلية الصينية التي كُللت بإنشاء جمهورية الصين الشعبية واستمرت العلاقات في الازدهار إلى أن عادت الخلافات مرة أخرى واستمرت لمدة ٣٠ عام منذ منتصف الخمسينات وأواخر الستينات فوصلت الخلافات ذروتها في تلك الفترة وصلت حد الاشتباك العسكري واستمرت الخلافات بين روسيا والصين حتى تم التوصل لاتفاق في ١٩٨٩ واستمر التقارب في التطور منذ ذلك الحين وحتى الآن.

المبحث الثاني: الاستراتيجية الصينية والتحول في بنية النسق الدولي:

يتناول في المبحث الثاني التعريف بالاستراتيجية الصينية وعلاقتها بالتحول في بنية النسق الدولي، خلال التعرف على أبرز خصائص الاستراتيجية الصينية عبر الزمن المتوالية، ومن ثم ننتقل للتعرف على أبرز الأبعاد وعوامل القوة التي تقوم عليها الاستراتيجية الصينية.

أولًا: خصائص للاستراتيجية الصينية:

تبنى الاستراتيجيات على أساسات متباينة كالظروف البيئية، والرؤية القومية للمصالح وعوامل القوى، بالإضافة إلى الموروثات الثقافية وقد تأثرت الاستراتيجية الصينية بالعديد من التعاليم والأفكار كالكونفوشيوسية، والطاوية والتي على الرغم من اختلافها نجد أنها اتفقت على أهمية الحفاظ على بيئة دولية سلمية، في إطار من الأخلاق والفضيلة والانسجام مع بنية النسق، كما ترفض اللجوء إلى الحرب إلا عند الضرورة، فمن الأفضل أن تُركز الدولة على بناء قدراتها الاقتصادية، أثرت أيضًا تعاليم “صن تزو ” وكتابه فن الحرب في رؤية الصين واستراتيجيتها العسكرية وكان من أبرز المبادئ العسكرية التي دعا لها هي: التخطيط الجيد ومعرفة النفس والعدو، حساب تكلفة الحرب قبل خوضها، تجنب الحروب الطويلة، تلك المبادئ التي استفادت منها المدارس العسكرية العالمية وتظهر جليًا في الاستراتيجية الصينية[54].

ويدور مفهوم الحكم والعلاقات الدولية في الفكر الصيني القديم حول مفهوم (تيان شيا) والذي يعني الجميع تحت السماء، حيث يقوم المفهوم على فكرة الاستيعاب في عالم موحد ومنسجم، بعيدًا عن الإقصاء، تحت راية الإمبراطور الصيني، فهو الحاكم الأعلى المُنصب للحكم من قِبل السماء، ويتحقق فيها الاستقرار خلال التعاون والمنفعة المتبادلة، وهو ما نراه حاليًا في مساعي الصين الحثيثة لإقامة شبكة علاقات ثنائية ناجحة، والانضمام وتزعم المنظمات الإقليمية والدولية[55].

تأثرت الصين أيضًا بالأيدولوجية الشيوعية إبان فترة حكم الزعيم الصيني ماو تسي تونج، ولم تكن استراتيجية ماو سلمية على الدوام فقد ناصب العداء لدول المعسكر الغربي آنذاك، وعزل الصين عن الغرب وقيد تحركاتها الاقتصادية حتى تولى دينج شياو بينج المعروف بالزعيم الإصلاحي زمام الحكم فقد أدرك أن النهوض الصيني يتطلب تنمية اقتصادية تحتاج بدورها مناخًا من الانفتاح على العالم الخارجي واتباع سياسة برجماتية، واستكمل جيانج زيمن سياسات دينج، حيث قام توسيع دائرة العلاقات الدولية الصينية في إطار استراتيجية الصعود السلمي[56].

ونُركز على فترة الدراسة لنجد الاستراتيجية الصينية في عهد هوجينتاو (٢٠٠٣-٢٠١٢) سارت على نهج حكام الصين السابقين حيث اتباع سياسات طمأنة الجماعة الدولية من الصعود السلمي، كما أهتم هوجينتاو باستخدام القوة الناعمة في تحقيق أهداف الاستراتيجية الصينية، حيث بدأت الصين في إنشاء معاهد كونفوشيوس لنشر اللغة والثقافة الصينية عالميًا، وتطورت وسائل الإعلام خاصتها، ولم تسر سياسة هوجينتاو على وتيرة واحدة فقد شهدت الفترة ٢٠٠٩-٢٠١٠، المعروفة بعام الحزم، اتباع سياسة هجومية، فعلى سبيل المثال هددت الفلبين بسبب مطالبتها المتعارضة في بحر الصين[57]

وصل شي جين بينج لسدة الحكم في عام ٢٠١٢ ولا يزال يحكم الصين حتى وقت الدراسة، اتسمت الاستراتيجية الصينية في عهده بالقوة والوضوح لتتمكن من إحياء الأمة الصينية، فقد تخلت الصين عن سياسة عدم الظهور، فقد أعلن شي صراحة في كلمته عام ٢٠١٣ على ضرورة معاملة الصين كقوة كبرى لا كدولة نامية[58]

كما اتبع شي سياسات إصلاح للداخل الصيني كمكافحة الفساد في الحزب الشيوعي، ليعزز قوته من الداخل، ويتأكد من الوحدة الصينية خوفًا من تكرار السيناريو السوفيتي وتفككه، وليتمكن من بسط نفوذه على الدولة، كما تم التصويت في عام ٢٠١٨ على إزالة قيود مدة الرئاسة ليصبح شي رئيسًا للصين مدى حياته، وتهدف الاستراتيجية الصينية في عهده إلى تحقيق ما يطلق عليه 《الحلم الصيني》 وهو المبادرة الصينية التي ترمي إلى التجديد العظيم للأمة الصينية، خلال التحول إلى دولة اشتراكية حديثة عظيمة والقضاء على التفاوت الطبقي داخل الصين، وشهد عهده أيضًا مبادرة الحزام والطريق ذات الأبعاد المتعددة التي تصب في مصلحة الاستراتيجية الصينية تجاه بنية النسق الدولي[59].

ثانيًا: أبعاد وعوامل قوة الاستراتيجية الصينية:

تستند استراتيجيات الدول على أبعاد متعددة، ترتبط بعوامل قوتها وما تملكه من قدرات، وإمكانيات توظيفها في ظل الظروف المحيطة بصناع القرار ومنفذي الاستراتيجية؛ ونتيجة لذلك يجب التعرف على أبعاد الاستراتيجية الصينية وعوامل قوتها المتعددة؛ لنتبين صورة واضحة عن الاستراتيجية الصينية، ويجدر الإشارة إلى تنوع أبعاد الاستراتيجية الصينية، وارتباطها بعضها البعض بعلاقة تأثير وتأثر، ويُتناول منها: البعد الجيوبوليتكي، البعد العسكري، البعد الاقتصادي، البعد السياسي، البعد التكنولوجي والبعد الدعائي.

١.البعد الجيوبوليتكي:

تمتلك الصين موقعًا جيوبوليتكيًا متميزًا عالميًا؛ يؤهلها لتكون قوة عالمية كبرى، ووفقًا للعديد من النظريات الجيوبوليتكية كنظرية سبيكمان التي ترى أن الصين تقع في منطقة الإطار الهامشي المُهيمنة على بنية النسق الدولي، كما يفترض ماكيندر أن من يسيطر على قلب الأرض يسيطر على العالم، وتقع الصين في نطاق تلك المنطقة، وكذلك ويرى ماهان صاحب نظرية القوة البحرية الصين ضمن الدول ذات الإمكانيات البحرية الجيدة؛ وهكذا نرى أن الصين تتمتع بقوة جيوبوليتيكية على الصعيد البحري والبري، ودفع ذلك الصين لتنمية قدراتها العسكرية البرية والبحرية[60].

وتعتبر الصين من الدول ذات المساحة الكبيرة لتبلغ مساحتها ما يناهز ٩.٦٠٠ ألف كيلو متر مربع، فتعتبر الدولة الثالثة عالميًا من حيث المساحة، وهو ما انعكس بدوره على تنوع مناخها ومواردها الاقتصادية، وقدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من السكان والذي يعتبر عامل لا يستهان به من عوامل قوتها، لما يوفره من أيدي عاملة، وقوات عسكرية وقت الحرب، وتمكن تلك المساحات الشاسعة الصين من استخدام استراتيجيات عسكرية كالدفاع بالعمق[61]، ولكن من مساوئ المساحة الكبيرة ما تتطلبه من جهود لتأمينها، خاصة في ظل ما تشهده الصين من تعدد للدول الحدودية وتباين للعلاقات معها وتشابك للمصالح وتضاربها في أحيان أخرى، فتحد الصين ١٤ دولة منها: الهند، روسيا، بكستان، أفغانستان وغيرها من الدول[62]

يُستنتج مما سبق حاجة الصين لتأمين نطاقها أو مجالها الحيوي والإقليمي في استراتيجيتها خلال إقامة علاقات ثنائية والانضمام للمنظمات الإقليمية، واستخدام استراتيجيات الردع العسكري، كما تسعى لاستغلال موقعها وتوسعة نفوذها وتواجدها العالمي خلال استراتيجيات ومبادرات كاستراتيجية “عقد اللؤلؤ”، التي تهدف لتطويق الهند، وتأمين مصادر الطاقة الصينية خلال شبكة من الموانئ البحرية، وأيضًا “مبادرة الحزام والطريق” التي تخلق شبكة ممتدة للتواجد الصيني العالمي[63]

٢.البعد العسكري:

تتبنى الصين استراتيجية الصعود السلمي لكن هذا لا يعني بالضرورة عدم اهتمامها بتعزيز قدراتها العسكرية، حيث يعتبر جيش التحرير الصيني التابع للحزب الشيوعي من أكبر الجيوش في العالم عددًا، كما تعد الصين ثاني أكبر الدول في الإنفاق العسكري، كما أنها من أبرز الدول المُصدرة والمستوردة للسلاح[64]

فقد أصبحت الصين قوة نووية منذ عام ١٩٦٤، وقد أعلنت منذ ذلك الحين سياسة عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية، وقدمت في عام ١٩٩٤ مشروع معاهدة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية إلى الدول الحائزة للأسلحة النووية، ويؤكد الرئيس الصيني شي جين بينج في خطابه بمكتب الأمم المتحدة عام ٢٠١٧ على ما سبق قائلًا عن الأسلحة النووية: ” يجب حظرها حظرًا تامًا وتدميرها في نهاية المطاف بمرور الوقت لجعل العالم خاليًا من الأسلحة النووية” [65]

تستعد الصين أيضًا للمنافسة في الفضاء وموازنة القدرات الأمريكية في الفضاء، خلال امتلاك مضادات الأقمار الصناعية، ففي عام ٢٠٠٧ قامت بتدمير القمر الصناعي صيني معطل في تجربتها لإحدى مضادات الأقمار الصناعية، وعلى الرغم من أن الصين أعلنت أنها مجرد تجربة، إلا أنها ذات دلالة واضحة لقوة الصين، وكان الرد الامريكي باستهداف قمر صناعي خرج عن مداره لتذكر الصين أنها مازالت تحتفظ بقدراتها[66].

وتشير التقارير للتطور الصيني السريع في مجال الفضاء، حيث صارت تمتلك الصين ما يقارب ١٠٦٠ قمرًا صناعيًا[67] في الآونة الأخيرة، وتستخدم هذه الأقمار في المراقبة كرصد حاملات الطائرات.

كما تطور الجيش الصيني مع ما شهده العالم من تطور شبكات الأنترنت، فباتت تهتم بالبعد السيبراني، فقد تمكنت من اختراق شبكات تابعة لوزارة الدفاع الامريكية عام ٢٠٠٧، كما استهدفت معلومات تابعة لوزارة الخزانة الأمريكية في ديسمبر ٢٠٢٤، وتضاعفت هجماتها السيبرانية على تايوان في عام ٢٠٢٥ مستهدفة الأنظمة الحكومية وشركات الاتصالات[68]

وتسعى الصين أيضًا لتعزيز تواجدها العسكري دوليًا؛ لحماية مصالحها خاصة الاقتصادية منها، عن طريق إنشاء قواعد بحرية، والمعلن منها: القاعدة البحرية في جيبوتي عام ٢٠١٧، وقاعدة ريام البحرية في كمبوديا[69]

نتوصل مما سبق إن الصين لديها القدرة على خوض الحروب بأنواعها التقليدية، السيبرانية، النووية وحتى حرب الفضاء، ويستخدم الجيش الصيني استراتيجيات عسكرية متعددة منها: الهجومية، الدفاعية، واستراتيجية الردع المعروفة بالتنين النائم[70] وتظهر استراتيجية الردع في المناورات والتدريبات العسكرية الصينية، على سبيل المثال مناوراتها حول جزيرة تايوان؛ ردًا على التحركات الأمريكية بالمنطقة، منها ما شهدته المنطقة في شهر إبريل من العام ٢٠٢٥ من تدريبات عسكرية صينية[71]

٣.البعد الاقتصادي:

تعتمد الصين بصورة أساسية في تحقيق استراتيجيتها للصعود السلمي على التنمية الاقتصادية، فتخلت عن أيدولوجيتها الاقتصادية واتبعت سياسات الاصلاح والانفتاح كما أُشير مسبقاً، واعتمدت على تصنيع المنتجات قليلة التكلفة وتصديرها للأسواق العالمية، كما اعتمدت الصين على التقدم٢٠٢٣، كماي في صعودها الاقتصادي، وتمكنت الصين من تحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة، فوقفًا للبنك الدولي تجاوز متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي ٩% سنويًا، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها ٠٠٠٠٠في عام ٢٠٢٣،  كما تمكنت الصين من القضاء على الفقر المدقع عام ٢٠٢٢، لتصبح الصين دولة ذات دخل متوسط مرتفع، كما تشير التقارير أيضًا إلى تباطؤ معدلات النمو الصيني.[72]

وتسعى الصين في استراتيجيتها الاقتصادية إلى الاعتماد على مؤسسات اقتصادية دولية مناوئة للمؤسسات الدولية المزعوم تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من حرصها على الانضمام لغالبية المنظمات الدولية، نجدها تهتم بالمؤسسات المالية والمبادرات الاقتصادية والتي منها: منطقة التجارة الحرة الآسيوية، ومنتدى الآسيان، منظمة شانغهاي، الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة في عام ٢٠١٢ (RECP)، مبادرة الحزام والطريق لعام ٢٠١٣، البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية للعام ٢٠١٦ وتجمع البريكس(BRICS) وبنك التنمية الجديدة المرتبط به[73].

ويجدر الإشارة إلى الدور الصيني في الأزمة المالية العالمية لعام ٢٠٠٨، حيث اعُتبر الاقتصاد الصيني من ضمن الاقتصاديات التي صمدت في الأزمة، ليشهد العالم على تفوق العملة الصينية أمام الدولار الأمريكي.

مبادرة الحزام والطريق:

شهد العام ٢٠١٣ اقتراح الرئيس الصيني شي جين بينج إعادة إحياء طريق الحرير الصيني القديم خلال مبادرة الحزام والطريق، وتنطلق المبادرة على أساس ما يُطلق عليه “المحاور الخمسة”، والتي تشمل الآتي: تنسيق السياسات، اتصال المرافق، تيسير التجارة، التكامل المالي، والترابط بين الشعوب، ونتطرق إليها بشيء من التفصل في الآتي[74]:

١.تنسيق السياسات: يعتبر أهم المحاور؛ فهو يضمن تنفيذ المبادرة خلال توقيع الاتفاقيات وتنسيق الاستراتيجيات بين أطراف المبادرة، حيث أخذت المبادرة في توقيع سلسلة من الاتفاقيات مع دول آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

٢.اتصال المرافق: ويشمل تهيئة البنية التحتية وبناء ممرات تربط بين أطراف المبادرة، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية للدول الأطراف، وتتمثل المرافق في ٦ ممرات اقتصادية منها: الممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا والممر الاقتصادي الجديد للجسر البري الأوروبي الآسيوي.

٣.تيسير التجارة: يهدف الاستفادة من العولمة وتحقيق التكامل الاقتصادي، وخلق بيئة مناسبة لتدفق الاستثمارات، والعناصر الاقتصادية.

٤.التكامل المالي: يعد ركيزة حيوية لتنفيذ المبادرة، فهي تهدف لتعميق التعاون المالي، وتوسيع نطاق حجم تبادل العملات، في إطار جهود البنك الآسيوي للاستثمار.

٥.الترابط بين الشعوب: ويسعى لكسب ثقة الشعوب وتأييد الرأي العام للمبادرة، خلال بناء علاقات صداقة بين الشعوب، وكذلك تعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي.

وتعتبر المبادرة خطوة واضحة وصريحة في إطار مساعي الصين لتنفيذ استراتيجية صعودها في مقابل هيمنة القطب الأمريكي الأوحد، ومن الواضح أيضًا أن أهداف المبادرة لا تقتصر على الأهداف الاقتصادية من تأمين للممرات التجارية ومصادر الطاقة، وتسهيل لعمليات التبادل التجاري، بل هي تعتبر جهود لتعزيز النفوذ الجيوسياسي الصيني عالميًا، كما أن لها بعدًا أمنيًا أيضًا، كما لاقت المبادرة معارضة من الدول الرافضة للهيمنة الصينية والمتخوفة من صعودها[75].

٤.البعد الدعائي والقوة الناعمة:

تعتمد استراتيجية الصعود السلمي الصينية بصورة واضحة على القوة الناعمة والجانب الدعائي؛ لتضمن تصدير صورة مطمئنة للعالم ومكافحة التصور بأن الصعود الصيني يمثل تهديدًا، وتعتبر الصين القوة الناعمة وفقًا لتعريف (جوزيف ناي) على إنها “القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية وليس القسر”[76]

وتظهر جوانب البعد الدعائي واستخدام القوة الناعمة في الاستراتيجية الصينية في عدة أساليب منها:

١.نشر الثقافة الصينية: تتسم اللغة الصينية بالتعقيد، وهو ما يمثل حجر عثرة في نشر الثقافة الصينية، لكن على الرغم من ذلك بذلت الصين جهودًا لنشر ثقافتها، فقد قامت بإنشاء معاهد كونفيشيوس في أنحاء متفرقة من العالم بداية من عام ٢٠٠٤؛ لنشر اللغة والثقافة الصينية.[77]

وتستفيد الصين أيضًا من اجتذاب الطلاب عالميًا للدراسة بها، خلال تقديم منح دراسية متنوعة، وتصل أعداد الطلاب الأجانب في الجامعات الصينية إلى ما يقارب ٣٠٠ ألف طالب من شتى بقاع الأرض، يتعلمون اللغة الصينية، ويتعرفون على الثقافة الصينية عن كثب، كذلك تقدم الصين في دول الجنوب برامج تدريب تعليمية[78]

٢.الاعتماد على وسائل الإعلام: استثمرت الصين ما يقارب التسع مليارات دولار في العام ٢٠٠٩ في سبيل توسعة منافذها الإعلامية الدولية والتي منها: القنوات التلفزيونية الدولية، وكالة شينخوا، إذاعة الصين الدولية وجريدة جلوبال تايمز، كما تميز الدور الإعلامي الصيني في أفريقيا[79].

 تضمن جهود التلفزيون الصيني المركزي CCTV.، التي تبث الأخبار الصينية للعالم بست لغات، إعمالًا لما نادى به الرئيس الصيني شي قائلًا:” اسردوا قصة الصين جيدًا، انشروا الصوت الصيني جيدًا، دعوا العالم يتعرف على الصين…”[80]

٥.البعد التكنولوجي:

تتعامل الصين مع البعد التكنولوجي على إنه سر تفوقها في كافة أبعاد استراتيجيتها، خاصة البعد الاقتصادي والعسكري، ويمكن القول إن تطور التكنولوجي هو ما ساهم في نهوض وتفوق القوى الغربية إبان الثورة الصناعية، ويشهد العالم حاليًا تنافسًا معرفيًا، حيث يشكل امتلاك التكنولوجيا الأحدث عامل قوة.

وتهتم الصين بالتطوير التكنولوجي في عدة مجالات مثل: تكنولوجيا الفضاء وصناعة الأقمار الصناعية، التكنولوجيا الحيوية، بالإضافة إلى اهتمامها بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتطوير الجيل الخامس من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى آخره، فقد أطلقت الحكومة الصينية في العام ٢٠٠٨ ما يعرف ببرنامج “الألف موهبة” الذي يهدف إلى جذب العلماء الصينيين وغير الصينيين من الخارج في مقابل حوافز مادية كبيرة، كما أعلنت عن برنامجها المسمى “صنع في الصين” والذي يهدف إلى تطوير التكنولوجيا الصناعية الصينية ونتج عن تلك الجهود وغيرها تفوق الصين تكنولوجيًا في صناعات معينة مثل صناعة: الطائرات بدون طيار، الألواح الشمسية، رقائق الكمبيوتر، الروبوتات وما إلى ذلك[81].

٦.البعد السياسي:

تعد الصين إحدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وإحدى الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، وتتمتع بحق الفيتو، كما تهتم الصين بالانضمام إلى المنظمات الإقليمية والدولية المختلفة كما أُشير آنفًا[82]

تحترم الصين أيضًا قواعد سيادة الدول، وتعلن على دوام احترامها لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ وهو ما يجعلها في موقف محايد، لكنها رغم ذلك تتميز بجهودها في الوساطة الدولية، حيث توسطت الصين في العام ٢٠٢٢ بين إيران والسعودية، بناءً على طلب سعودي، وهو ما يتماشى مع جهودها الرامية للسلام، الحفاظ على مصالحها المشتركة بين الدول الأطراف[83].

انتهجت الصين العديد من الأساليب الدبلوماسية التي ترمي إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية تجاه بنية النسق الدولي، ورغبتها في تعزيز وجودها الدولي، وبناء شبكة علاقات إقليمية ودولية جيدة، وتشهد الصين تحولًا في توجهاتها الدبلوماسية من “البقاء في الظل” إلى دبلوماسية “المحارب الذئب” والتي تعني التحول من سياسات الحذر والاعتدال إلى سياسات الحزم والقوة التي تأكد من منذ تولي شي جين بينج سدة الحكم[84]

يُستنتج مما سبق تناوله عن الأبعاد الاستراتيجية الصينية المتعددة والمتشابكة في آن واحد أن الاستراتيجية الصينية تهدف بشكل أساسي الاعتراف بها كقوة عظمى، وتسعى أيضًا إلى أن تظهر بمظهر الدولة المسالمة التي تتبنى سياسات مختلفة تمامًا عن تلك السياسات التي تنتجها الولايات المتحدة من تدخل في الشؤون وشن هجمات عسكرية، وإملاء السياسات الأمريكية بواسطة المؤسسات المالية الغربية، فالصين في المقابل تروج لاحترامها الدائم لسيادة الدول، وانتهاجها استراتيجية الصعود السلمي بعيدًا عن ويلات الحروب، كما تسعى لبناء منظمات دولية آسيوية تقدم قروضًا ميسرة، دونما فرض قيود على الدول المقترضة.

يتسم عالم السياسة بالغموض بطبيعة الحال، فمن الصعب معرفة النوايا الحقيقية للدول، فلأغلب الاستراتيجيات أهداف مستترة على خلاف الأهداف المُعلنة، لكن يمكن محاولة فهم التوجهات الاستراتيجية الحقيقية للصين خلال فهم طبيعة مصالحها القومية، والتي تظهر في التطلع الحقيقي للصين بأن تكون قوة مهيمنة على بنية النسق، أو حتى في أضعف الظن أن تفسح المجال للتعددية القطبية بعيدًا عن الأحادية الأمريكية، ومن الطبيعي أيضًا ألا تستسلم الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الرغبات الصينية فهي تدرك خطورة التنين الصيني وتسعى لإحباط محاولاته، لكن التنين الصيني النائم على الأغلب قد أفاق وهو على أتم استعداد لتنفيذ استراتيجيته في تحويل بنية النسق، رغم التحديات والعراقيل الامريكية.

المبحث الثالث: الاستراتيجية الروسية والتحول في بنية النسق الدولي:

يطمح بوتن إلى بناء دولة روسيا القطبية على شاكلة روسيا القيصرية قبيل الحرب العالمية الأولى، وعودة روسيا إلى المكانة التي كانت عليها في قمة هرم توزيع القوة على مستوى النسق الدولي ، ويرى بوتن أن ذلك لن يتحقق بدون وجود استراتيجية روسية كبرى وشاملة لتحقيق طموحات الروسية العالمية، وظهر اهتمام بوتن بأهمية الاستراتيجيات الكبرى منذ أن تُوَلَّى زمام الأمور عام ١٩٩٩، وأعلن بشكل صريح أنه سيضع استراتيجية كبرى لروسيا لمدة عقد من الزمن وأسماها ” استراتجية٢٠١٠ ” أو ” استراتيجية تطوير الفيدرالية الروسية ٢٠١٠ ” ووضع فيها الطموحات الروسية العالمية.

وأكد في هذه الاستراتيجية أنه لم يعد من المقبول لديه ولدى سائر النخبة الحاكمة ألا تحتل روسيا درجة من الدرجات العليا في سلم توزيع القوة وأن تقف روسيا على أعتاب العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كالمتفرج تراقب المشهد الدولي وهي دولة غير قطبية، على الرغم من أن الاستراتيجية التي أتبعها الرئيس ديميتري ” الخطوة بخطوة ” هدأت من وتيرة استراتيجية النهوض الكبرى التي تبناها بوتن من قبل إلا أنه سار على نفس الخطى الأيدولوجية، إلا أنه بعد عودة بوتن إلى سدة الحكم مرة أخرى في عام ٢٠١٢ جدد العمل بها مرة أخرى وطور من مبادئها التي رسخ العمل بها في أول يوم تقلد فيه السلطة، وسوف نقوم بتوضيح خصائص الاستراتيجية الروسية في عهد كلاً من بوتن وديميتري مع مناقشة غايات ووسائل الاستراتيجية الروسية الكبرى في عهد بوتن والتحديات التي تواجه هذه الاستراتيجية.

أولاً: خصائص استراتيجية ديميتري (٢٠٠٨: ٢٠١٢):

يعد ديميتري ثالث رئيس روسي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، اتبع ديميتري الاستراتيجية المعروفة “خطوة بخطوة ” التي قد هدأت من وتيرة استراتيجية النهوض الكبرى التي تبناها بوتن من قبل، ولكنها تعتبر استمرارًا للخطى الأيديولوجية للرئيس بوتن حيث انتهج نفس توجهات بوتن السابقة، شغل بوتن منصب رئيس الوزراء خلال فترة رئاسة دميتري وكان ينظر دائمًا إلى بوتن على أنه القوة المهيمنة في السياسة الروسية، حيث منذ تولي بوتن مقاليد الأمور منذ مطلع عام ٢٠٠٠ قام برسم الاستراتيجية الروسية حتى في ظل فوز ديميتري في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٠٨[85].

هدفت الاستراتيجية في عهد ديميتري إلى تعزيز مكانة روسيا على الساحة الدولية مع التركيز على التحديث والتنمية الداخلية، والحفاظ على علاقات بناءة مع المجتمع الدولي، حيث تؤكد استراتيجية ديميتري على المبادئ التالية:

أ-تعتمد روسيا على سياسة خارجية في نطاق احترام مبادئ القانون الدولي، الذي يعتبر الأساس لتنظيم جميع العلاقات الدولية، الدعوة إلى التعددية القطبية ونبذ هيمنة القطب الواحد.

ب-بناء علاقات فعالة مع دول العالم والعمل على تطوير علاقات روسيا الخارجية، وتجنب أي شكل من أشكال الصراع.

ج-مواجهة الهيمنة الأمريكية من خلال تشكيل مجموعة متنوعة من التحالفات مع القوى الأوربية تجنبًا لقيام دولة واحدة قوية تفرض إرادتها على الدول الأخرى؛ لأن سيطرة دولة واحدة في النسق الدولي وانفرادها باتخاذ كافة القرارات سيخلق حالة من عدم الاستقرار.

د-التأكيد على الحق التاريخي لروسيا في المناطق التي كانت واقعة داخل حدود الاتحاد السوفيتي.

ه-مبادرة روسيا بالرد على الأعمال العدوانية التي ترتكب في حقها[86]، ومسؤوليتها عن حماية مواطنيها في أي مكان.

و-تحديث روسيا وتطوير الاقتصاد الروسي وتنويعه وتقليل الاعتماد على النفط والغاز وحماية المصالح الاقتصادية، وجعل روسيا من الدول الخمسة الرائدة من حيث الناتج المحلى الإجمالي، باعتبار أن القوة الاقتصادية هي أداة لتحقيق أهداف التي تسعى روسيا لتحقيقها.

وقدم ديميتري مفهوم السياسة الخارجية الجديد لروسيا في يونيو عام ٢٠٠٨ وأعلن أن لهذا المفهوم أهداف ينبغي أن تحققها الجهود السياسية الروسية تتمثل في ضمان الأمن القومي الروسي والحفاظ على سيادتها وسلامتها الإقليمية وتعزيز مكانة روسيا لتحقيق مكاسب قوية في المجتمع الدولي لتحقيق مصالح روسيا التي تتمثل في تعزيز علاقتها مع دول الجوار وتوفير حياة شاملة للمواطنين[87] الروس والمواطنين في الخارج وأوضح أنه من ضمن أهدافه إعادة روسيا لوضع القوى العظمى والحفاظ على نفوذ قوي في منطقتها والسعي وراء لعب دور دولي، وينظر إلى القوة الاقتصادية على أنها شرط أساسي لكل هذه الأهداف.

ثانيًا: خصائص الاستراتيجية الروسية في عهد بوتن:

تولى الرئيس بوتن ولاية الثانية في عام ٢٠١٢، حيث جدد العمل مرة أخرى بالاستراتيجية التي وضع لبناتها الأولى عام ١٩٩٩مع التطوير من مبادئها وتتميز الاستراتيجية الروسية في عهد بوتن بمجموعة من الخصائص:

١-حماية المصالح الاستراتيجية الروسية:

تأتى في مقدمة المصالح الاستراتيجية الروسية التي أعلن عنها بوتن في عام ٢٠١٥، ما يلي:

أ-الحفاظ على أمن النظام السياسي، وردع أي محاولات للتدخل في الشأن الداخلي الروسي.

ب- مواجهة أي قوة مصدرها داخلي أو خارجي تهدف إلى تعكير صفو السلم والأمن المجتمعي.

ج- الهيمنة وبسط النفوذ الروسي في المحيطين الإقليمي والعالمي، وامتلاك عوامل القوة التي تؤهلها للمنافسة العالمية مع القوى الكبرى والحفاظ على هيبتها الدولية.

د- العمل على زيادة مستويات الإنتاج المحلي الروسي لجعلها أكبر الاقتصادات العالمية.

ه – الحفاظ على الأمن الروسي في مناطق الاهتمام الروسي ومجالها الحيوي.

وتتمثل المصالح الأمنية الروسية ذات الطابع العسكري في القدرة على المحافظة على قواعدها العسكرية، وتحقيق قدر من الهيمنة العسكرية من خلال الانتشار العسكري خارج نطاق الإقليمي الروسي بهدف تغيير قواعد ميزان القوى العسكري النسبي التي خضع لها العالم لسنوات في العقد التاسع[88] من القرن العشرين مثل الانتشار العسكري الروسي في منطقة الشرق الأوسط لدعم النظام الأسد في سوريا ومده بالمعدات العسكرية المتطورة.

يأتي في مقدمة المصالح الاقتصادية الروسية تحقيق الهيمنة الاقتصادية العالمية، منافسة الاقتصاديات العالمية الكبرى للفاعليين الدوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والصين، وتفعيل الدبلوماسية الروسية وتنشيطها لتحسين صورة روسيا لدى الغرب بعد أن فرضت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على روسيا على أعقاب غزوها لأوكرانيا، والتطبيع مع الغرب حتى لا تتأثر المصالح الاقتصادية الروسية التي من أهمها تصدير الغاز الروسي إلى أوربا، تسهيل تحديثات وتطورات في الاقتصاد الروسي ليواكب التطورات في الاقتصاد العالمي، وأيضاً تم استخدام الدبلوماسية كوسيلة تمكن روسيا من الاندماج في الاقتصاد العالمي من أجل إصلاح الاقتصاد الروسي وتحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية داخله.

٢– الحفاظ على الأمن القومي الروسي:

تقوم استراتيجية بوتن على سياسات الربط بين الداخل والخارج، وإن التهديد الأمني القومي لا يأتي فقط من البيئة الدولية، إنما يأتي أيضًا من داخل النظام السياسي، والذي يعتبر أشد خطرًا على الأمن القومي الروسي، ويأتي هذا الخطر من المعارضين والمنظمات الممولة التي تمارس أنشطة على أرض الواقع؛ لذلك قام بوضع ضوابط حاكمة لأنشطة المعارضين والمنظمات العاملة داخل الحدود الروسية التي من شأنها تهدد[89] الأمن القومي الروسي أو تعكر من صفو النظام داخل المجتمع الروسي، مفهوم الأمن القومي في استراتيجية بوتن لا يقتصر فقط على البعد العسكري إنما يتضمن أبعادًا أخرى مثل: البعد السياسي والاقتصادي السيبراني.

تصاغ الاستراتيجيات لمواجهة التهديدات التي تواجه الدولة بالفعل أو تحاك لها سواء من خارج حدودها مثل: حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية أو المعسكرات التابعة لها أو من داخل حدود الدولة، ويمثلون سواعد غربية ومعاول لهدم الأمن القومي الروسي؛ نظرًا لما يقومون من بث قيم دخيلة على المجتمع الروسي، وما يقومون من نشر أجندات للدول الكبرى تسعى لتهديد الأمن القومي الروسي وتهديد تماسكه من الداخل، وهو والمعروف بالتهديدات الهجينة[90].

٣– الهيمنة في المجال الجيوبوليتكي الروسي:

تكثف روسيا جهودها بإعادة الهيمنة في المجال الجيوبولتيكي الروسي، أو ما يعرف بالجوار الروسي، ويقصد بها كافة الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي ماعدا جمهوريات البلطيق، النفوذ الروسي في تلك المنطقة ليس واحدًا؛ حيث تتفاوت مستويات فرض روسيا لنفوذها في تلك المنطقة وفقاً لما تمثله تلك المنطقة من أهمية لدى المصالح الروسية، حيث تقسم مناطق النفوذ الروسي وفقًا لأهمية تلك الدول إلى ثلاثة مناطق:

أ- دول القلب: وهي الدول التي تمثل أهمية جيوبوليتيكية، استراتيجية واقتصادية لروسيا وتقع ضمن نطاق المصالح الحيوية الروسية، وتضم هذه الدول (بيلاروسيا – كازاخستان – قيرغيزستان – طاجيكستان- أوزبكستان- وأوكرانيا – جورجيا – أرمينيا).

ب- دول الأطراف: تشمل هذه الدول مجموعة دول البلطيق على الرغم من أهمية هذه الدول لدى القيادات الروسية إلا أنها لا تصل إلى نفس المستوى من الأهمية التي تمثلها دول القلب، وتشمل هذه الدول (إستونيا–لاتفيا – ليتوانيا).

ج- دول الهامش: تمثل هذه الدول أهمية جيوسياسية لروسيا لكونها تمثل طوقاً، ومن يسيطر عليها يستطيع السيطرة على نفوذ روسيا في مجالها الحيوي، تضم هذه الفئة من الدول دول أوربا الشرقية (ألبانيا-بلغاريا-الجمهورية التشيكية-المجر-رومانيا)، ودول غرب البلقان (البوسنة-الهرسك-كوسوفو-مقدونيا-الجبل الأسود).

ترى القيادة الروسية أن انقياد دول الجوار الروسي للنفوذ الروسي لا يستند فقط على دعائم مادية، إنما يتعين أن يرتكز على مصادر نفوذ معنوية (توسع الإمبريالي الهوياتي الروسي ) الذي بلغ أوجه خلال الفترة ما بين العقدين السادس عشر والتاسع عشر؛ هو ما رسخ الوجود الروسي في مثل هذه المناطق ومهد لقيام الاتحاد السوفيتي، إن اتساع نطاق الهوية الروسية حيث تشمل إلى جانب العرق الروسي الروس البيض أو العرق البيلاروسي والعرق الروثين أو الأوكراني؛ أدى إلى اتساع العالم الروسي، والعالم الروسي مهد لظهور ظاهرة الرفقاء الروسيين والتي تضم مجموعة من المواطنين في نطاق الجوار الروسي[91] والذين يشتركون في عدة خصائص منها ( الدين الأرثوذوكس – النطق باللغات السلفية –الهوية الروسية )، حيث يرى بوتن أن ظاهرة الرفقاء الروسيين تعد الخطوة الأولى في استعادة روسيا كقوة عظمى مهيمنة في النسق الدولي[92] .

تهدف الاستراتيجية الروسية إلى الهيمنة على الجوار الروسي القريب وأن تصبح القوة العالمية الجيوبولتيكية في هذه المنطقة، وأن تمتلك من عوامل القوة التي تؤهلها لردع أي قوة دولية تسعى في منافسة هيمنتها جيوبولتيكًا في هذه المنطقة[93].

الهيمنة الروسية على منطقة الجوار القريب لا تنطلق من مقدمات أيدولوجية، إنما تنطلق الهيمنة الروسية من منظور براجماتي يقدس المصلحة القومية الروسية، ونظرًا للأهمية الاقتصادية الجيوبولتيكية لاتحاد الدول المستقلة، قام بوتن بتدشين ما عرف بإعادة إحياء مشروع اتحاد الدول المستقلة بشكل جديد، ويقوم هذا الأحياء على أن روسيا دولة كبرى في مجالها الإقليمي والمحلي تقوم علاقتها مع دول “اتحاد الدول المستقلة” وفقاً لمبدأ السيادة المستقلة، وأن هذه الدول تقع في نطاق الحديقة الخلفية لروسيا ومن ثم يجب التنسيق مع هذه الدول للحفاظ على الأمن القومي الروسي، وعدم السماح لأي قوة دولية تمارس أدوارًا من شأنها تهديد الأمن القومي الروسي، وتعتبر هذه الدول بمثابة صمام أمان لروسيا، حيث تمثل دول حاجزة بين روسيا والقوى الأوربية العالمية؛ لذلك تقع دول الجوار القريب ضمن فئة دول المجال الحيوي الروسي وأولي مناطق نفوذها؛ لذلك تعتبر القيادة الروسية التواجد العسكري في هذه المنطقة مسألة حيوية للأمن القومي الروسي، ولكن عبر صراحةً أكثر من مسؤول من المسؤولين الأمريكين في عام ٢٠١٧ و ٢٠١٨ بأن الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بالقلق إزاء التوسعات الروسية في تلك المنطقة ووجود أي قوة عسكرية في تلك المنطقة بمثابة تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي [94].

٤-الاعتراف بقطبية روسيا:

إن أبرز ما تسعى إليه الاستراتيجية الروسية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي ولا سيما في عهد بوتن هو الترسيخ لصيغة نسق متعدد القوي القطبية، ونبذ أحادية النسق بقيادة أمريكية منفردة وانقياد دول العالم كافة لها، التي تهدد الطموحات الروسية العالمية والأمن القومي الروسي، حيث ترى القيادة الروسية أن الوسيلة للتوصل إلى صيغة نسق متعدد القوي القطبية أن تصبح روسيا قوة دولية أوروأسيوية عظمى حتى تتمكن من موازنة الهيمنة الأمريكية في منطقة أرواسيا.

أصبح المبدأ الذي تقوم عليه الاستراتيجية الروسية لعام ٢٠١٣ ليس مجرد أن تصبح روسيا قوة صاعدة فاعلة لديها رغبة في تحويل نسق دولي إلي صورته المتعددة كما كان في العقد الحادي والعشرين، إنما إعادة تشكيل بنية النسق الدولي على النحو الذي يجعل من روسيا قطبًا مؤثرًا في النسق الدولي؛ لذلك أصبحت روسيا قادرة على الانتشار والتواجد في مناطق الاهتمام العالمي، حيث تدخلت روسيا لحسم الصراعات الإقليمية في عدة مناطق سواء بشكل منفرد أو التنسيق مع غيرها من الأقطاب الدولية، كان لروسيا دور كبير في حسم الصراعات في البوسنة في التسعينيات، ومفاوضات نزع السلاح والدعوة إلى وقف إطلاق النار بين نظام الأسد والمعارضة السورية في سوريا ٢٠١٥ ، التدخل في أوكرانيا وجعلها منطقة نفوذ روسي بالقوة ، بالإضافة إلى تطويع مجموع البريكس لتحقيق بعض أهدافها ومصالحها العالمية والتعاون بين دول منظمة شانغهاي لموازنة الوجود الأمريكي في وسط أسيا[95].

٥– الشراكة العالمية في إدارة المشكلات السياسية والاقتصادية

نقوم الاستراتيجية الروسية على التنسيق وتوزيع الأدوار بين القوى الكبرى في معالجة وإدارة بعض المشكلات الدولية، ولا سيما ذوات الاهتمام العالمي، حيث قامت بالانضمام إلي المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلى، كما قامت روسيا بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام ٢٠١٢، وقيام روسيا بالتعاون مع الاتحاد الأوربي عام ٢٠٠٠ في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة والمخدرات، تتعاون روسيا والاتحاد الأوربي في مجالات السلامة النووية ونزع السلاح[96] ، حيث يرى الطرفان ضرورة تقوية الاتفاقيات متعددة الأطراف للحد من التسلح ونزع السلاح مثل الاتفاقية النووية ونظام معاهدة عدم الانتشار، لقد حدث تحول جذري في الاستراتيجية الروسية التي اتبعها الاتحاد السوفيتي، حيث لم تعد سياسة روسيا قائمة على الصراع أو الحرب أو حتى السلام السلبي تجاه الولايات المتحدة، وقد أكد على ذلك إعلان وزير الخارجية الروسي عام ٢٠١٦ أن روسيا لا تسعى لمواجهة الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي، ولا التصادم مع حلف الناتو ولكن تأمل في إقامة علاقات تعاونية تقوم على  المساواة بين القوى الدولية وضمان الحفاظ على أمن تلك القوي.

ثالثًا: أهداف الاستراتيجية الروسية في عهد بوتن:

تعكس الاستراتيجية الروسية في عهد بوتن مجموعة من الغايات والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها من خلال مجموعة من الوسائل لتعزيز مكانتها كقوة عظمى.

أ-إن الغاية الأسمى للاستراتيجية الروسية هو التحرر من كافة القيود والتحديات الدولية التي تعيق روسيا من ممارسة أدوار عالمية، وتحقيق الهيمنة الروسية في النسق الدولي وتحقيق المصالح الروسية.

ب-تهدف الاستراتيجية إلى الحفاظ على وحدة الأقاليم الروسية، والحفاظ على الاستقرار الداخلي وتحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة، وتقع هذه الأهداف ضمن الأهداف الإقليمية طويلة الأجل.

ج-المشاركة في بعض التحالفات والمنظمات الدولية، وجعل دول الكومنولث منطقة حاجزه بينها وبين قوات حلف الناتو.

د-إعادة روسيا كقوة عسكرية على الساحة الدولية من جديد من خلال امتلاكها قدرات عسكرية فائقة حتى تتمكن من مكافأة الأقطاب الأخرى.

ه-الرغبة في ترسيخ الهوية الروسية واستعادة الهوية السلافي في مناطق اهتمامها التاريخي، حيث كانت تطمح القيادة البوسنية إلى توسيع نطاق النفوذ الروس[97].

و-الرغبة في تقويض الهيمنة الأمريكية في مناطق الاهتمام السوفيتي التاريخي، حيث لم يعد مقبولاً عند القيادة الروسية التسليم بالوجود الأمريكي في مناطق ظلت زمناً طويلاً تحت السلطان السوفيتي القديم

ى- التوصل إلى صيغة نسق دولي متعدد القوى القطبية تحتل روسيا فيه مكانة أحد أقطابه.

رابعًا: وسائل تنفيذ الاستراتيجية الروسية في عهد بوتن:

١-الأداة الدبلوماسية:

تعتبر الأداة الدبلوماسية أحد أدوات تحقيق أهداف ومصالح الاستراتيجية البوتينية الكبرى، تسعى الدبلوماسية إلى تحقيق أعلى معدلات انتشار وتجنيب روسيا العزلة، جمعت الدبلوماسية في عهد بوتن بين نمطي الدبلوماسية التعاونية والدبلوماسية التصادمية، حيث إن الدبلوماسية التي أيدت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب في أعقاب ١١سبتمبر، هي ذاتها الدبلوماسية التي أدانت الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق ٢٠٠٣ ودعمها الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا.

استخدم بوتن دبلوماسية المواجهة في نقد صراحة الهيمنة الأمريكية وفكرة الأحادية القطبية في خلال منتدى ميونخ للأمن القومي٢٠٠٧، وأكد فيها أن روسيا ثابرت على بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية التي تؤهلها إلى ممارسة أدوار دبلوماسية مكافئة للأدوار التي تمارسها الدبلوماسية الأمريكية.

قد مهد نمط دبلوماسية التصادمية أو دبلوماسية المواجهة إلى ظهور نوع آخر من الدبلوماسية، وهي الدبلوماسية الإكراهية، يقوم هذا النوع من الدبلوماسية على فن التهديد باستخدام القوة أكثر من الإقناع، وذلك من خلال استخدام بعض العقوبات الاقتصادية أو التجارية وغيرها من العقوبات ضد أي دولة تقع في المجال الحيوي الروسي، تسعى إلى مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في بسط نفوذها عليا هذا المجال.

تعمل الأداة الدبلوماسية على الدفاع عن الهوية الروسية الجديدة المعروفة بالهوية الغير أيدولوجية، وتنطلق هذه الإيديولوجية من منظور براجماتي يقدس المصلحة القومية، ويمهد لنسق دولي متعدد يقبل بالتعايش بين قوى كبرى لا تنافس بينها على أسس أيدولوجية، تروج الأداة الدبلوماسية لهوية “القومية العقلانية” وتقوم هذه الهوية على فرضيتين: التميز أو التفردية و أن الاقتصاد الروسي من الاقتصادات المتجذرة، وتشير الأولى أن الحضارة الروسية حضارة فريدة ومميزة، وهي في الوقت ذاته جزء لا يتجزأ من الحضارة الأوربية، وليس من المقبول لمعتنقي هذه الهوية، أن تظل روسيا بعيدة عن القيادة العالمية وتاركة للولايات المتحدة الأمريكية الفرصة[98] في الهيمنة المنفردة على النسق الدولي، بينما تشير الثانية إلى أن الاقتصاد الروسي يعتمد عليه كثير من الدول في نطاقها الإقليمي والعالمي؛ حيث تعتمد كثير من الدول الأوربية على الغاز الطبيعي الروسي في تشغيل العجلة الإنتاجية، تعمل الأداة الدبلوماسية أيضًا على الترويج ونشر هوية الدولة العظمى عالميًا وليس فقط في نطاقها الأرواسيوى، حيث تبنت روسيا في عهد بوتن هوية الدولة الكبرى التي تسعى إلى الانتشار والهيمنة العالمية على أسس برجماتية في مناطق خارج نطاقها الإقليمي، واستخدام الدبلوماسية في مواجهة التحديات التي تفرضها الغرب على روسيا[99].

٢-الأداة الاقتصادية:

أصبح الاقتصاد ركيزة مهمة من ركائز القوة الروسية، ويرجع ذلك إلى إيمان النخب الروسية أن الضعف الاقتصادي للاتحاد السوفيتي هو الذي أدى إلى انهياره، حيث يرى القيادة الروسية أن الاقتصاد هو أداة لتحقيق أهداف الاستراتيجية الروسية والترسيخ لصيغة نسق متعددة القوى القطبية، وتعد التكتلات الاقتصادية إحدى الأدوات التي استخدمتها روسيا لمواجهة نظام القطب الواحد مثل منظمة شنغهاي كقوة أوراسية لموازنة الهيمنة الأمريكية في وسط أسيا، والبريكس كبداية لبناء نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب والاتحاد الاقتصادي الأوراسي كداعم لنظام التعددية القطبية.

٣-الأداة العسكرية:

يعد امتلاك روسيا لعوامل قوة الدولة أداة لتحقيق الاستراتيجية الروسية الكبرى وطموحات الروسية العالمية، حيث لن تصبح روسيا قوة عالمية، وهي مجردة من أهم مقومات القوة العالمية، وهي القدرات العسكرية الفائقة، حيث تسعى روسيا لامتلاك قدرات عسكرية فائقة حتى تضمن ليه هيبتها العالمية وانتشارها الدولي في مناطق مصالحها الحيوية، أن الغاية الكبرى للاستراتيجية الروسية هي التوصل للصيغة نسق دولي متعدد القوى القطبية تحتل روسيا فيه مكانة أحد أقطابه، وليس بمقدور روسيا بلوغ هذه المكانة إلا بامتلاكها للقدرات عسكرية فائقة حتى تتمكن من مكافأة الأقطاب الأخرى وبما يؤهلها لممارسة أدوار الهيمنة العسكرية عالميًا، ولا يقف الأمر عند هذا الحد وإنما يتعين أن تتضمن الاستراتيجية الكبرى خطة للتفوق روسيا عسكريًا، ولا تنتظر لإعادة النظر في الخطط العسكرية فقط في حالات الطوارئ.

استخدمت روسيا القوة العسكرية لتعديل النظام الدولي حيث تدخلت روسيا عسكريًا في جورجيا وتعتبر الأزمة الجورجية نقطة بداية لبروز دور القوة والنفوذ الروسي الذي تواصل مع الأزمة الأوكرانية، حيث يعد التدخل العسكري الروسي الحاكم في جورجيا في عام ٢٠٠٨ الذي أدى إلى إعلان انفصال إقليم اوستيتا الجنوبية، ووضعه تحت الحماية الروسية يعتبر بداية عودة القوة الصلبة الروسية، حيث دعمت روسيا بشكل[100] كبير منطقتي أبخازيا واستيتا الجنوبية الانفصاليين داخل جورجيا وقامت بتزويدهما بالسلاح والتدريب ومنح سكانها الجنسية الروسية، حيث اعتبرت روسيا سعى جورجيا للانضمام لحلف الناتو تهديدًا لمصالحها الأمنية ونفوذها في منطقة القوقاز، وتدخلت روسيا أيضًا عسكريًا في أوكرانيا، وقامت بضم شبه جزيرة القرم في عام٢٠١٤ ذات أغلبية السكان الناطقين بالروسية، وأكدت من خلال موسكو للقوة الأمريكية وحلفائها الغربيين بأنها لن تتهاون بالرد عسكريًا عندما يتعلق الأمر بتهديد مصالحها القومية والاستراتيجية[101] .

تدخلت روسيا أيضًا لحماية نظام الأسد من المعارضة وهجمات الجماعات الإرهابية لتأكيد على قدرة روسيا على ممارسة أدوار دولية في مجال حفظ الأمن العالمي ومواجهة التهديدات الدولية التي تعكر صفو الاستقرار الدولي ورغبة روسيا في استعادة أمجاد القطبية السوفيتية ومناطق نفوذها وطموحاتها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن بأسلوب يراعي خصوصية الاستراتيجية الروسية الجديدة التي تنطلق من منظور براجماتي يقدس المصلحة القومية، يعد التدخل العسكري في سوريا ٣٠ سبتمبر٢٠١٥ لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وخارج حدوده يمثل عودة الدب الروسي إلى سياسة استعادة النفوذ ومحاولة لإعادة رسم التوازنات الجديدة إقليميًا ودوليًا في ظل مستشهد بنية النسق الدولي من بداية تحول في اتجاه نظام متعدد الأقطاب بعد أن انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على بنية النسق الدولي منذ أن تفكك الاتحاد السوفيتي فى٢٦ ديسمبر١٩٩١.

خامسًا: التحديات التي تواجه الاستراتيجية الروسية.

أ-يسعى الغرب إلى تقويض الوجود الروسي في كثير من مناطق العالم ولاسيما في الشرق الأوسط.

ب-اتهام الغرب لروسيا بانتهاكها للقانون الدولي واختراقها للأعراف الدولية وتقويضها بجملة من المكابح النسيجية وفرض عقوبات اقتصادية عليها.

ج- شن هجمات إعلامية لتشويه صورة نموذج الصعود الروسي وشن هجمات شرسة على هوية الدولة الروسية.

د- محاولة الغرب في استقطاب دول الجوار مثل جورجيا وأوكرانيا وضمها إلى حلف الناتو وهو واعتبره الروس تهديداً للأمن القومي الروسي[102].

ه- تواجه غاية الاستراتيجية في الاعتراف بقطبية روسيا والوصول إلى صيغة نسق متعدد القوي القطبية تحديً كبير وهو القبول الغير واسع النطاق عالمياً بقطبية روسيا، إذا يظل قطاع ليس قليل من الدول ولا سيما الغربية يعتقد بإقليمية القوة الروسية، وليس بعالميتها، حيث تكون قادرة على حسم العديد من المشكلات الإقليمية، ولكنها عاجزه واقعيًا عن المسؤولية الدولية على نفس قدر الذي عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

خلص هذا المبحث إلى أن غاية الاستراتيجية الروسية التوصل إلى صيغة نسق متعدد القوى القطبية، وأن تحتل روسيا مكانة أحد أقطابه ونبذ الأحادية القطبية الأمريكية المهددة للطموحات الروسية العالمية، حيث تبنت روسيا في عهد بوتن هوية الدولة الكبرى التي تنطلق من مقدمات الانتشار الدولي والهيمنة العالمية على أسس برجماتية لا عقائدية إيديولوجية في مناطق خارج نطاقها الإقليمي مثل الشرق الأوسط، إن التدخل العسكري الروسي في سوريا يمثل عودة الدب الروسي إلى سياسة استعادة النفوذ ومحاولة لإعادة رسم التوازنات الجديدة إقليميًا ودوليًا، ويوحي بأن النسق الدولي يشهد تحولًا وأنه بصدد أن يكون نسق دولي متعدد الأقطاب.

المبحث الرابع: التحالف الروسي الصيني وأثره على بنية النسق الدولي:

 مع تراجع الدور القيادي المهيمن للولايات المتحدة الأمريكية تبرز العلاقات الروسية الصينية كمركز ثقل استراتيجي هام ، وفي حين نبذت روسيا والصين الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تهديداتها للأمن القومي الروسي والصيني، وجدت بكين وموسكو في أنفسهم حليفًا استراتيجيًا لبعضهما البعض كذلك سعت الدول الأخرى لإيجاد حليف آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما عزز من الشراكة بين موسكو وبكين، فمنذ إعلان الشراكة الاستراتيجية عام ١٩٩٦ حتى الوقت الراهن ومرورًا بعدة محطات مهمة يتماسك التحالف بينهما رغم التحديات المختلفة، وتتميز الشراكة الروسية الصينية بعمقها الاستراتيجي وإصرارها على موازنة الوجود الأمريكي وتقويضه في محاولتهما لتغيير بنية النسق الدولي.

أولًا: أبرز دوافع التحالف الروسي الصيني:

١. الدوافع الاقتصادية

تأسست العلاقات التجارية بين الصين وروسيا على مدار قرون جنبًا إلى جنب مع العلاقات السياسية بين الدولتين فهي ليست علاقات وليدة أو مستحدثة ونظرًا لما تتمتع به المنتجات الصينية من أسعار تنافسية وجدت منفذًا في الداخل الروسي خاصة في أسواق سكان الشرق الأقصى لروسيا في أوائل التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث عانت تلك المنطقة من أزمات اقتصادية متعاقبة وسرعان ما تطورت العلاقات التجارية بين الدولتين مدفوعة أيضًا ببيع الأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية للصين بالإضافة إلى تكثيف صادرات النفط والغاز الطبيعي نظرًا لما تعانيه الصين من أزمة طاقة[103] .

ويعد مجال الطاقة الأثقل وزنًا من بين مجالات التعاون بين الدولتين وترجع بداياته إلى تسعينات القرن العشرين وقد اتسمت تلك الفترة بالمحدودية في الحجم ولكن بدأت. الأمور تأخذ مسارًا آخر بنهاية والشركات رئيس بوتين الثانية حيث مضى التعاون بين الدولتين إلى الأمام في مجال الطاقة منذ تلك اللحظة وذلك جاء ضمن إطار الاستراتيجية الروسية المعنية بإعادة التوجه نحو آسيا وأصبحت روسيا موردًا رئيسيًا للنفط والغاز بالنسبة للصين، واتسع مجال التعاون بين الجانبين ليشمل مجالات غير تقليدية مثل: الكهرباء والطاقة النووية [104].

وترغب الصين في تنويع مصادر وارداتها النفطية وزيادة الاعتماد على النقل البري أكثر من الممرات البحرية تكاملت رؤيتها تلك مع رغبة روسيا في تنويع أسواقها النفطية خارج أوروبا، وفي إطار ذلك السياق عُقد في عام ٢٠٠٩ اتفاقيات استراتيجية بقيمة ١٠٠ مليار دولار بين الدولتين في مجال النفط، كما تم توقيع اتفاقيات تجارية بين الأقاليم والمؤسسات الاقتصادية لكلا الدولتين [105] ، وفي ٢٠١٠ تم بناء خط أنابيب شرق سيبيريا والمحيط الهادي ESPO يمتد من سكوفورودينو في روسيا إلى داتشينغ في الصين وهو مشروع مشترك بين شركة Transneft الروسية وشركة البترول الوطنية الصينية.

كما شهد التعاون الطاقوي بحلول عام ٢٠١٣ بين الدولتين حدثًا عظيمًا؛ فخلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبرغ في حضور الرئيس بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ تم إبرام اتفاق بين شركة البترول الوطنية الصينية CNPC وشركة NOVATEC الروسية والتي تعد أكبر منتج للغاز الطبيعي آنذاك في روسيا و بموجب ذلك الاتفاق حصلت الصين على حق الوصول إلى الغاز الروسي؛ حيث نص الاتفاق على شراء الصين ٢٠٪ من حصة رأس المال في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال ، يتضح أن التشغيل المستقر لمشاريع إمداد الطاقة بين الدولتين قد وفرت طاقة مستمرة وموثوقة للجانب الصيني وعززت من العلاقات الاقتصادية بين الجانبين [106]

وتواجه مؤخرًا عملية تبادل الطاقة بين الطرفين بعض المعوقات المستجدة على إثر وقوع الحرب الروسية الأوكرانية وتمثلت في العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية على سفن الشحن الروسية و الشركات الصينية المنتجة لتكنولوجيا تعمل في مشاريع غاز يامال مما جعل عمليات تسلم النفط من القطب الشمالي أكثر صعوبة وقد يدفع الصين إلى تقليل كمية النفط المستوردة من روسيا عن طريق النقل البحري كما قد يقلص استثماراتها في مشاريع الغاز بالقطب الشمالي الروسي.[107]

 ٢.تهديدات أمنية مشتركة:

تسعى الدول الكبرى إلى إنشاء مناطق نفوذ إقليمية وذلك لحماية حدودها البرية، فبينما تتخذ الصين من منطقة المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي مناطق نفوذ لها، تتخذ روسيا أيضًا من منطقة أوكرانيا والبلطيق وآسيا الوسطى مناطق نفوذ لها ورثتها عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وتتشارك الدولتان في نظرتهما إلى الولايات المتحدة باعتبارها تشكل تهديدًا جيوسياسيًا لهما؛ حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيق استراتيجية احتواء مزدوج ضد روسيا والصين، فمن ناحية يحاول حلف الناتو ضم دول الجوار الروسي إليه وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية النفاذ إلى منطقة آسيا الوسطى، ومن ناحية أخرى تعمل على تقويض النفوذ الصيني في منطقة الجوار الإندو باسيفيك  وتمارس العديد من المناورات العسكرية في المنطقة وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية العديد من السياسات لمحاولة فرض الهيمنة في تلك المناطق.[108]

  • التهديد الأمريكي في بحر الصين الجنوبي:

يمتد بحر الصين الجنوبي بين دائرتي عرض ٢٦-٣٠ شمالًا وخطوط طول ١٠٠-١٢١ شرقًا ويضم مجموعة دول رئيسية هي: الصين و الفلبين و فيتنام وكمبوديا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبروناي، كما يربط بين المحيط الهادي والهندي، ويحتوي على كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي؛ مما يمنحه أهمية جيوستراتيجية قد تكون مساوية لأهمية الخليج العربي، ذلك بالإضافة إلى أنه يعد أحد أكثر الممرات العالمية ازدحامًا؛ نظرًا لحركة السفن المتواصلة والتي تحمل المواد الهيدروكربونية من الخليج العربي إلى دول جنوب شرق آسيا، وبينما تسعى الصين لحمايته وتحجيم القوى التي تحاول خلخلة التوازن والاستقرار الاقليمي  بفرض سيطرتها عليه، نجد أن في نفس الوقت تعمل الولايات المتحدة على عقد تحالفات إقليمية لتمكنها من الهيمنة عليه وكذلك حتى تمنحها الشرعية القانونية بالتواجد في المنطقة كما تستغلها كشكل من أشكال الردع تجاه الجانب الصيني وموازنة سيطرته في بحر الصين الجنوبي [109] .

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية من تواجدها في المنطقة إلى تأمين قواعدها العسكرية في المحيط الهادي؛ حيث تدرج أمن المحيط الهادي ضمن أمنها القومي، وذلك ضمانًا لتأمين الساحل الغربي الأمريكي، كما تسعى لتأمين الممرات البحرية وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وترى أنه يجب أن يقسم بين الدول المطلة عليه طبقًا لاتفاقية قانون البحار لعام ١٩٨٢، كما ترغب في توسيع دائرة نفوذها الاقتصادي عن طريق توسيع دائرة استثماراتها خاصة أن اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا تحمل الكثير من الفرص الاستثمارية [110] .

وفي إطار ذلك السياق يعد أبرز التطورات الاستراتيجية التي أثرت بشكل كبير على منطقة بحر الصين الجنوبي كان إنشاء تحالف أوكوس Aukus عام ٢٠٢١ بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وقد هدف التحالف إلى تعزيز التعاون الدفاعي بين الثلاث دول لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة بالمنطقة خاصة مع تزايد النفوذ الصيني وقد أثار ذلك التحالف ردود فعل مختلفة فبينما رآه البعض أداة لاحتواء النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة رآه آخرون أنه تهديد للاستقرار الاقليمي بها [111] خاصة أن أحد ركائزه كان تزويد البحرية الأسترالية بغواصات نووية وصواريخ كروز بعيدة المدى مثل توماهوك حتى تعزز قدراتها الدفاعية؛ حتى تتمكن من مواجهة التحديات التي يشكلها التواجد العسكري الصيني في المنطقة كما ساهم التحالف في إعادة بناء التوازن العسكري في بحر الصين الجنوبي؛ حيث إن تعزيز القدرات العسكرية الأسترالية سيعزز من قدرة الغرب على مواجهة التصعيد الصيني ويعزز قدرات الدرع تجاهها وتجاه أي توجهات عدائية قد تقوم بها مما يشكل خطرًا استراتيجيًا واضحًا على الصين.[112]

ب. التهديد الأمريكي في آسيا الوسطى:

تتخذ منطقة آسيا الوسطى أهمية كبرى في التفكير الاستراتيجي الأمريكي؛ ويرجع ذلك إلى تمتعها بموقع جغرافي مميز، حيث تطل على فاعلين رئيسيين في الساحة الدولية هما: روسيا والصين، كما تتحكم في طرق وممرات التجارة في أوراسيا، ذلك بالإضافة إلى الاحتياطيات الكبيرة من المعادن والغاز والبترول في أراضيها وهي بذلك تمثل مسرحًا رئيسيًا للصراع حول الطاقة في العالم؛ لذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للنفاذ إليها حيث يُمكِنها ذلك من مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد واختراق الحديقة الخلفية لروسيا وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي وفتح أسواق جديدة لها، كما أن الوصول لموارد الطاقة في آسيا الوسطى يساعد الولايات المتحدة الأمريكية في تنويع مصادر الطاقة للاتحاد الأوروبي وذلك لفك ارتباطه بالغاز الروسي [113] .

وترغب الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا في الوصول إلى المعادن النادرة بالمنطقة والتي تدخل في صناعة أشباه الموصلات أي يمكن استغلالها في الصناعات الإلكترونية، كما أن التقارب الامريكي مع  دول اسيا الوسطى يمكنها من تطويق روسيا والصين معًا ومراقبة أمورهم الداخلية عن قربٍ شديد، كما ينطلق الاهتمام الأمريكي بالمنطقة من بعد أمني حيث ينتشر بها الإرهاب وعمليات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر بين دولها؛ مما يشكل تهديدًا عالميًا، ذلك بالإضافة إلى إمكانية استغلالها كسوق لصادرات السلاح الأمريكية، وفي إطار ذلك تتعدد السياسات التي تتبعها واشنطن لتعزيز مكانتها في آسيا الوسطى فخلال قمة C5+1 ” قمة تجمع دول آسيا الوسطى الخمس + الولايات المتحدة الأمريكية ” في ١٨ سبتمبر ٢٠٢٣ أكدت واشنطن على تسهيل التجارة بين دول المنطقة والشركات الأمريكية وإجراء حوار حول المعادن لتنمية الثروة المعدنية الهائلة وتعزيز أمن المعادن الحيوية في المنطقة كما تعهدت واشنطن بتعزيز دورها في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود في آسيا الوسطى [114] ويأتي ذلك في إطار استراتيجية الولايات المتحدة المعنية بإعادة التوازن والتوجه نحو آسيا والتي ينظر إليها المحللون الصينيون باعتبارها تشكل تهديدًا على الهيمنة الصينية ومحاولة لتطويق الصين بخلق منافسين إقليميين معادين لها [115].

ج. تهديد تواجد الناتو في الجوار الإقليمي لروسيا والصين:

يشكل حلف الناتو العديد من التهديدات على الأمن القومي الروسي خاصة أنه يستهدف احتواء منطقة كانت تحت النفوذ السوفيتي قبل سقوطه، حيث هدفت الولايات المتحدة الأمريكية منذ التسعينات إلى منع صعود أي قوة إقليمية مهيمنة في أوروبا يمكنها أن تتحدى الهيمنة الأمريكية، وكان أداتها لتحقيق ذلك هو حلف الناتو والتوسع شرقًا لذلك هيمنت على وضع جدول أعمال الحلف، وقد أيد الرئيس كلينتون ومستشاره للأمن القومي توني ليك تلك الاستراتيجية لتقويض النفوذ الروسي، ومن أبرز التهديدات التي يشكلها الحلف على روسيا زعزعة الاستقرار الداخلي حيث يشكل تحديًا لروسيا في حديقتها الخلفية، فقد ساعد على دعم الثورات الملونة التي وقعت في جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي مثل: أوكرانيا وجورجيا، كما يساعد في بناء قدرات عسكرية في أوروبا الشرقية [116]بالإضافة إلى أن محاولات الناتو لضم اوكرانيا سيحمل روسيا خسارة أسطولها على البحر الأسود وسهولة النفاذ داخل أراضيها وسهولة نشر منظومة الصواريخ الأمريكية على الحدود الروسية مع أوكرانيا [117] لذا يعد السبب المباشر للحرب الروسية على أوكرانيا كان رفض الناتو اصدار قرار يرفض فيه طلب أوكرانيا بالانضمام إليه وقد اعتبرت روسيا ذلك الرفض بمثابة تهديد أطلسي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمحاصرة واحتواء روسيا وخوفًا من اختراق الناتو الداخل الروسي ومحاولة قلب نظام الحكم لذلك تدخلت عسكريًا في أوكرانيا[118].

بالإضافة لما يشكله الناتو والولايات المتحدة الأمريكية من خطر على الأمن القومي الروسي، يشكلان أيضًا خطرًا على الصين فحسب البيان الصادر عن قمة الحلف في فيلينيوس في يوليو ٢٠٢٣ جاء أن الناتو يعتبر الصين تمثل تحديًا للأمن الأوروبي الأطلسي، وأن التعاون بين موسكو وبكين يسعى إلى تقويض النظام الدولي الحالي على قواعد تتعارض مع مصالح الحلف وقيمه، كما يربط الحلف بين أي تطورات قد تحدث في منطقة المحيط الهادي والهندي وبين أثرها على الحلف؛ لذلك عمل على اكتساب صداقات وتحالفات في المنطقة وفي إطار حالة التفاهم الاستراتيجي التي تسود بين بعض دول المنطقة مثل: اليابان وكوريا الجنوبية مع الحلف، أصبح مرحبًا بوجود تمثيل دائم لكوريا الجنوبية لدى الحلف، وتلك الخطوة سيستتبعها تنسيق استراتيجي كبير من تكثيف المناورات العسكرية في المنطقة وصفقات تصدير أسلحة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين؛ مما يشكل تهديدًا للمصالح الصينية.[119]

ويتضح مما تقدم ذكره أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تقويض الصين وروسيا في مناطق نفوذهم والسيطرة عليها لتحقيق أهداف تتنوع بين كونها استراتيجية واقتصادية وأمنية، وبناءً على ذلك قامت الصين بعسكرة بحر الصين الجنوبي لمواجهة التحديات التي يفرضها عليها تحالف أوكوس، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي استخدمت القوة العسكرية في تدخلها في أوكرانيا لمواجهة تحديات الناتو في حديقتها الخلفية.

٣.العداء المشترك للهيمنة الأمريكية:

تتعرض الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم للنبذ والرفض من قبل الصين وروسيا الاتحادية، وهذا ما دعا إلى قيام تحالف استراتيجي بين الطرفين للتصدي للهيمنة الأمريكية المستمرة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ٢٥ ديسمبر ١٩٩١.

تُعارض كلًا من الصين وروسيا تواجد الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق النفوذ والمصالح الحيوية لهما، فانتشار الولايات المتحدة الأمريكية في المجال الحيوي للصين سواءً في تايوان أو بحر الصين الجنوبي، يمثل تهديدا أمنيًا بالغًا للصين خاصةً بعد إقامة معاهدات دفاعية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول المجاورة للصين في المحيطين الهادي والهندي[120]، وهو ما تتفق معه روسيا، فموسكو تعتبر حلف شمال الاطلسي (NATO)، وهو الذراع العسكري السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، التهديد الأكبر لأمنها القومي خاصةً مع ضم الحلف لدول الفضاء الروسي القريب لاسيما دول البلطيق: لاتفيا، استونيا، ليتوانيا ٢٠٠٤، واندلاع أزمة جورجيا ٢٠٠٨ حين أبدت رغبتها بالانضمام للحلف، بالإضافة إلى محاولات ضم أوكرانيا من أجل حصار روسيا جغرافيًا، حيث بدأت الأزمة الأوكرانية مع ضم جزيرة القرم ٢٠١٤ إلى ان تفجرت الأزمة كما نشهدها فبراير ٢٠٢٢، فبالتالي تعد الولايات المتحدة الأمريكية الخطر والتهديد الأمني القومي الأكبر لروسيا والصين[121].

لطالما رغبت النخبة الروسية في عهد بوتين باسترجاع المكانة القطبية العالمية لروسيا في ظل نسق متعدد القطبية لا تنفرد بتوجيهه قوة واحدة، وسعت القيادة الروسية لتقويض الهيمنة الامريكية على مناطق النفوذ الروسي كأوروبا الشرقية ودول البلقان, يرغب الكرملين في إعادة صياغة النسق الدولي بحيث تصبح روسيا قطب مؤثر لاسيما بعد بداية الشك في قوة الاقتصاد الامريكي عقب الازمة الاقتصادية العالمية ٢٠٠٨ وخروجها منتصرة في حربها على جورجيا بنفس العام, وشبه جزيرة القرم٢٠١٤, وحربها على أوكرانيا٢٠٢٢، وبخلاف مكانة روسيا الاقليمية يتضح تأثيرها العالمي في التأثير على مجريات الامور بالشرق الاوسط، فالولايات المتحدة الأمريكية ليست القوة الوحيدة صاحبة القول الفاصل بالمنطقة، فكان لروسيا دورًا مؤثرًا في مجريات الأمور في ليبيا وسوريا في ظل نظام بشار الأسد السابق[122].

تملك الصين ثراء حضاري وثقافي يمدها بالشعور بالتفوق والرغبة لكي تصبح لاعبًا صاحب مسئولية دولية وإقليمية، فمع اندلاع الأزمة المالية العالمية؛ اثبتت الصين جدارتها في التعامل مع العقبات الاقتصادية التنموية، كما أن جائحة كورونا اثبتت قدرة الصين على التعامل مع أزمة عالمية خطيرة، تستخدم الصين مقدراتها الاقتصادية وقوتها الناعمة لتسخير صعودها السلمي التدريجي، ويبرز الدور الاقليمي الريادي للصين من خلال مساعدتها لدول الجوار خلال الأزمة الاقتصادية ١٩٩٧ من خلال المحافظة على ثبات قيمة عملتها لتشجيع التصدير[123].

شهد العالم تقارب في الرؤى الصينية الروسية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ١٩٩١، فعادت العلاقات بين الدولتين من خلال توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية١٩٩٦، ثم عقد اتفاقية حسن الجوار والصداقة والتعاون٢٠٠١، وكان غرضها الأساسي هو التصدي للهيمنة الأمريكية واستمرت العلاقات الثنائية بين الدولتين ورغبتهما المشتركة في تقويض الهيمنة الامريكية في جني ثمارها، ومع دعم الصين الكبير لروسيا٢٠١٤ ضد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها عقب ضم الاخيرة لشبه جزيرة القرم، كما استغلت روسيا قضية بحر الصين الجنوبي، ومع مجيء عام ٢٠٢١ تم تمديد الاتفاقية المعقودة في عام٢٠٠١ مع التأكيد على استمرار التعاون ليشمل مواجهة اي تهديد امني لمصالح الدولتين مع امكانية قيام تحالف عسكري لتحقيق ذلك، وفي تاريخ ٤ فبراير٢٠٢٢ قامت قمة ثنائية بين بكين وموسكو معلنة انتهاء الهيمنة الامريكية وبداية نسق دولي متعدد القطبية[124].

تعد قضية تايوان وأوكرانيا قضايا بالغة الحساسية لبكين وموسكو على التوالي، فأي تهديد خارجي تجاه الصين وروسيا داخل تايوان أو أوكرانيا هو بمثابة تهديد أمن قومي حيوي، فمن الملاحظ في مسألة تايوان أنها تتمتع بأهمية جغرافية بالنسبة للولايات المتحدة؛ بسبب مضيق تايوان وقناة باشي كذلك لتايوان أهمية لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا (الفلبين، اليابان)؛ لذلك تقدم مساعدات عسكرية لتايوان في صراعها مع حكومة بكين لنيل الاستقلال وترحب تايوان بتلك المساعدات، فهي ترغب بتطوير شراكاتها المتعددة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا ما تستغله الأخيرة لتحقيق رغبتها في التواجد الجيوسياسي بأسيا وزعزعة الامن الصيني، أما بالنسبة للصين فهي تسعى لصين موحدة وهذه الوحدة لا تتحقق إلا بتايوان[125]، على الصعيد الاخر فيما يخص قضية أوكرانيا فروسيا لا تتردد في إفشاء رفضها للتواجد الغربي الأمريكي في مجالها الحيوي؛ فتدخل الولايات المتحدة الأمريكية هو تهديد حقيقي للأمن القومي الروسي ونفوذها بأوراسيا، ومع ذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لاستمالة أوكرانيا لصفها دائمًا؛ وهو ما يعوق العلاقات الودية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية[126]

تمتد الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا من التسعينيات حتى الوقت الراهن في مناخ من الثقة المتبادلة والتعاون اللامحدود، وتبرز تلك الشراكة في الدعم المتبادل في المواقف المتباينة مشكلين معا قوة بمقدورها تهديد النفوذ الامريكي.

 ثانيًا: أثر التحالف الروسي الصيني على بنية النسق الدولي:

مع تراجع الدور القيادي المهيمن للولايات المتحدة الأمريكية تبرز العلاقات الروسية الصينية كمركز ثقل استراتيجي هام ، وفي حين نبذت روسيا والصين الولايات المتحدة الأمريكية ؛ بسبب تهديداتها للأمن القومي الروسي والصيني، وجدت بكين وموسكو في أنفسهم حليفًا استراتيجيًا لبعضهما البعض، كذلك سعت الدول الأخرى لإيجاد حليف آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما عزز من الشراكة بين موسكو وبكين، فمنذ إعلان الشراكة الاستراتيجية عام ١٩٩٦ حتى الوقت الراهن، ومرورًا بعدة محطات مهمة يتماسك التحالف بينهما رغم التحديات المختلفة، وتتميز الشراكة الروسية الصينية بعمقها الاستراتيجي وإصرارها على موازنة الوجود الأمريكي وتقويضه في محاولتهما لتغيير بنية النسق الدولي.

١. صعود التعددية القطبية:

تتسم العلاقات الدولية بديناميكيتها وديمومة صراعاتها من أجل القوة، وهذا ما يظهر جليًا في التحول الذي ظهرت بوادره في النسق الدولي، فانتهى القول السائد لعقود بأن الولايات المتحدة الأمريكية قوة لا منازع لها فالواقع العالمي الآن يشهد تعددية قطبية واضحة من خلال صعود الصين السلمي التدريجي، واستعادة روسيا لمكانتها، فالولايات المتحدة الأمريكية ليست منفردة القيادة والتأثير، بل تقاسمها الصين التي كان صعودها هو المؤشر الأول للبداية الجديدة للتغير موازين القوى الدولية؛ فالصين باقتصادها العملاق وقدرتها على تحقيق طفرات تنموية أسست لذاتها مكانة لا يستهان بها في سلم القوى الدولية؛ فالتحقت بمصاف القوى القطبية اقتصادًيا وعسكريًا، كما اتسم الصعود الصيني بأنه سلمي لا يهدد أي قوة أخرى كما جاء تدريجيًا على خطى هادئة، وتلك الواقعية والبراجماتية الصينية قد تكون عاملًا في استعادة مجد الحضارة الصينية القديمة، أما بالنسبة لروسيا بمقدراتها الاقتصادية وما تحتويه من مصادر الطاقة وقدراتها النووية والعسكرية الهائلة ونفوذها السابقة في النسق الدولي كانت مسألة رغبتها في استعادة مكانتها العالمية المشهودة مسألة وقت[127].

تسعى الصين وروسيا باستمرار لإطاحة الولايات المتحدة الأمريكية من مركزها؛ وذلك للتعارض التام بين المصالح الأمريكية من جهة والمصالح الصينية والروسية من جهة اخرى، ومع هذا السعي يصبح من الصعب بقاء بنية النسق الدولي على ذات الحال، خاصةً مع صعود عدة قوي اخرى كالاتحاد الأوروبي، والهند، والبرازيل، وإيران[128].

ويتزامن صعود تلك القوى مع تراجع الولايات المتحدة الأمريكية النسبي اقتصاديًا منذ الازمة المالية العالمية٢٠٠٨ ولاحقًا مع جائحة كورونا، فكانت للصين قدرة أكبر على التعامل مع تلك الأزمة، كذلك تراجع تأثيرها عالميًا على الصراعات السياسية ولعل أبرز مثال هو الحرب الروسية الأوكرانية وفشلها في تحجيم قوة روسيا، وليس من المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية قرار محاربة الصين أو روسيا عسكريًا بشكل مباشر؛ مما يثير الشك حول قوة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة القوتين المتحالفتين[129].

تسعى القوى الصاعدة للتكاتف معًا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ، ونبذ كل ما قامت عليه القطبية الاحادية، فتبتعد روسيا والصين عن مظاهر ابتدعتها الولايات المتحدة الأمريكية واعتاد عليها النسق الدولي لعقود وهي التدخل في الشأن الداخلي للدول بحجة نشر الديموقراطية، وهو ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية القيام به في عهد يلتسن نظير بوتين الأسبق ولكن فشلت، كذلك الإرهاب العالمي الذي ابتدعته الولايات المتحدة الأمريكية لتبرر تدخلاتها العسكرية ، واقتصاديًا اعتاد العالم على هيمنة الاقتصاد الأمريكي وعملته الدولار، ولكن لم يعد الوضع كذلك مع وجود قوة اقتصادية كالصين وغيرها، كما أنه من الملاحظ حاليًا اندماج اقتصاديات الدول النامية بالدول المتقدمة للنهوض بالاقتصاديات الفقيرة وذلك عكس ما سار عليه الوضع، حيث تعمدت الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا تعميق الفجوة الاقتصادية، وتميل القوى الصاعدة حاليًا للتكاتف معًا وتكوين تحالفات جديدة لتعميق لغة الحوار والتشاور وتقارب وجهات النظر المختلفة وذلك تحولًا جديدًا في بنية نسق دولي اعتاد على اختزال الرأي والقرار فيما تراه وتقرره الولايات المتحدة الأمريكية فقط.

٢. المساهمة في تشكيل تكتلات جديدة:

أ. منظمة شنغهاي للتعاون: SCO

تعد منظمة شنغهاي للتعاون أحد أهم التكتلات الإقليمية السياسية، حيث توازن الوجود الغربي بمنطقة أوراسيا كما تعد بديلًا عن المنظمات التي تتحكم بها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كالأمم المتحدة، خاصةً لضمها الصين وروسيا معًا وهما أعضاء دائمين بمجلس الأمن وكلاهما يمتلك حق الڤيتو، كذلك كلاهما دول نووية، فالمنظمة هدفها الرئيسي يكمن في المساهمة في خلق نظام عالمي جديد تتعدد أقطابه وتزول معه الهيمنة الأمريكية، ومن ثم تعود البدايات الفعلية للمنظمة عام ١٩٩٦، حين بادرت الصين بإنشاء خماسي شنغهاي وهو تجمع يضم (الصين، روسيا، طاجيكستان، قيرغيزستان، كازاخستان)، فكانت القمة الأولى في شنغهاي وتم الاتفاق بعدها على عقد قمة سنوية في عواصم الدول الخمسة، ومع حلول ٢٠٠١ عادت القمة السادسة إلى شنغهاي، وانضمت دولة اوزبكستان ليعلن الرؤساء الستة تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، حصلت الهند وباكستان على العضوية الكاملة ٢٠١٧، كذلك انضمت إيران ٢٠٢٣، وبيلاروسيا ٢٠٢٤، لتضم بذلك المنظمة ١٠ اعضاء دائمين، وبجانب العضوية الدائمة، هناك أعضاء بصفة مراقب، وأعضاء شركاء الحوار، ومنهم عدة دول عربية كمصر وقطر والسعودية والبحرين والكويت والإمارات، وذلك التوسع في العضوية يدل على العمق الاستراتيجي لتلك المنظمة فتأثير منظمة شنغهاي يتجاوز حدود أوراسيا فتحولت بذلك إلى لاعب دولي يتحدى الهيمنة الأمريكية وليس فقط فاعل إقليمي، وتمثل المنظمة أكبر تجمع إقليمي من حيث عدد السكان والجغرافيا، كذلك بطبيعة الحال تمتلك المنظمة مقومات اقتصادية وبشرية هائلة مما يقوى من مركزها[130].

يتضمن ميثاق المنظمة عدة أهداف منها: تعزيز الثقة المتبادلة وحسن الجوار، العمل على إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، تطوير التعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، الوصول لنظام عالمي متوازن وديموقراطي بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية الغربية (وهذا الهدف ظهر جليًا عند رفض المنظمة لطلب انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إليها مبررةً أن منظمة شنغهاي ستظل في منأى عن أي تواجد وتأثير غربي)، كذلك تهدف المنظمة إلى محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والتطرف الديني وتجارة المخدرات.

ويتضح أن منظمة شنغهاي تمثل ثقلًا استراتيجيًا هامًا ترتكز عليه روسيا والصين في إعادة صياغة النسق الدولي ورسم ملامحه للتخلص من كافة مظاهر السيطرة الغربية[131].

ب. تكتل البريكس:

يتجه العالم حاليًا نحو ترتيبات إقليمية جديدة يسعى من خلالها إلى تغيير ميزان القوى في النسق الدولي والاقتصاد العالمي وذلك من خلال إنشاء تكتلات دولية فاعلة بين المجموعات الدولية وذلك بما يتناسب مع قدرات الدول الأعضاء في ذلك التكتل وفي إطار ذلك السياق يأتي تكتل البريكس هادفًا إلى أن يكون له دورًا رئيسيًا في ذلك التغيير. [132]

تأسس البريكس عام ٢٠٠٩ تحت مسمى بريك BRIC وذلك حتى انضمت إليه جنوب أفريقيا في عام ٢٠١١؛ ليتحول رسميًا إلى BRICS ويتشكل من خمس دول هم: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وتلك الدول تمتد في أربع قارات مختلفة ولا يربطها نطاق إقليمي أو جغرافي واحد، ولكنها تشترك في مساعيها الطموحة من أجل صياغة نسق دولي جديد فهي تلعب دورًا نشطًا في عالم السياسة الدولية هادفة من خلاله إلى مواجهة الهيمنة الأمريكية وتكريس مبدأ استقلال القرار الوطني [133] .

ولقد حفزت التحولات والأزمات التي يمر بها النسق الدولي العديد من الدول للانضمام إلى عضوية البريكس؛ باعتباره تكتل يعبر عن مصالح ورؤى دول الجنوب وتوجهاتها تجاه النظام الاقتصادي العالمي، وقد انتهت القمة الخامسة عشر لدول التكتل في الفترة من ٢٣ إلى ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣ إلى انضمام ست دول جديدة إلى التكتل وهي: مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين. [134]

وينطلق البريكس من مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تشكل حافزًا لدول التكتل، وتتمثل في محاولة تغيير نظام النقد الدولي بتقليل الاعتماد على الدولار في عمليات الدفع الدولية حيث تنتهج دول التكتل سياسة تقديم قروض لبعضهم البعض بعملاتهم المحلية؛ لتدويل تلك العملات، ذلك بالإضافة إلى السعي لتأسيس نظام عالمي جديد بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية مع العمل على إعادة إصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، وكذلك الاهتمام بالتعاون التكنولوجي بينهم خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، والتأكيد على التنسيق في الجوانب الأمنية [135]، يتضح مما سبق أن تكتل البريكس يأتي في إطار استراتيجية تجتمع عليها جميع أعضائه، وهي خلق نسق جديد يخلصهم من الهيمنة الأمريكية.

٣. تقويض فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية:

تعد العقوبات ذات تأثير فعال في إدارة العديد من الأزمات، لكنها ليست حلًا مضمونًا للصراعات الجيوسياسية، بل تعتمد فعاليتها على أن تكون ذات أهداف صريحة وواقعية، وأن تطبق بشكل شامل إذ يسمح التطبيق التدريجي لها بأن تتمكن الدولة المستهدفة من أن تتكيف مع تلك العقوبات ، وعلى الرغم مما حققته العقوبات الغربية من تكاليف كبيرة في البداية تكبدها الجانب الروسي إثر حربه على أوكرانيا، إلا أنها افتقدت إلى تلك العناصر السابق ذكرها، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته الصين في دعم روسيا لتمكنها من الالتفاف على تلك العقوبات كما رفضت الصين إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا كما رفضت فرض أي عقوبات على روسيا [136]

ولقد اعتبرت الصين العقوبات الغربية على الجانب الروسي فرصة يجب استغلالها؛ حيث كانت روسيا في حاجة إلى منفذ لصادراتها التي أغلقت الأسواق الأوروبية أبوابها أمامها وقد وجد ذلك المنفذ في السوق الصيني، وبالمثل قد خففت روسيا الحواجز التي كانت تفرضها على المستثمرين الصينيين؛ مما أدى إلى نشوء استثمارات صينية جديدة خاصة في قطاعي السكك الحديدية والاتصالات وذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق التي يسلكها الجانب الصيني[137] .

كما شجعت العقوبات على ازدياد التعاون بين الطرفين في مجال الطاقة وارتفعت نسبة الصادرات النفطية الروسية إلى الصين بشكل كبير؛ مما يعوض روسيا عن ما فقدته جراء إغلاق الأسواق الأوروبية أمامها، وفي إطار ذلك التعاون أعلنت موسكو في سبتمبر ٢٠٢٢ عن مشروع خط أنابيب يدعى ” قوة سيبيريا ٢” لنقل الغاز إلى الصين والذي جاء به الجانب الروسي؛ ليحل محل خط أنابيب “نوردم ستريم ٢” الذي بني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا[138] كما أن تقييد قدرة روسيا على التعامل بالدولار الأمريكي أو اليورو وتقويض قدرتها في الوصول إلى احتياطاتها من العملات الأجنبية؛ نظرًا لتلك العقوبات حولت روسيا والصين حوالي ٩٠٪ من العمليات التجارية بينهما إلى اليوان والروبل وذلك وفقًا لتصريح الرئيس بوتين في ٢٠٢٤ كما انخفضت الحصة الإجمالية لعملات الدول غير الصديقة لروسيا من ٨٧٪ إلى ١٨٪ للصادرات ومن ٦٧٪ إلى ١٨ ٪ للواردات.[139]

وفي إطار ما تقدم ذكره يتضح دور التحالف الروسي الصيني في مواجهة التحديات التي يفرضها الغرب عليهم.

٤. إعادة رسم خريطة التجارة العالمية:

مثلما يهدف التحالف الصيني الروسي إلى بناء نسق عالمي متعدد القطبية ينهي خلاله الهيمنة الأمريكية، يسعى أيضًا إلى بلوغ نظام تجاري عالمي بديل يقلل فيه الاعتماد على الغرب ويفرض من خلاله توازنات جديدة في خريطة التجارة العالمية، ومن أبرز التوجهات التي يسلكها الجانبين الروسي والصيني لبلوغ ذلك الهدف طرح مبادرات تهدف إلى إعادة تشكيل مسارات التجارة العالمية على شاكلة مبادرة الحزام والطريق التي يطرحها الجانب الصيني ومشروع طريق المريديان السريع أو كما يطلق عليه “طريق الحرير الروسي”.

قد طُرحت فكرة مشروع الحزام والطريق لأول مرة في مارس ٢٠١٣ كما ذُكر أنفًا، وتهدف الصين من خلالها إلى الربط بين الصين وأوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط، وقد جاءت في إطار حديث الرئيس بينغ عن الحلم الصيني ورغبته في إعادة إحياء طريق الحرير القديم وتم الإعلان رسميًا عن إطلاق المشروع خلال زيارة الرئيس بينج الى الأستانة/ كازاخستان في ٧ سبتمبر٢٠١٣ حيث ألقى كلمته في جامعة نزار باييف والتي أوضح خلالها أن السياسة الخارجية لدولته تستهدف تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات التجارة والاتصال وتعزيز النظام النقدي ايضًا وترابط الشعوب ، ويعد المشروع مبادرة جيوسياسية تستهدف تطوير شبكة اتصال واسعة بين الدول المختلفة لتغطي معظم الأراضي في قارات العالم القديم الثلاث كما يعبر عن رؤية صينية تهدف إلى خلق دور مؤثر ورئيسي في الاقتصاد العالمي[140] كما تقوم مبادرة الحزام والطريق على إعادة هيكلة سلاسل القيمة العالمية حيث تؤدي ممرات النقل والطاقة الجديدة إلى الصين ويتم تمويلها من خلال الأدوات المالية بقيادة صينية كما أنها تثبت القدرة الصينية على التأثير في بنية النسق الدولي والتأكيد على الطابع متعدد الأقطاب[141]، وتتعدد الأهداف الاستراتيجية التي ترغب الصين في تحقيقها من وراء تلك المبادرة حيث تسعى إلى تدويل عملتها وإعادة تشكيل اقتصادها ليكون اقتصاد مفتوح؛ مما يعزز من قدرتها على صناعة القرار الدولي، كما تهدف إلى التصدي للقضايا الاستراتيجية المتعلقة بالطاقة والأمن؛ حيث يأتي نسبة كبيرة من واردات الصين النفطية عبر مضيق ملقا الذي من الممكن إغلاقه في حالة حدوث أي نزاعات في منطقة بحر الصين الجنوبي، مما يعرض الصين للاستغلال الاستراتيجي ويعرض أمنها الطاقوي للخطر، ولذلك يعزز المشروع من إنشاء قنوات تجارية بديلة عبر البر تضمن سلامة خطوط الأنابيب المحملة بموارد الطاقة إلى الصين، كما يساعد المشروع على إعادة التوازن الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الناتجة عن قصور فاعلية المؤسسات الغربية تجاه الدول النامية [142].

وفي إطار تعزيز التحالف الروسي الصيني أعلن رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف في يوليو ٢٠١٩ عن البدء في تنفيذ مشروع طريق المريديان أو كما تطلق عليه الصحافة العالمية مشروع طريق الحرير الروسي، وقد جاء الإعلان بعد أشهر قليلة من عقد المنتدى الثاني لمبادرة الحزام والطريق في بكين في أبريل من نفس العام، والذي شارك فيه الرئيس الروسي بوتين، وذلك للتأكيد على متانة التحالف بين الدولتين في مواجهة الولايات المتحدة، ويشكل الطريق ذو المسارات الأربعة أداة لتعزيز التواصل بين جمهوريات آسيا الوسطى، كما سيكون بمثابة ممر روسي بين الصين وأوروبا لتقصير طرق الشحن وتسريع وتيرة نقل البضائع، كما يأتي في سياق تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ؛ مما يساعد الصين على تعزيز علاقاتها التجارية بشركائها في أوروبا وآسيا الوسطى، لتعمل على تخفيف الضغط الأمريكي عليها وعلى شركاتها، فضلًا عن تنشيط التجارة بينها وبين روسيا لا سيما مع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.[143] ، كما تشير بعض الآراء إلى أن الطريق يعد مكملًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث يساعد على ملء الفراغ البري بين أوروبا والصين ويؤكد على أن مبادرة الصين تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وليس فرض الهيمنة الصينية على الدول التي يمر بها طريق الحرير وهي الرؤية التي يروج لها الكثير في الدول الغربية، كما يعزز من التقارب الصيني الروسي حيث يشكل ممر استراتيجي يربط الصين بالدول الأوروبية بواسطة الأراضي الروسية.[144]

٥. تعزيز التعاون العسكري في مواجهة الهيمنة الأمريكية:

قد شهدت العلاقات الروسية الصينية تناميًا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى مستوى التحركات العملية في منطقة الاندو باسيفيك، ذلك في إطار مواجهة التحالفات التي شكلتها الولايات المتحدة في المنطقة ومواجهة سياسة القطب الأوحد التي تنتهجها ، وتمثل العلاقات العسكرية أحد أهم مجالات التعاون بين الدولتين، حيث تتفق وجهتا النظر الروسية والصينية بشأن التهديدات الغربية المشتركة لمناطق نفوذهم، ولذلك يعمل الجانبين على تعزيز التعاون العسكري فيما بينهم؛ حتى يتمكنا من تقويض الهيمنة الأمريكية والغربية، وفي ذلك السياق عقد الجانبين العديد من المناورات العسكرية ومعاهدات الأمن والدفاع فيما بينهم.

فخلال زيارة الرئيس بوتين إلى الصين في عام ٢٠٠٢ قام بتوقيع اتفاق استراتيجي حول التعاون التكنولوجي المتعلق بالأمور العسكرية كجزء من الخطة المشتركة لتعميق التعاون بين الدولتين، كما وقع اتفاقية أخرى وهي اتفاقية الملكية الفكرية في التعاون العسكري التقني، والتي ساهمت في تخفيف المخاوف الروسية بشأن التطوير الصيني لأنظمة أسلحته وسهلت في تصدير إمكانيات أكثر تقدمًا للصين [145] ، كما شهدت مرحلة ما بعد الأزمة الأوكرانية في ٢٠١٤ تطورًا في نطاق التدريبات العسكرية بين الدولتين، حيث كانت ترفض روسيا مسبقًا إجراء أي تدريبات ثنائية في مناطق مثيرة للصراع مثل المناطق القريبة من تايوان، ولكن منذ عام ٢٠١٥ أجرت مناورات في بحر البلطيق وبحر الصين الجنوبي للإشارة إلى القوة المتنامية للدولتين والاستياء من النفوذ الأمريكي، وفي مايو من نفس العام أجرى الجانبين أول مناورة بحرية مشتركة في البحر المتوسط أطلق عليها آنذاك ” البحر المشترك ٢٠١٥ “[146] وقد جاءت تلك المناورة في إطار سلسلة من التدريبات عرفت بتدريبات البحر المشترك والتي أُطلِقت في عام ٢٠١٢ وتحولت فيها التدريبات بين الجانب الروسي والصيني من تدريبات “مهمة السلام” ذات الجانب البري والجوي إلى تدريبات “البحر المشترك” التي هدفت إلى تحقيق تنسيق بين الدولتين على صعيد القوات البحرية وكانت أولى عملياتها في البحر الأصفر في الفترة من ٢٢-٢٧ أبريل ٢٠١٢  وقد مثل تدريب البحر المتوسط في ٢٠١٥ تغيير جيوسياسي عظيم فقد مثل أكبر تدريب بحري تقوم به البحرية الصينية مع بحرية دولة أجنبية، ذلك إضافة إلى كونه قريب من منطقة حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى أن روسيا والصين تجريان سنويًا مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تخطاه إلى تدريبات عسكرية خاصة بأمن الفضاء فقد شهد عام ٢٠١٦ أول تدريب دفاعي روسي صيني يحاكي الكمبيوتر وقد جرى في معهد الأبحاث المركزي للقوات المسلحة الروسية ، وعلى الرغم من التأكيد المتواصل من الجانبين أن تلك المناورات ليست موجهة تجاه دولة ثالثة إلا أنها تحدث في سياق المعارضة المشتركة ضد نظام الدفاع العالمي الأمريكي وتسعى لتعزيز ودعم التعاون التقني العسكري بينهما.

ثالثًا: تحديات التقارب الروسي الصيني:

١. اختلاف الأولويات الاستراتيجية:

تعلن الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين منذ ١٩٩٦ حتى الآن عن شراكة بلا حدود وتقارب وتفاهم استراتيجي عميق، وما يشتركان فيه من عداء مطلق للهيمنة الأمريكية، إلا إنه لا يمكن الجزم بأن هذا التقارب قد بلغ التوافق المطلق، فالعلاقات الروسية الصينية تشوبها عدة تحديات تبعًا لاختلاف المصلحة القومية لكل دولة ومنظورها حول ما هو أفضل ليها.

يعوق اندماج بكين وموسكو الكامل مجموعة من التحديات، فبالرغم من التعاون الاقتصادي الكبير بين الدولتين إلا إنه من الملاحظ أن روسيا هي صاحبة الاستفادة الأكبر من الأثنتين – فبينما الصين هي أكبر شريك تجاري  لروسيا لعام٢٠٢١ – روسيا ليست أكبر شريك تجاري للصين، بل أن التجارة الخارجية الصينية الأمريكية فاقت تجارة الدولتين الحلفتين- ، والمنظور الاقتصادي للمصلحة الاقتصادية للصين وتسييره للسياسة الخارجية الصيني لا يمكن تهميشه؛ نظرًا لأنها صاحبة ثاني أعلى اقتصاد بالعالم وفي المجمل تظهر روسيا كمستفيد أكبر في تلك العلاقة الثنائية، كما أن هناك تعارض ملحوظ في المصالح الاقتصادية “فالحزام والطريق” يمثل تهديدًا حيويًا للمشروع الروسي “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.

ولعل أبرز تحدي للتقارب الروسي الصيني هو الحرب الروسية الأوكرانية، فالحرب كانت الاختبار الأكثر جدية للعلاقات الثنائية منذ توطيدها، مع الإرهاصات الأولى للأزمة الأوكرانية ٢٠١٤ أثناء ضم شبه جزيرة القرم كانت الصين الداعم الأكبر لروسيا آنذاك في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ولكن بحلول ٢٠٢٢ نشهد حذّرا صينيًا في دعمها لروسيا؛ لأن هذا الانتهاك الدولي يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة واستقلالها الذي تؤمن به الصين، كما له أثر سلبي على صورة الصين الدولية كفاعل دولي مسئول عن تحقيق السلام والأمن بالمنطقة، فجاءت الحرب بقيود على العلاقات الثنائية؛ فأظهرت الصين تأييدًا غير مباشرًا لحليفتها الاستراتيجية؛ فهي لم تدين روسيا فالصين تتفهم جيدًا أهمية الأمن القومي وسعي أي دولة لحماية مجالها الحيوي، لكنها وقفت ضد روسيا في التهديدات النووية للأخيرة، على الصعيد الأخر جمعت الصين وأوكرانيا علاقات تبادلية ودية؛ نظرًا لأهمية أوكرانيا الحيوية لمشروع الحزام والطريق الصيني؛ لذلك تعمدت الصين على إبراز دورها الحيادي من خلال دعم وقف اطلاق النار[147].

يرجع جانب كبير من التقارب الروسي الصيني إلى عامل شخصي وسيكولوجي بين بوتين ونظيره بينج، فعلاقة النظيرين تُغلف بطابع شخصي وصداقة عميقة؛ لذلك من المرجح ان تتأرجح العلاقات بين الدولتين بعد انتهاء ولاية بوتين وبينج مستقبليًا.

لا شك في تقدير روسيا والصين للاستقلال الاستراتيجي، فرغمًا عن التعاون والتقارب الثنائي إلا أن لا طرف منهما قد يرغب في تعريض أمنه للخطر والتهديد من أجل الطرف الأخر.

وبالرغم من العقبات التي تواجهها العلاقات الروسية الصينية، إلا إنها بالمقدور التغلب عليها والتركيز على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بينهما، فالخطر الأكبر في علاقة الصين بروسيا والعكس هو التهديد الأمريكي وليس التحديات التي تجمعهما، وعلى المدى القصير يتوقع أن تصمد العلاقات الروسية الصينية في مواجهة الخطر الأمريكي، ولكن لا يمكن الجزم بنفس المقدار على المستقبل الطويل، فقد تتراجع العلاقات بسبب تلك المعوقات أو قد تتقرب الولايات المتحدة الأمريكية لأي طرف منهما أو قد تنسحب الصين قليلًا لتوازن بين علاقتها مع الغرب ومع روسيا أو قد تثبت روسيا عدم احتياجها للصين، أو قد تظل العلاقات بنفس القوة بين الدولتين فأي سيناريو محتمل في عالم السياسة الدولية[148].

٢. التنافس الروسي الصيني في آسيا الوسطى:

تمتد منطقة آسيا الوسطى من الساحل الشرقي لبحر قزوين حتى تخوم منغوليا ومن شمال أفغانستان حتى حدود روسيا الجنوبية، وتضم خمس دول هم: كازاخستان وأوزباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان، وللمنطقة تعريفات متعددة قد تضيف بعض الدول والأراضي إلى ما سبقت الإشارة إليه من دول.

وظلت تلك الدول تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي إلى إن سقط عام ١٩٩١؛ لتجد نفسها فجأة في مرحلة تعرف “بالسيولة الإقليمية” ، حيث أصبحت متاحة أمام العديد من القوى الإقليمية والدولية أن ينفذوا إليها وتحولت إلى ساحة للصراع بين تلك القوى نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية فهي تمثل إطلالة على العمق الحيوي الروسي شمالًا والعمق الحيوي الصيني في الجنوب الشرقي، ذلك بالإضافة إلى أهميتها الجيواقتصادية؛ حيث تتواجد موارد النفط والغاز والثروات المعدنية، فمثالًا دولة اوزباكستان ذات الاحتياطيات الكبيرة من خام الفضة والنحاس والذهب فضلًا عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم كما أن السيطرة على ممرات تلك المنطقة يمكن من السيطرة على الممرات البرية والجوية التي تربط بين شبه القارة الهندية وروسيا والصين ونظرًا لتلك الأهمية تسعى العديد من القوى الدولية إلى الهيمنة على المنطقة على رأسها روسيا والصين [149] .

وتعتبر روسيا المنطقة مجالًا حيويًا لها ومنطقة نفوذ تركها لها الاتحاد السوفيتي بعد انهياره لذلك تستهدف الحفاظ على أمن المنطقة من الجماعات الإرهابية واحتمالات نشوب صراعات داخلها وحمايتها من أطماع القوى الخارجية على رأسها الصين والولايات المتحدة الأمريكية [150] وعلى الرغم من التعاون الروسي الصيني في إطار منظمة شنغهاي المعنية بمنطقة آسيا الوسطى خاصة على الجانب الأمني، وذلك لمواجهة محاولات الاختراق الأمريكي لدول المنطقة، إلا أن روسيا لا تزال قلقة بشأن الطموحات الصينية في المنطقة خاصة وأن الصين استغلت المنظمة للتحرك تجاه آسيا الوسطى، [151] حيث تمثل المنطقة أهمية كبرى للصين التي تعاني من أزمة طاقة، إلى جانب الارتفاع المستمر في أسعار النفط والغاز لذلك تتجه للبحث عن بدائل رخيصة وأكثر ثقة وأمان لتلبية احتياجاتها  الطاقوية فوجهت انظارها إلى دول آسيا الوسطى التي تمثل أيضًا سوقًا واسعًا أمام البضائع الصينية ذات الأسعار التنافسية [152] .

ويتضح الخلاف بين الطرفين حيث تختلف توجهات كل دولة تجاه المنطقة عن الأخرى فبينما تسعى الصين إلى تعميق التكامل الاقتصادي وتحقيق أهداف اقتصادية مع دول المنطقة، نجد أن روسيا تسعى إلى جعل دول المنطقة توابع لها ويدورون في فلكها وذلك لتامين مجالها الحيوي، وفي ظل الطموحات الصينية تظل المخاوف الروسية في تزايد وعائق قد يهدد تحالف الدولتين معًا.[153]

وبناءً عليه يتضح مما سبق مدى عمق الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية فهي تستند لدوافع محورية منها: الرغبة المشتركة في القضاء على الهيمنة الأمريكية وإعادة صياغة النسق الدولي، وتنوع المنافع الاقتصادية المتبادلة بينهما، كذلك يجتمعان في مواجهة التهديدات الأمنية والمالية المفروضة من الغرب وقد اثرت تلك الشراكة على ظهور تكتلات جديدة منها (منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل البريكس)، ومحاولات إرساء التعددية القطبية بالنسق الدولي، وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية، والتصدي للعقوبات الاقتصادية الغربية، وبرغم تماسك الشراكة الروسية الصينية وتداعياتها العالمية، إلا انها تواجه عدة تحديات متمثلة في اختلاف أولويات كل طرف، والتنافس بمنطقة أسيا الوسطى.

خلاصة الفصل الثاني:

خلص هذا الفصل إلى أن العلاقات الروسية الصينية مرت بعدة مراحل من التطور التاريخي، اتسمت في بعض الفترات بالتوتر والصراع، وفي فترات أخرى بالتعاون والتقارب، إلا أن التحول الأبرز في هذه العلاقات بدأ مع بداية تسعينيات القرن العشرين، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة تميزت بتنامي التعاون والتنسيق في مختلف المجالات. ففي هذه المرحلة، برزت الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين كركيزة أساسية في السياسة الخارجية لكلا البلدين. وقد سعى الطرفان من خلال هذه الشراكة إلى إعادة صياغة موازين القوى في النظام الدولي، والعمل على إحداث تحول في بنية النسق العالمي السائد، الذي تميز بهيمنة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتضح هذا التحول من خلال تبني كلًا من روسيا والصين لاستراتيجية كبرى قائمة على مجموعة من الأهداف المشتركة، مثل: تحقيق التوازن الاستراتيجي، والحفاظ على المصالح القومية، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وتعزيز النفوذ السياسي والدبلوماسي على الصعيد الدولي. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت الدولة الروسية والدولة الصينية على وسائل متعددة شملت التالي: التنسيق السياسي في المحافل الدولية، وزيادة التعاون العسكري والتقني، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما، وكان هذا التقارب مدفوعًا بمصالح مشتركة تتمثل في مواجهة التحديات التي يفرضها النظام الدولي أحادي القطبية، والعمل على بناء نسق دولي أكثر توازنًا وعدالة، يتسم بتعددية الأقطاب واحترام المصالح المتبادلة للدول.

خاتمة

استهدفت هذه الدراسة التعرف على أثر العلاقات الروسية الصينية على التحول في بنية النسق الدولي، وقد انقسمت هذه الدراسة إلى فصلين، حيث تناول الفصل الأول التعريف بالنسق الدولي ونظريات تحول النسقي، أما الفصل الثاني فقد تتضمن خلفية تاريخية عن العلاقات الروسية الصينية والاستراتيجية الروسية والصينية وأثرها في التحول في بنية النسق الدولي، والتحالف الروسي والصيني وأثره في بنية النسق الدولي، يمكن أن نوجز أهم ما خلصت إليه الدراسة فيما يلي:

أولًا: شهد النسق الدولي تحول من ثنائية القطبية إلى أحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، لكن صعود قوى أخرى مثل: الصين وروسيا؛ أثار تساؤلات حول هذا النظام، ويُنظر إلى النسق الدولي على أنه مجموعة من الوحدات السياسية تتفاعل معًا وتسعى لتحقيق التوازن، على الرغم من عدم وجود اتفاق على تعريفه الدقيق، يُمكن تعريف تحول النسق الدولي على إنها عملية ديناميكية يتغير بها النسق ويعاد تشكيله بحيث ينتقل لحالة توازن جديده من خلال تفاعل بين الدول.

ثانيًا: محاولة التعرف على حقيقة التحالف الروسي الصيني وأثره على بنية النسق في ضوء بعض من النظريات التي تعنى بالتحولات الجارية في النسق الدولي، فقد فسرت نظرية تحول القوة بوصفها للصين وروسيا بأنهما دول قوة غير راضية عن مكانتها في النسق الحالي وتوزيع القوة داخله، وتسعيان معًا إلى تغيير الوضع الراهن، بينما تؤمن نظرية توازن القوى بضرورة توازن توزيع القوة في النسق حتى لا تهيمن دولة واحدة عليه وكان أحد وسائلها لذلك التحالفات لضبط ميزان النسق، حيث يشكل التحالف الروسي الصيني محاولة لإعادة تشكيل بنية النسق وتحقيق التوازن، بينما ارتأت نظرية الهيمنة أن ذلك التحالف قد يخل بحالة الاستقرار التي يشهدها النسق في ظل الهيمنة الأمريكية كما يشكل تحديًا لها بينما أرجعته النظرية البنيوية إلى بنية النسق ذاته، وما تشهده من حالة فوضى تفرض على الدول الكبرى موازنة بعضها البعض في القوة والقدرات لتتمكن من البقاء ولردع أي دولة من الهيمنة على النسق.

ثالثًا: تميزت العلاقات الصينية الروسية بالتقلب عبر الزمن، ما بين التقارب والتحالف تارة، والخلاف والتباعد تارة أخرى، فمن أبرز فترات التوافق كانت الفترة ما بعد انتهاء الحرب الصينية اليابانية وبزوغ جمهورية الصين الشعبية، ومن أبرز وأشد فترات الخلاف هو الخلاف الواقع منذ منتصف الخمسينات والذي استمر لمدة ٣٠ عام، ومن ثم عودة التقارب في أواخر الثمانينات وحتى اليوم.

رابعًا: خلصت كذلك الدراسة إلى أن الاستراتيجية البوتينية الكبرى تتميز عن غيرها من الاستراتيجيات الكبرى للدول الأخرى بمجموعة من الخصائص من أبرزها: إن بوتين يسعى جاهدًا للحفاظ على الأمن القومي الروسي ونظام حكمه السياسي، بالإضافة إلى سعي روسيا لفرض هيمنتها على دول الجوار القريب، وتأكيد مكانتها كقوة قطبية عالمية، وتتميز هذه الاستراتيجية بإصرارها على المشاركة في إدارة المشكلات السياسية والاقتصادية العالمية في مناطق التي تهمها على الساحة الدولية.

خامسًا: خلصت الدراسة خلال تناول الاستراتيجية الصينية، إنها تسعى لتعزيز مكانتها الدولية خلال ما يُعرف باستراتيجية الصعود السلمي، والتي تهدف إلى التخفيف من وطأة الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية، وخلق بنية نسق دولي تعددية، تؤمن خلالها مصالحها وأهدافها المختلفة، وتعتمد الصين في استراتيجيتها على العديد من الأبعاد، كالبعد الاقتصادي والتكنولوجي، والسياسي والتي تتضافر معًا؛ لتمثل عوامل القوة الشاملة الصينية، التي تساعدها بصورة كبيرة في بلوغ مكانة الدول العظمى رغم التحديات الدولية.

سادسًا: يتمثل أثر التحالف الصيني الروسي على بنية النسق الدولي في خمس نقاط رئيسية تتمثل: في صعود التعددية القطبية، والمساهمة في تشكيل تكتلات جديدة، وتقويض فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية، وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية، تعزيز التعاون العسكري في مواجهة الهيمنة الأمريكية.

١) صعود التعددية القطبية: مع الصعود الصيني السلمي التدريجي، ومع استعادة روسيا لمكانتها العالمية، تراجع النفوذ الأمريكي، فلم تعد المهيمن الوحيد على العالم، حيث أصبح النسق الدولي يتسم بتعددية قطبية واضحة.

٢) المساهمة في تشكيل تكتلات جديدة مثل: منظمة شنغهاي للتعاون الذي يسعيان من خلاله إلى تحقيق توازن مع الوجود الغربي في منطقة أوروآسيا، ومثل تكتل البريكس الذي يسعيان من خلاله إلى تغيير ميزان القوى في النسق الدولي والاقتصاد العالمي.

٣) تقويض فعالية العقوبات الاقتصادية الغربية: دعم الصين لروسيا في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها جراء الحرب الأوكرانية، كما تحول التعاملات التجارية بينهما نتيجة لذلك من اليورو والدولار إلى اليوان والروبل (العملات المحلية).

٤) إعادة رسم خريطة التجارة العالمية: لبلوغ نظام تجاري عالمي بديل يقلل فيه الاعتماد على الغرب، عبر مبادرات مثل: مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة طريق الحرير الروسية.

٥) تعزيز التعاون العسكري في مواجهة الهيمنة الأمريكية: عن طريق عقد الجانبين العديد من معاهدات الأمن والدفاع فيما بينهم والمناورات العسكرية التي تعبر عن المعارضة المشتركة ضد نظام الدفاع العالمي الأمريكي، وتسعى لتعزيز التعاون التقني العسكري بينهما.

وإجمالاً خلصت الدراسة إلى أن تطور العلاقات الروسية الصينية وتقارب المصالح بينهما من الممكن أن يؤثر في التحولات في بنية النسق الدولي، خاصةً في ظل تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية منذ الأزمة المالية عام ٢٠٠٨ وحتى العام ٢٠٢٥ مع تولي الرئيس ترامب سدة الحكم مع تولي الرئيس ترامب سدة الحكم وتبني إدارته مجموعة من السياسات التي أثرت على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في مناطق مختلفة من العالم والتغير في التوجهات الأمريكية تجاه عدد من الصراعات القائمة في مناطق مختلفة وبالأخص الحرب الروسية الأوكرانية والصراع في منطقة الشرق الأوسط.

قائمة المراجع:

أولًا: مراجع باللغة العربية:

أ. الكتب:

١. إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات. القاهرة، المكتبة الأكاديمية، الطبعة الأولى، ١٩٩١.

٢. تشاي كون، الحزام والطريق بالأرقام: حقائق وإحصاءات. ترجمة إيمان سعيد، القاهرة، مجموعة بيت الحكمة للثقافة، الطبعة الأولى، ٢٠٢٣.

٣. جورج كاشمان، لماذا تنشب الحروب: مدخل لنظريات الصراع الدولي (الجزء الثاني). ترجمة: أحمد حمدي محمود، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٦.

٤. جيمس دورتي، روبرت بالستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة: وليد عبد الحي. الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، ١٩٨٥.

٥. عاطف معتمد عبد الحميد، استعادة روسيا مكانة القطب الدولي (أزمة الفترة الانتقالية). الدار العربية للعلوم ناشرون، الدوحة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٩.

٦. فواز جرجس، النظام الإقليمي العربي والقوى الكبرى: دراسة في العلاقات العربية – العربية والعربية – الدولية. الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٩٧.

٧. محمد السعيد إدريس، تحليل النظم الإقليمية: دراسة في أصول العلاقات الدولية والإقليمية، الطبعة الأولى، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ٢٠٠١

٨. محمد سرحان علي، مناهج البحث العلمي. الطبعة الثالثة، صنعاء، دار الكتب، ٢٠١٩.

٨. مصطفى الفقي، العلاقات العربية الروسية (رؤى استراتيجية تحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العربية). مكتبة الإسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية، ٢٠٢١.

٩. هبة صادق، القوة الناعمة الصينية. القاهرة، الطبعة الأولى، دار العلا للتوزيع والنشر، ٢٠٢٣.

١٠. وسيم خليل قلعجية، روسيا الأوراسية: زمن الرئيس فلاديمير بوتين، دار بيسان للنشر والتوزيع، دمشق، ٢٠١٦.

ب. الدوريات العلمية:

  1. أحمد رمضان كامل عبد المعطي، توسع حلف شمال الأطلنطي وأثره على الأمن القومي الروسي من ١٩٩١: ٢٠٢٣، المجلة العلمية لكلية التجارة جامعة أسيوط، عدد ٨٢ ، ٢٠٢٤.
  2. أحمد محمد ابراهيم العايدي، الهيمنة ونظرية توازن القوة في محيط العلاقات الدولية، جامعة السويس، كلية السياسة والاقتصاد، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، عدد٢، ٢٠٢٣.
  3. أحمد محمد وهبان، النظرية الواقعية وتحليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى ميرشايمر، جامعة الإسكندرية، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، مجلد١، عدد ٢، يوليو٢٠١٦.
  4. اسلام عصمت السيد، المقومات الطبيعية والبشرية المؤثرة في الهيمنة السياسية للصين، مجلة مركز البحوث الجغرافية والكارتوجرافية، العدد ٣٠، ٢٠٢٠
  5. السيد صدقي عابدين، تصاعد دور الناتو بين القبول والرفض في شرق آسيا، مجلة آفاق استراتيجية، عدد ٩ ، يوليو ٢٠٢٤.
  6. إنجي أحمد عبد الغني، أثر التوافق الصيني الروسي للحد من النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، مجلد ١٤ ، عدد٤ ، ٢٠٢٣.
  7. إيهاب محمد أبو المجد عياد، الإقليمية الجديدة وإعادة توازنات القوى في النظام الدولي، مجموعة البريكس وإعادة الصياغة الجيوستراتيجية، مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، عدد ٢٠، ٢٠٢٣.
  8. حومالك محمد، الصعود الروسي والصيني: قراءة في الأسس النظرية المفسرة وواقع العلاقات الدولية المعاصرة، المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، مجلة شؤون استراتيجية ٢٠٢٤
  9. درية شفيق بسيوني وآخرون، بواعث تشكيل المحور الروسي الصيني لمجابهة الهيمنة الأمريكية، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، مجلد ٣٨، عدد ٣ ،٢٠٢٤
  10. رنا محمد عبد العال، الهيمنة الإقليمية الصينية الناعمة (الآليات والتحديات)، مجلة السياسة والاقتصاد، المجلد ١١، عدد١٠، ٢٠٢٣
  11. ريهام باهي، توسع بريكس وفرص مناورة القوى المتوسطة في ظل تحولات النظام الدولي، مجلة آفاق استراتيجية، عدد ٨، ٢٠٢٣.
  12. زياد يونس حمد الدليمي، التوافق الاقتصادي والسياسي وأثره على العلاقات الروسية الصينية بعد ٢٠٠١، مجلة قضايا آسيوية، عدد ١، ٢٠١٩.
  13. سمر إبراهيم محمد، تأثير تحالف أوكوس على الاستقرار الإقليمي في منطقة بحر الصين الجنوبي، مجلة السياسة والاقتصاد، عدد ٢٥، ٢٠٢٥.
  14. صفاء خليفة محمدين، الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرين: مبادرة الحزام والطريق أنموذجًا ٢٠١٣-٢٠٢١، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، عدد ١٣، ٢٠٢٢.
  15. عادل عنتر على زعلوك، الاستراتيجية الروسية الكبرى في عهد بوتين: دراسة في الدوافع والخصائص والمداخل، مجلة البحوث المالية والتجارية، مجلد ٢٢، العدد ٤، ٢٠٢١.
  16. عادل عنتر علي زعلوك، مداخل دراسة وتحليل بنية النسق الدولي: دراسة تحليلية تقويمية، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، ٢٠١٨
  17. عبد الجبار إسماعيل ابراهيم، السياسة الخارجية منذ حكم الرئيس بوتن: الأهداف والوسائل جامعة بغداد: مجلة حمورابى للدراسات، العدد45، المجلد ٢، 2023.
  18. عمروعبد العاطي، الصعود الصيني والسياسة الأمريكية تجاه منطقة الإندو باسيفيك، المجلة العلمية لكلية الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، المجلد 26، العدد2، 2025.
  19. غزلان محمود عبد العزيز محمد، التقارب العسكري الروسي الصيني واحتمالات التحالف العسكري، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مجلد ٨، عدد ١٥ ، ٢٠٢٣.
  20. فنار عماد خليل، تحولات النظام الدولي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية عام ٢٠٢٢، مجلة قضايا سياسية، عدد ٧٥، ٢٠٢٣
  21. لورد حبش، الهيمنة في العلاقات الدولية: مراجعة للمفهوم في ضوء الحالة الأمريكية، مجلة سياسات عربية، عدد٤٨، ٢٠٢١.
  22. ماجد رضا، محمد عبد العظيم، وآخرون، مقومات قوة الصين، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، المجلد ٣٨، العدد٣، ٢٠٢٤.
  23. مأمون أحمد أبو رعد، تأثير التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين على هيكل النظام الدولي، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مجلد ٨، عدد ١٦، ٢٠٢٣
  24. محمد السعيد إدريس، تحديات الناتو في مواجهة الطموحات الروسية، مجلة آفاق استراتيجية، عدد ٩، ٢٠٢٤
  25. محمد السيد سليم، التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الروسية، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام، القاهرة، عدد 170 ،2007
  26. محمد حامد سيد جاد الحق، ردود فعل دول جنوب آسيا تجاه الاستراتيجية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي: الفلبين وفيتنام نموذجًا، المجلة العلمية لكلية التجارة جامعة أسيوط، عدد ٧٨، ٢٠٢٣
  27. محمد فوزي حسن، مشروع طريق المريديان السريع (طريق الحرير الروسي)، مجلة آفاق آسيوية، عدد ١٥، ٢٠٢٤
  28. محمد مطاوع، طريق الحرير الجديد في الاستراتيجية الصينية: الأهداف الكبرى والوزن الاستراتيجي والتحديات، مجلة سياسات عربية ، عدد ٤٦ ، ٢٠٢٠
  29. مروة خليل محمد، “الاقتصاد السياسي الدولي وتفسير تنامي وتراجع القوى الكبرى”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد ١٩، ٢٠٢٣
  30. مروة خليل محمد، مفهوم الهيمنة في نظريات العلاقات الدولية، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، ٢٠٢٠
  31. منار عبد الغني عبد الغني، نظريات تحول القوة واحتمالات الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، مجلة البحوث المالية والتجارية، العدد ٤، ٢٠٢٠
  32. وئام السيد عثمان، الصراع على قيادة النظام الدولي: الصعود الصيني أحادي القطبية بعد جائحة كورونا.. رؤية مستقبلية، مجلة السياسة الدولية، مجلد ٥٥، العدد٢٢٢، ٢٠٢٢
  33. وليد عبد الفتاح السيد صالح، الصراع الصيني الأمريكي تجاه بحر الصين الجنوبي، حوليات آداب عين شمس، مجلد ٥٢، عدد يناير، ٢٠٢٤

ج- الرسائل العلمية:

  1. إنجي إبراهيم عبد المجيد حسن، المنطلقات الأيدولوجية للسياسة الخارجية الصينية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، رسالة ماجستير ٢٠٢٤.
  2. تسنيم محمد، العلاقات الروسية الصينية بين دوافع التنافس ومقتضيات التعاون منذ مطلع الألفية الثالثة، رسالة ماجستير، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٤.
  3. زينة علي محمود، تأثير الصعود الصيني على طبيعة النظام الدولي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، الجامعة اللبنانية، ٢٠٢١.
  4. عادل عنتر علي زعلوك، التأثيرات المتبادلة بين بيئة النسق الدولي والسياسات الخارجية للدول دراسة حالة: السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة ١٩٤٩:٢٠١٧، رسالة دكتوراه، جامعة الإسكندرية، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، ٢٠١٩.
  5. عارف عبد اللطيف إبراهيم مكاوي، التنافس الدولي في آسيا الوسطى: الصين وروسيا الفترة من ٢٠٠١ حتى ٢٠١٨، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات والبحوث الآسيوية، جامعة الزقازيق، ٢٠٢٢.
  6. نردين حسن الميمي، الاستراتيجية الروسية في ظل نظام أحادي القطبية (الثوابت والمتغيرات)، رسالة ماجستير، جامعه بيرزيت، ٢٠١٠

د.المصادر الإلكترونية:

  1. رامز صلاح الشيشي، ميرنا محمد مطر، التحالفات الدولية الجديدة وانتقال القوة في النظام الدولي: من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، المركز الديموقراطي العربي، ٢يناير٢٠٢٤، شوهد في ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع

https://shorturl.at/i4saz

  1. رحاب وائل السيد، نظرية النظم ل ديفيد إيستون وحالة تطبيقية الواقع الأفريقي، المركز الديموقراطي العربي، ٥ أغسطس ٢٠٢١، شوهد آخر مرة في ٢٨ أبريل ٢٠٢٥

https://democraticac.de/?p=76543

  1. سامي السلامي، أي مستقبل للدور الأمريكي في آسيا الوسطى، مجلة السياسة الدولية، ٢٠١٥ شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع،

https://www.siyassa.org.eg/News/7568.aspx

  1. عمران طه عبد الرحمن، العلاقات الصينية الروسية تحالف مؤقت أم استراتيجي دائم، الأهرام إبدو، يناير ٢٠٢٥ ، شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الرابط

https://www.siyassa.org.eg/News/21942.aspx

  1. محمد عثمان، العوامل المحددة لمسار العلاقات الروسية الصينية المستقبلية، مجلة السياسة الدولية،٢٩ أغسطس ٢٠٢٢، شوهد في ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع

https://shorturl.at/0Kjg5

  1. محمد نبيل الغريب، سيناريوهات صراع النفوذ والتصادم الصيني الأمريكي في تايوان، مجلة السياسة الدولية، ٢٠٢٢، شوهد في ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع

https://shorturl.at/if0Cz

  1. مستقبل التنافس الدولي في آسيا الوسطى في ظل تحركات واشنطن، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أكتوبر ٢٠٢٣ ، شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع

https://shorturl.at/t5xh9

ثانيًا: مراجع باللغات الأجنبية:

  1. Books:
    1. Chufrin, Gennady, Russia and Asia: The Emerging Security Agenda, (New York: Oxford University Press, 1999)
    2. Cyril c.Black, “The Pattern Of Russian Objectives’ In Russian Foreign POLICE:Essays In Historical Perspective, Ivo Lederer(Ed), Yale UNIversity Press, New Haven, 1962.
    3. Garver, John W., Chinese-Soviet Relations 1937–1945, The Diplomacy of Chinese Nationalism (New York: Oxford University Press, 1988)
    4. Stuart Harries, China’s Foreign Policy. Polity Press, United Kingdom, 2014.
    5. Rousseau, Jean Jacques, translated by: Vaughan, (1917), A Lasting Peace Through the Federation of Europe
    6. Shen, Zhihua, A Short History of Sino-Soviet Relations, 1917–1991, trans. Yafeng Xia, Hongshan Li, and Xiaohong Liu (Singapore: Palgrave Macmillan, 2020)
    7. Snow, Philip, China and Russia: Four Centuries of Conflict and Concord (New Haven and London: Yale University Press, 2023)
    8. Waltz, K.; Theory of International Politics (McGraw, Hill, New York, 1979)
  2. Journal Article (in an Academic Journal):
  3. DOV LYNCH,RUSSIA’Strateegic Partnership WithEurope,The Washington Qurarterly,Spring 2004,Institute for Security Studies,P.155
  4. Fardella, Enrico, “When History Rhymes: China’s Relations with Russia and the War in Ukraine”, Asia Maior, Vol. XXXIV, (2023)
  5. ibakova Elina , china – Russia cooperation: economic linkages and sanctions evasion, journal of intereconomics , Vol.60 , No.2 , (2025) .
  6. Wishnick Elizabeth, the sino Russian partnership cooperation without coordination, journal of china leadership monitor , issue. 83 , (2025)
  7. Theses and Dissertations:
  8. Formánková, Michaela, Rusko-čínské vztahy na přelomu 20. A 21. Století (master’s thesis, Vysoká škola ekonomická v Praze, Fakulta mezinárodních vztahů, 2007)
  9. Zana Dilshad Hassan,Russia’s National Security Determinants Under The New Interntionnal Changes,Master ‘S Thesis, Near East University, Nicosia, 2021

 

  1. Electronic Sources:
  2. Bill Gertz, “China rapidly building up space warfare might, U.S. intel report says”, The Washington Times, 2025, Accessed April 2025, [https://www.washingtontimes.com/news/2025/mar/19/inside-ring-china-rapidly-building-space-warfare-might-us-intel/](https://www.washingtontimes.com/news/2025/mar/19/inside-ring-china-rapidly-building-space-warfare-might-us-intel/)
  3. C. Martin Wilbur, Benjamin Elman, “China,” Encyclopedia Britannica, 2025, Accessed April 2025, [https://www.britannica.com/place/China](https://www.britannica.com/place/China)
  4. Center for Strategic and International Studies. Significant Cyber Incidents. Strategic Technologies Program, 2025, Accessed April 2025, [https://www.csis.org/programs/strategic-technologies-program/significant-cyber-incidents](https://www.csis.org/programs/strategic-technologies-program/significant-cyber-incidents).
  5. Ethan Teekah, “Shanghai Cooperation Organization,” Encyclopaedia Britannica, last modified April 2024, available at https://shorturl.at/0nBJS last accessed 30 April 2025
  6. Helen Davidson, “ China launches surprise military drills around Taiwan”, The Guardian, 2025,Accessed April 2025, [https://www.google.com/search?q=https://www.theguardian.com/world/world/2025/apr/01/china-launches-surprise-military-drills-around-taiwan](https://www.google.com/search?q=https://www.theguardian.com/world/world/2025/apr/01/china-launches-surprise-military-drills-around-taiwan)
  7. Ingmar oldberg.Russia’s great power strategy under Putin and Medvedev, utrikes politiska institatet,Swedisb institute of international affairs,N1,2010,p,17 available at:www.ui.se.
  8. James McBride, Noah Berman, “China’s Massive Belt and Road Initiative”, Council on Foreign Relations, 2023, Accessed April 2025, [https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative](https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative)
  9. Jenny Li,” China under Xi Jinping”, Journal Of International Affairs (Colombia University), 2022, Accessed April 2025, [https://jia.sipa.columbia.edu/content/china-under-xi-jinping#!#\_ftn29](https://jia.sipa.columbia.edu/content/china-under-xi-jinping#!#_ftn29)
  10. Lin Congyi, “China-Cambodia joint logistics, training center officially launched” ,China Military 2025, Accessed April 2025, [http://eng.chinamil.com.cn/CHINA\_209163/TopStories\_209189/16379012.html](http://eng.chinamil.com.cn/CHINA_209163/TopStories_209189/16379012.html)
  11. Manoj Joshi, “China’s technological ascent: Surpassing Western institutions”, OBSERVER RESEARCH FOUNDATION, 2025, Accessed April 2025, [https://www.orfonline.org/expert-speak/china-s-technological-ascent-surpassing-western-institutions](https://www.orfonline.org/expert-speak/china-s-technological-ascent-surpassing-western-institutions)
  12. Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China. “China Proposes No First Use of Nuclear Weapons Initiative.”, Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, July 23, 2024, Accessed April 2025, [https://www.mfa.gov.cn/eng/xw/wjbxw/202407/t20240723\_11458632.html](https://www.mfa.gov.cn/eng/xw/wjbxw/202407/t20240723_11458632.html).
  13. Mikael Wigell and Antto Vihma, Future Scenarios of Russia-China Relations: Not Great, Not Terrible (Stockholm: Swedish Centre for Eastern European Studies, December 2023), available at https://shorturl.at/8nxHl, last accessed 28 April 2025
  14. Payton Morlock, “Kingdom in the Middle: China as an international Mediator”, China Focus, 2024, Accessed April 2025, [https://chinafocus.ucsd.edu/2024/08/15/kingdom-in-the-middle-china-as-an-international-mediator-2024-china-focus-essay-contest-runner-up/](https://chinafocus.ucsd.edu/2024/08/15/kingdom-in-the-middle-china-as-an-international-mediator-2024-china-focus-essay-contest-runner-up/)
  15. Peter Martin, “Understanding Chinese “ Wolf Warrior Diplomacy””, THE NATIONAL BUREAU OF ASIAN RESEARCHER,2021, Accessed April 2025, [https://www.nbr.org/publication/understanding-chinese-wolf-warrior-diplomacy/](https://www.nbr.org/publication/understanding-chinese-wolf-warrior-diplomacy/)
  16. Sarah Aslam, “The Shanghai Cooperation Organisation: A Rising Counterweight to Western Influence,” Modern Diplomacy, available at https://shorturl.at/P8Q88 Last accessed 30 April 2025
  17. Sergey, Lavrov, “Russia and China: Partnership and friendship forged by time”, The Ministry of Foreign Affairs of the Russian Federation, 2024, accessed on 10 April 2025, available at https://mid.ru/en/foreign_policy/news/1973750/
  18. Snow, Philip, “China and Russia’s Long Dance”, Project Syndicate, 2023, accessed on 12 April 2025, available at https://www.project-syndicate.org/onpoint/china-russia-relations-history-lessons-for-present-and-future-by-philip-snow-2023-04
  19. World Bank. “China Overview.”, 2024, Accessed April 2025, [https://www.worldbank.org/en/country/china/overview](https://www.worldbank.org/en/country/china/overview).

[1] أحمد أبو الطيب، “العلاقات الروسية-الصينية وأبعادها الدولية والإقليمية” ،Research Gate،

https://shorturl.at/HL9C4

١محمد سرحان علي، مناهج البحث العلمي. الطبعة الثالثة، صنعاء، دار الكتب، ٢٠١٩، ص١٣،١٢

[3] إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسات في الأصول والنظريات. القاهرة، المكتبة الاكاديمية، ١٩٩١، ص ٢٢-٢٤.

٣ المرجع السابق، ص ٢٦-٣٠.

[5] جورج كاشمان، لماذا تنشب الحروب: مدخل لنظريات الصراع الدولي (الجزء الثاني). ترجمة: أحمد حمدي محمود، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،١٩٩٦، ص107.

[6]  المرجع السابق، ص108.

[7] Rousseau, Jean Jacques, A Lasting Peace Through the Federation of Europe, translated by: Vaughan, 1917, pp 78-79.

 

[8]  جورج كاشمان، مرجع سبق ذكره، ص110-١١١

[9] محمد السعيد إدريس، تحليل النظم الإقليمية دراسة في أصول العلاقات الدولية والإقليمية. ط1، القاهرة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام،٢٠٠١ ص16-١٧

[10]  فواز جرجس، النظام الإقليمي العربي والقوى الكبرى: دراسة في العلاقات العربية – العربية والعربية الدولية. ط1، بيروت، لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٩٧ ص22.

[11] جيمس دورتي، بالستغراف وآخرون، النظريات المتضارية في العلاقات الدولية. ترجمة: وليد عبد الحي ط1، بيروت، لبنان، كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، ١٩٨٥، ص113.

[12]K.Waltz, Theory of International Politics (McGraw, Hill, New York, 1979), p100-101.

[13] Ibid., 88-98

[14] جيمس دورتي، بالستغراف، روبرت، مرجع سبق ذكره، ص99.

[15] المرجع السابق، ص115

[16] عادل عنتر علي زعلوك، مداخل دراسة وتحليل بنية النسق الدولي: دراسة تحليلة تقويمية، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مجلد ٣، عدد ٦،  ٢٠١٨ ، ص١٩٤.

[17] رحاب وائل السيد، نظرية النظم لديفيد إيستون وحالة تطبيقية الواقع الأفريقي، المركز الديموقراطي العربي، ٢٠٢١ ، شوهد في ٢٧ إبريل ٢٠٢٥ على الموقع، . https://democraticac.de/?p=76543

[18] إسماعيل صبري مقلد، مرجع سبق ذكره، ص٢٦٦،٢٦٥

[19] عمرو عبد العاطي، الصعود الصيني والسياسة الأمريكية تجاه منطقة الإندو باسيفيك، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، المجلد 26، العدد2,ابريل 202٥، ص٣١١،٣١٠

[20] منار عبد الغني عبد الغني، نظريات تحول القوة واحتمالات الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، مجلة البحوث المالية والتجارية، العدد٤ ، ٢٠٢٢، ص٩٥

[21] حومالك محمد، الصعود الروسي الصيني: قراءة في الأسس النظرية المفسرة وواقع العلاقات الدولية المعاصرة، المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، مجلة شئون استراتيجية، عدد ١٦، مارس ٢٠٢٤، ص١٣٠

[22] أحمد محمد ابراهيم العايدي، الهيمنة ونظرية توازن القوة في محيط العلاقات الدولية، جامعة السويس، كلية السياسة والاقتصاد، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية، عدد٢، ٢٠٢٣، ص ٧٥

[23] مروة خليل، مفهوم الهيمنة في نظريات العلاقات الدولية، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، مجلد ٥، عدد ٩ ٢٠٢٠، ص٨١.

[24] المرجع السابق، ص٨٩.

[25] أحمد محمد ابراهيم العايدي، مرجع سبق ذكره، ص٧٩،٧٨

[26] درية شفيق بسيوني وآخرون ، بواعث تشكيل المحور الروسي الصيني لمجابهة الهيمنة الأمريكية، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، مجلد ٣٨، عدد ٣، ٢٠٢٤، ص ١٠٦٠،١٠٥٨

[27] مروة خليل، مفهوم الهيمنة في نظريات العلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره، ص ١١١

[28] لورد حبش، الهيمنة في العلاقات الدولية: مراجعة للمفهوم في ضوء الحالة الأمريكية، مجلة سياسات عربية، عدد٤٨، يناير ٢٠٢١، ص٢٥

[29] مروة خليل، مفهوم الهيمنة في نظريات العلاقات الدولية، مرجع سبق ذكره، ص١١٧-١٢٠

[30] مأمون أحمد أبو الرعد، تأثير التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين على هيكل النظام الدولي، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، المجلد ٨، عدد ١٦، يوليو ٢٠٢٣، ص١٩٩،١٩٨.

[31] عادل عنتر علي زعلوك، التأثيرات المتبادلة بين بيئة النسق الدولي والسياسات الخارجية للدول دراسة حالة: السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة ١٩٤٩:٢٠١٧، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠١٩، ص٢٧٧.

[32] المرجع السابق، ص٢٧٨

[33] أحمد محمد وهبان، النظرية الواقعية وتحليل السياسة الدولية من مورجنثاو إلى ميرشايمر، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مجلد١، عدد ٢، ٢٠١٦، ص ٢٥،٢٢.

[34] حومالك محمد، مرجع سبق ذكره، ص١٢٩.

[35] Formánková, Michaela, Rusko-čínské vztahy na přelomu 20. A 21. Století (master’s thesis, Vysoká škola ekonomická v Praze, Fakulta mezinárodních vztahů, 2007), p. 5.

[36] Shen, Zhihua, A Short History of Sino-Soviet Relations, 1917–1991, trans. Yafeng Xia, Hongshan Li, and Xiaohong Liu (Singapore: Palgrave Macmillan, 2020), p. 3-5.

[37] Formánková, Michaela, Op. Cit, p. 5-6.

[38] Snow, Philip, “China and Russia’s Long Dance”, Project Syndicate, 2023, accessed on 10 April 2025, available at https://www.project-syndicate.org/onpoint/china-russia-relations-history-lessons-for-present-and-future-by-philip-snow-2023-04

[39] Garver, John W., Chinese-Soviet Relations 1937–1945, The Diplomacy of Chinese Nationalism (New York: Oxford University Press, 1988), p.177.

[40] Shen, Zhihua, Op. Cit, p.2.

[41] Formánková, Michaela, Op. Cit, p.7.

[42] Paramonov, Vladimir and Strokov, Aleksey, Russian-Chinese Relations: Past, Present & Future, (Swindon: Conflict Studies Research Centre, Defence Academy of the United Kingdom, 2006), p. 3.

[43] Engman, Mats, Nhan, Zack, and Jalmerud, Tove, Sino-Russian Relations: From Where – To Where (Stockholm: Institute for Security and Development Policy, 2024), p.9-14.

[44] Snow, Philip, China and Russia: Four Centuries of Conflict and Concord (New Haven and London: Yale University Press, 2023), p. 448-450

[45] Formánková, Michaela, Op. Cit, p.12-13.

[46] Engman, Mats, Nhan, Zack, and Jalmerud, Tove, Op. Cit, p. 17-18.

[47] Formánková, Michaela, Op. Cit, p.15.

[48] Chufrin, Gennady, Russia and Asia: The Emerging Security Agenda, (New York: Oxford University Press, 1999), p. 289-291.

[49] Paramonov, Vladimir and Strokov, Aleksey, Op. Cit, p.6-8.

[50] Fardella, Enrico, “When History Rhymes: China’s Relations with Russia and the War in Ukraine”, Asia Maior, Vol. XXXIV, (2023), p.413.

[51] Snow, Philip, China and Russia: Four Centuries of Conflict and Concord, Op. Cit, p.504-507.

[52] Fardella, Enrico, Op. Cit, p. 413-422.

[53] Sergey, Lavrov, “Russia and China: Partnership and friendship forged by time”, The Ministry of Foreign Affairs of the Russian Federation, 2024, accessed on 13 April 2025, available at https://mid.ru/en/foreign_policy/news/1973750/

[54] إنجي إبراهيم عبد المجيد، المنطلقات الايديولوجية للسياسة الخارجية الصينية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية و العلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٤، ص٧٧-٩٣

[55] محمد أحمد مرسي، “تأث

ير مستوى التعاون الصيني-العربي في تفعيل الشراكات المستقبلية بين الطرفين”، السياسة الدولية، المجلد ٥٩، العدد ٢٣٨، ص ١٠٣

[56] تسنيم محمد متولي، العلاقات الروسية الصينية بين دوافع التنافس ومقتضيات التعاون منذ مطلع الألفية الثالثة، رسالة ماجستير، كلية الدراسات الاقتصادية و العلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، ٢٠٢٤، ص٨٤-٨٦

[57] إنجي إبراهيم عبد المجيد، مرجع سبق ذكره، ص١٤١،١٤٣

[58] عادل عنتر زعلوك، التأثيرات التبادلية بين بنية النسق الدولي والسياسات الخارجية للدول “دراسة حالة السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة (١٩٤٩-٢٠١٧)”، مرجع سبق ذكره ، ص ١٦٩-١٧٠

[59] Jenny Li,” China under Xi Jinping”,  Journal Of International Affairs (Colombia University), 2022, Accessed April 2025, https://jia.sipa.columbia.edu/content/china-under-xi-jinping#!#_ftn29

[60] عادل عنتر زعلوك، التأثيرات التبادلية بين بنية النسق الدولي والسياسات الخارجية للدول “دراسة حالة السياسة الخارجية الصينية خلال الفترة (١٩٤٩-٢٠١٧)”، مرجع سبق ذكره، ص٢٤٣،٢٤٤

[61] اسلام عصمت السيد، المقومات الطبيعية والبشرية المؤثرة في الهيمنة السياسية للصين، مجلة مركز البحوث الجغرافية والكارتوجرافية، العدد ٣٠، ٢٠٢٠، ص ١٩٩.

[62] C. Martin Wilbur, Benjamin Elman, “China,” Encyclopedia Britannica, 2025, Accessed April  2025, https://www.britannica.com/place/China.

[63] آمنة ميعوات، “أسس واستراتيجيات الأمن النفطي الصيني في منطقة الشرق الأوسط”، المركز الديمقراطي العربي، ٢٠١٦، تم الوصول إليه في إبريل ٢٠٢٥، https://www.democraticac.de/?p=39354

[64] تسنيم محمد متولي، مرجع سبق ذكره. ص١٠١

[65] Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China. “China Proposes No First Use of Nuclear Weapons Initiative.”, Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, July 23, 2024, Accessed April 2025, https://www.mfa.gov.cn/eng/xw/wjbxw/202407/t20240723_11458632.html.

[66] Stuart Harries, China’s Foreign Policy. Polity Press, United Kingdom, 2014.

[67]  Bill Gertz, “China rapidly building up space warfare might, U.S. intel report says”, The Washington Times, 2025, Accessed April 2025, https://www.washingtontimes.com/news/2025/mar/19/inside-ring-china-rapidly-building-space-warfare-might-us-intel/

[68] Center for Strategic and International Studies. Significant Cyber Incidents. Strategic Technologies Program, 2025, Accessed April 2025, https://www.csis.org/programs/strategic-technologies-program/significant-cyber-incidents.

[69] Lin Congyi, “China-Cambodia joint logistics, training center officially launched” ,China Military 2025, Accessed April 2025, http://eng.chinamil.com.cn/CHINA_209163/TopStories_209189/16379012.html

[70] عادل عنتر زعلوك، مرجع سبق ذكره، ص٢٤١

[71] Helen Davidson, ” China launches surprise military drills around Taiwan”, The Guardian, 2025,Accessed April 2025, https://www.theguardian.com/world/2025/apr/01/china-launches-surprise-military-drills-around-taiwan

[72] World Bank. “China Overview.”, 2024, Accessed April 2025, https://www.worldbank.org/en/country/china/overview.

[73] مروة خليل محمد، “الاقتصاد السياسي الدولي وتفسير تنامي وتراجع القوى الكبرى”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد ١٩، ٢٠٢٣، ص١٦٦-١٦٤

[74] تشاي كون، ترجمة إيمان سعيد، الحزام والطريق بالأرقام حقائق وإحصاءات.القاهرة، مجموعة بيت الحكمة للثقافة، الطبعة الاولى، ٢٠٢٣،ص١٩-١٢٠

[75] James McBride, Noah Berman, “China’s Massive Belt and Road Initiative”, Council on Foreign Relations, 2023, Accessed April 2025, https://www.cfr.org/backgrounder/chinas-massive-belt-and-road-initiative

[76] هبة صادق، القوة الناعمة الصينية. القاهرة: دار العلا للتوزيع والنشر،٢٠٢٣، ص١٤٩-١٥١

[77] إنجي إبراهيم عبد المجيد، مرجع سبق ذكره، ص١٤٣

[78] ماجد رضا، محمد عبد العظيم، وآخرون، مقومات قوة الصين، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، المجلد ٣٨، العدد٣، ٢٠٢٤،ص١٠٣٨

[79] هبة صادق، مرجع سبق ذكره، ص١٥٨

[80] رنا محمد عبد العال، الهيمنة الإقليمية الصينية الناعمة (الآليات والتحديات)، مجلة السياسة والاقتصاد، المجلد ١١، عدد١٠، ص٢٦٠

[81] Manoj Joshi, “China’s technological ascent: Surpassing Western institutions”, OBSERVER RESEARCH FOUNDATION, 2025, Accessed April 2025, https://www.orfonline.org/expert-speak/china-s-technological-ascent-surpassing-western-institutions

[82] زينة علي محمود، تأثير الصعود الصيني على طبيعة النظام الدولي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، الجامعة اللبنانية ،٢٠٢١، ص٨٠،٧٣

[83] Payton Morlock, “Kingdom in the Middle: China as an international Mediator”, China Focus, 2024, Accessed April 2025, https://chinafocus.ucsd.edu/2024/08/15/kingdom-in-the-middle-china-as-an-international-mediator-2024-china-focus-essay-contest-runner-up/

[84]  Peter Martin, “Understanding Chinese ” Wolf Warrior Diplomacy””, THE NATIONAL BUREAU OF ASIAN RESEARCHER,2021, Accessed April 2025, https://www.nbr.org/publication/understanding-chinese-wolf-warrior-diplomacy/

[85] محمد السيد سليم ، التحولات الكبرى في السياسة الخارجية الروسية ، السياسة الدولية ، عدد  ١٧٠ ،٢٠٠٧، ص ٤٠، ٤١

[86] DOV LYNCH,RUSSIA’s Strategic Partnership With Europe ,The Washington Quarterly, Spring 2004,Institute for Security Studies,P.155

[87] Cyril c.Black, “The Pattern Of Russian Objectives’ In Russian Foreign POLICE: Essays In Historical Perspective”, Ivo Lederer(Ed), Yale University Press, New Haven, 1962,PP,30:38

[88] Ingmar oldberg. Russia’s great power strategy under Putin and Medvedev, utrikes politiska institatet,Swedisb institute of international affairs,N1,2010,p,17.

[89] عادل عنتر زعلوك، الاستراتيجية الروسية الكبرى في عهد بوتن: دراسة في الدوافع والخصائص والمداخل، مجلة البحوث المالية والتجارية –  جامعة بور سعيد : كلية التجارة، لقاهره ، مجلد٢٢، العدد ٤، ٢٠٢١ ،ص ٣٣١ .

[90] محمد السيد سليم، مرجع سبق ذكره ،ص 44

[91] Andrew Radin and Clind Reach, Russian Views of the International Order .RAND,Corponation,Santa Monica,Calif,2017,Pp,9-12

[92] عاطف معتمد عبدالحميد، استعادة روسيا مكانة القطب الدولي (أزمة الفترة الانتقالية ). الدار العربية للعلوم ناشرون، الدوحة،  الطبعة الأولى،2009  ص٢١

[93] المرجع السابق، ص٢١

[94] Andrew Radin and Clind Reach, Op.Cit, p.9-12

[95] مصطفى الفقي، العلاقات العربية الروسية (رؤى استراتيجية تحليليه حول الدور الروسي في المنطقة العربية)، مكتبة الاسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية،٢٠٢١،ص ٣٩

[96] عادل عنتر زغلوك، الاستراتيجية الروسية: دراسة في الدوافع والخصائص والمداخل، مرجع سبق ذكره، ص٣٤٥

[97] عادل عنتر زغلوك، الاستراتيجية الروسية: دراسة في الدوافع والخصائص والمداخل، مرجع سبق ذكره، ص٣٤٦

[98] مصطفى صلاح، اتجاهات تصعيديه؛ العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية ، المركز العربي للبحوث والدراسات ، 23 أبريل2025

http://www.acrseg.org/43148

[99] – عبد الجبار اسماعيل ابراهيم، السياسة الخارجية منذ حكم الرئيس بوتن: لأهداف والوسائل، جامعة بغداد: مجلة حمورابي للدراسات، العدد45، المجلد ٢، السنة الثانية عشرة، ربيع 2023، ص٨-١٠.

[100] عبد الجبار اسماعيل إبراهيم، السياسة الخارجية منذ حكم الرئيس بوتن: الأهداف والوسائل ، مرجع سبق ذكره

[101] باييف ، القوة العسكرية وسياسة الطاقة : بوتين والبحث عن العظمة الروسية. (الإمارات العربية المتحدة : مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية) ،2010، ص١٤٥.

[102] لمى مطر الاماره، الاستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية. (بيروت :مركز الدراسات ،الوحدة العربية ، ٢٠٠٩ ) ص١٤٨ .

[103] عمران طه عبد الرحمن ، العلاقات الصينية الروسية تحالف مؤقت أم استراتيجي دائم ، مجلة السياسة الدولية ، ٢٠٢٥ ، شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الرابط https://www.siyassa.org.eg/News/21942.aspx

[104] غزلان محمود  عبد العزيز محمد ، التقارب العسكري الروسي الصيني واحتمالات التحالف العسكري ، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، مجلد٨، عدد ١٥، ( يناير ٢٠٢٣) ، ص: ٣٩.

[105] زياد يونس حمد الدليمي ، التوافق الاقتصادي والسياسي  وأثره على العلاقات الروسية الصينية بعد ٢٠٠١ ، مجلة قضايا آسيوية ، عدد ١ ، (يوليو ٢٠١٩) ، ص:١٠٠.

[106] غزلان محمود عبد العزيز محمد ، مرجع سبق ذكره ، ص: ٤١-٤٢.

[107] Wishnick Elizabeth, the sino Russian partnership cooperation without coordination, journal of china leadership monitor , No. 83 , (2025) , p.10.

[108] مأمون أحمد أبو رعد ، مرجع سبق ذكره ، ص:١٩٦.

[109] وليد عبد الفتاح السيد صالح، الصراع الصيني الأمريكي تجاه بحر الصين الجنوبي، حوليات آداب عين شمس، مجلد ٥٢، عدد يناير، (مارس ٢٠٢٤ ) ، ص:١٠٠.

[110] محمد حامد سيد جاد الحق، ردود فعل دول جنوب آسيا تجاه الاستراتيجية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي: الفلبين وفيتنام نموذجًا، المجلة العلمية لكلية التجارة جامعة أسيوط، عدد ٧٨، ( يونيو ٢٠٢٣)، ص: ٢٥٩ـ٢٦٠.

[111]  سمر إبراهيم محمد، تأثير تحالف أوكوس على الاستقرار الإقليمي في منطقة بحر الصين الجنوبي، مجلة السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، عدد ٢٥، (يناير ٢٠٢٥ )، ص:٣٠٤.

[112] سمر إبراهيم محمد، مرجع سبق ذكره ، ص: ٣١٥.

[113] سامي السلامي، أي مستقبل للدور الأمريكي في آسيا الوسطى، مجلة السياسة الدولية ، ٢٠١٥، شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع https://www.siyassa.org.eg/News/7568.aspx

[114] مستقبل التنافس الدولي في آسيا الوسطى في ظل تحركات واشنطن، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أكتوبر ٢٠٢٣، شوهد في ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع https://shorturl.at/t5xh9

[115] إنجي أحمد عبد الغني، أثر التوافق الصيني الروسي للحد من النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية ، مجلد ١٤، عدد٤ ، ( أكتوبر ٢٠٢٣) ، ص:٣٩.

[116] أحمد رمضان كامل عبد المعطي ، توسع حلف شمال الأطلنطي واثره على الامن القومي الروسي من ١٩٩١ : ٢٠٢٣ ، المجلة العلمية لكلية التجارة جامعة أسيوط ، عدد ٨٢ ، ( ديسمبر ٢٠٢٤) ، ص:٢٨.

[117] المرجع السابق، ص:٣٦.

[118] محمد السعيد إدريس ، تحديات الناتو في مواجهة الطموحات الروسية، مجلة آفاق استراتيجية، عدد ٩، ( يوليو ٢٠٢٤ )، ص: ١٣.

[119] السيد صدقي عابدين، تصاعد دور الناتو بين القبول والرفض في شرق آسيا، مجلة آفاق استراتيجية، عدد ٩، (يوليو ٢٠٢٤ )، ص٢٢،٢٣.

[120]  محمد عثمان، العوامل المحددة لمسار العلاقات الروسية الصينية المستقبلية، مجلة السياسة الدولية، ٢٩ اغسطس٢٠٢٢، شوهد في ٢٨ ابريل٢٠٢٥ على الموقع https://shorturl.at/0Kjg5

[121]محمد عثمان، مرجع سبق ذكره.

[122] عادل عنتر على زعلوك، الاستراتيجية الروسية الكبرى في عهد بوتين: دراسة في الدوافع والخصائص والمداخل، مرجع سبق ذكره، ص٣٣١

[123] وئام السيد عثمان، الصراع على قيادة النظام الدولي،: الصعود الصيني أحادي القطبية بعد جائحة كورونا..رؤية مستقبلية، مجلة السياسة الدولية، مجلد ٥٥، العدد٢٢٢، اكتوبر٢٠٢، ص٢٨

[124] محمد عثمان، مرجع سبق ذكره

[125] محمد نبيل الغريب، سيناريوهات صراع النفوذ والتصادم الصيني الأمريكي في تايوان، مجلة السياسة الدولية، شوهد في ٢٨ابريل٢٠٢٥ على الموقع https://shorturl.at/if0Cz

[126] وسيم خليل قلعجية، روسيا الأوراسية: زمن الرئيس فلاديمير بوتين. دار بيسان للنشروالتوزيع، دمشق ، ٢٠١٦، ص: ٤٢-٤٥.

[127] رامز صلاح الشيشي، ميرنا محمد مطر، التحالفات الدولية الجديدة وانتقال القوة في النظام الدولي: من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، المركز الديموقراطي العربي، ٢يناير٢٠٢٤ ، شوهد في ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ على الموقع https://shorturl.at/i4saz

[128] مأمون أحمد أبو رعد، مرجع سبق ذكره ، ص٢١١-٢١٢.

[129] مأمون أحمد أبورعد، مرجع سبق ذكره.

 

[130] Sarah Aslam, “The Shanghai Cooperation Organisation: A Rising Counterweight to Western Influence,” Modern Diplomacy, available at https://shorturl.at/P8Q88  Last accessed 30 April 2025

[131] Ethan Teekah, “Shanghai Cooperation Organization,” Encyclopaedia Britannica, last modified April 2024, available at https://shorturl.at/0nBJS last accessed 30 April 2025

[132] إيهاب محمد أبو المجد عياد ، الإقليمية الجديدة وإعادة توازنات القوى في النظام الدولي ، مجموعة البريكس وإعادة الصياغة الجيوستراتيجية ، مجلة كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، عدد ٢٠ ، (أكتوبر ٢٠٢٣) ، ص: ٨٣.

[133] المرجع السابق ، ص:٨٥.

[134] ريهام باهي ، توسع بريكس وفرص مناورة القوى المتوسطة في ظل تحولات النظام الدولي ، مجلة آفاق استراتيجية ، عدد ٨ ، ( ديسمبر ٢٠٢٣) ، ص:١٥.

[135] إيهاب محمد أبو المجد عياد ، مرجع سبق ذكره ، ص:٨٩.

[136] Ribakova Elina , china – Russia cooperation: economic linkages and sanctions evasion, journal of intereconomics , Vol.60 , No.2 , (2025) , p.135-136.

[137] درية شفيق بسيوني وآخرون ، مرجع سبق ذكره، ص: ١٠٨٦.

[138] فنار عماد خليل ، تحولات النظام الدولي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية عام ٢٠٢٢ ، مجلة قضايا سياسية ، عدد ٧٥ ، ( ٢٠٢٣) ، ص: ٢٠٢.

[139] Ribakova Elina, Op. Cit, p. 135.

[140] محمد مطاوع ، طريق الحرير الجديد في الاستراتيجية الصينية : الأهداف الكبرى و الوزن الاستراتيجي والتحديات ، مجلة سياسات عربية ، عدد ٤٦ ، (سبتمبر ٢٠٢٠) ، ص:٣٠.

[141] صفاء خليفة محمدين ، الصين نحو تنافسية قطبية متعددة في القرن الحادي والعشرين: مبادرة الحزام والطريق أنموذجًا ٢٠١٣ـ٢٠٢١ ، مجلة كلية السياسة والاقتصاد ، عدد ١٣ ، (يناير ٢٠٢٢) ، ص:١٩٣.

[142] محمد مطاوع ، مرجع سبق ذكره ، ص:٣٤-٣٥.

[143] محمد فوزي حسن ، مشروع طريق المريديان السريع (طريق الحرير الروسي) ، مجلة آفاق آسيوية ، عدد ١٥ ، (٢٠٢٤) ، ص٢٧٣-٢٧٤.

[144] محمد فوزي حسن، مرجع سبق ذكره، ص: ٢٧٧.

[145] درية شفيق وآخرون ، مرجع سبق ذكره ، ص:١٠٧٥.

[146] المرجع السابق ، ص:١٠٧٨.

[147]محمد عثمان ، مرجع سبق ذكره.

[148] Mikael Wigell and Antto Vihma, Future Scenarios of Russia-China Relations: Not Great, Not Terrible (Stockholm: Swedish Centre for Eastern European Studies, December 2023), available at https://shorturl.at/8nxHl, last accessed 28 April 2025

[149] عارف عبداللطيف إبراهيم مكاوي ، التنافس الدولي في آسيا الوسطى: الصين وروسيا الفترة من ٢٠٠١ حتى ٢٠١٨ ، ( رسالة دكتوراه ، كلية الدراسات والبحوث الآسيوية ، جامعة الزقازيق ، ٢٠٢٢) ، ص: ٣٢٦ـ٣٢٧.

[150]  المرجع السابق، ص: ٣٣١.

[151] مأمون أحمد أبو رعد، مرجع سبق ذكره، ص: ٢٠٢.

[152] عارف عبداللطيف إبراهيم مكاوي، مرجع سبق ذكره، ص: ٣٣٢.

[153] مأمون أحمد أبو رعد، مرجع سبق ذكره، ص: ٢٠٣.

5/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى