الدراسات البحثيةالقانونية والعلوم الاداريةالمتخصصة

التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تجاه سوريا بعد عام 2024 قراءة في المصالح والصراع على النفوذ

The strategic orientations of the United States and Russia towards Syria after 2024: A reading of interests and the struggle for influence

اعداد :

  • ليث عاطف غيث السواعير – طالب دكتوراه/ الجامعة الأردنية
  • الأستاذ الدكتور فيصل عوده الرفوع – كلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للعلوم السياسية والدراسات الدولية، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
  • تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland

ISSN   2566-8048     Print
ISSN  2566-8056   Online

Journal of Political Science and Law

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

https://democraticac.de/wp-content/uploads/2025/09/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84-%E2%80%93-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-2025.pdf

ملخص
هدفت الدراسة للتعريف بالتغيير السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتحليل التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تجاه سوريا بعد عام 2024 قراءة في المصالح والصراع على النفوذ، وعرض لأهم السيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري والدور الروسي والأمريكي، وانطلقت الدراسة من الفرضية التالية: هنالك علاقة بين المصالح السياسية والاستراتيجية وبين توجهات السياسة الخارجية لكل من الولايات المتحدة وروسيا ومستويات الصراع  اتجاه تطورات الاحداث في سوريا بعد عام 2024، واعتمدت الدراسة على استخدام المناهج التالية في الاجابة عن تساؤلاتها المنهج الوصفي التحليلي ومنهج صنع القرار، وخلصت الدراسة الى أنه من المحتمل بدء الولايات المتحدة وسوريا في عملية إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، من خلال إعادة فتح السفارة الأمريكية في سوريا، وتشجيع المسئولين السوريين على ضرورة تمثيلهم في أمريكيا، فيما تسعى روسيا إلى التفاوض مع الإدارة الجديدة للإبقاء على قواعدها العسكرية في سوريا، في ضوء نتائج الدراسة فأنها توصي بوضع استراتيجية واضحة ومحددة حول كيفية ضمان نجاح المرحلة الانتقالية واعطاء دور أكبر للأمم المتحدة من مجرد القيام بمهمات إنسانية وتنسيقية بين الأطراف إلى العمل على إعادة بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية حقيقية.

المفاهيم المفتاحية: التوجهات الاستراتيجية، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، سوريا، المصالح، الصراع، النفوذ.

 

Abstract                                                                                                                               

The study aimed to identify the political change in Syria after the fall of Bashar al-Assad’s regime, analyze the strategic orientations of the United States and Russia towards Syria after 2024, examine interests and the struggle for influence, and present the most important possible scenarios in Syria after the fall of the Syrian regime and the Russian and American roles. The study was based on the following hypothesis: There is a relationship between political and strategic interests and between the foreign policy orientations of both the United States and Russia and the levels of conflict regarding developments in Syria after 2024. The study relied on the use of the following methods to answer its questions: the descriptive and analytical method and the decision-making method. The study concluded that it is likely that the United States and Syria will begin the process of restoring diplomatic relations between them, by reopening the US embassy in Syria and encouraging Syrian officials to be represented in the US, while Russia seeks to negotiate with the new administration to maintain its military bases in Syria. In light of the study’s results, it recommends developing a clear and specific strategy on how to ensure the success of the transitional phase and giving the United Nations a greater role, beyond merely carrying out humanitarian and coordination missions between the parties, to working on rebuilding the state. Syria on the foundations of genuine democracy

Key concepts: strategic orientations, the United States, Russia, Syria, interests, conflict, influence.

 

  1. المقدمة

عدلت الولايات المتحدة وروسيا سياساتهما الخارجية تجاه سوريا في عام 2025، حيث تُركّز الولايات المتحدة على تخفيف العقوبات والتواصل مع الحكومة السورية الجديدة، بينما تُحافظ روسيا على وجودها العسكري وتسعى إلى ترسيخ نفوذها، فيما رفعت الولايات المتحدة معظم العقوبات المفروضة على سوريا، مُشيرةً إلى تغيير في القيادة والسياسات في عهد الرئيس السوري أحمد الشرع، وتُواصل روسيا جهودها الدبلوماسية لتشكيل المشهد السياسي لما بعد الصراع في سوريا (The Jerusalem Post, 2025).

تؤثر المصالح المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على توجهات السياسة الخارجية لهما على دورهما في سوريا، فالقاسم المشترك فيما بينهما يكمن بحرصهما على أن يكون لهما نفوذ في سوريا، وذلك بهدف تعزيز مركزيهما الإقليميين، ويكمن النفوذ الروسي في سورها دورها في البحر الأبيض المتوسط في سوريا، وبالتالي فإن زعزعة أمن سوريا واستقرارها سيؤدي إلى تهديداً للأمن الاقليمي في المنطقة العربية، أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تعتبر استقرار سوريا ركيزة أساسية لأمن إسرائيل.

إن تداعيات ما يحدث في سورية تتجاوز حدودها وحدود الإقليم، فعندما تحولت الاحتجاجات السورية التي انطلقت في آذار 2011 إلى حرب أهلية عنيفة ذات طابع طائفي، أدى النزاع المسلح بين النظام والمعارضة إلى وجود فجوة وانقسام في المجتمع الدولي، ويتضح ذلك عندما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي المعارضة ضد النظام السوري، مقابل ذلك دعمت الصين وروسيا النظام السوري السابق، وكذلك فعلت إيران التي دعمته مادياً ومعنوياً (Hamit, 2024).

فيما أدت هجمات هيئة تحرير الشام ضد النظام السوري في 27 تشرين الثاني 2024، إلى تطورات غير مسبوقة في الحرب الأهلية السورية التي دامت ثلاثة عشر عامًا، ففي غضون فترة قصيرة، استولت الهيئة على حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، ثم حماة، وتقدموا نحو حمص، وبعدها انتقلوا للسيطرة على العاصمة السورية دمشق، دون مقاومة تذكر، حتى الولايات المتحدة لم تتوقع الانهيار السريع للنظام السوري السابق في غضون أيام معدودة، ورغم أن نظام بشار الأسد كان لديه القدرة على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة والدول العربية في عام 2015، الذي كان على وشك السقوط، ولكن التدخل الروسي أنقذ النظام السوري السابق من السقوط، ولو توصلت سوريا إلى مثل هذا الاتفاق لكان من الممكن أن يفتح طريقاً يسهل توثيق العلاقات بين سوريا والدول العربية الأخرى (بورار، 2024).

وبعد التغيير الكبير الذي حصل مع سقوط النظام السوري في عام 2024 من المتوقع أن تتوجه إدارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى تأمين الاستقرار السياسي وإعادة بناء الدولة لمنع تحولها إلى دولة فاشلة وفق معايير الولايات المتحدة، إذ يمكن أن تدعم الإدارة الأميركية حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع بشرط تحقيق خطوات ملموسة نحو الاستقرار السياسي، مثل تشكيل حكومة تضم مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك المعارضة، وهذا قد يكون وفق ضمانات معينة منها ما يتعلق بتنظيم داعش وقوات قسد، وقد تعمل الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية وحلفائها الإقليميين لتقديم مساعدات مشروطة

لإعادة الإعمار، بشرط التزام الحكومة الجديدة بمعايير الشفافية والإصلاح الاقتصادي وإتاحة الفرص الاستثمارية للشركات العابرة للدول (إلياس، 2024).

وعلية شكل الحد من النفوذ الروسي في المنطقة العربية أحد الأهداف الأمريكية في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، فهناك توجه أمريكي يعتقد بأن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى التأثير على حماية روسيا لنظام بشار الأسد في ظل مسار الحرب الروسية الأوكرانية، لذا تسعى الدراسة لبيان توجهات السياسة الخارجية الأمريكية والروسية تجاه  تطورات الاحداث في سوريا بعد عام 2024.

1-1 مشكلة الدراسة: يتسم الموقف الأمريكي بالتعقيد من مسار التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول عام 2024، في ظل تزايد التنافس الدولي على سوريا، وتزايد المصالح الاستراتيجية الأمريكية المرتبطة بالصراع على النفوذ في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أو لمواجهة القوى غير المتوافقة مع سياسة أمريكا في المنطقة، وأن التوجه الأمريكي إزاء سوريا سينطلق من العمل مع جميع المجموعات السورية، من خلال إطلاق مرحلة انتقالية تقودها الأمم المتحدة، وإرساء دستور جديد لسوريا موحدة، وتشكل المصالح الأمريكية وحماية إسرائيل المحدد الأهم في حدود الانخراط الأمريكي في ترتيبات ما بعد نظام بشار الأسد، من خلال الاعتراف بالقوى السياسية الجديدة التي ستقود المرحلة الانتقالية، والتفاعل مع تطورات الأحداث في إطار استراتيجيات القوى الكبرى، لإعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة في منطقة لا تزال تشهد إعادة تشكيل لتوازنات إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مشاريعها ((MacFarquhar, 2024.

إذ إن ما كان يحدث على الساحة السورية من اقتتال وعنف ما هو إلا انعكاس لما يجري على المستوى الدولي من تنافس وصراع القوى الكبرى التي تسعى إلى تحقيق أهدافها ومصالحها في سوريا والشرق الأوسط، ومن الأهداف غير المعلنة للقوى العظمى (أمريكا وروسيا)، هو الصراع على مصادر الطاقة خاصة بعد اكتشاف كميات هائلة من الغاز في شواطئ البحر المتوسط السورية، وارتبط مصير الأزمة السورية بشكل مباشر بمسألة الصراع الأمريكي- الروسي، حيث أصبحت تلك الأزمة ميدان صراع حقيقي بين كل من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها من جهة أخرى، وبالتالي فإن هذا التعقيد يؤدي بالفعل إلى وجود غموض وعدم وضوح في معالم هذا الصراع (Lyons, 2024)، وعليه تتمحور الفجوة  البحثية في سد النقص في الدراسات العربية والاردنية التي تتناول جوانب الصراع الامريكي الروسي في سوريا بعد تغيير النظام عام 2024، من هنا تكمن مشكلة الدراسة في الإجابة عن التساؤل التالي: ما التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تجاه سوريا بعد عام 2024؟

1-2 أسئلة الدراسة :تسعى الدراسة للإجابة عن التساؤلات التالية:

  • ما واقع التغيير السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؟
  • ما طبيعة التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تجاه سوريا بعد عام 2024 قراءة في المصالح والصراع على النفوذ؟
  • ما أهم السيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري بعد عام 2024 والدور الروسي والأمريكي؟

1-3 أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي :

  • التعريف بالتغيير السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
  • بيان طبيعة التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تجاه سوريا بعد عام 2024 .
  • عرض لأهم السيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري والدور الروسي والأمريكي .

1-4 أهمية الدراسة: تبرز أهمية الدراسة من خلال الاتي:

  • الأهمية العلمية: تبرز الأهمية العلمية للدراسة الحالية من قلة الدراسات ذات الصلة بموضوع توجهات السياسات الخارجية للولايات المتحدة وروسيا اتجاه تطورات الاحداث في سوريا بعد عام 2024، وإنْ وجدت فإنها تتناول استراتيجية ومصالح كل طرف على حِدَة، وتبرز أهمية الدراسة من محاولتها فهم التطورات والمستجدات في سوريا في ضل الادارة الجديدة التي تشكلت بعد سقوط نظام بشار الأسد، ومن خلال التركيز على الجانب التنافسي أي التنازع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، وذلك بالنظر لأهمية المنطقة في الاستراتيجية العالمية لكل منهما.
  • الأهمية العملية: تكمن أهمية الدراسة في محاولتها الإضافة على ما سبقها من دراسات تناولت تحليل للسياسة الخارجية الروسية والأمريكية، وهذه الإضافة على الصعيدين العلمي والعملي، ويمكن أن تشكل الدراسة إضافة للدراسات السابقة كونها تتناول موضوع حديث يشكل إضافة علمية للباحثين والدراسين في هذا المجال، وفي محاولتها الوقوف على حقيقة وأبعاد طبيعة التنافس الروسي الأمريكي وأثره على الاستقرار في سوريا في ضوء المتغيرات التي شهدتها سوريا منذ عام 2024.

1-5 فرضية الدراسة: انطلقت الدراسة من الفرضية التالية: هنالك علاقة بين المصالح السياسية والاستراتيجية وبين توجهات السياسة الخارجية لكل من الولايات المتحدة وروسيا ومستويات الصراع  اتجاه تطورات الاحداث في سوريا بعد عام 2024.

1-6 الدراسات السابقة: من أهم الدراسات ذات الصلة بموضوع الدراسة ما يلي:

  1. الدراسات العربية:

دراسة مركز الفرات (2025)، بعنوان: الدور الروسي في سوريا بعد الأسد في ظل المقاربات الغربية – الأمريكية، هدفت الدراسة لبيان أن سقوط نظام بشار الأسد مثل ضربة لدور روسيا في سوريا، وأن استعادة دورها لا يمكن أن يأتي بسهولة في ظل التحفظات السورية الداخلية، وخلصت الدراسة إلى أن طبيعة التحفظات الأمريكية والأوروبية في سوريا مشروط برؤية القيادة السورية الجديدة وطبيعة الدعم الخارجي والإقليمي لها، ومن الممكن أن يخضع لمعايير التبادل الدبلوماسي الرسمي ولا يخضع لتواجد عسكري وقواعد عسكرية.

دراسة صلاح (2025)، بعنوان: تداعيات السقوط: أسباب تراجع استراتيجية روسيا الإقليمية بعد سقوط الأسد، هدفت الدراسة لبيان أن إقامة تعاون استراتيجي أمريكي مع تركيا في سوريا وليبيا قد يكون بمثابة سياسة تحولية، ومن شأنها أن يكون لها فوائد متبادلة لإضعاف المحور الأمني الإيراني والروسي، وإعادة تنظيم توازن القوى الإقليمي، وتضع الولايات المتحدة وحلفائها في موقف يسمح لهم بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا الديمقراطية بعد الأسد، وخلصت الدراسة إلى أن التحول في السياسة الخارجية السورية قد يساعد الولايات المتحدة على استعادة موقفها القوي في المنطقة والمناطق المجاورة والتصدي للنفوذ الروسي الذي استثمرت فيه قدرًا كبيرًا من الوقت والموارد في تعزيزه.

دراسة تينغ (2024)، بعنوان: التنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط: دراسة حالة سوريا (2011-2016)، هدفت الدراسة إلى تحليل المواقف الأمريكية والروسية تجاه الأزمة السورية، وتسلط الضوء على دوافع التدخل الأمريكي الروسي في الأزمة السورية، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي ومنهج دراسة الحالة، وتوصلت الدراسة إلى أن سوريا تمتلك إمكانيات طاقوية جعلت القوى الكبرى الدولية والإقليمية تسعى تجاهها مستغلة الفوضى، وإيجاد أي حلول للازمة السورية مرتبط بمدي توافق أمريكيا وروسيا، كان ضحية هذا التنافس هو الشعب السوري حيث أصبح أغلب المدنيين من السوريين أما لاجئين أو ضحايا لحروب.

  1. الدراسات الأجنبية:

دراسة كيمب Kemp (2012)، بعنوان: America, Russia, and the Middle East Greater Challenges and Opportunities، أميركا وروسيا والشرق الأوسط: التحديات والفرص الكبرى، هدفت الدراسة لتوضيح المصالح الروسية والأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديد أهم التحديات التي تهدد هذه المصالح، وخلصت الدراسة إلى أن البيئة الدولية بعد هجمات الحادي عشرة من سبتمبر2001 فرضت فرصاً نحو التعاون بين الدولتين، وتوصلا إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم تغطي التطورات الحديثة التي برزت بعد أحداث الربيع العربي.

دراسة واكيم، (2012) walk بعنوان: The Great Powers’ Struggle Over Syria: The Geopolitical Dimensions of the 2011 Crisis، صراع القوى الكبرى على سوريا، الأبعاد الجيوسياسية لأزمة 2011، هدفت الدراسة لتحليل تاريخ الصراعات على سوريا، انطلاقاً من أهميتها الجيوسياسية منذ فجر التاريخ وصولاً إلى الأزمة السورية، وخلصت الدراسة إلى أن التحليل التراكمي عبر التاريخ لصراع القوى الكبرى حول سوريا يسهم في محاولة تحليل أسباب الأزمة السورية، وذلك في سياق التأثيرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.

ما يميز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة:

من خلال الاطلاع على الدراسات السابقة، وجد أن معظمها تلتقي في تحليل الأزمة السورية وتطورها ومجالاتها، حيث تتميز الدراسة الحالية بكونها تتناول  بيان طبيعة توجهات السياسات الخارجية الأمريكية تجاه سوريا بعد عام 2024، وبيان طبيعة توجهات السياسات الخارجية الروسية تجاه سوريا بعد عام 2024، وعرض لأهم السيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري والدور الروسي والأمريكي، في ضوء التطورات التي تشهدها سوريا خصوصاً بعد سقوط النظام السوري عام 2024، لذا يؤمل أن تسهم الدراسة الحالية في سد الفجوة البحثية المتعلقة بتحليل الصراع على النفوذ الأمريكي  والروسي في سوريا بعد عام 2024.

1-7 مصطلحات الدراسة:

  • السياسية الخارجية: تعرف السياسة الخارجية للدول بأنها ممارسة التخطيط والتنفيذ للسياسة الخارجية على الدول (الحمداني، 2004: 439-440).
  • مفهوم التنافس في العلاقات الدولية: إن التنافس الدولي يقصد به الاختلالات الموجودة في المجتمع الدولي، وهي اختلالات تتضخم وتأخذ صورة الصراع إذا لم تتم معالجتها، فالدول تسعى إلى تعظيم مكاسبها وفقاً لمفهوم المصلحة الوطنية بشكل قد يتناقض مع مصالح دول أخرى (العضايلة، 2011 :4).
  • الصراع في العلاقات الدولية: المصطلح الأقرب والأكثر تداخلاً مع مصطلح التنافس هو الصراع، وهو مصطلح يستخدم عادة للإشارة إلى وضع تكون فيه مجموعة معينة من الأفراد، سواء قبيلة أو مجموعة عرقية أو لغوية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو أي شيء آخر، تنخرط في تعارض واعٍ مع مجموعة أو مجموعات أخرى معينة؛ لأن كلاً من هذه المجموعات يسعى لتحقيق أهداف متناقضة فعلاً أو تبدو أنها كذلك (دورتي، وبالتسغراف، 1986 :140).
  • التغيير السياسي في سوريا : شهدت سوريا يوم الأحد 8 كانون الأول عام 2024، سقوط نظام بشار الأسد بعد تطورات متسارعة بدأت بسيطرة قوات المعارضة على مدينة حمص دون مقاومة تُذكر، تبعها دخولهم إلى العاصمة السورية دمشق وسط غياب شبه كامل لقوات النظام.(Taneja, 2024)

1-8 منهجية الدراسة: اعتمدت الدراسة على استخدام المناهج التالية في الاجابة عن تساؤلاتها :

  • المنهج الوصفي التحليلي: يهدف المنهج إلى وصف وتحليل قضيةٍ ما، وعرض بياناتها ومعلوماتها بشكل علمي منظم، وذلك بغرض الوصول إلى الحقائق حول موضوع البحث، وتم استخدام هذا المنهج في وصف التطورات التي تشهدها سوريا خصوصاً بعد سقوط النظام السوري عام 2024، ووصف الموقف الروسي والأمريكي من الأزمة السورية.
  • منهج صنع القرار: ‏يقصد بعملية صنع القرار التوصل إلى صيغة أو اختيار بديل من بديلين أو أكثر، ‏باعتبار ‏أن البديل هو الأكثر قدرة على حل المشكلة أو (المشاكل) القائمة، بشكل يحقق لإحدى ‏الدول ‏الأهداف المطلوبة؛ لما يتمثل فيه من مواصفات تتناسب مع الإمكانيات المتاحة، وإن صنع القرار هو القدرة على اختيار سلوك معين من بين نوعين أو أكثر من ‏‏البدائل السلوكية، ومن الناحية العملية يمكن التمييز بين عملية صناعة القرار واتخاذ القرار من جهة وبين القرار ‏‏نفسه من جهة أخرى، بوصف عمليتيْ صنع القرار واتخاذه أكثر اتساعاً من القرار، وذلك أن عملية صناعة ‏‏القرار هي عملية معقدة تتم عبر مراحل متعددة وتتدخل فيها عناصر مختلفة، في حين ‏يقتصر ‏اتخاذ القرار على الاختيار بين سلسلة من البدائل، وذلك لا يعني أن صانع القرار ‏يدرس ‏البدائل وآثار كل منها طبقاً لمقياس محدد، فصناعة القرار تهيئة للمعلومات وصياغة ‏للبدائل ‏لعلاج مشكلة، بينما يشير اتخاذ القرار إلى اختيار البدائل الأرجح، حيث اتخاذ القرار هو التوصل إلى ‏الصيغة ‏المناسبة لحل المشكلة بالشكل الذي يحقق الهدف المطلوب (مصباح، 2006 :353)، وتم استخدام منهج صنع القرار في تحليل العوامل والمتغيرات المؤثرة على صانعي القرار روسيا وأمريكا تجاه سوريا بعد عام 2024 .

1-9 حدود الدراسة:

  • الحدود المكانية: تقتصر على على كل من سوريا، روسيا، أمريكا.
  • الحدود الزمنية: تقتصر الدراسة على الفترة (2024-2025) حيث أخذت تتصاعد الاحداث في سوريا بشكل كبير على المستويين الإقليمي والدولي بعد سقوط نظام بشار الأسد عام 2024 .
  1. التغيير السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد

شهدت العلاقة بين سلطة الدولة والمجتمع المدني في سوريا تحولات جوهرية عديدة خلال فترة ترسيخ النظام السوري السابق لسلطته، وقد شكلت انتفاضة الإخوان المسلمين في حماة عام 1982 والتي بلغت ذروتها بالرد العسكري المدمر من قبل النظام السابق، سابقة راسخة في نهج الدولة تجاه حركات المعارضة الإسلامية، وبلورت هذه المواجهة العنيفة تصورًا لدى جماعات المعارضة السنية بأن حكم الأقلية العلوية لا يمثل مجرد إقصاء سياسي، بل تهميشًا طائفيًا منهجيًا، واستجابةً لهذا التحدي، طوّر النظام استراتيجية متطورة لدمج النخب الاقتصادية السنية بشكل انتقائي مع الحفاظ على سيطرة صارمة على المؤسسات الدينية والتعبير السياسي (Conduit, 2016: 213).

أثار تولي الرئيس السوري السابق بشار الأسد السلطة عام 2000 في البداية توقعات بالتحرر السياسي، ظهرت بارزة في فترة “ربيع دمشق” القصيرة، إلا أن تقشف النظام كشف عن القيود الهيكلية الجوهرية للإصلاح في ظلّ الإطار الاستبدادي المتجذّر في سوريا، فقد أدى التآكل المنهجي للمؤسسات السياسية قدرة حزب البعث التاريخية على التوسط بين الدولة والمجتمع، إلى خلق فراغٍ في الحكم لم تستطع العمليات السياسية الرسمية ولا شبكات المحسوبية غير الرسمية معالجته بشكل كاف (Ziadeh, 2015: 231).

أدى تضافر التدهور المؤسسي في سوريا إلى تهيئة الظروف الهيكلية التي انبثقت منها حركة 2011، ومثّلت هذه الحركة تحولاً نوعياً عن التحديات السابقة لسلطة النظام، إذ تجاوزت الاحتجاجات الأولية الانقسامات الطائفية والمناطقية المتجذرة، معلنةً مطلباً موحداً غير مسبوق لإعادة بناء النظام السياسي، وقد عجّلت استراتيجية النظام المدروسة للاستجابة، والتي تراوحت بين التنازلات الانتقائية والقمع الممنهج، بتحول جذري في طبيعة السياسة الخلافية، مما حفز التحول من المقاومة المدنية إلى التمرد المسلح (Rabinovich and Valensi,  2021).

أتاح هذا التحول في مشهد الصراع الداخلي فرصًا للتدخل الخارجي، إذ أصبح مسار الصراع السوري يتحدد بشكل متزايد بالديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية، من خلال التدخلات الاستراتيجية لإيران وتركيا ودول الخليج، وأدخل تدويل الأزمة تعقيدات متعددة الطبقات، حيث سعت الجهات الخارجية إلى تحقيق أهداف استراتيجية متباينة من خلال شبكة معقدة من الوكلاء المحليين، وقد هيأ هذا التحول في بيئة الصراع ظروفًا مواتية لظهور الجماعات الجهادية السلفية، التي وفرت براعتها التنظيمية وتماسكها العقائدي مزايا عملياتية متميزة في حشد الموارد المادية والداعمين الأيديولوجيين في ظل مشهد الحرب الأهلية Cepoi, 2013: 551)).

يكشف المشهد السياسي في سوريا العديد من الرؤى النظرية فيما يتعلق بديناميكيات الدولة والصراع ومنها الآتي (Al-Joulani, 2024):

  • يُمكن للأنظمة الاستبدادية الحفاظ على الاستقرار من خلال القمع، بينما تُقوّض استمراريتها على المدى الطويل من خلال تفاعل التدهور المؤسسي والسياسة الطائفية.
  • يُسلّط فشل قوى المعارضة المعتدلة الضوء على تحديات الحفاظ على حركة سياسية متماسكة في مواجهة عنف الدولة والتدخل الخارجي.
  • يُظهر صعود الجماعات المتطرفة كيف يُمكن للصراع الأهلي أن يُهيئ ظروفاً تُفضّل جهات ذات خصائص تنظيمية وأيديولوجية مُحددة، حتى لو ظلت جاذبيتها محدودة.
  • محدودية نظريات التحول الديمقراطي التقليدية في تفسير التحولات السياسية في المجتمعات شديدة الانقسام، فالتفاعل المعقد بين الموروثات المؤسسية، والديناميكيات الطائفية، والمصالح الدولية التي قد تُشكّل مسارات الصراع، لا يُؤخذ في الاعتبار بافتراض أن التعبئة الشعبية تُفضي بطبيعتها إلى نتائج ديمقراطية.

وتُظهر الحالة السورية كيف يمكن لقدرة الدولة أن تتدهور بسرعة عندما تعجز آليات السيطرة والاستقطاب التقليدية عن التكيف مع المتطلبات المجتمعية المتغيرة، وبينما حافظ اعتماد النظام على شبكات دعم متزايدة الضيق على سيطرته على المدى القصير، إلا أنه ساهم بتفتيت سلطة الدولة والتماسك الاجتماعي على نطاق أوسع، وتشير الأيام الأخيرة من عام 2024 إلى تحول محوري في المشهد السياسي المعاصر في الشرق الأوسط، حيث أدت العمليات العسكرية التي قادتها هيئة تحرير الشام إلى إنهاء هيمنة النظام السوري السابق التي استمرت خمسة عقود على سوريا، ويشير هذا التحول إلى انتقال في القيادة السياسية وتمزق غير مسبوق في الأسس الأيديولوجية التي شكلت تاريخيًا السياسة السورية منذ حقبة ما بعد الحرب الباردة (Zelin, 2025).

تغيرت خرائط النفوذ والسيطرة في سوريا بعد المعارك التي انطلقت في 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب لتسيطر على مساحات واسعة من حلب إلى حماة إلى حمص بشكل متسارع ومتزامن مع تحرك مجموعات جنوبي سوريا وفي المنطقة الوسطى، لينتهي الأمر بهروب بشار الأسد وسقوط نظامه يوم 8 كانون الأول 2024، وتزامن انطلاق الفصائل من إدلب في معركة “ردع العدوان” مع غرفة عمليات أطلقتها فصائل الجيش الوطني شمال حلب تحت اسم “فجر الحربة” والتي ركزت على التقدم في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في تل رفعت وشرق حلب، خاصة المناطق التي سلمتها قوات النظام المنسحبة من شرق حلب لقسد، ثم استمرت الفصائل في توسيع مناطق سيطرتها باتجاه منبج (همام، 2024).

بعد هروب الرئيس السوري بشار الأسد وسقوط نظامه واستسلام قواته أصبح النفوذ والسيطرة في سوريا للشعب الثائر بعد 2011، وكانت مناطق سيطرة النظام المخلوع قبل سقوطه تصل إلى نسبة (63.38%) من سوريا، وقد كانت هذه النسبة ثابتة منذ توقف المعارك إثر اتفاق تركي- روسي تم توقيعه في آذار 2020، وفي المقابل فإن المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المنطلقة من إدلب وريف حلب الشمالي والجنوب السوري ومناطق أخرى قد وصلت إلى أكثر من (71%) من مساحة سوريا، وكانت قبل ذلك منذ عام 2020 لا تصل إلى نسبة (11%) بما في ذلك مناطق القوات التي تدعمها قوات التحالف الدولي في منطقة التنف، ومناطق قسد، التي تراجعت بعد سقوط نظام الأسد في مناطق وزادت في أخرى، فقد استقرت منذ عام 2020 بما يزيد قليلاً على نسبة (25%) من مساحة سوريا، وبلغت في منتصف كانون الأول عام 2024 إلى ما يزيد عن (28%) (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2024).

وضع انهيار النظام السوري عام 2024 في سياق المسار التاريخي لتكوين الدولة ما بعد الاستعمارية في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، فقد شهد العالم العربي صعود حركات أيديولوجية فريدة، وظهور نخب سياسية تتماشى مع الضرورات الجيوسياسية، وأحد هذه الأطر الأيديولوجية هو القومية العربية، وهي أيديولوجية بدأت في مصر وأصبحت مهيمنة في

المنطقة خلال فترة تشكيل الدولة، وقد تشكلت هذه الأيديولوجية من خلال (الناصرية وحزب البعث)، وعلى الرغم من خضوع هذه الحركات للتحول الأيديولوجي، فقد أظهرت مرونة مؤسسية ملحوظة، وبعد حل الأنظمة الشخصية المماثلة في العراق وليبيا، برزت سوريا في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد كمعقل أخير للأيديولوجية القومية العربية المؤسسية في المنطقة، ويعود صمود نظام الأسد خلال فترة ما بعد عام 2014 إلى البنية التحتية السياسية والجهاز البيروقراطي الموروث، والتحالفات الجيوسياسية، وشكّل رد الرئيس السوري السابق بشار الأسد الصارم على الحراك الشعبي ورفضه القاطع للإصلاح الدستوري حافزًا محوريًا للتطرف الأيديولوجي للمعارضة، مما أدى في النهاية إلى إعادة تشكيل عميقة للمشهد السياسي السوري، فالتحول السياسي في سوريا بعد عام 2024 والذي تُدبّره جماعة “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع، يُمثّل مسعى متعدد الجوانب في مجال إعادة بناء الدولة في مرحلة ما بعد الاستبداد، ويبدو أن الحكومة السورية تبذل جهدًا مُتعمّدًا لإعادة تعريف مفهوم القومية، بهدف تعزيز الشعور بالوحدة والانتماء ضمن النسيج المجتمعي المتنوع في سوريا، وتتطلب هذه العملية تحقيق توازن دقيق بين العلاقات الداخلية والخارجية، مع مراعاة الروابط الخارجية لمختلف الجهات (Israel’s Political Crisis Deepens, 2025)

يمثل التطور الأيديولوجي لسوريا بعد عام 2024 تحولاً كبيراً في الوعي السياسي في سياق سياسات الشرق الأوسط في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، وقد تناقضت بيئته العائلية المبكرة، التي اتسمت بالتمسك بالتقاليد السياسية العربية، وتحديداً الناصرية والقومية العربية والإصلاح الديمقراطي، بشكل ملحوظ مع تبنيه اللاحق لأيديولوجية الجهاد العالمي، وقد حفز هذا التحول حدثان تاريخيان محوريان تمثلان في الانتفاضة الفلسطينية وهجمات 11 سبتمبر 2001، والتي كانت بمثابة منعطفات حاسمة في إعادة توجيهه الأيديولوجي، ويجسد مساره نمطًا أوسع نطاقًا لوحظ بين بعض الجهات السياسية الإقليمية الفاعلة خلال هذه الفترة، والذي اتسم بالتحول من التوجهات القومية العربية العلمانية إلى الأطر السياسية الدينية، وتوفر هذه التفاصيل التفاعل المعقد بين الأحداث المحلية والعالمية في تشكيل الوعي السياسي الفردي، مما يلقي الضوء على أنماط التحول الأيديولوجي الأوسع في الشرق الأوسط الحديث(Al-Joulani, 2024)

يتميز التحول في سياق إقليمي بتطور الترتيبات السياسية والهياكل الأمنية، ففي حين ساهمت الأحداث الأولى للربيع العربي في تسريع التطلعات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه قيّدها لاحقًا، وسعت جهات إقليمية مختلفة، وخاصة دول الخليج العربية، إلى مبادرات إصلاحية محلية وتحالفات جديدة بين الدول  وتُجسّد اتفاقيات إبراهيم، التي سهّلتها الدبلوماسية الأمريكية، هذا التوجه نحو التعاون البراجماتي بين إسرائيل ودول عربية مختارة، أبرزها الإمارات العربية المتحدة والبحرين Cafiero, 2025)).

تشكل سياسات الإدارة السورية بعد عام 2024 تراجع القومية العربية إلى جانب صعود القومية السورية، والتوافق مع الهيمنة المتنامية لدول الخليج في المنطقة، ومن الممارسات السياسية الرئيسية التي لوحظت في حكم هيئة تحرير الشام والشرع لإدلب التحول من بناء السياسة الخارجية حول المصالح والأجندات العربية الأوسع إلى اتباع نهج سياسة خارجية متمركز حول سوريا، وتتوقف القدرة السياسية الأساسية للشرع على كيفية تعامله مع التحديات وسط ديناميكيات اجتماعية معقدة ومصالح سياسة خارجية متشابكة، ومن غير المرجح أن يتم حل مسار الحفاظ على التماسك بين الجماعات الدينية

والعرقية والثقافية المتنوعة في سوريا من خلال العلمانية، ويرجع ذلك إلى أن النشاط السلفي الجهادي الذي شهدته سوريا خلال الفترة (2001-2024) يتطلب التكامل داخل المؤسسات، ومن الممكن التغلب على هذا التحدي من خلال بناء هوية وطنية تتمحور حول العلمانية، وهوية سورية تتميز بالسيولة الوطنية والدينية، يقودها نخبة تكنوقراطية تتمتع بقدرات إدارية (Burke, 2024).

مما سبق بعد سقوط نظام بشار الأسد، تجد سوريا نفسها أمام مرحلة انتقالية حاسمة مليئة بالتحديات؛ فالأطراف المحلية والإقليمية تتصارع على فرض رؤيتها، بينما الشعب السوري ينتظر حلاً يضمن له الاستقرار ووحدة البلاد. وفي ظل تصاعد المخاوف من هيمنة الإسلاميين أو الفصائل المسلحة، تبقى سوريا تحت المجهر الدولي لضمان تحقيق نظام سياسي يعكس تنوعها.

إن سوريا أمام منعطف تاريخي يعزز من فرص بناء الداخل، مع السير بحذر في الساحة الإقليمية والدولية تجنباً للاستقطاب أو التنافر، فالحاجة إلى التطلع للداخل وبناء عقد اجتماعي جديد أفضل من الانغماس بمشاكل الجوار الجغرافي (Loft, Mills, 2024)، فحالة التوافق في سوريا تكاد تكون غير متزنة لذا هناك حذر في سوريا من تصدع المشروع البنائي للشكل الجديد لسوريا ما بعد التغيير (Salih, 2024).

وأهم نتيجة للتغيير السوري بروز التغيير البناء بكل ما يحتويه من توافق حقيقي بين معطين متفاوتين عمادهما العلاقة الملحوظة والقوية المنتجة لأهداف وغايات مقصودة، والسياسية الإقليمية والدولية هي المسؤولة عن صناعة التغيير، فتغير السياسية الداخلية هو من يتحكم بمساراته، ويهتدي بطروحاته بالسياسية وعليها موائمة متطلبات البيئتين الدولية والإقليمية، وما تفرض من نماذج سياسية دولية من الضرورة مراعاتها في بناء المنظومة السياسية السورية الجديدة، فالسياسية ليس وحيدة الاتجاه، غير أن الحكمة السياسية تتطلب التوافق بين العقائد الأيديولوجية لصناع القرار السوريين (Kortunov, 2024).

مما سبق تبين أن سوريا بحاجة إلى العمل الجاد بعد تطورات حربي غزة ولبنان، وتقلبات الحرب في اليمن وتطورات الأحداث في ليبيا والحرب الروسية-الأوكرانية، وإشارات تقويض الدور الإيراني بالتمدد إلى البحر المتوسّط، وتقوّيض استراتيجية روسيا، هذا التغير سيكون من أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة (إدارة دونالد ترامب الثانية)، فالنهج الأوروبي الحذر في التعاطي مع الحكومة السورية الجديدة بعد صراع استمر (14) عاماً، يوضح ملامح التغيير الإيديولوجي في محاولة استقطاب المخاوف الدولية، وسط تحديات كبيرة معقدة ومتشعبة تواجه الإدارة السياسية الجديدة في محاولة جدية لبناء وإعمار سوريا، في نموذج جامع يضم جميع مكونات الشعب السوري .

  1. السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تطورات الأحداث في سوريا بعد عام 2024

تبقى الولايات المتحدة القوة العسكرية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن تكون السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي ترامب تقوم على تجنب التورط العسكري العميق، وقد يؤدي ابتعاده عن الانخراط في تدخلات عسكرية مباشرة أو التزامات استراتيجية طويلة الأجل إلى خلق فراغ في المنطقة، مما قد يشجع الجهات الفاعلة الإقليمية على متابعة سياسات أكثر حزماً مستقلة عن النفوذ الأمريكي، كما أن تحرك إدارة ترامب لتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية،

من خلال تجميد التمويل وتسريح العمال، يعطل الجهود الإنسانية في الشرق الأوسط، وقد يؤدي خفض برامج المساعدات إلى إضعاف نفوذها في المنطقة، وقد يدفع حلفاء أمريكا التقليديين إلى البحث عن شراكات بديلة (Shahbazov, 2025) .

في فترة ما بعد الحرب الباردة، ساهمت تطورات في تشكيل سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي: غزو العراق للكويت في 2 آب 1990، وتوقيع اتفاقيات أوسلو للسلام بين إسرائيل وفلسطين في 13 آب 1993، وهجمات 11 أيلول 2001 التي شنتها القاعدة على الولايات المتحدة، والاحتلال الأنجلوأمريكي للعراق في 21 آذار 2003، والربيع العربي والحرب الأهلية السورية التي اندلعت في عام 2011، وهجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تدخلات عسكرية، فقد أدى التدخل الأميركي في العراق عام 1991، إلى جانب قوات التحالف، إلى انسحاب العراق من الكويت بحلول شباط 1991، ولم يعالج هذا التدخل بشكل كامل القضايا الأساسية في منطقة الخليج، واستلزم المزيد من التدخل الأميركي في الشرق الأوسط في السنوات اللاحقة، ونشرت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أكثر من (600) ألف جندي في السعودية لطرد العراق من الكويت، وأدى وجودهم على الأراضي السعودية إلى تكثيف العداء الجهادي تجاه الولايات المتحدة والغرب، مما ساهم في صعود الجماعات المتطرفة وبلغ ذروته في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي دفعت بدورها إلى غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003(Walk, 2012) .

لقد فتح الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 آفاق الحرية للأكراد، ولكنه أدى إلى تفاقم الصراعات السنية الشيعية في العراق وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وسهّل تعزيز وتوسع الشبكات الجهادية، التي خرجت عن نطاق السيطرة، وأدت إلى إعلان تنظيم داعش الخلافة في العراق وسوريا، وأصبح تدخل الولايات المتحدة والقوات المتحالفة ضرورياً، مما أوجد بيئة مواتية لطموحات إيران السياسية في المنطقة، فإيران التي خاضت حرباً دامت ثماني سنوات مع العراق دون أن تكسب أي أراض عراقية، برزت فجأة كقوة حاسمة في تحديد مصير العراق من خلال نفوذ السكان الشيعة فيها بعد التدخل الأميركي، وبعد عام 2003 أصبحت العاصمة العراقية بغداد تُعَد ولاية بعصر الإمبراطورية الفارسية، الأمر الذي عزز تطلعات إيران وسياساتها الفارسية الجديدة (Sadjadpour, 2024).

أدت هجمات حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول عام 2023 وسقوط النظام السوري عام 2024 إلى تحولات كبيرة في ديناميكيات القوة في منطقة الشرق الأوسط، مما أجبر دولًا مثل إسرائيل وتركيا وإيران ودول الخليج لإعادة تقييم استراتيجياتها، وإذا أعيد تعريف السياسة الخارجية الأميركية باعتماد مبدأ “أميركا أولاً” و”جعل أميركا عظيمة مرة أخرى”، فيمكن توقع تغييرات كبيرة في سياساتها في الشرق الأوسط، ذلك لأن خطاب “أميركا أولاً” يؤكد على ميل نحو الانعزالية في السياسة الخارجية الأميركية، فإن شعار “أمريكا أولاً” استخدمه الانعزاليون بشكل بارز في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين لمعارضة دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وتشير تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن إسرائيل والشرق الأوسط إلى أن الولايات المتحدة قد تصبح أكثر انخراطاً في المنطقة بدلاً من الإنسحاب منها، ويشير تأكيده على أن حماس “ما كانت لتنفذ هجمات السابع من تشرين الأول لو كنت في السلطة” إلى أن سياسة إدارته في الشرق الأوسط أصبحت تركز على ضمان أمن إسرائيل، وحماية دول الخليج من التهديدات الخارجية، واحتواء إيران، ومن الواضح أن الولايات المتحدة ستتبنى موقفًا أكثر تأييدًا لإسرائيل في عهد ترامب مقارنة بإدارة بايدن (Shahbazov, 2025) .

  1. انفتاح الولايات المتحدة الأمريكية على الإدارة السورية الجديدة بعد عام 2024

منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد أبدت الولايات المتحدة ارتياحها لذلك في تصريح صادر عن مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية، تلاه كلمة للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن رحب فيه بسقوط النظام، ثم صدر بيان عن وزير الخارجية الأمريكي يوم 10 كانون الأول 2024 أعاد فيه تأكيد الولايات المتحدة على دعمها الكامل لعملية انتقال السلطة السياسية بقيادة سوريا، حدد الإطار طريقة تعامل أمريكا مع الإدارة السورية وفْق شروط احترام حقوق الأقليات بشكل كامل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كافة المحتاجين، ومنع استخدام سوريا قاعدة للإرهاب أو محط تهديد لجيرانها، وضمان تأمين كافة مخزونات الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وتدميرها بشكل آمن، وطلبت الخارجية الأمريكية من كافة الدول أن تمتنع عن التدخل الخارجي في شؤون سوريا، وأكد البيان أن الولايات المتحدة “ستعترف بالحكومة السورية المستقبلية التي ستنبثق عن هذه العملية وتدعمها بالكامل”، وأوفدت الولايات المتحدة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، التي التقت مع أحمد الشرع يوم 20 كانون الأول 2024 وأبلغته بشروط الاعتراف الكامل بالإدارة السورية، وألغت الولايات المتحدة المكافأة المالية (10 ملايين دولار) التي كانت معلنة مقابل توفير معلومات عن الشرع، واتخذت الإدارة الأمريكية مجموعة من الإجراءات والاستثناءات حول العقوبات في سوريا، كان أولها وأبرزها قرار وزارة الخزانة الأمريكية في 6 كانون الثاني 2025 برفع جزئي عن العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 6 أشهر، وقالت إن القرار جاء للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي (Hamit, 2024).

ويحقق سقوط النظام السوري أكثر مما كانت ترغب به الولايات المتحدة، فهي كانت ترغب في تحجيم نفوذ إيران بينما بسقوط نظام بشار الأسد ونظامه تم القضاء على النفوذ الإيراني كلياً في سوريا، ولن تكون سوريا مرة ثانية ممراً للأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، كما تلقت روسيا صربة قوية بسقوط نظام بشار الأسد الذي عجزت عن الاستمرار في حمايته، وترى الولايات المتحدة أن هذا الفشل وقع بسبب سياساتها القوية في دعم أوكرانيا، وانشغال روسيا العسكري هناك وأولى أولويات الانفتاح الأمريكي على الإدارة السورية الجديدة هو أمن إسرائيل، ثم موضوع مكافحة الإرهاب، ومنع عودة ظهور داعش، وسيبقى انفتاحها مشروطاً بتلبية الإدارة لمتطلبات الولايات المتحدة منها ومن المتوقع أن تعمل الإدارة السورية جاهدة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والاستفادة من ذلك في تخفيف ملفات كثيرة ضاغطة تملكها الولايات المتحدة على الإدارة مثل ملف شمال شرق سوريا، وملف رفع التصنيف الأمريكي والأممي ضمن قوائم الإرهاب عن هيئة تحرير الشام وقياداتها، إضافة إلى قدرتها على عرقلة أي انفتاح عربي، أو أوروبي على الإدارة (Kiran, 2025).

أعلنت الولايات المتحدة في أيار 2025 رفع شامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، وأشار الرئيس الأمريكي ترامب إلى أن الشعب السوري عانى بما فيه الكفاية، وأكد رغبة الولايات المتحدة في فتح صفحة جديدة من العلاقات، كما تم إعادة فتح مقر إقامة السفير الأمريكي في العاصمة السورية دمشق، بعد زيارة قام بها “توماس باراك” مبعوث البيت الأبيض الخاص إلى سوريا، مما أكد رسمياً استئناف العلاقات الدبلوماسية المباشرة، ووقعت الحكومة السورية اتفاقية كبرى بقيمة (7) مليارات دولار مع تحالف استثماري يضم شركات أمريكية وقطرية وتركية، بهدف إعادة تأهيل قطاع الطاقة المتدهور في سوريا وتشمل المشاريع التالية (Euronews, 2025):

  • بناء أربع محطات غازية جديدة.
  • إنشاء محطة طاقة شمسية حديثة.
  • تطوير شبكة الكهرباء.

تكمن أبرز الدوافع الأمريكية للتعامل مع الإدارة السورية الجديدة في رغبة الرئيس الأمريكي ترامب في أن تكون للشركات الأمريكية الأولوية والأسبقية على الشركات الصينية بعد تصدر الصين قائمة الدول المتقدمة بطلبات مناقصات مفتوحة تتعلق بمختلف الصناعات في سوريا، بالإضافة إلى التنافس بين القوى العظمى ومخاوف تتعلق بالاستمرار الأمريكي في نهج العقوبات الاقتصادية الذي قد يؤدي إلى فتح الباب أمام الصين وروسيا لكسب نفوذ أكبر في سوريا، لا سيما في مجالي الدفاع وإعادة الإعمار، إلى جانب ذلك، فإن الولايات المتحدة تتخوف من أن يؤدي نهج العقوبات الاقتصادية إلى فتح الباب أمام تجدد التطرف والإرهاب وعودة ظهور تنظيم داعش، وبالتالي عدم الاستقرار الإقليمي، فضلًا عن الرغبة في الاستفادة من تمويل دول الخليج، وتوفير فرص عمل في كل من سوريا والولايات المتحدة من أجل إظهار دور أمريكيا  كقوة استقرار، والسعي لإرساء حالة الاستقرار في سوريا من أجل منع وتقليل تدفق اللاجئين، وإضعاف نفوذ حزب الله والحرس الثوري الإسلامي في سوريا، وحتى لا تصبح مصدرًا للتهديدات للجانب الإسرائيلي.كما لعبت الدول الخليجية خاصةً السعودية ومن خلال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دورًا مهمًا في إقناع الرئيس الأمريكي ترامب برفع العقوبات وإحداث اختراق دبلوماسي، وعدم التجاوب مع الضغوط الإسرائيلية في هذه المسألة، خاصةً مع توجهات السياسة الخارجية الأمريكية بتوثيق علاقاتها بشكل أكبر بدول الخليج إلى جانب تركيا.

من المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في تغطية (50%) من حاجة سوريا للكهرباء، وتوفر آلاف فرص العمل، ومن ملامح الرؤية الأمريكية الجديدة تجاه سوريا احترام السيادة الوطنية، إذ تشدد الإدارة الأمريكية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، مؤكدة دعمها لمسار سياسي تقوده الأطراف السورية ذاتها، ودعم المصالحة الوطنية من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ضوء تعقيدات المشهد الإقليمي واحتجاجات متزايدة من تركيا ومحاولة لإعادة التموضع وفتح قنوات جديدة مع جميع الأطراف (National Council on U.S.-Arab Relations, 2025).

فالتعاون الاقتصادي والاستثماري في سوريا يتم من خلال إعادة تشغيل بورصة دمشق، في خطوة رمزية تعكس بدء التعافي الاقتصادي، إذ تم إعادة افتتاح بورصة دمشق في حزيران عام 2025، بعد إغلاق دام ستة أشهر، ودعم أوروبي ودولي إذ تعهد الاتحاد الأوروبي في آذار عام 2025 بتقديم (2.5) مليار يورو لدعم عملية الانتقال السياسي والاقتصادي في سوريا، بالإضافة إلى مساعدات إنسانية للاجئين والمجتمعات المضيفة في الدول المجاورة (Kiran, 2025).

مما سبق تبدو العلاقات الأمريكية السورية في طَوْر جديد حقيقي واستراتيجي يُسهم في استقرار سوريا وازدهارها على الصعيد الداخلي، ويُسهم في الاستقرار الدولي والإقليمي، على وجه الخصوص في الملفات الشائكة العديدة الموروثة عن النظام السابق مثل ملفات عودة اللاجئين، ومنع إنتاج المخدرات وتصديرها، ومكافحة الإرهاب، وملفّ الأسلحة الكيميائية، واحترام حقوق الإنسان، ومما سبق يمكن القول إن مرحلة جديدة في سوريا قد بدأت بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات الأمريكية عن الإدارة الانتقالية الجديدة، كونه ضرورة لدعم قدرة سوريا على إعادة الإعمار، ومحاربة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار الأمني.

  1. السياسة الخارجية الروسية تجاه تطورات الأحداث في سوريا بعد عام 2024

عندما تدخلت روسيا في سوريا في عام 2015، حدد الرئيس الروسي بوتن هدفًا يتمثل في استقرار السلطات الشرعية” والواقع أن مستشاري الجيش الروسي للحكومة السورية مارسوا ضغوطًا على نظام بشار الأسد للتركيز على إعادة بناء الجيش السوري، الذي ضعف إلى حد كبير في الفترة (2011-2015)، ربما كان الدافع وراء ذلك اعتقاد حقيقي بأن الميليشيات التي تدعمها إيران، والتي كانت تقوم بمعظم القتال، كانت تقوض الدولة السورية، على الرغم من أن هذا لم يستبعد الاستمرار في الاعتماد على الميليشيات لأغراض أخرى، فكانت المنافسة الروسية مع إيران عاملاً محفزًا آخر للسياسة الروسية لبناء الجيش السوري على حساب الميليشيات المدعومة من إيران (كامل، 2024).

وأصبح واضح للنظام السوري أن روسيا بحلول عام 2024، لن تكون راغبة في تخصيص نفس الموارد لسوريا كما في الماضي، ونتيجة لذلك، كان النفوذ الروسي في تراجع، واعترفت روسيا بهذا الاتجاه، إذ تم تقليص عدد الدوريات الروسية بشكل كبير، واستمر الدعم المالي ولكن على الرغم من بقائه عند مستوى مرتفع فقد انخفض في ذروة الحرب في الفترة (2016-2017) لحوالي (2.5) مليار دولار سنويًا لدعم النظام السوري، وفي عام 2023 خفضت روسيا التمويل عن الوحدات التي اعتبرت غير مخلصة لهم، بحلول عام 2024 كان الدعم المالي أقل بنسبة (70٪) من الأعوام السابقة، وتم تقليص طلعات الدعم الجوي القريب، مع إرسال أفضل الطيارين للتحليق فوق أوكرانيا، حتى أن وجود المستشارين الروس في سوريا أصبح أقل بكثير بحلول عام 2024، وركزوا إلى حد كبير على تقديم المشورة لكبار المسؤولين، مثل رؤساء المخابرات وكبار الجنرالات، ولم يعد روسيا تشارك في العمليات، وتم توزيع المستشارين الروس في سوريا البالغ عددهم (80) مستشار تقريبًا في تشرين الأول عام 2024 بين وزارات مثل الدفاع والشؤون الخارجية والاقتصاد والرئاسة، ففي ذروة المشاركة الروسية في عام 2017 كان هناك (671) مستشارًا في سوريا (Zelin, 2025).

أنقذت روسيا النظام السوري في عامي (2015 و2016) من السقوط، لكن خطتها الطموحة لإنقاذ النظام السوري وإعادة بناء دولة قوية في سوريا تعثرت في تناقضات النظام، وبدت روسيا تفقد الثقة في بشار الأسد وحكومته، فمنذ عام 2017 تعارضت جهودهم لتعزيز النظام مع مصالحه، وانتهت بنتائج عكسية، وبينما رعت روسبا اختيارهم لضباط قياديين أكثر كفاءة، احتفظت عمليات التطهير التي قام بها الرئيس السوري السابق بشار الأسد بإصلاحاتهم، ومع بدء الحرب في أوكرانيا في عام 2022 قلصت روسيا التزاماتها في سوريا، وسحبت قواتها وخفضت التمويل، كما أصبحت روسيا منزعجة من رفض الرئيس السوري السابق بشار الأسد لجهودها للتوسط في تسوية مستقرة، وسعت روسيا بشكل متزايد إلى تجاوز الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعشيرته لبناء شبكتهم الخاصة من الموالين داخل القوات المسلحة السورية، وحاول الرئيس السوري السابق بشار الأسد تقويض جهودهم، وهو ما ردت عليه روسيا بتقييد الدعم بشكل متزايد للوحدات التي تعتبر موالية لهم (Sadjadpour, 2024).

بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم في سوريا، ستكون الدولة الثانية بعد أفغانستان التي نجحت في الاستيلاء على السلطة من قبل المسلحين، وهو ما يشكل إدانة للحرب على الإرهاب التي استمرت عقدين من الزمان، وقد اعتُبر انتصارهم بمثابة مخطط طموح، ولا يمكن التقليل من أهمية دور روسيا وإيران في بقاء النظام السوري لغاية عام 2024، ففي

عام 2015 دعمت سوريا التدخل في شأنها الداخلي من قبل روسيا، ورغم أن دعم روسيا لسوريا كان وجوديًا، إلا أنه تغير منذ الحرب في أوكرانيا عام 2022، حيث تراجعت القدرات العسكرية والاقتصادية الروسية، وتسعى روسيا للحفاظ على قواعدها الجوية والبحرية في محافظتي طرطوس واللاذقية في سوريا، ومع نجاح الصومال وأفغانستان واليمن وسوريا ربما تشعر الجماعات الإسلامية المسلحة، وخاصة في منطقة الساحل الأفريقي، بالجرأة لمحاولة الاستيلاء على عدد كبير من الدول الهشة في غرب أفريقيا، وتبرز هذه الحقائق كنتيجة لكل من إخفاقات الأمن العالمي وأعراض العودة الأمريكية للعب دور الشرطي العالمي بنشاط(Taneja, 2024) .

كانت روسيا أهم داعم عسكري وعزز وجود القوات الجوية والبرية والبحرية الروسية في سوريا قدرات روسيا على إبراز قوتها الإقليمية، وشكّل حصنًا منيعًا للحكومة السورية قبل عام 2024، ويُظهر قرار روسيا أواخر عام 2024 الحد من تدخلها العسكري في سوريا، وقرارها السريع بالتواصل مع السلطات الانتقالية السورية، الطبيعة الدائمة لمصالح روسيا في سوريا، مع استمرار الوصول العسكري كأولوية روسية رئيسية، وفي 3 شباط 2024 تبين أن صور الأقمار الصناعية التجارية أظهرت أن السفن البحرية الروسية، بما في ذلك الغواصات، لم تعد مرئية في طرطوس، فيما وصف الشرع علاقة سوريا مع روسيا بأنها استراتيجية، وإن الحكومة ستعمل على إقامة علاقة استراتيجية جديدة مع روسيا تقوم على احترام سيادة الدولة السورية، وزار نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” سوريا في 29 كانون الثاني 2025 والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع، ويشير دور روسيا في تسليح وتدريب أفراد الجيش السوري لعقود إلى أن السلطات السورية المؤقتة قد تنظر إلى روسيا كمصدر واحد للمعدات العسكرية والدعم أثناء إعادة بناء وتسليح قوات الأمن السورية، كما يمنح مقعد روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لها نفوذ على القرارات الدولية المتعلقة بسوريا (Shahbazov, 2025) .

  1. التداعيات المباشرة لتغيير النظام السوري على مواقف روسيا تجاه سوريا

تمتلك روسيا نقطتي تواجد عسكري استراتيجيتين في سوريا هما: قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وطرطوس وهي المنشأة البحرية الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، تأسست في سبعينيات القرن العشرين، وخضعت لتوسيع وتحديث كبيرين منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، ودخلت حميميم الخدمة عام 2015 لدعم العمليات الجوية الروسية خلال الحرب الأهلية السورية، وتُعد هذه القواعد أساسية لتعزيز مصالح روسيا في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط الأوسع، مما يمنح روسيا قدرات فريدة لاستعراض قوتها في المنطقة، وتُستخدم القواعد (ولا سيما قاعدة حميميم الجوية) كنقاط عبور حيوية، تخدم عمليات روسيا في المناطق النائية في أفريقيا لقد تبيّن أن الحفاظ على هاتين القاعدتين يُعدّ أحد الأهداف الرئيسية لنهج روسيا في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ففي كانون الثاني 2025، اقترحت وزارة الخارجية الروسية تحويل هاتين القاعدتين إلى مراكز إنسانية لتلبية الاحتياجات العاجلة للشعب السوري (أحمديان، 2025).

ويبدو أن الإدارة السورية الجديدة متشككة فيما يمكن أن تقدمه روسيا من مساعدات إنسانية أو تنموية، ويصعب افتراض أن روسيا يمكنها بسهولة كسب ثقة قادة هيئة تحرير الشام الذين صنفه على أنهم إرهابيون دوليون، قريبون من تنظيم القاعدة وشبكات متطرفة أخرى، وقد ألغت سوريا بالفعل عقدًا مع شركة روسية لإدارة وتشغيل ميناء طرطوس كان قد تم توقيعه في عهد الرئيس السابق بشار الأسد (بورار، 2024).

ومع ذلك، فإن المراجعة لترتيبات سوريا مع روسيا تقتصر على الجزء المدني من ميناء طرطوس، ولا تؤثر بشكل مباشر على وضع قاعدة طرطوس البحرية، التي لا تزال روسيا تنوي الاحتفاظ بها تحت سيطرتها وصرح الرئيس السوري أحمد الشرع بأن الحكومة الجديدة لديها مصالح استراتيجية مع ثاني أقوى دولة في العالم وأنه لا يريد أن تخرج روسيا من سوريا بطريقة تقوض علاقتها بسوريا، وأكدت القيادة السورية أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه، حتى لو تم الحفاظ على مستوى معين من الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإن شروط الوجود من المرجح أن تتغير بشكل كبير، مما سيحفز روسيا على البحث عن بدائل ممكنة(Michalski, Krzyżanowska, 2025) .

إن الآفاق المباشرة للتعاون الاقتصادي بين روسيا وسوريا صعبة فقد بلغ حجم التجارة الثنائية مليار دولار أمريكي، مع وجود فائض كبير على الجانب الروسي، وكانت روسيا أحد الموردين الرئيسيين لمخزون الغذاء إلى سوريا، بما في ذلك القمح والدقيق وزيت دوار الشمس، بالإضافة إلى الآلات والأدوية وتكتسب مشتريات القمح الروسي أهمية خاصة بالنسبة لسوريا، إذ توفر روسيا ما يقرب من نصف إجمالي الواردات وبعد سقوط نظام بشار الأسد تعطلت شحنات الحبوب الروسية إلى سوريا(Shahbazov, 2025) .

  1. التحديات التي تقف ضد استعادة الدور الروسي في سوريا لمرحلة ما بعد بشار الأسد: 

ومن أهم التحديات التي قد تؤثر على دور روسيا في سوريا ما يلي:

  • المقاربة الأوروبية: تقوم على نشاطات مشروطة في دعم سوريا، فالجهود الأوروبية اشترطت على القوى السياسية الجديدة في سوريا عدة شروط مقابل دعمها لسوريا واعطاءها دفعة قوية للعلاقات الأوروبية – السورية، كالمشاركة في إعادة الأعمار ورفع العقوبات بموازاة اطلاق عملية سياسية جامعة للسوريين بعيدًا عن التطرف والدور الروسي والإيراني فيها، وهذا ما أكدته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “كايا كالاس” في 16 كانون الأول 2024، بأن التطرف وروسيا وإيران يجب ألا يكون لهم مكان في مستقبل سوريا، وأضافت أن وزراء الاتحاد الأوروبي متفقون على وجوب تخلص قيادة سوريا من النفوذ الروسي(The Levant Studies Unit,2025).
  • المقاربة الأمريكية: القائمة على تعظيم دور الولايات المتحدة في سوريا والمنطقة، وهي المقاربة التي كشف عنها الرئيس الأمريكي ترامب بعد أن تمت الإطاحة ببشار الأسد، حيث غرّد على منصة “تروث سوشيال” مؤكدًا أن تهاوي سلطة الأسد كان من أسبابها عدم تلقيه مساعدة من روسيا، التي لم تكن لتتورط بسوريا في المقام الأول (Moonakal, 2025).
  • المقاربة الروسية – الأوكرانية: المتمثلة بطبيعة إنهاء الحرب، التي استنزفت القدرات الروسية وأثرت بشكل كبير على دورها في سوريا والشرق الاوسط، إذ تعد أوكرانيا الشغل الشاغل للروس في الوقت الراهن، لكونها تمثل الدائرة المرتبطة بالأمن القومي الروسي بشكل مباشر، مما يصعب الجهود الروسية في استعادة دورها في سوريا أو حتى الحفاظ على قواعدها العسكرية (DPI,2025)
  • المقاربة السورية الجديدة: التي تعيد دعم الرؤى المتعددة على المستويين الداخلي والإقليمي، سواء تلك القوى السياسية المدعومة من قبل تركيا أو المدعومة عربيًا، فضلًا عن القوى المحلية المدعومة أمريكيا، إذ يتوقف مدى الوجود الروسي في سوريا على رؤية القيادة الجديدة ونمط تحالفاتها المستقبلية، وما إذا كانت ستتجه نحو تحالفات استراتيجية، أم أن التركيز في تلك المرحلة الانتقالية سيكون على قضايا الداخل، كما سيتوقف ذلك الوجود، ومداه على توجهات السياسة الخارجية السورية الجديدة، وما إذا كانت ستتبنى فكرة تعزيز شراكاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وأوروبا (ضياء الدين، 2024).

روسيا مقتنعة بأن تراجع الهيمنة الغربية في غرب آسيا يخلق مساحة للاعبين الإقليميين لتأكيد أنفسهم، مما يقلل من نفوذ القوى العالمية مثل الولايات المتحدة، وبالتالي فإن قدرة روسيا لتثبيت نفوذها في غرب آسيا يحتاج مقاربة جديدة تعطي فيها مساحة أوسع للقوى الإقليمية لتحقيق مصالحهم وتكون هي الوسيط البعيد الذي يستطيع التواصل مع الجميع، لذا من الضروري إعادة تعريف مفهوم “القوّة العظمى في وقت يتحوّل فيه النظام العالمي”، وروجت روسيا إلى أن القوّة العظمى هي ليست تلك التي تتمتّع بقواعد عسكرية تنتشر في المناطق المختلفة، وهي ليست الدولة التي تتدخل في الأقاليم المختلفة عند كل حدث كبير، بل إن القوّة العظمى في المرحلة الحالية هي تلك التي تستطيع تأكيد هيمنتها في محيطها الجغرافي المباشر )كامل، 2024).

مما سبق تُواجه السياسة الخارجية الروسية بعد عام 2024 تجاه سوريا تحديات جديدة مع سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة، فروسيا، التي كانت حليفًا وثيقًا لنظام الأسد، تسعى للحفاظ على مصالحها في سوريا، خاصةً وجودها العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس ، ومع ذلك، هناك مؤشرات على إعادة تقييم لروسيا لوجودها العسكري في سوريا، مع سحب بعض القوات وتركيزها على القواعد الرئيسية،  تعتمد سياسة روسيا المستقبلية على عدة عوامل، بما في ذلك مدى استعداد الإدارة السورية الجديدة للتعاون مع روسيا، وتطورات الوضع في المنطقة، والمصالح الروسية في سوريا والشرق الأوسط.

  1. السيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري والدور الروسي والأمريكي:

فيما يلي عرض للسيناريوهات المحتملة في سوريا بعد سقوط النظام السوري والدور الروسي والأمريكي (همام، 2024):

السيناريو الأول: انتقال سياسي تحت رعاية دولية: في هذا السيناريو، تقود الولايات المتحدة وروسيا عملية انتقال سياسي، بالتنسيق مع القوى الإقليمية (تركيا وإيران)، يتم من خلالها تشكيل حكومة انتقالية شاملة تضم المعارضة والنظام السابق، مع ضمان الحماية الدولية واستقرار الأمن، ويمكن أن تبرز مواقف الولايات المتحدة ورسيا لهذا السيناريو من خلال الآتي:

  • موقف الولايات المتحدة: ستدعم مرحلة انتقالية تضمن مصالحها الإقليمية، مع التركيز على القضاء على بقايا تنظيم داعش ومراقبة تحركات الفصائل المسلحة، وتسعى لتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية لضمان انتقال السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، وقد تواجه صعوبات في بناء ثقة مع الأطراف السورية بسبب تاريخ التدخلات الخارجية، إضافة إلى مقاومة إيران وروسيا لأي نفوذ أمريكي موسع.
  • موقف روسيا: ستسعى روسيا لضمان استمرار نفوذها العسكري والسياسي في سوريا من خلال حماية القواعد العسكرية (حميميم وطرطوس) والتأكد من أن الحكومة الانتقالية لا تعادي مصالحها، وقد تدعم نظامًا ديمقراطيًا مرنًا يوفر مصالحها لكنه يسمح بالتوازن مع الأطراف الأخرى، وقد تواجه تحدي بالتوفيق بين مصالحها ومطالب المعارضة والشعب السوري قد يؤدي إلى صراع داخلي أو معارضة إقليمية.

من بين التحديات الرئيسية التي تواجه سوريا بعد تغيير النظام هو إرساء أسس مرحلة انتقالية تمهد الطريق للانتقال من الوضع المؤقت الحالي إلى نظام حكم سياسي دائم. هناك ما يشبه الإجماع بين مختلف المكونات السورية على ضرورة وضع الأسس الرئيسية لعملية الانتقال السياسي في أقرب وقت ممكن لضمان الاستقرار.

السيناريو الثاني: استمرار الفوضى والصراع المسلح: في هذا السيناريو، يتسبب سقوط النظام في فراغ أمني يفتح الباب أمام عودة الجماعات الإرهابية، مثل داعش، واستمرار الاقتتال بين الفصائل المسلحة، مع فشل القوى الدولية والإقليمية في التوصل إلى اتفاق، ويمكن أن تبرز مواقف الولايات المتحدة ورسيا لهذا السيناريو من خلال الآتي:

  • موقف الولايات المتحدة: ستسعى لمنع صعود أي جماعة إرهابية جديدة من خلال تدخلات عسكرية محدودة ودعم حلفائها الإقليميين، وقد تتجنب التورط العميق في الصراع بسبب الرأي العام الأمريكي المتردد تجاه التدخلات العسكرية الخارجية، لذا قد تواجه فوضى دون انجرار إلى صراع طويل الأمد.
  • موقف روسيا: ستركز على حماية قواعدها العسكرية، وربما تكتفي بدور عسكري محدود لتأمين مصالحها، وقد تدعم ميليشيات محلية موالية لضمان بقاء نفوذها، مع تحمل خسائر محتملة بسبب تصاعد العمليات الإرهابية، مما قد يؤدي إلى تزايد العداء المحلي والإقليمي ضد النفوذ الروسي في ظل غياب نظام مركزي قادر على احتواء الصراع.

وعليه تعتبر استقلالية الدولة السورية والتدخلات الخارجية قضيتين مترابطتين، حيث أدت التدخلات الخارجية إلى تقويض سيادة الدولة وتأثيرها على مجريات الأمور داخل سوريا. من الضروري التوصل إلى حلول داخلية تضمن استعادة استقلالية الدولة وتقليل التدخلات الخارجية، لضمان مستقبل مستقر لسوريا. 

السيناريو الثالث: تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ: في هذا السيناريو، يتم تقسيم سوريا فعليًا إلى مناطق نفوذ تديرها القوى الدولية والإقليمية، بحيث تكون الدولة السورية مقسمة بين قوى متنافسة، ويمكن أن تبرز مواقف الولايات المتحدة ورسيا لهذا السيناريو من خلال الآتي:

  • موقف الولايات المتحدة: ستركز على تأمين مناطق شرق الفرات، حيث الموارد الطبيعية (النفط والغاز)، وتعمل على تعزيز نفوذها عبر دعم قوات سوريا الديمقراطية، مما قد يؤدي لمواجهة انتقادات حلفائها في المنطقة، مثل تركيا، وتزايد التوتر مع روسيا وإيران.
  • موقف روسيا: تدير مناطق سيطرة النظام السابق، مع التركيز على حماية القواعد العسكرية الروسية وضمان استمرارية نفوذها في البحر المتوسط، مما قد يؤدي إلى تعارضها مع القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، خاصة إذا حاولت تعزيز نفوذها بشكل أكبر.

مما سبق تكمن أبرز التحديات التي تواجه سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، وهو ما يسبقه تحدي طمأنة الأقليات ثم إدماجهم في النظام الجديد، وتحقيق مطالبهم المشروعة، وتعتمد مواجهة هذه التحديات على أبعاد أخرى تشكل تحدي مقاومة التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وتحدي التوافق السياسي بين الكيانات الكبرى والصغرى الفاعلة في الثورة السورية على الأقل فيما يختص بالبدء في خريطة محددة للمرحلة الانتقالية، وتحدي التعامل مع بقايا النظام السابق، سواءً من اشترك منهم في ارتكاب جرائم ضد الشعب أو لم تثبت مشاركته.

  1. الخلاصة:

يمكن القول إن التحول البراجماتي في موقف الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الإدارة السورية الجديدة، وبعد أن كانت بطيئة ومترددة في التعامل معها خوفًا من ماضيها، إنما يرتبط بالمقاربة المتزنة التي اتبعها الإدارة السورية الجديدة القائمة على استقطاب وتهدئة المخاوف الأمريكية والتعاطي بشكل إيجابي مع المطالب الأمريكية من خلال التأكيد أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب لن يشكلوا خطرًا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها، وعلى إمكانية منحهم الجنسية طبقًا لما سيؤول إليه الدستور السوري الجديد، فضلًا عن تهدئة المخاوف فيما يخص التوترات مع الجانب الإسرائيلي من خلال التواصل معهم عبر وسطاء وكذلك الأكراد من خلال الاتفاق مع قائد قوات سوريا الديمقراطية وتوقيع اتفاقية معها في آذار 2025، والإشارة إلى استعداده لإبرام صفقات تسمح لشركات النفط والغاز الأمريكية بالقيام بأعمال تجارية وحق الوصول إلى النفط والغاز السوري، وفي مرحلة ما بعد الأسد، ستسعى روسيا إلى استراتيجيات جديدة للحفاظ على دورها في سوريا والمنطقة. يُعدّ الوجود العسكري المستدام في قاعدتي طرطوس وحميميم الاستراتيجيتين أمرًا بالغ الأهمية، ومن المرجح أن تُعزز روسيا قواتها العسكرية هناك، ومن المرجح أن تلعب روسيا دور الوسيط في إرساء هيكل سياسي جديد في سوريا، مما يضمن استمرار نفوذها في الديناميكيات السياسية لسوريا، وستسعى روسيا جاهدةً إلى موازنة علاقاتها مع دول المنطقة مثل تركيا وإيران والدول العربية، مما يعزز مكانتها في الشرق الأوسط. وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ستبرر روسيا وجودها العسكري في سوريا مع مواصلة تعزيز قدراتها العسكرية في المنطقة.

  1. النتائج: خلصت الدراسة الى النتائج التالية:
  • تبين من خلال البحث أن الصراع في سوريا ببرز من متغيراته المتعددة الداخلية والإقليمية والدولية، كنموذج للصراع المركب بمسارات متداخلة، فهو صراع إرادات على كل المستويات، أفرزت حالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي، في منطقة لا زالت مرتهنة وتتعامل مع مفاهيم الواقعية الكلاسيكية في علاقاتها، مثل موازين القوى والمصلحة والقوة والتحالفات القائمة على المصلحة.
  • تبين أن الولايات المتحدة اعتمدت موقفًا حذرًا في التعامل مع تطورات الأحداث في سوريا بعد عام 2024، متوازنةً بدقة بين ضروراتها الاستراتيجية ونفورها من التورط العسكري العميق، وتحوّلت التصريحات الأولية بدعم المعارضة والدعوات لإسقاط الأسد تدريجيًا إلى استراتيجية أكثر اعتدالًا، ركزت على المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب وفرض العقوبات الاقتصادية.
  • تبين من خلال الدراسة أن روسيا بشكل مباشر في الأزمة السورية بعد عام 2027، لتصبح من أبرز الداعمين لنظام بشار الأسد، وكان هدف هذا التدخل إلى منع انهيار حكومة الأسد، وحماية مصالح روسيا الاستراتيجية في المنطقة، ومواجهة النفوذ الغربي، إلا أن سقوط حكومة بشار الأسد يُمثل نقطة تحول في تطورات الوضع في سوريا، ويدفع سياسات روسيا ودورها في سوريا إلى مرحلة جديدة.
  • تبين من خلال الدراسة أن روسيا تسعى للتفاوض مع الإدارة الجديدة في سوريا للإبقاء على قواعدها العسكرية، ومع تطور المفاوضات أبدت الحكومة السورية انفتاحًا كبيرًا للإبقاء على هذه القواعد مقابل الحصول على مكاسب لصالح سوريا.
  • يُشكّل سقوط حكومة الأسد تحديات جديدة لروسيا قد تُهدد نفوذها في سوريا، وتتنافس كل من تركيا وإيران والولايات المتحدة والدول العربية على مزيد من القوة والنفوذ في سوريا، مما قد يُضعف دور روسيا في منطقة الشرق الاوسط .
  1. التوصيات: في ضوء نتائج الدراسة فأنها توصي بما يلي :
  • يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على موقفها الثابت بشأن ضرورة الالتزام بعملية الانتقال الشاملة الموعودة، مع احترام حقوق الإنسان وحماية جميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، وهذا أمر أساسي، ليس فقط لضمان نجاح العملية الانتقالية، وإنما لضمان الاستقرار في سوريا، وإنما لضمان الاستقرار في سوريا.
  • يجب العمل على خلق مناخ سياسي عام يحافظ على استقرار سوريا وسيادة القانون مع تشجيع المبادرات السياسية القائمة على أساس الحل السلمي للأزمة.
  • إيجاد فرص لحل الأزمة السورية بطريقة سلمية من خلال الحل السياسي ومن خلال عقد مؤتمر دولي يجمع كافة أطراف الصراع في سوريا لوضع خارطة طريق تسهم في تعزيز الحل السلمي من خلال مرحلة انتقالية بإشراك كافة مكونات المجتمع السوري.
  • وضع استراتيجية واضحة ومحددة حول كيفية ضمان نجاح المرحلة الانتقالية واعطاء دور أكبر للأمم المتحدة من مجرد القيام بمهمات إنسانية وتنسيقية بين الأطراف بل القيام بدور فاعل في بناء سوريا الجديدة القائمة على الأمن والاستقرار.
  • اجراء دراسات بحثية حول التدخلات الخارجية وأثره على الاستقرار السياسي في سوريا .

المصادر والمراجع

باللغة العربية:

  • إلياس، سامر (2024). مستقبل الحضور الروسي في الشرق الأوسط والملف السوري، دمشق: مركز الحوار السوري.
  • الحمداني، قحطان (2004). الأساس في العلوم السياسية، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع.
  • دورتي، جيمس، وبالتسغراف، روبرت (1986). النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة: وليد عبد الحي، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.
  • صلاح، مصطفى (2025). تداعيات السقوط: أسباب تراجع استراتيجية روسيا الإقليمية بعد سقوط الأسد، القاهرة: المركز العربي للبحوث والدراسات
  • المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2024). عملية ردع العدوان وانهيار قوات النظام السوري، وحدة الدراسات السياسية.
  • مركز الفرات (2025). الدور الروسي في سوريا بعد الأسد في ظل المقاربات الغربية–الأمريكية، بغداد.
  • مصباح، عامر (2006)، الاتجاهات النظرية في تحليل العلاقات الدولية. الجزائر: ديوان المطبوعات ‏الجامعية.

المقالات:

  • أحمديان، حسن (2025). إيران وسوريا ما بعد الأسد: تريث وترقب، https://studies.aljazeera.net/ تاريخ الوصول 7/5/2025.
  • بورار، هشام (2024). أمريكيا تعتزم “الانخراط” مع “تحرير الشام” ك”مظلة لمجموعات معارضة متنوعة”، https://www.alhurra.com/ تاريخ الوصول 9/5/2025
  • تينغ، سو (2024). التنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط: دراسة حالة سوريا (2011-2016)، مجلة کلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسکندرية، 9 (18)، 13-44.
  • ضياء الدين، حبيبة (2024). تأثيرات ممتدة: التداعيات الدولية لسقوط نظام الأسد،/www.habtoorresearch.com/ تاريخ الوصول 9/5/2025
  • العضايلة، عبد الله (2011). التنافس في اسيا الوسطى، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الشرق الاوسط، عمان، الأردن.
  • كامل، أحمد (2024). لهذه الأسباب أخفقت روسيا في دعم بقاء الأسد، https://www.aljazeera.net/ تاريخ الوصول 11/5/2025
  • همام، محمود (2024). التحولات الاستراتيجية في سوريا.. مستقبل غامض وسط التدافع الإقليمي والدولي، https://www.siyassa.org.eg/News/21908.aspx تاريخ الوصول 7/5/2025

Books :

Kemp, S (2012). America, Russia, and the Middle East Greater, Challenges and Opportunities.

Rabinovich, I and  Valensi, C (2021). Syrian Requiem: The Civil War and Its Aftermath, Princeton University Press.

Walk, G ((2012. The Great Powers’ Struggle Over Syria: The Geopolitical Dimensions of the 2011 Crisis, Political Science And Strategy.

Articles :

Al-Joulani, A (2024). From an American Prison in Iraq to Founding a Sunni Entity in Syria Podcast,  https://www.youtube.com. Visit 16/5/2025.

Burke, J (2024). Syria’s New Leader Has Two Identities – but Which One Will Take the Country Forward?, The Guardian, December 10, 2024, sec. World news, https://www.theguardian.com. Visit 13/5/2025.

Cafiero, G (2025). What Role Will Gulf States Play in Post-Assad Syria?, https://www.newarab.com. Visit 12/5/2025.

Cepoi, E (2013). The Rise of Islamism in Contemporary Syria. From Muslim Brotherhood to Salafi-Jihadi Rebels, Studia Politica. Romanian Political Science Review, 13 (3). 549–61.

Conduit, D (2016). The Syrian Muslim Brotherhood and the Spectacle of Hama, The Middle East Journal, 70 (2), 211–226.

DPI (2025) Analysis of Defence Spending in the Middle East, https://www.defenceprocurementinternational.com/ Visit 7/5/2025.

Euronews (2025), Devlet Bahçeli, PKK lideri Öcalan’ı Meclis’te konuşma yapmaya çağırdı, October 22, 2024. Accessed on Jauary 16, 2025. https://tr.euronews.com. Visit 8/5/2025.

Hamit, S (2024), Why Assad’s fall blindsided Washington,” The Washington Post, 13/12/2024.

Israel’s Political Crisis Deepens (2025). ISPI (blog), accessed January 9, 2025, https://www.ispionline.it.. Visit 7/5/2025.

Kiran, A (2025). Trump and the New Era of Middle Eastern Policies”, Centre Français de recherche sur l’Irak (CFRI), www.cfri-irak.com Visit 6/5/2025.

Kortunov, A (2024) The Regime Change in Syria and the Responsibility of Great Powers December 20, 2024, https://russiancouncil.ru Visit 5/5/2025.

Loft, P Mills, C (2024). Syria after Assad:Consequences and next steps in 2024/25, European Space Agency, The Middle East as seen by Envisat/CC BY-SA 3.0, 19 December 2024.

Lyons, J (2024). How the fall of Bashar al-Assad in Syria will affect the Middle East and Russia, retrieved from: https://www.abc.net.au. Visit 8/5/2025.

MacFarquhar, N (2024). Russia’s Abrupt Setback in Syria Creates Headaches for Putin, retrieved from:https://www.nytimes.com/ Visit 4/5/2025.

Michalski, A Krzyżanowska, Z (2025) Turkey’s Syrian dilemmas: success and the road ahead, https://www.osw.waw.pl/ Visit 11/5/2025.

Moonakal, N (2025). The effects of Gaza War and changing balance of power in Middle East, https://www.firstpost.com/ Visit 4/5/2025.

National Council on U.S.-Arab Relations (2025). Syria in Transition: Charting a New Path for Regional Stability and US Policy, https://ncusar.org/ Visit 3/5/2025.

Sadjadpour, K (2024), The Battle for the Middle East,” Foreign Affairs, October 22,

Salih, M (2024). ost-Assad Syria: Challenges, Opportunities, and the US Role in Shaping its Future,24 January2024. https://www.fpri.org/articl/ Visit 1/5/2025.

Shahbazov, F (2025) Iran Grapples with a New Strategic Reality after Assad’s Ouster, https://gulfif.org/ Visit 2/5/2025.

Taneja, K (2024) The fall of Assad and the battle for Syria’s future: Regional and global ramifications, https://www.chathamhouse.org/ Visit 11/5/2025.

The Jerusalem Post (2025). FM Gideon Sa’ar: The regime in Damascus is ‘a gang – not a legitimate gov’t’. December 28, 2024. Accessed on January 17, 2025. https://www.jpost.com. Visit 11/5/2025.

The Levant Studies Unit (2025). Inevitable Engagement: The Trump Administration’s Likely Policy in Syria, https://epc.ae/en/details Visit 5/5/2025.

Zelin, A (2025). The Age of Political Jihadism: A Study of Hayat Tahrir al-Sham, accessed January 12, 2025, www.euronews.com.

Ziadeh, R (2015). the Damascus Spring to the Arab Spring: A Nonpersonal Story, https”www.academia.edu Visit 3/5/2025.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى