ما الذي يريده السوريون ؟ بيانات مسحية جديدة تكشف وعود المرحلة المقبلة ومخاطرها على الحكومة السورية الجديدة

بقلم الكاتبان : سلمى الشامي، مايكل روبنز – 5 ديسمبر 2025 – منشور في موقع فورين أفيرز – راجعه ودققه : د. طالب الدغيم
- المركز الديمقراطي العربي
بعد مرور عام على سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، لا تزال سوريا دولة تقف عند عتبة تحوّل صعب. فالبنية التحتية مدمّرة إلى حدّ كبير، فيما تتجاوز كلفة إعادة الإعمار 200 مليار دولار. والبلاد تحتاج بشدة إلى منظومة قوانين ومؤسسات قادرة على إعادة البناء، ومحاسبة مجرمي الحرب، وضمان استجابة الحكومة الجديدة لمطالب مواطنيها. وباختصار، على سوريا أن تعيد تشكيل ذاتها في الوقت الذي تكافح فيه لاستعادة القدرة على العمل.
ولأجل فهم الطريق الأمثل لإعادة بناء الدولة، ينبغي لصنّاع القرار في سوريا وداعميهم الدوليين إدراك ما يريده السوريون فعلاً. ولهذا أجرى “الباروميتر العربي”، بالتعاون مع شريك محلي هو “آر إم تيم إنترناشونال”، أول مسح شامل داخل سوريا بين 29 أكتوبر و17 نوفمبر. وتمكن فريق مكوّن من 29 باحثاً ميدانياً من إجراء مقابلات مباشرة مع 1229 مواطناً تم اختيارهم عشوائياً من مختلف المناطق، مستخدمين العربية والكردية.
وتكشف النتائج عن مؤشرات تبعث على التفاؤل. فالسوريون يظهرون توجهاً عاماً نحو الأمل، وميلاً واضحاً لدعم الديمقراطية، واستعداداً للانفتاح على المساعدات الدولي including من الولايات المتحدة وأوروبا. وكما أنهم يعلنون ثقة معتبرة بالحكومة الحالية. ومع ذلك، تكشف البيانات أيضاً عن جوانب مثيرة للقلق: استياء واسع من الوضع الاقتصادي والخدمات العامة، مخاوف أمنية داخلية، اختلافات في تقييم مظالم الماضي، وتباينات حادة في شعبية الحكومة بين المحافظات، خصوصاً تلك ذات الغالبية من الأقليات الدينية.
وبالتالي، تجد الحكومة السورية الجديدة نفسها أمام مهمة شاقة: فهي تتمتع حالياً بهامش زمني مريح بفعل الشعبية العالية، لكن هذا “شهر العسل” لن يدوم طويلاً. وعندما يبدأ السوريون بالحكم على الأداء الفعلي للحكومة، ستواجه القيادة اختبارها الحقيقي. فإذا فشلت حكومة الرئيس أحمد الشرا في تحسين الاقتصاد وتعزيز الشمول السياسي، قد تنحدر شعبيتها سريعاً، وربما تعود الانقسامات الداخلية للواجهة بقوة.
أولاً: مؤشرات إيجابية… وأخرى مقلقة
حالياً، يتمتع الشرع ونظامه بمعدلات ثقة قد يحسدهم عليها كبار قادة العالم. فـ81% من السوريين يبدون ثقتهم بالرئيس، و71% بالحكومة، و62% بالقضاء، و71% بالجيش. والمثير أن هذا لا يبدو نتاج خوف أو قمع، إذ إن المنتقدين تحدثوا للمساحين بصراحة.
وتظهر الأغلبية أن لديهم حرية الكلام (73%)، وحرية الصحافة (73%)، وحرية التظاهر السلمي (65%). أما المجلس الشعبي المنتخب حديثاً، فالثقة به أقل (53%)، وثمة رأي عام واسع بأن عملية الانتخابات لم تكن واضحة أو عادلة بما يكفي (40%). ومع ذلك، يرى 67% أن الحكومة “تستجيب” لما يريده الناس.
لا يصعب فهم سبب الارتياح العام. فبعد سنوات طويلة من القمع، خفّض السوريون بشكل كبير من حجم المخاطر التي كانت تلاحق حياتهم اليومية. فـ78% عانوا بين عامي 2011 و2024 من تهجير أو فقدان الممتلكات أو خسارة الأقارب أو التعرض للتهديدات، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 14% منذ بداية 2025. كما يرى 70% أن الفساد تراجع مقارنة بعهد الأسد، ويعتقد 76% أن مستقبل أبنائهم سيكون أفضل من حاضرهم.
أما الجانب المقلق، فهو الاقتصاد. إذ يبدي 17% فقط رضاهم عنه. وتتصدر التضخم وقلة فرص العمل والفقر قائمة المشاكل الوطنية. ويؤكد 86% أن دخل الأسرة لا يكفي لسدّ الاحتياجات، و65% يقولون إنهم نفد منهم الطعام خلال الشهر الماضي قبل أن يتمكنوا من شراء المزيد. كما يظهر تراجع كبير في الرضا عن الخدمات الأساسية: الكهرباء (41%)، والمياه (32%)، والسكن (35%)، والصحة (36%).
أما أمنياً، فرغم شعور 94% بالأمان في أحيائهم، فإن المواطن السوري يرى أن استعادة احتكار الدولة للقوة يشكل تحدياً رئيسياً. 74% يريدون جمع السلاح من الجماعات المسلحة غير الحكومية، و78% يريدون جمعه أيضاً من الأفراد غير المخوّلين. أما الخطف فيعدّه 63% تهديداً خطيراً.
ثانياً: دولة منقسمة مناطقياً
تكشف البيانات أن الدعم الشعبي للحكومة يتفاوت بشكل كبير بين المناطق. ففي اللاذقية وطرطوس والسويداء – وهي مناطق يغلب عليها أبناء الأقليات العلوية والدروز – تتراجع مؤشرات الثقة: 36% فقط يثقون بالحكومة، و33% بالقضاء، و22% بالجيش، و36% بالرئيس. كما تقل نسبة من يقولون إن لديهم حريات عامة.
وتعكس هذه التباينات آثار عقود من السياسات الطائفية التي ورثتها الدولة بعد سقوط النظام، فضلاً عن أعمال انتقامية شهدتها بعض هذه المحافظات خلال عام 2025، ما عزز مخاوف سكانها من مستقبل ما بعد الأسد.
وعلى الرغم من رغبة 78% من السوريين في بناء مجتمع متسامح، فإنهم لا يتفقون تماماً على من يستحق الاعتراف بآلامه أكثر. ويرى جزء كبير من السوريين أن مظالم الأغلبية قبل 2024 تحتاج اهتماماً أكبر. ومع ذلك، يوافق 70% على أن العدالة الانتقالية يجب أن تشمل كل الجرائم، بما فيها تلك التي ارتكبتها القوى المسلحة غير الحكومية. وهذا تطور إيجابي نحو تحقيق مصالحة أوسع.
ثالثاً: قبول واسع للديمقراطية والمساءلة
يرى 71% أن الديمقراطية، رغم عيوبها، أفضل من أي بديل آخر. ويعارض أقل من نصف السكان فكرة “الحاكم القوي الذي يتجاوز القواعد”. وهذا يعكس نضجاً شعبياً بعد تجربة مريرة مع الحكم الفردي.
رابعاً: الحاجة إلى الدعم الخارجي
لا ترغب سوريا في مواجهة تحدياتها وحدها. فـ80% من السوريين يريدون مساعدات اقتصادية، سواء لدعم التنمية أو لإعادة الإعمار. وتحتل السعودية وقطر رأس قائمة الدول الأكثر شعبية (87% و83%)، تليهما تركيا (73%)، وإن كان دعمها أقل بين الأقليات.
كما يبدي السوريون – بمن فيهم شريحة من الأقليات – مواقف إيجابية تجاه الاتحاد الأوروبي (70%) والولايات المتحدة (66%). ويعود ذلك إلى رفع العقوبات وإشارات الدعم السياسي والاقتصادي. ومع ذلك، يعارض 92% التطبيع مع إسرائيل، ويعتبرون سياساتها العسكرية تهديداً لهم.
فرصة لن تبقى مفتوحة طويلاً
يشعر السوريون بالارتياح لخروج النظام القديم، وهم متفائلون نسبياً بالمستقبل. لكنهم أيضاً قلقون من الحاضر، ومن استمرار الأوضاع الاقتصادية المتردية وتفاقم الانقسامات المناطقية. ورغم أن الحكومة الحالية أمامها نافذة تاريخية لبناء دولة جديدة، فإن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد. فإذا لم تُنجز إصلاحات حقيقية وتحقق تقدماً ملموساً، قد تنقلب التطلعات الشعبية إلى خيبة أمل وعودة التوترات.
المصدر:



