تحليلات

تسائولات حول مقتل اسامة بن لادن

دور الإستخبارات الباكستانية في مواجهة طالبان والقاعدة

كتب ـ جاسم محمد

أثار مقال للصحافي الأمريكي “سيمور هيرش”في 11 مايو 2015 ألكثير من التسائولات، بشأن رواية مقتل اسامة بن لادن في 2 مايو 2011 والتي نفذتها قوات” الكوماندو” الاميركية. الرواية تقول بأن مسؤولين بارزين بالجيش وبالأستخبارات كانوا على علم مسبقا بالعملية، نقلا عن مسؤول بارز متقاعد بالاستخبارات ومصادر أمريكية. وأضاف أن أمريكا أبلغت بمكان اختباء بن لادن من مسؤول استخباراتي بارز سابق، قدم نفسه للسفارة وباع المعلومات مقابل 25 مليون دولار. “جيرونيمو” هو الاسم الحركي الذي أطلقته القوات الأمريكية على عملية قتل بن لادن، وهو اسم يعود إلى أحد أشهر قبائل الهنود الحمر الذين قاتلو الأمريكيين البيض في القرن التاسع عشر، ويعتبر الاسم رمز تاريخي يرمز إلى مهارات القتال التي جعلت من “جيرونيمو” أسطورة.
إن دخول مقاتلات اميركية الاجواء الباكستانية، لايمكن ان يتم دون علم مسبق من الحكومة الباكستانية كونها معروفة بقدراتها في سلاح الطيران والدفاع الجوي وشبكة راداراتها اضافة الى امكانيتها الإستخبارية. لذا ممكن ان تكون العملية قد تمت بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية رسميا وليس خيانة كما جاء في المقال. ومن المرجح بان تفاصيل رواية مقتل بن لادن والتي نشرت في اعقاب العملية، هي محاولة لأبعاد الشبهات عن الحكومة الباكستانية لتتجنب تحريض الشارع الباكستاني والافغاني. إن ما ورد في مقال الصحفي”سيمور هيرش” ربما في موضع التحليل وليست الحقائق ورغم ذلك تضمن المقال الكثير من التناقضات الاستخبارية: اهمها، إن متبرع المعلومات”ضابط كبير في الاستخبارات الباكستانية” لايمكن له تأمين كافة مستلزمات العملية والتي تتعلق بأطراف في الدفاع والأستخبارات. ومايجعل مقال الصحفي الاميركي متناقضا، فأن مراجعة ضابط كبير من الاستخبارات الباكستانية الى مقر السفارة الاميركية “متبرعا بالمعلومات” يعتبر خطأ قاتل لايرتقي الى درجة ذكاء ضباط الاستخبارات الباكستانية. في السياقات الاستخبارية يرجح اللقاء بمثل هذا النوع من العملاء في دولة ثالثة وهذل مالم يحصل.

احداث 11 سبتمبر والحرب على الارهاب:

بعد أحداث سبتمبر 2001 والحرب على طالبان وتنظيم القاعدة فى أفغانستان ظهرت تغيرات فى الاستراتيجية الاميركية بمنطقة جنوبى آسيا. وقد استطاعت باكستان خلالها إدخال تحولات مهمة فى علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصة بعد أن كانت تلك العلاقات قد شهدت توترا على خلفية العلاقات الباكستانية مع نظام طالبان . أن تعاون الولايات ألمتحدة والباكستان كان يتضمن أن تحصل الباكستان على التمويل الاميركي مقابل تعاونها في الحرب على الارهاب في المنطقه وخاصة عند الحدود الباكستانية الافغانية ويرجع هذأ ألتحالف الى عام 1949. هذه العلاقة عانت ألكثير من ازمة الثقة فاميركا تنظر الى الباكستان بانها تلعب دورا مزدوجا في محاربة طالبان وتنظيم القاعدة في افغانستان رغم استمرارية الدعم الاميركي للباكستان. فقدت ألباكستان الثقة بحليفتها واشنطن مقابل ذلك بسبب تراكم الازمات ومساومة اميركا على دفع المساعدات للباكستان. وكان هنالك تصعيد امريكي ـ هندي ضد جهاز المخابرات العسكرية الباكستاني خلال الفترة من 1979 – 1989 استفادت أمريكا من مساعدات “مجاهدي طالبان”من خلال جهاز المخابرات العسكرية الباكستاني (ISI)، ثم كررت تلك المنفعة بعد أحداث 11 سبتمبر 201. وتشعر اشنطن بالهاجس من الاستخبارات الباكستانية لأنها تدرك حقا قدراتها وامكانياتها. وتعتبر الاستخبارات الباكستانية واحدة من عشر انشط الوكالات الاستخبارية اقليميا وربما دوليا.

باكستان في مواجهة الإرهاب:

صعدت وتيرة التهديدات الاميركية للباكستان قبل الغزو الاميركي لافغانستان على لسان “كولن باول” وزير خارجيتها انذاك عندما حذر فيها الحكومة الباكستانية قائلا ” : اما ان تكونوا معنا او ضدنا ” كذلك تهديدات “ريتشارد ارمتياج” مساعد وزير الخارجية الاميركية السابق أنذاك ـ الى الحكومة الباكستانية بان الولايات المتحدة ستعيد الباكستان الى العصر الحجري في حال رفضها التعاون ضمن ما يسمى الحرب على الارهاب، هذه التصريحات كشفها “برويز مشرف” الرئيس الباكستاني السابق في كتابه ” على خط النار. واصبح دور الباكستان اكثر اهمية في المنطقة في اعقاب الانسحاب الاميركي من افغانستان 2014، رغم بقاء بضعة الاف منهم تحت غطاء مستشارين. ويكمن الدور الباكستاني بالخيوط التي تمسكها الاستخبارات الباكستانية بقيادات طالبات افغانستان. التقارير الاستخبارية كشفت عن تمكن الباكستان من احداث خروقات تنظيمية داخل طالبان وربما القاعدة. هذا الدور والقدرات الباكستانية ضد طالبان لم يأتي وليدة الساعة بقدر ماكان متزامنا مع نشأة حركة طالبان.

تحالفات باكستانية اقليمية بديلا عن واشنطن:

لقد وجدت أسلام أباد التحالفات الاقليمية بديلا افضل لحل مشكلة الارهاب وزعزعة الامن في المنطقة تحديدا في افغانستان هكذا تنظر الباكستان الى الولايات المتحدة بانها حليف لايمكن الاعتماد عليه بالاضافة الى ان المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للباكستان تكلفها الكثير من الخسائر البشريه والسياسية في اعقاب عملياتها العسكرية وضربات الجوية الاميركية لاهداف تنظيم القاعدة وطالبان خاصة طائرات بدون طيار. المنطقة القبلية، جنوب وزيرستان شمال غرب باكستان، كانت وماتزال ملاذا لتنظيم القاعدة وحركة طالبان. أن خروج الباكستان من التحالفات الاميركية في المنطقة كانت عنوان بارز الى بعض المرشحين للانتخابات الباكستانية في مايس 2013 ابرزهم رئيس الحكومة الحالي نواز شريف.

إن الرؤية الباكستانية الجديدة تقوم على ابدال التحالفات الخارجية الدولية بتحالفات اقليمية لحل المشاكل في اماكن الصراع والازمات وعدم الاكتفاء على التحالفات الدولية، والتي ممكن ان تاتي بنتائج افضل لدول المنطقة طالما ان التحالفات الدولية لاتكون الا بشروط التدخل السياسي والعسكري وغالبا ماتنتهي بكوارث سياسية وانسانية. المشكلة في العلاقات الباكستانية الاميركية تكمن بعدم فصل واشنطن مابين طالبان الباكستانية والافغانية. ان مصداقية الولايات المتحدة مع حلفائها باتت موضع عدم ثقة مما دفع الباكستان للبحث عن حليفا بديلا في المنطقة وهوالصين بالاضافة الى التحالفات الاقليمية لتكون الصين بديلا للولايات المتحدة في مصدر سلاحها الجوي. إن عملية مقتل بن لادن تخفي الكثير من الاسرار عن دور الإستخبارات الباكستانية في مواجهة طالبان والقاعدة.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى