إرث معمر القذافي في الحكم لا يزال يطارد ليبيا في الاستقرار والحرية
الجداريات التي تسخر من معمر القذافي في شوارع المدن الليبية، ليست كل ما تبقى من ذكرى “العقيد”. فإرث الديكتاتور الذي قتل قبل أربع سنوات في انتفاضة شعبية، لا يزال يخيم على ليبيا التي فشلت حتى الآن في استبدال نظام حكم الفرد والعائلة بدولة مؤسسات فعالة.
لا يزال إرث معمر القذافي في الحكم يطارد ليبيا، ولم تتمكن حتى الآن من إنهاء الصراع على السلطة وتحقيق الاستقرار. ويعتبر خبراء أن ليبيا كانت دولة بدون مؤسسات في عهد “ملك الملوك”، تختصر في شخصه فقط، انهارت بسرعة بعد مقتله في ثورة شعبية، ودخلت البلاد في فوضى يمكن أن “تتواصل لعقود”.
وقتل القذافي، الذي عرف بتصرفاته غير المتوقعة وملابسه البدوية وخطاباته المطولة، في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011 على يد مجموعة مسلحة في مدينة سرت، مسقط رأسه، بعدما حكم البلاد منذ كان في السابعة والعشرين من عمره إثر انقلاب عسكري، ولأكثر من أربعة عقود.
ومنذ مقتله، تشهد ليبيا فوضى أمنية وسياسية واقتصادية، إذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ الإعلان عن “التحرير الكامل” من نظام القذافي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، ترسيخ حكم ديمقراطي بمؤسسات فعالة، وهي عناوين نادت بها “الثورة”.
ويقول نايبي-أوسكوي “اسم القذافي سيبقى عنوانا رئيسيا، خصوصا مع محاكمة رموز نظامه وأفراد عائلته، وعودة حوادث معينة إلى الواجهة، مثل تفجير لوكربي”.
ويضيف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “ستراتفور” الاستشارية الأمنية الأمريكية، لقد “اختار القذافي أن يبني دولة تتمحور حول شخصه، ثم استخدم العامل العسكري، معتمدا على عائدات النفط لقمع أي معارضة، بدل أن يبني دولة مؤسسات يمكن أن تستمر في غيابه”.
ويتابع قائلا “لم تكن هناك دولة مؤسسات في ليبيا، الأمر الذي دفع نحو السقوط في الفوضى عقب الإطاحة بالقذافي”، مشيرا إلى أن تبعات سياسات “الدولة المفككة” التي أوجدها القذافي “ستتواصل لعقود”.
ويوضح نايبي-أوسكوي “سيمر وقت طويل قبل أن تترسخ في ليبيا هوية وطنية موحدة ويعود إليها الاستقرار الأمني الذي كانت تتمتع به خلال فترة حكم” القذافي.
نظريا، كان نظام القذافي في “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى” يقوم على “حكم الشعب”، أي ممارسة السلطة من خلال مؤتمرات شعبية تضم ممثلين عن كل المناطق، إلا أنه في الواقع، كان يختصر بالزعيم الليبي الذي أطلق على نفسه لقب “ملك ملوك أفريقيا” وحكم بمزاجيته أكثر منه وفق قوانين “الكتاب الأخضر” الذي وضعه بنفسه.
وكان القذافي جعل من النفط المحرك الأوحد للاقتصاد ولعائدات الدولة. واليوم، يدفع استمرار النزاع الاقتصاد نحو “الانهيار التام”، بحسب ما يحذر مسؤولون ليبيون، بعدما انخفضت صادرات النفط، المصدر الوحيد للإيرادات في فترة ما بعد القذافي أيضا، إلى نحو 400 ألف برميل يوما، أي أكثر من النصف.
في طرابلس، تنتشر على الجدران المقابلة لمجمع باب العزيزية الشهير، المقر السابق للقذافي والذي لم تبق فيه سوى بعض الأبنية، رسوم تسخر من الديكتاتور السابق وتمجد “الثورة”، وبينها رسم له داخل صندوق للقمامة.
ويقول أحمد الذي يملك محلا لبيع السجائر في منطقة المجمع “كنا نخاف حتى أن ننظر إلى الأسوار. اليوم، تغير الوضع طبعا، لكن الرهبة التي نشعر بها حين نمر قرب المجمع، لا تزال تذكرنا به”. ويتابع “قد تمر أجيال قبل أن يتخطى بعضنا شعور الرعب الذي زرعه فينا”.
منذ أكثر من سنة، تتقاسم الحكم في البلد المطل على البحر المتوسط والغني بالنفط والغاز، سلطتان، واحدة يعترف بها المجتمع الدولي مستقرة في شرق البلاد، وأخرى لا تحظى بالاعتراف وتسيطر على معظم مدن غرب ليبيا، وبينها العاصمة طرابلس، بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى “فجر ليبيا”.
وفشلت السلطات الجديدة في نزع أسلحة الجماعات التي قاتلت النظام السابق والتي باتت تتقاتل في ما بينها. كما لم تنجح في وضع دستور جديد للبلاد التي تستند حاليا إلى إعلان دستوري مؤقت صدر في العام 2011.
ويقول مسؤول حكومي في طرابلس رفض الكشف عن اسمه “نعمل منذ نهاية 2011 على التخلص من التركة الثقيلة التي خلفها الديكتاتور. لقد أفسد كل شيء، من السياسة إلى الاقتصاد إلى المجتمع، وحتى الرياضة”.
ويتابع المسؤول الحكومي “لم يمح مقتله ذكراه السيئة. سيظل حاضرا بيننا حتى نقضي على تبعات أربعين سنة من الفوضى. أتمنى ألا نحتاج إلى أربعين سنة أخرى لتخطي هذه التبعات”.
ولم تؤت الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين ثمارا حتى الآن الغرب يتطلع لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وتتطلع الدول الغربية والاتحاد الأوروبي خاصة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا ترسخ لقيام دولة مؤسسات قادرة على مكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الجماعات المتطرفة التي وجدت في الفوضى الليبية موطئ قدم لها، ومن بينها تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يسيطر منذ أشهر على سرت (450 كلم غرب طرابلس).أ ف ب