الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

لماذا تتوجس روسيا من انضمام الجبل الأسود إلى حلف الناتو ؟

اعداد : نوح فسيفس
باحث في العلاقات الدولية وقضايا الشرق الأوسط
– المركز الديمقراطي العربي

8 كانون الثاني/يناير2016

للمرة الأولى منذ ست سنوات، أعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي أنها ستعمل على توسيع نطاق عضويتها، وفي تلك الأثناء اقترح الحلف على مملكة الجبل الأسود الانضمام إليه، بعد ستة أعوام فقط من استقلالها عن صربيا، مع الإشارة إلى أنه قبل 16 عاما فقط، كان حلف الأطلسي قد قصف دولة صغيرة “مونتينيغرو” غرب البلقان كجزء من التدخل في كوسوفو.

ما يدعو لكثير من التعجب حيال هذه القضية، هو في وضعية هذه الدولة من الناحية العسكرية، فالجيش النظامي الدائم لا يتعدى 2000 جندياً فقط، الأمر الذي يجعل من عضوية الجبل الأسود غير ذي جدوى بالنسبة للقوة العسكرية للحلف. ويجعله يصب في سياق الفعل الاستفزازي لروسيا لاختبار رد فعلها. ولكن هذه الخطوة في الحقيقة تنطلي على عواقب سياسية عميقة على صعيد الصراع بين القوتين العظميين. كما يوضح التقدم الذي ينتهجه الحلف في منطقة البلقان الغربية عموماً، والجبل الأسود على وجه الخصوص، عبر صياغة برامج تحث دول تلك المناطق على القيام بسلسلة من الإصلاحات السياسية والقانونية والعسكرية تحت إشراف مباشر من أعضاء الحلف، وهي البرنامج الذي تقدم المساعدة والدعم للبلدان التي تسعى للانضمام إلى الحلف أو تلك المستهدفة لاقتراح العضوية فيه.

إن هذا البلد المستقل حديثاً قد يصل إلى هذه المعايير المدعومة في فترة زمنية قصيرة للوصول إلى نقطة الانسجام مع المجتمع الأوروبي الأطلسي.
هذا وتمثل عضوية الجبل الأسود أيضا خطوة كبيرة نحو تعزيز الاستقرار السياسي والديمقراطية في غرب البلقان. فالإصلاحات التي تعهد للوصول إلى هذه المرحلة تشمل تعزيز هياكل الحكم ومؤسساته الديمقراطية، فضلا عن تحديث منظومة جيشها لكي تصل إلى معايير حلف الناتو. وتأتي هذه الخطوة كوسيلة تلهم الآخرين، مثل مقدونيا والبوسنة والهرسك، لإعادة تنشيط الإصلاحات اللازمة للعضوية في نهاية المطاف، وهي العملية التي تمت في حالة ركود في كلا البلدين. كانت دعوة الجبل الأسود أيضا تأتي في إطار لفت الانتباه لجورجيا وأوكرانيا حول سياسة “الباب المفتوح”، التي وضعها الناتو في مواجهة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

لقد عارضت روسيا بقوة لتوسيع حلف شمال الاطلسي بسبب تخوف عميق له جذوره التاريخية، إذا أخذنا في الحسبان سيناريو “المحاصرة” من قبل خصم محتمل. داخل روسيا، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعى إلى تضخيم التهديد لحلف شمال الأطلسي كأكبر عدو جيوسياسي في البلاد من أجل تأجيج التوترات في حقبة الحرب الباردة وتوطيد السلطة المحلية. وهذا يجعل الحد من توسع الناتو أولوية استراتيجية بالنسبة لروسيا، وقد أدخلت هذه التهديدات ضمن العقيدة العسكرية الروسية المعدلة في العام 2014.

ومما لا يثير الدهشة، روسيا نددت بسرعة دعوة الناتو إلى الجبل الأسود، التي حصلت على استقلالها من روسيا الحليف الطبيعي في المنطقة، حيث دعت وزارة الخارجية الروسية القرار بأنه “خطوة خطيرة تدعو للمواجهة علنا وأنها محفوفة بعواقب مزعزعة للاستقرار لنظام الأمن الأوروبي الأطلسي”، ثم أعلن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن توسع الناتو “لا يمكن أن يمر بدون إجراءات انتقامية من الجانب الروسي”.
ومن المرجح في مثل هذه التحذيرات، أن روسيا سترد من خلال القنوات السياسية أو الاقتصادية بدلا من التصعيد إلى حد ما. وبالفعل، اتخذت الجماعات الموالية لروسيا في الجبل الأسود إجراءات تصعيدية بالنزول الشوارع للاحتجاج على عضوية حلف شمال الاطلسي وطالبوا أيضا باستقالة رئيس وزراء الجبل الأسود ميلو ديوكانوفيتش. كما أن روسيا قد تُذكي مزيدا من الاضطرابات المدنية من أجل جعل البلاد تظهر غير مستقرة للغاية للحيلولة دون الانضمام إلى حلف الأطلسي. قد لا يكون من الصعب القيام به. محليا، يواجه الجبل الأسود الفصائل المناهضة لحلف شمال الأطلسي بما في ذلك من داخل الكنيسة الأرثوذكسية والأحزاب السياسية التي تؤكد على قوة العلاقات مع صربيا وروسيا وتبدي امتعاضها من السياسات الغربية وسياسات حلف شمال الاطلسي.

في ذات الوقت، روسيا لها نفوذ اقتصادي كبير في تلك الدولة الصغيرة، وخاصة في قطاعات السياحة والعقارات (ما يقدر بنحو 40 في المئة من العقارات في الجبل الأسود مملوكة لشركات روسية)؛ وبالتالي، يمكن أن تعمد موسكو، التي فرضت حظرا على المنتجات الغذائية على الجبل الأسود بعد أن وقفت مع الغرب بشأن أوكرانيا، إلى فرض مزيد من العقوبات من أجل مواصلة معاقبة البلاد بسبب طموحاتها السياسية ذات الميول الغربية.
على الصعيد المحلي، الجمهور في الجبل الأسود لديهم شكوكهم فيما إذا كانت عضوية حلف شمال الاطلسي ستكون مفيدة اقتصاديا، كما أن الرأي العام المحلي يبدو متحفظاً بشأن دوافع الحكومة الحالية، بل ويتهمون رئيس الحكومة ديوكانوفيتش باستغلال النفوذ وتضييع المال العام، وهو الرجل ذاته الذي قاد بلاده نحو إدراج منظمة حلف شمال الأطلسي، والفساد المالي.

في حال صوت 28 – وهم أعضاء حلف شمال الأطلسي – على عضوية الجبل الأسود في العام المقبل، فإن روسيا ستلجأ إلى الأحزاب السياسية في البلدان الأكثر عرضة للأموال الروسية مثل: المجر واليونان وجمهورية التشيك، لجهة حثهم على التصويت بـ”لا” على قرار عضوية الجبل الأسود، وذلك لأن المصادقة على القرارات في حلف الناتو يحتاج إلى إجماع تام من الأعضاء، وبالتالي فإن النفوذ الروسي لا يزال شكل خطراً في هذا الصدد.

ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالا، هو أن روسيا سوف تسعى إلى منع صربيا من اتباع مسار الجبل الأسود في السنوات الأخيرة، فقد عملت روسيا لتعزيز نفوذها في صربيا وجمهورية صربيسكا- الكيان الصربي عرقيا في البوسنة والهرسك- من خلال المساعدات الاقتصادية والتعاون العسكري.

بدون أدنى شك، إن اطلاق الاتحاد الأوروبي محادثات الانضمام مع صربيا في أعقاب الإعلان عن عضوية الجبل الأسود في حلف شمال الاطلسي. يُثبت إلى حد كبير درجة التنسيق بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهما مؤسستان تكافحان من أجل العمل معاً بسبب الانقسامات السياسية بين اثنين من أعضائها “تركيا وقبرص”. لكن هذه الخطوة يفتح أيضا آفاقا جديدة لروسيا لعرقلة التقدم في البلقان، إما من خلال المحادثات مع صربيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو من خلال اتفاق سلام مع صربيا وكوسوفو التي توسطت بشأنها منظمة الاتحاد الأوروبي في عام 2013.

لقد دفعت الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا، البلقان أسفل على قائمة الأولويات بالنسبة للعديد من قادة الأطلسي. ولكن حان الوقت لدفع الانتباه إلى تلك المنطقة مرة أخرى. لا ينبغي أن يُنظر إلى الهدوء والسلام النسبي باعتباره أمرا مفروغا منه، فالضائقة الاقتصادية وأزمة اللاجئين والمهاجرين قد امتدت نحو الديمقراطيات الوليدة في منطقة البلقان بما يفتح الباب أمام مجالات جديدة للتدخل الروسي. وفي البوسنة ثمة مخاطر بشأن التراجع إلى حالة من الاضطراب السياسي والتي عانت من إصلاحات سياسية وديمقراطية طموحة، وفي مقدونيا ثمة انتكاسة ضخمة بعد فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية من قبل الحكومة لزعماء المعارضة، بالإضافة إلى العنف العرقي في المنطقة كومانوفو. حتى أن اتفاق السلام في صربيا وكوسوفو يبدو هشاً بصورة واضحة، فقد اندلعت في كوسوفو احتجاجات في نوفمبر الماضي بعد أن قدمت الحكومة اقتراح بالاتفاق مع صربيا لدمج المناطق ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو، وهي خطوة تدعمها بروكسل.

هذه هي مظاهر من الضغوط عميقة الجذور والتي لم تحسم سياسياً وعرقياً واقتصادياً، والتي ظهرت على السطح في إطار التقدم المزعوم نحو التكامل مع الجماعة الأوروبية. تلك الأسباب مجتمعة كانت الدافع الأبرز بالنسبة حلف شمال الاطلسي لدعوة الجبل الأسود إلى الانضمام، إذ أن السياسة الغربية تحاول في اللحظة الراهنة إعادة فتح ملف البلقان من جديد في سياق يحتمل معه العودة إلى محطات محددة من الحرب الباردة. لكن ذلك لا يعني أن السلام والاستقرار في المنطقة أمراً مفروغاً منه.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى