دراسة:خسائر فادحة سيتكبّدها الاتحاد الأوروبي من إلغاء العمل باتفاقية “شنغن”
تعالت أصوات خبراء متخصّصين في قضايا الهجرة، مقترحة بديلا “أقلّ كلفة لفكرة إلغاء العمل باتفاقية “شنغن” يتمثل في مراجعة سياسة الهجرة والمراقبة على الحدود الخارجية لمنطقة الإتحاد الأوروبي الساري فيها للآن نظام “شنغن”.
مع مرور فكرة إلغاء العمل باتفاقية “شنغن” الموقّعة بين عدد من البلدان الأوروبية، ممّن اتّفقت على إلغاء ضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية بينها بمقتضي هذه الاتفاقية، من طور التهديد إلى واقع محتمل،
فمسألة التخلّي عن العمل باتفاقية الحدود المفتوحة ةالموحدة، والعودة إلى نظام الحدود الوطنية والتأشسرة الخاصة بكل بلد في المنطقة الأوروبية، والذي لطالما دعت إليه أحزاب اليمين المتطرّف، عادت لتطفو إلى سطح الجدل من جديد لدى الرأي العام الأوروبي، سيّما مع تدفّق اللاجئين نحو بلدان الإتحاد، قادمين من الشرق الأوسط وإفريقيا، حتى أنّ رئيس المفوضية الأوروبية، جون كلود يونكر، سبق وأن حذّر، الشهر الماضي، من “مخاطر تهدّد” منطقة “شنغن”.
إحداثيات جديدة فرضتها موجة اللاجئين المتدفّقة على أوروبا، ودفعت بوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى مطالبة اللجنة الأوربية بإعداد تدابير قانونية تمكّن، في حال تطلّب ذلك، الإبقاء على المراقبة الداخلية الخاصة بكل بلد من للبلدان المنضوية ضمن اتفاقية “شنغن”، لمدة عامين. إجراء من شأنه، في صورة إقراره، أن يضع حدّا لحرية التنقّل في المنطقة.
وقدّرت دراسة حديثة أجراها مركز الأبحاث “استراتيجيا فرنسا” (حكومي)، في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، كلفة التخلّي عن منطقة “شنغن”، بنحو 110 مليار يورو (123 مليار دولار) بالنسبة لمجمل بلدان الإتحاد الأوروبي، بالنظر للكلفة البديلة. كما احتسبت الدراسة التأثيرات المحتملة لنهاية العمل بهذا النظام على السياحة والاستثمار الأجنبي والصناعة إضافة إلى العاملين على الحدود، والذين يستفيدون جميعا من حرية التنقّل التي تكفلها الاتفاقية.
غير أن بعض الخبراء أشاروا إلى أنه بإمكان أوروبا تلافي هذه الخسارة الفادحة، والتي تعادل 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة “شنغن”، مقترحين مراجعة سياسة الهجرة من خلال تحسين ظروف استقبال اللاجئين والمراقبة على الحدود الخارجية للاتحاد الأووربي.
فنسنت أوسييو، رئيس قسم الاقتصاد والمالية بمركز “استراتيجيا فرنسا”، وكاتب تقرير حول منطقة “شنغن”، أوضح، في حديث للأناضول، أنّ إلغاء العمل باتفاقية “شنغن” يترجم إرادة سياسية، بمعنى أنّ لا علاقة له بالقيود الاقتصادية، لافتا إلى أنّ “الإعتبارات السياسية والأمنية تحتلّ المكانة الأبرز في السياق الحالي المتّسم بتنامي التهديدات الإرهابية وتدفّق اللاجئين”.
وبحسب ما ورد في تقرير أوسييو، فإنّ القرارات التي وقع اتّخاذها مؤخرا، كانت بدافع الحسابات السياسية، مع أنّ أولى التأثيرات الإقتصادية لإعادة الحدود بين بلدان المنطقة بدت واضحة، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ كلفة كلّ 10 دقائق إضافية خلال كلّ عملية عبور للحدود تكلّف العاملين خسارة إجمالية سنوية بقيمة 253.2 مليون يورو (283.3 مليون دولار) للإقتصاد الفرنسي”.
من جانبه، قال غريغوري كلايس، الباحث في مركز “بروغل” الأوروبي، إنّ إلغاء منطقة “شنغن” من شأنه أن يبعث الطمأنينة في نفوس الأوروبيين المصابين بالقلق من فكرة الهجرة الجماعية نحو بلدانهم، لافتا للأناضول، إلى أنّ العودة إلى الحدود الوطنية يشكّل مطلبا حتى بالنسبة للدول التي تشهد تدفّقا أقلّ للاجئين نحوها، مثل سلوفاكيا وفرنسا.
الخسارة الفادحة التي قد يتكبّدها الاتحاد الأوروبي في حال إلغاء العمل بنظام “شنغن” تقارب قيمتها ميزانيته السنوية، بحسب كلايس، والذي أشار إلى أنّ جميع التدابير المتّخذة لاستقبال اللاجئين ومراقبة الحدود الخارجية للمنطقة الأوروبية، يعتبر “أقلّ كلفة” من التخلي نهائيا عن اتفاقية “شنغن”.
فـ “فرونتاكس، أو الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود”، يتابع الباحث، “لم تتجاوز ميزانيتها في 2015 الـ 114 مليون يورو (127 مليون دولار)، في حين أنّ المبلغ الذي خصصه الاتحاد الأوربي، العام نفسه، لمواجهة أزمة اللاجئين ناهز الـ 6 مليار يورو (6.7 مليار دولار)”، ما يعني أنّ توفير استقبال أفضل للمهاجرين وإدارة أكثر نجاعة للوضع حال وصولهم إلى أوروبا، سيكلّف الاتحاد أقلّ بكثير من إلغاء منطقة “شنغن”، على حدّ قوله.
كلايس قال أيضا إنّ ما يحصل هو عبارة عن “اتخاذ قرار ينص على حدود مشتركة، دون إرفاق ذلك بمؤسسات مشتركة لإدارة تلك الحدود”، مشيرا إلى أن منطقة “شنغن” لا تتمتّع بأيّ ميزانية خاصة، وأنّ فرونتكس لا تمثّل سوى “جزء صغير” من ميزانية الاتحاد الأوروبي، مع أنّ “الحدود المشتركة تقتضي توفير ميزانية مشتركة لإدارتها”.
معطيات قال الباحث إنها تبعث أملا في المحافظة على منطقة “شنغن”، داعيا إلى مراجعة سياسة الهجرة بدل إلغاء نظام حرية التنقّل بين بلدان المنطقة، مضيفا: “لا أعتقد أنّ نهاية شنغن أمر لا مفر منه، بل بالعكس، سيكون من الأفضل لإقتصادات بلدان الاتحاد، تعزيز المراقبة على الحدود الخارجية”.