الأجهزة الأمنية في إطار المشروعية الدستورية والقانونية
كتب : الدكتور عادل عامر
إن أهمية مبدأ حكم القانون تتجلى بصفة خاصة في الكتلة الدستورية أي في قواعد الشرعية التي تتحكم في عنصري القانون: الشكلي والموضوعي، فمن حيث العنصر الشكلي تضمن هذه الشرعية تقيد الدولة بالقانون، ومن حيث العنصر الموضوعي تفرض هذه الشرعية الدستورية وجوب كفالة القانون توفير الضمانات للحقوق والحريات. ونستنتج في الأخير أن الشرعية الدستورية هي الضمان الأعلى لمبدأ حكم القانون على سلطات الدولة؛ إذ بها تتأكد سيادة القانون عليها وبموجبها يتم تنظيم السلطة وممارسة أعمالها في إطار المشروعية. يخضع مبدأ سيادة القانون السلطة لقواعد ملزمة، تبعدها قدر الإمكان عن استناب الحكام، حتى وان حاز هؤلاء على المشروعية الشعبية بتمثيلهم أكثرية أصوات الناخبين. وبالتالي، يكون أساس الحكم ليس مشيئة حاكم أو مجموعة
، بل الحكمة المتمثلة بالقانون والتي يؤتمن الحاكم على حسن تطبيقها فرغم أن المادة 86 من قانون العقوبات الحالي قد توسعت في تعريف العمل الإرهابي، الأمر الذي كان مصدر قلق المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، كما سبق وأوضح في تقريره عقب زيارته الرسمية لمصر في عام 2009، فقد عمدت التعديلات التي أدخلت على هذه المادة إلى توسيع رقعة الأفعال التي تعتبر من قبيل العمل الإرهابي، كما عمد المشروع إلى توسيع التعريف بصورة تسمح بتطبيق أحكام القانون على نطاق أوسع من الجرائم أو حتى الأفعال المشروعة، مستخدمًا تعبيرات تستعصى على الضبط القانوني من قبيل “الإخلال بالنظام العام”، “والأضرار بالوحدة الوطنية” أو “الإضرار بالاتصالات والنظم المعلوماتية”، كما لم تكتف التعديلات بهذا بل توسعت لتجرم كل “سلوك” –دون تحديد– بقصد تحقيق أحد الأغراض “الإرهابية”.
وكذلك “تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح” (تعديلات على المادة 86 من قانون العقوبات) فقد أصبح الأمن أساس التنمية الفعالة والمستدامة. ولتحقيق هذة الوظيفة لابد من توفر الكوادر المدربة القادرة على أن تعمل في إطار عمل مؤسساتي ووفق المعايير التي حددها القانون. إن سوء إدارة القطاعات الأمنية يؤدي إلى عدم قدرة الحكومة على ضمان الأمن لمواطنيها وخسارة مؤسسات الدولة لسلطاتها. وكنتيجة لذلك قد يسعى المواطنون إلى الحصول على الأمن بطرق مختلفة تكون في معظمها غير قانونية ومقوضة لهيبة الدولة، كما ينتج عن غياب دور الدولة في القطاع الأمني انتشار الأسلحة في المجتمع مما يزيد معدلات الجريمة فيه. وفي كل الاحوال لاينتظر من نظام لا يشعر فيه الفرد بالأمن أو لا تستطيع الحكومة انفاذ القانون وحماية الوطن والمواطن أن يكون نظاماً داعماً للديمقراطية وحقوق الانسان، كما لا يتصور أن تجري فيه إجراءات مستنده الى مبدأ الشفافية أو مراقبة المجتمع المدني، ويعتبر العامل الاقتصادي عاملا شديد الصلة بالأمن فلا إنتاج ولا تنمية دون أمن.
وهذه تعبيرات تسمح باستهداف الجماعات السياسية وحركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني حتى لو كان سلوكها سلميًا، فقد ترى الحكومة تظاهر بعض القوى السياسية ضد قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية من قبيل تعطيل أحكام القانون.
إن الحرص على الشرعية الدستورية هو إحدى المداخل الواقية والحامية لمبدأ حكم القانون؛ إذ من الصعب إقرار هذا المبدأ ما لم يكن ذاك القانون قانوناً يحظى بشرعية شعبية في إطار عملية بناء كتلة القواعد الدستورية. إن هذه الشرعية هي إحدى شروط صحة مبدأ حكم القانون، وبالتالي يتعين الحرص على أن تكون الشرعية شرعية سليمة وفقا لما يرتضيه الشعب حتى يتأتى فيما بعد الاعتراف بسلامة القانون ونزاهته وصلاحيته ومصداقيته في حماية الحقوق وفصل السلطات وحماية استقلال القضاء. تقوم الدولة القانونية على مبدأ المشروعية ، الذي يعني في مدلوله العام ، سيادة حكم القانون ، أي خضوع كافة الأشخاص وسائر السلطات في الدولة ، للقواعد القانونية النافذة ، أيا كان شكلها أو مصدرها ، وذلك في شتي أوجه نشاطهم ، إذ أن القواعد القانونية إنما تقررت ليتم احترامها والنزول على مقتضاها ، وإلا غدت لغوا لا طائل من ورائه
أن مبدأ حكم القانون يفيد إذعان الجميع للقانون ويفيد أيضاً ذاك الجانب الموضوعي أي كفالة الحقوق والحريات والفصل بين السلطات والتزام هذه الأخيرة بما ينص عليه القانون، بينما يفيد مبدأ (الشرعية) التزام المؤسسات الدستورية ذات الصلاحية في إصدار القوانين أثناء ممارستها للسلطة بالقانون، و نعني بالقانون بصفة خاصة بهذا الصدد القانون الدستوري بمختلف مكوناته المدونة والعرفية. وهكذا يفيد مبدأ (الشرعية) العمل بالقانون الأسمى بصفته قانوناً يعبّر عن إرادة الشعب أي الإرادة العامة، وبالتالي هو إحدى واجهات مبدأ حكم القانون؛ لكن فقط تلك المحدد مجالها في حث المؤسسات الدستورية الممارسة للسلطة بما فيها سلطة التشريع على الانضباط لموجبات القانون الأسمى أي الدستور، بينما حكم القانون هو من جهة أولى: رسالة موجهة إلى الجميع حكاماً كانوا أو محكومين بالالتزام بالقانون، ومن جهة ثانية هو التزام بمختلف درجات القانون دستوراً كان ذلك أو ما دونه من قوانين؛ ومن جهة ثالثة هو ليس التزاماً شكلياً بالقانون فقط بل هو التزام موضوعي أيضاً بالمبادئ القانونية التي يتضمنها مبدأ حكم القانون.
إن من أول الضمانات التي تفرض نفسها اليوم على الأنظمة السياسية وهي تأخذ بمبدأ حكم القانون هو الاستمرار في العمل بمبدأ قديم لا يزال ذا مصداقية أساسية وهو مبدأ فصل السلطات الذي منذ أن عمل به التشريع الإسلامي وبلوره فيما بعد كبار الفقه الإسلامي كابن حزم وابن تيمية بشكل عام يقتضي تطبيق مبدأ المشروعية الإدارية ، وجود الوسيلة والأداة التي تضمن احترام الإدارة له ، وترتيب الجزاء القانوني المناسب على عدم الالتزام به أو مخالفته ، ولقد برزت في هذا الشأن عدة وسائل يتم من خلالها ضمان احترام تطبيقه ، عن طريق أكثر من صورة من صور الرقابة التي تقوم بها بعض الهيئات في الدولة ، لعل أهمها الرقابة القضائية ، الذي يتسع مداها حينا ، ويضيق حينا آخر ، بحسب الظروف الملابسة لممارسة الإدارة لأعمالها .
لا نحتاج للكشف عن ضرورة عملية الإصلاح الإدارى في الشرطة بل إلزاميتها، ولا تحديد الجهاز المسؤول عن الإصلاح الإدارى الشرطي، وإنما في حاجة الي قيادات واعية ومستنيرة وراغبة فعلاً في التغيير والإصلاح أي باختصار “إرادة للتغيير”، وقبل كل هذا أن تكون عملية إصلاح الجهاز الأمني ضمن عملية إصلاح شاملة وأوسع يجاب فيها علي أسئلة: في أي مرحلة نحن؟ ما الموارد المتاحة؟ وما المواصفات القياسية التي نرغب فيها؟ وما هي أولوياتنا الحالية؟ وما التضاربات المتوقعة؟ ومن يقوم بالمراجعات، والتقيم، وغيرها من الأسئلة الهامة والضرورية.
إن القيمة القانونية للاعتراف الدستوري بحقوق الإنسان وحرياته العامة وضمانها في تطور مستمر على المستوى الدولي و الوطني و الإقليمي، ولكن هذا التطور لا يتم بتوفير الحماية القانونية وضمانها في التشريعات الوطنية وصياغتها في قواعد قانونية داخلية ملزمة وخاصة في القواعد القانونية الدستورية.
وإن دعم وتعزيز الحقوق والحريات أمام سلطة الدولة لا يتأتى إلا بإعطائها طابعاً وضعياً، وهو ما يصب في اتجاه سمو نظام الحق وتأكيد مبدأ الشرعية، إنه يجسد الانتقال من الحريات المعلن عنها أو المطالب إلى الحريات المعترف بها في قوانين الدولة
إن إقرار الحقوق والحريات العامة في أسمى قانون الدولة وهو القانون الدستوري وذلك بعد المصادقة عليها من طرف الدولة، ويعني بأن الإقرار يسير في اتجاه دعم وتعزيز الحقوق والحريات وبالتالي دولة القانون، وبهذا يشكل الاتجاه إلى دستور الحقوق و الحريات العامة ظاهرة عالمية.
إن إقرارها بواسطة الدستور ينبع من اعتباره القانون الأسمى، وبهذا فهو بمثابة الأداة الفعالة لضمانها ضد تجاوزات السلطة التشريعية و التنفيذية، كما يرتبط بمفهوم معين لدولة القانون.. إنها الدولة التي تلتزم بحقوق الإنسان، الأمر الذي يتطلب تضمينها في قوانين الدولة.
فإن من المسلمات لدى كل الفقهاء أنه في الدولة المعاصرة لم يعد يكفي لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة أن تتأكد سيادة القانون فيما ينشأ بينهم من علاقات بل أصبح يلزم لتأكيد هذه الحماية أن يسود القانون علاقتهم مع الدولة وما يتفرع عنها من حيثيات عامة، لأنه بغير خضوع الدولة للقانون فلن يكون الحكم لغير القوة المادية ولغير سياسة الاستبداد والطغيان.
وأما الاعتراف بالحقوق و الحريات الفردية كأحد مقومات الدولة القانونية فإنه الهدف الأساسي من قيام الدولة القانونية، ومتى اختفت الحقوق والحريات الفردية أو انعدمت في النظام القائم كنا أمام دولة بوليسية ومتى وجدت ولكن كان من حق الحاكم أن يعصف بها ويستبد بأمور الأفراد كنا أمام دولة استبدادية، وفي الحالتين لا وجود للدولة القانونية.
فمع هذا المفهوم للاعتراف بالحقوق الفردية كأحد مقومات الدولة القانونية يتعذر أيضاً تصور دولة قانونية ليس للأفراد فيها حقوق ولا حريات، ومن هنا كان للاعتراف بتلك الحقوق والحريات أحد مقومات الدولة القانونية، لا قيام لها إلا بهإن القطاع الأمني الذي يعمل بطربقة فعالة ووفق آليات معينة تدعم معايير الجودة في إطار من المؤسسية والشفافية والمراقبة والتعاون المجتمعي، فإنه يساعد على تحقيق الامن والامان في المجتمع ويشكل عاملا محفزاً للانتاج والتنمية، ويشجع الاستثمار في المجتمع وبذلك يساهم في رفع معدلات الدخل القومي ويقلل من الجريمة ويدفع الى المزيد من الاصلاحات السياسية. تطوير أكاديمية الشرطة ومناهجها: فيما يخص المناهج ينبغي العمل علي أن تتضمن مواثيق حقوق الانسان بشكل إجباري داخل مناهج الدراسة الخاصة بأكاديمية الشرطة ومواد إدارة الأزمات وعلم الاجتماع والنفس والفلسفة الأخلاقية والجمالية واللغات، كما يجب التدقيق في عملية الإلتحاق بالأكاديمية بحيث تكون هناك معايير للفرز والاختيار واضحة بعيداً عن الحصص الرئاسية أو البرلمانية أو حصص الوزير سابقاً. ويقترح البعض التخصص الدقيق من السنة الثالثة في الكلية فدراسة ضباط المرور تختلف عن دراسة ضباط النجده، تختلف عن مناهج ضاط المباحث..وهكذا. كما ينبغي تبادل الخبرات الأكاديمية والعلمية مع العالم وإتاحة فرصة أكبر لمحاضرين دوليين للحضور لأكاديمية الشرطة المصرية وإلقاء المحاضرات على الطلبة والعكس.
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام…مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم أمن المعلومات