مقالات

استقالات صورية !

بقلم : همام عبدالله السليم – كاتب وباحث سياسي عراقي

يبدو ان الكتل السياسية المتربعة على عرش العملية السياسية العراقية تأبى إلا أن تستمر بالاستخفاف بمشاعر الجماهير العراقية والعزف على الاوتار الطائفية والسعي وراء المصالح الحزبية والفئوية والتمسك بالمناصب والمكاسب والمغانم التي حظيت بها نتيجةً للمحاصصة السياسية المقيتة.

فمنذ قرابة الشهرين اقحم السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي نفسه في أزمة سياسيةٍ خطيرةٍ، عبر دعوته لإجراء تغيير وزاري شامل وجوهري على اساس التكنوقراط وبعيداً عن المحاصصة الحزبية؛ إلا أن دعوته هذه قد اصطدمت برياح معارضة الكتل السياسية القوية التي أت بما لا تشتهيه سفن العبادي، إذ عارضت بعض الكتل هذا التغيير وطالبت بعضها بعرض الاسباب واصرت اخرى على التمسك بوزرائها ومما زاد الطين بلة هو خروج التيارين الصدري والمدني في تظاهرات سلمية تطورت إلى اعتصامات سلمية على ابواب الخضراء للمطالبة بالإصلاح الحقيقي لا الترقيعي واجراء تغيير وزاري شامل وجوهي .

وفي هذه الاجواء المتشنجة اطل على الشعب بعض الوزراء ليعلنوا تضامنهم مع العبادي وتقديم استقالاتهم من مناصبهم وهو امر جيد، لكن بعد ان نعرف انهم قدموا استقالاتهم إلى رؤساء كتلهم بدلاً من تقديمها إلى رئيس الوزراء، يمكننا القول ان هذه الاستقالات لم تعدو كونها مجرد استقالات صورية شكلية لاقيمة لها، تهدف إلى اظهار خلاف ما يبطن هؤلاء الوزراء وتلك الكتل المتمسكة بمناصبها ومصالحها فتريد ايهام الشعب وتضليل الشارع بانها مع الاصلاح ولا تتمسك بالمناصب وهي في حقيقتها من اشد المعارضين للتغيير الوزاري ومتمسكة بمواقعها، وإلا فلما لم تقدم الاستقالات إلى رئيس الوزراء مباشرة ؟ وهو ما ينطبق على وزراء المجلس الاعلى ، في حين تمسك كل من ابراهيم الجعفري وحسين الشهرستاني بمنصبيهما صراحة .

وبعد تصعيد الاعتصامات حاول بعض الوزراء كسب الاضواء فتقدموا باستقالات مباشرة إلى رئيس الوزراء منهم عادل عبدالمهدي وزير النفط وسلمان الجميلي وزير التخطيط الذي صرح انه يسعى إلى تقوية موقف العبادي وتشجيع بقية الكتل على التخلي عن مناصبها وان له تاريخ يريد ان يحفظه لنفسه ويسعى لدفع عجلة العملية السياسة قدماُ فضلا عن استقالة فلاح الزيدان وزير الزراعة، ولكون السيد العبادي في مأزق لا يحسد عليه قد وافق على هذه الاستقالات كي يحفظ ماء وجهه ويقدم مرشحين جدد كما وعد .

لكن وبمجرد ان تناولت وسائل الاعلام خبر شمول سلمان الجميلي وفلاح الزيدان وعادل عبدالمهدي بالتغيير الوزاري المرتقب، سارع ائتلاف اتحاد القوى الوطنية للإعلان عن سحب استقالة وزيريه الجميلي والزيدان، وجاء في بيان الاتحاد ان على العبادي أن لا يستغل الاستقالة بمعناها التقليدي لإقالة الوزراء وانما يجب عليه التعامل معها سياسياً، الهدف منها تشجيع الكتل على التخلي عن المناصب الوزارية، وهنا نقول لهم لقد اخفقتم في اعلان الاستقالة واخفقتم اكثر في سحبها بهذا العذر السخيف فكيف تشجعون الاخرين على التخلي عما تتمسكون انتم فيه عارٍ عليكم إذا فعلتم عظيمُ، وما اردتم إلا التضليل والتشويش على الشارع العراقي فسرعان ما كشف زيف ادعائكم وكانت استقالاتكم صورية وشكلية كغيرها.

يبدو ان من يدعون تمثيل المكون قد اخفقوا في التعامل مع متطلبات التغيير الوزاري الذي تنادي به الجماهير المعتصمة من خلال طرحهم لاستقالات صورية تضليلية ومن ثم التراجع عنها والتمسك بسلمان الجميلي الذي خسر في انتخابات البرلمان 2014 فهل يعجز اتحاد القوى عن تقديم مرشح افضل من الجميلي او كفوء له على الأقل ؟

ختاماً فان كل الكتل السياسية الأن في موقف محرج يمس مصداقية خطاباتها من عدمها سيما بعد اعتصام السيد مقتدى الصدر داخل الخضراء واعلان كتلة الاحرار عن عدم مشاركتها في الحكومة الجديدة، وما زاد في حرجها وربما سيسهم في تعريتها هو دعوة السيد حيدر العبادي جميع الكتل ومجلس النواب إلى تحديد موقفها علانيةً من التغيير الوزاري والاصلاحات فهل تؤيد التغيير وتقدم اسماء مرشحين أم انها ضده وتتمسك بوزرائها ؟ على ذلك تتوقف ردة فعل العبادي بين المضي قدماً بالتغيير عبر الكتل أو طرح مرشحين مستقلين من قبله والحضور إلى البرلمان الذي اذا رفض منحهم الثقة سيكون في مواجهة مباشرة مع الشعب المعتصم على ابواب الخضراء ؟ أم أن للكتل كلمة اخرى فتسحب الثقة من حكومة العبادي وتطيح به ذاته ؟ ولعل العبادي هو من يبادر إلى تقديم استقالة حكومته إلى البرلمان بسبب رفض الكتل للإصلاح وبالتالي يكشف كذبها ويتركها في مواجهة مع الشعب ؟ ويمكننا ان نرجح قدرة العبادي قريباً على تمرير تغيير وزاري جزئي يشمل سبعة وزراء يشمل مرشحين من لجنة الصدر لترضيته وبالتالي انهاء الاعتصامات .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى