مقالات

الاحزاب الاسلامية في العراق صراع وانشقاق

كتب : همام عبدالله السليم – كاتب وباحث سياسي عراقي

منذ ان اعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عزمه اجراء اصلاح شامل يبدأ بتغيير حكومته وتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلين، الأمر الذي اعترضت عليه الاحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية وحاولت الالتفاف عليه بشتى الطرق حفاظاً على مواقعها في السلطة، بدأ العراق يشهد اجواء ازمة سياسية بالغة التوتر.

ومما زاد من حدة الأزمة وتطورها الصراع الذي يجري بين الاحزاب السياسية الدينية (الشيعية والسنية)، سيما بعد أن تمكن السيد مقتدى الصدر من استغلال موجة الحراك الاجتماعي المدني والتظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها مدن عراقية عديدة على مدى عام كامل والتي طالبت بالإصلاح وتحسين الخدمات (الكهرباء) ومحاربة الفساد واسترداد الاموال المهربة، ورفع خلالها المتظاهرين شعار (باسم الدين باكَونا الحرامية) ضد الاحزاب الدينية، ولكن السيد الصدر تمكن من دعم هذه التظاهرات وتعزيزها باتباع التيار الصدري واعاد توجيهها بعيداً عن تهديد اسس النظام الديني والتركيز على الاصلاح والتغيير الحكومي، الأمر الذي اثار مخاوف الاحزاب الدينية (الشيعية) الاخرى التي سعت لعرقلة للإصلاحالذي دعا اليه الصدر، كي لا يحسب النجاح فيه مكسب انتخابي للصدر واتباعه، بعد ان استشعر الجميع قدرة الصدر على التأثير في الشارع وقيادته.

ازاء ذلك استمرت الازمة بالتفاقم حتى دخل البلد مرحلة صراع حزبي ديني ( شيعي _ شيعي) وكل طرف من اطراف الصراع يدعوالى الاصلاح، ولكل طرف اسلحته (المتظاهرين، الفصائل المسلحة، الدعم الخارجي) وزاد ضعف العبادي وممانعة سليم الجبوري من هشاشة الوضع حتى شهدت الساحة السياسية العراقية حدثين مهمين هما: اعتصام برلمانيين، واقتحام مجلس النواب من قبل المتظاهرين والتعدي بالظرب على بعض النواب،تبعهما تعطيل الاصلاح والتغيير الحكومي فضلاَ عن تعطيل السلطتين التشريعية والتنفيذية، نتيجةً للأحداث اعلاه اتسعت الخلافات بين الاحزاب والكتل السياسية سيما الدينية (السنية والشيعية) مع بعضها البعض فضلاً عن خلافات وانقسامات داخل الحزب الواحد.

فحزب الدعوة الاسلامية (الشيعي) بزعامة المالكي انشق إلى فريقين احدهما مع النواب المعتصمين واخر ضدهم، وكذلك الحال بالنسبة لنواب كتلة الاحرار التي استقال منها نائبين ليبقيا مع النواب المعتصمين، ولم يختلف الحزب الاسلامي العراقي (السني) كثيراً إذ شهد هو الاخر خلافات وانشقاقات بين صفوفه، كما ان هذه الخلافات قد احتدمت بين الاحزاب مع بعضها البعض إلى درجة اعلن فيها البعض عن نيته تشكيل تحالفات جديدة عابرة للقومية والطائفية والبحث عن بدائل لكل من حيدر العبادي (حزب الدعوة) وسليم الجبوري (الحزب الاسلامي).

وفي السياق كشف الاعلامي احمد ملا طلال في برنامجه (من الآخر) الذي يبث عبر قناة دجلة الفضائية يوم 4 ايار/ مايو إلى ان المصادر تتحدث عن بحث التحالف الوطني (الشيعي) لبديل عن حيدر العبادي، وكشف مع ضيفه عن حزب الدعوة جاسم محمد جعفر عن لقاءً جمع بين السيد نوري المالكي الامين العام لحزب الدعوة والسيد همام حمودي النائب الأول لرئيس مجلس النواب عن كتلة المجلس الاعلى الاسلامي بزعامة عمار الحكيم، وفي اللقاء طلب حمودي من المالكي ان يقدم حزب الدعوة بديلاً عن العبادي إلا أن المالكي قال لا يوجد بديل وليس في النية تقديم بديل من حزب الدعوة فالمنصب جلب على الحزب ويلاً وثبوراً!! وان الحزب زهد بالمنصب، وطلب المالكي ان يرشح المجلس الاعلى بديل من اعضاءه، بَيد أن حمودي رفض ذلك بالقول نحن غير مستعدين لحرقة احد اوراقنا بتولي منصب في سنتي قحط وازمات مالية وامنية وسياسية، أي انه عبر عن زهد المجلس الاعلى بمنصب رئاسة الوزراء.

وفي البرنامج ذاته كشف عن اجتماعات جرت في عَمان الاردنية بين قيادات تحالف القوى العراقي(السني) للبحث عن بديل لسليم الجبوري، وان المصادر تتحدث عن نية التحالف سحب المنصب من الحزب الاسلامي، وقد صرح ضيفه اياد السامرائي (رئيس الحزب الاسلامي) بان حزبه على استعداد لترك المنصب والزهد به !، فمنذ متى كانت الاحزاب الاسلامية العراقية (الشيعية والسنية) تزهد بالمناصب العليا وتتخلى عن امتيازاتها ؟

مما تقدم يبدو ان هناك صراع كبير بين الاحزاب السياسية الاسلامية مع بعضها البعض وسيما بين الصدر والمالكي وتنافس بين الصدر والحكيم، فضلاً عن صراع وانشقاق داخل الحزب الواحد، وما تجدر الاشارة إليه هو ان الاحزاب الدينية العراقية قد شهدت خلال السنوات السابقة انشقاقات كبيرة، فحزب الدعوة انقسم إلى (الدعوة تنظيم العراق، والدعوة تنظيم الداخل، وتيار الاصلاح الوطني بزعامة ابراهيم الجعفري)، والتيار الصدري انشق عنه ( الفضيلة، عصائب اهل الحق، كتائب حزب الله)، اما المجلس الاعلى الاسلامي فقد انسحبت منه منظمة بدر بزعامة هادي العامري، اما الكتل السنية فانشقاقاتها تعد الاكثر بين الاحزاب السياسية العراقية.

ختاماً يمكننا القولان اشتداد الاحتقان بين الاحزاب الاسلامية قد يقود إلى موجة عنفتربك الاوضاع الأمنية في ضل فوضى السلاح وتعدد الفصائل المسلحة ذات الولاءات الحزبية، ومن جهة اخرى يتفق كثيرون بأن تفاقم الازمات الاقتصادية والمالية والامنية فضلاً عن السياسية ينذر بأن الشعب العراقي بات مهيأً للانفجار واندلاع ثورة شعبية غير قابلة للضبط تُسفر عن تغيير جذري للنظام القائم وبالتالي بلوغ تجربة حكم الاحزاب الدينية نهايتها الحتمية فاستمرارها يقود العراق إلى حافة الهاوية.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى