مقالات

الصدمة يُعلي الطابع الاخلاقي للمجتمع العراقي

بقلم : همام السليم  – كاتب وباحث سياسي عراقي

في كل موسم لرمضان تتسابق القنوات الفضائية والمؤسسات الانتاجية في انتاج برامج ومسلسلات تسعى لتحقيق اعلى نسب المشاهدة من اجل جني الارباح للقناة والمؤسسة الانتاجية، الا ان موسم رمضان الحالي جاء مختلفاً وعُكست فيه الصورة؛ إذ تمكن برنامج تلفزيوني هادف من جعل بعض المجتمعات محبوبة اكثر من غيرها، فجاءت فوائد البرنامج للمجتمعات.

نعم انه برنامج الصدمة الذي انتجته قناة ( MBC ) السعودية، بإشراف واخراج العراقي المبدع اوس الشرقي، فاسهم البرنامج في اعطاء انطباع ايجابي عن المجتمع العراقي لدى العرب عامة والخليج خاصة، فطالت ردود الفعل والاعجاب العراقيين قبل البرنامج.

تقوم فكرة البرنامج على تصوير مشهد تمثيلي (بطريقة الكاميرا الخفية) في الشارع او مول او مطعم او صيدلية وغيرها من الاماكن العامة، يُجسد المشهد حالة سلبية وسيئة او انسانية من اجل قياس ردة فعل الحاضرين وكيفية تعاملهم مع تلك الحالة، ومن الحالات التي عرضت في البرنامج ( تعرض فتاة للتحرش في الشارع، وولد عاق يشتم والديه او يضربهما، امرأة تطلب المساعدة، طفل يطلب مساعدة الاخرين في شراء سكائر له، والعجز عن شراء علاج وغيرها) وتم تصوير البرنامج في مجتمعات مختلفة هي ( السعودية، لبنان، مصر، الامارات، العراق) وبدون مبالغة في جميع الحلقات التي عرضت لغاية يوم 12 رمضان كان الشارع العراقي اكثر تفاعلاً ايجابياً مع تلك الحالات السلبية فقد تعرض الممثل للضرب مباشرة عند تحرشه بالفتاة او عند شتم والده في الشارع، وهو ما فُسر على انها غيرة عراقية بامتياز، وفي الحلقة 12 قام شاب عراقي بإيثار امرأة محتاجة لشراء العلاج على علاج والدته فقال قررت ان اشتري نصف كمية علاج والدتي لكي اساعد تلك المرأة، وقام شاب اخر بمساعدة المرأة رغم ان كلا والديه راقدين بالمستشفى بعد اجراء عمليات جراحية لكليهما فقال رغم حاجة ابوي إلا انني ساعدتها لأني معتقد انني حينما اسهل على الناس سيسهل الله امري، بينما كانت ردود افعال المجتمعات الاخرى تمتاز بالبرود نوعاً ما، وخاصة في السعودية التي اقدم الكثير من المشاركين في حلقة 9 رمضان على مساعدة الطفل في شراء سكائر وتقديمها له عكس ما فعل اللبنانيين والاماراتيين الذي رفضوا ذلك .

ومنذ عرض حلقاته الأولى والصدمة يحصد اعلى نسب المشاهدة وتم التفاعل معه بردود افعال قوية في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة ( تويتر ، وفيس بوك)  من خلال وسم او هاشتاك (#الصدمة) ليبلغ اجمالي التغريدات فيه اكثر من (60) الف تغريدة ، واغلبها تتحدث عن صدمة الشارع العربي بالعراق، فكانت معظم التغريدات تتحدث عن الصدمة من استمرار الحياة في العراق رغم الحروب والدمار، فقال البعض اسواق العراق مليئة بالخيرات رغم حروبهم، وغرد اخر كنت اتصور العراق دمار شامل بينما وجدته مملوء بالحياة، وغردت مغربية (تحية من المغرب لأهل العراق كل يوم كتزيد محبتي لهذا الشعب محترمين بزاف) وغردت خليجية (… اكثر شي عجبني فهالبرنامج تصرفات اهل العراق وااايد احب هالشعب). وبذلك يكون برنامج الصدمة قد اسهم في نقل صورة حسنة عن استمرار وديمومة الحياة في العراق بعيداً عن اعلام الفتنة الذي يسعى لجعله خراباً.

ليس هذا فحسب وانما اعربت مغردة خليجية عن اعجابها بغيرة العراقي الذي ضرب الممثل الذي تحرش بالفتاة ثم ختمت تغريدتها بالقول (ابي اتزوج عراقي) فسرعان ما تحولت إلى وسم او هاشتاك (#ابي_اتزوج_عراقي) وتم تداوله على نطاق واسع ليبلغ عدد التغريدات اكثر من (60) الف، معظمها تمدح بالعراقي وغيرته وشهامته، فغردت خليجية (بنات العراق مو ذنبنا اذا شبابكم حلوين وغيورين احنا ندفع مهر لرجال اللي هيك) وغردت اخرى (يجب ان يعطي الرجل العراقي درس للسعودي في الرجولة)، إلا أن المغردات العراقيات لم يسكتن عن ذلك وانما غردن في الهاشاك ذاته بمدح العراقي ورفض زواجه من غيرهن وتذكيره بصبر العراقية ولذة اكلها.

هكذا صُدم العرب بالعراق فوجدوا فيه حياة طبيعة وحضارة واسواق ومولات بعد ان صوره الاعلام لهم على انه خراباً، كما صدم العرب والعربيات من اخلاق وغيرة وشهامة العراقيين وتفاعلهم الايجابي مع كل المواقف التي عرضت لغاية الأن ، فكانت ردود الافعال حول تفاعل المجتمعات مع المشاهد تجسد استفتاءً حول الطابع الاخلاق لتلك المجتمعات، وقد احتل العراق الصدارة، فعلى الطابع الاخلاقي للمجتمع العراق على غيره من المجتمعات العربية.

فشكراً للرائع اوس الشرقي وفريق عمل برنامج الصدمة في العراق، فالصدمة غير الصورة السلبية الراسخة في عقول الاغلبية ورسم صورة ايجابية مشرقة عن العراق ومجتمعه واخلاقه لدى العرب عامة والخليج خاصة، فحقق الصدمة ماعجزت عنه وزارة الخارجية العراقية وملحقياتها الثقافية، والقنوات الفضائية العراقية، انها ثورة الاعلام المهني وغزوة تويتر المدني.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى