بين ديُمقراطية تٌركيا…وتناحر العرب!
بقلم : نور الحضيري
تابع العالم بإهتمام الأحداث الأخيرة في الجمهورية التركية،إثر محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قامت بها جماعة فتح الله جولن الأسبوع الماضي،توالت ردود الأفعال المحلية والدولية وتباينت ولا شك أنها إتخذت وضعا خاصا في منطقتنا العربية حيث كان الاهتمام بما حدث واضح جدا علي المستوي الشعبي قبل الرسمي وبشكل أكثر ظهورا في بلدان الربيع العربي وفي مقدمتها مصر وسوريا.
فمنذ اللحظات الأولي التي بدأت فيها الأخبار ترد من الساحه التركية ،إشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي وعلي رأسها (الفيسبوك)بصفته الموقع الأكثر إنتشارا بين الشعوب العربية ،وربما بإمكاننا القول انه القبلة الأولي لأي قراءة أولية لمعرفة الرأي العام للشباب العربي تجاه أي حدث،بصفته الملجأ الوحيد لكثير من الشباب للتعبير عن آراءهم بحرية –وان لم تكن دائمة-في ظل غياب أي أمل في مناخ سياسي صالح للحوار في مجتمعاتنا العربية!
لم يكن من المستغرب أن أري كل ذلك التفاعل والإهتمام من قبل العرب بمحاولة الإنقلاب في تركيا سواء بالتأييد او المعارضة ،فلا شك أن الروابط التاريخية التي تجمع تركيا بالعرب كثيرة والعوامل التي تدفع الشباب العربي للإهتمام بتركيا متعددة وعلي رأسها الدور السياسي القوي الذي يلعبه نظامها السياسي متمثلا في شخص الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”بخطاباته الشهيرة التي يركز فيها دائما علي الظهور بصورة البطل ذو الخلفية الإسلامية ،وهو ما يساهم بشكل رئيسي في زيادة شعبيته يوما بعد يوم لدي الشعوب العربية الحالمه بعودة العصور الزاهرة لحضارتها الإسلامية ،مايجعلها تتشبث بأي قشة تظهر لها في عرض بحر الظلم والإستبداد الغارقة فيه!
وعلي الجهة الأخري ،تقف مجموعةُ أخري تري في تُركيا عدواً للعرب ليس إلا،وتتمني لو نجح الانقلاب العسكري علي أردوغان ،ففي ذلك راحة لأنظمتهم من مؤامرات تركيا وأطماعها المزعومة بعودة الخلافة العثمانية علي حد زعمهم!
وبين هذين الإتجاهين كانت صفحات الفيسبوك تمتلئ عن آخرها بأراء وتحليلات ودعوات وأمنيات ،نقاشات هنا ونقاشات هناك ،مابين حوار بين صديقين ،إلي جدال يمتد لساعات بين مستخدمين عرب في تعليقات علي أحد الأخبار التي تكتبها صفحات القنوات أو الصحف التركية أو العالميه ،إتهامات متبادلة بالعمالة ،وصف بألفاظ خارجة وشتائم متبادلة تعبر عن مدي حالة الإستقطاب الحاد الموجودة في مجتمعاتنا العربية ،وليس ذلك مؤشراً علي حالة الإستقطاب فقط ،بل هو دليل علي مدي التردي الذي وصلنا إليه علي كل المستويات أخلاقياً وثقافياً وعلمياً!
وفي نفس الوقت الذي كنا ننقسم فيه إلي معسكرين يصف أنصار كلاً منهما الأخر بأقبح الـألفاظ وتسيطر فيه علي حواراتنا الإفتراضية حالة من الإستقطاب السياسي الحاد ،في أمر لا يعنينا من الأساس وليس خاصاً بنا علي الأقل ،كان الشعب التركي يقف صفاً واحداً في كل أنحاء البلاد يدافع عن حقوقه ويحمي ديمقراطيته ،ومكتسباته الشرعية والدستورية ،بمختلف أطيافه وعرقياته وخلفياته الثقافية والعرقية والإجتماعية ،كان يقف العلماني إلي جانب الإسلامي ،واليساري إلي جانب الإشتراكي ،الكردي والأرميني وذو الاصول العربية ،سواء إختلفوا حول قيادتهم أو إتفقوا ،أيدوا سلوكها أو عارضوه ،الإ أنهم في اللحظة التي شعروا فيها بوجود تهديد لمصلحة الوطن ،ألقي الجميع مصالحهم الشخصية وخلفياتهم السياسية وراء ظهورهم وقاموا بتنحية خلافاتهم جانباً ،ووقفوا صفاً واحداً من أجل مصلحة الوطن.
20 ثانية من خطاب للرئيس التركي ،كانت كفيلة بأن ينزل المواطنون للشارع ،ليحولوا كفة المعادلة بعد أن مالت أو كادت تميل لصالح من قاموا بالإنقلاب ،لترجع الأمور إلي نصابها في مدة لا تتجاوز ال 6 ساعات ،شاهد الجميع الأتراك الذين كانوا فرقاء بالأمس ،أخوة اليوم يقفون صفاً واحداً للدفاع عن حقهم في الحفاظ علي مكتسباتهم الدستورية ،ويرفضون الرجوع إلي عصور الظلام تحت الحكم العسكري ،لاسيما وأنهم قد عانوا منه كثيراً في تاريخهم الحديث.
ما فعله الأتراك أثبت للعالم مدي التقدم الذي وصلوا إليه ،وكان بمثابة مؤشراً لا يقبل النقاش حول مدي الوعي الذي وصل إليه الشعب التركي ونخبته السياسية من قبله ،فالساسة الأتراك بمختلف أيدلوجياتهم وثقافاتهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية ،أثبتوا للجميع حالة من نكران الذات وتغليب المصلحة الوطنية علي المصالح الشخصية ،عندما نسوا خلافاتهم ووقفوا صفاً واحداً في مواجهة الانقلاب العسكري ،لتتخطي تركيا ذلك المأزق الذي كان من الممكن أن يعصف بها ويرجعها إلي سنوات عجاف لا يعلمها الإ الله ،نسي الأتراك مصالحهم وخلافاتهم الشخصية ،واختاروا إعلاء مصلحة بلادهم فوق كل اعتبار ،فكان لهم ما أرادوا ،وعادت تركيا تنبض بالحياة من جديد.
بقدر ما كانت نهاية ذلك اليوم سعيدة بالنسبة للأتراك كونها شاهدٌ علي نجاح ذلك الشعب العظيم في الاختبار الصعب ،من أجل الدفاع عن حريته وكرامته ،وإثبات وحدته بقدر ما كانت حزينة كشاهد علي حجم المأساة التي وصل إليها حالنا كعرب ،علي كل المستويات ولعلي هنا أستهدفُ التركيز بشكل خاص علي الحالة المتردية من الاستقطاب السياسي الحاد الذي وصلنا إليه ،كشعوب وأفراد قبل الساسة والقادة ،
النعرات التي ظهرت بيننا ،ومشاعر الكراهية التي أضحت تسيطر علينا ،وتدني أسلوب الحوار وغياب احترام الرأي الآخر حتى أصبحت تلك الصفات هي السمات المميزة لأي حوار بين العرب باختلاف دولهم ،مستويات تعليمهم أو مكان النقاش،فما تراه علي شاشات التلفاز في البرامج الحوارية ،هو ما يحدث علي وسائل التواصل الاجتماعي ،ووصولا إلي التراشق عبر المقالات الصحفية والصحف بين الكتاب أو الأحزاب وغيرها مما نراه ونسمعه كل يوم، اختلفت موضوعات النقاش والأحداث ،وأستمر أسلوب الحوار المتردي واحد!
لذلك فإننا لسنا بحاجة لان نفرح بانقلاب في تركيا أو نأسى لفشله ،ولسنا بحاجة إلي أن نركز علي ما سيفعله الأتراك مع بعضهم البعض ،ولا أن نشغل أنفسنا بأحقية أردوغان في فرض حالة الطوارئ أم لا،فذلك شأن لا علاقة لنا به ،نحن بحاجة أن ننشغل بعيوبنا ،أن نضع حداً فاصلاً لكل المهازل التي وصلنا إليها علي كل المستويات الثقافية والاجتماعية والعلمية والسياسية والصحية ،وأن تكون البداية من خلق مناخ مناسب لنمو الأفكار ألإيجابيه وحرية إبداء الرأي وإن نتخذ من اختلافنا وسيلة للتكامل لا التناحر ،ولنا في أحداث تركيا الأخيرة ألف درس وعبرة ،لو أردنا التعلم ،قبل فوات الأوان.