قراءة في العلاقات السعودية – الأمريكية حول “هجمات سبتمبر” ومقاضاة السعودية
-المركز الديمقراطي العربي
أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعا يوم الجمعة يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية طلبا لتعويضات رغم تهديد البيت الأبيض باستخدام حق النقض ضد الإجراء.
كان مجلس الشيوخ أقر تشريع “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” بالإجماع في مايو أيار. ويقول معارضو مشروع القانون إنه قد يتسبب في توتر العلاقات مع السعودية ويؤدي إلى قوانين انتقامية تستهدف المواطنين أو الشركات الأمريكية في بلدان أخرى.
أبلغ مسؤولون بوزارة الخارجية الأمريكية أعضاء في الكونجرس بأن حلفاء مهمين للولايات المتحدة يعارضون تشريعا سيسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية وأنه يمثل خطرا على الأمن القومي.
لكن كثيرا من أعضاء لجنة فرعية تابعة للجنة القضائية في مجلس النواب عبروا عن تأييدهم القوي في جلسة بشأن تشريع “العدالة ضد رعاة الإرهاب” الذي أقره مجلس الشيوخ في مايو أيار بالإجماع رغم تهديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنقضه.
ويعارض السعوديون بقوة التشريع وينفون أي مسؤولية لهم في الهجمات التي وقعت عام 2001. وعبرت حكومات أخرى عن اعتراضها. وحذر البرلمان الهولندي من أن القانون سيمثل انتهاكا للسيادة الهولندية وكتب عضو في البرلمان البريطاني مقالا عارض فيه القانون.
ويقول مؤيدو القانون إنه سيحقق العدالة لمن فقدوا ذويهم في الهجمات التي وقعت قبل 15 عاما. ويقولون أيضا إنه إذا لم تكن السعودية مسؤولة عنها فإنها لن تتضرر من أي دعوى قضائية.
وقال النائب الديمقراطي عن نيويورك جيرالد نادلر إنه لا ينبغي أن يحول القلق من أي فعل انتقامي دون المضي قدما بالمشروع حتى يصبح قانونا. وأضاف “لا يوجد سبب لإنكار العدالة لضحايا 11 سبتمبر وأسرهم.”
وفي حال أصبح المشروع قانونا فإنه سيلغي الحصانة التي تحول دون رفع دعاوى قضائية ضد حكومات الدول التي يثبت ضلوعها في هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية. وسيسمح القانون للناجين من الهجمات وأقارب القتلى بالسعي للحصول على تعويضات من دول أخرى.
وفي هذه الحالة سيسمح برفع دعاوى أمام المحاكم الاتحادية في نيويورك ليحاول المحامون إثبات تورط السعودية في الهجمات على مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).
بعد أكثر من 13 عاماً على نشر تقرير التحقيق الذي أجراه الكونغرس الأمريكي حول الأحداث المحيطة بهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تم نشر “28 صفحة”حول التدخل السعودي في الهجوم الإرهابي والتي كانت موضع نقاش كبير، وتم حجب نشرها نظراً لكونها حساسة جداً وغير قابلة للنشر.
ويقول الباحث قد تبين أن هناك 29 صفحة، وليس 28، مرقمة من 415 إلى 443 في التحقيق الذي أجراه الكونغرس حول هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
كما أنه مع الحذف الذي تم في الصفحات، والذي يشمل في بعض الأحيان كلمات وغالباً أسطراً بأكملها، يصل عدد الصفحات إلى ما يعادل ثلاث صفحات بالإجمالي. لذلك لم نحصل بعد على الصورة الكاملة.
وتبيّن على الفور وبشكل واضح أن الاعتقاد السائد حول سبب عدم نشر هذه الصفحات منذ البداية صحيح، وهو منع إحراج العائلة المالكة السعودية، نظراً إلى كون هذه الصفحات مدمرة:
- الصفحة 415: “أثناء وجودهم في الولايات المتحدة، كان بعض مختطفي الطائرات في 11 أيلول/ سبتمبر على اتصال بأفراد قد يكونوا مرتبطين بالحكومة السعودية وتلقوا الدعم والمساعدة منهم … وزعم البعض أن إثنين على الأقل من هؤلاء الأفراد هم ضباط في الاستخبارات السعودية”.
- الصفحة 417: أحد الأفراد الذين تم التعرف إليهم في الصفحات على أنهم قدموا الدعم المالي لإثنين من الخاطفين في هجمات11 أيلول/ سبتمبر، وهو أسامة باسنان، تلقى في وقت لاحق “مبلغاً كبيراً من المال” من “عضو في العائلة المالكة السعودية” خلال رحلة قام بها في عام 2002 إلى هيوستن.
- الصفحة 418: “يشكل سعودي آخر تربطه علاقات وثيقة مع العائلة المالكة السعودية، [محذوف]، موضع تحقيقات من مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي في قضايا مكافحة الإرهاب”.
- الصفحتان 418 و419: كان من ضمن جهات الاتصال على هاتف زعيم تنظيم «القاعدة» المحتجز أبو زبيدة الرقم غير المدرج للشركة الأمنية المسؤولة عن مقر إقامة السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان في ولاية كولورادو.
- الصفحة 421: “[يشير] [محذوف]، بتاريخ 2 تموز/ يوليو 2002 إلى ‘ أدلة دامغة بأن هناك دعماً لهؤلاء الإرهابيين داخل الحكومة السعودية ‘ “.
- الصفحة 426: كانت زوجة باسنان تتلقى المال “من الأميرة هيفاء بنت سلطان”، زوجة السفير السعودي. (اسمها الحقيقي هو في الواقع الأميرة هيفاء بنت فيصل).
- الصفحة 436: شهد المستشار القانوني العام في وزارة الخزانة الأمريكية ديفيد أوفهاوسر بأن “مكاتب [المؤسسة الخيرية السعودية] ‘ الحرمين ‘ على اتصال كبير بالمتطرفين، المتطرفين الإسلاميين”. كما شهد مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأنهم “كانوا يحرزون تقدماً في تحقيقاتهم حول مؤسسة ‘ الحرمين ‘ … وأن رئيس المكتب المركزي متواطئ في دعم الإرهاب، مما أثار أيضاً أسئلة حول [وزير الداخلية السعودي] الأمير نايف”.
عند قراءة ما ورد أعلاه، صرختُ قائلاً: “نعم!” في كانون الثاني/ يناير 2002، نقلت مجلة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” عن مسؤوليْن لم تذكر اسمهما من إدارة [الرئيس الأمريكي السابق بيل] كلينتون قولهما إن اثنين من كبار الأمراء السعوديين كانا يدفعان لأسامة بن لادن منذ تفجير عام 1995 في الرياض، الذي أسفر عن مقتل خمسة مستشارين عسكريين أمريكيين. وقد تابعتُ الأمر فيمقال للرأي نشرتُه في صحيفة “وول ستريت جورنال” في آب/ أغسطس 2002، ذكرتُ فيه أن مسؤولين أمريكيين وبريطانيين أطلعوني على أسماء اثنين من كبار الأمراء كانا يستخدمان الأموال السعودية الرسمية، وليس أموالهما الخاصة، للدفع إلى بن لادن من أجل إشعال اضطرابات في أماكن أخرى خارج المملكة، ولكن ليس داخلها. وقد أشرتُ إلى الأميريْن في وقت لاحق في مقال رأي لاحقفي صحيفة “وول ستريت جورنال”: وكانا هؤلاء الأمير نايف، والد ولي العهد الحالي، محمد بن نايف، وشقيقه الأمير سلطان، وزير الدفاع آنذاك ووالد الأمير بندر. وقد توفي كلاً من الأمير نايف والأمير سلطان في وقت لاحق.
ونقل مقال “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” عن مسؤول سعودي قوله: “أين الدليل على ذلك؟ لا أحد يقدم الدليل”.
كان ذلك المسؤول وزير الخارجية الحالي عادل الجبير، الذي أمضى بلا شك الأيام الأخيرة يضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي للحد من الأضرار، وأراهن على أنه ربما استخدم المنهجية نفسها.
ولكن مع صدور الصفحات التي بلغ عددها 29، ومع الوصف المفصل الذي ورد فيها حول العلاقات المالية بين الخاطفين في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ومسؤولين سعوديين، أصبح من الصعب بصورة متزايدة تقديم الحجة التي قدمها الجبير.
ففي النهاية، نقلت لجنة التحقيق عن مصدر تم حجبه مدّعياً وجود “أدلة دامغة تشير إلى أن هناك دعماً لهؤلاء الإرهابيين من داخل الحكومة السعودية”.
وعند نشر هذه الصفحات، قدمت شركة “كورفيس” للعلاقات العامة التي مقرها في واشنطن، والتي يربطها عقد مربح مع المملكة، تحليلها الخاص الذي بدأ باقتباس من مقابلة أجراها مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان مع قناة العربية في 11 حزيران/ يونيو. وفيما يلي جزء منه: “لم يكن هناك أي دليل يشير إلى أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو أن كبار المسؤولين السعوديين بشكل فردي دعموا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر”.
يمكن أن يكون هذا صحيحاً، ولكنه مع ذلك يسمح بإمكانية، بل احتمال، أن تكون الإجراءات التي اتخذها كبار [المسؤولين] السعوديين قد أسفرت عن تلك الاعتداءات الإرهابية. فأنا لم أقُل أبداً أن الحكومة السعودية أو أفراداً من العائلة المالكة قدموا الدعم أو التمويل بشكل مباشر لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
بيد أن المطاف انتهى بالمال السعودي الرسمي في جيوب المهاجمين من دون أدنى شك. وفي هذا الإطار، سألت مرة مسؤولاً بريطانياً: “كيف لنا أن نعرف؟” فأجاب، إننا نعرف من أي حساب جاءت الأموال، وأين انتهى بها المطاف.
يعتبر خبير الشؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سايمون هندرسون في حوار مع”ذي سايفر بريف”أن السعوديين “فقدوا أساساً إيمانهم بإدارة البيت الأبيض برئاسة أوباما” و”هم ينتظرون اليوم الذي تنتهي فيه ولاية إدارة أوباما”.
وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرياض في نيسان/أبريل وزيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع، لا يزال التوتر ملموساً في العلاقات الأمريكية – السعودية.
بيد، يضيف هندرسون أن المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في توفير الأمن لها، و”ترغب في توطيد العلاقات الأمريكية – السعودية عبر إقامة علاقة إمدادات عسكرية قوية”».
وعلى مستوى التعاون الحالي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب يقول الباحث:
ثمة مجهودٌ مشترك كبير يُبذل في هذا المجال، فالولايات المتحدة تضطلع بمهام الارتباط والتدريب مع الجيش السعودي، ولها مهام ارتباط وتدريب مستقلة مع “الحرس الوطني السعودي” للتأكد من عدم حدوث أي انقلاب عسكري على العائلة الملكية، هذا بالإضافة إلى علاقات أخرى مع وزارة الداخلية. فبخلاف وزارة الداخلية الأمريكية، لا تعنى وزارة الداخلية السعودية بالغابات أو الحياة البرية إنما بالأمن الداخلي.
المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حليفتان منذ عقود والولايات المتحدة تُعتبر أهم حليف غير عربي للمملكة، خصوصاً في ما يتعلق بردع التهديدات الخارجية ضد آل سعود. وبينما تتنوع دوافع واشنطن إلا أنها تتمحور حول الحاجة لضمان الاستقرار في منطقة تُعد مركز عالم الطاقة والعالم الإسلامي أيضاً، وهما قضيتان تصدرتا عناوين الصحف لعقود من الزمن على خلفية الاختلال والاضطرابات المرتبطة بهما.
وانعدام الاستقرار في المنطقة يهدد أيضاً حلفاء آخرين للولايات المتحدة ومصالح أمريكية أخرى. وما زالت الأراضي الأمريكية هدفاً محتملاً للإرهابيين والمخططات الإرهابية النابعة من الشرق الأوسط.
ويتمثل التحدي الرئيسي في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب بوجود نقاط اختلاف حول التركيز والتوجه أكثر من أي وقت مضى، مما قد ينطبق حتى على الحلفاء المقربين. ففي ما يتعلق باليمن، تعتقد واشنطن أن العمل العسكري بقيادة السعودية الذي بدأ منذ أكثر من عام، قد أسيء فهمه ولن يفضي إلى أي نتيجة [إيجابية]. فضلاً عن ذلك، بالغت الرياض بدور إيران في دعم المتمردين الحوثيين بحسب الباحث.
بالإضافة إلى ذلك، تتمثل وجهة نظر الولايات المتحدة، بأنه عوضاً عن التوجه نحو تهدئة الأوضاع المتوترة بين طهران والرياض، يبرز خطر التصعيد. ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أنه في سيرة الرئيس أوباما التي نُشرت مؤخراً في مجلة “ذي أتلانتيك”، تعرضت المملكة العربية السعودية لانقادات أشد وطأة وأكثر من أي دولة أخرى، سواء أكانت حليفة أم لا.
وفي السنوات الأخيرة، لطالما وصفت المملكة العربية السعودية علناً علاقتها مع الولايات المتحدة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب بعبارات مبتذلة، كما لو أن أي تلميح إلى النقد الصريح يأتي بنتائج عكسية. ولكن هذه العلاقة اكتست بعداً جديداً ومعقداً منذ تغيّر القيادة في المملكة في كانون الثاني/يناير 2015، عند وفاة الملك عبدالله.
ويقول”هندرسون” نحن نواجه مستقبلاً يتسم بعدم اليقين. فقد تم تهميش حليف واشنطن الأساسي في قضايا مكافحة الإرهاب، محمد بن نايف، على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، إلا أن الحاجة لشراكة فعالة في مجال مكافحة الإرهاب أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى.
كما أن الرياض لا تثق بمقاربة واشنطن تجاه [الدولة] التي تشكل بحد ذاتها، بالنسبة إلى الجانب السعودي، نصف مشكلتها الإرهابية على الأقل، ألا وهي إيران.
وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر شراكتها الحالية مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب من المسلمات. وبالرغم من الخلافات والإهانات العلنية، لا بد من تكييف العلاقة بين الدولتين بحيث تتم المحافظة على جوهرها مع استمرار حالة عدم اليقين على الصعيد السياسي حول السلطة الفعلية في بيت آل سعود”.
المصدر:معهد واشنطن +المركز الديمقراطي العربي+صحف