مخالفات البرلمان المصري للقانون والدستور (خبير قانوني)
اعداد : الدكتور عادل عامر
أن الدستور هو كتاب الوطن الأول الذي يجب على كل سلطات الدولة، ومنها مجلس النواب، الالتزام بمواده المختلفة، لذلك التزامًا بالدستور – إصدار قانوني بناء وترميم الكنائس طبقًا للمادة 235 من الدستور والعدالة الانتقالية طبقا للمادة 241 من الدستور، وذلك قبل فض دور الانعقاد السنوي الأول”.
ارتبطت مسيرة التطور السياسي ونمو الاتجاهات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم بدور البرلمانات الاستعمارية، الانطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية في الحكم. كما أن البرلمان كان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال في الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية ، منذ أوائل القرن العشرين.كذلك، فإن البرلمانات تساهم في تشكيل الرأي العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة للنظام السياسي، وأداء أجهزة الدولة.وباعتبارها هياكل نيابية، فإن البرلمانات لديها الفرصة في التأثير على مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية المتباينة داخل الدولة، والتأثير بالتالي في الرأي العام ككل.كما يعد البرلمان مكانا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين المناقشات.نهم والحكوم، أيي يعد منبرا يعبر عن الاتفاق والاختلاف،
وكثيرا ما تبث وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية هذه المناقشات .ولا يقتصر تأثير البرلمان في الرأي العام على النطاق الداخلي وإنما قد يمتد إلى النطاق الخارجي، فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأي العام الدولي.وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بالمرونة والحركية، فهي لا تتم بين أشخاص رسميين يعبرون عن وجهة نظر جامدة للدولة، أو يحملون أوراق تفويض في مسائل معينة، وإنما بين أحزاب وقوى سياسية متباينة في برامجها وأهدافها في داخل دولها، بغض النظر عن كون هذه الأحزاب في الحكم أم لا.ر المحبة ونشر قضيتي وانتمائي
لان سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقا للدستور في إطار وظيفتها الأصلية، وكان الأصل هو أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها وأقامها عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها، ومن بينها دستور سنة 1923، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه
أنهى البرلمان المصري دورته الأولى بالعديد من الإنجازات المهمة، أهمها إقرار 341 قانوناً كانت صدرت بقرارات من الرئيس الانتقالي عدلي منصور والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، أثناء غياب البرلمان، ومنح الدستور البرلمان حق قبول أو رفض هذه القوانين خلال 15 يوماً. كما أصدر البرلمان لائحة داخلية جديدة، وزهاء 60 قانوناً ذات طابع مالي وإداري، فضلاً عن قانون بناء الكنائس والخدمة المدنية، وشكَّل البرلمان لجاناً لتقصي الحقائق نجحت إحداها في الكشف عن الفساد في عمليات توريد القمح لوزارة التموين، ما عجّل، إضافة إلى أسباب أخرى، في استقالة وزير التموين.
الإنجازات السابقة لم تمنع انتقاد أداء البرلمان وظهور حالة عامة من عدم الرضا يشترك فيها الرأي العام والإعلام وكثير من أعضاء البرلمان نفسه، وبالطبع لكل منهم أسبابه، فهناك من ينتقد أداء البرلمان بسبب تراجع دوره التشريعي لصالح الحكومة التي انفردت بتقديم مشاريع القوانين، وهناك من كان يراهن على توسيع دور البرلمان في وضع وتنفيذ السياسات ومراقبة أداء الحكومة، وهو ما لم يتحقق، حيث ظلت الحكومة لاعباً رئيساً، بينما اقتصر دور البرلمان على الدعم والتأييد، حيث غابت أو غيبت الاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة البرلمانية.
أخيراً، تركزت أغلب الانتقادات لأداء البرلمان على عدم التزامه ببعض مواد الدستور واللائحة الداخلية، مثل نص المادة 241، التي تلزم البرلمان بإصدار قانون العدالة الانتقالية، وتلزم المادة 109 أيضاً أعضاء البرلمان بتقديم إقرار ذمة مالية عند شغل العضوية، وعند تركها، وهو ما لم يلتزم به أكثر من نصف الأعضاء! كما أقر البرلمان الموازنة العامة للدولة للعام المقبل، من دون مناقشة الحساب الختامي، ولم تلتزم الحكومة أو البرلمان بالمادة 18 من الدستور، التي تنص على أن «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية». كما نصت المادة 19 على التزام الدولة تخصيص 4 في المائة على الأقل من الناتج القومي للتعليم تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
أكثر من ذلك فإن اتفاق الحكومة على قرض صندوق النقد الدولي تسبب في مخالفة دستورية للبرلمان، فقد نصت المادة 127 على أنه «لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة، إلا بعد الحصول على موافقة البرلمان وهو ما لم يحدث».
والثابت أن البرلمان ليس المؤسسة الوحيدة التي لا تلتزم بمواد الدستور، فثمة مؤسسات أخرى في الدولة تتجاهل مواد الدستور، حتى إن هناك من يرى أن الدستور الحالي شبه معطل، وهو ما يثير إشكاليات تتعلق بشرعية النظام وسلامة القوانين والتشريعات التي يصدرها البرلمان، لكن تلك المخالفات تعتبر مواءمات تشريعية وسياسية من وجهة نظر بعض فقهاء الدستور والنواب، علاوة على الحكومة، لأن هناك اختلافات في تفسير وتأويل بعض مواد الدستور، خصوصاً المتعلقة بتحديد نسبة للإنفاق على التعليم والصحة، كما أن هناك أولويات كثيرة وتحديات خارجية ومشكلات داخلية تستوجب سرعة الحركة، واتخاذ قرار مثل الاتفاق مع صندوق النقد، أضف إلى ذلك أن بعض مواد الدستور ارتبطت بالمناخ السياسي الذي عملت فيه لجنة الخمسين في أواخر عام 2013، ودفعتها إلى وضع مواد ذات طابع إجرائي، مثل إصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دورة انعقاد للبرلمان المنتخب، لكن اختلاف الأوضاع السياسية الحالية لا يشجع على إصدار هذا القانون المهم، وتكفي الإشارة هنا إلى موجة الرفض والانتقاد العام في الإعلام والبرلمان لتصريح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب مجدي العجاتي، في شأن إمكانية إجراء مصالحة مع أعضاء «الإخوان» الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء.
خالف مجلس النواب المادة 241 من الدستور بعدما أنهى دور الانعقاد الأول له دون إصدار قانون العدالة الانتقالية. وتنص المادة 241 على:
“يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية”، يذكر أن مجلس النواب أعلن إنهاء دور الانعقاد الأول مؤخرا دون إصدار القانون.
أن الحكومة غير ملزمة، طبقا للنص الدستوري، بتقديم مشروع قانون للعدالة الانتقالية وأن الدستور ألزم مجلس النواب صراحة. و أنه من بنود مشروع قانون العدالة الانتقالية المنتظر، أن يتيح إمكانية التصالح مع عناصر جماعة الإخوان- المصنفة إرهابية بحكم قضائي- ممن لم يتورطوا في جرائم العنف والقتل ولم تنسب إليهم أفعال إجرامية.
** أن البرلمان عندما رفض قانون الخدمة المدنية فهو رفض قرار بقانون صدر في المرحلة الانتقالية وكان يتم العمل به. لان رفض البرلمان في وقت سابق قانون الخدمة المدنية لا يحرمه من مناقشة المشروع وتعديلاته في نفس الدورة البرلمانية، خاصة أن قانون الخدمة المدنية يعد من القوانين الملحة في البرلمان والتي ينبغي الانتهاء منها خلال هذه الدورة البرلمانية.لان عرض قانون الخدمة المدنية على البرلمان مرة أخرى بعد رفضه في وقت سابق أمر قانوني، أن مجلس النواب رفض القانون الذي قدمته الحكومة الذي كان ساري، ولكن ما تم تقديمه الآن هو مشروع قانون.
أن قانون الخدمة المدنية الذي رفضه مجلس النواب غير القانون عرضته الحكومة على البرلمان، و أنه يجوز عرض القانون في نفس دور الانعقاد. أن الدستور لا يرتب عقوبة على مخالفة نصوصه إلا أن مخالفة نصوص الدستور في حد ذاتها تمثل جريمة ويقع باطلا كل ما يخالفه، ولابد أن ينجز مجلس النواب جميع القوانين المكملة للدستور في دور الانعقاد الأول.
بالفعل تم تغييب هذا القانون، لأن التفكير السياسي كان معدوما، فعندما وضع القانون لم يكن مقصودا به التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين، لأن الدستور وضع في ظل حرب ضروس بين الدولة والمجتمع من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، فلم تكن جماعة الإخوان هي المقصودة بالقانون. في المادة (241) على أن يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية وتعويض الضحايا، وفقا للمعايير الدولية” .أن الواضح من النصوص الدستورية صفة الوجوب، حيث إن النص بدأ يلتزم، وهذا يعنى أنه لابد أن يصدر المجلس تلك القانونين في دور الانعقاد الأول.
على أن الدستور لا يرتب عقوبة على مخالفة نصوصه إلا أن مخالفة نصوص الدستور في حد ذاتها تمثل جريمة ويقع باطلا كل ما يخالفه. وبرغم وضوح نص المادة 241 من الدستور، وتأكيدها على مخالفة مجلس النواب لتطبيق الدستور، إلا إن بعض الأعضاء يقومون بالدفاع عن المجلس ويتبرأون من المخالفة الصريحة الواضحة لنص الدستور، مبررين هذه المخالفة بأن الموعد الذي نص عليه الدستور غير إلزامي وأنه فقط موعد تنظيمي أن كل ماورد في الدستور مسئولية تنفيذه تقع على عاتق البرلمان.
إن تغير المناخ السياسي لا يعني تجميد أو مخالفة مواد الدستور أو المطالبة بتعديل بعض مواده على رغم أنه لم يطبق، فمناط الحكم على الدستور يرتبط بتفعيله على أرض الواقع، وهو ما لم يتحقق لأسباب كثيرة، أهمها أن كثيراً من مواد الدستور يحتاج إلى إصدار قوانين وهي من ضمن الأولويات المطروحة على البرلمان، ويجب عليه استكمالها في الدورة البرلمانية المقبلة، لكن يبدو أن نقص الخبرة التشريعية لأعضائه (75 في المائة من الأعضاء يدخلون البرلمان لأول مرة)
دفعت الحكومة إلى تقديم مشاريع قوانين، كما أن إحالة مشاريع القوانين إلى مجلس الدولة لدراستها قبل عرضها على المجلس، ثم مراجعتها بعد الموافقة عليها، يطيل المدة الزمنية المطلوبة لإصدار أي قانون، والأهم أنه يجعل مجلس الدولة شريكاً ورقيباً في شكل سابق ولاحق على العملية التشريعية، وكانت المادة 190 من الدستور قد منحت هذا الحق لمجلس الدولة.
من المبكر الحكم على أداء البرلمان من خلال دورة واحدة، وتقييم فاعلية أداء نوابه، حيث انشغل الجميع بإصدار لائحة داخلية جديدة والانتهاء من انتخاب وتشكيل لجانه، والتوافق على شكل وأداء الجلسات وأسلوب رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال في إدارة الجلسات، خصوصاً أن الرجل جاء من الحقل الأكاديمي إلى فضاء السياسة والتشريع من دون خبرات سياسية، لذلك دخل في مشاحنات مع بعض النواب حول انحيازه الدائم للحكومة، وحرية الرأي والتعبير وحدود النقد، وتشغيل أو إيقاف التصويت الإلكتروني، والمدهش أن كبرى المشاكل التي تواجه البرلمان ورئيسه هي نقص خبرة النواب، وكثرة غيابهم! وبنسب لا تضمن أحياناً صحة انعقاد جلسات البرلمان والقيام بأعماله التشريعية والرقابية، ما دفع رئيس البرلمان إلى تهديد النواب المتغيبين بنشر أسمائهم في الصحافة وتطبيق الجزاءات الخاصة بمخالفة واجبات العضوية.
كل الاعتبارات السابقة لم تمنع ظهور أحكام متعجلة حول أداء ومستقبل البرلمان، واتسمت تلك الأحكام بحالة من الاستقطاب – أصبحت سمة في السياسة المصرية – بين راض عن أداء البرلمان وعن دعمه الدائم للرئيس والحكومة، وعن الثقة في أن البرلمان سيطور أدواره التشريعية والرقابية في الدورات المقبلة، ما يدعم جهود التنمية ودعم الشرعية والمشاركة السياسية، حيث سيكتسب الأعضاء خبرات برلمانية، وستنجح لجان تقصي الحقائق في ملاحقة الفساد في مؤسسات الدولة والقطاع العام.
في المقابل هناك من ينتقد البرلمان بعنف ويقلل من حجم إنجازاته ويتهمه بالتبعية والاندماج في السلطة التنفيذية، وتغييب السياسة، وبالتالي يرى أن دوره في المستقبل سيظل محدوداً للغاية سواء في التشريع أو الرقابة على الحكومة، وذلك نتيجة تكوينه غير الحزبي، فغالبية النواب وبنسبة 51 في المائة كانوا أعضاء في الحزب «الوطني» (حزب مبارك) وقد ترشحوا من خلال أحزاب سياسية مختلفة، أي أن رجال وأفكار نظام مبارك تهيمن على البرلمان، كما أن غالبية النواب تنتمي لتكتل «في حب مصر»، وهو ليس حزباً وليس له برنامج سياسي وإنما كل ما يجمعه هو دعم الرئيس السيسي وحكومته، كذلك فإن 14 في المائة تقريباً من النواب هم من موظفي الدولة، إضافة إلى 11 في المائة من ضباط الشرطة والجيش السابقين، و24 في المائة من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع والأعمال الحرة، وهي النسبة الأعلى لهذه الفئة في تاريخ البرلمان.
بينما تراجعت نسبة اليسار والناصريين إلى 3 في المائة تقريباً. لكن وبغض النظر عن تركيب البرلمان فإنه من غير المنطقي الحكم على دوره في المستقبل، لأن هناك عوامل كثيرة لا تدخل في حسابات المتشائمين تتعلق بتطوير الخبرات البرلمانية للأعضاء، وإمكانية ظهور نجوم وقيادات برلمانية قادرة على تقديم استجوابات قوية، والأهم أن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة نتيجة تطبيق الاتفاق مع صندوق النقد ستدفع الناخبين للضغط على النواب لتحسين أدائهم لمحاربة الفساد وتفعيل الدور الرقابي للحكومة، لكن التحسن سيظل محدوداً، ولن يصل إلى الحدود القصوى التي نص عليها الدستور ومن بينها سحب الثقة من الحكومة، وإقرار أو رفض أي حكومة جديدة.
فقد خالف البرلمان مؤخراً نص المادة 107 من الدستور حيث امتنع المجلس عن تنفيذ حكم قضائي بتصعيد الدكتور عمرو الشوبكى عقب حصوله على حكم من محكمة النقض بأحقيته في الفوز بمقعد الدقي والعجوزة. وخالف البرلمان نص المادة 101من الدستور بشأن تولى مجلس النواب سلطة التشريع، وذلك بشأن مشروع القانون المقدم من حزبي المصريين الأحرار والوفد، بشأن بناء وترميم الكنائس، حيث تم تحويله إلى الحكومة لدراسته أولا، وأيضا مشروع قانون العدالة الانتقالية المقدم من النائب فرج عامر، إضافة إلى قانون آخر مقدم من أحد الأعضاء البرلمانيين للمجلس، إضافة إلى قرض صندوق النقد الدولي، الذي تسبب في مخالفة دستورية، حيث نصت المادة 127 على أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب، وهو مالم يحدث.
فيما خالف البرلمان نص المادة 130 من الدستور، حيث تجاهل المجلس مناقشة الاستجوابات التي تقدم بها النواب ضد وزير التموين بشأن فساد القمح، ووزير التربية والتعليم الهلالي الشربينى، بشأن تسريب الامتحانات، ما يعنى سقوط هذه الاستجوابات بنهاية دور الانعقاد الحالي.
كما أقر المجلس الموازنة دون إجراء تعديلات على الميزانية الخاصة بقطاعي الصحة والتعليم، وهو ما يمثل مخالفة دستورية أخرى. أن الدستور نص في المادة (235) على أن “يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية”،
كما نص الدستور واستجاب مجلس النواب لجميع ملاحظات مجلس الدولة بشأن اللائحة الداخلية باستثناء الملاحظات الخاصة بإدراج موازنته رقمًا واحدًا وليس أبوابًا، وعدم إخضاعها لمراقبة جهاز المحاسبات، وإعفاء مكافآت النواب من الضرائب، حيث أصر البرلمان على الإبقاء على المادة 402 بلائحته والتي تنص على أن المجلس مستقل بموازنته وتدرج رقما واحدا في موازنة الدولة، وهى مادة مخالفة للدستور ولرأى مجلس الدولة الذي اعترض في تقريره عن اللائحة على أن الدستور حدد الجهات التي يتم إدراج موازناتها رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة وهى الجهات القضائية والقوات المسلحة، ولا يجوز إدراج موازنة مجلس النواب رقما واحدا، وطالب مجلس الدولة البرلمان بأن يلتزم بالدستور.
إن الموازنة العامة لأي وزارة تقسم إلى 8 أبواب وكل باب يقسم إلى بنود وأي نقل من باب لباب بعد موافقة البرلمان على الموازنة مثل نقل الصرف من باب الاستثمارات للأجور لابد أن يصدر بقانون يقره البرلمان، كما أن النقل من بند إلى آخر في نفس الباب لابد أن يكون بقرار من وزير المالية، أما وضع الموازنة رقما واحدا فهي تتيح للجهة أن تصرف كما تشاء في أي باب وأي بند بدون حاجة لأي موافقة بقانون أو قرار من وزير المالية.
مندهش جدا من إصرار البرلمان على مخالفة الدستور في هذا الأمر، و أنه إذا تم الطعن بعدم الدستورية على اللائحة في هذه المادة سيترتب عليه أن يعد المجلس وضع موازنته من جديد وتبويبها.
كما أصر البرلمان على الإبقاء على المواد التي تمنع مراقبة موازنته من جهاز المحاسبات وهى المادة 407 من اللائحة الداخلية للمجلس، والتي تنص على: “يتولى المجلس حساباته بنفسه، ولرئيس المجلس أن يطلب من رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ندب من يراه، لوضع تقرير يقدم إلى رئيس المجلس عن حسابات المجلس وطريقة تنفيذ موازنته أو عن أي شأن من الشئون المالية الأخرى للمجلس، كما تنص المادة 409 من اللائحة على “يضع مكتب المجلس خلال ثلاثين يوما من انتهاء السنة المالية الحساب الختامي لها ثم يحيله رئيس المجلس إلى لجنة حساباته لبحثه وتقديم تقرير عنه يعرض على المجلس في أول جلسة تالية”.
ورغم أن الجهاز المركزي للمحاسبات طلب تعديل هذه المواد لمخالفتها للدستور لكن البرلمان أصر على ألا يراقب جهاز المحاسبات موازنته ولا حساباته الختامية.
إن هذه المواد من اللائحة تخالف المادة 219 من الدستور التي حددت اختصاصات جهاز المحاسبات بأنه يراقب أموال الدولة والموازنات الخاصة حيث نصت على:
“يتولى الجهاز المركزي للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة والجهات الاخري التي يحددها القانون ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة والموازنات المستقلة ومراجعة حساباتها الختامية”،
وهذا معناه أن الدستور يلزم بأن يراقب جهاز المحاسبات أموال الدولة، أن أموال البرلمان أموال عامة ولذلك فإن عدم مراقبة الجهاز لموازنة البرلمان يخالف الدستور أن دستور 71 لم يكن يحدد اختصاصات جهاز المحاسبات وكانت لائحة مجلس النواب لا تصدر بقانون فكان من الجائز أن اللائحة تنص على عدم مراقبة موازنة المجلس من قبل جهاز المحاسبات.
ورفض البرلمان أيضا تنفيذ رأى مجلس الدولة برفض إعفاء المبالغ التي تصرف للنواب من جميع أنواع الضرائب والرسوم حيث استند مجلس الدولة إلى أن الدستور قانون مجلس النواب لم ينص على إعفاء مكافآت النواب من أية ضرائب أو رسوم فإنه يتعين الرجوع إلى القواعد العامة بشأن الإعفاء من الضرائب على ما يتقاضاه أعضاء مجلس النواب من مكافآت، وأرجع سبب تمسكه بإعفاء المكافآت النواب من الضرائب والرسوم إلى أن القوانين واللوائح استقرت على إعفاء المبالغ التي تدفع إلى أعضاء البرلمان من جميع أنواع الضرائب والرسوم وأن السماح بالحجز على مدفوعات النواب قد يمس استقلال السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية. تعد هذه الوظيفة من أهم وظائف البرلمانات، تاريخيا وسياسيا.
فمن الناحية التاريخية، تجسدت قيم الديمقراطية في إنشاء نظام للحكم يعتمد على تمثيل الشعب، وتحقيق حرية المشاركة والمساواة بين المواطنين، وارتكز هذا النظام على وجود هيئة تقوم بدور النيابة عن هذا الشعب في تقرير أمور حياته.
وبلا شك، فإن أهم أمور تنظيم حياة المجتمع هي وضع القواعد التي يجب أن تسير عليها الكافة من أجل حماية قيم الحرية والمساواة. ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أي القوانين.
واليوم، تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى أن التسمية المرادفة للبرلمان في مختلف الثقافات المعاصرة هي المؤسسة أو السلطة التشريعية.
وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها في هيئة مشروعات تأتي غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفي دور البرلمان في مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة.ومن المهم معرفة أن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع، وإنما القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم.
فالتشريع يأتي تاليا لوضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة، ولا يتم في فراغ، ومن هنا، نستطيع التحدث عن سياسة تشريعية. والذي يعبر عن تلك السياسة التشريعية هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها.ومن المهم، أيضا، معرفة نطاق الوظيفة التشريعية التي يمارسها البرلمان في إصدار القوانين.
فالقاعدة العامة أن الإطار القانوني له مكونات عديدة، على رأسها الدستور، ثم القوانين، واللوائح التنفيذية، والقرارات الوزارية والتعليمات الإدارية، بالإضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي توقع عليها الدولة.فبالنسبة للدستور، فمرجعه الأصلي هو الشعب، لأن الدستور أعلى مرتبة من القوانين، وهو الذي يعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وطبيعة نظام الحكم ككل، وبالتالي لابد أن يكون للشعب الرأي المباشر فيه. أما دور البرلمان فيتمثل في مناقشة تعديل الدستور.
وبالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن السلطة التنفيذية هي التي توقع عليها، لأنها المتحدث بإسم الدولة أمام العالم الخارجي، ويكون دور البرلمان هو الموافقة على تلك الاتفاقيات والمعاهدات قبل التوقيع عليها نهائيا، أو التصديق عليها بعد التوقيع فعلا.
وسلطة تصديق البرلمان على المعاهدات تجعله فاعلا ومؤثرا في ترسيم حدود النشاط الدبلوماسي للحكومة ، وخصوصا المعاهدات التي تؤثر على سيادة الدولة أو موارد المجتمع، مثل معاهدات التحالف أو التجارة أو القروض الكبيرة أو تعديل الحدود أو أراضي الدولة ومن هنا، تنصرف الوظيفة التشريعية للبرلمان إلى وضع القوانين أساسا.
وهذه الوظيفة هي التي تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة ولأنه الذي يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضروري موافقته على كل المشروعات والقوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية.أضف إلى ذلك أن تنفيذ سياسة الوزارة يتوقف عادة على ثقة البرلمان، وأن القوانين هي التي تحدد مجالات النشاط الحكومي.