مقالات

بحثا عن حلول لأزماتها: طوابير من الدول على بوابة الجزائر

بقلم : زكرياء حبيبي
قد لا نُضيف جديدا على النتائج التي خلص إليها العديد من الخبراء والتي تصب في مجملها، في كون الندوة الدولية للطاقة التي احتضنتها الجزائر، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، قد شكلت حدثا تاريخيا بامتياز، كونها نجحت في تقريب الفجوة بين أعضاء منظمة أوبيك، وإخراجها من أزمة حقيقية عصفت بها منذ سنة 2008، آخر سنة اتفق فيها الأعضاء على خفض إنتاج النفط، الأمر الذي ساعد على انتعاش أسعار النفط في الأسواق العالمية آنذاك، فأعضاء أوبيك اتفقوا مبدئيا في اجتماع الجزائر على خفض إنتاج النفط، وتحديد الحصص، وبرأي الخبراء والمتابعين، أن هذا القرار الذي سيتم تبنّيه رسميا في اجتماع أوبيك بفيينا شهر نوفمبر القادم، ما كان من الممكن الوصول إليه، لولا حنكة الديبلوماسية الجزائرية، التي عرفت كيف تتعامل مع الأضداد والمتناقضات، وبخاصة منها موقف كل من السعودية، وإيران، والذي كاد ينسف هذا الإجتماع، ويعمق أزمة البلدان المنتجة للنفط.
هذا الإنجاز الكبير الذي حققته الجزائر في ظل أجواء مكهربة للغاية، يؤكد مرّة أخرى أنها استعادت عافيتها الديبلوماسية، وباتت تشكل رقما صعبا في المعادلات الإقليمية والدولية ككل، بل إن هذا النجاح، سيُعزز مصداقيتها أكثر في المحافل الدولية، ويؤهلها للعب أدوار هامة في تسوية النزاعات الإقليمية والدولية، وهذا ما باتت العديد من الدوائر الديبلوماسية والسياسية تُلّمح له بشكل يكاد يكون صريحا، فالجزائر وبفضل مواقفها المُتزنة وسياستها الرافضة للتخندق في التحالفات، والإنحياز لجهة من الجهات المُتصارعة خاصة في وطننا العربي والإسلامي، استطاعت أن تُبرهن من خلال اجتماع أوبيك غير الرسمي الذي احتضنته، أن مواقفها السياسية تجاه مجمل الصراعات التي عاشتها المنطقة العربية على وجه الخصوص، كانت صائبة، فالجزائر ومنذ انطلاق تنفيذ مؤامرة “الربيع العربي”، لم تتوقف يوما عن التحذير من عواقبه على الدول العربية والإسلامية، بل وحتى على الغرب، وظلت تدعو بشكل علني إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، تحت أي ذريعة كانت، وبالمقابل كانت تشجع الأطراف المُتصارعة في كل من ليبيا ومالي واليمن وسوريا…
على انتهاج سياسة الحوار، وتغليب منطق المصالحة، للخروج من أزماتها، وهذا الموقف كانت له في البداية تبعات سلبية على الجزائر، من منطلق أن البعض، اتهمها بالخروج عن الإجماع العربي، وبرغم كلّ ذلك فإن الجزائر ظلّت متشبثة بمبادئها الراسخة، إلى حين اقتناع الجميع بأن ما يحدث في وطننا العربي سوف تكون نتائجه كارثية على الجميع، وهنا نذكر بأن الجزائر رفضت الانضمام إلى التحالف العربي الذي دعت إليه السعودية، ليقينها بأن ذلك سيُوسع الهوة بين الدول العربية المتصارعة، وسيزيد من عمر الأزمة، وأثبتت الوقائع أن الجزائر بموقفها الهادئ والمُتوازن باتت اليوم، مؤهلة أكثر من أي وقت مضى، لأن تلعب دور الوسيط ذي المصداقية، في حلّ الأزمة في اليمن، كما أنها وبفعل مواقفها دائما، أصبحت اليوم هي أقدرَ دولة على حلّ الأزمة في سوريا، بعد انتكاس الإتفاق الروسي الأمريكي، ونقول ذلك لأن الجزائر وليومنا هذا ظلت مُحافظة على علاقاتها المُتوازنة مع سوريا ومع الدول التي تشن الحرب عليها، وغالب الظن وبرغم تعقّد الأزمة في سوريا، أن الجزائر ستكون لها كلمة الفصل، في وضع نهاية للصراع الدموي بهذا البلد العربي العريق، فعلاقات الجزائر مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ممتازة، كما أن العديد من الدول العربية والأوروبية، مقتنعة بأن الجزائر قادرة على لعب دور حاسم في إنهاء الحرب على سوريا، برغم أن العديد من هذه الدول، كانت تراهن في بداية “الربيع العربي”، على إغراق الجزائر في مستنقعه، وبما أن الجزائر لم تغرق ولن تغرق، بفضل السياسة الحكيمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعرف بشكل دقيق كيف تُنصب الفِخاخ للدول، وكيف يتمّ التنكيل بها، وبفضل التضحيات الجسام للجيش الجزائري، الذي برهن بحق أنه سليل جيش التحرير الوطني، وأنه لن يسمح لأي كان بأن يخدش سمعة وكرامة وسيادة الجزائر، وهنا كذلك لا ننسى المواقف الرائعة للشعب الجزائري الذي رفض الإنسياق وراء المؤامرات التي حيكت للجزائر والتي أُريد أن يكون الشعب هو وقودها وحجارتها.
قد لا يسعني الوقت لسرد كل ملاحم الديبلوماسية الجزائرية، ونجاحاتها، خاصة في الأوقات العصيبة للغاية، لكنني على قناعة اليوم بعد الإنجازات الباهرة التي حققتها في اجتماع الدول المصدرة للنفط غير الرسمي، الذي جمع كل المتناقضات، وخرج بقرار لم يتوقعه حتى أكبر المتفائلين، إضافة إلى نجاحها في إعادة فرنسا إلى الإقتناع بأنّ اللعب في دولتي مالي والنيجر قد يتسبّب في توقيف غالبية المحطات النووية الأوروبية عن العمل، على اعتبار أن هذه المحطات تعتمد بشكل كلي على اليورانيوم المستخرج من دولة النيجر، وبمجرّد أن تتأزم الأوضاع في هذا البلد أو بلدان الجوار، قد تغرق أوروبا في الظلام، وهذا الهاجس هو الذي أرغم فرنسا على التنسيق مع الجزائر، لتفادي وقوع هذه الكارثة، فالجزائر برأيي تملك مجموعة من أوراق الضغط التي في حال استعمالها، قد تُعيد أوروبا إلى حقبة القرون الوسطى، وهو ما جعلها في مأمن ليومنا هذا من تداعيات مؤامرة الربيع العربي، وما دام أن الجزائر تملك كلّ هذه الأوراق الضاغطة، إضافة إلى سمعتها الديبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي، فلا أنتظر سوى أن أرى في القريب العاجل، طوابير على بوابة الجزائر العاصمة، لطلب حلّ أزمات المشرق والمغرب وغيرهما، لا لشيء سوى لأن الجزائر، وبحكم موقعها ومكانتها التي أسّس لها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يتجاهلها الأصدقاء وحتى الأعداء والحديث قياس.
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى