الخلافة الإيرانية: رؤية حول المرشد الأعلى المحتمل “محمود الهاشمي الشاهرودي”
-المركز الديمقراطي العربي
من المهم النظر في كيفية تبلور العمليات الانتقالية المقبلة في إيران – أي الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2017 والمهمة النهائية المتمثلة بتحديد خليفة لخامنئي المسن – في غياب رجل ترك بصمته تقريباً على كل لحظة مماثلة على مدى العقود الأربعة من تاريخ النظام الإيراني، وتمسّك في سنواته الأخيرة بقدرته على التسبب بمضايقات كبيرة لخامنئي.
مع أن “مجلس خبراء القيادة” لا ينوي مناقشة إجراءات الخلافة أو المرشحين المحتملين لمنصب المرشد الأعلى بشكل علني، إلا أن أحمد خاتمي وغيره من أعضاء المجلس قد أشاروا كلّاً على حدة إلى إنشاء لجنة مكونة من ثلاثة أشخاص للنظر في المرشحين المؤهلين وتقديم قائمة مختصرة بالأسماء إلى خامنئي وحده.
لكن بالرغم من السرية العالية التي تتمتع بها هذه القائمة، جرى طرح أربعة أسماء مرشحين بشكل متكرر داخل الأوساط السياسية الإيرانية وفي تحليلات وسائل الاعلام الأجنبية، وهي:
· صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية
· محمود الهاشمي الشاهرودي، عضو “مجلس صيانة الدستور” و”مجلس تشخيص مصلحة النظام” ورئيس الهيئة العليا لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث
· مجتبى خامنئي، الابن الثاني للمرشد الأعلى
· ابراهيم رئيسي، سادن العتبة الرضوية المقدسة (“مرقد الإمام علي الرضا”)
يقول “مهدي خلجي” وهو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن، ومؤلف الدراسة المقبلة، “القيادة المقبلة في إيران والعالم الشيعي”أنه يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة أن تستعد لرؤية انتقال سياسي كبير في إيران خلال السنوات الأربع المقبلة، بما في ذلك وفاة آية الله خامنئي وصعود مرشد أعلى جديد.
ويضيف “بغض النظر عما إذا كان هذا الانتقال سيؤدي إلى حدوث تحول فعلي داخل إيران أم لا، فسوف يؤثر ذلك من دون شك على الشرق الأوسط بأكمله. فخلف خامنئي مؤهلٌ ليرث سيطرته الفعلية على الشبكة العسكرية والمالية الشيعية الواسعة في المنطقة، وهذا الواقع – إلى جانب شيخوخة آية الله علي السيستاني، رجل الدين القوي الذي مقره في العراق ويمثل البديل الوحيد المتبقي لطهران من حيث المرجعية الشيعية العابرة للأوطان – يجب أن يضع المرشد الأعلى الجديد في موقع مريح لتوسيع نفوذ إيران في الخارج وتحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها”.
وحول مستقبل الزعامة في المجتمع الشيعي نشر معهد واشنطن مقال للباحث “مهدي خلجي”حيث يقول :
- ملخص تنفيذي:
ثمة دوْران بارزان من المحتمل أن يرثهما قريباً رجل الدين الإيراني ورئيس السلطة القضائية السابق محمود الهاشمي الشاهرودي (من مواليد عام 1948)، هما دور المرشد الأعلى المقبل للجمهورية الإيرانية ودور السلطة الدينية العليا للشيعة.
ومما يسهل احتمال حدوث ذلك هو تقدّم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في السن حيث أنه في السابعة والسبعين من عمره، شأنه شأن آية الله علي السيستاني الذي يقيم في العراق ويبلغ من العمر السادسة والثمانين، ويعتبر السلطة الدينية الأكثر تقليداً بين الشيعة.
وفقاً للتقاليد الشيعية، ينتمي الشاهرودي إلى نظام يسمح لعدد من آيات الله العمل بشكل مستقل دون أي صلة بمؤسسة ما أو أي تعاون معها. وقد ينطبق مصطلح “الخلافة” على الباباوات الكاثوليك، إلا أنه غريبٌ على الشيعة.
فثروة المرجع (مقام عادة ما يعادل مرتبة “آية الله العظمى”) وأصوله المادية إلى جانب مزاياه الرمزية كالمكانة الاجتماعية، لا تنتقل إلى أي خليفة محدد، بل أن مساعدي المرجع المتوفي هم الذين يختارون ما بين الاستمرار بتطبيق مراسيمه أو اختيار مرجع جديد من بين العديد من المراجع الذين لا يزالون على قيد الحياة.
وهذا يفسر الفراغ الذي تخلفه وفاة مرجع ما والمنافسة المحتدمة التي تنشأ عنها لاستقطاب أتباعه. وإذا كان الشاهرودي سيجذب أتباع السيستاني بشكل أو بآخر، فسوف يكون له بذلك نفوذٌ واسع ليس فقط في إيران والعراق بل عبر الطوائف الشيعية في جميع أنحاء العالم.
وتعزى المكانة الفردية كذلك إلى مكتب المرشد الأعلى. وفي هذه السياق، يمكن مقارنة مكتب الخميني الديني التقليدي الذي كان أيضاً مكتباً سياسياً له، بمكتب خامنئي ذي النطاق الواسع والدرجة العالية من البيروقراطية بما يتضمنه من موظفين يفوق عددهم الأربعة آلاف شخص يتيحون له فعلياً إدارة الحكومة على المستوى الجزئي. لقد مارس كل من الخميني وخامنئي القيادة بأساليب مختلفة للغاية.
وفي حين وصل الأول إلى السلطة بصورة طبيعية ودون منازعة وبشكل عفوي في مسار الثورة، جاء انتخاب الأخير بمثابة مفاجأة للكثيرين وبقيت مؤهلاته موضع شك. وفيما يتعلق بخواص الخلافة، قد لا يصل المرشد الأعلى التالي إلى السلطة وفق الإجراء المتبع، سواء أكان الشاهرودي أم غيره، الأمر الذي قد يشكل نقطة تحول في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
ومن جهته، لم ينفك خامنئي يبيّن من خلال خطاباته وتصريحاته وممارساته تفضيله لخلَفٍ يتبنى نهجه الثوري إزاء القيادة الوطنية عوضاً عن التوجه نحو سياسات عقلانية استرضائية ودبلوماسية ودية. وثمة إمكانية أن يسعى إلى ضمان تطبيق تفضيلاته الإيديولوجية عبر الاستقالة، إما رسمياً أم غير رسمي، وتعيين خلف له وإشرافه شخصياً على العملية الانتقالية.
ويعرض الإصدار المرفق لهذا البحث باللغة الإنجليزية صورة شاملة عن المرشد الأعلى المحتمل، محمود الهاشمي الشاهرودي، بدءاً من تربيته وتعليمه في مدينة النجف في العراق وحتى مشاركته السياسية وانتقاله إلى إيران بعد الثورة الإسلامية.
ويولي البحث اهتماماً خاصاً للأساليب التي أقدم الشاهرودي من خلالها على خطوة انتهازية حين غيّر هويته من زعيم منفي للمعارضة العراقية إلى أحد أنصار آية الله علي خامنئي.
وفي السنوات العشر التي شغل خلالها منصب رئيس السلطة القضائية حتى عام 2009، خيّب الشاهرودي آمال كل من انتظر منه تحييد القضاء الإيراني عن السياسة. وعلى العكس من ذلك، تميز جهازه القضائي بكونه أحد الأنظمة الأكثر وحشية واستبداداً في العالم. وفي الوقت نفسه، تنامى توجهه المحافظ في مواقفه الدينية.
ويختم “مهدي خلجي” القول أنه بالنظر إلى رجال الدين الإيرانيين الآخرين الذين ازداد توجههم المحافظ في الدين، فيما تنامى نفوذهم في السياسة في الوقت نفسه – وتحديداً خامنئي – فإن النتيجة بديهية، ألا وهي استبداد مطلق باسم الله.
قد يخيَّل للوهلة الأولى أن الشاهرودي هو المرشح الأنسب نظراً إلى منصبه الديني الأقدم (فهو المرجع الوحيد بين هؤلاء المرشحين) وموقفه الأقل وضوحاً ضد “الإصلاحيين”، الأمر الذي قد يزيد جاذبيته.
ولكن خامنئي نفسه لم يكن على الورق كخلف طبيعي لخميني، ولذلك فإن لائحة المؤهلات الطويلة لا تعني بالضرورة حظوظاً أوفر بالترشيح. والأهم من ذلك هو أن أياً من هؤلاء الأربعة أقل تطرفاً من خامنئي بشأن السياسات الداخلية أو الخارجية.
ومع ذلك، ليس هناك شيء مضمون، فالمرشد الأعلى المقبل قد يكون شخصاً آخر كلياً. ففي مرحلة الخلافة السابقة التي حدثت عام 1989، لم يُعتبر خامنئي سياسياً بارزاً كما أنه افتقر إلى الهيبة والمؤهلات الدينية التي تحلّى بها سلفه. ولكنه لم يُتهم أبداً بالفساد الاقتصادي أو بدور مباشر في انتهاك حقوق الإنسان، أو قمع المعارضين، أو إسكات المنتقدين.
بالإضافة إلى ذلك، كان «الحرس الثوري» الإيراني هيئة مختلفة كلياً آنذاك – فقد كان عبارة عن هيئة عسكرية شعبية لعبت دوراً روحانياً بطولياً في الحرب بين العراق وإيران ولم يكن قد وصل إلى نفوذه الحالي في شؤون النظام.
ومع ذلك، فمن الصعب اليوم العثور على شخصية بارزة، متشددة كانت أم “معتدلة”، لم تتعرض لاتهامات علنية بالفساد الهائل، أو انتهاكات حقوق الإنسان، أو قمع المجتمع المدني (على سبيل المثال، أن كلاً من لاريجاني وروحاني والشاهرودي كان موضع تقارير وبيانات واسعة الانتشار عن الفساد المالي).
كما أن «الحرس الثوري» الإيراني قد تحوّل إلى هيئة عسكرية سياسية مالية لها دور رسمي وخفي لا مثيل له في التحكم بكافة جوانب الحياة العامة والاقتصاد والسياسة في إيران. ولم يعد بوسع النظام الاعتماد بالقدر نفسه على المشاعر الثورية لكسب دعم الشعب الذي يتعاظم استياؤه يوماً بعد يوم.
ولذا، فمن شأن هذا النقص في الشرعية أن يحول دون إتمام عملية الخلافة بالسلاسة نفسها التي عرفتها عام 1989.
وثمة تعقيدٌ آخر يكمن في أن العديد من المؤسسات “الثورية” – ليس فقط «الحرس الثوري» الإيراني، بل أيضاً “لجنة الإمام الخميني”، و”مؤسسة المستضعفين وذوي الاحتياجات الخاصة”، وغيرهما – قد خضعت لتحوّلات كبرى على مر السنين.
ومن المحتمل أن يُضطرها حجمها الهائل ودورها الاقتصادي/السياسي الحيوي إلى التدخل في آلية الخلافة بدرجة معيّنة. وهو الأمر بالنسبة للشبكات الضخمة المرتبطة بـ “مرقد الإمام الرضا” التي ستبحث حتماً عن مكانة مميزة في رسم معالم القيادة المستقبلية.
ومن المثير للاهتمام أنه قد يُثبت أن رجال الدين – الذين يفترض بهم من الناحية النظرية أن يكونوا الركيزة الأساسية لطابع النظام شبه الديني – هم أقل نفوذاً بكثير في هذه العملية بسبب اعتمادهم المالي والسياسي المتزايد على الحكومة وتراجع شعبيتهم.
وباختصار، بينما كان صانعو القرار الرئيسيون في تعيين خلف المرشد الأعلى في عام 1989 عبارة عن حفنة من الأشخاص النافذين والمتعاونين إلى حد كبير مثل نجل الخميني ورفسنجاني، من المحتمل أن تكون الخلافة المقبلة في يد مجموعة كبيرة من المؤسسات المتنافسة وعلى رأسها «الحرس الثوري» الإيراني.
ونتيجة لذلك، قد تكون هوية المرشد الأعلى المقبل أقل أهميةً مما كانت عليه في الماضي لأن المؤسسات التي ستوصله إلى السلطة سوف تتوقع منه تطبيق أجندتها، وذلك باستخدام نفوذها الكبير لإقناعه بحماية مصالحها فوق كافة المصالح الأخرى. وفي هذه الحالة، سيكون من المنطقي الافتراض أن «الحرس الثوري» سيكون الخلف الفعلي لخامنئي.
المصدر:معهد واشنطن +المركز الديمقراطي العربي