العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية : ترامب أكثر حذرا بشان الدبلوماسية في الشرق الأوسط
-المركز الديمقراطي العربي
فيما يستعد ترامب لأول لقاء في البيت الأبيض بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خففت إدارته من لهجة خطابها الاستعراضية المؤيدة لإسرائيل مما يشير إلى أن الرئيس الأمريكي الذي ينظر إليه على أنه تصرف بتهور في كثير من المبادرات الأولى للسياسة سيكون أكثر حذرا بشان الجهود الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
أثناء حملته الانتخابية أشار دونالد ترامب إلى أن رئاسته ستكون هدية لإسرائيل وقاسية على الفلسطينيين بإعلانه أنه سينقل السفارة الأمريكية إلى القدس وسيعين سفيرا يدعم المستوطنات الإسرائيلية ولن يضغط من أجل محادثات سلام.
وبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من توليه المنصب يقول أشخاص على دراية بطريقة تفكير الإدارة الأمريكية الجديدة إن هناك إجماعا متناميا في البيت الأبيض على أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يتطلب نقاشات ومشاورات مكثفة مع أعضاء الكونجرس البارزين ومع حلفاء الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي قرار بشأن كيفية السير قدما.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه “هذه حالة تصطدم فيها وعود الحملة الانتخابية بشكل مباشر مع واقع الجغرافيا السياسية ويجب أن يتم تعديلها تبعا لذلك.”
وكنتيجة لهذا جري تعليق نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وهي خطوة حذر منها قادة دوليون من بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بوصفها ستؤجج الغضب في العالم الإسلامي.
وفي ذات الوقت انتهج البيت الأبيض موقفا مترويا بشكل أكبر حيال البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة مقارنة بلغة الخطاب الرنانة لحملة ترامب الانتخابية.
وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يوجد شك يذكر في أنه عندما يجتمع نتنياهو مع ترامب في 15 فبراير شباط فإنه سيجد رئيسا جمهوريا مصمما على إظهار المزيد من الدفء نحو إسرائيل عن سلفه الديمقراطي باراك أوباما الذي كانت علاقته معه متوترة.
وأشارت بعض الرسائل المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى علاقة ودية ناشئة بين نتنياهو وترامب الذي تعهد بأن يكون “أفضل صديق” حظيت به إسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض.
ونتيجة لذلك يخشى الفلسطينيون أن قادتهم سيتعرضون للاستبعاد وأن طموحاتهم لإقامة دولتهم سيجري تنحيتها جانبا.
ورغم هذا فإن مساعدين لنتنياهو يقولون إنه قد يفضل أن يبقي بؤرة التركيز على تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران عدو إسرائيل في المنطقة بينما يدفع النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى درجة أدنى في قائمة الأولويات.
ومع هذا فإنها ستكون قضية لا يمكن تجاهلها خصوصا بعد أن وافق البرلمان الإسرائيلي يوم الاثنين على قانون يضفي الشرعية بأثر رجعي على 4000 منزل استيطاني بنيت على أراض فلسطينية مملوكة لأفراد. وأثارت هذه الخطوة انتقادات دولية.
ورغم صعوبة التكهن بأفعال ترامب أحيانا فإن من غير المرجح أن يستغل المحادثات -مثلما فعل أوباما- للضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين مثل وقف مؤقت للبناء الاستيطاني.
لكن لا يمكن لترامب تحمل تبعة أن يبدو في صورة من يتخلى عن التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين وهو حجر أساس لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط منذ اتفاقات السلام الانتقالية لعام 1993 ومبدأ تبناه المجتمع الدولي.
* بيان حذر بشأن الاستيطان
وأظهر بيان صدر عن البيت الأبيض في الثاني من فبراير شباط موقفا مختلفا قليلا عن الذي عبر عنه ترامب أثناء حملته الانتخابية بتراجعه عن موقف أمريكي ثابت منذ فترة طويلة اعتبر النشاط الاستيطاني “عقبة” أمام السلام وبدلا من ذلك وصف بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة خارج حدودها الحالية بأنه “قد لا يكون مفيدا” نحو بلوغ ذلك الهدف.
وظهر ذلك التحول بعد ساعات فقط من اجتماع مقتضب عقده ترامب مع الملك عبد الله في واشنطن.
رغم ذلك فإن الشكل الناشيء لسياسة ترامب يبقى مؤيدا بحسم لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى منذ أن كان الجمهوري جورج دبليو بوش في مقعد الرئاسة بالبيت الأبيض.
وبالنسبة للفلسطينيين فإن هذا شيء مزعج.
وقال واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “يبدو أننا سنكون أمام سياسة إدارة جديدة تختلف عن التي سبقتها في التعامل مع القيادة الفلسطينية والقضية الفلسطينية.. يبدو أنها أوقات صعبة ستمر بها هذه العلاقة.”
وقال مسؤولون فلسطينيون إنه لم تجر حتى الآن أي اتصالات بين القيادة الفلسطينية وإدارة ترامب.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المدعوم من الغرب من أوائل قادة العالم الذين اتصل بهم أوباما في أول يوم كامل له في منصبه في 2009. لكن مسؤولا بالبيت الأبيض أصر على أن إدارة ترامب تعتزم بناء علاقة مع السلطة الفلسطينية دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل.
ورغم كل شيء فإن مسؤولين إسرائيليين كثيرين لم يعتبروا بيان البيت الأبيض بشأن المستوطنات تحذيرا لإسرائيل أو كبحا لجماح نتنياهو بل اعتبروه إيجابيا إلى حد كبير.
وقالت حنان عشراوي وهي عضوة بارزة بالمجلس التشريعي الفلسطيني وأستاذة جامعية “هناك قرارات كثيرة معادية لفلسطين موجودة حاليا وإدارة فيها مستوطنون ومتطرفون”.
وتابعت قائلة “ترامب عمل وعودات خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية التي لا يمكن أن يطبقها لأنها ستخلق جو من البلبلة والعنف وعدم الاستقرار الذي لن يقدر عليه أحد. واضح أن هناك توجهات لإعطاء إسرائيل ليس فقط معاملة خاصة وغطاء وإنما مشاركة إسرائيل.”
ويتحرك بعض مستشاري ترامب بحذر على أمل إبقاء الباب مفتوحا إذا قرر الرئيس السعي نحو ما أسماه “الاتفاق النهائي” للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولانتهاج مثل هذه المبادرة تحتاج الولايات المتحدة لأن ينظر إليها على أنها وسيط محايد بينما تحاول التغلب على النزاعات الشديدة التي أحبطت الكثير من جهود السلام السابقة على مر السنين وهي المستوطنات والحدود ووضع القدس وملف اللاجئين الفلسطينيين والانقسامات السياسية الفلسطينية.
وانهارت جولة محادثات السلام السابقة التي رعتها الولايات المتحدة في 2014 . ومن المشكوك فيه ما إذا كانت إدارة ترامب ستميل إلى تكريس اهتمام كبير للقضية الإسرائيلية-الفلسطينية في وقت تنشغل فيه بأولويات كبيرة أخرى محلية ودولية. وفي منطقة الشرق الأوسط وحدها فان قتال تنظيم الدولة الإسلامية والتصدي لإيران يأتيان في مرتبة متقدمة في جدول أعمال ترامب.
لكن إذا اختار ترامب في مرحلة ما الخوض في ملف فشل فيه الكثير من الرؤساء الأمريكيين السابقين فإنها بالنسبة لنتنياهو -الذي يحاول إعادة ضبط مسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية- ربما ستكون مسألة ينطبق عليها القول: “كن حذرا فيما تتمناه.”المصدر:رويترز