روسيا والأزمة القطرية – الخليجية: الفرص والتحديات والمصالح الجيوإستراتيجية
اعداد : حسني عماد حسني العوضي – باحث ماجستير في العلوم السياسية والشؤون الروسية
- المركز الديمقراطي العربي
فرضت الأزمات المتعاقبة في المنطقة العربية خلافات سياسية بين روسيا ودول الخليج، ولكن هذا لم يمنع كلا الطرفين في كل زيارات رسمية للتشاور لإيجاد سبل لحلها وتأطير سبل التعاون اقتصاديا في عدة مجالات. وقد باتت العلاقة أكثر قربًا مما مضى وتنبئ ببدء حوار استراتيجي خليجي – روسي قد يكون قريبًا بعد سلسلة الزيارات المتبادلة بين قادة الخليج إلى روسيا وتوقيع اتفاقيات تعاون عديدة بين الطرفين، ومع إعلان أربع دول خليجية وهي السعودية والبحرين والإمارات واليمن إضافة إلى مصر وحكومة شرق ليبيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب “تدخلها في الشؤون الداخلية ودعم الإرهاب” في 5 يونيو 2017م(1)، تسارعت ردود الفعل الدولية على هذا القرار، وبرزت الموقف الروسية في أن ما يحدث “شأنا خاصا”، دون تعليق على طبيعة الاتهامات التي وجهتها الدول الخليجية للدوحة(2).
أولاً: تداعيات الأزمة القطرية-الخليجية:
أعلنت ست دول، هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والمالديف، يوم الاثنين 5/6/2017م قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وأخذت قرارات متفرقة بشأن منع سفر مواطنيها إلى قطر، وإغلاق المجال البحري والجوي أمام الطائرات والبواخر القطرية. ولهذه القرارات أسباب عدة مرتبطة بمواقف وتصرفات الدوحة، من دعمها لجماعات متطرفة عدة (من الإخوان إلى الحوثيين، مروراً بالقاعدة وداعش)، وتأييدها لإيران في مواجهة دول الخليج، بالإضافة لعملها على زعزعة أمن هذه الدول وتحريض بعض المواطنين على حكوماتهم، كما في البحرين(3).
أ- السعودية.. “شق الصف الداخلي السعودي”:
أوضحت السعودية في البيان الذي أصدرته اليوم أن قراراتها بقطع العلاقات وإغلاق المنافذ أمام قطر، يعود لأسباب تتعلق بالأمن الوطني السعودي”، بهدف حماية أمنها الوطني “من مخاطر الإرهاب والتطرف”.ويأتي قرار الرياض الحاسم هذا “نتيجةً للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم، ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف من المملكة العربية السعودية، وفي مملكة البحرين الشقيقة وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين، الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً، كما اتضح للمملكة العربية السعودية الدعم والمساندة من قبل السلطات في الدوحة لميليشيا الحوثي الانقلابية، حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن”.
وأوضحت السعودية أن قطر “دأبت على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقيات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض(4).
ب- الإمارات.. “احتضان المتطرفين وترويج فكرهم في إعلامها”:
بدورها، أكدت الإمارات أن قراراتها جاءت بناء على استمرار السلطات القطرية في سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات، فقد تقرر اتخاذ الإجراءات الضرورية لما فيه مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي عامة والشعب القطري الشقيق خاصة. وشددت الإمارات على “التزامها التام ودعمها الكامل لمنظومة مجلس التعاون الخليجي والمحافظة على أمن واستقرار الدول الأعضاء، وتأييدها لقرارات السعودية والبحرين المماثلة.
وذكرت أبوظبي أنها “تتخذ هذا الإجراء الحاسم نتيجة لعدم التزام السلطات القطرية باتفاق الرياض لإعادة السفراء والاتفاق التكميلي له 2014 ومواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والطائفية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وعملها المستمر على نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشر وغير المباشر، وكذلك نقضها البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأميركية بالرياض 21/5/2017م لمكافحة الإرهاب الذي اعتبر إيران الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيواء قطر للمتطرفين والمطلوبين أمنياً على ساحتها وتدخلها في الشؤون الداخلية لدولة الإمارات وغيرها من الدول واستمرار دعمها للتنظيمات الإرهابية، مما سيدفع بالمنطقة إلى مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بعواقبها وتبعاتها(5).
ج– البحرين..العمل على إسقاط النظام الشرعي في المنامة :
بدورها، عللت البحرين قرارها بقطع العلاقات مع قطر بإصرار الدوحة على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين، في انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي، من دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو التزام بثوابت العلاقات الخليجية والتنكر لجميع التعهدات السابقة. وشددت المنامة على أن القرارات تأتي “حفاظاً على أمنها الوطني”، مضيفة أن “الممارسات القطرية الخطيرة لم يقتصر شرها على مملكة البحرين فقط.. إنما تعدته إلى دول شقيقة، أحيطت علما بهذه الممارسات التي تجسد نمطا شديد الخطورة لا يمكن الصمت عليه أو القبول به، وإنما يستوجب ضرورة التصدي له بكل قوة وحزم”. وختمت مذكرة بأن حكومة الدوحة تستمر في دعم الإرهاب على جميع المستويات والعمل على إسقاط النظام الشرعي في البحرين(6).
د- مصر..إيواء الإخوان ودعمهم :
من جهتها، أعلنت مصر أن قرار قطع العلاقات يأتي في ظل إصرار الحكم القطري على اتخاذ مسلك معادٍ لمص، وفشل كافة المحاولات لإثنائه عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، وإيواء قياداته الصادر بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية، استهدفت أمن وسلامة مصر، بالإضافة إلى ترويج فكر تنظيم القاعدة وداعش ودعم العمليات الإرهابية في سيناء، فضلاً عن إصرار قطر على التدخل في الشؤون الداخلية لمصر ودول المنطقة بصورة تهدد الأمن القومي العربي، وتعزز من بذور الفتنة والانقسام داخل المجتمعات العربية وفق مخطط مدروس، يستهدف وحدة الأمة العربية ومصالحها(7).
وأعلنت حكومة اليمن تعلن تأييدها للخطوات التى اتخذتها قيادة التحالف العربى بإنهاء مشاركة القوات القطرية وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر. وأيضاً حكومة شرق ليبيا أعلنت قطع علاقاتها مع قطر بسبب اعتداءات قطر المتكررة على كرامة الشعب الليبي، بحسب ما صرح به وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة، المنبثقة شرعيا عن مجلس النواب، محمد الدايري. وقررت الأردن، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة، وذلك على إثر الأزمة الخليجية الراهنة بين السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر من جانب وقطر من جانب آخر. كما أعلنت مورشيوس وجزر القمر وموريتانيا والمغرب وتشاد مؤخرا عن قطع العلاقات مع قطر(8).
وأصدرت الخارجية القطرية، يوم الاثنين 5 يونيو/حزيران، بياناً رسمياً، ردت فيه على قرار السعودية ومصر والإمارات والبحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية معها. وأعربت الخارجية القطرية في بيانها الرسمي عن أسفها لقرار قطع العلاقات، مشيرة إلى أن الإجراءات التي تلته “غير مبررة”. وتابعت، قائلة “قرار قطع العلاقات قائم على مزاعم وإدعاءات لا أساس لها من الصحة”.
ومضت، قائلة إن “الدوحة ستسعى لإفشال محاولات التأثير على المجتمع والاقتصاد القطري، كما أن القرارات لن تؤثر على الحياة الطبيعية للمواطنين والمقيمين”. كما أعربت بصورة منفصلة عن أسفها على قرار السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات، مشيرة إلى أن الدول الثلاث لم يجدوا بهذه المرحلة أهم من التعرض لقطر. وقالت أيضا إنه “لا وجود لمبررات شرعية للإجراءات المتخذة بالتنسيق مع مصر، والتي الهدف منها فرض الوصاية على قطر، وهذا انتهاك لسيادتها وأمر مرفوض قطعيا”. وأكدت الخارجية القطرية أن إجراءات قطع العلاقات تمثل سعيا مكشوفا، يؤكد التخطيط المسبق للحملات الإعلامية، التي تضمنت الكثير من الافتراءات(9).
ثانياً: الموقف الروسي من الأزمة القطرية– الخليجية:
برز الموقف الروسي الذي اعتبر أن ما يحدث “شأنا خاصاً بالدول العربية والخليجية “، دون تعليق على طبيعة الاتهامات التي وجهتها الدول الخليجية للدوحة، مع رفضها التعليق على طبيعة الاتهامات التي توجه لقطر بشأن دعمها للتنظيمات الإرهابية التي تشن عليها القوات الروسية هجمات داخل سوريا. لكنها في الوقت ذاته، قالت إنها ستدرس بعناية جميع المعلومات عن دعم الدوحة للإرهاب. وقد يرجع التحفظ الروسي على قرار قطع دول عربية وخليجية علاقاتها مع قطر إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين، لاسيما في مجال الغاز الطبيعي، والاستثمارات القطرية داخل روسيا(10).
ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية الرسمية عن رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد للبرلمان الروسي، فيكتور أوزيروف، قوله إن موسكو “تدرس بعناية المعلومات التي تتحدث عن دعم الدوحة المزعوم للإرهاب.” مضيفا أن العلاقات مع الدوحة “لن تشهد أي تغيرات.” وتابع أوزيروف بالقول: “بالطبع سندرس بعناية كافة المعلومات، التي تدعيها مصر والسعودية، والدول التي انضمت إليهم بأن قطر ترعى الإرهاب الدولي.. لكن موسكو لديها استقلالية في تطوير سياساتها تجاه العلاقات الدبلوماسية مع قطر”.
أما دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فقال في أول تعليق للكرملين على الأزمة الخليجية القطرية، إن موسكو “لا تتدخل في شؤون دول أخرى، ولا في شؤون دول الخليج، لأنها تقدر علاقاتها مع الدول الخليجية مجتمعة ومع كل دولة على حدة.” واستطرد قائلا: “ولذلك يعنينا الحفاظ على العلاقات الودية ونحن حريصون على توفير أجواء مستقرة وسلمية في منطقة الخليج لتسوية الخلافات القائمة في ظلها” رافضا التعليق على سؤال حول مدى صحة الاتهامات التي توجهها السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى الدوحة، كما رأى أن السؤال حول دعم روسيا المحتمل لقطر في مأزقها الحالي “في غير محله.” من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البيلاروسي، تعليقا منه على قرار عدد من الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر: “هذا شأنهم” مضيفا: “هذا شأنهم، وهذه علاقات ثنائية بين الدول. ونحن لا نتدخل في هذه القرارات، على الرغم من أن العالم يعتقد أن روسيا تقف وراء كل حادثة في العالم، ولكن أود أن أؤكد لكم إنها ليست كذلك”. وأضاف وزير الخارجية الروسي: “نحن مقتنعون بأنه أي خلافات يمكن أن تحدث. نحن لم نفرح أبدا من الصعوبات التي تنشأ في العلاقات بين بلدان أخرى. نحن مهتمون في الحفاظ على علاقات طيبة مع الجميع، وخصوصا في المنطقة التي أهم شيء فيها الآن، هو تركيز جميع الجهود لمكافحة الخطر المشترك لجميع — خطر الإرهاب الدولي(11)“. ودخلت موسكو السبت على خط الازمة الخليجية داعية إلى الحوار بين قطر والدول المجاورة لها، وعارضة مساعدتها للتوسط في الخلاف المتفاقم الذي بدأ يؤثر بشكل مباشر على حياة آلاف الخليجيين.
وقام وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني سوف يزور موسكو بعد غد السبت. 10/6/2016م ، ونقلت بزايرة إلي موسكو ، وإلتقي بسيرجي لافروف لإجراء مباحثات حول الأزمة الحالية بين قطر والدول العربية، بجانب بحث العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بداية لقاء مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي يقوم بجولة أوروبية “تابعنا بقلق أخبار هذا التصعيد” مضيفا “لا يمكن أن نرتاح لوضع يشهد تدهورا في العلاقات بين شركائنا”. ودعا الوزير الروسي إلى “تسوية أي خلافات من خلال (…) الحوار”.
وقال لافروف ايضا إن بلاده “على استعداد لمحاولة القيام بكل ما هو في مقدورها” للمساعدة على تسوية الأزمة، مشددا على ضرورة وحدة الصف لمكافحة الإرهاب. وأضاف “من الواضح بنظرنا أن وحدة الصف ضرورية لتحقيق أكبر قدر من النتائج على هذه الجبهة(12)“.
وكان الرئيس الروسي بوتين التقى في موسكو بولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأجرى الرجلان محادثات بشأن النزاع في سوريا وخفض إنتاج النفط. وعبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن قلقه حيال الأوضاع في الخليج، وخاصة بالنسبة للتوتر الحاصل بين عدة عواصم خليجية وعربية من جهة والدوحة من جهة ثانية، محذراً من أن ذلك قد يضر بجهود العمل لإنهاء الحرب في سوريا. وتناول العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين وفرص تطويرها في جميع المجالات” إلى جانب “تطورات الأوضاع في المنطقة والتعاون المشترك لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب سعياً لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة(13)“.
وقال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث الثلاثاء الأزمة الخليجية في اتصال هاتفي مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وقالت موسكو للرياض إن الأزمة لا تساعد على محاربة الإرهاب وإيجاد تسوية في سوريا. وجاء في بيان للكرملين أن بوتين والملك سلمان بحثا الأوضاع في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على خلفية الأزمة بين قطر وبعض الدول الخليجية(14). وأوضح أن موسكو تأسف لأن الأزمة مع قطر لا تساعد على توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب والتسوية في سوريا. كما بحث الرئيس الروسي هاتفياً مع ولي عهد أبو ظبي سبل حل الأزمة الخليجية، وأشار الكرملين إلى أن الاتصال تم بطلب من الجانب الإماراتي(15).
ثالثاً: التحديات و المصالح الروسية من الخلافات القطرية-الخليجية:
إن روسيا تنظر إلي الخلافات القطرية-الخليجية من جانبين هما:
أ-التحديات التي تواجه روسيا من زيادة الخلاف القطري الخليجي:
إن الاتصال الذي تم بين العاهل السعودي الملك سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ يهدف لبحث الأزمة القطرية مع دول الخليج من منطلق عدم رغبة روسيا في حدوث توترات في المنطقة تؤثر على مصالحها، وعلى تحقيق التسوية السياسية بسوريا. حيث روسيا تتدخل كمحاولة لتهدئة التصعيد الذي من شأنه عرقلة تحقيق التسوية السورية، والتي تتطلب مشاركة وتعاون الأطراف العربية دون انشقاق. حيث تخشي روسيا أن تدخل علاقاتها مع قطر في نفق مظلم؛ باعتبارها أكبر دولة مصدرة للغاز المسال ، وقد أعلن الكرملين إن الخلاف الدبلوماسي بين قطر ودول عربية أخرى من بينها السعودية لا يساعد في توحيد الجهود الرامية لإيجاد تسوية سورية أو لمكافحة الإرهاب.
ب- ومن ناحية أخري روسيا تتطلع لعلاقات اقتصادية مع دول الخليج علي حده:
تشير الإحتمالات إن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة قد يدفع بقطر نحو البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، من بينهم روسيا. حيث الدوحة وموسكو تتعاونان في مختلف المجالات، وهناك استثمارات متبادلة، وليس هناك عوائق أمام تعزيز العلاقات. والوضع الراهن لن يؤثر على التعاون الروسي القطري في قطاع النفط والغاز، وفي الوقت نفسه قد تتراجع أسعار النفط على المدى البعيد في حال انسحاب قطر من اتفاق خفض الإنتاج، حيث ذكرت صحيفة «فيدوموستي» المتخصصة في الشأن الاقتصادي إلي أن جهاز قطر للاستثمار يتفاوض حالياً على شراء 25% من أسهم شركة «النفط والغاز المستقلة» الروسية أعربت روسيا، عن استعدادها لزيادة الصادرات الزراعية إلى دولة قطر(16).
ومن ناحية آخري قد تستفيد موسكو من زيادة التعاون مع دول الخليج الآخري ولا سيما السعودية والإمارات خاصة في المجال الإقتصادي والعسكري.
رابعاً: مستقبل الأزمة القطرية-الخليجية:
يبدو أن حل الأزمة مع قطر يتوارى، لاسيما بعد التصعيد الكبير والذي وصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف الحركة البحرية والبرية والجوية معها لأكثر من تسع دول، لكن هناك بعض الجهود التي بدأت تلوح مساعيها في الأفق قد تنذر بحل للأزمة(17)، وهناك ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة وهي :
1- السيناريو الأول: وساطة كويتية :
فبالعودة إلى الخلف وفي عام 2014 م خلال الأزمة الخليجية مع قطر ، عندما تم سحب سفراء ثلاثة دول ، وحينها نجحت الكويت في لعب دور الوساطة بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين من ناحية أخرى، وتم الاتفاق على عودة السفراء إلى الدوحة بعد اجتماع في الرياض.ولكن هذه المره الخلافات كبيرة حيث قرَّرت الدول الخليجية فرض حظر جوي وبحري وبري مع قطر، فضلًا عن إعطاء مهلة 48 ساعة لمغادرة البعثة الدبلوماسية القطرية، فضلًا عن منع مواطنيها من التواجد والسفر والمرور بالدوحة لكن ثمة أمل في الصلح من خلال جهود أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي تسعى جاهداً إلى التوسط بين طرفي الأزمة الرئيسية، حيث بدأها بزيارة لأمير قطر تميم بن حمد، الأحد وعقبها لقاء من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز الثلاثاء، ثم إلى أبو ظبي من أجل التوسط لحل الأزمة والحديث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بإتصال هاتفي لإنهاء الأزمة ، ولكن هذا لن يحدث إلا لو توافقت قطر مع هذه الدول علي إنهاء الخلاف وإلتزمت بشروطها.
2– السيناريو الثاني:التنازلات:
من سبل التهدئة أن تقوم قطر بتقديم تنازلات تبدو مُرضية للسعودية والإمارات ومصر على وجه التحديد: ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وإحترام سيادة الدول وإستقلالها، وعدم دعم الجماعات المسلحة، والإلتزام بمبادئ جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.وغيرها
3- السناريو الثالث: تدخل الدول الكبرى:
يبدو واضحاً أن الدول الكبرى لا تُريد تصعيد الأزمة بشكل أكبر بما ينعكس سلباً على ترتيبات خاصة بالمنطقة وتحديداً في قضية مكافحة الإرهاب، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون”، مُعبراً عن ضرورة حفاظ دول الخليج على وحدتها. إضافة إلى إعلان الخارجية الأمريكية عن متانة العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، وقالت “ندرك أن قطر قامت بجهود في مكافحة الإرهاب وعليها القيام بالمزيد”.
دخلت روسيا على خط الأزمة منعًا للتصاعد، وأجرى وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” اتصالًا هاتفيًا مع نظيره القطري الشيخ “محمد بن عبد الرحمن آل ثاني” للتأكيد على ضرورة الحوار لحل الأزمة.
تركيا هي الأخرى والتي تتمتع بعلاقات قوية بين السعودية وقطر، أبدَت استعدادها للتدخل للحيلولة دون تصاعد الأزمة، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لا ترى العقوبات التي فرضت على قطر صائبة، ملعنا دعم بلاده لقطر، وكذلك إيران هي الآخري.
وأيضاً، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أكد لأمير قطر عزمه القيام بمساعٍ لإيجاد حل للأزمة الخليجية، داعيًا إلى الحفاظ على وحدة المنطقة.
خامساً: مستقبل الدور الروسي في الأزمة القطرية-الخليجية:
روسيا دائما ما تحاول الوصول إلي أهدافها في منطقة الخليج العربي منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي، وروسيا تنظر بكل أمالها إلي التقارب مع دول المنطقة وإبعادها عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فإن أي أزمة في هذه المنطقة ستجد أن روسيا تحاول أن تضع قدماً فيها، ومن هذا المنطلق فإن الموقف الروسي من الأزمة القطرية-الخليجية من المحتمل أن يستمر في التأكيد علي حل الأزمة بالحوار والوساطة والتأكيد علي محاربة الإرهاب ومنع الخلافات التي ستعيق التسوية في الأزمة السورية، مع الحفاظ علي مصالحها مع كل دولة من دول الخليج علي حده فيما يتعلق بالسلاح والنفط.
خاتمة :
علي الرغم من أن العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي تدهورت بشكل حاد، بسبب الخلافات بين كل الجهات الفاعلة حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011م، إلا أن العلاقات التجارية والإقتصادية والعسكرية مرتفعة جداً، وتستخدم موسكو الدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي بإعتبارها نقطة انطلاق لإعادة إزدهار العلاقات بينهما. ومع تأزم الوضع بين قطر ودول الخليج العربي سعت موسكو لإستغلال أوراقها لحل الخلاف القطري الخليجي بالحوار والتسوية السلمية، فكان موقف روسيا حيال الوضع حول قط، بأن الجانب الروسي مهتم بإقامة علاقات طيبة مع جميع دول الخليج، ودعم الاستقرار في العالم وفي الخليج، وتسوية جميع القضايا يجب أن تتم بالطرق السياسية — الدبلوماسية، وخاصة الآن، عندما تتطلب محاربة الإرهاب مهمة مشتركة”.
(1) —–، “دول عربية تقطع العلاقات مع قطر لـ”دعمها الإرهاب” وقطر تأسف للقرار”، بي بي سي، بريطانيا، بتاريخ 5/6/2017م، علي الرابط التالي: http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40155690
(2)—–،”روسيا: أحداث الخليج “شأن خاص” وندرس التهم لقطر.. وتركيا تعرض المساعدة”، سي إن إن ، الولايات المتحدة الأمريكية، بتاريخ 5/6/2011م، علي الرابط التالي: https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/06/05/russia-qatar-reactions
(3) ——،”لهذه الأسباب قُطِعت العلاقات مع قطر”، العربية.نت، السعودية، بتاريخ 5/6/2017م، علي الرابط التالي: http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/gulf/2017/06/05/%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-% D8%A7%D9%8 %B7%D8 %B9 %A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%AF%D9%88 % D9%84-%D8%A8%D9 %82 % D8%B7%D8%B1.html.
(4)—–،”العلاقات القطرية – السعودية: تاريخ حافل بالخلافات والتوترات“، بي بي سي ، بريطانيا، 6/6/2017م، علي الرابط التالي: http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40172427
(5) —–،”الإمارات تقطع العلاقات مــع قطر وتغلق المنافذ”، الإمارات اليوم ، الإمارات، بتاريخ 6/6/2017م، علي الرابط التالي: http://www.emaratalyoum.com/local-section/other/2017-06-06-1.1001560
(6) ——-،”ماذا قطعت البحرين علاقاتها مع قطر؟”، صحيفة عكاظ، البحرين ، بتاريخ 5/6/2017م، علي الرباط التالي: http://okaz.com.sa/article/1551442/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82% D 8%B7%D8%B9%D8%AA-%D8%A7%D9 %84%D8%A8%D8 %AD%D8%B1% D9 %8A%D9%86.
(7) علي بكر، “ملامح الدعم القطري للجماعات الإرهابية”، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، بتاريخ 7/6/2017م.
(8) محمد جمال،”آخرها تشاد.. تعرف على 12 دولة قطعت علاقتها مع قطر لدعم الإرهاب”، اليوم السابع، القاهرة، بتاريخ 8/6/2017م، علي الرابط التالي:
(9) —–،”أول رد فعل من قطر على قرار قطع العلاقات” سبونتيك، روسيا، بتاريخ 5/6/2017م، علي الرابط التالي:
(10) عمرو عبد العاطي،”دلالات المواقف الدولية من مقاطعة دول عربية لقطر”، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 6/6/2017م.
(11) —-،”روسيا: أحداث الخليج “شأن خاص” وندرس التهم لقطر.. وتركيا تعرض المساعدة”، مرجع سابق ذكره.
(12) —–،”أزمة الخليج: روسيا تعرض التوسط”، صحيفة الغد، الاردن، بتاريخ 11/6/2017م، علي الرابط التالي:
http://www.alghad.com/articles/1662602-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-% D8%A7 %D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%B1 %D9%88 %D 8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8 %A7 %D9 %84%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7
(13) —-،”بوتين باتصال مع الملك سلمان: الأزمة مع قطر قد تعرقل الحل بسوريا”،سي ان ان ، بتاريخ 13/6/2017م، علي الرابط التالي: https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/06/13/qatar-gcc-russia
(14) president of Russia,” Telephone conversation with King of Saudi Arabia Salman bin Abdulaziz Al Saud” , 13/6/2016, for more: http://en.kremlin.ru/events /president / news/54770
(15) president of Russia, Telephone conversation with Crown Prince of Abu Dhabi Mohammed Al Nahyan,13/6/2017, for more: http://en.kremlin.ru/events /president/ news/54772
(16) أحلام القاسمي،”روسيا تتطلع لعلاقات اقتصادية مع قطر على خلفية الأزمة الخليجية”، الخليج الجديد، السعودية، بتاريخ 11/6/2017م، علي الرابط التالي: http://thenewkhalij.org/ar/node/70912
(17) —–،”ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة مع قطر.. من يملك مفاتيح رأب الصدع؟”صحيفة التقرير،7/6/2017م،علي الرابط التالي: http://altagreer.com/%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8 %B3% D9%8A%D9 %86%D8%A7%D8 %B1%D 9%8A%D9%88%D9 %87%D8 %A7 %D8%AA – %D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84 %D8%A3%D 8%B2%D9%85%D8%A9-%D9 %85%D8%B9-%D9%82%D8%B7%D 8%B1-%D9 % 85 %D9%86 /
تحريرا في 15-6-2017