الدراسات البحثيةالعسكرية

الأمن القومي العربي كجزء من الأمن الإقليمي الشرق أوسطي “الأخطار وأدوار الفاعلين”

اعداد : لمياء محمود – باحثة ماجيستير العلوم السياسية بجامعة القاهرة

  • المركز الديمقراطي العربي

 

لم يعد إطار القضايا الأمنية الآن بأبعادها المختلفة محددًا داخليًا  للدولة، بل يمتد إلى الإطار الإقليمي والدولي، كماأن أساليب التعامل الممكنة والمتاحة تتأثر هي الأخرى بالعديد من المتغيرات الخارجيةوالتي يصعب تجاهل تأثيرها.

تعتبر المنطقة العربية من المناطق الصراعية على مر التاريخ، ومؤخرًا وبعد ثورات الربيع العربي زادت حدة ونطاق الصراع، فهو صراع شامل ومتنوع (طائفى، إثنى، عرقي، …إلخ)، يصاحب ذلك غياب التنسيق العربي والإقليمى للحد من هذه الصراعات التى تهدد أمن الإقليم بأكمله.

أصبحت القوى الإقليمية (المملكة العربية السعودية ومصر، إيران، تركيا، اسرائيل) هى الفاعل الأكثر تأثيرًا فى الأحداث الجارية بالإقليم على حساب القوى الكبرى، ولكن هذا التأثير ليس ضمن إطار تعاونى إقليمى شامل، بل تعمل كل دولة ككيان منفصل عن قوى الإقليم بما يحقق مصلحتها الخاصة والتى قد تكون على حساب مصالح الدول الأخرى، الأمر الذى ينتج عنه مزيدًا من الصراعات، والذى بدوره يزيد من التهديدات الأمنية بالمنطقة.

فتحركات إيران فى الإقليم من دعمها للنظام السورى المتمثل فى بشار الأسد ماديًا عسكريًا، وأيضًا دعمها لحزب الله فى لبنان، علاوة على علاقاتها المتغلغلة فى العراق واليمن، تؤكد مدى فاعلية ونشاط الدور الإيراني بالمنطقة العربية. كما تعمل تركيا على لعب دور قيادى بالإقليم معتمدة على قبولها كفاعل من قبل معظم دول الإقليم، وعلاقاتها الدبوماسية والاقتصادية الجيدة مع دول المنطقة خاصة الدول الخليجية، علاوة على دورها الفاعل فى سوريا والعراق ضمن استراتيجيتها الأمنية فى المنطقة. كما أن إسرائيل وعلى الرغم من عدم قبولها كفاعل إقليمى، إلا أنها تلعب دورًا هامًا لا يمكن إنكاره، من خلال علاقاتها الدبلوماسية الناجحة على المستوى الدولى والإقليمى، فهى تعمل على استمرار الصراعات القائمة وتغذيتها عن طريق تمويل جماعات مسلحة تتواجد فى بؤر الصراع المختلفة فى المنطقة، “كل دول المنطقة متورطة فى دعم الجماعات المسلحة ماديا وعسكريًا من ضمنهم دولًا عربية”، ذلك لتهميش القضية الفلسطينية وسط كل تلك التهديدات الأمنية، وكان لها ذلك فبالفعل هُمشت القضية الفلسطينية على المستوي السياسي والأمني العربي، فالدول العربية الآن تصارع صراعًا أمنيًا علىالبقاء.

يوصف الدور العربي بالدور الأقل فاعلية وتأثيرًا على مجريات الأحداث، فنجد كل دولة من الدول الفاعلة فى الإقليم تملك رؤية استراتيجية إقليمية تحقق من خلالها أهدافها، تلك الرؤية تفقدها الدول العربية،ويُزيد من الدور الإيرانى والتركي والإسرائيلى على حساب الدور العربي، وجعل من الدول العربية فرع من فروع النظام الإقليمي الكلى. وبالتالى عند الحديث عن الأمن القومى العربي لا نستطيع فصله عن الأمن الإقليمي، حيث المؤثرين الأكثر فاعلية هم قوى إقليمية غير عربية.

وتتمثل أهمية الدراسةفى توضيح مدى ارتباط الأمن الإقليمي للشرق الأوسط بالأمن القومي العربي، فالأمن من أهم القضايا على المستوى الدولى، ويحدد بقاء الدول والنظام العالمى.

ويتصدر إقليم الشرق الأوسط الأقاليم من حيث عدم الإستقرار الأمني، خاصة المنطقة العربية والتى يرتكز بها كافة الصراعات.وتتمثل المشكلة البحثية للدراسة بدراسة التهديدات الأمنية المختلفة، والتفاعلات الإقليميةوتأثيرها على الأمن القومي العربيخاصة، والأمن الإقليمى بصفة عامة.

ويكون السؤال البحثى الرئيسي للدراسة هو ما أثر التغيرات الأمنية فى منطقة الشرق الأوسط على الأمن القومى العربي والأمن الإقليمى؟

ومنه تجيب الدراسة على الأسئلة الفرعية الآتية:

  • ماذا يقصد بالأمن الإقليمي؟
  • ماذا يُعني الأمن القومي العربي؟
  • ما هو إقليم الشرق الأوسط؟
  • ما التغيرات الأمنية التي طرأت فى المنطقة العربية مؤخرًا وأسبابها؟
  • كيف أثرت هذه التغيرات على الأمن القومي العربي؟
  • كيف أثرت تحركات دول الإقليم على الأمن القومي العربي؟
  • ما التدابير التى اتخذتها دول الإقليم لمواجة تلك التغيرات؟
  • ما الإستراتيجيات الواجب اتخاذها من قبل الدول العربية للحد من المخاطر الأمنية؟

وتقسم الدراسة إلى ثلاث فصول:

  • الفصل الأول: يتناول الإطار النظري والمفاهيمي
  • الفصل الثاني: يتناول القضايا التى تشكل خطرًا على الأمن فى إقليم الشرق الأوسط
  • الفصل الثالث: يتناول الأدوار الأمنيةللفاعلين فى إقليم الشرق الأوسط

الفصل الأول : الإطار النظري والمفاهيمي

  • الإطار النظري

يقع الموضوع محل الدراسة ضمن القضايا التى تتناولها النظرية الواقعية الجديدةفهى الأجدر فى تحليل القضايا السياسية خاصة الأمنية منها، فالنظرية الواقعية تتبنى البعد الشمولي للأمن القومى، وترى أن محددات الأمن القومي ثابتة لا تتغير، فالدول هى الفاعل الأساسي مع غياب دور النظام الدولي الفعال وفوضويته، فالدول هى المرجع الأول للأمن.

وطبقًا للنظرية الواقعية فالأمن هو الهدف الأساسي للدول وعندما يكون الأمن مستقر ومستمر فإن الدول تبحث عن أهداف أمنية أخري كما يقول كينيث والتز(Kenneth Waltz)، ويقول جون هيزر(John H.Herz)، أن المعضلة الأمنية مفهوم بنيوي تقود فيه محاولات الدول لتحقيق أمنها إلى زيادة تعرض دولة أخرى للخطر، فكل طرف سيفسر الإجراءات التى يقوم بها الطرف الآخر على أنها خطر محتمل، ما يدفعه هو الآخر للسعى لزيادة القوة والقدرة العسكرية، فيدخل الطرفان فى دوامة الفعل وردة الفعل إلى ما لا نهاية[1]“كالتسابق السعودى الإيرانى فى الإقليم”.

قدم الواقعيون الجدد أمثال جاك سنايدر(Jack Snyder)، والذى اقترح نوع من الاستراتيجيات الأمنية التعاونية، من خلال علاقات دبلوماسية من قبل الدول مع القوى الكبرى لتحقيق أمنها”وهذا ما يحدث فعليًا فى إقليم الشرق الأوسط فكل مجموعة من دول المنطقة لديها علاقات بالقوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا”، كما يرى الواقعيون الجدد أن السبب الحقيقى لسعى الدول نحو زيادة القوة والقدرات العسكرية يرجع إلى الرغبة فى الدفاع عن الذات، وتقليص مخاطر الأمن وليس الحصول على القوة بحد ذاتها، وعليه فإن التعاون لتحقيق أهداف الأمن المشتركة قد يكون الخيار الأفضل لاستبدال فوضوية النظام الدولي البحتة بأخرى ناضجة كما يقول “بارى بوزان”.

فالأمن القومي تبعًا للواقعية يعنى فى المقام الأول بقاء الدولة والدفاع عن السيادة، وصيانة وحماية سلامة الأراضى، والرد بشكل كافٍ على أي خطر حقيقي أو محتمل من الداخل أو الخارج، وفى الوقت نفسه فإن مفهوم الأمن القومي ينطوي على توفير ظروف طبيعية معينة لتحقيق هدف جميع المواطنين والدفاع عن الحياة والحرية وممتلكاتهم ضد أى هجمات[2].

  • الإطار المفاهيمى للدراسة

هناك بعدان رئيسيان فى الدراسات الأكاديمية الأمنية، الأول: يتعلق بالهدف النهائي للأمن (ماذا يجب أن يُحمي) سواء كان ذلك الدولة بنظامها السياسي وسلامة حدودها والذى يدخل تحت مسمى نهج الأمن القومى، أم أولئك الذين يعيشون بهذه الدولة، والإهتمام بحماية احتياجاتهم الأساسية من صحة وتعليم وعمل… وغيرها، والتى تدخل تحت مسمى مقاربة الأمن الإنسانى.

أما البعد الثانى فيتعلق بإذا كان وجود الأمن موضوعي (أى وجود ضرورة فعلية لوجود تلك السياسات الأمنية)، أمتم طرحه من قبل الجهات الفاعلة والمؤسسات داخل المجتمع. والمفهوم التقليدى للأمن والذى ساد خلال الحرب الباردة ركز على هياكل الدولة العسكرية، وبناءًا عليه تم تقديم التهديدات فى مصطلحات عسكرية (كالحرب، الهجمات الإرهابية، المتمردين…)، وبعد الحرب الباردة توسع مفهوم الأمن والتهديدات الأمنية من قبل الباحثين وصناع السياسة بعد أن كانت منصبة على سباق التسلح كمقياس لمستوي التهديدات. فالاستهداف المتعمد للمدنيين من قبل المتمردين والدول على حد سواء، كما تم الربط بين مستوى التنمية وانتشار الصراعات والجماعات المسلحة فى كثير من دول العالم، تلك المستجدات العالمية دفعت المحللين والباحثين إلى إعادة تقييم مفهوم الأمن[3].

فشملت الدراسات الأمنية الأمن البشري، الأمر الذى أعطى قضايا جديدة أهمية أمنية بجانب القضايا العسكرية(كالفقر، والأمراض، والبيئة، والبطالة)، أى تلك القضايا التى تهدد البشر فى جميع أجزاء العالم والمتسبب الرئيسي لانتشار الصراعات بمختلف أنواعها.

وتتناول الدراسة مفهومي الأمن القومي والأمن الإقليمي كالتالي:-

تعددت الصياغات المفاهمية للأمن القومي، فلا يوجد تعريف محدد فالأمن له أبعاد كثيرة، فهو حماية لقيم، وتحرر من خوف، فالأمن القومى كما يعرفه الدكتور على الدين هلال “هو مفهوم شامل، ليس مسألة حماية للحدود وحسب، ولا قضية إقامة ترسانة من السلاح، انه يجمع كل هذه المتطلبات وغيرها، فهو قضية مجتمعية تشمل الكيان الاجتماعي بكافة جوانبه وعلاقاته”.

ويعرف ولتر ليبمان(Walter Lippman) الأمن القومى بأنه محافظة الدولة على قيمها الأساسية وقدرتها على الدفاع عنها، كما أن أمن الدولة هو مدى قوتها العسكرية التى تواجه بها أى هجوم مسلح.أما أموس جوردن ((Amod A. Gordon، وويليم تايلور (William  J. Taylor)، قدموا  مفهومين للأمن، المفهوم الضيق وقصدوا به حماية الدولة وشعبها وإقليمها، أما المفهوم الواسع للأمنفيتناول علاوة على المفهوم الضيق أيضًا حماية المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة.كما يعرفه هارولد براون (Harold Brown)، أنه القدرة على حماية الوحة الطبيعية للأمة ووحدة أراضيها، وضمان استمرار علاقاتها الاقتصادية مع العالم بشروط معقولة، وحماية طبيعتها ومؤسساتها وسلطتها من التهديد الخارجى وضبط حدودها[4].

والأمن القومى كما تعرفه الموسوعة العربية هو “مجموع المفاهيموالإجراءات التي تعتمدها الدولة لممارسة سيادتها على أراضيها وصيانةمجتمعها وتراثها ضمن مجالاتها البرية والبحرية والجوية من أي تهديد خارجي، وكذلكحماية مصالحها في الداخل والخارج، وضمان الحياة الحرة والآمنة لمواطنيها ولمن يعيشفي حماها”[5].

ومن التعريفات السابقة نجد أن الأمن القومى و كما تقول المدرسة الواقعية هو “تحقيق للمصلحة الوطنية، تلك المصلحة التى تتطلب قوة عسكرية قوية، تحمى  حدود الدولة ومواطنيها من التهديدات العسكرية سواء من دول أو جماعات، كما أن الأمن القومي هو القدرة على حماية مصالح الدولة الاقتصادية والسياسية، وذلك لا يحدث سوى بتكامل المؤسسات المختلفة داخل الدولة أى ضرورة تعاون المؤسسات الأمنية معالمؤسسات الأخرى داخل الدولة، ومشاركة المجتمع المدني، فالأمن القومي مسؤولية جماعية”.

الأمن الإقليمىشأنه شأن الأمن القومى من حيث تعدد التعريفات سواء من قبل مفكري السياسة أو من قبل المنظمات الإقليمية والدولية للأمن الإقليمي. فالأمن الإقليمي يعبر عن سياسة مجموعة من الدول تنتمى لإقليم واحد، ويكون الهدف هو تعاون عسكري وتنظيميى لدول الإقليم هذا، لمنع أى قوة أجنبية أو خارجية فى ذلك الإقليم، حيث لا يرتبط برغبة بعض الأطراف فحسب، وإنما بتوافق إرادات تنطلق من مصالح ذاتية بكل دولة، ومن مصالح مشتركة بين مجموع دول الإقليم[6].

ويُعرف الأمن الإقليمي فى الموسوعة السياسية “أنه نظام يعمل به الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بوحى من ميثاقها بهدف الحرص على الأمن والسلام الدوليين وفض النزاعات بالطرق السلمية على أساس أن أمن كل دولة وسلامتها الإقليمية من الأمور التى تضمنها كل دولة”.

كما تُعَّرفه جامعة الدول العربية بأنه “توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية وتحقيقًا للتعاون فيما بينهما، وصيانة لاستقلالها وسيادتها مع الحرص على المصالح المشتركة على كافة الأصعدة، ومنها تحقيق الأمن الإقليمي بما يوفر الاستقرار الداخلى لكل دولة وعناصر الحماية ضد الاختراقات المحتملة للأمن القومي العربي”[7].

وفى ميثاق الأمم المتحدة تم الإقرار بظاهرةالأمن الإقليمي، ذلك أن بعض الكتل الإقليمية كانت أسبق في الوجود من الأممالمتحدة ذاتها، كالاتحاد الأمريكي وجامعة الدول العربية التي أبرم ميثاقها في22/3/1945. لذلك جاء الفصل الثامن من ميثاق المنظمةمؤكدًا أن لا مانع منقيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمنالدوليينما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً، وما دامت هذه التنظيمات أوالوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة (المادة52الفقرة1)، أكثر من هذاأعطى ميثاق الأمم المتحدة، وهو دستور العلاقات الدولية، أولوية للمنظمات الإقليميةفي إيجاد حلول ودية للنزاعات المحلية قبل عرضها على مجلس الأمن (المادة52،الفقرة2)، وأوجبعلى مجلس الأمن (أن يشجع على الاستكثار من الحلول السلمية لهذه المنازعاتالمحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بوساطة تلك الوكالات الإقليمية، بطلب منالدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن، ولا يؤثرنشاط المنظمات الإقليمية في تسوية النزاعات الدولية على ما أعطاه الميثاق للجمعيةالعامة للأمم المتحدة ومجلس أمنها من مهام (المادة52،الفقرة3)، إذ الأصل كما هو بيّن أنالمنظمات الإقليمية هي في الميثاق ظهير للمنظمة العالمية وليست بديلاًمنها[8].

فالأمن في النظام الإقليمي  فى معناه التقليدي هو “النظام الذى يقووم بناءًا على اعتبار التقارب الجغرافى بين الدول المكونة له، أو على اعتبارات التشابه الثقافي والاقتصادى والاجتماعي”.

ولكن نجد أن إقليم الشرق الأوسط وعلى الرغم من وجود التقارب الجغرافى بين دولة، وتشابه ثقافاتهم بل لهم خلفية تاريخية واحدة، ولغة واحدة هى السائدة خاصة فى داخل الإقليم العربي والذى يشكل أكبر نسبة سواء نسبة عدد السكان أو نسبة المساحة الجغرافية بالمقارنة بدول الإقليم ككل، إلا أن النظام الإقليمي فى الشرق الأوسط غير فعال وغير ناجح على مستوى العلاقات التفاعلية الثقافية والتبادلات الاقتصادية، والأهم التعاون الأمنى.

فبالتالى نجد أن الأمن الإقليمى الفعال هو ذلك الإقليم التى تنشظ في العلاقات الحيوية بمختلف مجالاتها، بصورة تحقق تكامل وتعاون شامل يخدم أمن الإقليم بصفة عامة، وأمن كل دولة على حدة بصفة خاصة.

وكما تناولنا مفاهيم الأمن القومي والأمن الإقليمي بصفة عامة، نتطرق لمفهوم الأمن القومى العربي، حيث ارتبط الأمن القومي العربي بالمرحلة التالية لحروب التحرير الوطني والاستقلال السياسي، ويعرف الأمن القومي العربي“بأنه قدرة الدول العربية على حماية كيانها الذاتى ضد الأخطار الخارجية من أجل ضمان بقائها، وذلك اعتمادًا على نظم ديمقراطية حقيقية موحدة تتفق على استراتيجية أمنية موحدة لحماية حدودها الجغرافية، كما تعتمد أيضًا على وجود تنمية اقتصادية شاملة قادرة على تلبية متطلبات شعوب المنطقة العربية، وتضمن له بقائه وأمنه”[9].

يعتبر الأمن القومي العربي أمرًا مهمًا، لضمان قيام الحكومات العربية للتعامل مع التهديدات الأمنية بشكل شامل وفعّال وتوجيه عملية تنفيذ السياسات الأمنية بإجماع عربي بالصورة التى ترفع مستوى الثقة والتعاون بينهم.

بالرجوع لميثاق جامعة الدول العربية عام 1945، لا يوجد مفهوم الأمن القومي صراحةً لكن تم ذكر الأمن الجماعي فى المادة(6)، ثم ذُكر التعاون فى مجال الدفاع فى معاهدة الدفاع المشترك عام 1950م، وبعد حرب الخليج الثانية تم تأسيس القوة العسكرية المشتركة لدول الخليج العربي، وعام 1992 قامت جامعة الدول العربية باعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن القومى العربي وهو “قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها”[10].

وكانت العلاقات العربية قبل ثورات الربيع العربي منقسمة إلى محورين (محور الاعتدال،ومحور الممانعة)، فشمل محور الإعتدال كلاً من مصر والسعودية وباقي دول الخليج ماعدا قطر والأردن واليمن أما محور الممانعة فشمل كلاً من سوريا وحزب الله وقطر والمقاومة الفلسطينية وكانت الصراع العربي الإسرائيلى هة الصراع الأهم على المستوي الرسمى والمدني بالدول العربية والقضية التى تشغل الرأى العام العربي، وفى تلك الفترة تعاونت بعض الدول العربية خاصة على الصعيد الأمنى في مواجهة الأنشطة الإرهابية، كما تصاعدت الخلافات بين المحوريين بسبب زيادة التحالف السوري القطري مع حماس وحزب الله.[11]

لكن تغيرت العلاقات العربية بعد تلك الثورات، فالعلاقات بين دول المغرب العربي تأثرتبالأوضاع في ليبيا وتونس حيث حدث تغير في علاقاتهم خاصة مع ليبيا بسبب انتشارالجماعات الارهابية وتزايد انتشار الاسلحة والعمل على تهريبها، وبالنسبة للعلاقات مع دول الخليج العربي كانت متخوفة من إمتداد تلك الثورات إليها، خاصة بعد صعود التيار الإسلامي للحكم فى الدول التى حدثت بها الثورات، وفى تلك الفترة توترت العلاقات الخليجية مع تلك الدول[12].

ومؤخرًا تحسنت العلاقات الخليجية خاصة مع مصر بعد 30 يونيه، كما تحسنت العلاقات الخليجية التونسية. وما زال الوضع غير محدد بالنسبة لسوريا باعتبار أن الصراع مازال مستمر ولم يُحسم بعد، لكن العلاقات الخليجية والعربية بصفة عامة رافضة للنظام السياسي السوري الذي يترأسه بشار الأسد.

فالأمن القومى العربي به العديد من التهديدات العسكريةوغير العسكرية،كالإرهاب، والتهديد النووي الإيراني،وإختراقها لأمن الدول العربيةبتواجدها بكل من سوريا والعراق واليمن، والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية، ومشكلة الهجرة وأزمة اللاجئيين، والحروب الاهلية داخل بعض الدول العربية.

قبل الدخول مباشرة فى صلب المشكلة البحثية لموضوع الدراسة، يتم تقديم عرضًا وجيزًا لإقليم الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، من حيثالماهية والحدودوالجغرافيا.

اُستُخدم مصطلح الشرق الأوسطمع بداية الحركة الصهيونية عام 1897م، حيث كتب (تيودور هرتسل) مؤسس الصهيونية فى يومياته “يجب قيام كومنلوث شرق أوسطى، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادى قائد، وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية”[13]، وتم إستخدامه بالدراسات السياسية والتاريخية، من قبل ألفريد ماهان فى مقالة نشرت مجلة National Review، بعنوان “الخليج الفارسي” عام 1902م، ولم يوضح الدول التى يشملها الإقليم، واستخدمه تشرشل وزير المستعمرات البريطانى عندما أنشأ إدارة الشرق الأوسط عام 19921م، وذلك للإشراف على فلسطين والأردن والعراق، ثم كِثُر استخدامه بعد الحرب العالمية الثانية فق كانت هناك مركز وقيادة وتموين للشرق الأوسط من قبل الحلفاء[14]. ودائمًا ما وضعت خططًا لإحتواء تلك المنطقة أثتناء الحرب الباردة وبعدها، ففى عام 1953م تم طرح مشروع من قبل وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر الاس) عن ضرورة حمياة أمن المنطقة من الخطر الشيوعي، كما أكدعلى ذلك الرئيس (ايزنهاور) عام 1957م، وتناولها الرئيس (جون كينيدي) فى خطاباته مؤكدًا أهمية منطقة الشرق الأوسط للسياسة الخارجية الأمريكية، وفى فترة الرئيس (ريتشارد نيكسون) عام1973م وحدوث أزمة النفط العالمية آنذاك والتى كانت من ضمن تداعيات الحرب العربية الإسرائيلية، ومنع الدول العربية تصدير البترول للدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وما تلى هذه الأزمة من وضع خطط لإحتوائها بداية من عهد الرئيس (جيمي كارتر) إلى الآن[15].

فثمة محاولات غربية عديدة بذلت لدمج منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها الدول العربية في إطار إقليمي لعل من أبرزها التصريح الثلاثي في 1950م، والذي أصدرته الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، وكان الهدف من هذا التصريح ضمان أمن إسرائيل وتهديد العرب اذا فكروا في استعادة أراضيهم بالقوة وتركيز مبدأ الحفاظ على الوضع الراهن وتقديم ضمانات أمنية واضحة لهذا الكيان لذلك نص على ضرورة الاحتفاظ بمستوى معين من القوات المسلحة ومعارضة قيام سباق تسلح بين الدول العربية وإسرائيل.ثم جاء إنشاء حلف بغداد سنة 1955م ليكون بمثابة التطبيق العملي لواحد من مشاريع ربط المنطقة بسياسة الأحلاف الغربية الهادفة لتطويق التحاد السوفيتي السابق، كانت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قد مهدتا السبيل أمام هذا الحلف بطرحها ما كان يسمى “بـالجبهة الفارغة أو الحزام الشمالي”، والذي يشمل كلا من باكستان وإيران والعراق وتركيا تحت ذريعة حماية هذه الدول من أية تهديدات وأخطار سوفيتية محدقة.[16]

وأثر إخفاق العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، حاولت الولايات المتحدة أن ترث بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الأوسط فخرجت عام 1957م بمشروع ايزنهاور الذي كان يقضي بربط المنطقة بعدد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بدعوى مقاومة أي عدوان شيوعي سواء من الخارج أو من الداخل.

بعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية في 1980م، انتهجت الولايات المتحدة سياسة الإجماع الاستراتيجي والتي كان القصد منها احتواء البلاد العربية المناهضة للولايات المتحدة والحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة.

وفي هذا السياق يمكن فهم العلاقة بين وجود إسرائيل في قلب المنطقة وتكريس علاقات التبعية لها، فالشرق الأوسط بحسب تعبير مارتن اندك مستشار الأمن القومي الأسبق، وأحد منظريالسياسة الأميركية هو “في حالة توازن دقيق بين مستقبلين بديلين الأول يتمثل في سيطرة المتطرفين المرتدين عباءة الإسلام أو القومية على المنطقة، والثاني مستقبل تحقق فيه إسرائيل وجيرانها العرب مصالحة تاريخية تمهد للتعايش السلمي والتنمية الاقتصادية وذلك من أجل تأمين التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط”،ويعد مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 بمثابة عملية انطلاق ترسيم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. وبهذا المؤتمر تم طرح فكرة السوق الشرق أوسطية بمبادرة إسرائيلية وأميركية غربية وبحضور ممثلي البنك الدولي.[17]

لكن دائمًا هناك لبس وغموض فى تحديد إقليم الشرق الأوسط، فهناك ثلاث مصطلحات يستخدمها العالم لتلك المنطقة وهى الشرق الأوسط، والوطن العربي، والعالم الإسلامي.

فمصطلح الشرق الأوسط هو مصطلح سياسي منذ نشأته، وليس له علاقة بجغرافية الإقليم وملامحه الثقافية أو الحضارية أو الديموغرافية، فيرى الباحثين العرب أنه بضم دولًا غير عربية للإقليم يعتبر تمزيق للوطن العربي، ونظرة الغرب للشرق الأوسط على أنه مجرد عناصر عرقية، وطوائف وقوميات[18]، “يجب احتوائها لإجهاض أى مشروع قومي عربي”.

تتسع وتتضيق المنطقة بناءًا على من يستخدم مصطلح الشرق الأوسط وميوله وأهدافه من الإقليم، فنجد الغرب والمتمثل فى الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا، بعد حرب الخليج عام 1991م، وبعد الحرب الباردة، ولتأمين مصالحها بالمنطقة عملت على إدماج المنطقة العربية بمنطقة أوسع جغرافيًا وسكانيًا، ذلك من خلال ربط العالم العربي والمنطقة العربية بالجوار التركي والإيراني، ودمج إسرائيل بالمشروع الشرق أوسطى السياسي الاقتصادى الأمني[19].

وتضع إسرائيل باكستانوتركيا وإيران وليبيا ضمن المنطقة من الناحية الاستراتيجية، ودول الخليج من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية السياسية فمصر ولبنان والأردن والعراق وسوريا وإسرائيل[20].

والجدول التالى يوضح تحديدات مختلفة لدول إقليم الشرق الأوسط، ويوضح مدى عدم الإتفاق بين المفكرين على تعريق موحد، فكل مفكر يستند على عوامل معينة مختلفة عن الآخرين، فنجد مثلا بيرسون يعتمد فى تعريفه على دراسته فى المنطقة عام 1964م، ويضيف إسرائيل فقط كدولة غير عربية فى الإقليم. أما بريتشر حدد دول الإقليم التى تشارك فى الصراع العربي الإسرائيلي، ويعتبر إسرائيل من دول القلب[21].

فكل هذه التعريفات تثبت عدم وجود معيار منطقي عند تعريف وتحديد دول الإقليم، الأمر الذي يوضح أن مصطلح الشرق الأوسط مصطلح سياسي فى أساسه، وليس جغرافي أو تاريخي، ويرتبط بتعريفات الدول الكبري واستراتيجياتها الأمنية والدفاعية العامة المرتبطة بالمنطقة؛ولا يؤدى سوي لنتيجة واحدة ألا وهى طمس الهوية العربية والمحاولة الدائمة لدمجها بهويات مختلفة عنها وغير مرتبطة بها، ووأد اى محاولة لقيام قومية عربية موحدة بالإقليم، تلك المحاولات التى تعتبر السبب الرئيسي فى عدم استقرار المنطقة العربية الدائم وكثرة التهديدات الأمنية بها.

جدول رقم (1)

ويتناول الجدول التالى تعريفات مختلفة لحدود إقليم الشرق الأوسط[22]:

بايندر

1958

بريتشر

1969

كانتوري وشبيغل

1970

تومسون

1970

بيرسون

1971

افرون

1973

تومسون

1976

هدسون

1979

دول القلب

الأردن

إسرائيل

ليبيا

السعودية

العراق

سورية

السودان

لبنان

مصر

 

دول خارج القلب

إيران

تركيا

 

دول الهامش

أفغانستان

باكستان

تونس

المغرب

دول القلب

الأردن

إسرائيل

سوريا

العراق

لبنان

مصر

 

دول خارج القلب

تونس

ليبيا

السودان

الصومال

اليمن

دول الهامش

إثيوبيا

إيران

تركيا

الجزائر

السهودية

قبرص

الكويت

 

 

دول القلب

الأردن

الإمارات

السعودية

السودان

سوريا

العراق

الكويت

لبنان

مصر

اليمن

 

دول الهامش

إسرائيل

إيران

تركيا

دول القلب

الأردن

تونس

الجزائر

ليبيا

السعودية

السودان

سوريا

العراق

الكويت

لبنان

مصر

المغرب

اليمن

دول القلب

الأردن

إسرائيل

السعودية

سوريا

العراق

الكويت

لبنان

مصر

اليمن

دول القلب

الأردن

إسرائيل

سوريا

العراق

لبنان

مصر

 

دول منطقة البحر الأحمر

إثيوبيا

إسرائيل

السعودية

السودان

مصر

اليمن

 

دول منطقة الخليج

إيران

السعودية

العراق

الكويت

دول القلب

الأردن

إسرائيل

أفغانستان

إيران

باكستان

تركيا

تونس

الجزائر

ليبيا

السعودية

السودان

سوريا

العراق

الكويت

لبنان

مصر

المغرب

اليمن

دول القلب

إسرائيل

إيران

تركيا

الجزائر

السعودية

سوريا

العراق

مصر

 

دول الهامش

الأردن

الإمارات

البحرين

تونس

ليبيا

السودان

عمان

قبرس

قطر

الكويت

لبنان

المغرب

اليمن

 

أما فيما يتعلق بالخصائص الحضارية والثقافية، فتعدد الثقافات والقوميات والجماعات داخل الإقليم هى السمة المميزة له، والدين الإسلامي هو الدين الأكثر انتشارًا بالإقليم، كما أن اللغة العربية هى اللغة الأساسية السائدة لدى معظم شعوب المنطقة.

“تتناول الدراسة التحديد الغربي للشرق الأوسط وهى مصرغربًا إلى إيران شرقًا، وتركيا شمالًا إلى اليمن جنوبًا فهو الأكثر انتشارًا على مستوى الباحثين والسياسيين والمتخصصين الأمنيين”.

 

وبالتالى عند تناول موضوع الأمن القومي العربي فى الدراسات السياسية، لابد من تناوله فى إطار الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، أو الأمن القومى لكل دولة على حدة، يرجع ذلك لصعوبة تحديد ماهية الأمن القومى العربي وصعوبة تحديد ملامح القطر العربي وحدوده.

تتناول الدراسة محل البحث الأمن القومى العربي كجزء من الأمن الإقليمي للشرق الأوسط.

الفصل الثانى : القضايا التى تشكل خطرًا على الأمن فى إقليم الشرق الأوسط

التغيرات الأمنية بالمنطقة العربية

نتج عن الربيع العربي ظهور الصراعات الطائفية والإثنية والقومية بشكل واضح وخطير، قبل الإنفلات الأمنى كانت معظم هذه الصراعات خاملة لم يصل خطورتها إلى ما وصلت له الآن من حروب وصراعات مسلحة.

فالعنف موجود قبل الربيع العربي، إلا أنه زاد، بنسب كبيرة، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي قبل مطلع عام 2011، وقد ظهر تحديدا علی الساحة العربية بشكل أقوی، مما كان عليه سابقا؛ وسبب ذلك أن الربيع العربي أوجد لدی جماعات العنف، منذ بدايته، حالة من الأريحية، فبدأت هذه الجماعات في تنظيم نفسها والعمل علی أن يكون لها دور في المستقبل، إضافة إلی طول عمر بعض ثورات الربيع العربي، وتحولها إلی حالة من حالات الحرب، الأمر الذي جعل جماعات العنف تنخرط فيه لعدد من الأسباب، إما باسم الجهاد والدفاع عن العقيدة أو من أجل التخلص من أنظمة بعينها ظالمة من وجهة نظرهم، كسوريا مثالا، كما أن التدخل الخارجي في التحولات الجارية في دول الربيع العربي لم يوجد بدوره نوعا من التوازن الحقيقي بين الأطراف المتصارعة في كل بلد منها، مما ولد العنف وزاد من حدته،الأهم أن ثورات الربيع العربي لم تحقق لشعوبها، حتى اليوم، نوعا من الاستقرار السياسي الحقيقي، مما أدى إلى تردي الأوضاع الأمنية بشكل عام، وساعد الجماعات المتطرفة على ممارسة أنشطتها بشكل طبيعي بعيدا عن الخوف والتستر[24]، وتسيدت هذه الصراعات الساحة الدولية، تلك التى غيرت وما زالت تغير فى حدود وخريطة المنطقة، خاصة أنها عرقية وأيديولوجية، لا ترتبط بدولة معينة بل بقبائل وجماعات، تلك التى فرقت بينها حدود سايكس بيكو، فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا يعترف بالحدود وعلى ماثلته بقية الجماعات المسلحة لا تعترف هى الأخرى بالحدود، الخطورة ليست فى مجرد تبنى الأفكار، بل هو تنفيذها بالفعل على أرض الواقع[25]. كما ينتج عنه أضرار مادية تصيب ااقتصاد الدول بالتدهور والتراجع، كما يتسبب بتدمير البنى التحتية والمرافق الأساسية، علاوة على إشاعة الرعب والخوف بين نفوس الشعوب؛ فالهدف النهائي للإرهاب هو تدمير وهدم الدول ونزع شرعيتها وسيادتها على اقليمها وحدودها.

ليس انتشار الجماعات المسلحة والإرهابية والصراعات الطائفية هى النتاج الوحيد عن ثورات الربيع العربي فمشكلة اللاجئئين من القضايا المهمة والتى أثرت هى الاخرى بشكل كبير على الأمن القومي العربي، والأمن الإقليمي بل والعالمي، علاوة على القضايا الأمنية التقليدية المتمثلة فى حماية الحدود والمصالح العسكرية، والغير تقليدية كالسيبرانية، والإتجار بالبشر، والمخدرات، والهجرة غير الشرعية، كلها قضايا أمنية تجعل المعضلة الامنية فى الشرق الأوسط وخاصة بالدول العربية معقدة بشكل كبير.

الجماعات المسلحة والإرهابية

بعد قيام الثورات العربية انتشرت الجماعات الإرهابية بالمنطقة العربية؛ نتيجة للفراغ الأمنى والسياسيى الذى تبع تلك الثورات. وظهرت جماعات مسلحة مختلفة من حيث الانتشار والتمويل والعقيدة، فقد تم رصد أكثر من 76 تنظيمًا وحركات إرهابية بالمنطقة منها ما يقارب ال 32 تنظيمًا عربيًا، وأشهرهم تنظيم أنصار بيت المقدس، وجند الإسلام، وكتيبة النصرة، والتكفير والجهاد “بمصر”، وكتائب مصراته، ولواء شهداء 17 فبراير، وميليشيات قبيلة الزنتان، ودرع ليبيا فى “ليبيا”، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) “بمصر وسوريا وليبيا والعراق”، حتى تونس لا تخلوا من الجماعات الإرهابية وخاصة التيار الجهادي السلفي (كأنصار الشريعة) والتى تضم الجهاديين العائدين من سوريا ومالى، وجماعة أنصار الشريعة متواجدة أيضًا باليمن، كفرع لتنظيم القاعدة بالخليج العربي، فتلك الجماعات ليست كيانات صغيرة من حيث الحجم والعتاد[26]، فعلى سبيل المثال لا الحصر فى ليبيا وحدها أكثر من 1700 ميليشيًا مسلحًا هذا ضمن إحصاء فى عام 2014، فلنا أن نتخيل كيف أصبح أعدادهم مع زيادة التمويلات الخارجية.

يقصدبالإرهاب لغويًا ((الخوف والفرع وكل ما من شأنه إثارة الرعب والذعر بين الناس بغية حملهم على الطاعة والخضوع)). ولا يوجد تعريف محدد للإرهاب، فتعرفه الموسوعة السياسية “استخام العنف والتهديد به، بكافة أشكاله المختلفة كالإغتيال والتسوية والتعذيب والنسف، بغية تحقيق هدف سياسي معين، مثل كسر روح المقاومة، وهم معنويات الأفراد والمؤسسات للحصول على معلومات أو مكاسب مادية، أو لإخضاع طرف مناوىء لمشيئة الجهة الإرهابية”[27].

فالإرهاب هو كل عمل يؤدى إلى التخريب النفسي وترهيب البشر وزعزعة أمنهم، والتخريب المادى الذى يدمر البنى التحتية والاقتصادية للدول، وكل ما يشيع الفساد ونزع الاستقرار فهو إرهاب. الإرهاب لا دين له ولا جنسية، ويمكن أن يكون جماعة أو دولة. فالإرهاب بمعنى شامل عبارة عن مجموعات ممولة لتحقيق هدف ومصلحة ما، بالعنف والترهيب، مما يهدد الأمن والاستقرار.

وهناك نوعان  الإرهابية المسلحة، نوع يستهف الدولة وهو الأكثر انتشارًا وتنظيمًا، والآخر يتهدف إرهاب الأفراد والجماعات، لكن كلاهما يهدد الاستقرار والسلام الداخلى والدولي، فالإرهاب ممكن أن تقوم به دول كإسرائيل وما تقوم به تجاه الشعب الفلسطينى من ارهاب ونزع للأمان، وقد تقوم به جماعات مسلحة، تلك الجماعات قد تكون كما هو منتشر جماعات قائمة على أسس أيديولوجية كالجماعات الجهادية، والتى لا تفرق بين النظم الديمقراطية أو الديكتاتورية، فكلها من وجهة نظرها أنظمة غير اسلامية جهادية، ومحاولة تلك الجماعات ارساء ايديولوجيتها ليس بطريق الاقناع السلمي بل بالعنف والإرهاب. وقد تكون هذه الجماعات حركات انفصالية عرقية أو طائفية، أو منظمات يمينية ويسارية متطرفة، “أو منظمات استيطان كجماعات الاستيطان الإسرائيلي”[28].

تتميز الجماعات الإرهابية بالمنطقة العربية، بإقليمية انتشارها، فهى غير مقتصرة على بلد معين، ووجود علاقات ترابط وتواصل وتنسيق بين مختلف تلك الجماعات، كما أنها تمول من قبل دول اقليمية ودولية ترعي تلك الجماعات وتخترقها استخبراتيًا وتوجهها لصالح تحقيق أهدافها بالمنطقة، علاوة عن تمويل تلك الدول لها، فهى قادرة على تمويل نفسها عن طريق سرقة البنوك وطلب الفدية وغيرها من الوسائل الغير شرعية، ولم تعد تعتمد على مرجعية أدبية كما السابقكانت تعتمد على كتب جهادية وأفكار بعض الجهاديين، أما الآن فمعظم الجماعات بالمنطقة ليس لها مرجعية أدبية “أدب الجماعات الإرهابية”، الأمر الذي جعلها أكثر إجرامًا.[29]

ويتمركز الإرهاب بالمنطقة العربية اليمن بالجنوب، وسوريا بالشمال، وليبيا بالغرب؛ فنجد باقى الدول العربية محصورة بين الإرهاب والصراعات المسلحة؛ ذلك الوضع الذى يهدد الأمن العربي باستمرار، فلا يوجد دولة داخل الإقليم العربي يمكنها أن تنجو من هذه التهديدات الأمنية ليس تهديد حدودها بل تهديد عمقها الداخلى، فالهجمات الإرهابية المتفرقة لا تحدث على الحدود بل بالداخل وبأماكن استراتيجية واقتصادية مؤثرة.

وتطورت الجماعات الإرهابية على مر السنوات القليلة الماضية بعد إندلاع ثورات الربيع العربي، فلم يعد الشكل التقليدى بقيام جهاديين بتفجيرات بمناطق معينة عسكرية فى الغالب متفرقة ثم يعودوا ادراجهم لأماكن يتخفوا بها.الأمر تطور وأصبح استهداف لأقليات من المدنيين، وتنوعت أسلحتهم العسكرية، فأصبحت تتضمن استخدام الألغام والقذائف الصاروخية، ليس هذا فقط بل مدرعات ودبابات عسكرية، وتنوع أيضًا فى أعضاء تلك التنظيمات، فتستخدم النساء والأطفال فى تنفيذ عملياتهم, كما تزايد هجماتهم الاقتصادية التى تدمر البنية التحتية، وتطورت فى التمدد الجغرافي ليس داخل الدول فقط فهى كما ذكرت الدراسة لا تعترف بحدود وبالتالى فإمتدادها يكون عبر الإقليم بالكامل[30].

تتمثل الخطورة الأمنية للجماعات الإرهابية في القدرة الفائقة على استقطاب وتجنيد أعداد كبيرة من شباب بعض الدول العربية والغربية في صفوفه، والوسائل التي يستخدمها من أجل تحقيق ذلك. العوامل الجوهرية التي تقف خلف سرعة تمدد التنظيمات في البلدان العربية. وهنا لا بد من أخذ الإطار السياسي والاجتماعي والثقافي بعين الاعتبار، حيث إن تمدد التنظيمات يعني عجز السلطة المركزية وعدم قدرتها على فرض سيطرتها على إقليم الدولة، فضلاً عن ارتباط الصراع داخل كل منها بأبعاد طائفية ومذهبية، استغلتها التنظيمات في توسيع دائرة تواجدها الاجتماعيالمحلي.[31]

كما أن مصادر تمويل التنظيمات وطرق ونوعية التسليح، والتي جعلت البعض منها الأكثر ثراءً، والأكثر قوة وتسليحًا مقارنة بالتنظيمات الجهادية الأخرى، الأمر الذي مكن بعضالتنظيمات مثل داعش من أن يخوض منذ أغسطس 2012 حربًا على جبهتين في سوريا والعراق، وهي حرب ينخرط فيها تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كانت بعض المقالات والتقارير تشير إلى انخراط التنظيم من بيع كميات من النفط في السوق السوداء، ((بما يؤثر سلبًا على الاقتصاد العربي وأمن الطاقة فيه))، فصلاً عن سيطرته على كميات كبيرة من الأسلحة التي خلفتها وحدات الجيش العراقي.

يُستنتج من العرض السابق للجماعات الإرهابية والمسلحة بالإقليم العربي، مدى تفشي تلك الجماعات وكيف تحولت للاعب رئيسي بالمنطقة ولا يمكن اغفال أدوارها المؤثرة على الأمن القومي العربي حيث يسيطر الإرهاب على مساحة واسعة من الأراضىي والحدود العربية، والأمن الإقتصادى بتراجع مستوى الاستثمارات بتلك الدول، وتوقف الشركات بالمناطق التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وتراجع حركة السياحة، كما أن الإرهاب يركز ضرباته للبنى التحتية والأساسية فى الدول، كما يسيطر على مناطق انتاج النفط والذي يعتبر أهم مصادر الدخل.((كما سيطرت تلك الجماعات على سدود مهمة على نهر الفرات بما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي فى المنطقة)).[32]

أزمة اللاجئين وتأثيرها

شكِّل النزوح الجماعي القسري للفلسطينيين في العامين 1948 و1967، عند تأسيس دولة إسرائيل وفى الحرب العربية الإسرائيلية، أكبر عملية تشريد قسري على أساس الهوية في المنطقة في فترة تأسيس الدولة القومية، فقد غادر مايقرب من 726 ألف فلسطيني ديارهم وقراهم قسراً في العام 1948 خوفاً على حياتهم، وتبعهم 325 ألفاً آخرين في العام 1967.‏ واليوم، هناك أكثر من5 ملايين لاجئ  فلسطيني يقطنون المخيمات في دول عربية ومراكز حضرية في جميع أنحاء العالم، وقد قُدّر لهذا النزوح الفلسطيني أن يصبح أطول أزمة لاجئين عالمياً. كما لعبت القضية الفلسطينية دوراً محورياً في تشكيل وعي أجيالٍ متعاقبة من المواطنين العرب، وتكوين مفهومهم للعدالة، كما قُدّر لأزمة اللاجئين الفلسطينين المتواصلة أن تؤثّر على أطر ومضامين الاستجابات السياسية لكلٍّ من الأردن ولبنان، اللذين يستضيفان أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، علاوةً على السوريين الذين شُرّدوا قسراً في الآونة الأخيرة.[33]

فاستحوذا العراق وسورياعلى نسبة 90 في المئة من عمليات التهجير القسري في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فرّ مايقرب من 12 مليون سوري و4 ملايين عراقي قسراً جرّاء الفوضى في بلادهم حتى يونيو 2015، وتزايدت وتيرته نزوح العراقيين حيناً وخفّت حيناً آخر في ظل الحروب الخارجية والصراعات الداخلية المتعاقبة، ثمّ تكثّف بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يعتبر لبنان والأردن الدولتان العربيتان اللتان تستضيفان أكبر عدد من هؤلاء اللاجئين، حيث نحو 1.1 مليون سوري و8 آلاف عراقي مسجلون لدى الأمم المتحدة في لبنان، وتم تسجيل 629 ألف سوري و30800 عراقي في الأردن حتى يوليو 2013.[34]

وللأزمة السورية أثر طويل الأمد ليس على سوريا وحدها بل على دول الجوار،فتفشي الفقر والفوضى وعدم الاستقرار هو اهم مأزق ستعيشه الجوار بسبب هذه الأزمة وسيكون هؤلاء اللاجئون المشردون الذين خسروا ثرواتهم يشكلون محورًا مهمًا فى القضايا الأمنية بالمنطقة،حيث يتم استغلالهم من قبل الجماعات الإرهابية بالمنطقة، خاصة أن مخيمات اللاجئين تقع على الحدود مع سوريا سواء الموجودة بالأردن أو تركيا أو لبنان والقريبة من التجمعات الإرهابية بسوريا، فلم تكتفى تلك الجماعات بضم مقاتلين من الأراضي السورية بل يقومان بذلك أيضًا من بين اللاجئين السوريين في الدول الاخرى وهذا ما يؤثر على أمن دول الجوار، حيث شهدت تركيا والأردن على سبيل المثال وقوع العديد من الهجمات الارهابية.[35]

فتسببت ظاهرة اللاجئين بظهور مشاكل عديدة لدول الجوار مثل الإرهاب وتأجيج الأزمات السياسية والإخلال بالنظام الاقتصادي وتزايد المشاكل الاجتماعية ومن المتوقع أن تزداد وتشتد هذه الحالات.

معظم الدول التى تستضيف اللاجئين السوريينتعاني من أزمات ومشاكل أمنية وهي تركيا ولبنان كما أن الأردن ليست مستقرة كما يجب ولذلك يمكن القول إن وجود هؤلاء اللاجئون سيؤدي الى اشعال الأزمات فلبنان الذي يستضيف اللاجئين في داخل مجتمعه وليس في المخيمات بات يعاني من تغيير ديموغرافي جراء أزمة اللاجئين، والعراق أيضًا يعانى صراعات طائفية.

  • اللاجئين والأمن الاقتصادي

تعاني كافة الدول التي تواجه أزمة اللاجئين من مأزق اقتصادي باستثناء تركيا رغم تلقي هذه الدول المعونات الاقتصادية من الغرب ومن المنظمات الدولية، وتعاني لبنان والأردن ومصر اللذين يعتمدون على السياحة الخارجية أكثر من غيرهم وقد أعلنت لبنان انها باتتتعاني من أزمة ديون بسبب انخفاض الإيرادات، لم تعد قادرة على تقديم الخدمات، والأردن أيضًا، وقام المسؤولون العراقيون والمصريون باطلاق تحذيرات حول التبعات الإقتصادية لأزمة اللاجئين السوريين واحتمال حدوث أزمات اقتصادية كبيرة.[36]((يمكننا استثناء اللاجئين السوريين بمصر من تشكيلهم عبئًا على الدولة المصرية، فبالرغم من أن الحكومة المصرية لم تقدم لهم أى مميزات عمل أو سكن، إلا أن السوريين بمصر تمكنوا من إقامة المشروعات الصناعية والغذائية المختلفة واحتواء معظم بل كل السوريين الموجودين بمصر وأيضًا المصريين للعمل بتلك المشروعات، الأمر الذي لم يعكس وجهة النظر بأن اللاجئين يمثلون عبئًا اقتصاديًا)).

  • اللاجئين والأمن الاجتماعي

لن تعود الدول التي تستضيف هذا الكم الهائل من اللاجئين قادرة على ادارة الشؤون الاجتماعية للاجئين، فهناك أزمة تهريب للبشر حدثت في تركيا، بتواطؤ عصابات التهريب حتى مع مسؤولين حكوميين اتراك، ومن جهة أخرى تشهد مخيمات اللاجئين وقوع العديد من الجرائم والتي تنتقل الى خارج المخيمات ايضا وتهدد مدنا كبيرة مثل بيروت والقاهرة واسطنبول.

وبالنسبة للبنان فإن تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين السنّة في الأغلب، يشكّل تهديداً للتوازنالطائفي الحساس في البلاد، تعترف الدولة اللبنانية رسمياً بثماني عشرة طائفة دينية، بينما توزَّع المناصب الحكومية العليا بين الطوائف الدينية الرئيسة على أساس ميثاق وطني تم الاتفاق عليه بين الزعامات السياسية في البلاد في زمن الاستقلال، وثمّة مخاوف من أن يتسبّب اللاجئون بحدوث تغييرات جذرية في  التوازن الديموغرافي بين الطوائف والذى قد يفتح الباب أمام المطالب بإعادة النظر في أساس هذا الميثاق.[37]

تداخل هذا القلق أيضاً مع تزايد مخاوف الكثير من الأردنيين من التغيير الاجتماعي الناجم عن موجات اللجوء الكثيفة لعائلات تحمل تقاليد وعادات مختلفة،فوجود اللاجئين يختلف بين مدينة وأخرى فعمّان، وهي مدينة متنوّعة سكّانياً، تمكّنت من استيعاب السوريين كما استوعبت موجات سابقة من النازحين الهاربين من جحيم الحروب في بلادهم، أمّا في المدن الأكثر محافظة مثل المفرق، حيث يشكّل اللاجئون أكثر من 50 في المئة من السكان، فيسبّب هذا الأمر مخاوف أكبر من حدوث تغيير ليس للهوية الوطنية وحسب، بل للهويات المحلية أيضاً[38].

هذا القلق إزاء التوازن الطائفي، يتقاطع بطرق معقّدة مع تجربة لبنان مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي طال أمدها، فبعد ثمانية عقود من وصولهم إلى لبنان كإجراء قصير الأجل في انتظار التوصّل إلى حل سياسي، لايزال الفلسطينيون يقيمون في اثني عشر مخيماً للاجئين في أنحاء البلاد، وباستثناء العائلات المسيحية الفلسطينة من الطبقة المتوسطة، لم تمنح الدولة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين ومعظمهم من المسلمين السنّة حقوق المواطنة خوفاً من تغيير التوازن الطائفي في البلاد، علاوةً على ذلك، وعلى الرغم من الاختلافات الجذرية في البيئة وظروف اللجوء الفلسطيني، استحضر الكثير من اللبنانيين بهلع التدخّل العسكري السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية في البلاد، فقد استخدمت المنظمة جنوب لبنان بمثابة نقطة انطلاق عملياتية للهجمات العسكرية على إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك تصرّفت كمحفّز، ثم كمشارك نشط في الحرب الأهلية اللبنانية من العام 1975 حتى العام 1982.[39]

تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أزمة اللاجئين السوريين ستترك أثرا سلبا جدا على الإقليم بأكمله وكذلك شمال افريقيا وأن الدول التي استضافت هؤلاء اللاجئون هي مستعدة في الأساس لحدوث الاضطرابات والأزمات ويمكن للأزمة السورية أن تتكرر في دولة أخرى وهذا يرسم مستقبلا مخيفا لدول المنطقة باكملها.[40]

السيبرانية

حفظ الأمن مرتبط ببقاء الدول، ومن ضمن العوامل المهمة التى تؤثر على الأمن، التطورات العالمية فى تحول موازين القوى وتصاعد أدوار الفاعلين من غير الدول، كما أن التقدم التكنولوجي يعتبر عامل من عوامل تهديد الأمن، ويشهد إقليم الشرق الأوسط صراعًا سيبرانيًا بين دوله، بل هو أكثر الأقاليم من حيث انتشار الصراعات السيبرانية، فعلى سبيل المثال فى عام 2001 تم اختراق مناطق صناعية كثيرة فى إيران، وتعتبر هذه المناطق الصناعية هى الأكثر حساسية بإيران،  من ضمنها اختراق هذا الفيرس  المسمي بـ “ستيكسنيت- “stuxnet،لأجهزة كمبيوترات خاصة بمعامل ومصانع تخصيب اليورانيوم[41]، وقد أشارت الإتهامات إلى إسرائيل والولايات المتحدة فى تلك الواقعة الإلكترونية التى غيرت مفهوم الأمن التقليدي، المرتبط بالتهديدات التقليدية (كتهديد حدود الدولة).

وتتميز الصراعات السيبرانية بأنها تحتاج إلى عتاد مادى، وإمدادات ضخمة سواء بشرية أو مادية كالصراعات المسلحة، كما أنها تتفوق على الصراعات المسلحة من حيث قوة التأثير وقلة التكاليف والخسائر، فبإمكانها وقف امدادات المياه فى دولة ما، وتعطيل محطات الكهرباء والطاقة أيضًا، واختراق الأنظمة المختلفة، كأنظمة الشركات الضخمة، وإلحاق خسائر هائلة بها.

كما تهدد البنية التحتية للدول أيضًا، الأمر الذي يجعلها من أهم العوامل التى تهدد الأمن وأصعبها فتحديد مصدر الخطر ليس سهلًا فى الحروب السيبرانية.

تستخدم الدول تلك الأسلحة التكنولوجية الحديثة فى تحقيق أهداف عسكرية دون خوض معارك مباشرة، فالفيرس الذي هوجم به مصانع تخصيب اليورانيوم فى إيران عام 2001م، كان واضحًا أن الهدف عسكري بحت.

ويعتبر إقليم الشرق الأوسط من أكثر المناطق التى ينطلق منها الهجمات الإلكترونية حول العالم، فقد خرجت من الإقليم هجمات سيبرانية قوية وجهت لشركات ومؤسسات كبيرة حول العالم، كتلك التى وجهت إلى مؤسسات مالية أمريكية ضخمة عام 2012م كبنك أمريكا، والتى أُعتقد أن تلك الهجمات قد وُجهت من داخل إيران. وعلى المستوي الإقليمي العربي قد تم اختراق شركة أرامكو السعودية عام 2012م، والتى تعتبر من أضخم شركات البترول الموجودة  في العالم، والذى نتج عنه تدمير بيانات أكثر من ثلاثين ألفًا من أجهزة الحاسب الألي.[42]

تزايدت العلاقة بين الأمن والتكنولوجيا، خاصة مع إمكانية تعرض المصالح الاستراتيجية للدول إلى أخطار وتهديدات، الأمر الذي حول الفضاء الإلكتروني لوسيط ومصدر لأدوات جديدة للصراع الدولي، وفرضت تلك التطورات إعادة التفكير في مفهوم “الأمن القومي للدولة”، والذي يعني بحماية قيم المجتمع الأساسية، وإبعاد مصادر التهديد عنها، وغياب الخوف من خطر تعرض هذه القيم للهجوم،وأصبح تحقيق أمن الفضاء الإلكتروني معتمد على وجود إجراءات الحماية ضد التعرض للأعمال العدائية، والاستخدام السيئ لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات. تلك الإجراءات المتمثلة فى وضع المعايير والإجراءات المتخذة لمنع وصول المعلومات إلى أيدي أشخاص غير مخولين بها عبر الاتصالات، ولضمان أصالة وصحة هذه الاتصالات.[43]

ذلك لتفادي الخسائر المادية والمعلوماتية الناتجة عن تلك الجرائم حيث قدرت التكاليف الإجمالية لجرائم أمن المعلومات مؤخرا عالميا وعربيا،أكثر من 388 مليار دولار، أما التكلفة النقدية المباشرة لهذه الجرائم والمتمثلة في الأموال المسروقة ونفقات إزالة آثار الهجمات فتقدر بحوالي 114 مليار دولار، ومعنى ذلك أن القيمة المالية لجرائم المعلومات أكبر من السوق السوداء لمخدرات الماريجوانا والكوكايين والهيروين مجتمعين، والتى تقدر بحوالى 288 مليار دولار، وتقترب من قيمة السوق العالمية للمخدرات عموما والتى تصل إلى 411 مليار دولار.كما وقد بلغ المعدل الزمني لوقوع جرائم المعلومات حول العالم 50 ألف جريمة واعتداء في الساعة، تأثر بها 589 مليون شخص على مستوى العالم.[44]

((توزعت هذه الجرائم ما بين جرائم الفيروسات والبريد الإلكتروني الملوث والضار، وجرائم الاحتيال والنصب والاصطياد الحصول على معلومات بنكية سرية، والجرائم المتعلقة باختراق الهواتف المحمولة)).

يعتمد المفهوم التقليدي للحرب استخدام الجيوش النظامية، ويسبقها إعلان واضح لحالة الحرب، وميدان قتال محدد، بينما تبدو هجمات الفضاء الإلكتروني غير محددة المجال، وغامضة الأهداف، كونها تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات المتعدية للحدود الدولية، إضافة إلى اعتمادها على أسلحة إلكترونية جديدة تلائم طبيعة السياق التكنولوجي لعصر المعلومات، حيث يتم توجيهها ضد المنشآت الحيوية، أو دسها عن طريق عملاء لأجهزة الاستخبارات.[45]

فالمقومات السيبرانية التى يمتلكها الفاعلون من الدول تعتبر من مظاهر القوة فى التفاعلات الإقليمية، وجزء من قوة الدولة، وإحدى أذرع نفوذها الإقليمي، ذلك بناءًا عن كلام الباحثين المهتمين بالقوة وأنواعها، “كجوزيف ناي” الذي يعد القدرات السيبرانية جزء من القوة الناعمة.[46]

ومن داخل إقليم الشرق الأوسط نجد دولًا قد طورت من قدراتها السيبرانية، كإيران، والتى يعتبر من أكثر دول الإقليم نشاطًا فى تطوير قدراتها السيبرانية، سواء الدفاعية أو الهجومية، والتى تستخدمها إيران فى صراعها لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية وعسكرية، كما تعتبر أداة لتهديد أمن الخصوم والإضرار بهم، كما تعتبر أداة من أدوات الصراع النفسي، والتى تعتمد عليها إيران  فى إقليم الشرق الأوسط خاصةً ضد الدول العربية السنية.

نتيجة للتبعيةالتكنولوجية المستوردة الغربية، تعانى الدول العربية من فجوة رقمية داخلية وأخرى خارجية، والتى جعلت المنطقة العربية منقسمة جزئين، الجزء الأول يبحث عن بناء مجتمع ثقافي له هويته العربية، ويحاول ان يكون ضمن المجتمعات المتقدمة تقنيًا وتكنولوجيًا وتعزز أمنها القومي، والجزء الثانى مخترق أمنيًا ويمثل النسبة الأكبر. هذا الإنقسام فى الساحة العربية أثر على ضعف الإنتاجية العربية من التكنولوجيا، ومع ذلك التأخر العربي فى المجال السيبراني؛ جعل منها ساحة سهلة الاختراق والقرصنة الإلكترونية الخارجية؛ والتى بالطبع تؤثر على الأمن القومي العربي.[47]

وتعتبر المنطقة العربية بيئة خصبة لتلك النوع من الهجمات الحديثة، لإنتشار الجماعات الإرهابية المسلحة بالمنطقة، وزيادة الصراعات القائمة بين دول المنطقة خاصة بين إيران والدول العربية السنيةعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.

وشهدت المنطقة العربية منذ حرب الخليج الأولى عام  1990م استخدامًا لتلك القدرات السيبرانية من قبل القوات الأمريكية، وذلك بتسليط الأقمار الصناعية بإتجاه الحدود الكويتية العراقية، وساعد ذلك فى التحرك الصحيح عبر التضاريس الصحراوية، ومسح حقول الألغام، علاوة على تحديد الأهداف بدقة، الأمر الذى سهل هزيمة العراق وتدمير بنيتها التحتية العسكرية آنذاك وتحرير الكويت.[48] وأيضًا فى الغزو الامريكي للعراق كان لاستخدام الفضاء الإلكتروني دورًا هامًا فى سقوط بغداد، عن طريق اطلاق الشائعات الكاذبة عن انسحاب قوات من الجيش العراقي وترك أسلحتهم، وتزوير للمعلومات المقدمة إعلاميًا.

لا يخلو الصراع العربي الإسرائيلي هو الأخر من الصراع السيبراني، فالعالم منقسم إلى فريقين أحدهما مؤيد للعرب فى صراعهم مع إسرائيل، والآخر مؤييد لإسرائيل، والسبب فى ذلك وسائل الإتصالات الإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي، فإسرائيل تسيطر على المشهد المعلوماتي والإلكتروني بالمنطقة العربية، ولديها تكنولوجيا متطورة تستطيع من خلالها التأثير على الرأى العام العالمي، كما يمكنها اختراق دول المنطقة أمنيًا وسياسيًا.[49]

على الصعيد الآخر نجد الدول العربية مخترقة إلكترونيًا؛ فقد استُخدم ضدها كافة الأساليب السيبرانية سواء مهاجمة شركات ومؤسسات اقتصادية أو مالية، أو مؤسسات حكومية، كما تلقت غزوًا فكريًا وما زالت تتلقى؛ والذى يهدف إلى نزع أى هوية عربية أو قومية، وادماج الهوية العربية بهويات تتناسب ومصالح القوى الفاعلة بالمنطقة وخاصة اسرائيل وإيران.

طبيعة ذلك الفضاء، كساحة عالمية عابرة لحدود الدول، جعل الأمن السيبراني يمتد من داخل الدولة إلى النظام الدولي ليشكل نوعا من الأمن الجماعي العالمي، خاصة مع وجود مخاطر تهدد جميع الفاعلين في مجتمع المعلومات العالمي، لذلك أصبحت هناك مصلحة إقليمية، وكذلك دولية، في الحفاظ على أمن الفضاء الإلكتروني، حيث أصبح ذلك الأمن الإلكتروني جزءا من الأمن العالمي، وذلك نتيجة للطبيعة المتغيرة للتفاعلات الإلكترونية، خاصة مع تطور القدرات البشرية على إنتاج تقنيات جديدة، فضلا عن تصاعد مخاطر التهديدات الإلكترونية على البنية التحتية الكونية للمعلومات.

ولم يقتصر الاهتمام بالأمن الإلكتروني على البعد التقني فحسب، بل تجاوزه إلى أبعاد أخرى ذات طبيعة ثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وعسكرية، وغيرها، خاصة أن الاستخدام غير السلمي للفضاء الإلكتروني يؤثر في الرخاء الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي لجميع الدول التي أصبحت تعتمد بنيتها التحتية على الفضاء الإلكتروني.[50]

كما أن تراجع سيادة الدولة مع تصاعد دور الفاعلين من غير الدول في العلاقات الدوليةكالشركات التكنولوجية العابرة للحدود، وشبكات الجريمة، والقرصنة الإلكترونية، والجماعات الإرهابية وغيرها، فرض تحديات عديدة في الحفاظ على الأمن السيبراني العالمي؛ ودفع ذلك إلى بروز اتجاهات تعددية لتحقيق ذلك الأمن عبر التنسيق بين أصحاب المصلحة من الحكومات، والمجتمع المدني، والشركات التكنولوجية، ووسائل الإعلام، وغيرها.

الفصل الثالث : الأدوار الأمنية للفاعلين في إقليم الشرق الأوسط

تعبر التفاعلات الإقليمية عن خريطة توزيع القوة بين الفواعل الأساسية للنظام والتى يتضح منها أن النظام الإقليمي يتجه إلى قيادة ثلاثية متصارعة؛ حيث تسعى إسرائيل إلى أن تفرض نفسها كقوة إقليمية عظمى مسيطرة، فى حين ترفض إيران ذلك وتقوم بدور القوة المناوئة والساعية إلى فرض نفسها كزعامة مهيمنة إقليمية بديلة، فى حين أن تركيا وإن كانت تبدو أنها راضية بدور الموازن الإقليمى فإنها أيضاً حريصة على أن تكون قوة منافسة على الزعامة الإقليمية وإن كانت تعطى الأولوية لعناصر القوة الناعمة على عكس القوتين الإسرائيلية والإيرانية، ويلعب العرب دور المتفرج المفعول به بالمنطقة.

تعتبر كل من إيران وإسرائيل من أكثر الدول التى تؤثر سلبًا على الأمن القومي العربي، يرجع ذلك لاتباعهم استراتيجية وأيديولوجية منظمة، تستهدف دول المنطقة العربية وأمنها القومي، تعرض الدراسة لكيفية تأثير الدول الإقليمية بإقليم الشرق الأوسط (إسرائيل- إيران- تركيا) على الأمن القومي العربي.

  • الدورالإسرائيلي

يعتبر الوجود الإسرائيليأكثر مهدد للأمن القومي العربي، ولا يتوقف خطرها عند احتلال الأرض العربية فقط، بل فى أهداف الحركة الصهيونية التوسعية والعدوانية، المهددة عمليًا لأقطار الوطن العربي كافة، كما ان مخططاتها لا تتوقف عند حدودها الحالية، بل تتجاوزها لتشمل رقعة أوسع من ذلك بكثير. وتتمثل خطورتها على الأمن القومي العربي فى عدة محاور للأمن وهى:

  • الأمن المائي: تطمع إسرائيل بالمياة العربية، واستيلائها على منابع المياه الاستراتيجية بعيدة المدى، إضافة إلى تمتين علاقاتها مع تركيا وعقد اتفاقيات تعاون وتنسيق مشترك، حيث تدعم إسرائيل المشاريع التركية على نهري دجلة والفرات؛ الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي والزراعي والاجتماعي فى كل من سوريا والعراق، ومن ناحية أخري قد تطورت مؤخرًا العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية، فى إطار مشاريع تعاونية مشتركة فى مجال المياه، كالمساعدات المالية والتقنية فى إقامة السدود المائية على مجرى نهر النيل الأزرق. وإقامة قناة مغطاه تنقل مياه النيل عبر البحر الأحمر من إثيوبيا وصولًا لإسرائيل؛ مقابل مساعدات وإعانات إقتصادية وعسكرية ومالية لإثيوبيا؛[51] الأمر الذي ينتج عنه تهديد أمن المياه فى كل من مصر والسودان.
  • أمن الأرض والجغرافيا العربية: فالعقيدة العسكرية الإسرائيلية أساسها التوسع بالعدوان نحو الحدود الطبيعية المجاورة، وكانت المرحلة الأولى عام 1956م، ثم عام 1لمرحلة الثانية عام 1967.((علاوة على الاستراتيجية المنظمة للإستيطان الإسرائيلي الآن))

إضافة إلى افتقار إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي، والذي يجعلها دائمًا تنقل الحرب والصراع لأرض العدو ((الدول العربية))، للخروج من الاختناق الجغرافي.

كما تعمل إسرائيل على تفتيت الوحدة العربية، من خلال اشاعة الشقاق بينهم، فيقول شيمون بيريز “لكي نكون قوة سياسية فى الشرق الأوسط، يجب أن تتسع الخلافات بين العرب”، ولا تكتفي إسرائيل بجهودها الذاتية فى هذا المضمار، بل تعمل فى تعاون وثيق مع الكثير من أصدقائها، ظهر ذلك فى محاولاتها بعزل مصر عن الصف العربي، ومداومة زرع الخلافات بين الحكومات العربية.[53]

  • التفوق الأمني لإسرائيل فى الإقليم: تعمل إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية والقوى الغربية على استمرار التفوق العسكري والأمني لإسرائيل على جميـع الـدول العربية بل على دول إقليم الشرق الأوسط كافة، وتملكها لبرنامجٍ نووي متطور وعالي الجاهزية، ومدعوم بشكل قوي من دول الغرب كافـة، ومن ثم قطع الطريق على إقامة أية تحالفات في المنطقة العربية، وذلـك عبـر اختراق الأوضاع الداخلية لمعظم الدول العربية، وحامية لأمنها وحدودها من مختلفالجهات يشكل هذا المرتكز البعد والمعيـار الأهم في حفاظ إسرائيل على نظريتها الأمنية، وتعزيز أمنها القومي، فهي في استنفار دائـمإزاء أيتطور إقليميأو دولييحاول العبث بهيمنتها في المنطقة، أو المساس بمكانتها الأمنية الضاربة جذورها في مختلف الدول العربية المجاورة لها؛ لذلك تعمل إسرائيل دائمـاً علـى بقائها مسيطرة على مقدراتها الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، ومعدومية فقدانها لأي عنصرمن عناصرتفوقها الأمني، والذي قد يخلق لها مواجهاتصعبةتؤثر على منظومتها الأمنية، ممايعني خلق مشاكل أمنيةلها[54].

دور إسرائيل فى الأزمة السورية

وعلى الرغم من أن أسرائيل  حريصة على عدم الإنخراط علنا فيما يحدث فى سوريا، إلا
أنها ترقب من بعيد وإبداء القلق بشأن ما يجرى من أـحداث، فمواقف السياسين والرأى العام المنقسم داخل إسرائيل فقسم مع سقوط بشار لما فى ذلك من مزايا تكمن في تقويض الدور الإيرانى وحزب الله فى المنطقة، والقسم الأخر مع بقاؤه.

كما يتلخص الموقف العسكرى فى متابعة المخابرات الإسرائيلية ما يحدث فى سوريا، كما راقبت مع تخوف من انتقال الأسلحة غير التقليدية إلي يد المقاومة بلبنان، والذي يشكل خطرًا على أمن إسرائيل. حيث اعتمدت إسرائيل على مبدأ الردع فى الاستراتيجية الإسرائيلية، للتأثير على قرارات الأطراف السورية المعادية لها، ومنعهم من المبادرة بمهاجمة إسرائيل، فشنت عدة عمليات على الحدود وفى العمق السورى.[55]

كما شاركت فى الحرب بالوكالة، فهى تنفذ هجماتها بتمويل جبهة النصرة، فكل أسلحة الجبهة طبقًا للتقارير الدولية، هى أسلحة صناعة إسرائيلية، فتلك الجبهة لا تستهدف قوات النظام أكثر ما تستهدف البنية التحتية السورية وتدمرها.

فإسرائيل تستغل كل حدث بالمنطقة، لتحقيق أهدافها ومصالحها، وأهمها إضعاف الدول العربية، ونشر الفوضى الأمنية بها، وإطالة أمد الصراعات بالمنطقة وتغذيتها. كما تفرض نفسها كلاعب إقليمي مهم لا يمكن تجاهل دوره، يكفى أنها الدولة التى تمتلك السلاح النووي بالإقليم، وتعمل دائمًا على عدم إمتلاكه من قبل اى دولة بالإقليم، خاصةً إيران، الأمر الذي يجعل من إسرائيل الدولة الأقوى بإقليم الشرق الأوسط.

فتكمن خطورة إسرائيل فى عقيدتها منذ أن تأسست وهو حلم دولتهم من النيل إلى الفرات، فهى محدد أساسي لأمن لبقاء الدول العربية.

  • الدور الإيراني

تنظر الدول العربية لإيران بأنها المهدد الأول لأمنها القومي، وأنها الموول الأساسي للإرهاب فى المنطقة؛ وتعمل الدول العربية لوقف أي تمدد للنفوذ الإيراني بالمنطقة، أو احراز أى تقدم فى برنامجها النووي. أما بالنسبة لإيران فترى أن إقليم الشرق الأوسط هو منطقة نفوذها، ولا تتوقف عن السير قدمًا لتحقيق أهدافها المتمثلة فى مبادىء الثورة الإيرانية ونشر المذهب الشيعي.

ترتكز سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية على ركيزتى المصلحة الوطنية والأيديولوجيةالإسلامية ضمن إطار من الإرث التاريخى الإمبراطورى وأفق من التطلع للقيام بدور الدولةالإقليمية المهيمنة تجعل من الصعب التعامل مع إيران كمصدر للتهديد بالمطلق أو النظر إليهاكحليف بالمطلق نظراً لأن التزام إيران بسياسة الموالاة للمستضعفين والعداء للمستكبرين (مبدأ لتبرى والتولى)، يدفع إيران إلى التورط فى سياسات ومواقف عدائية أحياناً ويجعلها أيضاً حريصةعلى مد جسور المودة والتعاون فى الوقت نفسه؛ الأمر الذى يحدث قدراً لا بأس به من الإرباكفى الإدراك السياسى العربى، فإيران هل هى قوة إسلامية مضافة أم هى قوة طائفية تعبر عنالتطلع للتمدد والهيمنة، هى هل قوة معادية للغرب والصهيونية، أم أنها يمكن أن تكون حليفاًمحتملاً لهذه الأطراف ضمن صفقة تاريخية يدفع ثمنها العرب؟.[56]

فالجمهورية الإيرانية هى فى جوهرها دولة ثورية، ظلت تسعي إلى إضفاء طابعها على المنطقة بأسرها. وعلى الرغم أنها قد أخفقت، إلى حد كبير، فى تحقيق هذا الهدف؛ إلا أنها قد تمكنت من جعل نفسها قوة ملموسة فى كل أرجاء الشرق الأوسط، سواء فى سوريا والعراق، أو منطقة الخليج الفارسي.[57] فعقب هجمات 11 سبتمبر 2001م، كان الهدف القضاء على تنظيم القاعدة السني المذهب بأفغانستان، فكانت إيران هى الرابح من هذا الأمر، فقد إستغل النظام الإيرانى هذا الحدث ووظفه لصالحه بكل كفاءة وفاعلية، سواء لنفوذها فى أفغانستان من خلال التأثير على النظام الأفغاني الجديد وعلى الشيعة الأفغان والذين يمثلوا 17% من عدد السكان هناك؛ الأمر الذي جعل لإيران كلمة فى تحديد شكل النظام السياسي ومستقبله فى أفغانستان.[58]

كما أن سقوط نظام صدام حسين بالعراق أعطى إيران فرصة ذهبية للتخلص من هذا النظام الذى لم ظل يحاربه أكثر من 8 أعوام فى الثمانينيات من القرن الماضي، كلفت إيران مليارات الدوولارات، واستنزفت جزءًا كبيرًا من عائدات النفط؛ الأمر الذي جعل إيران يتخلص من منافسه الإقليمي والعقائدي الذي أوقف المد الشيعي داخل المنطقة؛ وجاءت الأوضاع السياسية فى العراق فى صالح إيران؛ حيث صعدت قوي سياسية موالية لإيران ومدعومة منها عسكريًا وماديًا وإعلاميًا، وباتت إيران الفاعل الإقليمي الاول المؤثر فى الداخل العراقي،[59] مع غياب تام للقوي لعربية.

فمنذ قيام الثورة الاسلامية في ايران عام 1979م وبدأت رغبة إيران في استعادة مكانتها لتحقيق الحلم الامبراطوري وهو انعكاس للفكر الإيراني المعاصر الذي وجه ثورتها الإسلاميةونظامها السياسي مع عدم تجاهل ثوابت واضحة في التاريخ والجغرافيا وثوابت أخري تتعلق بطبيعة الشخصية الإيرانية ومواقفها تحت أى نظام حكم سياسي وتتعلق بدور إيران التاريخي إقليمياَ ودولياَ، ومن أهم الأليات لتحقيق الحلم الإيراني:

  • هوتنمية القدرات العسكرية وذلك من خلال منح الدولة قدرات عسكرية كبيرة تساعد النظام علي رفع شعار التهديد في مواجهة التهديد، تقوم إيران بمناورات متعددة الجوانب والأهداف.
  • تحجيم قدرة القوات الأجنبية الموجودة في المنطقة مع وجود إمكانية ردع هذه القوات.
  • أيضًااعتماد إيران علي تكتيك حرب العصابات والحرب المبعثرة بدلًا من الحربالتقليدية والاعتماد علي قطاع المعلومات.
  • تطوير استراتيجية الوجود العسكرى في المنطقة تتعمد إيران نقل نشاطها العسكري الي بعض الدول فتجاوزت  تجنيد العملاء الي تكوين ألية عسكرية غير إيرانية مع قيادات محلية تعمل تحت توجيهها لتحقيق استراتيجيتها في المنطقة.
  • تسعي إيران إلى التمدد الإقليمى في شكل دائرة حولها تشترك فيها الدول التي تهم إيران أيديولوجيًاَ وبها قاعدة جماهيرية شيعية كالبحرين واليمن.
  • فن إدارة الأزمةنظرًا لتوالي الأزمات المعقدة والعميقة التي تواجه النظام الإيرانى منذ قيام الثورة الاسلامية وهو ما تتطلب خصائص فريدة للشخصية الإيرانية و تحقيق المزيد من المشروعية والقبول الجماهيري للنظام.
  • وضع مفاهيم ومصطلحات جديدة و ترويجها لمعالجة أزمة الشرعية في الداخل و تحقيق المصلحة في التعاملات الخارجية.
  • تُجيد إيران فن إدارة المصالح المتعارضة مع الأخرين وحل الخلافات عن طريق المباحثات الثنائية أوالمتعددة الأطراف.
  • المشروع النووى الإيراني، يعتبرجميع الأطراف فيالداخل الإيراني سواء النخبة والشعب متفقين أن المشروع النووى الإيراني هو المقوم الأساسي من أجل بناء إيران الدولة.

فيعتبر البرنامج الإيراني النووي، أحد أكثر القضايا التى تثير الجدل بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يؤثر على التوازن العسكري الإقليمي،ويكون لإيران الدور الأول والمؤثر فى مجريات الأحداث.[60]

  • الألية الأخيرة صياغة مضمون جديد إقليمى و دولي، حيث تعمل علي صياغة مضمون إقليمى جديد من وجهة نظر إسلامية تضع له إيران استراتيجية جديدة علي المستوى الإقليمى وتقوم بتعديل بعض سياساتها الإقليمية لتتناسب مع إحتياجاتهاالسياسية والأمنية في إطار الظروف الجديد.[61]

دور إيران بالأزمة السورية

برز الدور الإقليمي لإيران ووضح بشكل قوي، تزامنًا مع الأزمة السورية، وموقفها الداعم النظام السوري يظهر مدي تمسك إيران بحماية حلفائها، وعدم تنازلها لتسوية الازمة بشكل يؤثر على مصالحها بالمنطقة، فسوريا تعتبر منفذ إيران الطبيعي للبحر المتوسط، خاصة بعد السيطرة الإيرانية الكاملة على المجريات السياسية بالعراق، وبالتالى فسوريا تكمل الإمتداد الجغرافي لإيران إلى البحر المتوسط، كما تمثل سوريا حلقة الوصل بينها وبين حزب الله بجنوب لبنان، والذى يعتبر مصدر التهديد الرئيسي لشمال إسرائيل.ولأهمية الأزمة السورية فى السياسة الخارجية الإيرانية وللدور الإيراني الكثير الأهمية فى إدارة هذه الأزمة،  علاوة على الآثار السلبية للأزمة السورية على الأمن القومي العربي، والأمن الإقليمي، توضح الدراسة بشىء من التفصيل الإجراءات الإيرانية فى سوريا منذ بداية الأزمة كما يلي:

تعتبر كل من إيران وحزب الله أن ما يحدث في سوريا مؤامرة خارجية بالتعاون مع عناصر داخل سوريا ليس فقط لإسقاط النظام ولكن لتغيير المعادلات والتوازنات السياسية والأمنية في المنطقة لصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ويضيف حزب الله إلى ذلك أن أحد أهداف هذه المؤامرة هو تفكيك وإجهاض قوى المقاومة في المنطقة[62].

ففى البداية تعامل حزب الله مع الأزمة السورية بالمساندة الإعلامية، ثم أعلنت المشاركة فى 2013، وذلك بعد تناول كثير من التقارير لدفن مقاتلين من حزب الله، فقاتل بجانب قوات النظام السورى وبدأت قوات النظام بالتقدم على قوات المعارضة بسبب قتال حلفاؤه خاصة حزب الله وإيران وذلك فى أواخر 2013 إلى منتصف 2014.

ثم تراجع النظام وحزب الله مرة أخرى بسبب استنزاف الجيش السورى بسبب الانشقاقات والهروب والخسائر البشرية وفى المعدات، كما تم استنزاف حزب الله أيضًا بسبب انتشار المعارضة فى كل ارجاء سوريا بالمقارنة مع حجم الحزب، وأيضا بسبب التغييرات الفعالة فى خطط المعارضة، كما كان لعملية عاصفة الحزم فى اليمن أثرها فى هذا التراجع حيث تم تشتيت ايران فبدلا من التركيز على جبهة واحد وهى سوريا وتمويل حزب الله، أصبحت اليمن وتمويل الحوثيين أيضًا، مما شكل عبئًا على الإقتصاد الإيرانى الذى يعانى منذ سنوات بسبب العقوبات الدولية[63].

ولكن إيران بمساندتها لنظام الاسد سواء عن طريق تمويل وتسليح حزب الله، أو ارسال مجموعات من الحرس الثورى الإيرانى للأراضى السورية لتنفيذ مهام قتالية كانت أو تدريبية، فإنها ترسل رسالة مفاداها أن اى مبادرة لحل الأزمة السورية لابد وأن تمر عن طريق طهران، وأن اى تجاهل لها سيؤدى لفشل تلك المبادرات، وأن اى عمل عسكرى غربي أو لإقليمى ضد النظام بسوريا سيواجه برد فعل عنيف من إيران، ذلك لأن سوريا هى مجال التمدد الإقليمي لإيران[64].

وعلى الرغم من أن الشراكة بين إيران وسوريا هى شراكة استراتيجية أكثر من تعاون متبادل بين دولتين فهناك تناقض أيديولجى فايران جمهورية إسلامية حكمها إسلامى، والنظام السورى هو نظام بعثى علمانى إلا أن العداء مع صدام حسين فى الثمانينيات، والخوف المشترك من الولايات المتحدة وإسرائيل كلها أسباب ساعدت على توثيق العلاقة بينهم.

ومما لا شك فيه أن إيران تشعر بقلق بالغ إزاء الآثار الجيوسياسية لتغيير النظام فى سوريا فالأغلبية الساحقة من السكان السوريين هم من العرب السنة، فالتخوف من سقوط الأسد فى وصول نظام سنى طائفى معادى لإيران الشيعية منحاز للقوى إقليمية معادية وخاصة للمملكة العربية السعودية؛ كل هذه العوامل دفعت إيران لدعم الأسد بقوة.[65]

فقد دعمت إيران النظام السورى ماديًا، حيث ضخت عشرات المليارات التى تقدر 35 مليار دولا، من أجل دعم وحماية النظام من السقوط، كما ضمنت استمرار توريد النفط إلى سوريا وبكميات كبيرة، ودعمته سياسيًا فقد سخرت إيران كل علاقاتها الدبلوماسية وإمكانياتها الإعلامية للدفاع عن النظام السورى، أن ما يحدث هو مؤامرة تستهدف النظام الذي يتعرض لهجمات من جماعات إرهابية وتكفيرية، فيقول وزير الخارجية الإيرانى لولا دعمنا للنظام السورى لوجدنا داعش يحكم دمشق، علاوة على دعمها عسكريا من خلال إمداد النظام السوري بجميع انواع الأسلحة، كما تتواجد عناصر قيادات الحرس الثورى كما ذكرنا بسوريا، فوفقًا للتقارير فإيران هى من تقود المعارك وتوجه الجيش النظامى السوري.[66]

وقد نتج عن التدخل العسكرى لحزب الله وإيران مجازر وجرائم ضد الإنسانية حسب تقرير لجنة التحقيق الدولية سوريا وخاصة فى القصير، وتحدث التقرير عن استخدام حزب الله صواريخ محمولة شديدة الانفجار تؤدى إلى خسائر بشرية كبيرة وتحدث دمارًا هائلًا فى المبانى،وإزدياد وتيرة الهجرة بسبب اعتماد النظام السوري وحلفاؤه (إيران وحزب الله)، العقاب الجماعى دون التفرقة بين المسلحين والمدنيين.[67]

كما أدى هذا التدخل إلى تعثر العملية التفاوضية والتسوية السياسية، حيث استمرار العنف والعنف المضاد أحد أهم أسباب فشل جهود التسويات؛ كما كانت سببًا فى انتشار التطرف على الحدود بسبب نزوح المهاجرين مما ادى لتزايد نفوذ الجماعات الجهادية على الحدود، ونظرًا لعدم قدرة النظام السوري بالسيطرة على الحدود؛ انتقل العنف الطائفى خاصة والفكر الجهادى إلى دول الجوار السوري خاصة لبنان، وتحويلها إلى أزمة أمنية إقليمية.

الدور الإيراني بالأزمة اليمنية

تتضح التحركات العسكرية الايرانية في اليمن، من خلال دعم الحركات الشيعية والحركات الانفصالية، حتى أصبح اليمن ساحة حرب مشتعلة. وامتد المد الإيراني في اليمن عبر الطائفة الشيعة والتي تمثل الأقلية، ويغلب عليهم المذهب الزيدي، وتقدر نسبتهم بنحو 30% من إجمالي السكان، ورغم ذلك تقود إيران الحرب الدائرة في اليمن عن طريق جماعة أنصار اللـه الشيعية المعروفة باسم جماعة الحوثيين، التي تخوض بدعم إيران حروبا قوية للسيطرة على العديد من المحافظات.

ويرى عدد من المراقبين أن الدعم الإيراني للحوثيين، من أجل تفتيت الوحدة اليمنية- يأخذ أشكالا متنوعة منها الدعم السياسي على كل المستويات الدولية والإقليمية لتقبل الحوثيين كفاعل رئيسي ومهم في اليمن، فضلا عن الدعم الديني عن طريق حشد وتجنيد الشباب في صفوف الجماعة من مُنطلق مذهبي فمعظم قادة حركة الحوثيين ثم تدريبهم في إيران، هذا بجانب الدعم العسكري الذي تقدّمه إيران من خلال تدريب وتسليح مقاتلي الجماعة بأحدث الأسلحة المتطورة، وهو ما تم الكشف عنه بشكل صريح أخيرًا ففى أوائل شهر مايو من العام الجاري وفى التقرير السري لخبراء الأمم المتحدة تم التأكيد على أن إيران تقدم أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن منذ عام 2009 على الأقل، حيث كشف التحقيق الذي أجراه الخبراء، أن السلطات اليمنية عندما اقتادت عام 2013 سفينة جيهان الإيرانية كانت تنقل أسلحة إلى الحوثيين، وذكر التقرير أن الدعم الإيراني العسكري الحالي إلى الحوثيين في اليمن يتسق بشكل لا يمكن التشكيك فيه مع أنماط نقل الأسلحة منذ خمس سنوات وحتى الآن.[68]

منذ عام 2012م، وإيران تحاول الاستفادة من العوامل المتغيرة في اليمن، ومن ثم فقد قدمت كل التسهيلات لحركة الحوثيين على أمل أن تصبح مثل حزب اللـه في لبنان مجرد أداة في لعبة طهران الإقليمية.

وبالتالى فإيران مطوقة المنطقة العربية وخاصة دول الخليج، من الشمال تواجدها بسوريا والعراق، ومن الجنوب تواجدها باليمن، والهدف نشر المذهب الشيعي وإضعاف الدول الأخرى وإنهاكها، وإختراق أمنها القومي، لتحقيق مصالحها الإستراتيجة والمتمثل فى زعامة الإقليم.

  • الدور التركي

تربط تركيا علاقات طيبة بالدول العربية، وتجاه التقارب مع العالم العربي لم تتغير سياسة تركيا منذ وصول حزب العدالـة والتنميـة بـل إنهـا تتقـدم باضــطراد ومــع معظـم الــدول العربيـة، حيـث أن تركيــا خرجــت مـن أن تكــون قـوة معاديــة للعرب كمـا كانـت خـلال الحـرب البـاردة، كمـا أن الانتمـاءات الإسـلامية لحـزب العدالـة والتنميـة لعبـتدورا مهمــا فــي تعزيــز هــذه العلاقــات والتوجــه شــرقا.

سعى حزب العدالة و التنمية لإقامة علاقات أفضل مع الشرق الاوسط ارتكزت فيها انقرة على ما تسمى سياسة تصفير المشاكلات مع المحيط الاقليمي، مما دعاها الى إعادة صياغة أنشطتها الاقليمية في الشرق الاوسط، وتربع العراق على هرم أولويات السياسة الخارجية التركية الاقليمية التي ساندت باستمرار التكامل الاقليمي للعراق من خلال مساعي دبلوماسية متعددة المستويات ولأبعاد على المستوى الاقليمي والدولي ومحاولة بناء تفاهم مشترك وآلية دبلوماسية جماعية لاحتواء أزمته، وفي مرحلة ثانية، لعبت تركيا دور وسيط سلام في المنطقة العربية فبدأت في تعميق علاقاتها مع الشرق الاوسطوتزايدت الاستقلالية الاستراتيجية لتركيا تدريجيا بفضل تنويع أنشطة السياسة الخارجية مع مختلف دول المنطقة العربية فانتقدت رسميا و بشدة اسرائيل كما نادت هذه الاخيرة بانهاء الاحتلال الاسرائيلي و إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية وأيدت المبادرة العربية للسلام.[69]

غير أن السياسة الخارجية التركية واجهت منذ عام 2011م، عددا من التحديات التى فرضتها التطورات فى الإقليم والظروف الداخلية فى تركيا، وعلى رأسها ثورات الربيع العربي، والتى تغيرت معها المنطقة جيوسياسيًا، تجاوزت تأثيراتها دول الجوار، وأكثر الدول تأثرًا كانت تركيا، نظرًا لقربها الجغرافي، من المنطقة العربية خاصة سوريًا التى تربطهما حدود واحدة. وساندت تركيا فى بداية الثورات كل الدول العربية المطالبة بالديمقراطية، وشاركت دبلوماسيا فى دعم تلك الثورات وخاصة الحالة السورية، ولكن القوى الإقليمية الأخرى تسببت بعدم قدرة تركيا على تولي دور قيادي مستمر وفعال فى تحولات الربيع العربي.[70]

تمثَل خطر تركيا على الأمن القومي العربي مؤخرًا، وبالتحديد مع بداية ظهور الأزمة السورية، ودور تركيا فى تطور الأزمة.

  • تركيا والأزمة السورية

فتكمن أهمية سوريا جيوستراتيجيًا بالنسبة إلى تركيا فى أنها تشكل المحور الأساسي لسياسة تركيا على الصعيدين الاول مرتبط بالسياسة التركية الشرق متوسطية وتوازناتها، حيث يشكل مثلت (تركيا، سوريا، مصر) توازنات خط شرق المتوسط، والثانى مرتبط بالسياسة التركية فى الشرق الأوسط ضمن الإستراتيجية التركية الكبرى[71].

فى الأزمة أخذت تركيا موقف الضغط على النظام السورى لإجراء تعديلات ديمقراطية وإصلاحية، ولكن مع التعامل العنيف ضد المتظاهرين، تغير موقفها لدعم المعارضة.

فقدمت تركيا خلال هذه الفترة الطويلة الدعم للمعارضة السورية على عدة مستوايات وأبعاد منها الإعلامي والسياسي والإغاثى واللوجستى، وحتى العسكرى وإن لم يتم الإعتراف بذلك علنيًا، فقد استضافت تركيا معظم القيادات السياسية للمعارضة السورية، وأغلب مؤتمرات المعارضة، ورافقت كل مراحل تَشكُل هذه المعارضة من المجلس الوطنى إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، وساهمت فى تشكيل اعتراف دولى بالمعارضة السورية، كما استقبلت أكثر من ثلاثة ملايين لاجىء سورى ضمن سياسة الباب المفتوح، كما يعتقد انها أمدت بعض الفصائل بالسلاح خصوصًا الجيش الحر فى شمال سوريا[72].راهنت تركيا على إمكانية إسقاط النظام السوري بسرعة، بعد أن انتفض الشعب السوري بصورة لم تكن متوقعة، غير أن مجريات الأحداث خلال ما يقارب الثلاث سنوات من عمر الأزمة السورية أدت إلى نتائج كانت تخشاها تركيا.

لكنها تخلت عن شعار إسقاط الأسد والقبول بالحل السياسي والمتمثل في خطة لفترة انتقالية بجدول زمنى وفقاً للإتفاق الأمريكى-الروسي في فيينا، مما يعنى الموافقة الضمنية ببقاء الأسد على رأس السلطة.

وتراجع الموقف التركى لعدة عوامل منها حالة الشد والجذب بين قوات النظام والمعارضة فى الداخل السورى، فلا يوجد فريق متفوق على الآخر، والعامل الأساسي هو تراجع الدور التركى بشكل واضح بعد التدخل العسكري الروسي المباشر، والاتفاق الأمريكى-الروسي على سقف وخارطة طريق الحل، ضمن بنود شملت هدفًا وهو محاربة الإرهاب ومن يخرج عن هذا الإتفاق يعتبر داعمًا للإرهاب[73].

ثم وبعد أحداث إسقاط الطائرة الروسية من قبل قوات الحدود التركية، قد فقدت تركيا اى أمل فى إحداث أى دور فعال فى الحالة السورية، فيما يتعلق بإسقاط النظام أوترجيح كفة المعارضة، وأصبح هدفها الأول حماية حدودها وأمنها القومى من تطورات الأزمة السورية.

فأصبحت تركيا فى موضع دفاع عن مصالحها من جراء الأزمة السورية، فأصبحت المصالح التركية فى خطر خاصة علاقاتها مع روسيا، وفرض عقوبات روسية عليها جراء حادثة اسقاط المقاتلة الروسية، وأصبح الإقتصاد التركى فى خطر خاصة قطاع السياحة المعتمد على السياح الروس، فكان الأهم فى هذه الفترة هو رجوع علاقات موسكو وأنقرة كما كانت، وفى سبيل ذلك تقبلت تركيا حظر الطيران التركى من التحليق فوق الأراضى السورية أو الإقتراب من الحدود.

كما تشكل قوات الحماية الكردية خطرًا على الداخل التركى خاصة وأن هذه القوات التى تدعمها كل من روسيا والولايات المتحدة لإقامة شريط كردى محاذ للحدود التركية الروسية، هى الذراع العسكرى لحزب الإتحاد الديمقراطى الذى تعتبره تركيا الإمتداد السورى لحزب العمال الكردستانى[74]. وشهدت هذه المرحلة ارتفاع وتيرة التنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية مع ملاحظة الانسحاب القطرى من الأزمة السورية.

وبالتالى لم تعد الأزمة السورية بالنسبة لتركيا مشكلة دولة جوار، بل أصبح شأناً داخليًا لتركيا، فقد تم فصل المعارضة فى حلب عن التواصل الجغرافى مع تركيا الأمر الذى له انعكاسات على الأزمة السورية والمعارضة والقوى الإقليمية الداعمة لها، كما هناك المشروع الكردى فى شمال سوريا، والذى يهدد تركيا بتقسيم أراضيها او حكم ذاتى للأكراد القانطين داخل أراضيها.

  • التعاون الأمنى التركي-العربي.

عدة عوامل امنية ا تلعب دورا أساسيا في تحديد العلاقات الخليجية-التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة، إذ انتقلت العلاقات من الطابعين السياسي والاقتصادي إلى الطابعين الأمني و العسكري، وقد ارتبط ذلك بعدد من المحددات منها طبيعة التطورات الإقليمية وارتفاع وتيرة الصراعات في المنطقة العربية خاصة في ظل تبني تركيالمقاربات سياسية وأمنية تتلاقى والرؤى الخليجية، بداية بالغزو الأمريكي للعراق التي رأت فيه كل من تركيا ودول الخليج بداية لبسط النفوذ الإيراني ولا سيما بعد تصاعد الإحتقان الطائفي والمذهبي في العراق والذي يمثل تهديدا مباشرا لدول الجوار؛[75] مما دفع بتركيا إلىادراك المصالح المتشابكة والتهديدات المشتركة مع دول الخليج؛ و تخوفا من المشروع التوسعي الإيراني في منطقة الشرق الاوسط، ويجسد إنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين السعودية و تركيا الذي أعلن عنه وزيرالخارجية السعودي في ديسمبر 2015م،لتناغم رؤية البلدين في عدة قضايا إقليمية أهمها الأزمة السورية، ليمثل خطوة مهمة في التعاون والتوافق بين البلدين من شأنها تنسيق الجهود لمواجهة الاٍرهاب وإيجاد حل للازمة السورية والتصدي للنفوذ الإيراني ودعم القضية الفلسطينية وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.[76]

أما فيما يتعلق بالتدخل العسكري للقوات التركية فى شمال العراق، لم يكن حادثا عرضيا،بل كان مخطط له،وضمن اتفاق بين أربيل وأنقرة،كما ذكرت صحيفة (حرييت)  التركية المعارضة،بعد موافقة مسعود بارزاني على منح تركيا قاعدة عسكرية في (بعشيقة)،ووقع الإتفاق مع البارزاني وزير الخارجية التركي الأسبق خلال زيارة سرية قام بها، إلا أن تقارير موثوقة أفادت أنه منذ أكثر من سنتين ونصف السنة توجد قوات تركية في شمال العراق لتدريب البيشمركة،ودخلتقوات تركية إضافية، ودخلت معسكر زليكان شمال بعشيقة التي تبعد 27كم غرب الموصل ليصبح مجموع العسكريين الاتراك في المعسكر نحو1000عسكري.[77]

وعلى الرغم من إتهام بعض الجهات الدولية لتركيا بدعم الإرهاب فى سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، إلا أنه لا يوجد دليل ملموس على تلك الإتهامات، فمن العرض السابق للتحركات التركية فى الفترة الأخيرة بالمنطقة، لا يوحي بأية تهديدات حقيقية للأمن القومي العربي، بل بالعكس هناك تنسق وتفاهم مشترك بين تركيا ومعظم الدول العربية، لما يحدث فى الإقليم، كما أن هناك رؤى أمنية مشتركة للحد من الأخطار الأمنية بالمنطقة.

مظاهر تنافس القوي الغير عربية على زعامة الإقليم.

فى ظل التغيرات التى يمر بها إقليم الشرق الأوسط، تتنافس القوى المختلفة خاصة الغير عربية على قيادة الإقليم الشرق الأوسطي، وأكثرهم وضوحًا وتجذرًا، التنافس الإيراني التركي، فعلى الرغم من إمتلاك إسرائل كافة المقومات التى تجعلها لاعبًا إقليميًا مهما فى المنطقة، فهى متقدمة اقتصاديًا، وعسكريًا، وأمنيًا، علاوة على إمتلاكها استراتيجية ومصالح تسعي لتحقيها بالمنطقة، إلا أنها من المستبعد أن تقوم بهذا الدور؛ يرجع  ذلك لعدم قبولها من معظم دول الإقليم، نظرًا لتاريخها الصراعي، وأيديولوجيتها العسكرية المعادية لشعوب المنطقة كافة بلا استثناء، حتى وإن كانت تربطها معهم بعض علاقات التطبيع الاقتصادية والأمنية، فستظل إسرائيل غير مقبولة كفاعل إقليمي مؤثر سواء من قبل الدول أو شعوب المنطق؛ وبالتالى تركز الدراسة على التنافس التركي الإيراني على قيادة وزعامة الإقليم.

فتزايد الدور الإيراني والتركي فى المنطقة مؤخرًا، فكلٌ منهم لديه مشروعًا مختلفًا فى الإقليم لكن يهدف فى الأخير إلى قيادة الإقليم، فإيران هدفها كما ذُكر تصدير الثورة الإسلامية الشيعية للتوسع، وبسط النفوذ الإيراني فى منطقة جنوب غرب آسياوهي المنطقة العربية متمثلة فى الجزيرة العربية والشام، مستخدمة عددً من العوامل والظروف الدينية، والسياسية، والتاريخي، والاقتصادية لتحقيق أهدافها المنشودة، من خلال دعم القضية الفلسطينية، ودعم الأقلية الشيعية فى بلدان الإقليم خاصة العربيةويسمى هذا المشروع ( الإستراتيجية الوطنية-نظرية أم القري)، علاوة على مشروع (الاستراتيجية الإيرانية العشرينية 2015-2025)، والذي يقدم إيران كقوي دولية، ومصدر إلهام للعالم الإسلامي، بحيث من خلاله تلعب قيادة دور اقتصادي وأمني وتنظيم سياسي للمنطقة بالتعاون مع بعض القوى بالإقليم، تلك الرؤية الخمينية وكي تتحق يلزم إقامة حزام شيعى متصل من إيران إلى العراق ثم لسوريا ومنها إلى لبنان.[78]

ولا تختلف تركيا عن إيران فى إمتلاك مشروع إقليمي، والمتمثل فى استعادة الدور التركي كقائد فى المنطقة، فالمشروع التركي يركز على الاستقرار فى الإقليم وتعميق الروابط الاقتصادية، لفتح أسواق أكبر للمنتجات التركية المختلفة.

وتوصَف العلاقات التركية-إلايرانية بأنها ليست حميمة ولا عدائية ويعود ذلك إلى الحساسية الفائقة التي تحكم العالقات بينهما لأسباب تاريخية تتعلق بالنظرة المتبادلة إزاء الصراع العثماني الصفوي وأسباب معاصرة تتعلق بالأيديولوجية السياسية للبلدين والتنافس بينهما على النفوذ في آسيا الوسطى والشرق ألاوسط، فضلًا عن القضايا الأمنية المشتركة عبر الحدود.

ولقد أدى الإحتلالألامريكي للعراق إلى نتيجة واضحة في التنافس التركي-الإيراني على اعتبار أن كل من أمريكاوإيران أصبحا ألاقوى على الساحة العراقية فالأول يحتل العراق عسكريا، والثاني يحكم ويتحكمفي مقدرات السلطة في بغداد عن طريق، وعلى الرغم من إمتالك تركيا وإيران لقواسم مشتركةواضحة فكالهما دولتان غيرعربيتان تحيطان بالدول العربية من الشمال وتجمعهما مصالحمشتركة في لجم الطموحات الكردية ضمن حدودهما السياسية، إلاأن هناك معوقات حالت موضوعيا دون تطوير هذه العلاقات إذ يخوض البلدان منافسة تاريخية على الزعامة الإقليمية منذ خمسة قرون مضت،فضلًا عن تعارض تحالفاتهما الإقليمية والدولية وتباين السبل التي يستخدمها الطرفان في المنطقة.[79]

فتركيا لن تؤيد ضرب إيران عسكريا لحل أزمة ملفها النووي لأن ذلك بالطبع سيرتد على تركيا ومصالحها في المنطقة، في الوقت الذي تعارض فيه تركيا إمتالك إيران لقدرات نووية لأن ذلك سيحسم التنافس التاريخي على الزعامة بين تركيا وإيران لمصلحة ألاخيرة لذلكغالبا ما تتوسط تركيا في محادثات الملف النووي الإيراني باعتبارها المرجعية الإقليمية الأولى في المنطقة.

ومؤخرًا ثمة دوافع تغذي التوتر بين البلدين، كمعارضة تركا لمشروع إيران الذي يعتمد على توظيف الطائفية فى دول الجوار كذراع عسكري وسياسة لبناء مشروعها التوسعي القومي فى دول الإقليم، مستغلة الأحداث الجديدة والإنفلات الأمني خاصة فى المنطقة العربية، ومن جهة أخرى ترى إيران أن الوجود الشيعي فى المنطقة العربية يشكل أقلية متناثرة وسط أكثرية سنية متصلة جغرافيًا، ولإختراق الجغرافيا السنية؛ لابد من إحداث تغييرات ديموغرافية فى الكتلة البشرية بالمنطقة العربية، والتى تمتد من الموصل إلى حلب، مرورًا بمدن عراقية أخري، وبموازاه مع الحدود التركية مع سوريا والعراق؛[80]الأمر الذي يهدد مصالح تركيا الحيوية فى مشاريع نقل وتصدير الطاقة بالمنطقة؛ كما يؤثر أيضًا على الأيديولوجية التركية فهى دولة سنية، والإستراتيجية الإيرانية قائئمة على نشر المذهب الشيعي بالمنطقة ولا تستثنى تركيا، بل والعالم.

وبناءًا على ما تقدم نجد أن كفة إيران هى الكفة الراجحة والأكثر نشاطًا على مستوى القوي الإقليمية.

ومن ذلك نستنتج أن الصراع على النفوذ بالشرق الأوسط والرغبة في التمدد الإقليمي أمرًا مستمرًا للعلاقات الإيرانية التركية؛ الأمر الذي يترتب عليه عم إستقرار الإقليم سياسيًا وأمنيًا، والمتضرر الوحيد من ذلك هم الدول العربية وأمنهم، فمع غياب الدور الإقليمي العربي فى الشرق الأوسط يجعل منهم وسائل لتحقيق مصالح تلك القوى الفاعلة.

وضع الدول العربية بالإقليم وما يجب عليها فعله لمواجهة الاخطار الأمنية

يعتبر وضع الدول العربية سيئًا للغاية وتراجعًا على جميع المستويات(الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، و…)،خاصة بعد ثورات الربيع العربي؛ فقد احتلت الدول العربية المراكز العليا في معظم المؤشرات التي تتعلق بالفساد والإرهاب والفقر وانتهاكات حقوق الإنسان، وبالطبع تؤثر حالة التراجع هذه على الدور التى يمكن أن تلعبه الدول العربية إقليمًا، ويؤثر أيضًا على مدي فاعلية سياساتها لمواجهه هذا التراجع. وفيما يلي تعرض الدراسة لأهم أسباب عدم الإستقرار الأمني، وما الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة تلك الأخطار.

  • عواملعدم الاستقرار الأمني

بعد الثورات العربية قد انكشفت الأنظمة الشمولية، وعجزت عن مواجهة التهديدات الأمنية الغير تقليدية الجديدة، حتى التهديدات التقليدية كحماية الحدود عجزت عنها هي الأخري، فقد أصبحت الحدود العربية وأمنها متداخلة مع أمن الإقليم والعالم؛ لتواجد جماعات إرهابية مسلحة متركزة على الحدود، كما تمثل تدفقات اللاجئين ذات الأعداد الكبيرة معضلة أمنية لا يمكن التحكم أو التنبؤ بأخطارها الأمنية، كما أن تلك الجماعات الإرهابية لا يعترفون بوجود الحدود، فتهديداتهم  عابرة للحدود؛[81] مستغلين غياب الهوية والثقافة العربية الموحدة، والاقتصاد الضعيف واتشار الفقر، بمعنى أصح تستغل تلك الجماعات الإرهابية فشل الدول العربية للقيام بتحقيق أهدافها. أضف لذلك الدول الإقليمية الفاعلة هى الأخرى تستغل عوامل الضعف العربية تلك لتنفيذ خططها وأهدافها فى لعب دور قيادة بالإقليم.

وتلخص الدراسة عوامل عدم الاستقرار الأمني فى 4 أسباب وهى:

  1. العواملالثقافية.
  2. العواملالاقتصادية.
  3. التركيز على الحل العسكري فقط لمواجهة الأخطار الأمنية.
  4. ضعف المؤسسات الإقليمية العربية، وغياب استراتيجية إقليمية عربية واضحة.
  • العوامل الثقافية.

على الرغم من أن المنطقة العربية تجمعها لغة واحدة، وتاريخ واحد، وأغلبية دينية واحدة(المسلمين السنة)، أى ما يمكن أن يطلق عليه ( ثقافة واحدة)، إلا أنها مليئة بالصراعات الثقافية، كالصراعات الطائفية، والقبلية، وغيرها من الصراعات التى فى مجملها نابقة من أساس ومفهوم ثقافي؛ يرجع ذلك لإنهيار الهوية العربية التى تنصهر بداخلها جميع الطوائف والقبائل. فتتعرض الهوية العربية للتسييل فى اتجاه الهوية الشرق أوسطية، ومحاولة تهميشها من قبل القوي  الغير عربية الإقليمية كإيران وتركيا.

كما أنه يجب الاعتراف بأن العرب لم ينتبهوا إلى الحقبة الجديدة لتاريخهم التي بدأت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وما نشأ من مستجدات نتيجة هذا الاحتلال، وخصوصاً دخول إيران كلاعب له طموحات كبيرة، وصعود التطرّف المضاد للهوية العربية؛والتى يتأكد  بأن الطموحات الإيرانية تتجاوز الجغرافيا العراقية، وأن المنظمات المتطرفة تتجاوز بأحلامها ومخططاتها ما سمي ب ((مقاومة الاحتلا))، وستأخذ بالتمدد على حساب الدول الوطنية، فهي تعرّف نفسهابالسلب مع المشاريع الوطنية والقومية العربية، مستفيدة من تداعي المقومات الوطنية في غير بلد عربي (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا).[82]

وفي حالٍ كهذا، راحت تطفو على السطح هويات دينية ومذهبية في حالة من الدفاع عن النفس، وكتعبير عن عجز مزمن في صياغة هويات وطنية غير متناقضة مع الهوية العربية، بدأت تلك الهويات تجد تعبيراتها السياسية والإعلامية، بالتزامن مع غياب أية فاعلية تذكر على مستوى الخطاب العربي، ومن دون وجود مساعٍ حقيقية لدرء مخاطر هذا الصعود للهويات القاتلة.

وتكمن واحدة من أبرز مشكلات الأمن القومي العربي في التعاطي مع مفهوم الأمن القومي من دون أي اعتبار لمفهوم الهوية، وترك الساحة الفكرية والإعلامية لصعود الهويات الفرعية، ما يجعل من مفهوم الأمن قاصراً بالضرورة، إذ لا يمكن لأي مفهوم عن الأمن القومي لا يأخذ مسألة الهوية بالحسبان أن ينتج أدوات فاعلة في مواجهة مخاطر خارجية بهذا الحجم الذي يواجهه العرب اليوم، والذي من شأنه عدم ترك الساحة لتلك الهويات بأن تطيح بأية محالة لمنع تدهور منظومة الأمن القومي.

إن مسألة الهوية ليست مجرد شعار يرفع، وهو الأمر الذي أثبت فشله منذ خمسينات القرن الماضي، بل هو مسألة خيار استراتيجي، كما أنه مرتبط أشد الارتباط بمسائل لا تقل عنه أهمية، مثل المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تسمح بخيار الهوية القومية بأن يكون خياراً داعماً للبنى الوطنية، وليس منفصلاً عنها، أو متناقضاً معها، وهذا ما يتطلب جرأة كبيرة من قبل النخب الحاكمة اليوم في العمل على مسارين في الوقت نفسه، مسار تعزيز الهوية العربية لدرء مخاطر الأمن القومي من أطماع الخارج، ومواجهة الهويات القاتلة، ومسار تعزيز التعددية السياسية والتنمية وحقوق الإنسان من أجل تعزيز مناعة الدول من الداخل.

ومع كل تلك الأخطار الأمنية الجديدة والصراعات التى تخوضها الدول العربية فى محاربة الإرهاب، والصراعات الطائفية وغيرها؛  تم سلب حريات الأفراد وتحويل أى قضية إلى قضية أمنية، الأمر الذي يعزز النزعات التطرفية من قبل الأفراد داخل إقليم الدولة، ومقت الأنظمة الحاكمة ونمو النزعات الطائفية والإثنية، خاصة مع غياب هوية واحدة عادلة، ترسخ مفهوم المواطنة وأن الوطن للجميع.فمع اهتمام الدول بنشر الديمقراطية ومبادئها القائمة على العدالة فى توزيع الثروة، يزداد وعي الشعوب، واحساسهم بالعدل؛ وبالتالى يقل خطر تزايد الصراعات الطائفية والفئوية؛ نتيجة تأصيل قيم العدل والكرامة وحقوق الانسان؛ الأمر الذي يجعل المواطن العربي يشعر بوطنيته،[83] ويزداد انتماؤه لهويته العربية العادلة التى لا تفرق بين أى طائفة، فالكل مواطنون متساوون فى الحقوق، وزيادة الرفاهية تؤدي لعدم الإنغراس ضمن أفكار طائفية رجعية هدامة؛ الأمر الذي ينتج عنه اختفاء الصراعات القائمة على أسس ثقافية، وبالتالى ينتشر الأمن والسلام بالمنطقة.

  • العوامل الاقتصادية

مع انتشار البطالة، وانتشار الفقر؛ تتزايد الصراعات الداخلية التى ما تلبث أن تتمدد خارج حدود الدولة، من خلال هروب المواطنين خارج اقليمهم كنازحين من الصراعات الدامية بدولتهم، والذي بدوره يزيد من العمليات الإرهابية، وانتشار الجرائم كالإتجار بالبشر، والمخدرات، وبالتالى تنتقل الدولة بدلًا من التنمية الإقتصادية لتحسين دخل الفرد والتقليل من الفقر، إلى الإهتمام بالقضايا الأمنية الطارئة.

فلم يكن اقتصاد الدول العربية قوي بالأساس قبل نشوء الأزمة الأمنية الحالية، فلنا أن نتخيل كيف أصبح بعد؟. فقد زاد استمرار وطول أمد الصراع من تفاقم الأزمة الاقتصادية للدول العربية، وزيادة البطالة، وزيادة معدلات التضخم.

وتعتبر الدول العربية شعوب استهلاكية وليست منتجة معتمدة فى دخولها على الموارد الطبيعية كالنفط والمعادن، معتمدة على استيراد المنتجات التكنولوجية، والصناعية، والعسكرية، وحتى الغذائية؛ الأمر الذي يجعلها فى زيل قائمة الدول النامية.

كما تقع أنواع الخدمات المتوافرة في البلدان العربية في أدنى سلسلة القيمة المضافة، ولا تضيف إلا القليل إلى تنمية المعرفة على المستوى المحلي وتضع بذلك البلدان العربية في مراتب متدنية في الأســواق الدولية، فرغم تشابه هـذه الظاهرة، وهو نمو قطاع الخدمات بما يحدث في الـدول الرأسمالية المتقدمة، إلا أن الفارق يكمن في نوع تلك الخدمات، فنمو القطاع الثالث أو قطاع الخدمات في الدول الرأسمالية مرتبط بنمو الخدمات المصرفية وأعمال التأمين وأعمال التسويق والخدمات الاستشارية وخدمات النقل الدولي والإعـلان والاتصالات وقطاع المعلومات، وهي في بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية تعبير عن تضخم البيروقراطية وشبه الخدمات المنزلية، وضخامة أجهزة الأمن والقوات المسلحة وتدني إنتاجية العمل في أعمال التشييد والصيانة وإصلاح السلع المعمرة.[84]

كما أن البلدان العربية قاطبة ليست بلدانا صناعية بالمعنى الحقيقي، ففي ظل غياب إن السياسات التنموية القائمة على توافر عنصر الإرادة الفاعلة والصلبة من أجل إنجاز مهمة التحرر الاقتصادي، وفي ظل احتياج المراكز الرأسمالية العالمية لبلدان الأطـراف، فإن الأقطار العربية على ما هي عليه الآن لم ولن تستطيع أن تصبح دولًا صناعية ذات شأن،وإذا ما تمت إضافة عنصري تعمق التجزئة العربية واستمرار المسار التنموي المعوج والمشوه الذي ما زالت الحكومات العربية متمسكة به، فلن يكون هذا القول تجنيًا على الوقائع، أو ميلا إلى نزعة تشاؤمية؛ فالإقتصاد العربي مازال يقوم بوظيفته التقليدية بالنسبة إلى التقسيم الدولي للعمل وإلى حد بعيد، حيث ما زال يقدم المواد الأولية التى بدأت فى النضوب ليستورد مكانها سلعًا تامة التصنيع، فالصناعة تعتبر هى المنفذ الوحيد للخروج من هذا الواقع القاسي بالدول العربية، وتفتح المجال للنمو الاقتصادي، وبالتالى القدرة على المنافسة الاقتصادية العالمية، والتأثير على مجريات الأمور السياسية والتغيرات الأمنية بالمنطقة، على الأقل سوف تستطيع أن تواجه تلك المخاطر وتتغلب عليها؛ فالصناعة أساس الاقتصاد الناجح المؤثر.[85]

كما تعد البطالة من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الاقتصادي في معظم البلدان العربية، علاوة على انتشار الفقر فى الدول العربية خاصة بالسودان ومصر والعراق واليمن، والفقر مفهوم للتعبير عـن حـرمـان الـمـرء من الـفـرص والــقــدرات ويـمـكـن قـيـاسـه بـاسـتـخـدامدلـيـل الـفـقـر الـبـشـري، والــذي قـوامـه ٣ مكونات أساسية: طول العمر، مستوى المعيشة، المعرفة، يقاسالمكون الأول بنسبة السكان الذين لا يتوقع أن يبلغوا الأربعين من العمر،المكون الثاني هو قيمة مركبة تقاس بنسبة السكان الذين يحصلون على المياه النظيفة ونسبة الأطفال نـاقـصـي الــوزن مـمـن هـم دون الـخـامـسـة مـن الـعـمـر، والمكون الثالث يـقـاس بـمـعـدل الأمـيـة بين البالغين؛ وبموجب دليل الفقر البشري هذا تصنف البلدان التي تحصل على أكثر من ٣٠ بالمئة في مرتبة مرتفعة على سلم الفقر البشري، والبلدان التي تحصل على أقـل من ١٠ بالمئة في مرتبة منخفضة على سلم الفقر البشري، أما النسب المئوية الواقعة بين هذين المعيارين فتشير إلى درجة متوسطة من الفقر البشر.إن نتائج الفقر البشري ترتبط بشكل وثيق مع الدخل، فالبلدان ذات الدخل المنخفض تشهد أعلى مستويات من الفقر البشري (٣٥ بالمئة)، وبذلك فإن انخفاض الدخل يشكل انتقاصا مستويات المعيشة والصحة والتعليم، وعلى إثر الهبوط المسجل في معدلات فقر الدخل، انخفضبمرور الوقت كذلك انعدام الأمـن الناجم عن الفقر البشري في كل البلدان العربية بنسبة الثلث تقريبًا.[86]

ثم ننتقل للمشكلة الاقتصادية الأكبر وهى أمن الغذاء بالوطن العربي، والذي يعتبر واحدة من أكثر مناطق العجز الغذائي ومـن أكثرها تبعية غذائية في العالم؛ حيث تحولت من مشكلة تجارية تؤثر في ميزان المدفوعات العربي في المرحلة الأولـى إلـى مشكلة اقتصادية تؤثر فيمجمل التنمية الاقتصادية في مرحلة ثانية إلى مشكلة سياسية في مرحلتها الراهنة، نظرًا إلى كون توفير الإمكانات المطلوبة من الغذاء المستورد أصبح معرّضًا فى الوقت الحاضر للكثير من احتمالات الضغوط السياسية، وبالتالى أصبح الأمن الغذائي فى ظل احتمالات السيطرة الأجنبية على استهلاك الغذاء أحد أهم المكونات الرئيسية ليس للأمن الاقتصادي العربي فحسب، وإنما للأمن القومي العربي بأكمله، فالدول المصدرة للغذاء هى دول اقليمية ومتقدمة اقتصاديًا ويمكنها ممارسة سياسة احتكار القلة، ما يؤثر فى السوق العالمية للغذاء، ويؤثر بالتالي فى حرية القرار الاقتصادي والسياسي للبلدان العربية، ولهذا فإن اعتقاد البعض فى كون استيراد الغذاء لمن يملك المال، يعتبر أفضل اقتصاديًا من انتاجه هو اعتقاد خاطىء فى الواقع، علاوة على من يملك الغذاء يتحكم فى الأمن الغذائي للدول، وتستخدم الغذاء كأداة للضغط على تلك الدول المحتاجة للغذاء كالدول العربية.

وبالتالى يقع على عاتق الحكومات العربية، وضع استراتيجيات وخطط اقتصادية فعالة، تقوم على الصناعة والإنتاج، هذا الأمر لن يتحقق إلا بوجود مؤسسات ومنظمات عربية وطنية فاعلة، تعمل على ارساء استراتيجيات تنموية شاملة تتضمن مشاركة الدول العربية كاملة، فالدول العربية غنية بالموارد الطبيعية وكل بلد به موارده المختلفة عن البلد العربي الآخر، الأمر الذي يجعل من المشاريع العربية الصناعة، مشاريع تكاملية؛ ذلك مع توافر إرادة عربية حقيقية، تسعي للإستقلال الاقتصادي، والإكتفاء الغذائي؛ الأمر الذي يصاحبة تأمين الاقتصاد العربي.

  • التركيز على الحل العسكري فقط لمواجهة الخطر الأمني

مع تزايد الخطر الأمني للإرهاب فى الفترة الأخيرة، انتهجت القوى العربية حلًا وحيدًا لمواجهة ذلك الخطر، وهو الحل الأمني العسكري، فالنظر للإرهاب على أنه قضية أمنيةفقط، يعتبر أمرًا غير مجدي لخلع ظاهرة الإرهاب تلك من جذورها، فالتعامل معها عسكريًا فقط داخل المنطقة العربية، دون اتخاذ أساليب وحلول أخرى، بجانب الحل العسكري، كالتنشئة السياسية الصحيحةوالتى تقوم على المشاركة السياسية الحقيقية والفعالة، ومع نشر برامج توعية، والإلتزام بمبادىء الديمقراطية وتحقيقها((أي معالجة المسببات الأساسية للإرهاب))، فأمننة الإرهاب لم تزيد من الشعور بالأمن من قبل شعوب المنطقة، بل على العكس تمامًا؛ ويرجع ذلك لتراجع الثقة فى الأجهزة الأمنية،[87] وذلك بسبب التكاليف الضخمة التى تكلفتها دول المنطقة، والتى هي بالأساس أموال الشعب، والتى من المفترض أن تنفق على مشاريع اقتصادية تحسن من دخل الفرد ورفع مستواه المعيشي فى المجتمع العربي، فتكلفة تلك العمليات الأمنية والإجراءات الأمنية هذه قد سلبت أموال وحريات شعوب المنطقة وأنتهكت خصوصيتهم تحت غطاء إجراءات أمنية.

فالحرب والاستخدام المفرط للأداة العسكرية، دائما ما ينتج عنه عنف وتطرف، وهو ليس الحل الفعال، فيقول “دانيال بي بولجر”:  أن الحرب على أفغانستان والعراق لمكافحة الإرهاب لم تجلب سوي مزيد من الإرهاب، حيث جلبت اسطورتين إرهابيتين وهما ((تنظيمة القاعدة، وداعش))؛ وبالتالى فعلى الدول العربية أن تقدم سياسات جديدة تحترم حقوق الإنسان، ومشاركة كل فئات المجتمع بصورة تجعل المساواة هى السمة الأساسية فى المجتمعات العربية، لأن الظلم والقهر هما بداية التطرف وأساس تكوين الجماعات الإرهابية، كما يتطلب تغيير الثقافة السياسية بالمجتمعات العربية بما يؤدى إلى تجديد لا يعادي الدين، ودين متماشي مع متطلبات العصر.[88]

  • ضعف المؤسسات الإقليمية العربية، وغياب استراتيجية عربية إقليمية واضحة.

عند  دراستنا للأمن القومي العربي، نجد عدم وجود استراتيجية أمنية عربية، كما لا توجد استراتيجية ورؤية إقليمية عربية محددة كتركيا وايران، فالدول العربية ليس لها هدف جماعي، الأمر الذي يوضح مدي عشوائية السياسات العربية بالمنطقة، فدائما هم المفعول بهم، وليسوا الفاعلين؛ ودائمًا هناك تاخر تحليل الخطر كما يتسم الرد الفعل العربي لتلك المخاطر الأمنية فى المنطقة بالبطء الشديد، والتردد فى اتخاذ القرار، وعدم توافر الأدوات والآليات التى يجب أن ينفذ بها تلك القرارات الكثيرة المتخذة فى اجتماعات جامعة الدول العربية.

فجامعة الدول العربية ليس بها آلية مجلس الأمن العربي، ولا آلية عسكرية وقوات مشتركة، ولا مؤسسة للإغاثات الإنسانية؛ كي يتم تفعيل إتفاقية الدفاع المشترك، تلك الإتفاقية التى هى عبارة عن حبر على ورق.[89]

فالدول العربية دائما ما تكون ردود فعلها فردية، ليس ضمن تنسيق ومشاركة لكافة الدول العربية.أما عن مؤسسات الفكروالإعلام فى الدول العربية، هي الأخرى غير فعالة، وتشبه نظم تلك الدول، فهي لا تقدم الدعم الكافي لمجابهة تلك المتغيرات الأمنية الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية، ويمكن إرجاع ذلك إلى غياب التنشئة السياسية، الأمر الذي جعل من شعوب المنطقة العربية غير فاعلين سواء على المستوي المحلى أو الإقليمي.

ومن أهم أسباب ضعف الجامعة العربية على سبيل المثال، أسلوب التعيين القائم على أساس المحاصصة، وبالتالى فمعظم الخيارات تكون غير مناسبة، سواء على مستوى التخصص، أو الكفاءة والجدارة، بالإضافة إلى انتقال عدم فاعلية النظم الداخلية للدول الأعضاء من بيروقراطية روتينية، إلى الجامعة العربية.[90] فلكى تعمل الجامعة العربية بفاعلية وبشكل أكثر تأثيرًا، لابد من إصلاحات ليست على مستوى المنظمة أو داخل أجهزتها، بل على مستوى الدول الأعضاء، أولًأ وسينتقل ذلك تلقائيًا للجامعة، كما يفعل الاتحاد الأوروبي بحيث لا تنضم أية دولة جديدة إلا إذا كانت كافية لجميع الشروط والمواصفات

كل تلك العوامل تؤكد مدى فشل الدول العربية فى التعاطي مع القضايا الأمنية ضمن إطار تعاوني تشاركي كامل، لكن دائما هناك حلولًا لتلك المشكلات، وقد تحدث عنها الكثير من مفكرى السياسة والاقتصاد العرب، ولكن هل من سميع، الوطن العربي ملىء بالمقدرات البشرية والفكرية، التى تستطيع أن تنتشل دول المنطقة من هذا التدهور الشامل على كافة المستويات، لكن يأتى السؤال هل تسمح الحكومات العربية بذلك؟!

ويأتي التصدي لتفشي الفشل بالدول العربية أهم الخطوات الواجب اتخاذه للتصدي للأخطار الأمنية، فهناك ارتباط وثيق بين مستوى فشل الدول، وقدرتها على التصدي للمخاطر. فالدولة الفاشلة هي تلك الغير قادرة على حماية أراضيها، والسيطرة على حدودها، كما أنها الدولة التى تفقد احتكار استخدام القوة المشروعة على أراضيها، وفقدانها شرعية اتخاذ القرارات العامة، وتنقيذها، وعجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة لمواطنيها.[91] وطبقًا للتقرير الدولي للدول الأكثر فشلًا عام 2016م، فكان من ضمن أكثر الدول على مستوى العالم فشلًا/ منهخم 3 دول عربية ((سوريا، اليمن، ليبيا))، وكانت باقي الدول العربية من بين الدول الأشد فشلًا، أو الأكثر تعرضًا للفشل.[92]

ومن الطرق التى يمكن من خلالها مواجهة فشل الدول، أولًا معالجة أسباب الفشل، كعمل اصلاحات اقتصادية مرحلية على المدي القصير، ووضع خطط اقتصادية على المدى البعيد، أما على المستوى الاجتماعي والسياسي أيضًا، علاوة على عمل برامج تنشئة سياسية، تنقِح الوعي المجتمعي من تأثير الأفكار الموجهة من الخارج؛ فمواجة الفشل ليس ذات أهمية على المستوى المحلي داخل الدول فقط، بل مهمًا على المستوى العربي والإقليمي، فالدول الفاشلة ذات الصراعات الداخلية تنتج مخاطر على أمن دول الجوار، بل وتهدد بفشلها هي الأخرى.[93]

الخلاصة

يغيب عن الدول العربية الرؤية السياسية والاستراتيجية الخاصة بالأمن القومي، وما يسبقها من الرؤيةالتحليليةللمخاطر الأمنية، والأهم عملية صنعها ومدخلاتها، وديناميكايتها وما يترتب عليها من تغير المنظومات الدفاعية والأمنية، وليس المقصود منها فقط شروط تطبيق الديمقراطية، والحق فى معرفة الشعوب بذلك، بل لإعتبارات فنية واستراتيجية مهمة، كما يغيب أيضًا خبرات تخصصية على درجة عالية من العمق والتكامل والمناقشة النقدية.

ويعتمد مستقبل إقليم الشرق الأوسط على العلاقات والتفاعلات بين دول المنطقة، سواء غلب الصراع على العلاقات، أم تجاوز الصراع إلى التعاون؛ فالصراعات استمرارها يؤدي لمزيد من المخاطر الأمنية فى الإقليم خاصة الصراعات الطائفية، وانتشار الجماعات الإرهابية.

فالواضح والأكيد أن العلاقات بين دول الإقليم لا تشير إلى التعاون على الأقل فى الوقت الراهن، وفى إطار المخاطر الأمنية التى تطول كل دول الإقليم، خاصة لوجود دول داخل الإقليم متهمة بتمويل الإرهاب ودعمه، واقتناع البعض أنه بمنأى عن تلك المخاطر.

كما ترتب على تلك المخاطر الأمنية تهميش القضية الفلسطينية، والتى تعد القضية الأهم فى الشرق الأوسط، بل والتى قام عليها مفهوم الشرق الأوسط، بما يزيد عن 60 عامًا، ضمن استراتيجية غربية فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، من خلال إثارة مشكلات وقضايا تنال من أمن الدول فى المنطقة العربية.

فعدم التعاون والإجماع الإقليمي فى الدخول فى التحالف الدولي ضد داعش اكبر دليل على عدم التنسيق بين دول الإقليم، ورغبة البعض فى استمرار داعش. (( لكن عدم مشاركة تركيا أو ايران على سبيل المثال لا يعنى عدم المشاركة على المستوي المعلوماتي اللوجيستي، أو التدريبي، لكن لم تشارك عسكريًا كتركيا)).

فالنظام الإقليمي له تأثيراته على أنظمة دول الإقليم الداخلية ويحدد ملامح التحالفات الحاكمة على المستوي الإقليمي، وداخل النظم السياسية لدول الإقليم، وذلك بتأثير القوى الإقليمية على الأحزاب والجماعات والاتحادات بالداخل، كما يحدد النظام الإقليمي نمط الحكم والسياسات المتبعة تجاه القضايا المختلفة، أهمها قضايا الأمن باعتبار الأمن مسئولية دولية وإقليمية، فحالة تدخل إيران فى العراق على سبيل المثال، بعد الغزو الأمريكي تُركت الساحة السياسية العراقية لإيران منفردة دون منافس عربي على الرغم من أنها دولة عربية؛ نتج عن ذلك اتباع إيران سياسات تحويل العراق لتابع كلي، ليس فقط على مستوى التوجهات السياسية والأيديولوجية، بل على مستوى السياسات الأمنية بالمنطقة، فالعراق محطة مهمة لتوريد السلاح والمقاتلين الإيرانيين إلى كل من سوريا لدعم نظام الأسد، حزب الله بلبنان.  فتتزعم إيران الساحة الأمنية فى كل من العراق وسوريا كما بدعمها للحوثيين باليمن يصبح لها تأثيرًا أمنيًا مهما باليمن، فهى تطوق الجزيرة العربية من كل اتجاه فى الشمال والجنوب والشرق، وبالتالى تعتبر إيران أهم فاعل إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، وأخطره على الأمن القومي العربي، فلدى إيران كل مقومات الفاعل الإقليمي ((اقتصاد جيد، جيش قوي، قوة دبلوماسية إقليمية ودولية)).

ومن أسباب عدم الاستقرار الأمني فى المنطقة العربية خاصة، والشرق الأوسط عامة، شبكة التحالفات الدولية والإقليمية فنجد روسيا وإيران وتركيا فى تحالف، مقابل الولايات المتحدة والتى تكون حلف مصري خليجى، ضد الإرهاب في المنطقة.

وعلى الرغم من أن روسيا بتحالفها الإيراني التركي تسعي لتفاهم إيراني-خليجي، إلا أن التحالف الروسي وما يقابله من التحالف الأمريكي، يعكس صورة الصراع الدولي الإقليمي بالمنطقة، فكلتا القوتين (روسيا والولايات المتحدة)، تسعي لتقوية حلفائها فى المنطقة، فصعوبة التفاهم بين القوى الكبري لحل القضايا الصراعية بالمنطقة؛ يعني اشتداد الصراع، واستمرار التهديدات الأمنية.

وبالنظر لهذه الحالة التصارعية بين قوى الإقليم المختلفة، بل والقوى الكبرى العالمية، يعطي نتيجة واحدة وهى عدم استقرار الإقليم وزيادة التهديدات الأمنية، الناتجة عن تضارب المصالح؛ مما يؤدي إلى اضعاف الدول العربية باعتبار أن الصراعات قائمة على أراضيها، وتدهور اقتصادياتها، وتراجع مؤشرات حقوق الإنسان؛ نتيجة لترأس القضايا الأمنية. مع مزيد من التقسيم وتغيير لخريطة الدول والمنطقة بالكامل.

وجامعة الدول العربية، لا يعطى أعضاؤها إهتمامًا للقرارات التى تُتخذ داخلها؛ لإقتناعهم بعدم جدية تنفيذها فى الواقع، فغياب قاعدة الإلزام داخل المنظمة، جعل منها غير مجدية فى القضايا الأمنية بالخصوص.

ولكي تستعيد الدول العربية دورها الإقليمي مرة أخرى، يجب أن تكون أكثر فاعلية، بحيث يكون هناك خططًا محددة، ووسائل مناسبة لتنفيذ تلك الخطط، بما يتناسب مع احتياجات مجتمعاتهم الداخلية، واحتياجات الإقليم، وذلك فى إطار محكم من المبادىء والقيم المجتمعية العليا، أي يكون هناك ترابط بين الدور الإقليمي، والمجتمع الداخلي، بما يعزز نظرة الجماهير للقيادة، على أانها ممثلة للشعور الجمعى العام.فالعوامل الداخلية كالثقافة والاقتصاد، وغيرها، هى الأهم فى عملية مواجهة المخاطر الأمنية.

فتعقيد عملية تحليل المخاطر وصعوبتها النسبية فى آراء المتخصصين، وعدم اليقين فى خلاصتها، تبقى مسألة لازمة فى صنع الاستراتيجية والتخطيط الأمني والدفاعي، فالمناهج والنظريات تتيح رؤية نقدية وتفكير جمعي وتبادلي إلا أنها لا تنهي حالة الغموض فى هذه المسألة. فأهم المخاطر الأمنية التى حدثت فى العالم لم يمكن التنبؤ بها، ولكن مع مرور الوقت أصبحت الاستجابة أسرع وفاعلة، أى على الدول التى تتعرض للخطر الأمني أن تكون على قدر كبير من الاستعداد.

كما يمكن الاستجابة للمخاطر على مستوى العربي من خلال بناء قدرات دفاعية وأمنية مشتركة على قدر من التركيب والمرونة، بحيث يمكن استخدامها للتعامل مع جملة واسعة من المخاطر، وذلك يعنى توزيع الوحدات الخاصة الأمنية على مناطق الإهتمام والنفوذ المختلفة.

وما تشهده المنطقة مؤخرًا من تطورات جديدة ومفاجئة، من تحالفات عربية وتطبيع مع إسرائيل، والتى كانت المهدد الأول للأمن العربي، وما يقابله من عودة العلاقات التركية-الإيرانية وتبادل الزيارات الرسمية بين البلدين، يوحي بأن الإقليم الشرق اوسطى مقبل على أحداث مهمة، سوف تحدث بالمستقبل القريب.

الهوامش:

[1]مروان محمد حج محمد، الأمن فى العلاقات الدولية، الموسوعة السياسية، تاريخ الدخول 22/8/2017.

http://political-encyclopedia.org/2016/11/06/

[2]Svetlana Cebotar and Ionxe Nofontov,”Theoretical-Methodological Aproaches to Regional Security”,PostModern Openings, Bucuresti, Vol-7,Sep, 2011, PP 18-19.

[3]Jonthan Fisher, “Mapping Regional Security in the Greater Horn of Africa: Between National Interests and Regional Cooperation,”, April 2014. http://library.fes.de/pdf-files/bueros/aethiopien/10855.pdf

[4]أنظر، الأمن القومى  National Security ، 16/9/2017، على الموقع. http://kuwaitsecurity.blogspot.com.eg/2009/09/national-security.html

[5]انظر محمد وليد الجلاد ، الأمن القومى، الموسوعة العربية، 18/9/2017، على الموقع.

https://www.arab-ency.com/ar

[6]حليمة بوزناد، دلال أحسن، “تأثير الأقليات على الأمن الإقليمي فى منطقة الشرق الأوسط: أكراد سوريا نموذجًا”، جامعة العربي التبسي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، رسالة ماجيستير، تبسة، 2016، ص ص (21-22).

[7]نفس المرجع السابق، ص(23).

[8]محمد عزيز شكري، الإقليمية، الموسوعة العربية، 18/9/2017، على الموقع.

https://www.arab-ency.com/ar/

[9]أنظر، واقع الأمن العربي، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، 19/9/2017. على الموقع. https://www.politics-dz.com/threads/uaqy-almn-alqumi-alyrbi.2201/

[10]وصفى محمد عيد عقيل، “الأمن القومي لدول المشرق العربي وإشكالية البرنامج النووي الإيراني”، مجلة دفاتر السياسة والقانون، الجزائر،يونيه 2016،  العدد15، ص 139.

[11]محمد مجاهد الزيات،العلاقات العربية- العربية بعد الثورات.. التحديات والملامح الجديدة، موقع العربية، 9/5/2013،دخول 23/9/2017، على الموقع، http://www.alarabiya.net

[12]زينب حسنى عز الدين مرجع سابق.

[13]غازي حسين، الشرق الأوسط الكبير: بين الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، ص12.

[14]محمود صلاح الدين، مفهوم الشرق الأوسط ، جريدة دنيا الوطن، 20-9-2017، على الموقع. https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2007/07/06/95653.html

[15] كمال سالم الشكري، “مشروع الشرق أوسطية والأمن القومى العربي”، مجلة جامعة مشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، دمشق، مجلد28، 2012، عدد 1، ص515.

[16]صلاح عبد العاطي، مشروع الشرق الأوسط وتداعياته على الأمن القومي العربي، الحوار المتمدن، دخول بتاريخ 25/9/2017، على الموقع . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=88815

[17]صلاح عبد العاطي، نفس المرجع السابق.

[18]غازي حسين، مرجع سابق، ص11.

[19]كمال سالم الشكري، مرجع سابق، ص516.

[20]محمود صلاح الدين، مرجع سابق.

[21]على الدين هلال، جميل مطر، النظام الإقليمي العربي: دراسة فى العلاقات السياسية العربية، كتب عربية، الطبعة الثالثة ، ص24، 21/9/2017، على الموقع. www.kotobarabia.com

[22]على الدين هلال، جميل مطر، مرجع سابق، ص 25.

[23] انظر  الموقع الالكترونى، أخر دخول 20/9/2017. http://www.buyemen.com/news29510.html

[24]صفاء عزب، تبعات الربيع العربي: ميليشيات مسلحة وفوضى ودمار، 22/9/2017، على الموقع. https://aawsat.com/home/article/109511

[25]جمال عب الجواد، “مستقبل الشرق الأوسط تصنعه قوي الحاضر”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 2015، عدد يناير، ص ص (68-69).

[26]صفاء عزب، مرجع سابق.

[27]حمدان رمضان محمد، “الإرهاب الدولي وتداعياته على الأمن والسلم العالمي دراسة تحليلية من منظور اجتماعي”، جامعة الموصل، مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، الموصل، 2011، العدد11، المجلد11، ص(271).

[28]مصطفى علوي، مستقبل الإرهاب: التنافس بين داعش والقاعدة، المركز العربي للبحوث والدراسات،تاريخ الدخول22 /9/2017، على الموقع. http://www.acrseg.org/39343

[29]يسري العزاوي، “مستقبل غامض: مصير التنظيمات المتطرفة فى العالم العربي”، المركز العربي للبحوث والدراسات، دخول بتاريخ 22/9/2017، على الموقع. http://www.acrseg.org/37965

[30]يسري العزاوي، مرجع سابق.

[31]أحمد موسي بدوي، إشكالية التأويل: جذور التطرف والعنف لدى التنظيمات الإرهابية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، دخول فى 23/9/2017، على الموقع. http://rawabetcenter.com/archives/3814

[32]نادية سعد الدين، “عبء الإنكشاف : ادارة فشل الدولة السورية بين مراوغات الحسم والتسوية”، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 2017، ملحق تحولات استراتيجية، عدد ابريل، ص 21.

[33]مهى يحى، “اللاجئون وصناعة الفوضي الإقليمية العربية”، مركز كارينغي للشرق الأوسط، دخول بتاريخ 23/9/2017، على الموقع. http://carnegie-mec.org/2015/11/09/ar-pub-62393

[34]مهى يحي، مرجع سابق.

[35]انظر، تقرير، كيف تؤثر قضية اللاجئين السوريين على أمن المنطقة؟، موقع الوقت الإخباري، دخول بتاريخ 24/9/2017، على الموقع. http://alwaght.com/ar/News/18970/

[36]انظر، تقرير، مرجع سابق.

[37]مهى يحي، مرجع سابق.

[38]نفس المرجع.

[39]مهى يحي، مرجع سابق.

[40]انظر، تقرير، مرجع سابق.

[41]أحمد زكي عثمان، “تأشيرات القدرات السيبرانية فى الصراعات الإقليمية، المركز الإقليمي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة السياسة الدولية ، القاهرة، 2017، ملحق اتجاهات نظرية عدد 208،ص18.

[42]أحمد زكي عثمان، مرجع سابق، ص 19.

[43]عادل عبد الصادق، “أنماط”الحرب السيبرانية” وتداعياتها على الأمن العالمي”،  مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة،ابريل 2017، العدد208، ص 32.

[44]جمال محمد غيطاس، الأمن المعلوماتي والجرائم الإلكترونية، أدوات جديدة للصراع، مركز الجزيرة للدراسات، دخول بتاريخ 25/9/2017، على الموقع. http://studies.aljazeera.net/ar/issues/2012/02/2012229132228652960.html

[45]عادل عبد الصادق، مرجع سابق، ص31.

[46]أحمد زكي عثمان، مرجع سابق، ص 21.

[47]وليد غسان سعيد جلعود، “دور الحرب الإلكترونية فى الصراع العربي الإسرائيلي”، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، رسالة ماجيستير، نابلس، 2013، ص 109.

[48]وليد غسان، مرجع سابق، ص113.

[49]نفس المرجع السابق، ص110.

[50]عادل عبد الصادق، مرجع سابق، ص 33.

[51]أحمد المصري، “دور إسرائيل فى ضرب مرتكزات الأمن القومي العربي”، جامعة غزة، عمادة الدراسات العليا، دخول بتاريخ 25/9/2017، عالموقع. http://k-astal.com/index.php?action=detail&id=116

[52]انظر، موقع  العربية، دخول بتاريخ 25/9/2017، https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2014/06/05

[53]أحمد المصري، مرجع سابق..

[54]وليد غسان سعيد جلعود، مرجع سابق، ص123.

[55]أمانى هانى عبد عطا الله، السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع في  سوريا،(القدس،  دار االجندى للنشر والتوزيع، 2016)، ص250.

[56]محمد السعيد إريس، إيران والأمن القومي العربي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع. https://www.dohainstitute.org/ar/ResearchAndStudies/Pages/art7.aspx

[57]عليراز نادر و ف. ستيفان لارّابي، “العلاقات التركية الإيرانية في شرق أوسط بات متغيرًا”، معهد RAND للدفاع الوطني،  كاليفورنيا، 2013. دخول بتاريخ 26/9/2017\، على الموقع. https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR200/RR258/RAND_RR258z1.arabic.pdf

[58]وليد محمود عبد الناصر، مكاسب إيران وخسائرها من الحرب على الإرهاب، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 2015، عدد199، ص ص( 108-109).

[59]نفس المرجع السابق، ص 109.

[60]عليراز نادر و ف. ستيفان لارّابي، مرجع سابق.

[61]محمد السعيد عبدالمؤمن، إيران و محاولات استعادة الحلم الإمبراطوري، مركز الأهرام السياسي والاستراتيجي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، يوليو 2015،  العدد201، ص ص (92-94).

[62]أحمد عبد العزيز، التفاعلات الإقليمية حول الأزمة السورية، مركز دراسات الربيع العربي، سبتمبر 2013 دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع. http://arabspring.code95.info/2013/09

[63]إبراهيم محمد منيب نوري عبد ربه، الأبعاد السياسية لموقف حزب الله من الصراع على السلطة فى سوريا، القدس، 20016،  دار الجندى للنشر والتوزيع، ص ص 68-71.

[64]What Is Iran Doing in Syria?,( Foreign Policy, Sept 21, 2012). http://foreignpolicy.com/2012/09/21/what-is-iran-doing-in-syria/

[65]إسلام أحمد حسن، هل نشهد عصرًا إيرانيًا فى المنطقة العربية؟الدور الإيرانى فى سوريا: ضرورة استراتيجية، مصر العربية، سلسلة تحليلات، 31مارس2015،  http://www.masralarabia.com/

[66]محمد بن صقر السلمى، ايران وحزب الله والموقف من الصراع فى سوريا،  مستقبل الشرق للدراسات والبحوث، نقلًا عن صحيفة أراء حول الخليج، دخول بتاريخ 26/9/2017 موقع المركز.  http://falsharq.com/

[67]إبراهيم محمد منيب نوري عبد ربه، الأبعاد السياسية لموقف حزب الله من الصراع على السلطة فى سوريا، القدرس، 2016، درا الجندي للنشر والتوزيع،  ص ص( 100-102).

[68]هشام بشير، أبعاد متشابكة: تنامي الدور الإيراني فى المنطقة العربية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع . http://rawabetcenter.com/archives/15619

[69]وصال الورفلي،  “السياسة الخارجية التركية: الثابت والمتغير على ضوء الانقلاب العسكري”، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع. http://www.csds-center.com/

[70]أحمد سعيد نوفل وآخرون، “أزمة السياسة الخارجية التركية وانعكاسها على العلاقات العربية-التركية ودور تركيا الإقليمي”، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان، دخول بتاريخ 26/9/207، على الموقع.http://www.mesc.com.jo/CrisesTeamReports/12.pdf

[71]أحمد داوود اوغلو،محمد ثاجى وطارق عبد الله،العمق الاستراتيجي ـ موقهع تركيا ودورها فى الساحة الدولية، الدوحة، ترجمة محمد ثاجى وطارق عبد الجليل، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2010، ص240:235.

[72]سعيد الحاج،”محددات السياسة الخارجية التركية إزاء سوريا”، مركز إدراك للدراسات والاستشارات،  دخول بتاريخ 26/9/2017، علي الموقع. http://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/02/turkey-foriegn-policy-syria.pdf

[73]بنود التفاهم المشترك في فيينا2، سكاى نيوز عربي،  دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع.. http://goo.gl/XXjMAU

[74]سعيد الحاج، التنافس الامريكى-الروسي فى دعم أكراد سوريا، دخول بتاريخ26/9/2017، على الموقع. http://goo.gl/YZu8td

[75]وصال الورفلي، مرجع سابق.

[76]نفس المرجع السابق,

[77]ناجي الزيدى، أهداف التدخل العسكري التركي فى العراق، جريدة الزمان، دخول بتاريخ 26/9/2017، على الموقع. https://www.azzaman.com/?p=140004

[78]دلال محمود السيد، “مقومات مفقودة: معضلات الدولة القائد فى النظم الإقليمية والدولية”، مجلة السياسة الدولية،ملحق اتجاهات نظرية، القاهرة،  ابريل 2014، العدد 196، ص 16.

[79]فراقد داود سلمان، “العلاقات التركية-الإيرانية”، مجلة دراسات إيرانية، 2012، العدد(15)، دخول بتاريخ27/9/2017، على الموقع. https://iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=61609

[80]كرم سعيد، التقاطع التركي-الإيراني، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، ابريل 2017، العدد 207، ص 140.

[81]خالد حنفي على، التهديد الحدودي بين مأزق الدولة وتغيرات المنطقة، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، يوليو 2015، العدد 201، ص3.

[82]حسام ميرو، أزمة الهوية والأمن القومي العربي، السياسة الدولية، دخول بتاريخ 25/9/2017، على الموقع. http://www.siyassa.org.eg/News/11945.aspx

[83]عبير ربيع يونس، “آثار النزعة الأمنية على فاعلية المساعدات الخارجية”، مجلة السياسة الدولية، ملحق اتجاهات نظرية،القاهرة، يناير2017، عدد207، ص ص (19-20).

[84]ستيتي الزازية، “الثروة البترولية والأمن الاقتصادي العربي”، مجلة المستقبل العربي، دخول بتاريخ 27/9/2017، على الموقع. http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_432_stiti.pdf

[85]نفس المصدر السابق.

[86]نفس المصدر السابق.

[87]شادي عبد الوهاب، “توظيف أمننة الإرهاب فى هيمنة القوة وانتهاك الحقوق”، مجلة السياسة الدولية، ملحق اتجاهات نظرية، القاهرة، يناير 2017، العدد 207، ص 34.

[88]كمال حبيب، حدود فاعلية التحالف الدولي فى مواجهة الإرهاب، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، يناير 2015، عدد 199، ص 101.

[89]محمد أنيس سالم، الدول العربية فى مواجهة خطر داعش، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، يناير 2015، العدد 199، ص ص (105-106).

[90]على الدين هلال، الخروج المتعثر: اللا تكامل العربي وتحدي بلوغ رشد الاختيار، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، القاهرة، يوليو 2015، العدد 201، ص6.

[91]رامي عاشور، “فشل التأسيس: جنوب السودان من الانفصال إلى التردي فى الصراع الإثني”، مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، القاهرة، ابريل 2017، العدد208، ص 31.

[92]دلال محمود، “متلازمة التدهور، بحثًا عن مقاربة نظرية لفشل الدولة فى الشرق الأوسط” مجلة السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، ابريل 2014، العدد208، ص9.

[93]نفس المرجع السابق،  ص11.

تحريرا في 15-12-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى