مقالات

تركيا وازمة سد النهضة

بقلم الباحث:  محمد عادل عثمان – المركز الديمقراطي العربي

 

يعود مشروع سد النهضة إلى مخطط قديم رسمه  “دالبو كيرك” منذ خمسمائة عام، وهو أحد اشهر السياسيين البرتغاليين وقائد كان مولع بالكشوفات البحرية حيث رسم ” كيرك” مخططه  حول ازالة تحويل مجرى نهر النيل ليحرم مصر من ارضيها الخصة فيتم إهلاكها وإخضاعها، وقد كتب” دالبو ” إلى ملك البرتغال يطلب منه صناع مهرة ليقوموا بفتح ثغرة بين سلسلة التلال الصغيرة التى تجري عند النيل ” اثيوبيا حاليًا” ولكنه توفي عام 1515، ثم احبط  هذا المخطط  من خلال الخلافة العثمانية منذ عام 1517 وهو يحدث الان عبر سد النهضة.

ودخلت تركيا في صدام مع مصر بعد 30 يونيو 2013  خاصة أن تركيا كانت هي الخاسر الأكبر من التغير الحاصل، فعدى تيار الاسلام السياسي المشترك لحكام تركيا والإخوان في مصر، كان للعلاقة المتوقعة بين البلدين أن تعزز نفوذ تركيا في الشرق، وتفتح أسواق مصر الضخمة لاستهلاك صادراتها، مما جعلها تتخذ ردة فعل عدائية ، هذا الرد بدأ بشن تركيا حملة إعلامية ضد النظام المصري، ثم حملة دبلوماسية  وصولًا إلى تعزيز التعاون بينها وبين اثيوبيا ،  عبر عدة صور من التعاون اشهرها هو الدعم التركي لبناء سد النهضة والذى يمثل استكمال بناءه خطراً حقيقياً على مصر واقتصادها وشعبها، وسيؤدي إلى تقلص المساحة الزراعية المصرية بنسبة تصل إلى 25% بحسب الخبراء، كذلك يخدم المشروع، كذلك يخدم المشروع تركيا ليشكل ورقة ضغط على النظام المصري.

وقد أتي الحراك التركي المتزايد في أفريقيا مدفوعا بعدة دوافع وأهداف، منها الدافع الفكري الذي ينطلق من الأفكار التي يتبناها الحزب الحاكم، حول مركزية تركيا باعتبارها دولة مركز وليست دولة هامش، وهو ما يفرض عليها أن تكون سياستها الخارجية أكثر حيوية واتساعا، وبإطلاق شعار “تركيا القوية”، يسعى الأتراك للعب دور أكبر في السياسة الدولية في أماكن متعددة منها أفريقيا.

وقد بدا واضحا في حديث الرئيس التركي، تركيزه على الجانب الاقتصادي، خاصة مع إثيوبيا التي تعد الدولة الأفريقية الأولى من حيث الاستثمارات التركية، من ناحية أخرى، يبدو توقيت التدخل التركي عبر السودان للضغط على مصر، مرتبط بشكل ما ، بعودة العلاقات بين بلاده وإسرائيل إلى طبيعتها، إذ أن المصالحة بين الطرفين، إنما على حساب مصر واقتصادها، عبر تعاونهما الثنائي في أثيوبيا لجعل الاقتصاد المصري، ومن ثم السلطة الحاكمة في مصر، تحت رحمة القوى الإقليمية.

وعقب الزيارة الاخيرة التى قام بها الرئيس التركي للسودان وقع عدة اتفاقات مع النظام الحاكم هناك منها إدارة تركيا لجزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر، كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها،كما وقع الجانبان 12 اتفاقية أخرى على رأسها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي، ويبدو أن موضوع سد النهضة يأخذ حيزا على طاولة النقاش التركية السودانية، وعقد رؤساء أركان جيوش كل من تركيا والسودان  اجتماعا في الخرطوم لبحث سبل التعاون العسكري، ومن المؤكد أنه يهم السودان أن تكتسب حماية من تركيا، وأن تستفيد من إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية، خاصة في سبيل استخدمها كورقة ضغط على مصر خاصة بعد تصاعد لهجة الخطاب السياسي بين البلدين بسبب ازمة سد النهضة والموقف السوداني من السد الذى بات يقلق الجانب المصري.

وتبدو تركيا ماضية في نشاطها وفعاليتها السياسة والاقتصادية في سبيل الضغط على مصر عبر البوابة الاثيوبية والسودانية، وإذا استمر نجاح أنقرة فإن أمامها مستقبلا كبيرا قد يؤهلها لمنافسة قوى كبيرة بشكل أفضل، ولذلك فإن نشاطها في أفريقيا يمكن أن يشكل نقاطا إيجابية في رصيدها السياسي والاقتصادي لتواصل مسيرتها، لذلك تدخلها في اثوبيا وسيطرتها علي جزيرة سواكن، يعني أنها سوف تكون محط انظار الكثير من الدول الافريقية خاصة في إطار تقديم المساعدات الاقتصادية للقارة وستكون بذلك قوة بحرية لا يستهان بها إذ أن وجودها على جزيرة سواكن الواقعة على البحر الاحمر يعني زيادة قدرتها العسكرية في افريقيا .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى