تداعيات أمن الممرات البحرية الدولية “مضيق باب المندب” على السياسة الأمريكية
-المركز الديمقراطي العربي
حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة من أن الصراع مع الجمهورية الإسلامية سيكون “أمُّ الحروب كلها“. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعليقه بأنّ إيران “لطالما ضمنت الأمن” في مضيق هرمز – الممر المائي الضيق نسبياً الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، والذي تمر عبره 40 في المائة من صادرات النفط العالمية – اعتُبر تأكيداً للتهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق فعلاً وليس إنكاراً لها.
وتقود السعودية تحالفا تدخل في الحرب اليمنية في 2015 بهدف إعادة الحكومة المعترف بها دوليا إلى السلطة وكبح ما تصفها الرياض بطموحات طهران التوسعية في المنطقة.
وبدأ التحالف المدعوم من الغرب هجوما في 12 يونيو حزيران لانتزاع الحديدة من الحوثيين بهدف قطع خط الإمداد الرئيسي للحركة التي تسيطر على معظم المناطق المأهولة بالسكان في اليمن ومنها صنعاء.
لكن التحالف لم يحقق مكاسب كبيرة وأوقف في الأول من يوليو تموز العمليات لإعطاء الأمم المتحدة فرصة لحل الوضع في الحديدة. وقتل الصراع اليمني أكثر من عشرة آلاف شخص.أيدت السعودية والإمارات بقوة قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وتتهم الدولتان طهران بتزويد الحوثيين بالسلاح بما في ذلك الصواريخ وهو ما تنفيه الجماعة وإيران.
في 25 تموز/يوليو، هاجم المتمردون الحوثيون ناقلة نفط مدنية في البحر الأحمر غربي ميناء الحديدة اليمني. وكانت السفينة – ناقلة نفط كبيرة جداً مزدوجة الهيكل ترفع العلم السعودي، وتحمل اسم “أرسان” – قد غادرت ميناء رأس تنورة في 16 تموز/يوليو محملة بنحو مليوني برميل من النفط إلى مصر.
ومنذ الهجوم، علقت السعودية حركة ناقلات النفط عبر مضيق باب المندب، وسوف تستمر مثل هذه الإخلالات في تدفقات الطاقة العالمية إلى أن تغادر القوات الحوثية محافظة الحديدة الساحلية.
وحول الحد من هجمات الحوثيين على السفن المدنية في باب المندب والتداعيات على السياسة الأمريكية يقول مايكل نايتس وهو زميل أقدم في معهد واشنطن، قام بزيارة اليمن ومنطقة الخليج ثلاث مرات هذا العام لدراسة التكتيكات الدفاعية الساحلية للحوثيين وأسلحتهم. والباحث فرزين نديمي هو زميل مشارك في المعهد، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج في تحليل نشره معهد واشنطن:
لدى الولايات المتحدة التزام طويل الأمد بضمان أمن الممرات البحرية الدولية، حيث يتمّ نقل أكثر من 4 ملايين برميل من النفط يومياً عبر مضيق باب المندب. ووفقاً لذلك، على واشنطن دعم التزامها باتخاذ الخطوات التالية لضمان أمن هذا الممر المائي الحيوي:
- تحذير الحوثيين من شنّ أي هجمات إضافية على الشحنات، فضلاً عن هجمات صاروخية ومن خلال طائرات بدون طيار ضد منشآت الطاقة السعودية على الساحل الغربي.
- الاستعداد لشنّ ضربات في حال استمرار الهجمات، لأن التحذيرات الأمريكية لا تخلّف عادة أثراً كبيراً على الحوثيين ما لم تكن مدعومة باستخدام القوة. يتعيّن على أي ضربات استهداف قدرات الحوثيين على شن هجمات على الشحنات واستخدام الطائرات بدون طيار على طول ساحل البحر الأحمر، كما حصل حين ضربت إدارة أوباما منشآت الرادار هناك عام 2016.
- جمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية ضد “السفينة الأم” الإيرانية “سافيز”، التي هي سفينة شحن راسية على أرخبيل دهلك على البحر الأحمر. ويستخدم الجيش الإيراني السفينة “سافيز” على الأرجح لتزويد الحوثيين ببيانات استهداف من أجل شنّ هجمات ضد سفن الشحن. وقد تكون مراقبة السفينة عن كثب والتهديد بكشف دورها الاستخباراتي المشبوه كافيين لجعلها تغادر المنطقة. وفي المقابل، إذا تمكنت السلطات من إثبات تورطها في الأنشطة العسكرية، فقد يكون لديها الحجة للصعود على السفينة والاستيلاء عليها، الأمر الذي قد يوفر المزيد من الأدلة على انتهاك إيران لنظام عقوبات الأمم المتحدة ودعمها الهجمات ضد سفن مدنية.
- تسريع وتيرة مفاوضات الأمم المتحدة. يجب عدم إعاقة عملية الأمم المتحدة الرامية إلى إقناع الحوثيين بالانسحاب من ساحل البحر الأحمر من خلال المماطلة المفتوحة. وإذا لم يوافق الحوثيون على الاقتراح خلال فترة زمنية محددة، فعلى الأمم المتحدة إبلاغ الشركاء في الائتلاف الخليجي بأنهم وفوا بالتزامهم بالسعي لإيجاد حل سلمي للتهديد الذي يواجه حركة الشحن، وأن بإمكانهم اتخاذ إجراءات أكثر قوة عندما تدعو الحاجة لذلك.
تفاصيل الهجوم وردود الفعل:
تم ضرب ناقلة النفط “أرسان” في مؤخرتها فوق خط المياه، حيث أظهر تحليل الصور حدوث حفرة بعرض مترين إلى ثلاثة أمتار ووقوع ضرر ضئيل ناتج عن الحريق في الهيكل الخارجي. وكان السبب الأكثر احتمالاً هو إطلاق صاروخ كبير غير موجه من زورق هجومي سريع كان خلف الناقلة. أما الاحتمال الأقل ترجيحاً، فهو توجيه ضربة من صاروخ مضاد للسفن ملاصق لسطح البحر على غرار الصاروخ اليمني “سي-801” أو الصاروخ الإيراني الصنع “سي-802″، أو ربما من طائرة كبيرة بدون طيار محملة بالمتفجرات. وقد يكون قد تم تفجيرالرأس الحربي داخل خزان الصابورة الخلفي الكبير في السفينة، مع بعض المؤشرات على وقوع أضرار ناتجة عن الدخان حول الباب على سطح السفينة إلى الأعلى. بعد ذلك، تم مرافقة ناقلة النفط التي تمكنت من التقدم باستعمال طاقتها الخاصة بسرعة مخفضة نحو ميناء جازان السعودي، مصحوبة بالفرقاطة السعودية “إتش إم إس الدمام”، التي (بخلاف ما ورد في بعض التقارير) لم تتضرر من الهجوم.
ورداً على ذلك، أعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن “السعودية ستعلّق جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب… إلى أن يزداد الأمر وضوحاً، وتصبح الملاحة عن طريق باب المندب آمنة”. ومن الناحية النظرية، بإمكان الرياض استخدام خط الأنابيب السعودي “بترولاين” (الذي يتمتع بقدرة على نقل 5 ملايين برميل في اليوم) لتجنب عبور المضيق وتسليم كمية الخام المتضررة المتراوحة بين 500 و700 ألف برميل في اليوم إلى الجهة الشمالية من مرافئ التصدير على البحر الأحمر في ينبع. لكن يبقى الواقع بأن الهجمات التي شنّها المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران لا تزال تعرقل حركة المرور في ثالث أهم مضيق للشحن في العالم بعد هرمز وملقا، في الوقت الذي حذرت فيه طهران من أن أي عقوبات تفرضها الولايات المتحدة على صادراتها النفطية ستدفع بها إلى وقف جميع صادرات النفط من الخليج العربي.
ولم يرد المسؤولون السياسيون الإيرانيون بعد على الهجوم على “أرسان”، لكن الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، ألقى اللوم على السعودية بسبب الوضع الراهن “غير الآمن” في البحر الأحمر. ومن جانبهم، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم على “أرسان”، كما ادّعوا زوراً أنهم ضربوا الفرقاطة السعودية “الدمام” والمطار الرئيسي في عاصمة الإمارات، أبوظبي.
نمط مهاجمة السفن المدنية:
بالإضافة إلى الضربات التي استهدفت السفن الحربية الأمريكية والسعودية والإماراتية في الفترة 2016-2017، تشكل حادثة “أرسان” واحدة من عدة تهديدات وهجمات شنها الحوثيون ضد سفن الشحن المدنية بالقرب من باب المندب على النحو التالي:
- هجوم بواسطة مركب موجه عن بعد على ميناء نفط، 16 حزيران/يونيو 2017. تمّ استخدام الزورق الموجه عن بعد المحمل بالمتفجرات والذاتي التوجيه من نوع “شارك-33” الذي يمكن برمجته لتحديد هدف باستخدام أنظمة تلفزيون إلكترونية- بصرية، في هجوم غير ناجح على منشأة تحميل بحرية سعودية في جازان.
- تهديد سفن الشحن، 12 تشرين الثاني/نوفمبر، 2017. أعلنت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين أن “البوارج وناقلات النفط التابعة للعدوان وتحركاته لن تكون في مأمن من نيران القوات البحرية اليمنية [الحوثية] إذا ما أصدرت القيادة العليا التوجيهات [بشن هجوم]”.
- هجوم صاروخي على ناقلة نفط، 3 نيسان/أبريل 2018. أطلق زورق هجومي حوثي سريع، النيران على السفينة السعودية المزدوجة الهيكل “البقيق” قبالة ساحل الحديدة، إما باستخدام القنابل الصاروخية أو الصواريخ التكتيكية.
- هجوم صاروخي على سفينة محملة بالمواد الغذائية السائبة، 10 أيار/مايو 2018. تم استهداف ناقلة البضائع السائبة التي تحمل العلم التركي، “إنسي إنيبلو” بصاروخ، ووصفت بعثة مكافحة القرصنة الأوروبية “القوة البحرية للاتحاد الأوروبي” ذلك الهجوم بقيام “جهات فاعلة مقرها اليمن بإطلاق صاروخ أرضي أو قذيفة على السفينة”.
- نشر الألغام البحرية بشكل عشوائي منذ ﻋﺎم 2015. ﻓﻲ أﻣﺎكن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، أطلق الحوثيون ألغاماً منجرفة في باب المندب، طافت لمسافة وصلت إلى 90 كيلومتراً جنوب غرب عدن بعد عبورها عبر المضيق. ووفقاً لأحدث تقرير سنوي أعده فريق خبراء الأمم المتحدة حول اليمن، صدر في 26 كانون الثاني/يناير 2018، تم العثور على 44 لغماً بحرياً في البحر الأحمر وخليج عدن في عام 2017، من بينها أربعة تم تفجيرها باستهداف سفناً تجارية.
- الاستخدام العسكري للرادار ضد سفن مدنية راسية. تُفيد بعض التقارير بأن الحوثيين ينتهكون باستمرار قانون النزاع المسلح من خلال إرغام متعهدي النقل البحري التجاري في المراسي في الحديدة والصليف على السماح لهم باستخدام الرادارات البحرية على متن السفن لمراقبة البحر الأحمر وإصدار بيانات مستهدفة. ويبدو أن هذا الإجراء دخل حيز التنفيذ بعد أن أمرت إدارة أوباما بتوجيه ضربات دمرت أنظمة الرادار الساحلية الحوثية في تشرين الأول/أكتوبر 2016.
تأمين حماية ساحل البحر الاحمر:
ستتمكن القوات الحوثية من تهديد حركة الشحن الدولية طالما تسيطر على أي جزء من ساحل اليمن على البحر الأحمر. وفي حزيران/يونيو، ساهم التقدم العسكري الكبير الذي أحرزته الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وحلفاؤها من الائتلاف الخليجي في تحرير 100 كيلومتر من الخط الساحلي، لكن ما زالت 200 كيلومتر أخرى تحت سيطرة الحوثيين بين الحديدة وميدي. وحتى إذا وافق الحوثيون على تسليم ميناء الحديدة أو منطقة المدينة الرئيسية إلى الحكومة بموجب اتفاق برعاية الأمم المتحدة، فستظل لديهم القدرة على ضرب حركة الشحن الدولية واستيراد الأسلحة من إيران عبر نقاط إنزال على الشاطئ [وعن طريق] ميناء الصليف الكبير. وعلى نحو مماثل، إذا ما حافظوا على سيطرتهم على أجزاء داخلية من محافظة الحديدة، سيظل بإمكانهم إطلاق طائرات موجهة بدون طيار تستهدف النقل البحري.
وتُبرز هذه التهديدات ضرورة إبعاد القوات الحوثية عن جميع مناطق ساحل البحر الأحمر من أجل جعل باب المندب ومنافذه الحيوية آمنة لحركة الملاحة البحرية. وتستعد حالياً الحملة الساحلية التي تقوم بها اليمن بدعم من الإمارات لمرحلة جديدة من العمليات الهجومية، بتركيزها وحدات على بعد أقل من 10 كيلومترات جنوب مدينة الحديدة ودعمها بشكل كبير. كما يتمتع الجيش الإماراتي بحرية كاملة في المناورة على طول الخط الساحلي شمالي الحديدة، حيث تمّ الاحتفاظ بقوات برمائية إماراتية قوية لاستخدامها في هجمات مستقبلية.
أما العامل الوحيد الذي يعيق جهوداً واسعة النطاق لتحرير ساحل البحر الأحمر فهو عدم الرغبة الواضحة للرياض وأبوظبي في دعم محادثات سلام دولية مع الحوثيين بشكل كامل. وحتى الآن، قدم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث اقتراحاً للقوات الحوثية بالانسحاب من ميناء ومدينة الحديدة، ونقل عمليات الميناء والجمارك إلى الحكومة اليمنية، والسماح بعمليات تفتيش الشحنات على الشاطئ تقوم بها الأمم المتحدة من أجل ضمان عدم انتهاك حظر توريد الأسلحة إلى المتمردين. وقد بدأ صبر الحكومة اليمنية وشركائها في التحالف ينفذ، حيث يتهمون الحوثيين بالمماطلة بغية كسب الوقت من أجل تعزيز الحديدة وتحصينها. المصدر: معهد واشنطن