محددات السياسة الخارجية الصينية تجاه الأزمة السورية
اعداد : د. محمد الأمير أحمد عبدا لعزيز – جامعة أسيوط – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
شهدت المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010 م وبداية 2011 م تحولاً سياسياً وموجة من الاحتجاجات والحراك الشعبى الذى اجتاح الدول العربية واتسم بأسلوبه المختلف وقواه السياسية والاجتماعية الجديدة وتباين تفاعلاته ما بين المطالب الإصلاحية والثورة، وتعززت بفعل رياح التغيير التى انطلقت من تونس مروراً بمصر وتفاعلت معها الشعوب العربية بما فيها الشعب السورى ولا يمكن فصل الثورة السورية عن المناخ الثورى العربى الذى ساد المنطقة العربية بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية ولا يمكن تحليلها خارج سياقاته .
والحقيقة أن الثورة السورية والتى اندلعت فى فبراير 2011 م بدأت ثورة سلمية عفوية ليس وراءها حزب معين ولا يحكمها برنامج محدد، مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وصولاً إلى المطالبة بإسقاط النظام، وتعرض خلالها الشعب السورى لكل أساليب القمع والتنكيل التى مارسها النظام السورى، وبسبب اعتماد النظام المتزايد على القوة المفرطة فى قمع الاحتجاجات واستخدام المليشيات لمواجهة الثورة ، انتهت مرحلة الثورة السلمية وظهرت بوادر التسلح فى الثورة السورية ، ويمكن اعتبار منتصف يناير 2012 بداية فعلية لتبنى الثورة السورية الكفاح المسلح .
ونتيجة لتطور الأحداث فى سوريا تدخلت عدة دول إقليمية ودولية لحلحلة الأزمة السورية، كلا منها يبحث عن تحقيق مصالحه فى سوريا ومنطقة الشرق الأوسط التى تأثرت بتطورات الأزمة السورية، ومن تلك الدول التى تبنت هذا النهج دولة الصين، وعلى الرغم من أن الصين تتبنى تقليدياً مبادئ ترفض التدخل فى شئون الدول الداخلية، واستخدام القوة فى العلاقات الدولية ،إضافة إلى مبدأ الحرص على الأمن والاستقرار، والتزامها الحياد تجاه الثورات العربية، إلا أنها انتهجت سياسة مغايرة تجاه الأزمة السورية.فعلى رغم إعلانها أنها ملتزمة بحيادها المعتاد ورفضها التدخل فى الشئون الداخلية لسوريا ، إلا أن الصين قد استخدمت حق الفيتو أربع مرات لإحباط صدور قرارات من مجلس الأمن تخص الأزمة السورية .
وهنا يثار تساؤل ما هى المحددات الحاكمة للسياسة الخارجية للسياسة الصينية تجاه الأزمة السورية والتى تخلت بسببها عن مبادئها التقليدية الخاصة بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول .
ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل من خلال محاولة التعرف على أهم هذه المحددات والتى تشمل المحدد السياسى، والاقتصادى، والامنى.
المحدد السياسى:
تتحكم عدة هواجس فى السياسة الصينية تجاه الربيع العربى عموماً والثورة السورية بشكل خاص، وتحديدا ما يتعلق منها بمفرزات الربيع العربى ويمكن رد جذور تلك الهواجس لأسباب تتعلق بالمنافسة مع واشنطن ، وتنامى فى أزمة عدم الثقة بين القيادة الصينية والإدارة الأمريكية منذ تحول اهتمام الولايات المتحدة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادى رغبة فى تطويق واحتواء النفوذ الصينى من خلال محاولة واشنطن إقامة سلسلة من الأحلاف الأمنية لتطويق واحتواء الصين خاصة مع الهند واستراليا، ومعارضة الصين للموقف الامريكى المتشدد من كوريا الشمالية وإيران بسبب برامجهما الصاروخية والنووية، وكذلك صفقات السلاح إلى تايوان والتى بلغت قيمتها أكثر من 6,4 بليون دولار وهى الصفقة التى صبت الزيت على النار المشتعلة بين البلدين، وأيضًا المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بالقرب من الشواطئ الصينية.
وقد دفع كل ذلك الصين لإعادة النظر فى حساباتها وتغيير رؤيتها الإستراتيجية لتتوافق مع التحديات التى يواجهها الصعود الصينى كلاعب استراتيجي فى المنظومة الدولية، وبذلك بدأت تتسم العلاقة بين الطرفين بالتنافس فموقف الصين تجاه الأزمة السورية يمثل احد ردود الفعل المباشر على الإعلان الامريكى عن تحول فى إستراتيجيته نحو منطقة المحيط الهادى الأسيوية التى تعد منطقة تنامى النفوذ الصينى، مما يجعل الصين تعمل على مواجهة الولايات المتحدة فى مناطق أخرى وقد شكلت الأزمة السورية فرصة للصين للقيام بذلك بعد مساس الولايات المتحدة بمصالحها الجوهرية من خلال دعم الموقف الروسى من جهه، والحصول على دعم روسى فى مجلس الأمن بشأن بعض، القضايا المتعلقة بدول تعتبرها الصين حلفاء استراتيجيين لها .
وترى الصين بالتوازى مع الرؤية الروسية أن هناك تحالفاً جديداً يتشكل بين الغرب والتيار الاسلامى الصاعد ستكون له تداعيات سلبية على طموحات كل من روسيا والصين، كما تخشى الصين أن يؤثر سقوط النظام السورى الحالى على مكانة إيران الإقليمية كحليف استراتيجي لسوريا حيث تمثل إيران موقعا مركزيا فى سلم الأولويات الصينية بسبب تضافر الجيوبولتيك،وتأمين الواردات من الطاقة، ويساهم التحالف مع إيران بتسهيل المهمة الصينية فى دخول الشرق الأوسط فى الاستراتيجيات العالمية وفك عزلة الصين عنه فإيران هى الحليف شبه الوحيد للصين فى هذه المنطقة التى تؤمن 45% من وارداتها النفطية .
المحدد الاقتصادي:
تعد منطقة الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم تأثيراً فى عملية التنمية وهى حاضرة فى الإستراتيجية الاقتصادية للصين حيث تكمن مصلحة الصين الاقتصادية التى تعمل على ترسيخ مبادئها من خلال سياستها الخارجية مما يضمن تأمين تدفق مصادر الطاقة وتأمين الدخول إلى الأسواق منتهجة دبلوماسية التنمية مع الدول المتقدمة والغنيــــــة،من منطلق المصلحة رغبة فى تأمين متطلبات التنمية الاقتصادية التى تعد الهدف الأكبر لاستقطاب استثماراتها وفتح أسواقها، لان هذه التنمية تؤمن لها الاستقرار الداخلى والدور العالمى.
وفى هذا الإطار تسعى الصين إلى تأمين موارد الطاقة اللازمة، فهى تعانى من محدودية مصادر الطاقة – باستثناء الفحم – ويعد التزايد فى استهلاك الصين من مصادر الطاقة المختلفة نتيجة منطقية لتزايد عدد السكان، فالصين أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان . وكذلك تزايد فى مستوى النمو الاقتصادي فى البلاد، إذ تعد الصين من أكثر الاقتصاديات نمواً فى العالم فى الوقت الحالى.
وفرض كل ذلك على الصين استيراد كميات كبيره من النفط من الخارج ، حيث تعد ثان أكبر مستورد للنفط فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغ معدل استيراد الصين من النفط يوميًا 6,7 مليون برميل فى عام 2015، ومن المتوقع أن تتزايد حاجة النفط لتصل إلى معدلات أكثر فى السنوات القادمة؛ ولذلك تولى الصين أهمي كبر لتغطية هذه الاحتياجات من خلال بناء شراكات اقتصادية عديدة مع الدول المنتجة للطاقة كروسيا وإيران ودول عربية فى الشرق الأوسط كالسعودية، إضافة إلى سعى الصين إلى توسيع نشاطها الاقتصادي عبر تطبيق خطة ( طريق الحرير الجديد ) التى أعلن عنها الرئيس الصينى ” شى جين بينج ” عام 2013 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي عبر إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحرى لتعزيز الربط الدولى، ودعم حركة التجارة، وسيربط هذا الطريق بين قارا آسيا وإفريقيا وأوربا حيث أنه سيمر ب65 دولة من بينها سوريا التى تعد عقدة المرور بين آسيا الوسطى والقوقاز إلى أوربا والخليج العربى، بالتالى فإن خطة طريق الحرير الجديد سوف تؤمن للصين احتياجاتها المختلفة من الطاقة لاسيما النفط بالإضافة الى توسيع صادراتها لتشمل دولاً أكثر .
المحدد الأمنى:
تخوف بكين من وصول صدى الثورات العربية إلى أراضيها، خاصة عندما نشرت نداءات مجهولة الهوية عبر الانترنت تحث على الاحتجاجات مستلهمة ما حدث من انتفاضات عربية وخرجت مظاهرات فى عدد من المدن الصينية فى 20 فبراير 2011 عرفت بالاحتجاجات الصينية من أجل الديمقراطية أو ” ثورة الياسمين ” واستمرت شهراً كاملاً
وتخشى الصين كذلك من سيطرة الأحزاب الدينية فى دول الشرق الأوسط خوفا من أن يشكل ذلك تصعيدًا لحراك عدد من الحركات الانفصالية فى الصين وعلى رأسها المسلمون ،ويحارب بعض أفراد الأقليات الصينية المسلحة الموجودة فى الصين الى جانب المعارضة فى سوريا ومنهم متشددون صينيون من قومية الأيغور منهم من انضم إلى صفوف تنظيم داعش وآخرين يقاتلون إلى جانب الجماعات الأخرى ، ناهيك عن وجود فرع للحزب الاسلامى التركستانى فى سوريا الذى أعلن عنه عام 2014 وتتخوف الصين من انتقال هؤلاء الصينين لتنفيذ عمليات مسلحه فى الداخل الصينى وكان ذلك احد دوافع الصين لإقرار قانون لمحاربة الإرهاب فى ديسمبر 2015 وهو قانون يمنح الصين الحق فى القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب فى الخارج إذا وافقت الدول المعنية .
الخاتمة:
تنطلق الصين فى سياستها الخارجية تجاه الأزمة السورية من خلال عدد من المحددات التى رسمت طريقة تعاملها مع تلك الأزمة، وبات واضحاً أنه أصبح لدى الصين الرغبة فى أن يسمـــــع العالم صوتها فيما يخص الأزمة السوريـــــــــة، وأن استخدام حـــــق النقض ” الفيتو ” لعرقلة قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا يظهر أن الصين تجاوزت سياسة الحياد السلبى كمنهج لسياستها الخارجية، ورفض للهيمنة الدولية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المحدد الاقتصادي كان حاضراً وبقوة فى توجهاتها حيال الأزمة السورية لتأمين تدفق مصادر الطاقة خاصة النفط، والذى يعد قاطرة التنمية بالنسبة للصين، ولعب المحدد الامنى دوراً هاما فى رسم السياسة الصينية تجاه الأزمة فى سوريا؛ خاصة أنه يعكس رغبة الصين فى تحقيق الاستقرار على أراضيها و حمايتها من تأثيرات غير مرغوب فيها للثورات العربية، فى ظل وجود توترات فى بعض المناطق الصينية ذات الأقلية المسلمة .