دوافــع ومــآلات الأزمة الدبلوماسية بين المغــرب والسعــودية
اعداد : أميرة أحمد حرزلي، باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
لم تشهد العلاقات المغربية ـ السعودية توترا واضحا في تاريخهما الحديث كما تشهده العلاقات بينهما اليوم، وقد بدى ذلك جليا في تصريحات والتصريحات المضادة لمسؤولي البلدين، لاسيما أن المملكة المغربية كانت الى وقت قريب حليفا استراتيجيا لدول الخليج وللسعودية تحديدا في منطقة المغرب العربي، وقد ذكرت مصادر إعلامية سابقا أنه كان هناك مقترح بإدراج المغرب والأردن ضمن مجلس التعاون الخليجي لتصبحان عضوتان فيه.
فبقدر ما يكون هناك قضايا تعاونية تجمع السعودية والمغرب، بالتأكيد هناك قضايا أخرى خلافية بين يختلفان بشأنها خاصة اذا تعلق الامر ب” الامن القومي” فبعد بث قناة العربية السعودية تقريرا يظهر فيه المغرب كقوة احتلال لإقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو بعد خروج اسبانيا منه سنة 1975 غضب المغرب واعتبر ذلك مساسا بسيادته، ومن هذه القضية بدأت تتأزم العلاقات وتتوتر بشكل فعلي وعلني وتتكشَف قضايا أخرى ساهمت حقيقة في جعل العلاقات المغربية ـ السعودية في الآونة الأخيرة ضبابية باردة وغير مفهومة.
- وعليه نسأل في هذا المقال عن أسباب الخلاف المغربي ـ السعودي؟ وكيف سيؤثر في المستقبل على العلاقات فيما بينهما؟
نبحث في الموضوع من خلال محورين هما:
- أولا: دوافع الخلافات المغربية ـ السعودية
- ثانيا: مآلات الخلافات المغربية ـ السعودية
أولا: دوافع الخلافات المغربية ـ السعودية
فجر التقرير الذي بثته قناة العربية التابعة للسعودية في 30 من جانفي المنصرم تقريرا يظهر فيه خريطة المغرب بدون إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه مع البوليساريو، الذي يعتبره المغرب من ” حقها وجزء من أراضيها “، ومنه اعتبر التقرير المغرب قوة غازية محتلة للإقليم منذ1975 أي منذ انسحاب اسبانيا منه، الامر الذي أزعج المغرب لدرجة انها استدعت سفيرها في الرياض للتشاور وعلقت مشاركتها في العمليات العسكرية للتحالف السعودي في الحرب على اليمن.
فقضية التقرير كشفت عن تراكمات أخرى وقضايا إقليمية ساهمت بشكل او باخر في تصعيد الخلافات بين البلدين ومن بينها:
- موقف المغرب من الازمة الخليجية: فقد كانت الازمة الخليجية وحصار قطر وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية السعودية والبحرينية، المصرية والامارتية مع قطر في الخامس من جويلية 2017 امتحان لاختبار العلاقات السعودية المغربية والتي اصطدمت بحياد مغربي في بداية الازمة ثم الوقوف مع قطر ومساعدتها بإرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية في شهر رمضان، انطلاقا حسبها من تعاليم الدين الإسلامي، وهو ما أزعج السعودية التي تريد بشكل او باخر تسعى إقامة تحالف ضد قطر مع حلفائها، لكن رد الفعل المغربية لم تكن كما تتوقعها السعودية.
- تصويت السعودية ضد ملف المغرب في منديال العالم 2026: حتى الرياضة كان لها نصيبها من الخلاف السعودي المغربي، لاسيما بعدما صوتت السعودية للملف الأمريكي ـ الكندي ـ المكسيكي المشترك لاحتضان منديال العالم 2026 على حساب الملف المغربي، والتي فاز فيها الملف المشترك ب134 صوتا مقابل 65 صوتا للمغرب، وقد ردت الاخيرة بشكر خاص لقطر وأميرها لانهم صوتوا لصالحها.
- تعليق مشاركة المغرب في اجتماعات التحالف السعودي وعملياته العسكرية: غاب المغرب عن اجتماع وزراء الاعلام لدول التحالف السعودي في جدة يوم 23 جوان من العام الماضي، وقد أصدرت وزارة الثقافة والاتصال المغربية بيانا تؤكد فيه ان وزيرها للثقافة والاتصال لن يشارك فيه لارتباطات متعلقة ببرنامجه، وقد أشار محللون الى احتمال ان يكون ذلك مؤشر على وجود خلاف مغربي سعودي في هذ الشأن.
- جولة أبن سلمان الى دول المغرب العربي باستثناء المغرب: فبعد قضية مقتل الصحفي خاشقجي واتهام ولي العهد بقتله وما تلاها من انقسام دولي، أجرى الاخير جولة عربية ومغاربية لإعادة الاعتبار لنفسه، قبل توجهه الى اجتماع مجموعة العشرين في الارجنتين، اثارت جولته المغاربية في تونس والجزائر واستثناء المغرب تساؤلات كثيرة وحصل هناك جدل اعلامي كبير بين من قال ابن سلمان هو من رفض زيارة المغرب وبين من قال بأن المغرب هو من رفض زيارة ابن سلمان لها على ضوء قضية مقتل خاشقجي، وبعيدا عن أي الرأيين أصح، فذلك مؤشر بوجود أزمة حقيقية بين المملكتين.
- ظهور وزير الخارجية المغربي على قناة ” الجزيرة القطرية”: تصرف اخر يقعد الازمة بين المملكتين وهو ظهور وزير الخارجية المغرب ناصر بوريطة في برنامج حواري على قناة الجزيرة القطرية، اين أشار الى ان بلاده ستعيد النظر في مشاركتها ضمن التحالف السعودي في الحرب على اليمن، وذلك يأتي حسب مراقبين بعد سقوط طائرتها العسكرية بنيران الجيش اليمني، وارتفاع القتلى المدنيين والضغوطات الدولية على السعودية لإيقاف حربها على اليمن.
ما يمكن استنتاجه ان التقرير التلفزيوني عن إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه كشف عن تراكمات لقضايا سريعة أزمت العلاقتين كان للبعد الداخلي والخارجي الإقليمي دور كبير له فيها.
ثانيا: مآلات الخلافات المغربية ـ السعودية
اذا ما أردنا استشراف العلاقات المغربية السعودية في ضوء الخلاف الحاصل وكيف سيؤثر على مستقبلها يمكن القول أنه يمكن تجاوز الخلافات الموجودة بأساليب الحوار واحترام قرار ومصالح كل منهما للأخر بالنظر الى تاريخ المملكتين الحضاري والمصالح الاستراتيجية بينهما، وبتغليب المصالح الثنائية البلدين لكي لا تؤثر سلبا على مدى بعيد على مستقبلهما، وهذا تحديدا مكمن الخلل فاءن هذه المؤشرات غير متوفرة حاليا فيهما، حيث ان كل من المغرب والسعودية متمسكتان بسياستهما وبأسلوب الفعل و رد الفعل واستفزاز بعضهما البعض وهذا من شأنه ايصال الازمة الحالية الى طريق مسدود في ظل غياب وسطاء دوليين لتسويتها.
خاتمة:
نستنتج في الختام الخلاف السعودي والمغربي المستجد أسست له جملة متغيرات إقليمية ودولية من قضية الصحراء الغربية، الازمة الخليجية مع قطر، تبعات قضية خاشقجي، منديال 2026 …تفاعلت سريعا ليخرج للعلن، ومع ذلك يمكن القول ان تلك الخلافات ليست عميقة وطويلة الأمد بالتالي يمكن حلها وتسويتها بين مسؤولي البلدين انطلاقا من تغليب المصلحة المشتركة بين البلدين اللذين يعتبران حليفين تاريخيا و استراتيجيا.