مقالات

هاجس التحول الديمقراطي

بقلم : د.عادل حسين – المركز الديمقراطي العربي

 

ان مفهوم الديمقراطية هو مفهوم ، في الواقع ، منبثق عن الشعوب الحرة التي بلغت من مستوى الفكر  و النضج و بعد النظر في تقرير مصيرها الى أبعد الحدود، ليس فقط لبلورة مدى عمقها في معرفة العالم و تحديد معالم علاقة الانسان بأخيه الانسان و علاقة الانسان بالطبيعة ، بل أيضا حتى تضع أسس الحفاظ على استمرارية النسل و الحرث في اطار القيمة الانسانية و التفكير البشري المتطور .

اضافة الى أن هذا المفهوم للديمقراطية ، في رأينا ،  انبثق ليس فقط ليعبّر عن الصيرورة “الانتروبولوجية”  للمجتمعات  التي تتوفّر فيها كل مقوّمات الوحدة في أغلب عناصر النسيج الحياة الاجتماعية و الخصوصيّات التي تختصّ بها ، بل أيضا لينفرد في ابراز ما يعكس عناصر السيادة الترابية و القومية .

و في هذا السياق، نستطيع القول أن هذا المفهوم قد لعب دورا هاما في استقرار هذه المجتمعات و تمكينها من كل العوامل  و العناصر التي تشكّل القوة الفاعلة في ليونة المشهد الطبيعي بين يديها ممّا يجعلها في المقدّمة الاولى لتحديد الصبغة التي ينبغي أن تصطبغ بها المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة سيما في العالم الذي يتكلم اللّغة العربية.

و تجدر الاشارة الى أن المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة  ،الى حدّ  الآن ،  بالإضافة الى أنها  تبحث عن سيادتها  في ظلّ مسارها   للموروث  التاريخي و الحضاري ، فهي  في نفس الوقت مازالت تعتبر من ضمن العناصر التي تمّ التّمكين منها من طرف المجتمعات المنبثقة عنها مفهوم الديمقراطية ، بل ظلّت في انفصام  ما بين مقوّمات وحدة الكيان الاجتماعي ،عبر مسار وجودها ،  و اليات التداول على السلطة لخدمة الناس و الشأن العام.

و بالتالي ، نستطيع القول أنّه من الغفلة ، عندما يريد الانسان ،الذي يكتسب الحدّ الادنى من العمق في التأمل و النّظر في واقع الحياة اليوم ، أن يصل الى يقين أنه بالإمكان تطبيق مفهوم الديمقراطية في المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة ، طبعا ،  لأن ذلك لا يخدم بالضرورة اللّوبيات العالمية للمال و النفوذ و” الايديولوجية العالمية ” باعتبارها تتعارض مع مصالحها من جهة ، و لا تتقاطع مع اهدافها الاستراتيجية البعيدة المدى في اطار المسار التاريخي من جهة اخرى.

و بالتالي ان ما يحدث الان من الاحداث و الوقائع و الاحوال هو عبارة عن سيناريوات جغرا-استراتيجية ناجمة عن مراكز للبحث الاستراتيجي التابعة للقوة العظمى في العالم كمحاولة لتجسيد عدّة تجارب في سبيل ايجاد العناصر الجديدة و المتطور ، في سياق الزمان و المكان ، لتحديد نوعا اخر من العلاقات مع شعوب المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة .

لان الشحّ في الموارد الطبيعية و الأزمات التي تعيشها المجتمعات المنبثقة عنها مفهوم الديمقراطية جعلها تنكبّ الى ايجاد معادلة ،  من ناحية لا تتعارض مع المبادئ التي أسست في ضوئها أنظمتها ، ذات الشعارات الانسانية و النبيلة ، و من ناحية اخرى تمكّنها من الابتعاد عن الشبهات في عدم استقرار تلك المجتمعات ، بالإضافة الى استغلال كل ما يمكن استغلاله من امتصاص مواردها الطبيعية .

و لذا أنّ الأمر يدفع الى أن لا تكون ردود الافعال مبنيّة على انطباعات أو ميولات ذاتيّة ممزوجة بما يحمله الفرد  في داخله ، بل ينبغي  ان تكون المواقف صلبة تقوم على الحكمة و الوعي           و الانتباه المستمرّ في استشراف المستقبل و ذلك من خلال طريقة تفكير مجرّدة حتى و لو كان ذلك يؤدّي الى عدم العيش في كنف  التغيير ، المهمّ هو   تأسيس و انتاج نمط فكري جديد يقوم على تغيير قواعد اللعبة لبناء الطريق للأجيال القادمة .

و بناء عليه ، فان الواجب المعرفي و الاخلاقي و الانساني و التاريخي يدفعنا الى   ليس فقط أن نثمّن  الحراك الانساني الرائع و التاريخي في المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة  طلبا للحرية و الكرامة   و العدالة الاجتماعية و التبادل السلمي على السلطة ، بل أيضا ينبغي أن نشير  الى أن الحراك الشعبي الرائع الذي نشهده الآن ، خاصّة في المنطقة العربية ،   يعتبر من أهمّ العناصر المشكّلة للمعادلة السياسية في هذه المرحلة التاريخية ، لذلك اختارت المؤسسة العسكرية الى أن تنضم الى الحراك و تشرع في اقالة وجوه الانظمة  البائدة.

لكن اريد ان انوه ،في هذا السياق، الى أنّ الحراك اذا لم تنبثق عنه الية واقعية و عملية تبلور خريطة الطريق لما بعد الحراك في الشارع و الانتقال الى مرحلة انتقالية سلسة في اطار السلم الاجتماعي و تحقيق اهداف الحراك الشعبي لا يمكن ان نقول أنه قد أستطاع أن يترجم  امال و انتظارات الشعوب فقط بل يمكن أن يقع في فخّ الجدل العقيم و الاستقطاب الايديولوجي المقيت  و التحييد عن البوصلة الحقيقية التي تحرّكت من اجلها الشعوب و نزلت  الى الشارع  تدعوا الى تحقيق دولة العدل و القانون وكرامة الانسان و الارتقاء بالوطن…

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى