الشرق الأوسطعاجل

سيناريوهات تصفير صادرات إيران النفطية

بقلم : د. حسين البناء – أكاديمي أردني وخبير سياسات

  • المركز الديمقراطي العربي

 

يعتمد الاقتصاد الإيراني -كباقي الدول النفطية- على تصدير الخام كأحد أهم موارد الدولة. إيران تجني ما يقارب (250 مليار دولار سنويا) من بيع النفط، و وصلت صادراتها (3.5 مليون برميل يوميا) قبل العقوبات التي جعلتها تهبط حتى (1.3 مليون برميل يوميا)، النفط يشكل (60%) من موارد الدولة، و (80%) من صادراتها.

نستنتج من تلك الأرقام بأن الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل رئيسي على قطاع النفط، وأن فرضية (تصفير) الصادرات النفطية في حال تم تطبيقها بشكل تام فإنها ستشكل ضغطا حقيقيا و مدمرا على الجمهورية الإيرانية، كدولة و كنظام.

الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب) يبدو جادا في فرض أقسى العقوبات على إيران، و هو أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي سابقا، و مع (نيسان 2019) هذا فإنه سيتم وقف العمل بمبدأ (الإعفاء من العقوبات) الذي كان ساريا على ثمان دول من أبرزها الصين و الهند، التي تمثل أهم مستوردي الخام الإيراني.

نحن أمام جملة تساؤلات تنتظر الإجابة، وهي:

  • هل من الممكن تطبيق مبدأ التصفير؟ و هل من الممكن تعويض العجز النفطي السوقي بسبب ذلك؟
  • هل ستصمد إيران أمام ذلك؟
  • ما هي السيناريوهات المتوقعة كنتيجة لذلك كله؟

عملانيا، الولايات المتحدة قادرة على التهديد بورقة مصالحها التجارية مع دول العالم، الأمر الذي سيجبر غالبية الدول المستوردة للنفط الإيراني بوقفه خاصة بأنه تم ترتيب الأمور مع منتجي النفط الآخرين لسد العجز المتوقع في السوق بسبب فقدان (1.5مليون برميل يوميا)، وإذا كانت الصين و الهند حريصة على مصالحها، فإن مصالحها الواقعية اقتصاديا هي مع الولايات المتحدة و ليس مع إيران، ولكن لا نتجاهل قيمة ذلك سياسيا؛ فالقضية تبدو كتحد و هيمنة أكثر منها مجرد تجارة. وليس مستبعدا تملص بعض الدول من التطبيق الصارم للعقوبات الأمريكية.

الاقتصاد الإيراني، و النظام كذلك، سيكونان أمام تحد بالغ التعقيد في حالة تطبيق العقوبات و لو بشكل جزئي؛ فإيرادات النفط تمثل الدم الذي يغذي الدولة الإيرانية و مشروعها القومي و النووي كذلك. و لا يمكن للنظام الإيراني التخلي عن المشروع النووي باي حال كان؛ فهذا المشروع هو في قلب و عقل (آية الله خامنئي) و كامل هيكل النظام في طهران.

  • إذن ما هو سيناريو المواجهة؟ فالولايات المتحدة سائرة في العقوبات، و إيران لن تتخلى عن مشروعها!

على الأرجح، سيتم تطبيق العقوبة بشكل جزئي، و حتى هذا سيشكل ضغطا كبيرا على إيران، و لكن بذات الوقت فإنه سيتم العمل على تخفيف الأثر عبر تهريب النفط بأسعار متدنية، و الالتفاف على العقوبات عبر مداخل مثل طرح الموضوع على الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و قد تتدخل دول مثل روسيا و الصين و الهند لتدعم الموقف الإيراني بشكل أو بآخر.

  • ماذا لو تم تطبيق العقوبات لدرجة تصفير الصادرات ؟

برغم صعوبة تصفير الصادرات بنسبة تامة كما ترغب الإدارة الأمريكية و متصهيني العالم، فإن الدولة الإيرانية ستكون أمام خيارات بالغة السوء؛ فعملانيا سوف تنهار الدولة تحت وطء (تضخم مالي) هائل لا يمكن لأي اقتصاد أن يتحمله،  و من المرجح أن ينهار كذلك سعر الصرف للريال الإيراني، تحت وطأة تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية، و تراجع عوائد الصادرات و انهيار مؤشرات الدخل القومي و العائدات الحكومية في الموازنة العامة، هذا بدوره سيخلق فوضى شعبية عارمة من شأنها إثارة ثورة الجوعى في إيران، ولعل هذا هو المطلوب من الضغط الاقتصادي على إيران.

ما هي سيناريوهات النظام الإيراني أمام ذلك؟

  • السيناريو الأول:

سيكون النظام الإيراني وقتها أمام خيارات صعبة، و قد تكون (انتحارية)، أولها هو الدخول في حرب لتفريغ الضغط الداخلي و لم الصف الشعبي في مواجهة الخارج المعادي، وذلك عبر قصف صاروخي لمنشآت النفط الخليجية، و إغلاق لمضيق هرمز بالألغام، و قد يتطور ذلك لمواجهة عسكرية مدمرة مع الولايات المتحدة، و على الأرجح سيطال إسرائيل وقتها بضع مئات من الصواريخ، و بضعة آلاف من صواريخ (حزب الله) كذلك، الأمر الذي يجعل هذا السيناريو مستبعدا برغم احتماليته.

  • السيناريو الثاني:

إذا لم يتم تفريغ الضغط خارجيا، فإن حالة الانفجار الداخلي ستكون واردة جدا؛ فالثورة أمر متوقع تحت ضغط الجوع و الإفلاس للمواطن العادي، فربما يدخل النظام في حرب أهلية طاحنة و دموية لقمع المحتجين، و هنا سيكون سيناريو تدميري شامل لبنية الدولة و وحدة الشعب الإيراني.

  • السيناريو الثالث:

التحايل على العقوبات و تخفيف أثر ذلك على مجرى الحياة العام. إيران دولة متمرسة في التحايل و إغراء دول العالم بمكاسب استمرار الفعاليات الاقتصادية معها، فهي برغم كل العقوبات التي فرضت عليها سابقا استطاعت التملص و تخفيف الآثار القاسية على بنية الدولة و اقتصادها. ليس مستبعدا أن تقدم إيران مغريات قوية لدول العالم الرئيسية في سبيل الوقوف ضد مبدأ التصفير المؤلم، وقد يكون منها خفض سعر النفط الإيراني، و حوافز استثمارية، و امتيازات خاصة اقتصادية، أو حتى التنازل عن ملفات و التضحية بها مقابل استمرار التصدير مثل تقديم ورقة العراق أو اليمن أو سوريا أو حتى حزب الله؛ فالمشروع الإيراني  يتأصل في طهران أولا و يتمدد لخارجها كمحاور تفاوض عند الضرورة !

الشهور المقبلة ستكون حاسمة للمنطقة، و ربما ستشهد حربا إقليمية، أو إعادة تفاوض على اتفاق نووي جديد يحقق الرضى للولايات المتحدة و إسرائيل؛ فإسرائيل هي المحرك الحقيقي خلف كل ضغط يوجه ضد الجمهورية الإسلامية و مشروعها القومي.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى