مستقبل قاتم : أثر تشديد العقوبات الأمريكية على قوة الأقتصاد الإيراني
اعداد : سارة ناصح – باحثة اقتصادية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
يتزايد يومًا بعد أخر حدة الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بسبب أنشطة الأخيرة المزعزعة لأستقرار العالم، لذا فتتجه واشنطن إلى تشديد العقوبات الأفتصادية على طهران حتى تُضعف اقتصادها وتقلل من مصادر تمويلها للعلميات التخربيةوالأنشطة العدائية، وفي الوقت ذاته فإن إيران تسعى بشتي الطرق للأتفاف على العقوبات المفروضة عليها، لكن الأقتصاد الإيراني بدء في التدهور بصورة واضحة على إثر العقوبات.
* نبذة عن مسيرة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران:
فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية في 2018 على معظم قطاعات الاقتصاد الإيراني ومنها النفط، والبنوك، و التجارة، والصناعة المرتبطة بالمواني، وصناعة البتروكيماويات، والذهب، والمعادن، فضلًا عن بعض الصناعات الآخرى كالسجاد و السيارات، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” انسحابه من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015 بين إيران و ست دول كبرى، لكن الولايات المتحدة الأمريكية منحت بالفعل إعفاءات مؤقته من تلك العقوبات لثماني دول كبرى من مستوردي النفط الإيراني، وهم الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، و تايوان، وتركيا، وإيطاليا، واليونان، وقد سمحت هذه الاعفاءات لتلك الدول شراء النفط الإيراني بكميات محدودة لمدة ستة أشهر دون أن تقع تحت طائلة العقوبات.
* الولايات المتحدة تتخذ إجراءات جدية لتفيذ خطة “تصفير” النفط الإيراني:
تعمل ادارة الرئيس الأمريكي وحلفاءها على مواصلة الحد الاقصى لحملة الضغط الاقتصادي ضد طهران بغرض إنهاء نشاطها المزعزع للاستقرار والذي يهدد أمن الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط بل العالم برمته، وتركز حملة الضغط الامريكي على سوق النفط لانه يمثل عصب الأقتصاد الإيراني لأن عوائده تُقدر بـ 40% من إجمالي عائدات الدولة.
لذلك وجه البيت الأبيض ضربة مُوجعة للأقتصاد الإيراني، حيث أصدر قرارًا في مايو 2019، بعدم إعادة اصدار الاستثناءات التي شملت الثماني دول سالفة الذكر من العقوبات الأمريكية المفروضة على شراء النفط الإيراني، وذلك رغبه من واشنطن في تفيذ خطة تصفير النفط الإيراني أي منع إيران من تصدير النفط لأي دولة في العالم، ونتيجة لذلك القرار ستواجه الثماني دول عقوبات أمريكية اذا أستمرت في شراء النفط الإيراني بدءً من يوم 2 مايو من العام الجاري، لذا سيلتزم أكبر منتجي الطاقة وهم الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية، والإمارات، بضمان استمرار تزويد أسواق النفط العالمية بالقدر الكافي، واتفقت الدول الثلاث على اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب لضمات تلبية الطلب العالمي مع إزالة جميع النفط الإيراني من السوق.
* الاقتصاد الإيراني يترنح امام خطة التصفير:
أقر الرئيس الإيراني “حسن روحاني” بالتأثير السلبي للعقوبات الأمريكية على الأقتصاد وأوضح أن طهران تمر بأصعب أزمة أقتصادية منذ 40 عام، ويمكن إيضاح ضعف الاقتصاد الإيراني من خلال التركيز على أهم وأبرز المؤشرات الأقتصادية على النحو التالي:
- الصادرات النفطية:
تراجعت الصادرات النفطية الإيرانية بقيمة تتراوح بين 500 إلى 700 ألف برميل يومياً، بالتزامن مع قرارالولايات المتحدة الخاص بإلغاء الإعفاءات لثماني دول، وهذا الانخفاض يُعادل نحو 80% من النفط الذي كانت تصدره إيران قبل فرض العقوبات الأمريكية في نوفمبر2018، وستسمر الصادرات في التراجع الحاد بعد إلغاء واشنطن للأعفاءات التى كانت تمنحها لثماني دول.
2.معدل التبادل التجاري:
أظهرت البيانات الاقتصادية هبوط ملحوظ في معدل التبادل التجاري بين إيران والعديد من دول العالم في الأشهر الأربعة الأولي لعام 2019،ووفقًا لمكتب الإحصاءات الأوروبية “يوروستات” شكلت حصة إيران أدنى من 0.5% من إجمالي التجارة الخارجية؛ فيما كان الوضع نفسه لإيران بالنسبة لشركائها التجاريين الآخرين، ويمكن إيضاح ذلك على النحو التالي:
أ. تراجع التجارة مع المانيا: تراجعت تجارة إيران مع المانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، في الشهرين الاولين من العام الحالي، حيث انخفضت الصادرات الألمانية لإيران بنسبة 52.6% لتصل الي ما يقرب من 261 مليون دولار في شهري يناير فبرايرلعام 2019، وكذلك انخفضت الواردات الألمانية من إيران بنسبة 42.2% لتصل الي 46 مليون دولار في ذات الفترة.
ب. تهاوي التجارة مع الصين: تراجع حجم التبادل التجاري بين بكين وطهران بنسبة 50% مقارنه بعام 2018، حيث انخفضت الصادرات الإيرانية الي بكين من 3 مليار و 285 مليون دولار في 2018 لتصل الي قرابة 1.1 مليار دولار منذ بداية 2019 حتى الآن، وتدنت نسبة الواردات الإيرانية من الصين بنسبة 26% خلال ذات الفترة، ومن المتوقع أن تزداد نسب التراجع في التجارة البينية بين البلدين تبعًا لتشديد الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية ع طهران نتيجة لسياستها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
- انهيار قيمة الريال الإيراني:
تواصل العملة الإيرانية التدهور حيث فقدت أكثر من 60% من قيمتها في 2018 ، وبلغ سعر الصرف الرسمي في 27 يونيو 2019 حوالي 42الف ريال مقابل الدولار، وذلك مقارنة ب 32 الف في وقت الاتفاق النووي المُبرم في 2015، وقد أدى ذلك تل تأكل الاحتياطي النقدي وفقدان الأفراد لقيمة مدخراتهم.
- هروب رؤوس الأموال الي الخارج :
تستمر وتيرة هروب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية من إيران في ظل تزايد مخاوف مستثمرين والمصدرين من الأوضاع الغير مستقرة وتصعيد الصراع بين مع واشنطن، وتشير الارقام إلى خروج رؤوس أموال سائلة تُقدر ب 30 مليار دولار، ومن المتوقع أن يواصل المستثمرون القفز من السوق الإيراني وسيكون لذلك أثر سلبي على قوة واستقرار الاقتصاد الإيراني.
- انسحاب الشركات الأوروبية والفرنسية من السوق الإيراني:
تتوالى كبرى الشركات الأوروبية والفرنسية المتخصصة في مختلف القطاعات الصناعية الهروب من السوق الإيراني أو تتجه إلى تقليص نشاطها داخله، وتزداد وتيرة الهروب من السوق كلما فرضت الولايات المتحدة حزمة جديدة من العقوبات ومن أبرز تلك الشركات “ميرسك” الدنماركية، مجموعة “انجي” الفرنسية للطاقة المرافق، و شركة “تورم” الدنماركية، وكذلك “ميرسك سيلاند” وشركة “توتال” الفرنسية التي أعلنت أنها انسحبت من عقد تطوير المرحلة 11 من حقل بارس الغازي المشترك مع قطر وهو العقد الوحيد للشركة المذكورو في ايران ، وذلك بالإضافة إلى بنك “دي زد” الألماني الذي أكد انه سيوقف تعاملاته بشكل كامل فيإيران من بداية يوليو الجاري.
* هل ستنجح الولايات المتحدة في تنفيذ خطة تصفير النفط الإيراني؟
تهاوى الاقتصاد الإيراني بسبب تشديد واشطن للعقوبات، وتراجعت صادرات النفط بنسبة كبيرة، لكن الولايات المتحدة لن تسطيع الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى صفر، لعدة أسباب، أولها ضعف قدرة الدول المنتجة للنفط على سد طلب السوق العالمي من النفط في ظل تزايد الطلب على الطاقة، وثانيها قيام إيران بمحاولات عدة لتحايل على العقوبات، وثالثها رفض الرئيس روحاني للسياسة العقوبات الأمريكية الجديدة وخطة التصفير حيث أعلن أن طهران لن توقفإصدارها للنفطكما لوح بقدرة طهران على إغلاق مضيق “هرمز” وهو مضيق حيوي لإمدادات النفط العالمية، ورابعها مساندة الصين لإيران حيث أعلنت بكينأنها ستواصل استيراد النفط الإيراني رغم فرض واشنطن للعقوبات وإلغاء قرار الإعفاءات، ختامًا ستسطيع واشنطن فرض قيود وخنق الاقتصاد الإيراني لكنها لن تنجح في تنفيذ خطة التصفير.